الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى
وآله، فأي حجة له في قوله وخصومه يقولون في جوابه: إن عمر لم يرد بكلامه إلا ما ذهبنا إليه من وجوب فرض الطاعة والرئاسة ويكونون في ظاهر الحال منتصفين منه، هذا إذا لم يدلوا على صحة قولهم في اقتضاء الخبر للإمامة وفرض الطاعة ببعض ما تقدم فيكونوا أسعد حالا من صاحب الكتاب وأظهر حجة.
قال صاحب الكتاب: " ويدل على ذلك منه أنه صلى الله عليه وآله أثبت له هذا الحكم في الوقت لأنه في حال ما أثبت نفسه مولى لهم أثبته مولى من غير تراخ ولا يصح أن يحمل ذلك على الإمامة، لأن المتعالم من حاله أنه في حال حياة الرسول صلى الله عليه وآله لا يكون مشاركا للرسول في الأمور التي يقوم بها الإمام كما هو مشارك له في وجوب الموالاة باطنا وظاهرا، فحمله على هذا الوجه هو الذي يقتضيه الظاهر وقولهم: إنه إمام في الوقت مع سلبهم إياه معنى الإمامة والتصرف في الحال لا وجه له، ويعود الكلام فيه إلى غباوة (1) وكذلك إذا قالوا إنه إمام صامت ثم يصير ناطقا لأن ظاهر الخبر يقتضي له مثل ما يقتضي للرسول، فإن أريد بذلك الإمامة وجب أن يكون له أن يتصرف فيما إلى الإمام برأيه واجتهاده من دون مراجعة الرسول، وليس ذلك بقول لأحد ومتى قالوا: يفعل ذلك بالمراجعة فليس له في ذلك من الاختصاص إلا ما لغيره... " (2).
يقال له: من أين قلت إن الذي أوجبه الرسول صلى الله عليه وآله في خبر الغدير يجب أن يكون ثابتا في الحال؟ فإن قالوا: لو لم أوجب ذلك إلا من حيث أراكم توجبون عموم فرض الطاعة لسائر الخلق وفي سائر
____________
(1) في الأصل والمخطوطة " عبارة " وهو تصحيف " غباوة " كما في المغني.
(2) المغني 20 ق 1 / 147.
|
قيل له: أما إذا صرت إلى هذا الوجه وأوجبت ما ادعيته من هذه الجهة فأكثر ما فيه أن يكون ظاهر الخطاب يقتضيه، وما يقتضيه ظاهر الخطاب قد يجوز الانصراف عنه بالدلائل، ونحن نقول: إنا لو خلينا والظاهر لأوجبنا عموم فرض الطاعة لسائر الأحوال وإذا منع من ثبوت ما وجب بالخبر في حال حياة الرسول صلى الله عليه وآله امتنعنا له وأوجبنا الحكم فيما يلي هذه الأحوال بالخبر، لأنه لا مانع من ثبوت الإمامة وفرض الطاعة فيها لغير الرسول صلى الله عليه وآله، وإذا كان اللفظ يقتضي سائر الأحوال فخرج بعضها بدلالة نفي البعض.
ومما نجيب به أيضا عن كلامه أنه قد ثبت كون النبي صلى الله عليه وآله مستخلفا لأمير المؤمنين عليه السلام بخبر الغدير، والعادة جارية فيمن يستخلف أن يحصل له الاستحقاق في الحال ووجوب التصرف بعد الحال ألا ترى أن الإمام إذا نص على خليفة له يقوم بالأمر بعده اقتضى ظاهر استخلافه الاستحقاق (1) في الحال، والتصرف بعدها بالعادة الجارية في أمثال هذا الاستخلاف (2) فيجب بما ذكرناه أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام مستحقا في تلك الحال، وما وليها من أحوال حياة الرسول
____________
(1) الاستخلاف خ ل.
