عقائد الشيعة الإمامية / شرف الدين الموسوي

 

 

الرد على مسائل جار الله

 

 

فرية تكفير الصحابة

 

 

قال: كتُب الشيعة تكفِر عامة الصحابة كافة إلى آخر هذيانه في عدوانه.

فأقول: نعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ومن كل معتد أثيم، ونبرأ اليه تعالى من تكفير المؤمنين؛ والسلف الصالح من المسلمين. لعل رأى في كتب الشيعة سنناً لم يفقهها، وحديثاً متشابهاً لم يعرف مرماه؛ فاضطره الجهل إلى هذا الارجاف وما أظن الذي رآه في جميع كتب الشيعة من تلك السنن إلا دون ما هو في صحيح البخاري وحده منها، فلِمَ يصم أهلُ السنة كتب الشيعة بهذا دون الصحاح الستة وغيرها؟ ولِمَ لم يتعذروا عن كتبنا بما اعتذروا به عن كتبهم؟ فإن الاشكال واحد، والجواب هو الجواب. واليك ما أخرجه البخاري في باب الحوض وهو آخر كتاب الرقاق ص 94 من الجزء الرابع من صحيحه بالاسناد إلى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: بينا انا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال: هلم قلت: اين؟ قال: إلى النار والله، قلت وما شأنهم، قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال: هلم، قلت: اين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال انهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقرى؛ فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم واخرج في آخر الباب المذكور عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: أني على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي؟ فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم، فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم أنا نعوذبك أن نرجع على اعقابنا أو نفتن عن ديننا.

وأخرج في الباب المذكور ايضاً عن ابن المسيب انه كان يحدث عن اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن النبي قال: يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلاءون عنه فأقول: يا رب اصحابي، فيقول: انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.

وأخرج في الباب المذكور عن سهل بن سعد، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردن عليّ اقوام اعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن ابي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم فقال: اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها، فأقول: انهم مني، فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟ فأقول: سحقاً سحقاً لمن غير بعدي واخرج في الباب المذكور ايضاً عن أبي هريرة أنه كان يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلاءون على الحوض، فأقول: يا رب اصحابي، فيقول: انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على ادبارهم القهقرى.

واخرج في أول الباب المذكور عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجُن دوني، فأقول: يا رب أصحابي فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك، قال البخاري: تابعه عاصم عن ابي وائل وقال حصين: عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).

واخرج أيضاً في باب غزوة الحديبية ص 30 من الجزء الثالث من صحيحه عن العلاء بن المسيب عن أبيه، قال: لقيت البراء بن عازب، فقلت له: طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وبايعته تحت الشجرة، فقال: ياابن اخي انك لا تدري ما أحدثنا بعده.

واخرج ايضاً في اول باب قوله تعالى (واتخذ الله ابراهيم خليلا) من كتاب بدء الخلق ص154 من جزئه الثاني، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال من حديث: وان اناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم الحديث.

هذا بعض ما وجدناه في صحيح البخاري. اما ماهو من هذا القبيل في بقية الصحاح وسائر السنن فكثير وكثير جدا، ومن تتبعه وجده لا يقل عما هو في حديث الشيعة، وحسبك ما أخرجه الامام احمد من حديث ابي الطفيل في آخر الجزء الخامس من مسنده فليراجعه كل مناصب للشيعة، وليت موسى جارالله تدبر القرآن العظيم ليعلم ان كتب الشيعة التي انتقدها إنما تستقي من سائغ فراته، ولا تستضيء إلا بمصباح مشكاته (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) نعوذ بالله من الجهل والغرور.

 

فصل
رأي الشيعة في الصحابة اوسط الآراء

إن من وقف على رأينا في الصحابة علم انه اوسط الآراء إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعاً، ولا افرطنا افراط الجمهور الذين وثقوهم اجمعين، فإن الكاملية ومن كان

في الغلو على شاكلتهم، قالوا: بكفر الصحابة كافة، وقال أهل السنة: بعدالة كل فرد سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أورآه من المسلمين مطلقاً، واحتجوا بحديث كل من دب أو درج منهم اجمعين اكتعين ابصعين، أما نحن فإن الصحبة بمجردها وان كانت عندنا فضيلة جليلة؛ لكنها ـ بما هي ومن حيث هي ـ غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء وفيهم البغاة؛ وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة، اما البغاة على الوصي، وأخي النبي، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند، وابن النابغة، وابن الزرقاء وابن عقبة، وابن ارطاة، وامثالهم فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين أمره، هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم، والكتاب والسنة بينتنا على هذا الرأي؛ كما هو مفصل في مظانه من اصول الفقه، لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابياً حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين واقتدوا بكل مسلم سمع النبي أو رآه صلى الله عليه وآله وسلّم اقتداء اعمى، وانكروا على من يخلفهم في هذا الغلو، وخرجوا في الانكار على كل حد من الحدود، وما أشد انكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة مصرحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال، عملا بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية، والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية، وبهذا ظنوا بنا الظنونا، فاتهمونا بما اتهموتا، رجما بالغيب؛ وتهافتا على الجهل، ولو ثابت اليهم احلامهم، ورجعوا إلى قواعد العلم، لعلموا ان اصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليه، ولو تدبروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحونا بذكر المنافقين منهم، وحسبك من سُوَره، التوبة، والاحزاب، وإذا جاءك المنافقون، ويكفيك من آياته المحكمة (الاعراب اشد كفراً ونفاقا وأجدر ان لا يعلموا حدود ما أنزل الله على  رسوله) (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) (لقد ابتغو الفتنة من قبل وقلبوا لك الامور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) (وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) فليتني أدري أين ذهب المنافقون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقد كانوا جرعوه الغصص مدة حياة، حتى دحرجوا الدباب وصدوه عن الكتاب، وقد تعلمون أنه صلى الله عليه وآله وسلّم خرج إلى أحد بألف من أصحابه فرجع منهم قبل الوصول ثلاث مئة من المنافقين وربما بقي معه منافقون لم يرجعوا خوف الشهرة أو رغبة بالدفاع عن أحساب قومهم، ولو لم كن في الألف إلا ثلاث مئة منافق، لكفى دليلا على أن النفاق كان زمن الوحي فاشياً، فكيف ينقطع بمجرد انقطاع الوحي ولحوق النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بالرفيق الاعلى؟ فهل كانت حياته سبباً في نفاق المنافقين؟ او موته سبباً في إيمانهم وعدالتهم وصيرورتهم أفضل الخلق بعد الانبياء وكيف انقلبت حقائقهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلّم فأصبحوا ـ بعد ذلك النفاق ـ بمثابة من الفضل لا يقدح فيها شيء مما ارتكبوه من الجرائم والعظائم، وما المقتضي للالتزام بهذه المكابرات؟ التي تنفر منها الاسماع والأبصار والأفئدة؟ وما الدليل على هذه الدعاوى من كتاب أو سنة أو اجماع أو قياس؟ وما ضرنا لو صدعنا بحقيقة اولئك المنافقين، فإن الامة في غنى عنم بالمؤمنين المستقيمين من الصحابة، وهم أهل السوابق والمناقب، وفيهم الأكثرية الساحقة، ولا سيما علماؤهم وعظماؤهم حملة الآثار النبوية، وسدنة الأحكام الالهية (وأولئك لهم الخيرات وألئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) وهم في غنى عن مدحة المادحين بمدحة الله تعالى، وثنائه عليهم في الذكر الحكيم، وحسبهم تأييد الدين، ونشر الدعوة إلى الحق المبين.

على أنا نتولى من الصحابة كل من اضطر إلى الحياد ـ في ظاهر الحال ـ عن الوصي؛ أو النجأ إلى مسايرة أهل السلطة بقصد الاحتياط على الدين، والاحتفاظ بشوكة المسلمين، وهم السواد الاعظم من الصحابة رضي الله عنهم اجمعين فإن مودة هؤلاء لازمة والدعاء لهم فريضة (ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنو ربنا انك رؤوف رحيم) .