الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

وآله، فأي حجة له في قوله وخصومه يقولون في جوابه: إن عمر لم يرد بكلامه إلا ما ذهبنا إليه من وجوب فرض الطاعة والرئاسة ويكونون في ظاهر الحال منتصفين منه، هذا إذا لم يدلوا على صحة قولهم في اقتضاء الخبر للإمامة وفرض الطاعة ببعض ما تقدم فيكونوا أسعد حالا من صاحب الكتاب وأظهر حجة.

قال صاحب الكتاب: " ويدل على ذلك منه أنه صلى الله عليه وآله أثبت له هذا الحكم في الوقت لأنه في حال ما أثبت نفسه مولى لهم أثبته مولى من غير تراخ ولا يصح أن يحمل ذلك على الإمامة، لأن المتعالم من حاله أنه في حال حياة الرسول صلى الله عليه وآله لا يكون مشاركا للرسول في الأمور التي يقوم بها الإمام كما هو مشارك له في وجوب الموالاة باطنا وظاهرا، فحمله على هذا الوجه هو الذي يقتضيه الظاهر وقولهم: إنه إمام في الوقت مع سلبهم إياه معنى الإمامة والتصرف في الحال لا وجه له، ويعود الكلام فيه إلى غباوة (1) وكذلك إذا قالوا إنه إمام صامت ثم يصير ناطقا لأن ظاهر الخبر يقتضي له مثل ما يقتضي للرسول، فإن أريد بذلك الإمامة وجب أن يكون له أن يتصرف فيما إلى الإمام برأيه واجتهاده من دون مراجعة الرسول، وليس ذلك بقول لأحد ومتى قالوا: يفعل ذلك بالمراجعة فليس له في ذلك من الاختصاص إلا ما لغيره... " (2).

يقال له: من أين قلت إن الذي أوجبه الرسول صلى الله عليه وآله في خبر الغدير يجب أن يكون ثابتا في الحال؟ فإن قالوا: لو لم أوجب ذلك إلا من حيث أراكم توجبون عموم فرض الطاعة لسائر الخلق وفي سائر

____________

(1) في الأصل والمخطوطة " عبارة " وهو تصحيف " غباوة " كما في المغني.

(2) المغني 20 ق 1 / 147.

الصفحة 292
الأمور وتتعلقون بالمقدمة، وأن النبي صلى الله عليه وآله لما قرر الأمة بفرض طاعته عليهم في كل أمر وجب مثله لمن أوجب له مثل ما كان واجبا لنفسه ومن المعلوم أن فرض طاعة النبي صلى الله عليه وآله على الخلق لم يكن مختصا بحال دون حال، بل كان عاما في سائر الأحوال التي من جملتها حال الخطاب بخبر الغدير فساوى ما ذكرتموه.

قيل له: أما إذا صرت إلى هذا الوجه وأوجبت ما ادعيته من هذه الجهة فأكثر ما فيه أن يكون ظاهر الخطاب يقتضيه، وما يقتضيه ظاهر الخطاب قد يجوز الانصراف عنه بالدلائل، ونحن نقول: إنا لو خلينا والظاهر لأوجبنا عموم فرض الطاعة لسائر الأحوال وإذا منع من ثبوت ما وجب بالخبر في حال حياة الرسول صلى الله عليه وآله امتنعنا له وأوجبنا الحكم فيما يلي هذه الأحوال بالخبر، لأنه لا مانع من ثبوت الإمامة وفرض الطاعة فيها لغير الرسول صلى الله عليه وآله، وإذا كان اللفظ يقتضي سائر الأحوال فخرج بعضها بدلالة نفي البعض.

ومما نجيب به أيضا عن كلامه أنه قد ثبت كون النبي صلى الله عليه وآله مستخلفا لأمير المؤمنين عليه السلام بخبر الغدير، والعادة جارية فيمن يستخلف أن يحصل له الاستحقاق في الحال ووجوب التصرف بعد الحال ألا ترى أن الإمام إذا نص على خليفة له يقوم بالأمر بعده اقتضى ظاهر استخلافه الاستحقاق (1) في الحال، والتصرف بعدها بالعادة الجارية في أمثال هذا الاستخلاف (2) فيجب بما ذكرناه أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام مستحقا في تلك الحال، وما وليها من أحوال حياة الرسول

____________

(1) الاستخلاف خ ل.

(2) الاستحقاق خ ل.

الصفحة 293
للإمامة، والتصرف في الأمة بالأمر والنهي بعد وفاته، ومتى أحسنا الظن بمن قال في أمير المؤمنين عليه السلام: إنه إمام صامت في حال حياة الرسول صلى الله عليه وآله حملنا قوله من طريق المعنى على هذا الوجه وإن كان غالطا في إطلاقه لفظ الإمامة، لأنه لما رأى أن الخبر يقتضي لأمير المؤمنين عليه السلام استحقاق الأمر والاختصاص به في الحال من غير تصرف فيه ذهب إلى أنه الإمام، وجعل صموته عن الدعاء والقيام بالإمامة من حيث رأى أن التصرف لا يجب له في الحال، وأنه متأخر عنها صمتا وإنما غلط في الوصف بالإمامة من حيث كان الوصف بها يقتضي ثبوت التصرف في الحال، فمن لم يكن له التصرف في حال من الأحوال لا يكون إماما فيها، وقد أجاب قوم من أصحابنا بأن قالوا: إن الخبر يوجب لأمير المؤمنين عليه السلام فرض الطاعة في الحال على جميع الأمة حتى يكون له عليه السلام أن يتصرف فيهم بالأمر والنهي، ومنهم من خصص وجوب فرض طاعته، فقال: إن الكلام أوجب طاعته على سبيل الاستخلاف فليس له أن يتصرف بالأمر والنهي والرسول حاضر، وإنما له أن يتصرف في حال غيبته أو حال وفاته، وامتنع الكل من إجراء اسم الإمامة عليه وإن كان مفترض الطاعة على الوجه الذي ذكرناه، وقالوا: إنما يجري اسم الإمامة على من اختص بفرض الطاعة مع أنه لا يد فوق يده، فأما من كان مطاعا وعلى يده يد فإنه لا يكون إماما ولا يستحق هذه التسمية كما لا يستحقها جميع أمراء النبي صلى الله عليه وآله وخلفائه في الأمصار وإن كانوا مطاعين، ويقولون: إن التسمية بالإمامة وإن امتنع منها في الحال فواجب إجراؤها بعد الوفاة لزوال العلة المانعة من إجرائها والوجه الأول أقوى الثلاثة وهو الذي نختاره.

فإن قيل: كيف يصح أن يكون ما اقتضاه الخبر غير ثابت في الحال

الصفحة 294
مع ما يروى من قول عمر: " أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة " وظاهر قوله: أصبحت يقتضي حصول الأمر في الحال قلنا ليس في قول عمر أصبحت مولاي، ما يقتضي حصول الإمامة في الحال وإنما يقتضي ثبوت استحقاقها في حال التهنئة وإن كان التصرف متأخرا وليس يمتنع أن يهنأ الانسان بما يثبت له استحقاقه في الحال وإن كان التصرف فيه يتأخر عنها لأن أحد الملوك والأئمة لو استخلف على رعيته من يقوم بأمرهم إذا غاب عنهم أو توفي لجاز من رعيته أن يهنئوا ذلك المستخلف بما ثبت له من الاستحقاق وإن لم يغب الملك ولا توفي وهذه الجملة تأتي على كلامه في الفصل.

قال صاحب الكتاب بعد سؤال أورده وأجاب عنه لا يسئل عن مثله: " فإن قيل: كيف يجوز أن يريد صلى الله عليه وآله ذلك! وقد تبين من حاله من قبل بل من حال غيره ما يوجب الموالاة؟ وكيف يجمع الناس لمثل ذلك والحال ما قلنا؟ " ثم قال: " قيل له: قد بينا أن هذه المرتبة تفوق مرتبة الإمامة، وأن الإمامة إنما يشرف للوصول بها إلى هذه المنزلة فلا يمتنع أن يجمع له صلى الله عليه وآله لذلك الناس وليظهر هذه المنزلة له، ولو قيل: إن جمعه عليه السلام الناس عند هذا الخبر يدل على ما قلناه لأنه من أشرف المنازل لكان أقرب، وقد بينا أن في الخبر من إبانة فضله ما لم يظهر لغيره، وهو القطع على أن باطنه كظاهره فيما يوجب الموالاة، وأنه لا يتغير على الدوام، وذلك لم يثبت لغيره ولا يثبت بسائر الأخبار له، لأن المروي في هذا الباب من الأخبار لا يخلو من وجهين، أما أن يقتضي الفضل (1) في الحال، وأما أن يقتضي علاقة

____________

(1) غ " الفعل ".

الصفحة 295
العاقبة وإما أن يقتضي ما ذكرناه فغير حاصل إلا في هذا الخبر على أنه لو كان حاصلا في غيره كان لا يمتنع أن يجمع الناس له ليؤكد هذا الأمر، ويبين الحال فيه بيانا شافيا ظاهرا كما أن من خالفنا في الإمامة فإنهم يزعمون أنه يدل على الإمامة، وإن كان غيره من الأخبار قد دل على ذلك، على أن الذي يروون من جمع الناس ومن المقدمات الكثيرة التي يذكرونها في هذا الباب، ليس بمتواتر، وإنما يرجع فيه إلى الآحاد فكيف يصح الاعتماد عليه فيما طريقه العلم؟... " (1).

يقال له: إن أحدا لا يسألك عن السؤال الذي أوردته على نفسك في هذا الفصل، على أن الموالاة الواجبة بالخبر هي الموالاة المخصوصة التي ادعيتها، بل على أن يكون الموالاة المطلقة التي تجب لجماعة المؤمنين، فإذا سألت عن ذلك فليس يقال لك أيضا: إن الموالاة لا يجوز أن يكون المراد لأجل أن إيجابها قد تقدم بيانه من قبل، بل الذي يقال إنها لا يجوز أن يكون المراد في خبر الغدير من قبل أن وجوه موالاة المؤمنين بعضهم لبعض في الدين قد كان معلوما لكل أحد من دينه عليه السلام، وليس يصح أن يدخل في مثله شبهة، فلو جاز مع ما ذكرناه أن يكرر عليه السلام بيانه وإيجابه لم يمتنع قول من حمل الخبر على أن المراد به من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه، وإن كان ما يفيده هذا القول معلوما لا يدخل في مثله شبهة، ولو صح أن يكون المراد ما توهمه من الموالاة المخصوصة لحسن أن يجمع صلى الله عليه وآله الناس لأن فيه فائدة معقولة غير أنا قد بينا أن الخطاب لا يقتضيه وادعاؤه لا يصح على أنه لو كان حاصلا في غيره لم يمتنع أن يجمع الناس له ليؤكد الأمر، فإن أراد بما يؤكد الموالاة

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 149.

الصفحة 296
المطلقة العامة فإن تأكيدها لا يحسن لما ذكرناه، كما لا يحسن أن يريد قسم ابن العم على جهة التأكيد والإمامة، وإن كان أصحابنا يقولون: إن بيان إيجابها متقدم ليوم الغدير فليس يجري مجرى ما هو معلوم من دينه عليه السلام من وجوب الموالاة بين المؤمنين فلهذا حسن تأكيدها وتكرير بيانها، وإن لم يحسن في غيرها من المعلوم الظاهر الذي لا تعترض الشبهة فيه فأما المقدمة المتضمنة للتقرير فقد بينا أن الخبر متواتر بها، وأن أكثر من روى الخبر رواها وذكرنا ما يمكن أن يكون وجها في إغفال من أغفلها، وكذلك القول في جمع الناس فإنه أيضا ظاهر منقول فأما الكلام الزائد على قوله (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم أو بالمؤمنين من أنفسهم) على اختلاف الرواية فما ينكر أن يكون أكثر الروايات خالية منه، واعتمادنا في خبر الغدير غير مفتقر إليه، على أن من تعلق بعدم الفائدة وأبطل أن يكون المراد الموالاة في الدين إنما ينصر بذلك طريقة التقسيم، لأن الطريقة الأولى لا يحتاج في إبطال قول من ادعى إثبات الموالاة في الدين بالخبر إلى ذكر الفائدة، بل سقط قوله بما يوجبه الكلام من حمل المعنى على ما طابق المقدمة، وطريقة التقسيم غير مفتقرة إلى شئ من المقدمات وجمع الناس فلو صح أنه صلى الله عليه وآله لم يجمع أحدا ولا قدم كلاما لقطعنا على أنه لم يرد الموالاة في الدين التي تجب لسائر المؤمنين لما تقدم بيانه، ولأوجبنا أن يكون المراد ما ذهبنا إليه إذا بطلت سائر الأقسام.

قال صاحب الكتاب: " فإن قيل: كيف يجوز أن يكون المراد ما ذكرتموه مع تقديمه صلى الله عليه وآله: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم) وقد علمتم أن الجملة التابعة للمقدمة لا بد من أن يراد بها ما أريد بالمقدمة وإلا كانت في حكم اللغو، فإذا كان مراده صلى الله عليه وآله بقوله: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم) وجوب الطاعة والانقياد فما عطف

الصفحة 297
عليه من قوله (فمن كنت مولاه) مثله فكأنه قال: فمن كنت أولى به فعلي أولى به، وهذا تصريح بما ذكرناه! قيل له: لا نسلم أن المراد بالمقدمة (3) معنى الإمامة (1) بل المراد بها معنى النبوة أو المراد بها معنى الاشفاق والرحمة وحسن النظر، يبين ذلك أن ظاهر اللفظ يقتضي أنه صلى الله عليه وآله أولى بهم في أمر يشاركونه فيه، وذلك لا يليق بالإمامة، ويليق بمقتضى النبوة لأنه صلى الله عليه وآله بين لهم الشرع الذي بقيامهم به يصلون إلى درجة الثواب فيكون البيان من قبله والقيام به من قبلهم، لكنه لما لم يتم إلا ببيانه صلوات الله عليه كانت منزلته في ذلك أبلغ فصلح أن يكون أولى وكذلك متى أريد بذلك الرأفة والرحمة والاشفاق وحسن النظر، لأنه فيما يرجع إلى الدين هو أحسن نظرا لأمته منهم لأنفسهم، ومتى حمل الأمر على ما قالوه خالف الظاهر، فإن قالوا: قد دخل فيما ذكرتموه وجوب الطاعة وذلك يصحح ما قلناه، قيل لهم: إنه وإن كان كذلك فليس هو المقصود وإن كان تابعا له، وإنما قدحنا بما ذكرناه في قولكم لأنكم جعلتموه المقصود، وعلى هذا الوجه لا يطلق في الرسول صلى الله عليه وآله أنه إمام على ظاهر ما يقولون في إمام الزمان، وإنما يطلق ذلك بمعنى الاتباع، لأن الإمامة عبارة عن أمور مخصوصة لا زيادة فيها ولا نقصان، فلا يجب وإن كان النبي صلى الله عليه وآله يقوم بما يقوم به الإمام أن يوصف بذلك على الوجه الذي ذكرناه، كما لا يوصف بأنه أمير وساع وحاكم، وإن كان يقوم بما يقوم به جميعهم، وليس يمتنع في اللفظ أن يفيد معنى من المعاني إذا انفرد فإذا كان داخلا في غيره لم يقع الاسم عليه، وهذا كثير في الأسماء وإذا لم يصح أن يراد بقوله: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم)

____________

(1) المراد بها معنى الطاعة والانقياد وإنما المراد، خ ل.

الصفحة 298
معنى الإمامة فقد بطل ما أدعوه على أن كثيرا ممن تقدم من شيوخنا ينكر أن تكون هذه المقدمة ثابتة بالتواتر ويقول: إنها من باب الآحاد والثابت هو قوله صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه) إلى آخر الخبر وهو الذي كرره أمير المؤمنين عليه السلام في مجالس عدة عند ذكر مناقبه،... " (1).

يقال له: أول ما نقوله إنا لا نعلم أحدا تقدم أو تأخر ممن تكلم في تأويل خبر الغدير خالف في أن مراد النبي صلى الله عليه وآله بالمقدمة هو التقرير لوجوب فرض طاعته على الأمة في سائر الأمور من غير تخصيص لبيان شرع من غيره كما لم يخالف أحد في أن قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (2) المراد به أولى بتدبيرهم، وبأن يطيعوه وينقادوا لأوامره، ومعلوم أن التقرير الواقع بالمقدمة في خبر الغدير مطابق لما أوجبه الله تعالى للرسول صلى الله عليه وآله في الآية، وموافق لمعناها، ومع هذا فقد أجاب صاحب الكتاب عن غير ما سأل عنه لأنه ألزم نفسه في السؤال أن يكون المراد فرض الطاعة من غير إضافة إلى إمامة أو غيرها، وفرض الطاعة لا يختلف في الإمام والنبي صلى الله عليه وآله.

وقال في الجواب: " إنا لا نسلم إن المراد بالمقدمة معنى الإمامة بل معنى النبوة "، وهذا عدول ظاهر عما سأل نفسه عنه على أنه قد فسر ما ذهب إليه، وادعى أن المراد ببعض ما يشتمل عليه وجوب الطاعة لأن بيان الشرع أحد ما يطاع فيه النبي صلى الله عليه وآله ولا خلاف في أن طاعته واجبة في كل ما يأمر به، وينهى عنه، سواء كان بيان شرع أو

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 150 و 151.

(2) الأحزاب 6.

الصفحة 299
غيره، وإنما وجب أن يطيعوه في بيان الشرع من حيث كانت طاعته واجبة عليهم في كل أمر على العموم.

وبعد، فإن صاحب الكتاب ادعي أن ظاهر اللفظ يقتضي أنه أولى بهم في أمر يشاركونه فيه، وفسر ذلك بما لا اشتراك فيه لأن النبي صلى الله عليه وآله وإن كان مبينا للشرع والأمة قائمة بما بينه لهم فلم تشاركه الأمة في صفة واحدة، لأن البيان الذي يختص هو عليه السلام به لا يشاركه فيه الأمة، وليس يكون قيامهم بالشرع مشاركة له في البيان،.

فإن قنع صاحب الكتاب لنفسه بما ذكره فمثله في مقتضى الإمامة، لأن الإمام من حيث وجبت طاعته يقيم في الأمة الأحكام ويأمرهم وينهاهم فيكون الأوامر من جهته والامتثال من جهتهم، وقد دللنا فيما تقدم على أن تصرف الإمام لطف في فعل الواجبات والامتناع من المقبحات، وهذا مثل ما ذكره من الاشتراك، لأن الامتناع من القبيح وفعل الواجب من جهة المكلفين، وما هو لطف فيهما من جهته وقد دللنا أيضا على أن الإمام حجة في بيان الشرع وإن كان يخالف النبي صلى الله عليه وآله من حيث كان النبي مبينا للشرع ومبتدئا بغير واسطة من البشر، وما نطق صاحب الكتاب بحمل نفسه على القول بأن التقرير اختص ببيان الشرع مع هذه المزية المخصوصة لأن شبهته في ذلك الاشتراك في الصفة، وقد بينا أنها تدخل في مقتضى الإمامة من الوجوه الثلاثة (1) التي لو لم يثبت منها إلا ما لا خلاف فيه من وجوب طاعة الإمام، ولزوم الدخول تحت أحكامه مما يقتضي الاشتراك على الوجه الذي ذكره لكان فيه كفاية في رفع كلامه.

____________

(1) وهي الأوامر من جهة الإمام، والامتثال من جهة الأمة، وكون تصرف الإمام لطف لهم في الأمر بالحسن والنهي عن القبيح.

الصفحة 300
فأما الاشفاق والرحمة فليس يجوز أن يكون عليه السلام أشفق علينا وأرحم بنا بالاطلاق وفي كل أمر وحال، بل لا بد من أن يقيد ذلك بما يرجع إلى الدين، فإذا قيد به فقد عاد الأمر إلى فرض الطاعة، لأنه لا يكون بهذه الصفة إلا من وجبت طاعته، ولزوم الانقياد لآمره ونهيه، وكيف لا يجب طاعة من يقطع على أنه لا يختار لنا ويدعونا إلا إلى ما هو أصلح لنا في ديننا وأعود علينا وأدخل في حسن النظر لمعادنا، وكان صاحب الكتاب عبر عن التقرير لفرض الطاعة بلفظ آخر يقوم مقامه لأنه لا فرق بين أن يقول: إنه أولى بأن نطيعه وننقاد له، وبين أن يقول: إنه أولى بالإشفاق علينا، وحسن النظر فيما يرجع إلى ديننا، لأن الوصف الذي لا يثبت إلا لمفترض الطاعة كالوصف بفرض الطاعة، وهذه الصفة يعني الاشفاق وحسن النظر في الدين، حاصلة للإمام عندنا فكيف يقال إن اللفظ لا يليق بالإمامة، ويليق بمقتضى النبوة.

وقوله: (ليس بمقصود) لا يغني شيئا لأنا قد ذكرنا أن أحدا لم يجعله غير مقصود، وأبطلنا شبهة من حمله على خلاف التقرير بفرض الطاعة، وبينا أن الذي ذكره من الوجهين إما أن يكون بعض ما وجبت له فيه الطاعة والانقياد أو إثبات صفة لا تحصل إلا لمن تجب طاعته فكأن النبي صلى الله عليه وآله إذا صرنا إلى ما ذكره صاحب الكتاب قررهم في المقدمة (1) بإحدى الصفتين اللتين قد بينا أنهما لا تحصلان إلا لمفترض الطاعة، وإذا أوجب لغيره في الكلام مثل ما وجب له في المقدمة فقد حصلت له البغية، لأن من تجب طاعته على الخلق في سائر أمور الدين لا يكون إلا الإمام إذا لم يكن نبيا.

____________

(1) قررهم أي النبي صلى الله عليه وآله في المقدمة وهي قوله: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم).

الصفحة 301
وقوله: " لا يطلق في النبي صلى الله عليه وآله إنه إمام كما لا يطلق إنه كذا وكذا " لا نحتاج إلى مضايقته فيه، وإن كان غير ممتنع إطلاق كون الرسول صلى الله عليه وآله إماما لنا بمعنى أنه يجب علينا الاقتداء به، والامتثال لأوامره، لأنا لم نسمه (1) القول بأن الرسول صلى الله عليه وآله قررهم في المقدمة بكونه إماما وإنما ذهبنا إلى أن التقرير وقع لفرض الطاعة التي تجب للرسول والإمام، ولا يختلف فيهما ولا خلاف بيننا وبينه في أن الرسول صلى الله عليه وآله تجب طاعته، ويصح أن يقرر بوجوبها أمته، فامتناع إطلاق لفظ الإمامة عليه لا يضرنا ولا يؤثر فيما قصدناه.

وقوله: " إذا لم يصح أن يراد بقوله: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم) معنى الإمامة فقد بطل ما ادعوه " فما رأيناه أبطل معنى الإمامة بشئ أكثر مما ذكروه من معنى الاشتراك، وقد بينا أنه يدخل في معنى الإمامة، وبما ذكره من امتناع إطلاق لفظ الإمام على الرسول صلى الله عليه وآله، وذلك غير مبطل لحصول معنى الإمامة في التقرير، لأنه اعتمد أن الرسول صلى الله عليه وآله وإن كان يقوم بما يقوم به الإمام، فإن الوصف بالإمامة لا يطلق عليه والمعنى حاصل له، فعلى هذا فما المانع من أن يكون التقرير وقع بفرض الطاعة وهو معنى الإمامة، لأن المراد بقولنا:

إنه بمعناها إن هذه الصفة لا تحصل بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا لمن كان إماما قائما بما يقوم به الأئمة، وإن كان إطلاق الاسم يمتنع لما ذكره.

فأما حكايته عن كثير من شيوخه دفع التواتر بالمقدمة (2) فليس

____________

(1) لم نسمه: لم نكلفه.

(2) أي دفعهم تواتر مقدمة حديث الغدير وهي (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم) وأن المتواتر عندهم (من كنت مولاه فعلي مولاه) الخ.

الصفحة 302
بحجة، وقد دللنا فيما مضى على أن الشيعة تتواتر بالخبر بمقدمة الحديث وأكثر من رواة من العامة روى المقدمة أيضا (1) وإنما أغفلها من الرواة قليل من كثير، وبينا ما يصح أن يكون عذرا في ترك من ترك روايتها، وليس يجوز أن يجعل إغفال من أغفلها حجة في دفع رواية من رواها.

وأما اقتصار أمير المؤمنين في الاحتجاج على ذكر ما عدا المقدمة من الخبر فإنه لا يدل أيضا على بطلانها لأنه عليه السلام احتج من الخبر بما يكون الاعتراف به اعترافا بالجميع على عادة الناس في أمثال هذه الاحتجاجات، وقد تقدم الكلام في هذا وذكرنا أيضا أن طريقة التقسيم (2) غير مفتقرة إلى المقدمة، وإنما يحتاج إليها في الطريقة الأولى التي اعتمدناها، وطريق إثباتها واضح بما أوردناه، ويمكن أن يستدل على الإمامة بالخبر من وجه آخر لا يفتقر إلى المقدمة وهو أن يقال: قد ثبت أن من جملة ما يحتمله لفظة " مولى " من الأقسام معنى الإمام بما دللنا عليه من قبل، ووجدنا كل من ذهب إلى أن لفظ خبر الغدير يحتمل معنى الإمامة، وأن لفظة " مولى " يقتضيها في جملة أقسامها يذهب إلى أن الإمامة هي المرادة بالخبر، وهذه طريقة قوية يمكن أن تعتمد.

قال صاحب الكتاب: " على أن ذلك لو صح وثبت أن المراد به ما قالوه لم يجب فيما تعقبه من الجملة أن يراد به ذلك، بل يجب أن يحمل

____________

(1) من رواة المقدمة ابن عقدة - كما في أسد الغابة 1 / 367، والنسائي في مواضع من خصائص أمير المؤمنين وأحمد في المسند 4 / 372، والبزاز كما في مجمع الزوائد 9 / 107 والطبراني.

(2) أي تقسيم معاني " مولى " كما تقدم مع بيان الطريقة التي اعتمدها المرتضى تحت قوله: طريقة أخرى في الاستدلال بخبر الغدير. كما في المجمع أيضا 9 / 106 والحاكم في المستدرك 109 / 533.

الصفحة 303
على ما يقتضيه لفظه، فإن كل لفظه يقتضي ما ذكروه فلا وجه لتعلقهم بالمقدمة، وإن كان لا يقتضي ذلك لم يصر مقتضيا له لأجل المقدمة، وإنما قدم صلى الله عليه وآله ذلك ليؤكد ما يريد أن يبين لهم من وجوب موالاته عليه السلام وموالاة أمير المؤمنين عليه السلام، لأن العادة جارية فيمن يريد أن يلزم غيره أمرا عظيما في نفسه أن يقدم مثل (1) هذه المقدمات تأكيدا لحق الرجل الرئيس السيد الذي يريد إلزام قومه أمرا، فيقول لهم: ألست القائم بأموركم والذاب عنكم (2) والناصر لكم، والمنعم عليكم، فإذا قالوا: نعم فيقول عنده: فافعلوا كيت وكيت، وإن كان ما أمرهم به ثانيا لا يتصل بما أمرهم أولا ولا يكون لتقديم ذلك حكمة، وعلى هذا الوجه قال النبي صلى الله عليه وآله: (إنما أنا لكم مثل الوالد فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول) (3) فقدم صلى الله عليه وآله عند إرادته بيان ما يختص بحال الخلوة، ما يدل على إشفاق وحسن نظر فكذلك القول فيما ذكرناه، ولو أن الذي ذكرناه صرح به لكان خارجا من العبث صلى الله عليه وآله ليسلم من العيب بأن يقول: ألست أولى بكم في بيان الشرع لكم، وما يجب عليكم، وما يحل عليكم، وما يحرم فإذا كنت كذلك في باب الدين فمن يلزمه موالاتي باطنا وظاهرا بالإعظام والمدح والنصرة فليوال عليا على هذا الحد لكان الكلام حسنا مستقيما يليق بعضه ببعض، وإنما كان يجب ما ذكروه لو كان متى حملت الجملة الثانية على ما قلناه نبت (4) عن الجملة

____________

(1) غ " قبل هذه ".

(2) " الذاب عنكم " ساقطة من المغني، كما أن فيه " القيم " مكان " القائم ".

(3) مسند أحمد 2 / 247 بحروف ما في المتن ورواه بالمضمون عامة أرباب السنن في كتب الطهارة من سننهم.

(4) نبت: تباعدت، وفي " المغني " انتفت، والمنافرة: التجافي والتباعد.

الصفحة 304
الأولى ونافرتها، فأما إذا كانت الحال ما ذكرناه فهو مستقيم لا خلل فيه،... " (1).

يقال له: قد مضى في جملة ما قدمناه من الكلام ما يبطل معاني فصلك هذا، فأما نفيك لأن يكون الكلام مقتضيا لما ذكرناه لأجل المقدمة، وقولك: (يجب أن يحمل على ما يقتضيه لفظه من غير مراعاة للمقدمة) فغير صحيح لأنك أن أردت بذلك الاقتضاء على سبيل الاحتمال لا على الإيجاب فاللفظ ليس يصير لأجل المقدمة مقتضيا فغير ما كان مقتضيا له، وإن أردت بالاقتضاء الإيجاب، فقد بينا أن بورود المقدمة لا بد من تخصيص اللفظ الوارد من بعدها بمعناها، وضربنا له الأمثال، ومما يبين صحة ما ذكرناه أن قول القائل: عبدي حر وله عبيد كثير لفظه محتمل مشترك بين سائر عبيده، فإذا قال بعد أن يقرر بمعرفة بعض عبيده ممن يسميه ويعينه: فعبدي حر، كان كلامه الثاني محمولا على سبيل الوجوب على العبد الذي قدم تعيينه وتعريفه، وصار قوله: فعبدي حر إذا ورد بعد المقدمة مقتضيا على سبيل الإيجاب لما لو لم يحصل لم يكن مقتضيا له على هذا الوجه، وإن كان يقتضيه على طريق الاحتمال.

وأما قوله عليه السلام: (إنما أنا لكم مثل الوالد) إلى آخر الخبر، فغير معترض على كلامنا لأنه صلى الله عليه وآله لم يورد في الكلام الثاني لفظا يحتمل معنى الكلام المتقدم، وأراد به خلاف معناه، والذي أنكرناه في خبر الغدير غير هذا لأنه لو لم يرد بلفظة " مولى " معنى أولى لكان قد أورد لفظا محتملا لما تقدم من غير أن يريد به معنى المتقدم، وفساد ذلك ظاهر، وليس ينكر أن يكون صلى الله عليه وآله لو صرح بما ذكره صاحب

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 151.

الصفحة 305
الكتاب على سبيل التقدير مفيدا فكلامه خارج عن العبث إلا أنه متى لم يصرح بذلك وأورد اللفظ المحتمل فلا بد من أن يكون مراده ما ذكرناه كما أن القائل إذا أقبل على جماعة وقال لهم: ألستم تعرفون ضيعتي الفلانية، ثم قال: فاشهدوا أن ضيعتي وقف، لا يجوز أن يفهم من لفظه الثاني إذا كان حكيما إلا وقفه للضيعة التي قدم ذكرها، وإن كان جائزا أن يصرح بخلاف ذلك، فيقول بعد تقريره بمعرفة الضيعة: فاشهدوا أن ضيعتي التي تجاورها وقف، فيصرح بوقفه غير الضيعة التي سماها أو عينها، وهذه الجملة تأتي على كلامه.

قال صاحب الكتاب بعد أن ذكر التعلق بإمساك أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين عن الاحتجاج بالنص من خبر يوم الغدير في المواقف التي وقع التنازع في الإمامة فيها فقد مضى الكلام عليه مستوفى: " وقد قال شيخنا أبو هاشم: (إن ظاهر الخبر يقتضي إثبات حال ما أثبته صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام في الحال وذلك لا يتأتى في الإمامة (فيجب حمله على ما ذكرناه (1)) ومتى قالوا: إن الظاهر وإن اقتضى الحال فإنا نحمله على بعد موت النبي صلى الله عليه وآله لم يكونوا بذلك أولى ممن حمله على الوقت الذي بويع فيه ويكون ذلك أولى لما ثبت بالدليل من صحة إمامة أبي بكر، وقال: متى قالوا:

تثبت له الإمامة في الحال لكنه إمام صامت، قيل لهم: فيجب أن لا يصير ناطقا بهذا الخبر لأنه إنما دل على كونه إماما صامتا، ومتى قالوا: إنه يدل على كونه إماما ناطقا، فيجب أن يكون كذلك في الوقت، وبين أنه لا يمكنهم القول بأنه إمام (2) مع أنه لا يقوم بما إلى الأئمة في حال حياته "

____________

(1) ما بين المعقوفين من " المغني ".

(2) كلمة " إمام " كانت مطموسة في " المغني " فقال المحقق: لعلها " ثابتا "، ولا يستقيم المعنى حتى لو كانت كما عللها.

الصفحة 306
وقال: " لا فرق بين من استدل بذلك على النص وبين من قال: إن قوله صلى الله عليه وآله لأبي بكر: (اتركوا لي أخي وصاحبي، صدقني حيث كذبني الناس) وهو نص على إمامته بعد وفاته إلى غير ذلك مما روي نحو قوله صلى الله عليه وآله (لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا) وقوله: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) إلى غير ذلك مما اشتهرت (1) فيه الرواية.... " (2).

يقال له: إن الكلام في إلزامنا حمل الخبر على إيجاب الإمامة في الحال فقد مضى مستقصى والذي يبطل قول من ألزمنا وجوب النص به بعد عثمان ما تقدم أيضا عند كلامنا في النص الجلي (3)، وهو أن الأمة مجمعة على أن إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد قتل عثمان لم تحصل له بنص من الرسول صلى الله عليه وآله تناول تلك الحال، واختص بها دون ما تقدمها، ويبطله أيضا أن كل من أثبت لأمير المؤمنين عليه السلام النص على الإمامة بخبر الغدير أثبته على استقبال وفاة الرسول صلى الله عليه وآله من غير تراخ عنها.

فأما الأخبار التي أوردها على سبيل المعارضة فالإضراب عن ذكرها، وترك تعاطي الانتصاف من المستدلين بخبر الغدير لها أستر على موردها، وأول ما في هذه الأخبار أنها لا تساوي ولا تداني خبر الغدير في باب الصحة والثبوت، ووقوع العلم لأنا قد بينا فيما تقدم تواتر النقل بخبر الغدير ووقوع العلم به لكل من صحح الأخبار وأنه مما أجمعت الأمة

____________

(1) نفس المصدر السابق.

(2) غ " مما اشتهر في الرواية ".

(3) المغني 20 ق 1 / 152.

الصفحة 307
على قبوله، وإن كانوا مختلفين في تأويله (1) وليس شئ من هذا في الأخبار التي ذكرها على أن أصحابنا قديما قد تكلموا على هذه الأخبار، وبينوا أن حديث الخلة يناقض ويبطل آخره أوله لأنهم يروون عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: (لو كنت متخذا خليلا لاتخذت فلانا خليلا ولكن ودا وإخاء إيمان) فأول الخبر يقتضي أن الخلة لم تقع وآخره يقتضي وقوعها على الشرط المذكور الذي يعلم كل أحد أن الخلة منه صلى الله عليه وآله لا تكون إلا عليه، لأنه لا يصح أن يخال أحدا إلا في الإيمان وما يقتضيه الدين، ويذكرون أيضا في ذلك ما يروونه من قوله صلى الله عليه وآله قبل وفاته: (برئت إلى كل خليل من خليل فإن الله عز وجل قد اتخذ صاحبكم خليلا) ويقولون: إن كان أثبت الخلة بينه وبين غيره فيما تقدم فقد نفاها وبرئ منها قبل وفاته، وأفسدوا حديث الاقتداء بأن ذكروا أن الأمر بالاقتداء بالرجلين يستحيل لأنهما مختلفان في كثير من أحكامهما وأفعالهما، والاقتداء بالمختلفين والاتباع لهما متعذر غير ممكن ولأنه يقتضي عصمتهما، والمنع من جواز الخطأ عليهما، وليس هذا بقول لأحد فيهما، وطعنوا في

____________

(1) أحصى شيخنا الأميني في الجزء الأول من الغدير رواة حديث الغدير فكانوا مائة وعشرة من الصحابة وأربعة وثمانين من التابعين وثلاثماية وسبعة وخمسين من العلماء ومعظمهم بل جميعهم من علماء السنة وأحصى من أفرد التأليف في الغدير من علماء الفريقين فكانوا ستة وعشرين عالما، وقال ابن كثير في البداية والنهاية 5 / 208 " وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة، وقال القندوزي في ينابيع المودة ص 36 " حكي عن أبي المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين أستاذ أبي حامد الغزالي رحمهما الله كان يتعجب ويقول: رأيت مجلدا في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم مكتوب عليه: المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه فعلي مولاه) ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون ".