عقائد الشيعة الإمامية >> شرف الدين الموسوي

 

 

 

 

الفصول المهمة

 

 

في نبذة مما صح عند أهل السنة والجماعة من الاحاديث الدالة على أن من قال

لا إله إلا الله محمد رسول الله محترم دمه وماله وعرضه

 

    أوردناها لينتبه الغافل ويقنع الجاهل، وليعلما ان أمر المسلمين ليس كما يزعمه اخوان العصبية، وابناء الهمجية، وحلفاء الحمية، حمية الجاهلية، الذين شقوا عصا المسلمين وأضرموا نار الفتن بينهم، حتى كانوا اوزاعا وشيعا، يكفر بعضهم بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض، من غير أمر يوجب ذلك، إلا ما نفخته الشياطين، أو نفثته أبالسة الأنس الذين هم انكى للاسلام من نسل آكلة الأكباد، وهذا عصر العلم، عصر الانصاف، عصر النور، عصر التأمل في حقائق الامور، عصر الاعراض عن كل تعصب ذميم، والأخذ بكتاب الله العظيم، وسنة نبيه الكريم، واليك منها ما عقد الفصل لذكره:
أخرج البخاري في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه الى اليمن: انك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم الى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله، فان هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم ان الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فان هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فان هم أطاعوا لك بذلك، فاياك وكرائم أموالهم ـ الحديث.
وتراه ينادي بثبوت الاسلام لهم بمجرد طاعتهم له بذلك، بحيث تكون أموالهم حينئد فضلا عن أعراضهم ودمائهم محترمة كغيرهم من أفضل أفراد المؤمنين.
ومثله في باب فضائل علي عليه السلام من الجزء الثاني من صحيح مسلم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لاعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله (وفي رواية أخرى هي في الصحاح أيضا ويحبه الله ورسوله) يفتح الله على يديه.

قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الامارة إلا يومئذ، فتساورت لها رجاء أن أدعى لها. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه اياها وقال: امش وال تلتفت. قال فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم.
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكفّ الانصاري عنه فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك فقال: يا اسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذا. قال: فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
قلت: ما تمنى ذلك حتى اعتقد أن جميع ما عمله قبل هذه الواقعة (من ايمان وصحبة وجهاد وصلاة وصوم وزكاة وحج وغيرها) لا يذهب عنه هذه السيئة، وأن أعماله الصالحة بأجمعها قد حبطت بها. ولا يخفى ما في كلامه من الدلالة على انه كان يخاف ان لا يغفر له، ولذلك تمنى تأخر اسلامه عن هذه الخطيئة ليكون داخلا في حكم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « الاسلام يجب ما قبله ». وناهيك بهذا دليلا على احترام لا إله إلا الله وأهلها، وإذا كانت هذه حال من يقولها متعوذا فما ظنك بمن انعقدت بها نطفته ثم رضعها من ثديي أمه، فاشتد عليها عظمه ونبت بها لحمه وامتلأ من نورها قلبه ودانت بها جميع جوارحه، فلينته أهل العناد عن غيهم وليحذروا غضب الله تعالى وسخط نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الصحيحين بالاسناد الى المقداد بن عمرو أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب احدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقتله، فان قتلته فانه بمنزلتك قبل أن تقتله وانك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال.
قلت: ليس في كلام العراب ولا غيرهم عبارة هي أدل على احترام الاسلام وأهله من هذا الحديث الشريف، وأي عبارة تكايله في ذلك أو توازنه، وقد قضى بأن المقداد على سوابقه وحسن بلائه لو قتل ذلك الرجل لكان بمنزلة الكافرين المحاربين لله ولرسوله، وكان المقتول بمنزلة واحد من أعاظم السابقين وأكابر البدريين الأحديين، وهذه أقصى غاية يؤمها المبالغ في احترام أهل التوحيد، فليتق الله كل مجازف عنيد.
وأخرج البخاري في باب بعث علي عليه السلام وخالد الى اليمن: أن رجلا قام فقال: يا رسول الله اتق الله. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله. فقال: خالد يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا، لعله أن يكون يصلي.
قلت: أعظم بهذا الحديث ودلالته على احترام الصلاة وأهلها، وإذا كان احتمال كونه يصلي مانعا من قتله، وقد اعترض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم جهرة وكاشفه علانية، فما ظنك بمن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم الشهر ويحج البيت ويحلل الحلال ويحرم الحرام، ويتعبد بقول النبي صلى الله عليه وآله وفعله وتقريره، ويقترب الى الله تعالى بحبه وبموالاة أهل بيته ويرجو رحمة الله عز وجل بشفاعته متمسكا بثقليه معتصما بحبليه، ويوالي وليه وان كان قاتل ابيه ويعادي عدوه وان كان خاصته وأهليه.
وأخرج البخاري في باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان، حيث ذكر مقتل عمر « رض » والحديث طويل، وفيه: يابن عباس انظر من قتلني؟ فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصنع؟ قال: نعم. قال قاتله الله لقد امرت به معروفا، الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الاسلام، قد كنت أنت وابوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة. فقال: ان شئت قتلناهم. قال: كذبت بعد ان تكلموا بلسناكم (اي اقروا بالشهادتين) وصلوا قبلتكم وحجوا حجتكم.. الحديث.
والظاهر من قوله «الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الاسلام» ـ بقرينة ما ستسمعه من رواية ابن قتيبة وابن عبدالبر ـ انه كان يخشى أن يكون قاتله مسلما فيغفر له بسبب اسلامه، فلما عرف أنه ممن لا يدعي الاسلام علم أن الله آخذ بحقه على كل حال، وفي هذا من الدلالة على حسن عواقب المسلمين ما لا تسعه عباره.
ثم إذا نظرت الى انكاره على ابن عباس، وقوله له مع جلالته « كذبت » الى آخر كلامه ذلك دلك على احترام أهل الشهادتين والصلاة والحج كيف كانوا.
وفي صفحة 26 من كتاب الامامة والسياسة للإمام المجمع على فضله ابن قتيبة المتوفى سنة مائتين وسبعين: ان عمر لما أخبر ان قاتله غلام المغيرة قال: الحمد لله الذي لم يقتلني رجل يحاجني بلا إله إلا الله يوم القيامة.
وروى الحافظ أبو عمرو يوسف بن عبدالبر القرطبي في ترجمة عمر من الاستيعاب أنه قال لولده عبدالله: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي بيد رجل يحاجني بلا إله إلا الله.
قلت: إذا كان صاحب لا إله إلا الله بحيث لو قتل عمر بن الخطاب وهو الخليفة الثاني لحاجه بها فأمر أهل التوحيد اذن سهل يسير، فليتق الله أهل الشقاق ولينهض رجال الاصلاح بأسباب الوئام والوفاق، فقد نصب الغرب لنا حبائله ووجه نحونا قنابله وأظلّنا منطاده بكل صاعقة وأقلنا نفقه بكل بائقة وأحاط بنا أسطوله وضربت في أطلالنا طبوله، ولئن لم يعتصم المسلمون بحبل الاجتماع ويبرأوا الى الله من هذا النزاع ليكونن أذلاء خاسئين وأرقاء صاغرين (أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا).
وأخرج البخاري عن أنس « رض » قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا حرمت علينا دماؤهم وأموالهم.
قلت: هل بقي بعد هذه الأحاديث الصحيحة والنصوص الصريحة ملتمس لشغب المشاغب أو مطمع يتشبث به الناصب؟ كلا ورب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ان دين الاسلام بريء مما يزعمه المرجفون، مناقض لما يحاوله المجحفون (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).
وفي الصحيحين بالاسناد الى ابن عمر « رض » قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمنى ـ قد أشار الى مكة المعظمة ـ: أتدرون أي بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فان هذا بلد حرام، أتدرون أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: انه يوم حرام، أتدرون اي شهر هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: شهر حرام. قال: فان الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.
والصحاح الستة وغيرها مشحونة من هذه الأخبار، وهي أشهر من الشمس في رائعة النهار.
فليت شعري اي عذر لمن اعتمد عليها، وانحصر رجوعه في أحكام الدين اليها، ثم خالف في ذلك أحكامها ونبذ وراء ظهره كلامها بلى انهم مرجفون والأمر على خلاف ما يظنون.