(2) الاستحقاق خ ل.
|
فإن قيل: كيف يصح أن يكون ما اقتضاه الخبر غير ثابت في الحال
|
قال صاحب الكتاب بعد سؤال أورده وأجاب عنه لا يسئل عن مثله: " فإن قيل: كيف يجوز أن يريد صلى الله عليه وآله ذلك! وقد تبين من حاله من قبل بل من حال غيره ما يوجب الموالاة؟ وكيف يجمع الناس لمثل ذلك والحال ما قلنا؟ " ثم قال: " قيل له: قد بينا أن هذه المرتبة تفوق مرتبة الإمامة، وأن الإمامة إنما يشرف للوصول بها إلى هذه المنزلة فلا يمتنع أن يجمع له صلى الله عليه وآله لذلك الناس وليظهر هذه المنزلة له، ولو قيل: إن جمعه عليه السلام الناس عند هذا الخبر يدل على ما قلناه لأنه من أشرف المنازل لكان أقرب، وقد بينا أن في الخبر من إبانة فضله ما لم يظهر لغيره، وهو القطع على أن باطنه كظاهره فيما يوجب الموالاة، وأنه لا يتغير على الدوام، وذلك لم يثبت لغيره ولا يثبت بسائر الأخبار له، لأن المروي في هذا الباب من الأخبار لا يخلو من وجهين، أما أن يقتضي الفضل (1) في الحال، وأما أن يقتضي علاقة
____________
(1) غ " الفعل ".
|
يقال له: إن أحدا لا يسألك عن السؤال الذي أوردته على نفسك في هذا الفصل، على أن الموالاة الواجبة بالخبر هي الموالاة المخصوصة التي ادعيتها، بل على أن يكون الموالاة المطلقة التي تجب لجماعة المؤمنين، فإذا سألت عن ذلك فليس يقال لك أيضا: إن الموالاة لا يجوز أن يكون المراد لأجل أن إيجابها قد تقدم بيانه من قبل، بل الذي يقال إنها لا يجوز أن يكون المراد في خبر الغدير من قبل أن وجوه موالاة المؤمنين بعضهم لبعض في الدين قد كان معلوما لكل أحد من دينه عليه السلام، وليس يصح أن يدخل في مثله شبهة، فلو جاز مع ما ذكرناه أن يكرر عليه السلام بيانه وإيجابه لم يمتنع قول من حمل الخبر على أن المراد به من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه، وإن كان ما يفيده هذا القول معلوما لا يدخل في مثله شبهة، ولو صح أن يكون المراد ما توهمه من الموالاة المخصوصة لحسن أن يجمع صلى الله عليه وآله الناس لأن فيه فائدة معقولة غير أنا قد بينا أن الخطاب لا يقتضيه وادعاؤه لا يصح على أنه لو كان حاصلا في غيره لم يمتنع أن يجمع الناس له ليؤكد الأمر، فإن أراد بما يؤكد الموالاة
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 149.
|
قال صاحب الكتاب: " فإن قيل: كيف يجوز أن يكون المراد ما ذكرتموه مع تقديمه صلى الله عليه وآله: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم) وقد علمتم أن الجملة التابعة للمقدمة لا بد من أن يراد بها ما أريد بالمقدمة وإلا كانت في حكم اللغو، فإذا كان مراده صلى الله عليه وآله بقوله: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم) وجوب الطاعة والانقياد فما عطف
|
____________
(1) المراد بها معنى الطاعة والانقياد وإنما المراد، خ ل.
|
يقال له: أول ما نقوله إنا لا نعلم أحدا تقدم أو تأخر ممن تكلم في تأويل خبر الغدير خالف في أن مراد النبي صلى الله عليه وآله بالمقدمة هو التقرير لوجوب فرض طاعته على الأمة في سائر الأمور من غير تخصيص لبيان شرع من غيره كما لم يخالف أحد في أن قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (2) المراد به أولى بتدبيرهم، وبأن يطيعوه وينقادوا لأوامره، ومعلوم أن التقرير الواقع بالمقدمة في خبر الغدير مطابق لما أوجبه الله تعالى للرسول صلى الله عليه وآله في الآية، وموافق لمعناها، ومع هذا فقد أجاب صاحب الكتاب عن غير ما سأل عنه لأنه ألزم نفسه في السؤال أن يكون المراد فرض الطاعة من غير إضافة إلى إمامة أو غيرها، وفرض الطاعة لا يختلف في الإمام والنبي صلى الله عليه وآله.
وقال في الجواب: " إنا لا نسلم إن المراد بالمقدمة معنى الإمامة بل معنى النبوة "، وهذا عدول ظاهر عما سأل نفسه عنه على أنه قد فسر ما ذهب إليه، وادعى أن المراد ببعض ما يشتمل عليه وجوب الطاعة لأن بيان الشرع أحد ما يطاع فيه النبي صلى الله عليه وآله ولا خلاف في أن طاعته واجبة في كل ما يأمر به، وينهى عنه، سواء كان بيان شرع أو
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 150 و 151.
