عقائد الشيعة الإمامية / شرف الدين الموسوي

 

 

الرد على مسائل جار الله

 

 

الرد على نسبة تكفير الفرق الإسلامية إلى الشيعة

 

 

 

المسألة السادسة: قال: صرحت كتب الشيعة ان كل الفرق الاسامية كلها كافرة ملعونة خالدة في النار إلا الشيعة الخ.

فأقول: نعوذ بالله من تكفير المسلمين، والله المستعان على كل معتد اثيم، هماز مشاء بنميم، كيف يجوز على الشيعة أن تكِفّر أهل الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج والايمان باليوم الآخر، وقد قال إمامهم أبو عبدالله جعفر الصادق عليه السلام ـ في حديث سفيان بن الصمت ـ: الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس، شهادة أن لا إَله إلا الله، وإن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان. ا هـ.

وقال عليه السلام ـ في حديث سماعة ـ: الإسلام شهادة ان لا إله إلا الله، والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث. ا هـ.

وقال الامام أبو جعفر محمد الباقر عليه السلام ـ في صحيح حمران بن اعين ـ: والاسلام ماظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة؛ والصوم والحج، فخرجوا بذلك عن الكفر، واضيفوا إلى الإيمان. ا هـ. ونصوص أئمتنا في هذا المعنى متواترة، وعليه اجماع الشيعة. ولو فرض ان في بعض كتبهم المعتبرة شيئا من تكفير مخاليفهم، فليس المراد من التكفير هنا معناه الحقيقي، وإنما المراد إكبار المخالفة لأئمة أهل البيت، وتغليظها نظير ما ثبت في الصحاح من تكفير التارك للصلاة، والمقاتل للمسلم، والطاعن في النسب، والعبد الآبق، والنائحة على الموتى. وكتب أهل السنة مشحونة بتكفير الشيعة، وتحقيرهم ونبزهم بالرفض تارة، وبالخشبية مرة، وبالترابية اخرى، وبغير ذلك من ألقاب الضعة، ولا تسل عن الارجاف بهم، والافتراء عليهم، وبهتهم بالأباطيل، وحسبك ما تجده في باب الردة والتعزير من الفتاوى الحامدية من تنقيحها فإن هناك مالا تبرك الابل عن مثله فهل أنكر عليه بهتانه منكر؟ أو عذله عن ظلمه وعدوانه عاذل؟ فحتى م تصوبون على اخوانكم ـ الصواعق المحرقة ـ وتنبزونهم بأهل البدع والزندقة، حتى كان ـ منهاج السنة ـ سبابا و ـ نبراسها ـ كذابا، و ـ كرد ـ الشام هو العربي الصريح، وارباب القلم وانصار السنة أضراب النصولي في كتاب معاوية بن أبي سفيان، والحصاني صاحب العروبة في الميزان؛ وموسى هذا الأرعن في مسائله، وابن عانة في معاميه ومجاهله، يتحكمون بجهلهم فيستحلون من الشيعة ما حرم الله عز وجل، بغياً منهم وجهلاً.

والمسلمون بمنظر وبمسع * لا منكر منهم ولا متفجع

كأن الشيعة ليسوا بإِخوانهم في الدين، ولا بأعوانهم على من أراد بهم سوءاً.

 

 

 

فصل

قال موسى جار الله في خاتمة هذه المسألة: يقول الامام ـ يعني الباقر او الصادق ـ في أئمة المذاهب الأربعة من هذه الامة: لا تأتهم! ولا تسمع منهم! لعنهم الله ولعن مللهم المشركة!.

(فأقول): لا طريق لموسى جارالله وغيره في اثبات هذا القول عن أئمتنا أبداً، ولو فرضنا ثبوته فما هو إلا دون ما قد ثبت عن حجج أهل السنة، واعلام سلفهم المعاصرين للأئمة الأربعة كما يعلمه المتتبعون، وقد أخرج الخطيب في ترجمة ابي حنيفة من الجزء 13 من تاريخ بغداد احاديث كثيرة في هذا الموضوع لعل موسى جارالله لم يقف عليها، فنحن الآن نلفته اليها، وحسبه منها ما اخرجه بالاسناد إلى سفيان بن سعيد الثوري، قال: شمعت حماد بن ابي سليمان يقول: أبلغوا أبا حنيفة المشرك اني من دينه بريء إلى أن يتوب. ا هـ.

ثم اخرج بالاسناد إلى حماد أيضاً انه رأى أبا حنيفة مقبلا عليه، فقال: لا مرحباً ولا اهلا، ثم قال لأصحابه: ان سلم فلا تردوا عليه، وإن جلس فلا توسعوا له، فلما جاء أبو حنيفة اخذ حماد كفاً من حصى فرمى به في وجه أبي حنيفة.

وأخرج الخطيب أيضاً بالاسناد إلى أبي بكر محمد بن عبدالله ابن صالح الأسدي الفقيه المالكي، قال: سمعت أبا بكر بن ابي داود السجستاني يوماً وهو يقول لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك واصحابه والشافعي واصحابه، والاوزاعي واصحابه، والحسن بن صالح واصحابه، وسفيان الثوري واصحابه، واحمد بن حنبل واصحابه، فقالوا له: يا أبا بكر لا تكون مسألة أصح من هذه، فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل ابي حنيفة. ا هـ. واخرج أيضاً بسنده إلى ابي العباس احمد بن علي بن مسلم الأبار: ان القوم الذين ردوا على ابي حنيفة، أيوب السجستاني، وجرير بن حازم، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابو عوانة وعبد الوارث وسوار العنبري القاضي، ويزيد بن زريع، وعلي بن عاصم ومالك بن انس، وجعفر بن محمد، وعمر بن قيس، وابو عبدالرحمان المقرىء، وسعيد بن عبدالعزيز، والاوزاعي، وعبدالله بن المبارك، وابو اسحاق الفزاري، ويوسف بن اسباط، ومحمد بن جابر، وسفيان الثوري، وسفيان ابن عيينة، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، وحفص ابن غياث، وابو بكر بن عياش، وشريك بن عبدالله، و وكيع بن الجراح، ورقبة بن مصقلة، والفضل بن موسى، وعيسى بن يونس، والحجاج بن ارطاة، ومالك بن مغول، والقاسم بن حبيب وابن شبرمة. فهؤلاء خمسة وثلاثون إماماً قد اتفقوا على الرد عليه. واخرج الخطيب ايضاً بالاسناد إلى وكيع قال: اجتمع سفيان الثوري وشريك، والحسن بن صالح، وابن ابي ليلى فبعثوا إلى أبي حنيفة فأتاهم، فقالوا له: ما تقول في رجل قتل أباه، ونكح امه، وشرب الخمر في رأس أبيه، فقال: هو مؤمن، فقال له ابن أبي ليلى: لا قبلت لك شهادة أبداً، وقال له سفيان الثوري: لا كلمتك أبداً، وقال له شريك: لو كان لي من الأمر شيء لضربت عنقك، وقال له الحسن بن صالح: وجهي من وجهك حرام ان انظر إلى وجهك ابداً. ا هـ. واخرج الخطيب أيضاً عن الامام مالك بن انس قال: ما ولد في الاسلام مولود أضر على أهل الاسلام من أبي حنيفة. الخ. واخرج عنه ايضاً قال: كانت فتنة أبي حنيفة اضر على هذه الامة من فتنة ابليس. الخ. واخرج أيضاً عن عبدالرحمان بن مهدي قال: ما أعلم في الاسلام فتنة بعد فتنة الدجال اعظم من رأي ابي حنيفة. ثم أخرج عن سفيان قال: ما وضع في الاسلام من الشر ما وضع أبو حنيفة إلا فلان لرجل صلب. ثم اخرج عن شريك قال: لأن يكون في كل حي من الأحياء خمار خير من أن يكون فيه رجل من اصحاب أبي حنيفة. ثم أخرج عنه أيضاً قال: لو أن في كل ربع من أرباع الكوفة خماراً يبيع الخمر كان خيراً من أن يكون فيه من يقول بقول ابي حنيفة. ثم اخرج عن حماد بن زيد قال: سمعت أيوب وقد ذكر أبو حنيفة فقال: يريدون أن يطفئوا نور الله بافواههم ويأبى الله إلا ان يتم نوره. ثم أخرج عن سلام بن ابي مطيع قال: كان أيوب قاعداً في المسجد الحرام فرآه أبو حنيفة فأقبل نحوه، فلما رآه أيوب قد أقبل نحوه، قال لا صحابه: قوموا لا يعرنا بجربه، قوموا فقاموا فتفرقوا. ثم أخرج عن سليمان ابن حسان الحلبي قال: سمعت الاوزاعي ما لا احصيه يقول: عمد أبو حنيفة إلى عرى الاسلام فنقضها عروة عروة. ثم اخرج عن سلمة بن كلثوم وكان من العابدين، قال: قال الاوزاعي لما مات ابو حنيفة: الحمد لله إن كان لينقض الاسلام عروة عروة. ثم أخرج عن ابن مهدي قال: كنت عند سفيان الثوري إذ جاء نعي أبي حنيفة فقال: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه، لقد كان ينقض عرى الاسلام عروة عروة، ما ولد في الاسلام مولداً اشأم على الاسلام منه. ا هـ. ثم استرسل الخطيب في نقل هذا القول ونحوه عن كل من الاوزاعي، والثوري، والامام الشافعي، وحماد بن سلمة، وابن عون، والبتي، وسوار، والامام مالك، وابي عوانة، وعبدالله ابن المبارك، والنضر بن شميل، وقيس بن الربيع، وعبدالله ابن ادريس، وأبي عاصم، والحميري، وعبد الرحمان بن مهدي، وعمر بن قيس، وعمار بن زريق، وأبي بكر بن عياش، والأسود بن سالم، وعلي بن عثام، ويزيد بن هارون، والامام أحمد بن حنبل، وخالد بن يزيد بن أبي مالك، وابي مسهر، وابي الحسن النجاد، وابن أبي شيبة، وابراهيم الحربي، وسريح بن يونس، وابن نمير، ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم، ومن شاء أن يقف على كلام هؤلاء الأئمة الأثبات، فليراجع باب ما قاله العلماء في ذم رأي أبي حنيفة والتحذير منه ص394 وما بعدها إلى ص423 من الجزء 13 من تاريخ الخطيب.

وقد اخرج بأسانيد متعددة، وطرق مختلفة عن كل من شريك وسليمان بن فليح المدني، وقيس بن الربيع، وسفيان الثوري، ويعقوب، ومؤمل بن اسماعيل، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن حمزة، وسعيد بن عبدالعزيز، ويزيد بن زريع، وعبدالله بن ادريس، واسد بن موسى، وأحمد بن حنبل، إنهم جميعاً قالوا: ان أبا حنيفة قد استتيب من الكفر والزندقة مرتين أو ثلاثا. وأخرج أيضاً عن أبي مسهر قال: كان أبو حنيفة رأس المرجئة، ثم أخرج هذا ونحوه عن كل من عبدالله بن يزيد، وابن المبارك، بل أخرج عن ابي يوسف تلميذ أبي حنيفة قال: إن أبا حنيفة كان مرجئاً جهمياً حتى مات على ذلك، فقيل له: فأين أنت منه؟ قال: إنما كان مدرساً فما كان من قوله حسناً قبلناه، وما كان قبيحاً تركناه، وكان ابن أبي ليلى يتمثل بهذين البيتين:

إلى شنئان المرجئين ورأيهم * عمر بن ذر وابن قيس الماصر
وعتيبة الدباب لا يرضى به * وأبي حنيفة شيخ سوء كافر

وأخرج الخطيب عن أبي صالح الفراء قال: سمعت يوسف بن اسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله اربع مئة حديث أو أكثر، قال: وقال أبو حنيفة: لو ادركني النبي وأدركته لأخذ بكثير من قولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن. وأخرج أيضاً عن وكيع، قال: وجدنا أبا حنيفة خالف مئتي حديث. وأخرج أيضاً عن حماد بن سلمة من طريقين، قال إن أبا حنيفة استقبل الآثار والسنن فردها برأيه.

ثم استرسل الخطيب في نقل هذا وأمثاله عن أبي حنيفة بالاساليب المعتبرة، عن كل من أبي عوانة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ووكيع، والحجاج بن ارطاة، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، وأخرج عن علي بن صالح البغوي، قال: انشدني أبو عبدالله محمد بن زيد الواسطي لأحمد بن المعدل.

إِن كنتِ كاذبةً بما حدثتِني * فعليكِ اثم ابي حنيفةَ أو زفر
المائلينِ إلى القياس تعمداً * والراغبينِ عن التمسك بالخبر

وأخرج الخطيب عن أبي إسحاق الفزاري قال: كنت آتي أبا حنيفة اسأله عن شيء من أمر الغزو، فسألته عن مسألة فأجاب فيها، فقلت له: انه يروى فيها عن النبي كذا وكذا، قال: دعنا من هذا، قال: وسألته يوماً آخر عن مسألة فأجاب فيها، فقلت له: انه يروى فيها عن النبي كذا وكذا؛ فقال: حك هذا بذنب خنزيرة! وعقد الخطيب فصلا لما حكي عن أبي حنيفة من مستشنعات الالفاظ والافعال فليراجعه موسى جارالله في ص386 وما بعدها إلى ص 394، واذا راجع ترجمة ابي حنيفة في ص323، إلى ص423 من المجلد 13 من تاريخ بغداد هانت عليه الكلمة التي نقلها عن الامام عليه السلام.

 

 

 

فصل

وقد تكلم ابن أبي ذئب في مالك بن انس بكلام فيه جفاء وخشونة، قال بن عبد البر: كرهت ذكره وهو مشهور عنه. (قال): وكان ابراهيم بن سعد يتكلم في مالك ابن انس أيضاً (قال): وكان ابراهيم بن يحيى يدعو عليه (قال): وتكلم في مالك ايضاً ـ فيما ذكره الساجي في كتاب العلل ـ عبد العزيز بن ابي سلمة، وعبدالرحمان بن زيد بن اسلم وابن اسحاق وابن ابي يحيى وابن ابي الزناد، وعابوا أشياء من مذهبه (قال): وتكلم فيه غيرهم إلى أن قال: وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسداً لموضع امامته قال: وعابه قوم في انكار المسح على الخفين في الحضر والسفر؛ وفي كلامه على علي وعثمان وفي فتياه بإتيان النساء في الاعجاز، وفي قعوده عن مشاهدة الجماعة في مسجد رسول الله، ونسبوه بذلك إلى مالا يحسن ذكره ا هـ.

قلت: وقد طعن محمد بن اسحاق في نسب مالك فكان بينهما من القدح والجرح مالا يجمل ذكره وهو مشهور عنهما.

وقد شك في الامام الشافعي بعض الأعلام من معاصريه وغيرهم، وصرح بعدم وثاقته، من لا يستطيع موسى جارالله إلا الخضوع لعدالته، كابن معين وحسبك به اماماً في الجرح والتعديل، وتصريحه بهذا ثابت عنه من طرق صحيحة وما زال أهل المذاهب ينتقد بعضهم بعضاً، ويزري بعضهم على بعض، حتى قال الامام جارالله الزمخشري:

اذا سألوا عن مذهبي لم ابح به * وأكتمه كتمانه ليَ أسلم
فإن حنفيا قلت، قالوا: بأنه * يبيح الطُّلا وهو الشراب المحرم
وان مالكيا قلت، قالوا: بأنني * أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
وإن شافعيا قلت، قالوا: بأنني * ابيح نكاح البنت والبنت تحرم
وإن حنبليا قلت، قالوا: بأنني * ثقيل حلوليّ بغيض مجسم

الابيات

وقد علم المتتبعون ما كان في مرو على عهد السلطان محمود بن سبكتكين، إذ جمع فقهاء الشافعية والحنفية، والتمس الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر.

فكان ماكان ممالست أذكره * فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر

واذا طرق موسى جارالله باب قول العلماء بعضهم في بعض من كتاب جامع بيان العلم وفضله للامام ابن عبدالبر يجد فيه أقوال الصحابة، وأئمة التابعين بعضهم في بعض، ما ينهنه به عن وجده، ويصغر له قول امامنا في أئمته، على أن ذلك القول غير ثابت عن امامنا عليه السلام، ولو ثبت فإنما هو دون ما تلوناه من الأقوال وأهون مما لم نتله، فإنا تركنا أكداساً كثيرة من مثل هذا الطويل العريض.

وقبل الفراغ من هذه المسألة لابد ان نعلن أنا لم نقصد إلى شيء من نشر هذه الصفحات، لولا ما اضطرنا هذا الرجل إلى ذلك، فان الافاضة بالبحث قد تملك زمام القلم فلا يستطيع الباحث له رداً، ولا سيما إذا كان البحث فقيراً للدفاع بمثل هذا البيان، وعلى كل فإنا نكبر الأئمة الأربعة، ونحترم مذاهبهم ونعرف قدرهم، ونستعظم أمرهم، ونقدر جهودهم وبلاءهم رضي الله عنهم.