الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

رواية الخبر بأن راويه عبد الملك بن عمير وهو من شيع بني أمية، وممن تولى القضاء لهم، وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت أيضا، ظنينا في نفسه وأمانته.

وروي أنه كان يمر على أصحاب الحسين بن علي عليهما السلام وهم جرحى فيجهز عليهم فلما عوتب على ذلك قال: إنما أريد أن أريحهم، وفيهم من حكى رواية الخبر بالنصب وجعل أبا بكر وعمر على هذه الرواية مناديين مأمورين بالاقتداء بالكتاب والعترة، وجعل قوله: (اللذين من بعدي) كناية عن الكتاب والعترة، واستشهد على صحة تأويله بأمره صلى الله عليه وآله في غير هذا الخبر بالتمسك بهما والرجوع إليهما في قوله: (إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (1) وأبطل من سلك هذه الطريقة في تأويل الخبر اعتراض الخصوم بلفظ " اقتدوا " وأنه خطاب للجميع لا يسوغ توجهه إلى الاثنين بأن قال: ليس ينكر أن يكون اقتدوا باللذين متوجها إلى جميع الأمة وقوله (من بعدي أبا بكر وعمر) نداء لهما على سبيل التخصيص لهما لتأكيد الحجة عليهما وشرح هذه الجملة موجودة في مواضعه من الكتب، وإن كان مخالفونا يدفعون ورود الرواية بالنصب أشد دفع،

____________

(1) حديث الثقلين رواه طائفة من علماء السنة لا يحصون كثرة حتى أفرد السيد ناصر حسين في تتميم العبقات لوالده السيد حامد حسين اللكهنوي مجلدا كاملا وضم إليه حديث السفينة فكان حصيلة بحثه أن من رواه من الصحابة 24 ومن التابعين 19 ثم ذكر طبقات العلماء من رواته من القرن الثاني إلى القرن الرابع عشر، وقد ترجمه وحققه ونظمه الأستاذ المحقق السيد علي الحسيني الميلاني فأخرجه للناس في مجلدين فخمين وعززهما بثالث صغير في حديث السفينة إخراجا فيه يسر ما الناظر ولا يكد الخاطر أحسن الله جزاءه ووفقه لإخراج ما بقي من أجزاء هذه الموسوعة القيمة التي قل أن يكون لها نظير.

الصفحة 309
ويدعون أنه مما خرج على سبيل التأويل من غير رجوع إلى رواية، ومما يمكن أن يعتمد في إبطال خبر الاقتداء أنه لو كان موجبا للنص على الوجه الذي عارض به أبو هاشم لأحتج به أبو بكر لنفسه في السقيفة، ولما جاز أن يعدل إلى روايته " أن الأئمة من قريش " ولا خفاء على أحد في أن الاحتجاج بخبر الاقتداء أقطع للشغب وأخص بالحجة، وأشبه بالحال لا سيما والتقية والخوف عنه زائلان، ووجوه الاحتجاج له معرضة، وجميع ما يدعيه الشيعة بالنص الذي تذهب إليه عن الرجل منتفية، ولوجب أيضا أن يحتج به أبو بكر على طلحة لما نازعه فيما رواه من النص على عمر، وأظهر الإنكار لفعله فكان احتجاجه في تلك الحال بالخبر المقتضي لنص رسول الله صلى الله عليه وآله على عمر ودعائه الناس إلى الاقتداء به، والاتباع له أولى وألزم من قوله: (أقول: يا رب وليت عليهم خير أهلك) وأيضا لو كان هذا الخبر صحيحا لكان حاظرا (1) مخالفة الرجلين وموجبا لموافقتهما في جميع أقوالهما وأفعالهما، وقد رأينا كثيرا من الصحابة قد خالفهما في كثير من أحكامهما وذهبوا إلى غير ما يذهبان إليه، وقد أظهروا ذلك، فيجب أن يكونوا بذلك عصاة مخالفين لنص الرسول صلى الله عليه وآله وقد كان يجب أيضا أن ينبه الرجلان من يخالفهما على مقتضى هذا الخبر، ويذكر أنهم بأن خلافهما محظور ممنوع منه، على أن ذلك لو اقتضى النص بالإمامة على ما ظنوا لوجب أن يكون ما رووه عنه عليه السلام من قوله:

(أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) (2) موجبا لإمامة الكل، وإذا لم

____________

(1) حاظرا: مانعا.

(2) هذا الحديث مروي من طريق جعفر بن عبد الواحد الهاشمي وإليك ما نقله الذهبي في ميزان الاعتدال ج 1 / 413 في جعفر هذا قال: " جعفر بن عبد الواحد الهاشمي القاضي، قال الدارقطني: يصنع الحديث، وقال أبو زرعة: روى أحاديث لا أصل لها، وقال ابن عدي: يسرق الحديث ويأتي بالمناكير، ثم ساق له ابن عدي أحاديث، وقال كلها بواطيل، وبعضها سرقه من قوم - إلى أن قال - ومن بلاياه عن وهب بن جرير عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (أصحابي كالنجوم ومن اقتدى بشئ منها اهتدى ".

الصفحة 310
يكن هذا الخبر موجبا للإمامة فكذلك الآخر، وقد رووا أيضا عنه عليه السلام أنه قال: (اهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد) (1) ولم يكن في شئ من ذلك نص بإمامة ولا فرض طاعة فكيف يظن هذا في خبر الاقتداء وحكم الجميع واحد في مقتضى ظاهر اللفظ.

وبعد، فلو تجاوزنا عن هذا كله، وسلمنا رواية الأخبار وصحتها، لم يكن في شئ منها تصريح بنص ولا تلويح إليه.

أما خبر الخلة وما يدعونه من قوله عليه السلام (اتركوا لي أخي وصاحبي) فلا شبهة على عاقل في بعدهما عن الدلالة على النص.

فأما خبر الاقتداء فهو كالمجمل لأنه لم يبين في أي شئ يقتدى بهما ولا على أي وجه ولفظة بعدي مجملة ليس فيها دلالة على أن المراد بعد وفاتي دون بعد حال أخرى من أحوالي ولهذا قال بعض أصحابنا: إن سبب هذا الخبر أن النبي صلى الله عليه وآله كان سالكا بعض الطريق وكان أبو بكر وعمر متأخرين عنه جائيين على عقبه فقال النبي صلى الله

____________

(1) هذا الحديث كما في فيض القدير ج 2 / 56 من حديث عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة بن اليمان، وعبد الملك لم يسمعه من ربعي وربعي لم يسمعه من حذيفة، ا هـ وعبد الملك بن عمير هذا كان قاضيا بالكوفة أيام عبيد الله بن زياد وهو الذي مر على عبد الله بن يقطر رسول الحسين عليه السلام وقد رماه ابن زياد من أعلى قصر الإمارة فرآه يجود بنفسه وقد تهشمت عظامه فذبحه بيده فلما ليم على ذلك قال: أردت أن أريحه!!

الصفحة 311
عليه وآله لبعض من سأله عن الطريق الذي يسلكه في اتباعه واللحوق به (اقتدوا باللذين من بعدي) وعنى بسلوك الطريق دون غيره، وهذا القول وإن كان غير مقطوع به فلفظ الخبر محتمله كاحتماله لغيره، وأين الدلالة على النص والتسوية بينه وبين أخبارنا، ونحن حيث ذهبنا في خبر الغدير وغيره إلى النص لم نقتصر على محض الدعوى بل كشفنا عن وجه الدلالة، واستقصينا ما يورد من الشبه، وقد كان يجب على من عارضنا بهذه الأخبار وادعاء إيجابها للنص أن يفعل مثل ما فعلناه أو قريبا منه، وليس لأحد أن يتطرق إلى إبطال ما ذكرناه من التأويلات بأن يدعي أن الناس في هذه الأخبار بين منكر ومتقبل، فالمنكر لا تأويل له، والمتقبل يحملها على النص ويدفع سائر التأويلات لأن هذا القول يدل على غفلة شديدة من قائله أو مغالطة، وكيف يكون ادعاؤه صحيحا ونحن نعلم أن كل من أثبت إمامة أبي بكر من طريق الاختيار وهم أضعاف من أثبتها من طريق النص ينقلون هذه الأخبار من غير أن يعتقدوا فيها دلالة على نص عليه.

قال صاحب الكتاب: " وقد قال شيخنا أبو الهذيل (1) في هذا الخبر أنه لو صح لكان المراد به الموالاة في الدين وذكر أن بعض أهل العلم حمله على أن قوما نقموا على علي عليه السلام بعض أموره فظهرت مقالاتهم له، وقولهم فيه، فأخبر عليه السلام بما يدل على منزلته وولايته وفعاله وأفعالهم عما خاف فيه الفتنة، وقد قال بعضهم في سبب ذلك: إنه وقع بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين أسامة بن زيد كلام، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أتقول هذا لمولاك، فقال: لست مولاي، وإنما

____________

(1) أبو الهذيل: محمد بن الهذيل العبدي بالولاء المعروف بالعلاف كان شيخ البصريين في الاعتزال ومن أكبر علمائهم توفي في سامراء سنة 26 أو 27 أو 235 بعد أن أشرف على المائة وقد كف بصره وخرف في آخر عمره.

الصفحة 312
مولاي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فعلي مولاه) يريد بذلك قطع ما كان من أسامة وتبيان (1) أنه بمنزلته في كونه مولى له، وقال بعضهم مثل ذلك في زيد بن حارثة، وأنكروا (2) أن خبر الغدير بعد موته، والمعتمد في معنى الخبر على ما قدمناه لأن كل ذلك لو صح وكان الخبر خارجا فلم يمنع من التعلق بظاهره وما يقتضيه لفظه، فيجب أن يكون الكلام في ذلك دون بيان السبب الذي وجوده كعدمه، في أن وجود الاستدلال بالخبر يتغير،... " (3).

يقال له: أما الذي يبطل ما حكيته عن أبي الهذيل فهو جميع ما تقدم من كلامنا.

فأما التعلق بذكر السبب وما ادعى من ملاحاة زيد بن حارثة أو أسامة ابنه فالذي يفيده ما قدمناه أيضا من اقتضاء الكلام لمعنى الإمامة، وأن صرفه عن معناها يخرجه عن حد الحكمة، وقد ذكر أصحابنا في ذلك وجوها:

منها، أن زيد بن حارثة قتل بمؤتة (4) وخبر الغدير كان بعد منصرف

____________

(1) غ " وبيان ".

(2) غ " وذكروا ".

(3) المغني 20 ق 1 / 154.

(4) مؤتة - بضم الميم وسكون الهمزة بعدها تاء فوقانية - قرية من أرض البلقاء كانت بها الوقعة المذكورة التي استشهد بها جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم وهي اليوم تابعة للكرك من بلاد الأردن تبعد عن الطريق العام بحوالي 40 كيلو متر وقد مررت بها عام 1394 وأنا في طريقي إلى الحج وزرت مرقد جعفر عليه السلام وهو في مسجد جميل قد فرش بالسجاد الفاخر ومرقد زيد قريبا منه وعليه قبة صغيرة جميلة ومثلها القبة على قبر عبد الله بن رواحة وقريب من مراقدهم زرت المسجد الذي عليه على أرضه الوقعة وهو فخم البناء ومفروش بالسجاد الفاخر أيضا.

الصفحة 313
النبي صلى الله عليه وآله عن حجة الوداع وبين الوقتين زمان طويل فكيف يمكن أن يكون سببه ما ادعوه وهذا الوجه أيضا يختص بذكر زيد بن حارثة وما تقدم وتأخر من الوجوه يعم التعلق بزيد وأسامة ابنه.

ومنها: أن أسباب الأخبار يجب الرجوع فيها إلى النقل كالرجوع في نفس الأخبار ولا يحسن أن يقتصر فيها على الدعاوي والظنون، وليس يمكن أحدا من الخصوم أن يسند ما يدعيه من السبب إلى رواية معروفة، ونقل مشهور، والمحنة بيننا وبينهم في ذلك ولو أمكنهم على أصعب الأمور أن يذكروا رواية في السبب لم يمكن الإشارة فيه إلى ما يوجب العلم وتتلقاه الأمة بالقبول على الحد الذي ذكرناه في خبر الغدير، وليس لنا أن نحمل تأويل الخبر الذي هو صفة على سبب أحسن أحواله أن يكون ناقله واحدا لا يوجب خبره علما ولا يثلج صدرا (1).

ومنها، أن الذي يدعونه في السبب لو كان حقا لما حسن من أمير المؤمنين عليه السلام أن يحتج به في الشورى على القوم في جملة فضائله ومناقبه، وما خصه الله تعالى به، لأن الأمر لو كان على ما ذكروه لم يكن في الخبر شاهد على فضل، ولا دلالة على تقدم، ولوجب أن يقول له القوم في جواب احتجاجه: وأي فضيلة لك بهذا الخبر علينا، وإنما كان سببه كيت وكيت مما تعلمه ونعلمه وفي احتجاجه عليه السلام به وأضرابهم عن رد الاحتجاج دلالة على بطلان ما يدعونه من السبب.

ومنها، أن الأمر لو كان على ما ادعوه في السبب لم يكن لقول عمر

____________

(1) المراد اطمئنان النفس، يقال: ثلجت نفسه أي اطمأنت.

الصفحة 314
ابن الخطاب في تلك الحال على ما تظاهرت به الروايات الصحيحة " أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة " معنى لأن عمر لم يكن مولى الرسول صلى الله عليه وآله من جهة ولاء العتق ولا جماعة المؤمنين.

ومنها، أن زيدا أو أسامة ابنه لم يكن بالذي يخفى عليه أن ولاء العتق يرجع إلى بني العم فينكره، وليس منزلته منزلة من يستحسن أن يكابر فيما يجري هذا المجرى ولو خفي عليه لما احتمل شكه فيه ذلك الإنكار البليغ من النبي صلى الله عليه وآله الذي جمع له الناس في وقت ضيق وقدم فيه من التقرير والتأكيد ما قدم.

ومنها، أن السبب لو كان صحيحا لم يكن طاعنا على تأويلنا لأنه لا يمتنع أن يريد النبي صلى الله عليه وآله ما ذهبنا إليه مع ما يقتضيه السبب من ولاء العتق، وإنما يكون السبب طاعنا لو كان حمل الخبر على موجبه ينافي تأويلنا وأكثر ما تقتضيه الأسباب أن يجعل الكلام الخارج عليها مطابقا لها، فأما أن لا يتعداها فغير واجب.