(2) الأحزاب 6.
|
وبعد، فإن صاحب الكتاب ادعي أن ظاهر اللفظ يقتضي أنه أولى بهم في أمر يشاركونه فيه، وفسر ذلك بما لا اشتراك فيه لأن النبي صلى الله عليه وآله وإن كان مبينا للشرع والأمة قائمة بما بينه لهم فلم تشاركه الأمة في صفة واحدة، لأن البيان الذي يختص هو عليه السلام به لا يشاركه فيه الأمة، وليس يكون قيامهم بالشرع مشاركة له في البيان،.
فإن قنع صاحب الكتاب لنفسه بما ذكره فمثله في مقتضى الإمامة، لأن الإمام من حيث وجبت طاعته يقيم في الأمة الأحكام ويأمرهم وينهاهم فيكون الأوامر من جهته والامتثال من جهتهم، وقد دللنا فيما تقدم على أن تصرف الإمام لطف في فعل الواجبات والامتناع من المقبحات، وهذا مثل ما ذكره من الاشتراك، لأن الامتناع من القبيح وفعل الواجب من جهة المكلفين، وما هو لطف فيهما من جهته وقد دللنا أيضا على أن الإمام حجة في بيان الشرع وإن كان يخالف النبي صلى الله عليه وآله من حيث كان النبي مبينا للشرع ومبتدئا بغير واسطة من البشر، وما نطق صاحب الكتاب بحمل نفسه على القول بأن التقرير اختص ببيان الشرع مع هذه المزية المخصوصة لأن شبهته في ذلك الاشتراك في الصفة، وقد بينا أنها تدخل في مقتضى الإمامة من الوجوه الثلاثة (1) التي لو لم يثبت منها إلا ما لا خلاف فيه من وجوب طاعة الإمام، ولزوم الدخول تحت أحكامه مما يقتضي الاشتراك على الوجه الذي ذكره لكان فيه كفاية في رفع كلامه.
____________
(1) وهي الأوامر من جهة الإمام، والامتثال من جهة الأمة، وكون تصرف الإمام لطف لهم في الأمر بالحسن والنهي عن القبيح.
|
وقوله: (ليس بمقصود) لا يغني شيئا لأنا قد ذكرنا أن أحدا لم يجعله غير مقصود، وأبطلنا شبهة من حمله على خلاف التقرير بفرض الطاعة، وبينا أن الذي ذكره من الوجهين إما أن يكون بعض ما وجبت له فيه الطاعة والانقياد أو إثبات صفة لا تحصل إلا لمن تجب طاعته فكأن النبي صلى الله عليه وآله إذا صرنا إلى ما ذكره صاحب الكتاب قررهم في المقدمة (1) بإحدى الصفتين اللتين قد بينا أنهما لا تحصلان إلا لمفترض الطاعة، وإذا أوجب لغيره في الكلام مثل ما وجب له في المقدمة فقد حصلت له البغية، لأن من تجب طاعته على الخلق في سائر أمور الدين لا يكون إلا الإمام إذا لم يكن نبيا.
____________
(1) قررهم أي النبي صلى الله عليه وآله في المقدمة وهي قوله: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم).
|
وقوله: " إذا لم يصح أن يراد بقوله: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم) معنى الإمامة فقد بطل ما ادعوه " فما رأيناه أبطل معنى الإمامة بشئ أكثر مما ذكروه من معنى الاشتراك، وقد بينا أنه يدخل في معنى الإمامة، وبما ذكره من امتناع إطلاق لفظ الإمام على الرسول صلى الله عليه وآله، وذلك غير مبطل لحصول معنى الإمامة في التقرير، لأنه اعتمد أن الرسول صلى الله عليه وآله وإن كان يقوم بما يقوم به الإمام، فإن الوصف بالإمامة لا يطلق عليه والمعنى حاصل له، فعلى هذا فما المانع من أن يكون التقرير وقع بفرض الطاعة وهو معنى الإمامة، لأن المراد بقولنا:
إنه بمعناها إن هذه الصفة لا تحصل بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا لمن كان إماما قائما بما يقوم به الأئمة، وإن كان إطلاق الاسم يمتنع لما ذكره.
فأما حكايته عن كثير من شيوخه دفع التواتر بالمقدمة (2) فليس
____________
(1) لم نسمه: لم نكلفه.
(2) أي دفعهم تواتر مقدمة حديث الغدير وهي (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم) وأن المتواتر عندهم (من كنت مولاه فعلي مولاه) الخ.
|
وأما اقتصار أمير المؤمنين في الاحتجاج على ذكر ما عدا المقدمة من الخبر فإنه لا يدل أيضا على بطلانها لأنه عليه السلام احتج من الخبر بما يكون الاعتراف به اعترافا بالجميع على عادة الناس في أمثال هذه الاحتجاجات، وقد تقدم الكلام في هذا وذكرنا أيضا أن طريقة التقسيم (2) غير مفتقرة إلى المقدمة، وإنما يحتاج إليها في الطريقة الأولى التي اعتمدناها، وطريق إثباتها واضح بما أوردناه، ويمكن أن يستدل على الإمامة بالخبر من وجه آخر لا يفتقر إلى المقدمة وهو أن يقال: قد ثبت أن من جملة ما يحتمله لفظة " مولى " من الأقسام معنى الإمام بما دللنا عليه من قبل، ووجدنا كل من ذهب إلى أن لفظ خبر الغدير يحتمل معنى الإمامة، وأن لفظة " مولى " يقتضيها في جملة أقسامها يذهب إلى أن الإمامة هي المرادة بالخبر، وهذه طريقة قوية يمكن أن تعتمد.
قال صاحب الكتاب: " على أن ذلك لو صح وثبت أن المراد به ما قالوه لم يجب فيما تعقبه من الجملة أن يراد به ذلك، بل يجب أن يحمل
____________
(1) من رواة المقدمة ابن عقدة - كما في أسد الغابة 1 / 367، والنسائي في مواضع من خصائص أمير المؤمنين وأحمد في المسند 4 / 372، والبزاز كما في مجمع الزوائد 9 / 107 والطبراني.
(2) أي تقسيم معاني " مولى " كما تقدم مع بيان الطريقة التي اعتمدها المرتضى تحت قوله: طريقة أخرى في الاستدلال بخبر الغدير. كما في المجمع أيضا 9 / 106 والحاكم في المستدرك 109 / 533.
|
____________
(1) غ " قبل هذه ".
(2) " الذاب عنكم " ساقطة من المغني، كما أن فيه " القيم " مكان " القائم ".
(3) مسند أحمد 2 / 247 بحروف ما في المتن ورواه بالمضمون عامة أرباب السنن في كتب الطهارة من سننهم.
(4) نبت: تباعدت، وفي " المغني " انتفت، والمنافرة: التجافي والتباعد.
|
يقال له: قد مضى في جملة ما قدمناه من الكلام ما يبطل معاني فصلك هذا، فأما نفيك لأن يكون الكلام مقتضيا لما ذكرناه لأجل المقدمة، وقولك: (يجب أن يحمل على ما يقتضيه لفظه من غير مراعاة للمقدمة) فغير صحيح لأنك أن أردت بذلك الاقتضاء على سبيل الاحتمال لا على الإيجاب فاللفظ ليس يصير لأجل المقدمة مقتضيا فغير ما كان مقتضيا له، وإن أردت بالاقتضاء الإيجاب، فقد بينا أن بورود المقدمة لا بد من تخصيص اللفظ الوارد من بعدها بمعناها، وضربنا له الأمثال، ومما يبين صحة ما ذكرناه أن قول القائل: عبدي حر وله عبيد كثير لفظه محتمل مشترك بين سائر عبيده، فإذا قال بعد أن يقرر بمعرفة بعض عبيده ممن يسميه ويعينه: فعبدي حر، كان كلامه الثاني محمولا على سبيل الوجوب على العبد الذي قدم تعيينه وتعريفه، وصار قوله: فعبدي حر إذا ورد بعد المقدمة مقتضيا على سبيل الإيجاب لما لو لم يحصل لم يكن مقتضيا له على هذا الوجه، وإن كان يقتضيه على طريق الاحتمال.