ومنها، أن كلام النبي صلى الله عليه وآله يجب أن يحمل على ما يكون مفيدا عليه، ثم على ما يكون أدخل في الفائدة لأنه صلى الله عليه وآله أحكم الحكماء، وإذا كان هذا واجبا لم يحسن أن يحمل خبر الغدير على ما ادعوه لأنه إذا حمل عليه لم يفد من قبل أنه معلوم لكل أحد علما لا يخالج فيه الشك أن ولاء العتق لبني العم.

قال صاحب الكتاب بعد كلام قد تقدم كلامنا عليه: (وأما من استدل بأن ذكر القسمة فيما يحتمله لفظة " مولى " من ملك الرق، والمعتق، وابن العم، والعاقبة، وأبطل كل ذلك، وزعم أنه ليس بعده إلا الإمامة، فإنه يقال له: ومن أين أن هذه اللفظة تفيد الإمامة في لغة

الصفحة 315
أو شرع أو تعارف ليتم لك إدخاله في القسمة؟ لأنه إنما يدخل في القسمة ما يفيده القول ويحتمله دون غيره، فإن قال: لأن لفظة الإمام تقتضي الإئتمام به والاقتداء، ووجوب الطاعة، ولفظة " مولى " تطلق على ذلك في التفصيل فيجب دخول الإمامة تحته، فيقال له: ومن أين أن وجوب الطاعة يستفاد بمولى، أولست تعلم أن طاعة الوالد على الولد واجبة، ولا يقال له إنه مولى؟ وإذا ملك بعقد الإجارة الأجير يلزمه طاعته ولا يقال ذلك فيه، وقد استعمل أهل اللغة في الرئيس المقدم لفظة " الرب " ولم يستعملوا لفظة " المولى " إلا إذا أرادوا به النصرة، فإن قال: قد ثبت إنهم يقولون في السيد: إنه مولى العبد لما ملك طاعته، ولزمه الانقياد له وذلك قائم في الإمام فوجب أن يوصف بذلك قيل له: لم يوصف المولى بذلك لما ذكرته، وإنما يوصف لأنه يملك بيعه وشراءه، والتصرف فيه بحسب التصرف في الملك وذلك لا يصح في الإمام،... " (1).

يقال له: قد بينا أن لفظة " مولى " تفيد في اللغة من كان أولى بالتدبير، وأحق بالشئ الذي قيل إنه مولاه واستشهدنا من الاستعمال بما لا يمكن دفعه، غير أن ما يستعمل هذه اللفظة فيه على ضربين، أحدهما لا يصح مع التخصص بتدبيره والتحقق بالتصرف فيه وصفه بالطاعة كسائر ما يملك سوى العبيد، فإنه قد يوصف المالك للأموال وما جرى مجراها من المملوكات بأنه مولى لها على الحد الذي وصف الله تعالى به الورثة المستحقين للميراث، والمختصين بالتصرف فيه، في قوله: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم) (2) وإن كان دخول لفظ الطاعة ووجوبها في ذلك ممتنعا، والضرب الآخر يصح مع

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 155.

(2) النساء 7.

الصفحة 316
التحقق به والتملك له وصفه بالطاعة ووجوبها كالوصف للسيد بأنه مولى العبد، وولي المرأة في الخبر الذي أوردناه متقدما بأنه مولاها ورجوع كلا الوجهين إلى معنى واحد وهو التحقق بالشئ والتخصص بتدبيره، ولا معتبر بامتناع دخول لفظ الطاعة في أحدهما دون الآخر إذا كانت الفائدة واحدة.

فأما إلزامه إجراء لفظة " مولى " على الوالد والمستأجر للأجير من حيث وجبت طاعتهما فغير ممتنع أن يقال في الوالد: أنه مولى ولده بمعنى أنه أولى بتدبيره، كما أنه قد يستعمل فيه ما يقوم مقام مولى من الألفاظ فيقال: إنه أحق بتدبير ولده وأولى به، وكذلك القول في المستأجر لأنه يملك تصرف الأجير إلا أن إطلاق ذلك من غير تفسير وضرب من التفصيل ربما لم يحسن، ليس لأن اللغة لا تقتضيه لكن لأن لفظة " مولى " قد كثر استعمالها بالاطلاق في مالك العبد ومن جرى مجراه فصار تقييدها في الوالد واجبا إزالة للبس والابهام، ومثل هذا كثير في الألفاظ، وليس هو بمخرج لها عن حقائقها وأصولها.

ثم يقال له: إذا قلت: إن لفظة " مولى " تفيد الموالاة في الدين التي يحصل بين المؤمنين، فهلا أطلقت على الوالد أنه مولى ولده والمستأجر أنه مولى أجيره إذا كان الجميع مؤمنين وذهبت في اللفظة إلى معنى الموالاة؟

فإن قلت: إني أطلق ذلك لا أحتشم منه، قلنا لك: ونحن أيضا نطلق ما سمتنا (1) إطلاقه فيهما، ويزيد المعنى الذي ذهبنا إليه، لأن قلة الاستعمال إذا لم تكن مانعة لك من إطلاق اللفظ على المعنى الذي اخترته

____________

(1) سمتنا: كلفتنا.

الصفحة 317
لم تكن مانعة - وأدلتنا ثابتة - لنا، وإذا ثبت الإطلاق كنت مناقضا إلا أن تعتذر بمثل ما اعتذرنا به.

فأما الرئيس السيد فلا شبهة في إجراء لفظة " مولى " عليه وقد حكينا ذلك فيما تقدم عن أهل اللغة، وليس هو مما يقل استعماله في كلامهم، بل ظهوره بينهم كظهور استعمال لفظة " رب " في الرئيس، ودفع ما جرى هذا المجرى قبيح.

فأما إنكاره استعمال لفظة " مولى " في مالك العبد من حيث ملك طاعته، وقوله: (إنما وصف بمولى من حيث ملك بيعه وشراه والتصرف فيه) فهو إنكار متضمن للاقرار، وإن لم يشعر به، لأنا نعلم أن المالك من العبد التصرف بالبيع والاستخدام وغيرها من وجوه المنافع لا يصح أن يكون مالكا لذلك إلا ويجب على العبد طاعته فيه، والانقياد له في جميعه، فقد صار مالك التصرف غير منفصل من مالك الطاعة ووجوبها بل المستفاد بمالك التصرف معنى وجوب الطاعة والانقياد فيما يرجع إلى العبد وإنما انفصل التصرف المستحق على العبد من الذي ليس لمملوك ولا مستحق بهذه المزية، وهذا يبين أن الذي أباه صاحب الكتاب لا بد له من الاعتراف به.

ثم يقال له: إذا كان وصف مولى العبد إنما أجري من حيث ملك بيعه وشراه لا من حيث وجبت طاعته عليه فيلزمك أن تجري هذا الوصف في كل موضع حصل فيه هذا المعنى، فتقول في المالك للثوب والدار والبهيمة والضيعة: إنه مولى لجميع ذلك، وتطلق القول من غير تقييده فإن فعلت واطلقت ما سمينا لك إطلاقه ذهابا إلى أن أصل اللفظة في الوضع ومعناها يقتضيانه، ولم تحفل بقلة الاستعمال جاز لنا أن نطلق أيضا في

الصفحة 318
الوالد أنه مولى ولده وكذلك في الأجير ونذهب إلى معنى اللفظة وما يقتضيه وضعها، ولا نجعل قلة الاستعمال مؤثرا فليس ما سمتنا إطلاقه بأقل في الاستعمال مما ألزمناك أن تطلقه وإن أبيت الإطلاق فليس لك بد من أن تصير إلى ما ذكرناه، وإلا كنت مناقضا ويسقط على كل حال إلزامك الذي ظننت أنك تتوصل به إلى إبطال قولنا في إجراء لفطة " مولى " على من وجبت طاعته، على أن استدلالنا بخبر الغدير على إيجاب الإمامة لا يفتقر إلى أن لفظة " مولى " تجري على الإمام، ومالك الطاعة بغير واسطة، لأنا قد بينا احتمالها للأولى، وهذا مما لا يمكن صاحب الكتاب ولا أحدا دفعه فإنه ظاهر في اللغة، وقد ذكرنا فيما تقدم من كلامنا في الشواهد عليه ما في بعضه كفاية، وإذا احتملت أولى من غير إضافة، وقد علمنا أن الأولى في اللغة هو الأحق بلا خلاف، وقد يجوز أن يستعمل لفظة أحق وأولى مضافتين إلى الطاعة كما يجوز استعمالها في غير الطاعة من ضروب الأشياء وإذا جاز ذلك وثبت أن مقدمة خبر الغدير تضمنت التقرير بوجوب الطاعة وكان معنى (أولى بكم) أولى بتدبيركم، ووجوب الطاعة عليكم بغير خلاف أيضا، وكنا قد دللنا فيما تقدم على أن ما أوجبه في الكلام الثاني (1) يجب أن يكون مطابقا لمقتضى المقدمة الأولى حتى كأنه قال عليه السلام من كنت أولى به في تدبيره وأمره ونهيه فعلي أولى به في ذلك، فقد وضح ما قصدناه من الدلالة على النص بالإمامة من غير حاجة إلى أن لفظة " مولى " تجري على ملك الطاعة بنفسها هذا على الطريقة الأولى، فأما على طريقة التقسيم فهي أيضا غير مفتقرة إلى ذلك، لأنه إذا بطل أن يكون مراده صلى الله عليه وآله بلفظة " مولى " سائر ما يحتمله اللفظة سوى

____________

(1) الكلام الثاني في قوله صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فعلي مولاه) والمقدمة الأولى قوله صلى الله عليه وآله (أولست أولى بكم منكم بأنفسكم).

الصفحة 319
أولى وبطل أن يريد بأولي شيئا مما يجوز أن يضاف إلى هذه اللفظة سوى ما يقتضي الإمامة، والتحقق بالتدبير لما تقدم ذكره، فقد وضح وجه الاستدلال بالطريقتين معا.

قال صاحب الكتاب: (وقد ذكر أبو مسلم أن هذه الكلمة مأخوذة من الموالاة بين الأشياء يعني اتباع بعضها بعضا، ولذلك يقولون فيمن يختصون به من أقربائهم إذا أخبروا عنهم هذا لي ولمن يلين (1) وكان المعنى في كون المؤمن مواليا لأخيه أن يكون متابعا له ثم تصرفوا في الاستعمال قرينة على أن التعارف في ذلك هو بمعنى النصرة ومتابعة البعض للبعض فيما يتصل بأمر الدين، وذلك لا يليق بالإمامة لأن الوجه الذي له يكون مولى لهم يقتضي أن يختصوا بمتابعته ويكون المتابعة من أحد الطرفين واشتقاق اللفظ يقتضي المتابعة من كلا الطرفين وذلك يليق بالموالاة في الدين، وإنما يقال في الإمام أنه مولى لا من جهة الإمامة، بل من جهة الدين لأنه إذا اختص بالإمامة لزمته النصرة وسائر ما يختص به ويتعلق بالدين (2) وعلى هذا الوجه يقال في سائر رعيته أنهم موال له كما يقال فيه أنه مولى لهم، وقد بينا أن المعاني التي يختص بها الإمام وتفيدها الإمامة لا يعلم إلا بالشرع لأن العقل لا يميز ذلك من غيره، وإنما نعرف ذلك شرعا فلا يمكن أن يقال: إن لفظة " مولى " تفيده من جهة اللغة إلا على وجه التشبيه، ولا يمكن أن يقال: إنها لفظة شرعية ولا للتعارف فيها مدخل فكيف يمكن ما ذكروه من إدخال ذلك في القسمة فضلا على أن يقولوا: إنه الظاهر من الكلام ومن عجيب الأمور في هذا المستدل أنه ذكر في الخبر

____________

(1) غ " ولمن يليني فكأن " وفي المخطوطة " ولمن يليهم ".

(2) غ " لتعلق " وقال المعلق: " كذا بالأصل " واكتفى بذلك وخفي عليه المراد!

الصفحة 320
سائر الأقسام وترك ما حمل شيوخنا الخبر عليه ولو اشتغل (1) بذلك لكان أولى به،... " (2) يقال له: إن الذي حكيته عن أبي مسلم لا ينكر إن يكون صحيحا، وهو إذا صح لا يضرنا ولا ينفعك، وإن كنت قد أتبعته بشئ من عندك ليس بصحيح، ولا خاف الفساد لأن أبا مسلم فسر معنى الموالاة واشتقاقها، ولم يقل إن لفظة " ولي " أو " مولى " لا معنى لها، ولا يحتمل إلا الموالاة التي فسرها بالمتابعة، بل قد صرح بضد ذلك، ونحن نحكي كلامه بعينه في الموضع الذي نقل منه صاحب الكتاب الحكاية قال أبو مسلم في كتاب " تفسير القرآن " عند انتهائه إلى قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله) بعد كلام قدمه " وقد ذكرنا معنى " الولي والموالاة " في عدة مواضع مما فسرنا من السور الماضية، وجملة معناه أن يكون الرجل تابعا محبة أخيه في كل أحواله ويملك منه ما يملكه من نفسه، ويريد له ما يريد لها والناس يقولون فيمن يختصون من أقاربهم إذا أخبروا عنهم: هذا لي ولمن يليني، وكأن المعنى مأخوذ من الموالاة بين الأشياء، أي اتباع بعضها بعضا، فيكون المؤمن مواليا لأخيه أي متابعا له، ويكون المعنى في نسبة ذلك إلى الله تعالى بقوله (إنما وليكم الله ورسوله) أي من يملككم ويلي أمركم، ويجب عليكم طاعته واتباعه وإلى الرسول بما عطف من ذكره على الله تعالى بما فرض الله من طاعته في أدائه عن الله تعالى إذ يقول:

(من يطع الرسول فقد أطاع الله) وبما يبذله من النصح للمؤمنين وهو فوق ما يعطيه بعضهم بعضا كما قال الله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من

____________

(1) غ " ولو استدل ".

(2) المغني 20 ق 1 / 155.

الصفحة 321
أنفسهم) وإنما ينسب إلى (الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) ما قدمناه من الاتفاق بينهم وطاعة كل واحد منهم لصاحبه ومظافرته إياه على أمر الله، وملكه من أخيه ما يملكه من نفسه فيه " هذا كلامه بألفاظه وهو يشهد بما يذهب إليه من إجراء لفظة " ولي " على من تجب طاعته والانتهاء إلى أمره على خلاف ما يريده صاحب الكتاب، ويذهب إليه، وإذا كان معناها وأصل اشتقاقها إذا أريد بها الموالاة يقتضيان المتابعة على ما ذكر لم يناف ذلك قولنا ولا قدح فيه، لأنا قد ذكرنا فيما تقدم أن لفظة " مولى وولي " تجريان على الموالاة في الدين، ودللنا على أن المراد بهما في الآية وخبر الغدير ما ذهبنا إليه دون غيره، وفي كلام أبي مسلم ما يخالف رأي صاحب الكتاب من وجه آخر لأنه جعل قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) موافقا لمعنى الآية التي ذكرناها في اقتضاء وجوب الطاعة والاتباع، ومعلوم أن التقرير في مقدمة خبر الغدير وقع بما أوجبه الله تعالى في الآية لرسوله صلى الله عليه وآله وأن المعنيين متطابقان، وصاحب الكتاب ينكر فيما حكيناه من كلامه ونقضناه أن يكون التقرير وقع بفرض الطاعة في خبر الغدير، وقد بينا أنه خلاف للأمة، وقد كان يجب عليه إذا احتج بكلام أبي مسلم في الموضع الذي حكاه وجعله قدوة فيما يرجع إلى اللغة والاشتقاق أن يلتزم جميع ما ذكره هناك، ولا يقتصر احتجاجه على ما وافق هواه دون ما خالفه، وليس له أن يقول: إن الخطأ يجوز على أبي مسلم في بعض كلامه دون بعض، لأن ذلك إنما يجوز فيما طريقه الاستدلال، فأما فيما طريقه اللغة التي لا مجال للاستدلال والقياس فيها، وإنما يؤخذ سماعا فإنه لا يجوز لا سيما وقد جعل قوله في معنى اللفظة واشتقاقها حجة، ومن كان بهذه المنزلة فيما يرجع إلى اللغة يجب أن يرجع إلى جميع قوله في معنى هذه اللفظة وتأويلها.


الصفحة 322
فأما الخطأ الذي اتبع صاحب الكتاب كلام أبي مسلم فهو اعتقاده أن الموالاة إذا كانت بمعنى المتابعة استحال حصولها من جهة واحدة، ووجب أن لا يدخل إلا بين اثنين، وهذا خطأ فاحش لأن لفظة المفاعلة ليس يجب في كل موضع دخوله بين الاثنين، وإن كان قد يدخل بينهما في أكثر المواضع فمن لفظة المفاعلة المستعملة في الواحد دون الاثنين قولهم ناولت وعاقبت وظاهرت وعافاه الله، وما يجري مجرى ما ذكرناه مما يتسع ذكره، وقولهم: تابعت وواليت لا حق بما عددناه مما يكون عبارة عن الواحد وإن كان لفظه لفظ المفاعلة.

فأما ما ذكره في آخر كلامه من أن ما تفيده الإمامة ويختص به الإمام لا يعلم إلا بالشرع، وتوصله بذلك إلى أن لفظة " مولى " لا تفيد الإمامة فغير صحيح، لأن الإمامة تجري في اللغة على معنى الاتباع والاقتداء، وهي في الشرع أيضا تفيد هذا المعنى وإن كانت الشريعة وردت بأحكام يتولاها الإمام على التفصيل لا يفيدها اللفظة اللغوية المفيدة للاتباع والاقتداء على سبيل الجملة.

وقد بينا أن الخبر إذا اقتضى وجوب الطاعة والاتباع فقد دل على الإمامة بجميع أحكامها الشرعية، لأن الطاعة على جميع الخلق في سائر الأمور لا تجب بعد النبي إلا للإمام فقد بطل قوله: (إن الإمامة لا تدخل في القسمة).

فأما تأويل شيوخه للخبر فقد تقدم كلامنا عليه.

قال صاحب الكتاب: " فأما ما أورده من زعم (1) أنه لو لم يرد صلى الله عليه وآله به الإمامة لكان قد تركهم في حيرة وعمى عليهم فإنه يقال له: ما الذي يمنع أن يثبت في كلامه صلى الله عليه وآله ما لا يدل ظاهره

____________

(1) يعني أبا جعفر بن قبة كما سيأتي ذلك في كلام المرتضى.

الصفحة 323
على المراد، فإن قال: لأنه يؤدي إلى ضد ما بعث له من البيان قيل له:

أليس في كتاب الله تعالى البيان والشفا وفيه متشابه لا يدل ظاهره على المراد، فإن قال: إن المتشابه وإن كان ظاهره لا يدل على المراد، ففي دليل العقل ما يبين المراد به قيل له: فيجوز (1) مثله في كلامه صلى الله عليه وآله لأن من خالف لا يقول إنه صلى الله عليه وآله لم يرد بذلك فائدة، وإنما يقول: إن ظاهره لا يدل على مراده، وإنما يدل عليه بقرينة ".

ثم قال: " فإن قال: إنما أردت أنه صلى الله عليه وآله لما عرف قصده عند هذا الكلام باضطرار إلى الإمامة فلو لم يدل الكلام عليه لكان معميا،... " (2). ونشرع في الجواب عن هذا السؤال بما لم نذكره، لأنا لا نسأله عنه قط فنشتغل بإضمار جوابه.

وقال في آخر الفصل: " ومن عجيب أمر هذا المستدل أنه ادعى ما يجري مجرى الضرورة عند هذا الخبر، ثم ذكر أنه اشتبه على الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله حال هذا النص من حيث ثبت عندهم قوله: (الأئمة من قريش) وظنوا أن هذا العموم يقضي على ذلك النص ".

قال: " وهذا من بعيد ما يقال لأنهم إذا عرفوا ذلك باضطرار وهم جمع عظيم فلا بد من أن يعرفه غيرهم بخبرهم ومتى اشتهرت الحال في ذلك لم يصح وقوع الاشتباه عليهم،... " (3).

يقال له: قد علمنا من الذي وجهت كنايتك في هذا الفصل إليه، وهو شيخنا أبو جعفر بن قبة رحمه الله والذي ذكره في صدر كتابه المعروف

____________

(1) غ " فجوز ".

(2) المغني 20 ق 1 / 156.

(3) المغني 20 ق 1 / 158.

الصفحة 324
ب " الإنصاف والإصاف " خلاف ما ظننته لأنه إنما أوجب كون النبي صلى الله عليه وآله ملبسا محيرا متى لم يقصد النص بخبر الغدير من حيث بين رحمه الله اقتضاء ظاهر الكلام للنص، وأنه متى حمل على خلافه كان القول خارجا عن مذهب أهل اللغة، وقد فرق في الكتاب أيضا بين متشابه القرآن وبين ما أنكره بأن قال: " إن العقل دال على أنه تعالى لم يقصد بذلك التشبيه وما جرى مجراه مما لا يجوز عليه، والمخاطبون في تلك الحال بالمتشابه قد فهموا معناه، وليس مثل هذا في النص لأن العقل لا يخيل أن يكون قصد بخبر الغدير إلى النص " وأسقط رحمه الله قول من سأل فقال: جوزوا أن يكون السامعون لخبر الغدير من النبي صلى الله عليه وآله قد فهموا مراده وأنه لم يرد به النص بأن قال: " إذا كانت معرفة المراد من الكلام لازمة لنا كلزومها لهم لم يجز أن يخصوا بدلالة أو ما يجري مجرى الدلالة مما يوصل إلى معرفة المراد دوننا، ولوجب أن يقطع عذر الجميع في معرفة مراده لعموم التكليف لهم ".

فأما ما توهمه على أبي جعفر من ادعاء الضرورة في معرفة النص من خبر الغدير، وأنه ناقض من بعد بقوله: (إن الأمر اشتبه على الناس حتى ظنوا أن العمل بقوله عليه السلام: " الأئمة من قريش " أولى) فغلط منه عليه لأن الرجل لم يدع الضرورة في شئ من كلامه، ومن استقرأ كلامه (1) في هذا الباب وغيره عرف صحة ما ذكرناه، بل قد صرح بما يدل على خلاف الضرورة لأنه استدل على إيجاب النص من الخبر باللغة وما تقتضيه المقدمة والعطف عليها، ولو كان قائلا بالضرورة في معرفة المراد لم يحتج إلى شئ مما ذكره على أنه قد قال أيضا عند تقسيم النص إلى قسمين " فأما النص

____________

(1) استقرأ الكلام: تتبعه، وأصله من استقراء الناقة بعد الضراب لينظر ألقحت أم لا؟.

الصفحة 325
الذي وقع بحضرة العدد الكثير فإنما كان يوم الغدير وكلهم كانوا ذاكرين لكلامه عليه السلام غير أنهم ذهبوا عنه بتأويل فاسد لأنهم إنما دخلت عليهم الشبهة من حيث توهموا أن لذلك الكلام ضربا من التأويل يجوز معه للرؤساء إذا وقعت الفتنة، واختلفت الكلمة أن يختاروا إماما " ومعلوم أن هذا كلام من لا يدعي الاضطرار إلى معرفة المراد بخبر الغدير لأن الضرورة تنافي دخول التأويلات، ولو كان القوم عنده مضطرين ما جاز أن يقول: " إنهم ظنوا أن للكلام ضربا من التأويل عند دخول الشبهة " ولسنا نعلم من أين وقع لصاحب الكتاب ما ظنه مع بعده، وهذه جملة كافية، والمنة لله تعالى:

هذا آخر المجلدة الأولى ويتلوه ما في المجلدة الثانية له (1).

____________

(1) هكذا في الأصل، وبذلك انتهى أيضا الجزء الثاني من تجزئة هذه الطبعة بحمد الله تبارك وتعالى، ويتلوه - إن شاء الله - الجزء الثالث، وأوله بعد البسملة:

قال صاحب الكتاب: " دليل آخر لهم، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله:

(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).