وأما قوله عليه السلام: (إنما أنا لكم مثل الوالد) إلى آخر الخبر، فغير معترض على كلامنا لأنه صلى الله عليه وآله لم يورد في الكلام الثاني لفظا يحتمل معنى الكلام المتقدم، وأراد به خلاف معناه، والذي أنكرناه في خبر الغدير غير هذا لأنه لو لم يرد بلفظة " مولى " معنى أولى لكان قد أورد لفظا محتملا لما تقدم من غير أن يريد به معنى المتقدم، وفساد ذلك ظاهر، وليس ينكر أن يكون صلى الله عليه وآله لو صرح بما ذكره صاحب
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 151.
|
قال صاحب الكتاب بعد أن ذكر التعلق بإمساك أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين عن الاحتجاج بالنص من خبر يوم الغدير في المواقف التي وقع التنازع في الإمامة فيها فقد مضى الكلام عليه مستوفى: " وقد قال شيخنا أبو هاشم: (إن ظاهر الخبر يقتضي إثبات حال ما أثبته صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام في الحال وذلك لا يتأتى في الإمامة (فيجب حمله على ما ذكرناه (1)) ومتى قالوا: إن الظاهر وإن اقتضى الحال فإنا نحمله على بعد موت النبي صلى الله عليه وآله لم يكونوا بذلك أولى ممن حمله على الوقت الذي بويع فيه ويكون ذلك أولى لما ثبت بالدليل من صحة إمامة أبي بكر، وقال: متى قالوا:
تثبت له الإمامة في الحال لكنه إمام صامت، قيل لهم: فيجب أن لا يصير ناطقا بهذا الخبر لأنه إنما دل على كونه إماما صامتا، ومتى قالوا: إنه يدل على كونه إماما ناطقا، فيجب أن يكون كذلك في الوقت، وبين أنه لا يمكنهم القول بأنه إمام (2) مع أنه لا يقوم بما إلى الأئمة في حال حياته "
____________
(1) ما بين المعقوفين من " المغني ".
(2) كلمة " إمام " كانت مطموسة في " المغني " فقال المحقق: لعلها " ثابتا "، ولا يستقيم المعنى حتى لو كانت كما عللها.
|
يقال له: إن الكلام في إلزامنا حمل الخبر على إيجاب الإمامة في الحال فقد مضى مستقصى والذي يبطل قول من ألزمنا وجوب النص به بعد عثمان ما تقدم أيضا عند كلامنا في النص الجلي (3)، وهو أن الأمة مجمعة على أن إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد قتل عثمان لم تحصل له بنص من الرسول صلى الله عليه وآله تناول تلك الحال، واختص بها دون ما تقدمها، ويبطله أيضا أن كل من أثبت لأمير المؤمنين عليه السلام النص على الإمامة بخبر الغدير أثبته على استقبال وفاة الرسول صلى الله عليه وآله من غير تراخ عنها.
فأما الأخبار التي أوردها على سبيل المعارضة فالإضراب عن ذكرها، وترك تعاطي الانتصاف من المستدلين بخبر الغدير لها أستر على موردها، وأول ما في هذه الأخبار أنها لا تساوي ولا تداني خبر الغدير في باب الصحة والثبوت، ووقوع العلم لأنا قد بينا فيما تقدم تواتر النقل بخبر الغدير ووقوع العلم به لكل من صحح الأخبار وأنه مما أجمعت الأمة
____________
(1) نفس المصدر السابق.
(2) غ " مما اشتهر في الرواية ".
(3) المغني 20 ق 1 / 152.
|
____________
(1) أحصى شيخنا الأميني في الجزء الأول من الغدير رواة حديث الغدير فكانوا مائة
وعشرة من الصحابة وأربعة وثمانين من التابعين وثلاثماية وسبعة وخمسين من العلماء
ومعظمهم بل جميعهم من علماء السنة وأحصى من أفرد التأليف في الغدير من علماء
الفريقين فكانوا ستة وعشرين عالما، وقال ابن كثير في البداية والنهاية 5 / 208 "
وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ
فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم ابن
عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة، وقال القندوزي في ينابيع المودة ص 36 " حكي
عن أبي المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين أستاذ أبي حامد الغزالي رحمهما الله
كان يتعجب ويقول: رأيت مجلدا في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم مكتوب
عليه: المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه فعلي
مولاه) ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون ".