عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

 

كتاب النكاح والطلاق واللعان والظهار وملك اليمين

 

أبواب النكاح

 

[ 1 ] باب السنة في النكاح

ومن سنن الإسلام النكاح، وترك التعزب، واجتناب التفرد. فمن دعته الحاجة إلى النكاح، ووجد له طولا فلم يتزوج فقد خالف سنة النبي صلى الله عليه وآله. وفي النكاح فضل كثير، لأنه طريق التناسل، وباب التواصل، وسبب الألفة والمعونة على العفة. وقد حث الله تعالى عليه، ودعا عباده إليه، فقال: " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليهم ". وقال سبحانه: و " ليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ". فأمر من أغناه من فضله بالنكاح، ومن لم يغنه بالاستعفاف واجتناب الفجور. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحب أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة. وقال عليه السلام: ركعة يصليها متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها عزب. وقال عليه السلام لأصحابه: شرار موتاكم العزاب. وقال عليه السلام: ما استفاد المرء المسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها. وقال عليه السلام: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج، ومن لم يستطعه فليدمن الصوم، فإن الصوم له وجاء. فأمر الشباب بالنكاح مع الطول له، فإن لم يجدوا طولا فليستعفوا عن الفجور بالصيام، فإنه يضعف الشهوة ويمنع الدواعي إلى النكاح.

 

[ 2 ] باب ضروب النكاح

والنكاح على ثلاثة أضرب: فضرب منه يسمى نكاح الغبطة، وهو: النكاح المستدام المنعقد بغير أجل ولا اشتراط. والسنة فيه الإشهاد والإعلان. ونكاح المتعة، وهو: النكاح المؤجل المنعقد بالأجور المذكورة على التعيين لها والاشتراط ونكاح ملك الإيمان، وهو مختص بالإماء دون الحرائر من النسوان.

 

[ 3 ] باب تفصيل أحكام النكاح

ومن عقد نكاح غبطة فليعلن به على ما قدمناه سنة مؤكدة في ذلك، وللاحتياط، إذ بالإعلان تثبت الأنساب، وتلحق الأولاد، وتجب النفقات، ويستحق الميراث، وتدرأ الحدود، وتزول الشبهات. وهو نكاح مستدام، لا ينحل عقده إلا بطلاق، أو لعان، أو ردة عن الإسلام، أو موت الإنسان. ويجب على المرأة عند مفارقة زوجها منه العدة على الكمال. ومن أراد أن يعقد نكاح متعة فليستسر به إن شاء ويشترط فيه أجلا محدودا، وأجرا معينا موصوفا، ويشترط فيه أيضا عزل الماء إن شاء. وهو نكاح ينحل عقده ببلوغ الأجل فيه من غير طلاق. ولا يجب به ميراث، ولا نفقات والعدد فيه على النصف من عدد نكاح الميراث. والنسب به ثابت ولحوق الأولاد بالآباء. ونكاح ملك الإيمان باسترقاق الإماء من جهة الابتياع، أو الهبة، أو الصدقة، أو الغنيمة، وما أشبه ذلك من وجوه التمليكات. وليس يحتاج فيه إلى عقد على المنكوحة، ولا مهر لها، ولا أجر، ولا اشتراط.

 

[ 4 ] باب من أحل الله تعالى نكاحه من النساء، وحرم منهن في شرع الإسلام

قال الله عز وجل: " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم ". وكل هؤلاء المحرمات بالنسب يحرمن بالرضاع، لأنه يوجب لهن حكم النسب في التحريم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ". فالخالة والعمة من الرضاعة محرمتان على ابن الأخ وابن الأخت منه. وكذلك بنات الإخوة وبنات الأخوات من الرضاعة يجرين في التحريم مجرى بنات الأخ وبنات الأخت من الولادة. وأم المرأة من الرضاعة محرمة كتحريم أمها بالولادة. وما حرمه الله بالنسب والرضاع من الحرائر فقد حرمه من الإماء. والجمع في استباحة الوطئ بين الأم والبنت، والأختين في الإماء وملك اليمين محرم، كما هو محرم في الحرائر من الأزواج. وجمع أكثر من أربع حرائر في عقد النكاح محرم. ولا يجمع الحر بين أكثر من أمتين في عقد النكاح. ولا يجوز للعبد أن يجمع في عقد نكاح بين أكثر من حرتين. وله أن يعقد على أربع إماء. ولا يجوز له العقد على أكثر من أربع في الإماء.

 

[ 5 ] باب من يحرم نكاحهن من النساء بالأسباب دون الأنساب

ونكاح الكافرة محرم بسب كفرها، سواء كانت عابدة وثن، أو مجوسية، أو يهودية، أو نصرانية. قال الله عز وجل: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ". وقال تعالى: " ولا تمسكوا بعصم الكوافر ". واليهودية والنصرانية كافرتان باتفاق أهل الإسلام. ونكاح الناصبة المظاهرة بعداوة آل الرسول عليه وآله السلام محرم، كتحريم نكاح أمثالها في الكفر والضلال. ولا بأس بنكاح المستضعفة من أهل الإسلام وإن لم تكن عارفة بالحق، لأنها لا تخرج من الملة إلا بالعناد. ومن سافح امرأة وهي ذات بعل حرم ذلك عليه نكاحها من بعد - وإن فارقها زوجها وتابت مما اقترفته - فلم تحل أبدا. وكذلك إن سافحها وهي في عدة من بعل له عليها فيها رجعة، فإنها تحرم عليه بذلك، ولا تحل له أبدا. ومن عقد على امرأة، وهي في عدتها، وهو يعلم أنها في عدة، فرق بينهما - وإن لم يدخل بها - ولم تحل له أبدا. ومن عقد على امرأة في عدتها، وهو لا يعلم، فدخل بها جاهلا بحالها، فرق بينهما ولم تحل له أبدا. ومن فجر بغلام فأوقبه لم تحل له أخت الغلام، ولا أمه، ولا ابنته أبدا. ومن قذف امرأته، وهي صماء أو خرساء، فرق بينهما، ولم تحل له أبدا. ومن عقد على امرأة، وهو محرم، مع العلم بالنهي عن ذلك، فرق بينهما، ولم تحل له أبدا. ومن لاعن امرأته فرق بينهما، ولم تحل له أبدا. ومن طلق امرأته تسع تطليقات للعدة، ينكحها بينها رجلان، ثم تعود إليه، فرق بينهما، ولم تحل له أبدا. ومن فجر بعمته، أو خالته حرمت عليه ابنتاهما، ولم تحلا له بنكاح أبدا. ومن عقد على امرأة حرمت على ابنه، ولم تحل له أبدا وإن طلقها الأب، أو مات عنها قبل الدخول بها، أو بعده، وعلى كل حال. وكذلك تحرم على أبيه ولا تحل له أبدا، دخل بها الابن أو لم يدخل بها. قال الله تعالى في ذكر المحرمات: " ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء إلا ما قد سلف ". وقال في ذكرهن: " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ". ومن عقد على امرأة لها بنت فدخل بالمرأة، ثم طلقها، أو ماتت عنه، لم تحل له بنتها بنكاح أبدا. ومن عقد على امرأة لها أم حرم عليه العقد على أمها أبدا، سواء دخل بالبنت، أو طلقها قبل الدخول. ومن ابتاع جارية فنظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل ابتياعه لها بشهوة فضلا عن لمسها لم تحل لابنه بملك يمين ولا عقد نكاح أبدا. وليس كذلك حكم الابن إذا نظر من جارية يملكها إلى ما وصفناه. وكذلك الحكم في التحريم على الأب بالشرط الذي وصفناه.

 

[ 6 ] باب ما يحرم النكاح من الرضاع، وما لا يحرم منه

والذي يحرم النكاح من الرضاع عشر رضعات متواليات، لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى. والنسب بالرضاع من قبل الأب خاصة، وذلك: أنه لو أرضعت امرأة صبيا من غيرها بلبن بعل لها، وكان للمرأة بنت من غير ذلك البعل، لحل التناكح بين الابن والبنت، ولم يحرم ذلك الرضاع. فإن كان رضاعها لابن القوم بلبن من أب ابنتها التي هي منسوبة إليها بالرضاع دون الولادة حرم ذلك التناكح بينهما على ما بيناه. وليس يحرم النكاح من الرضاع إلا ما كان في الحولين قبل الكمال فأما ما حصل بعد الحولين فإنه ليس برضاع يحرم به النكاح. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا رضاع بعد فطام، ولا يتم بعد احتلام. ولو أرضعت امرأة صبيا قد أكمل سنتين، وكانت لها بنت لجاز التناكح بينهما، إذ هو رضاع بعد انقضاء أيامه وحده على ما وصفناه. وإن أرضعته وهو في الحولين، وكان رضاعها عشر رضعات متواليات، حرم ذلك النكاح. وإن كان دون ذلك أو أكثر منه على افتراق من غير اتصال لم يحرم النكاح على كل حال.

 

[ 7 ] باب القول في الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في نكاحها أو يفجر بأمها أو ابنتها قبل أن ينكحها أو بعد ذلك والمرأة تفجر وهي في حبال زوجها، وهل يحرمها ذلك عليه أم لا؟

قد تقدم القول في الذي يفجر بامرأة لها بعل، وأنها لا تحل له أبدا، طلقها البعل أو مات عنها. فإن فجر بها وهي غير ذات بعل، ثم تاب من ذلك، وأراد أن ينكحها بعقد صحيح، جاز له ذلك بعد أن تظهر منها هي التوبة أيضا والاقلاع. وإذا عقد عليها بعد الفجور بها فلا يقربها حتى يستبرئها بحيضة إن كانت ممن تحيض على الاستقامة. وإن كان حيضها مرتفعا لمرض استبرأها بثلاثة أشهر، فإذا علم أنه لا حمل بها وطأها. وإن كانت ممن لا تحيض لكبر، أو كانت صبية دون البالغ، ولم تكن في سن من تحيض لم يكن عليه لوطئها استبراء. ولا بأس للرجل أن يتزوج بامرأة قد سافح أمها أو ابنتها، ولا يحرم ذلك عليه نكاح الأم والبنت، سواء كانت المسافحة قبل العقد على من سميناه، أو بعده، وعلى كل حال. وإذا كان للرجل امرأة ففجرت، وهي في بيته، وعلم ذلك من حالها، كان بالخيار: إن شاء أمسكها، وإن شاء طلقها، ولم يجب عليه لذلك فراقها. ولا يجوز له إمساكها، وهي مصرة على الفجور، فإن أظهرت التوبة جاز له المقام عليها. وينبغي له أن يعتزلها بعد ما وقع من فجورها حتى يستبرئها على ما شرحناه.

 

[ 8 ] باب نكاح المرأة وعمتها وخالتها وما يجوز من ذلك، وما لا يجوز

ولا بأس أن ينكح الرجل المرأة وعمتها وخالتها، ويجمع بينهن، غير أنه لا يجوز له أن ينكح بنت الأخ على عمتها إلا بإذن العمة ورضاها، ولا ينكح بنت الأخت على خالتها إلا باختيار الخالة وإذنها. وله أن يعقد للعمة، وعنده بنت أخيها، من غير استيذان بنت الأخ. ويعقد للخالة وعنده بنت أختها من غير رضاء بنت الأخت والاستيذان لها. ومتى عقد لبنت الأخ على عمتها، وابنة الأخت على خالتها، ثم علمت العمة بذلك والخالة، كانتا بالخيار: إن شاءتا أمضتا النكاح، وإن شاءتا فسختاه، وإن شاءتا فارقتا الرجل، واعتزلتاه، واعتدتا منه، وتزوجتا بعد العدة بغيره، فلم تحتاجا في ذلك إلى طلاق أكثر من اعتزالهما إياه.

 

[ 9 ] باب العقود على الإماء، وما يحل من النكاح بملك اليمين

ومن لم يجد من الأحرار طولا لنكاح الحرائر فلا بأس أن ينكح الإماء، قال الله عز وجل: " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف ". ولا يجوز لمن وجد طولا لنكاح الحرائر أن ينكح الإماء، لأن الله تعالى اشترط في إباحة نكاحهن عدم الطول لنكاح الحرائر من النساء على ما بيناه في الذكر، وتلوناه. فإذا أراد الإنسان نكاح أمة غيره خطبها إلى سيدها، فإن اختار مناكحته عقد له عليها بمهر يدفعه إليه في نكاحها، قل ذلك أم كثر. فإن اشترط السيد على الرجل في العقد رق الولد كان ولده منها عبدا لسيدها، وإن لم يشرط عليه ذلك كان الولد حرا، لا سبيل لأحد عليه. وإذا عقد السيد على أمته لحر أو عبد لغيره كان الطلاق في يد الزوج، ولم يكن للسيد قهره على فراقها. فإن باعها السيد كان المبتاع لها بالخيار: إن شاء أقر الزوج على نكاحه، وإن شاء فرق بينها وبينه، وليس يحتاج في التفرقة بينهما إلى تطليق الزوج لها، بل يأمرها باعتزاله، وقضاء العدة منه، وذلك كاف في فراقها. وإن أعتقها السيد كانت هي بالخيار: إن شاءت أقامت مع الزوج، وإن شاءت فارقته، ولم يكن للزوج سبيل عليها مع اختيارها الفراق. ولا ترث الأمة الزوج إذا مات. ولا يرثها إذا ماتت. ومن تزوج أمة، وهو يجد طولا لنكاح الحرائر، خالف أمر الله تعالى وشرطه عليه، إلا أنه لا ينفسخ بذلك نكاحه. ومن تزوج بأمة، وعنده حرة، ولم تعلم بذلك، فهي بالخيار إذا علمت: إن شاءت أن تمضي نكاحه أمضته، وإن شاءت أن تفسخه فسخته، وإن شاءت أن تفارقه اعتزلته ففارقته بذلك، ولم يكن له عليها سبيل إلا أن تختار المقام عليه حسب ما قدمناه. فإن كانت قد علمت بذلك، ولم تعترض فيه فقد رضيت به، ولا خيار لها بعد الرضا في شئ مما ذكرناه. وإذا زوج الرجل عبده أمته كان المهر عليه في ماله دون العبد، وينبغي له أن يعطي عبده شيئا قل أم كثر، ليكون مهرا لأمته، يتسلمه من العبد قبل العقد أو في حاله أو بعده، لتحل له بذلك. ومتى كان العقد من العقد من السيد بين عبده وأمته كان الفراق بينهما، بيده أي وقت شاء أمرها باعتزاله، وأمره باعتزالها، ولم يكن لأحدهما خلافه فيما يأمره به من ذلك، فإن خالفاه سقط خلافهما، وكان تفريقه بينهما كافيا في التحريم، ونائبا مناب لفظ الطلاق الموجب للافتراق. وإذا تزوجت الأمة بغير إذن مولاها كان بالخيار: إن شاء أمضى النكاح، وإن شاء أبطله. فإن تزوج العبد بغير إذن سيده كان السيد بالخيار: إن شاء أقره على ذلك، وإن شاء أبطل النكاح. ومتى تزوجت الأمة بغير إذن سيدها بحر أو عبد، فرزقت منه أولادا، كان ولدها رقا لسيدها، إن شاء باع، وإن شاء أعتق، ولم يكن للزوج في ذلك اعتراض. وكذلك إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأولاده رق للسيد وإن كانت المرأة حرة على ما وصفناه. ولا بأس أن ينكح الحر المسلم بملك اليمين ما شاء من العدد على أربع حرائر عنده. وينكح بملك اليمين النصرانية واليهودية. ولا يجوز له ذلك بعقد نكاح. ولا يجوز وطئ المجوسية والصابئة والوثنية على حال.

 

[ 10 ] باب المهور والأجور، وما ينعقد به النكاح من ذلك وما لا ينعقد به

 والمهور كل ما كانت له قيمة من ذهب، وفضة، ومتاع، وعقار، وأشباه ذلك. وقد يقوم مقام كل واحد مما عددناه وينوب منابه ما تستحق عليه الأجور من الصناعات. ويجوز أيضا على تعليم سورة من القرآن، أو آية منه، أو شئ من الحكم والآداب. ولا يجوز نكاح الشغار - وهو: أن يعقد الرجل لغيره على ابنته، ويجعل مهرها نكاحه لابنته أو أخته - وهذا نكاح كانت الجاهلية تراه، وتعمل عليه. وهو باطل في شريعة الإسلام. ولا يجوز النكاح على ما لا قيمة له من كلب، أو خنزير، أو خمر، وأشباه ذلك. ومن عقد على شئ منه ثبت النكاح بالعقد، ووجب في ذمة المعقود له المهر بقدر مهر مثل المعقود عليها من نساء قومها، دون ما سمى من الحرام. ويستحب أن لا يجاوز الإنسان في المهر السنة، وهو: خمسمائة درهم جيادا. قيمتها خمسون دينارا مثاقيل عينا. ويلتمس بركات النساء في قلة مهروهن. ولا ينبغي للإنسان أن يدخل بامرأته حتى يقدم إليها شيئا من المهر، قل أم كثر. فإن دخل بها قبل أن يقدم شيئا أخطأ السنة، وكان المهر في ذمته دينا عليه، يلزم تسليمه إلى المرأة أي وقت طالبته به. ومن عقد نكاحا، ولم بسم مهرا، ثم دخل بالمرأة قبل أن يسمي لها شيئا كان عليه مهر مثلها في الشرف والجمال. وإن دخل بها وأعطاها قبل الدخول شيئا، قل أم كثر، فذلك مهرها، لا شئ لها عليه بعده، لأنها لو لم ترض به مهرا ما أمكنته من نفسها حتى تستوفي تمامه، أو توافقه على ذلك وتجعله دينا عليه في ذمته. والنكاح جائز على درهم، وخاتم، وعلى تعليم آية من القرآن حسب ما ذكرناه. ونكاح المتعة جائز على مثل ذلك، وعلى كف من حنطة، أو شعير، أو تمر، أو زبيب. وللمرأة أن تمنع الزوج نفسها حتى تقبض منه المهر، فإذا قبضته لم يكن لها الامتناع عليه، فإن امتنعت كانت ناشزا، ولم يكن لها عليه إنفاق.

 

[ 11 ] باب عقد المرأة على نفسها النكاح، وأولياء الصبية وأحقهم بالعقد عليها

والمرأة البالغة تعقد على نفسها النكاح إن شاءت ذلك، وإن شاءت وكلت من يعقد عليها. وذوات الآباء من الأبكار ينبغي لهن أن لا يعقدن على أنفسهن إلا بإذن آبائهن. وإن عقد الأب على ابنته البكر البالغ بغير إذنها أخطأ السنة، ولم يكن لها خلافه. وإن أنكرت عقده، ولم ترض به لم يكن للأب إكراهها على النكاح، ولم يمض العقد مع كراهتها له. فإن عقد عليها، وهي صغيرة، لم يكن لها عند البلوغ خيار. وإن عقدت على نفسها بعد البلوغ بغير إذن أبيها خالفت السنة، وبطل العقد إلا أن يجيزه الأب. وإن عضلها الأب فعقدت على نفسها بغير إذنه كذلك لم يكن للأب سبيل إلى فسخ ما عقدته. وإذا عقدت الثيب على نفسها بغير إذن أبيها جاز العقد، ولم يكن للأب فسخ ذلك، سواء كان منه عضل أو لم يكن. و ليس لأحد أن يعقد على صغيرة سوى أبيها أو جدها لأبيها. فإن عقد عليها غير من سميناه من أهلها كانا العقد موقوفا على رضاها به عند البلوغ. فإذا بلغت، فرضيت به، وأجازته، ثبت فإن أبته بطل. فإن ماتت الصبية قبل البلوغ لم يرثها المعقود له عليها. وإن مات هو قبلها، وخلف مالا، لم يقسم حتى تبلغ الصبية. فإذا بلغت أعلمت بالعقد، فإن قالت قد رضيت به أحلفت بالله: إنها لم ترض به للميراث، فإن حلفت أعطيت حقها بالزوجية منه. وإن لم تحلف لم يكن لها فيه شئ. وإذا عقد رجل على ابنته، وهي صغيرة، لصبي لم يبلغ، وكان الذي تولى العقد على الصبي أبوه، ثم مات أحد الصغيرين، ورثه صاحبه. وإذا عقد الرجل على ابنه، وهو صغير، وسمى مهرا، ثم مات الأب، كان المهر من أصل تركته قبل القسمة، إلا أن يكون للصبي مال في حال العقد له، فيكون المهر من مال الابن دون الأب. وإذا حضر أب وجد، واختار كل واحد منهما رجلا للبنت، كان الاختيار للجد. فإن سبق الأب فعقد لم يكن للجد في ذلك اعتراض.

 

[ 12 ] باب الكفاءة في النكاح

والمسلمون الأحرار يتكافؤن بالإسلام والحرية في النكاح وإن تفاضلوا في الشرف بالأنساب، كما يتكافؤن في الدماء والقصاص، فالمسلم إذا كان واجدا طولا للإنفاق بحسب الحاجة على الأزواج، مستطيعا للنكاح، مأمونا على الأنفس والأموال، ولم يكن به آفة في عقله، ولا سفه في الرأي، فهو كفو في النكاح.

 

[ 13 ] باب اختيار الأزواج

وينبغي للإنسان أن يختار للنكاح ذوات الدين والإيمان والأصول الكريمة والسداد في الرأي. ويجتنب من لا أصل له ولا عقل وإن كان من الجمال على ما تميل إليه الطباع. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال: إياكم وخضراء الدمن. فقيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ فقال: المرأة الحسناء في منبت السوء فشبه المرأة الحسناء من أصل السوء بالخضرة التي تظهر على المزابل وفي أفنية البيوت عند وقوع الأمطار عليها، فهي وإن كانت نضرة حسنة فإنها على النجاسات من العذرة وأمثالها نابتة، وليس لها بقاء، ولا بها انتفاع. وقال الصادق عليه السلام: إياكم ونكاح الحمقاء، فإن ولدها ضياع، وصحبتها ضلال. وإذا اختار الإنسان لنكاحه فليختر من يثق به على دينه وماله ودمه وولده، فإن المرأة تؤتمن على ذلك، ويحتاج إليها في حفظه، ومن لا دين له ولا عقل فإنه لا يوثق به على حفظ شئ مما ذكرناه. وإذا وجد الإنسان امرأة مؤمنة عاقلة ذات أصل كريم فلا يمتنع من مناكحتها لفقرها، فإن الله تعالى يغنيها من فضله. وكذلك إذا خطب إلى إنسان رجل دين، عاقل، ذو أصل كريم فلا يمتنع من إنكاحه ابنته أو أخته لفقره فإن الله تعالى قال: " إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ". وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: من نكح امرأة لما لها حرم ما لها وجمالها، ومن نكح للدين وفق الله له الخير والجمال والكمال،.

 

[ 14 ] باب الاستخارة للنكاح والدعاء قبله

ومن عمد على النكاح فليرتد لنفسه حسب ما قدمناه، ثم ليستخر الله عز وجل في ذلك، ويقول: " اللهم إني أريد النكاح فسهل لي من النساء أحسنهن خلقا وخلقا، وأعفهن فرجا، وأحفظهن لنفسها ودينها وأمانتي عندها ". ثم ليمض بعد ذلك لما قضى له إن شاء الله. ولا ينبغي لأحد أن يعقد نكاحا، والقمر في العقرب، فإنه روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: من فعل ذلك لم ير الحسنى.

 

[ 15 ] باب السنة في عقود النكاح وزفاف النساء وآداب الخلوة والجماع

ومن السنة في نكاح الغبطة ما قدمنا ذكره من الإعلان، والإشهاد، والخطبة فيه بذكر الله تعالى وذكر رسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ومن السنة في الزفاف الولائم، وجمع الإخوان على الطعام، وإظهار المسرة، والشكر لله تعالى، والحمد على الأنعام. ومن السنة أن يتهيأ الرجل عند البناء بأهله، ويتجمل، ويتنظف، ويمس الطيب. ولا ينبغي له أن يبني بزوجته في ليلة كسوف ولا يومه. ولا في ليلة زلزلة ولا يومها، ولا في الأوقات التي تظهر فيها الآيات للتخويف كالرياح السود، والرعود، والبروق، وأشباه ذلك. ويجتنب الجماع من عند طلوع الفجر إلى عند طلوع الشمس، ومن عند غروب الشمس إلى مغيب الشفق. ولا يقرب أهله في أول ليلة من الشهر، ولا في آخر ليلة منه، إلا شهر رمضان خاصة، فإنه يستحب له أن يلم بالنساء في أول ليلة منه، ليدفع عنه دواعي الجماع في أول يوم من الصيام، ويستمر على ذلك، فتسلم له العبادة إن شاء الله. ويكره للرجل إذا احتلم في منامه أن يقرب النساء حتى يغتسل من حلمه. ولا بأس أن يباضع مرة بعد أخرى من غير اغتسال بينهما. وليس ذلك كالاحتلام. ولا يجوز للرجل أن يجامع زوجته وله زوجة أخرى حرة تراه. ولا بأس بذلك في الإماء وملك اليمين. وليس لأحد أن يعزل الماء عن زوجة له حرة إلا أن ترضى منه بذلك. وله أن يعزل عن الأمة بغير رضاها واختيارها. ويكره للرجل أن يقرب أهله في الليلة التي يريد السفر فيها أو في صبحيتها. ويكره له ذلك أيضا في الليلة التي يرد فيها من سفره. ولو أن إنسانا تعدى ما رسمناه في جميع ما عددناه لم يكن بذلك فاسقا، ولا تاركا فرضا، لكنه يكون مخطئا خطيئة، مخالفا للسنة، تاركا فضلا. وقد بينا فيما تقدم تحريم نكاح الحائض، وما يصلح من نكاح المستحاضة، واجتناب النفساء، وما يجب على من تعدى الشرع في ذلك من الكفارات، فأغنى عن تكراره في هذا المكان.

 

[ 16 ] باب القسمة للأزواج

وإذا كان للرجل زوجتان فينبغي له أن يعدل بينهما، فيكون مبيته عند كل واحدة منهما ليلة، وإن بات عند إحديهما أكثر من ليلة كان له ذلك. ولا يبيت عن زوجته عند غيرها من أزواجه أكثر من ثلاث ليال إلا أن تبيحه الزوجة ذلك، وتحلله له. وإذا تزوج الرجل على امرأته جاز له أن يقيم عند الثانية ثلاث ليال متواليات، ثم يرجع إلى العدل بينهما، فيقيم عند كل واحدة منهما مثل مقامه عند الأخرى. قال الله عز وجل " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا ". يريد تعالى بذلك أدنى أن لا تجوروا في الحكم عليهن، وتتركوا العدل بينهن. [ وقد قيل: ذلك أدنى أن لا تفتقروا، والقولان جميعا معروفان في اللغة، يقال: عال الرجل إذا جار. وعال إذا افتقر ]. وإذا كان الله تعالى قد أباح للرجل الحر نكاح أربع حرائر، يجمع بينهن فيه، فله أن يقسم على زوجته بحسب ذلك، فيقيم عندها يوما، وثلاثة أيام عند أزواجه الأخر، أو سراريه. وقال جل اسمه: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " يريد به العدل في المحبة. " فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة " يريد أنه ليس ينبغي لكم أن تميلوا على واحدة منهن ميلا كثيرا، فيقع بها جفوة منكم وإعراض، فتذروها كالمعلقة، لا ذات زوج يعفها عن الحاجة إلى غيره، ولا مطلقة تتمكن من التصرف في نفسها. ومن كان له ثلاثة أزواج فليقسم لكل واحدة منهن يوما، وللثالثة إن شاء يومين، لأن له أن يقسم أيامه على أربع نسوة. فإن كان له أربع نسوة لم يجز أن يخالف بينهن في القسمة، بل يجعل لكل واحدة منهن يوما، إلا أن تحله بعضهن من حقها، فيطيب له ذلك، وإن لم تجعله في حل كان حرجا بخلاف ما رسمناه.

 

فصل: وهذا الحكم في حرائر النساء

فأما الإماء وملك اليمين منهن فله أن يقسم عليهن كيف شاء، ويقيم عند كل واحدة منهن ما شاء، وليس للأخرى عليه اعتراض في ذلك بحال. وعليه أن ينفق على أزواجه ما دمن في حباله نفقة يسد بها جوعهن، ويكسو أجسادهن بما يسترها. فإن نشزت الزوجة على بعلها، وخرجت من منزله بغير إذنه سقط عنه نفقتها وكسوتها. وإن عصت أمره، وامتنعت من طاعته، وهي مقيمة في منزله، وعظها، فإن اتعظت، وإلا أدبها بالهجران، وإن احتاجت إلى زيادة على ذلك في الأدب ضربها ضربا رفيقا، لتعود إلى واجبه عليها من طاعته. قال الله عز وجل: " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ". وهجرانها: أن يعتزل الفراش، أو يحول ظهره إليها فيه. والضرب بالسواك وشبهه ضربا لا يبرح، ولا يفسد لحما ولا جلدا. وإذا نشزت المرأة على زوجها، وأقامت على خلافه، وكان منه من هجرانها مثل ذلك، فخيف منه شقاق بينهما بعث الحاكم رجلين مأمونين - أحدهما من أهل الرجل، والآخر من أهلها - لينظرا فيما أوجب ذلك، ويدبرا الإصلاح بينهما. فإذا نظرا فرأيا الإصلاح أنجزاه، ولم يتوقف على إذن الزوجين فيه. وإن رأيا التفرقة بينهما أحظ لهما أعلما ذلك الحاكم، ليرى رأيه فيه. وليس للحاكم أن يجبر الزوج على الفراق إلا أن يمنع واجبا للزوجة من حقوق النكاح.

 

[ 17 ] باب التدليس في النكاح، وما يرد منه وما لا يرد

وإذا تزوج الرجل بالمرأة على أنها حرة فوجدها أمة كان له ردها على من زوجه بها، واسترجاع ما نقدها من المهر، إلا أن يكون قد دخل بها فلا يرجع عليها به، ولكن يرجع على من دلسها عليه. فإن كانت هي المتولية لانكاحه نفسها فإنه يرجع عليها به قبل الدخول، ولا يأخذ منها شيئا منه بعد الدخول. وليس يحتاج في فراقها إلى طلاق، وردها كاف في الفراق. فإن أقام على نكاحها بعد العلم بحالها لم يكن له ردها بعد ذلك. فإن اختار فراقها فليخل سبيلها بالطلاق. وكذلك إذا خطب إلى رجل بنتا له من حرة فعقد له علي بنت له من أمة، ثم علم بعد ذلك، كان له ردها عليه. وترد البرصاء، والعمياء، والمجذومة، والمجنونة، والرتقاء، والمفضاة، والعرجاء، والمحدودة في الفجور. ومتى رضي الرجل بواحدة ممن ذكرناه لم يكن له ردها بعد ذلك. ومتى تزوج امرأة على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها، ولم يجز له قذفها بفجور، لأن العذرة قد تزول بالمرض، والطفرة، وأشباه ذلك. ومن تزوج بامرأة على أنه حر فظهر لها أنه عبد كان لها الخيار، فإن اختارت المقام معه ثبت نكاحه، ولم يكن لها عليه خيار بعد ذلك. وإن اختارت فراقه اعتزلته بغير طلاق منه لها، ولم يكن له عليها سبيل. وإن تزوجت به على أنه صحيح فظهر لها به جنة كانت بالخيار. وإن تزوجت به على أنه سليم فظهر لها أنه عنين انتظرت به سنة، فإن وصل إليها فيها - ولو مرة واحدة - فهو أملك بها. وإن لم يصل إليها في مدة السنة كان لها الخيار، فإن اختارت المقام معه على أنه عنين لم يكن لها بعد ذلك خيار. فإن حدث بالرجل عنة بعد صحته كان الحكم في ذلك كما وصفناه: تنتظر به سنة، فإن تعالج فيها وصلح، وإلا كانت المرأة بالخيار. وإن حدث بالرجل جنة، وكان يعقل معها أوقات الصلاة، لم يكن للمرأة خيار مع ذلك، وإن كان لا يعقل أوقات الصلاة كانت بالخيار.

 

[ 18 ] باب نظر الرجل إلى المرأة قبل أن يتزوجها وما يحل له من ذلك وما لا يحل

وإذا أراد الرجل أن يعقد على امرأة فلا حرج عليه أن ينظر إلى وجهها قبل العقد، ويرى يديها بارزة من الثوب، وينظر إليها ماشية في ثيابها. وإذا أراد ابتياع أمة نظر إلى وجهها وشعر رأسها. ولا يحل له أن ينظر إلى وجه امرأة ليست له بمحرم، ليتلذذ بذلك، دون أن يراها للعقد عليها. ولا يجوز له - أيضا - النظر إلى أمة لا يملكها، للتلذذ برؤيتها من غير عزم على ذلك لابتياعها. ولا بأس بالنظر إلى وجوه نساء أهل الكتاب وشعورهن، لأنهن بمنزلة الإماء. ولا يجوز النظر إلى ذلك منهن لريبة.

 

[ 19 ] باب الولادة والنفاس والعقيقة

وإذا ضرب المرأة المخاض فليخل بها النساء، لمعونتها وتولى ولادتها، ولا يحضرها أحد من الرجال مع الاختيار. فإذا وضعت ولدها فلتأخذه القابلة من الأرض، وتمسح عنه الدم، وتحنكه بماء الفرات - المتشعب إلى أنهار شتى: منها نهر الكوفة، وكربلاء - إن وجدته، وإلا بماء عذب من غير ذلك إن أمكنها ذلك. وإن كانت في موضع مياهه ملحة، ووجدت عسلا، خلطته بالماء، وحنكته به، وإن حضرها شئ من تربة الحسين بن علي عليهما السلام فلتحنكه بها مع الماء، ثم يؤذن في أذنه اليمنى، ويقيم في أذنه اليسرى. فإذا كان يوم السابع من ولادته فليثقب أذنه، ويحلق شعر رأسه، ثم يجفف، ويتصدق بزنته ذهبا أو فضة. ويختن - أيضا - في هذا اليوم، ويعق عنه فيه بشاة سمينة، وتعطى القابلة منها الرجل بالورك، ويفرق باقي اللحم على الفقراء والمساكين. وإن طبخ ودعى عليه قوم من المؤمنين لم يكن به بأس، بل ذلك أفضل إن شاء الله. ويعق عن الذكر بذكر من الغنم، وعن الأنثى بأنثى منها إن شاء الله. وقد ذكرنا فيما سلف: أن المرأة تعقد بعد ولادتها عن الصلاة حتى ينقطع عنها الدم. فإن انقطع في اليوم الثاني أو الثالث اغتسلت، وصلت. فإن استمر بها قعدت عن الصلاة ثمانية عشر يوما. فإذا كان في اليوم التاسع عشر اغتسلت قبل الفجر، وصلت، وصامت. ولا يجوز لزوجها أن يقربها بجماع حتى تطهر بانقطاع الدم، وتغتسل، أو تمضي عليها ثمانية عشر يوما، وتتطهر على ما وصفناه. وقد قدمنا القول في أن أقصى مدة النفاس عشرة أيام. وعليه العمل حسب ما ذكرناه.

 

[ 20 ] باب فراق الرجال النساء بتحريمهن على أنفسهم بالإيمان والظهار والطلاق حكم الإيلاء

وإذا حلف الرجل بالله تعالى أن لا يجامع زوجته، ثم أقام على يمينه، كانت المرأة بالخيار: إن شاءت صبرت عليه أبدا، وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم. فإن استعدت عليه أنظره الحاكم أربعة أشهر، ليراجع نفسه في ذلك، ويرتأي في أمره. فإن كفر عن يمينه، ورجع إلى زوجته فلا حق لها عليه. وإن أقام على عضلها، والامتناع من وطئها، خيره الحاكم بين أن يكفر ويعود إلى زوجته، أو يطلق. فإن أبى الرجوع والطلاق جميعا، وأقام على الإضرار بها، حبسه، وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفئ إلى أمر الله عز وجل ويرجع إلى زوجته، أو يطلق المرأة، فتعتد منه، وتصرف في نفسها كيف شاءت. ولا يكون إيلاء إلا باسم الله عز وجل ومن حلف أن لا يطأ زوجته بالطلاق، أو العتاق، أو ما أشبه ذلك لم يكن موليا، وألزمه الحاكم إن رافعته الزوجة إليه، واستعدت عليه الرجوع إلى زوجته، أو طلاقها على كل حال. وليس في اليمين بغير أسماء الله تعالى كفارة. وإنما الكفارة في اليمين بالله عز وجل حسب ما بيناه. ومن حلف بالله أن لا يطأ زوجة له، لم يكن دخل بها بعد، لم يلزمه حكم الإيلاء، وكان في ذلك بالخيار. ومن كانت زوجته مرضعا فحلف أن لا يقربها خوفا من أن تحمل، فينقطع لبنها، ويضر ذلك بولدها، لم يلزمه حكم الإيلاء، لأنه حلف في صلاح.

 

حكم الظهار:

وإذا قال الرجل لامرأته - وهي طاهر من غير جماع، بمحضر من رجلين مسلمين عدلين -: " أنت على كظهر أمي، أو أختي، أو بنتي، أو عمتي، أو خالتي " وذكر واحدة من المحرمات عليه، وأراد بذلك تحريمها على نفسه، حرم بذلك عليه وطؤها حتى يكفر. والكفارة عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر على الصيام أطعم ستين مسكينا فإن لم يجد الإطعام كان في ذمته إلى أن يخرج منه. ولم يجز له أن يطأ زوجته حتى يؤدي الواجب عليه في ذلك. فإن طلقها سقطت عنه الكفارة. فإن راجعها وجبت عليه. فإن نكحت زوجا غيره، فطلقها الزوج، فقضت العدة، وعادت إلى زوجها الأول بنكاح مستقبل، حلت له، ولم تلزمه كفارة ما كان منه في الظهار. وإذا قال الرجل لامرأته - وهي حائض، وقد كان دخل بها قبل ذلك -: " أنت على كظهر أمي "، أو قال لها ذلك في طهر قد وطأها فيه من غير أن تكون حاملا، أو قاله، ولم يشهد عليه بذلك رجلان مسلمان عدلان، كان كاللغو من الكلام، ولم يقع به ظهار. وإن قاله لها قبل أن يدخل بها، وهي حائض، وقع إذا شهد به عليه رجلان مسلمان عدلان. وإن حلف بالظهار أنه لا يفعل شيئا، ثم فعله، لم يقع بذلك ظهار. وإذا ظاهر من أربع نسوة له أو ثلاث كان عليه بعدد النساء كفارات. والظهار يقع بالحرة والأمة إذا كانت زوجة. وإن كانت الأمة ملك يمينه لم يقع بها ظهار. والعبد إذا ظاهر من زوجته - سواء كانت حرة أو أمة - بشرط الظهار الذي يقع به التحريم على ما قدمناه كان عليه من جملة الكفارات - التي سلف ذكرها - صوم شهر واحد دون ما سوى ذلك من العتق والإطعام. وإذا ظاهر الرجل من امرأته فهي بالخيار: إن شاءت صبرت عليه أبدا حتى يكفر، ويعود إليها، أو يفارقها بموت أو طلاق، وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم. فإن خاصمته إليه وعظه، وأنظره ثلاثة أشهر. فإن عاد إليها وكفر، وإلا ألزمه الطلاق. ومن ظاهر فجامع قبل أن يكفر لزمته كفارتان.

 

أحكام الطلاق:

وإذا دخل الرجل بالمرأة، وكانت ممن ترى الدم بالحيض، وكانا مجتمعين في بلد واحد، ثم أراد طلاقها، لم يجز له ذلك حتى يستبرأها بحيضة، فإذا طهرت من دمها طلقها بلفظ الطلاق مرة واحدة، فقال لها: " أنت طالق " أو " هي طالق " - وأومى إليها بعينها -، " وفلانة بنت فلان طالق "، ويشهد على نفسه بذلك رجلين مسلمين عدلين، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه بواحدة. وهو أملك برجعتها ما لم تخرج من عدتها. فإن بدا له من فراقها، وهي في العدة، وأراد مراجعتها أشهد نفسين من المسلمين على أنه قدر راجعها، فقال: " اشهدا علي أنني قد راجعت فلانة " فإذا قال ذلك عادت إلى نكاحه، ولم يكن لها الامتناع عليه. ولو لم يشهد علي رجعته كما ذكرناه، ويقول فيها ما شرحناه، وعاد إلى استباحة زوجته فوطأها قبل خروجها من عدتها، أو قبلها، أو أنكر طلاقها لكان بذلك مراجعا لها، وهدم فعاله هذا حكم عدتها. وإنما ندب إلى الإشهاد على الرجعة، وسن له ذلك احتياطا فيها لثبوت الولد منه، واستحقاقه الميراث بذلك، ودفع دعاوي المرأة استمرار الفراق المانع للزوج من الاستحقاق. ومتى تركها حتى تخرج من عدتها فلم يراجعها بشئ - مما وصفناه - فقد ملكت نفسها - وهو كواحد من الخطاب - إن شاءت أن ترجع إليه رجعت بعقد جديد ومهر جديد، وإن لم تشأ الرجوع إليه لم يكن له عليها سبيل. وهذا الطلاق يسمى طلاق السنة. فإن طلقها - على ما وصفناه - في طهر، لا جماع فيه، بمحضر من رجلين مسلمين عدلين، ثم راجعها قبل أن تخرج من عدتها، ثم طلقها بعد ذلك تطليقة أخرى على طهر، من غير جماع، بشاهدين عدلين، ثم طلقها بعد ذلك تطليقة أخرى على طهر، من غير جماع، بشاهدين عدلين، ثم راجعها قبل أن تخرج من عدتها، ثم طلقها ثالثة في طهر، من غير جماع، بمحضر من شاهدين مسلمين فقد بانت منه بالثلاث، وعليها أن تستقبل العدة بعد التطليقة الثالثة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وهذا الطلاق يسمى طلاق العدة. ومن طلق امرأته بعد دخوله بها وهو معها في مصر، فلفظ بطلاقها، وهي حائض، كان الطلاق باطلا، غير واقع بها. وكذلك إن طلقها، وهي في طهر قد جامعها فيه، ولم تكن حاملا، كان طلاقه باطلا، بدعيا، غير واقع. ومن طلق، ولم يشهد عليه رجلان مسلمان عدلان في الحال، لم يقع بالمرأة شئ من الطلاق على كل حال. ومن كان غائبا عن زوجته فليس يحتاج في طلاقها إلى ما يحتاج إليه الحاضر من الاستبراء، لكنه لا بد له من الإشهاد، فإذا أشهد رجلين من المسلمين على طلاقه لها وقع بها الطلاق، كانت طاهرا، أو حائضا. وعلى كل حال. فإن راجعها قبل خروجها من العدة كان أملك بها. وإن لم يراجعها حتى تنقضي عدتها فقد ملكت نفسها، وهو كواحد من الخطاب. ومن أراد أن يطلق زوجة لم يدخل بها بعد، طلقها أي وقت شاء بمحضر من رجلين مسلمين عدلين، ولم ينتظر بها طهرا - كما ذكرنا ذلك في الحاضرة المدخول بها على ما شرحناه -. وليس لمن طلق امرأة قبل الدخول بها عليها رجعة، وهي أملك بنفسها حين يطلقها، إن شاءت أن تتزوج بغيره من ساعتها فعلت ذلك، إذ ليس له عليها عدة بنص القرآن. وإن شاءت أن تعود إليه جاز ذلك لهما بعقد جديد ومهر جديد. وكذلك من طلق صبية لم تبلغ المحيض، وإن كان قد دخل بها، إذا لم تكن في سن من تحيض. ومن طلق آيسة من المحيض فذلك حكمها أيضا، لأنه لا عدة عليها منه. والمختلعة والمبارئة كذلك، وإن كانت العدة واجبة عليهما. وسنبين ذلك في بابه إن شاء الله. والحامل المستبين حملها تطلق بواحدة في أي وقت شاء الإنسان. ولا بد في طلاقها من الإشهاد، إذ هو شرط في جميع ضروب الفراق. والتي قد يئست من المحيض تطلق على كل حال بالشهود. والتي لم تبلغ المحيض إذا لم تكن في سن من تحيض تطلق أيضا على كل حال بالشهود. وإنما يحتاج في الطلاق إلى الاستبراء لمن ترى دم الحيض من النساء بعد الدخول بهن إذا كن مع الأزواج في مصر واحد. فأما من وصفنا حاله من النسوان فطلاقهن حسب ما ذكرناه.

 

[ 21 ] باب الخلع والمباراة

والخلع ضرب من الطلاق، ولا يقع إلا على عوض من المرأة. وذلك: أن تكون المرأة قد كرهت زوجها، وآثرت فراقه، وتعصي أمره، وتخالف قوله، وتمنعه نفسها، وتراوده على فراقها، فله حينئذ أن يلتمس منها على طلاقها ما شاء من المال، والمتاع، والعقار، فيقول لها: " إن أردت أن أفارقك فادفعي إلي ألف دينار، أو ألف درهم "، أو ما شاء مما يختار وإن كان لها عليه مهر قال: " اجعليني في حل من مهرك، وأعطيني بعد ذلك كذا وكذا حتى أخلي سبيلك ". فإذا أجابته إلى ملتمسه قال لها: " قد خلعتك على كذا وكذا درهما، أو دينارا، أو كيت وكيت، فإن رجعت في شئ من ذلك فأنا أملك ببضعك ". فإذا قال لها ذلك بمحضر من رجلين مسلمين عدلين، وهي طاهر من الحيض طهرا، لم يقر بها فيه بجماع، فقد بانت منه، وملكت نفسها في الحال، وليس له عليها رجعة. ولها أن تعقد على نفسها لمن شاءت بعد خروجها من عدتها. فإن اختارت الرجوع إليه، واختار هو ذلك، جاز لهما الرجوع إلى النكاح بعقد مستأنف ومهر جديد. وإن لم تؤثر الرجوع إليه لم يكن له عليها سبيل. فإن رجعت عليه بشئ مما تقرر بينه وبينها قبل خروجها من العدة كان له رجعتها وإن كرهت ذلك. فإن رجعت عليه بذلك بعد خروجها من العدة لم يلتفت إلى رجوعها، ولم يكن لها عليه فيما أخذه منها سبيل. ولا يقع خلع إلا على ما يقع عليه الطلاق. وهو: أن تكون المرأة طاهرا من حيض طهرا، لم يحصل فيه جماع، ويشهد بالخلع رجلان مسلمان. فإن خلعها، وهي حائض، أو في طهر قد لمسها فيه، أو لم يشهد على خلعه لها نفسين من المسلمين لم يقع الخلع بها - كما لا يقع الطلاق - إلا أن تكون حاملا، أو غائبة عن زوجها، أو ممن لم يدخل بها بعد، أو آيسة من محيض، فيكون حكمها في ذلك الحكم الذي ذكرناه في باب الطلاق. ولا يقع خلع، ولا مباراة، ولا طلاق إلا بالإشهاد الذي وصفناه وإن كانت المرأة مسترابة، وعلى كل حال حسب ما قدمناه. وأما المباراة فهو ضرب من الخلع، لأنه لا يقع إلا على عوض. وذلك: أن تكره المرأة الرجل، ويكره الرجل المرأة، فيظهر ذلك منهما بأفعالهما، ويعلم كل واحد منهما ذلك من صاحبه، فتختار المرأة حينئذ الفراق، فتقول للرجل: " أنا كارهة لك، وأنت أيضا كذلك، فخل سبيلي لانصرف في نفسي ". فيقول لها: " لك علي دين فاتركيه حتى أخلي سبيلك "، أو يقول لها: " قد أخذت مني كذا وكذا فرديه على أو بعضه لأخلي سبيلك "، فتجيبه إلى ذلك، فيطلقها عليه. ولا يجوز له إذا كان كارها لها أن يأخذ منها على الطلاق لها أكثر مما أعطاها. وفي الخلع يحل له أن يأخذ أضعافه. ومتى أراد طلاقها على المباراة طلقها على السنة في طهر بمحضر من رجلين مسلمين عدلين، حسب ما قدمناه. وإذا طلقها على عوض لم يكن له عليها رجعة إلا أن تختار هي الرجعة، فيستأنف نكاحها بعقد مبتدء، ومهر جديد. ولا يقع شئ من الطلاق بيمين، ولا بشرط. ولا يقع طلاق ثان في عدة يملك المطلق فيها الرجعة بعد تطليقة أولة أو ثانية إلا برجعة بينهما على ما شرحناه.

 

[ 22 ] باب الحكم في أولاد المطلقات من الرضاع، وحكمهم بعده وهم أطفال

وإذا طلق الرجل امرأته، ولها منه ولد يرضع، كان عليه أن يعطيها أجر رضاعه. فإن بذل لها شيئا في ذلك فلم تقنع به، ووجد من يرضعه بذلك القدر من الأجر كان له انتزاعه منها، ودفعه إلى مرضعة غيرها بالأجر. فإن اختارت أمه رضاعة بذلك الأجر كانت أحق به. وليس على الأب بعد بلوغ الصبي سنتين أجر رضاع. فإن اختارت أمه رضاعة تبرعا بعد ذلك لم يكن له منعها منه ما لم يضر ذلك به. والحد الذي يجوز فصل الصبي من الرضاع فيه من الزمان بلوغه أحدا وعشرين شهرا. فإن فصل منه دون ذلك كان ظلما له. وأقصى الرضاع حولان كاملان كما قال الله عز وجل لمن أراد إتمامه. وإذا فصل الصبي من الرضاع كان الأب أحق بكفالته من الأم. والأم أحق بكفالة البنت حتى تبلغ تسع سنين إلا أن تتزوج. فإن تزوجت بغير الأب كان أحق بكفالة ابنته حينئذ. وإن مات الأب قامت أمه مقامه في كفالة الولد. فإن لم يكن له أم، وكان له أب، قام مقامه في ذلك، فإن لم يكن له أب ولا أم كانت الأم التي هي الجدة أحق به من البعداء. وعلى الرجل أن ينفق على المطلقة - للسنة - ما دامت في العدة. وليس عليه إنفاق على المختلعة والمبارئة في عدتهما. ولا نفقة للمطلقة على العدة بعد التطليقة الثالثة إلا أن تكون حاملا. ولا نفقة للمتمتع بها في حال العقد. ولا في عدتها بعد الفراق. ونفقة ولدها وأجرة رضاعه إلى وقت فصاله لازم لأبيه، كما يلزم ذلك أولاد من سائر الأزواج.

 

[ 23 ] باب عدد النساء

وإذا طلق الرجل زوجته الحرة بعد الدخول بها وجب عليها أن تعتد منه بثلاثة أطهار إن كانت ممن تحيض. وإن لم تكن تحيض لعارض ومثلها في السن من تحيض - اعتدت منه بثلاثة أشهر. وإن كانت قد استوفت خمسين سنة، وارتفع عنها الحيض، وآيست منه لم يكن عليها عدة من طلاق. وقد روي: أن القرشية من النساء، والنبطية تريان الدم إلى ستين سنة. فإن ثبت ذلك فعليها العدة حتى تجاوز الستين. وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها. ولو وضعته بعد الطلاق بساعة واحدة أو أقل منها لخرجت بذلك من العدة، وحلت للأزواج. ولا يجوز أن يخرج الرجل امرأته من منزلها بعد طلاقها حتى تخرج من عدتها. قال الله عز وجل: " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " فإن أتت في منزله بفاحشة تستحق عليها الحد أخرجها منه، ليقام عليها حد الله تعالى. وإن لم تأت بشئ من ذلك كان عليه إقرارها فيه حتى تقضي العدة. وعليه أن ينفق عليها ما دامت في عدتها منه إلا أن يكون قد فارقها بخلع أو مباراة أو بالثلاث - على ما بيناه في طلاق العدة ووصفناه - فليس لها عليه في العدة من ذلك سكنى ولا إنفاق. وإن كانت الزوجة أمة فعدتها قرءان - وهما طهران - إن كانت ممن تحيض. وإن كانت قد ارتفع عنها المحيض لعارض، فهي لا ترى الدم له، فعدتها خمسة وأربعون يوما. وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها على ما بيناه. ومن طلق صبية لم تبلغ المحيض، وكان قد دخل بها، فعدتها ثلاثة أشهر إن كانت في سن من تحيض - وهو أن تبلغ تسع سنين -. وإن صغرت عن ذلك لم يكن عليها عدة من طلاق. ومن طلق امرأة لم يدخل بها فلا عدة عليها منه. قال الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تسموهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ". ومن تزوج بامرأة، ولم يسم لها مهرا، ثم طلقها قبل الدخول بها فليس لها عليه مهر، ولها عليه متعة كما تلوناه من قول الله عز وجل. والمتعة على الموسر أن يدفع إلى المطلقة - بحسب حاله وعادة أمثاله - من خمسة دنانير إلى ما فوقها، أو قيمة ذلك من الثياب، أو جارية تخدمها، وأشباه ذلك. وعلى المتوسط أن يمتع بثلاثة دنانير فما فوقها، أو عدلها من الثياب، و غيرها. وعلى المعسر أن يمتع بالدرهم، أو الخاتم، وما أشبه ذلك. ويعتبر حال الإنسان، وحال المرأة، وحال الزمان، فيحكم بظاهر ذلك على ما جرت به العادات. والعبد إذا كان تحته الحرة فطلاقها الأقصى ثلاث تطليقات. وعدتها ثلاثة أقراء. والحر إذا كان تحته الأمة فطلاقها الأقصى تطليقتان. وعدتها قرءان - والأقراء هي الأطهار -. فإن كانت الحرة ممن لا تحيض، ومثلها من تحيض، فعدتها ثلاثة أشهر. وإن كانت الأمة ممن لا تحيض ومثلها من تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما. وإذا توفي الرجل عن زوجة حرة فعليها أن تعتد لوفاته أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كان قد دخل بها، أو لم يدخل بها، وإن كانت صبية، أو بالغا. قال الله عز وجل: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ". وإن كان الزوجة أمة اعتدت من زوجها إذا مات عنها بشهرين وخمسة أيام - على النصف من عدة الحرة - سواء كانت صغيرة، أو كبيرة، دخل بها أو لم يدخل بها. والمعتدة من الطلاق ليس عليها حداد، ولها أن تلبس المصبوغ من الثياب، والزينة كلها. والمعتدة من الوفاة تحتد، وتمتنع من الطيب كله، ومن الزينة كلها. ولا تبيت المطلقة عن بيتها الذي طلقت فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة صادقة. وتبيت المعتدة من الوفاة أين شاءت، وتنتقل عن منزلها متى شاءت. وليس حكمها في هذا الباب حكم المطلقات. وإذا طلق الرجل امرأته، وهو غائب عنها، ثم ورد الخبر عليها بذلك، وقد حاضت من يوم طلقها إلى ذلك الوقت ثلاث حيض، فقد خرجت من عدتها، ولا عدة عليها بعد ذلك. فإن كانت حاضت أقل من ثلاث حيض احتسبت به من العدة، وبنت عليه تمامها. وإذا مات عنها زوجها في غيبته ووصل خبر وفاته إليها بعد سنة، أو أقل من ذلك، أو أكثر اعتدت لوفاته من يوم بلغها الخبر بذلك، ولم تحتسب بما مضى من الأيام التي لم تعلم بوفاته فيها. والفرق بين الأمرين: أن المعتدة من الوفاة يجب عليها الحداد، فإذا لم تعلم بموت زوجها لم تحتد. والمعتدة من الطلاق ليس يجب عليها حداد، وإنما يجب أن تمتنع من الأزواج، وهي وإن لم تعلم بطلاق زوجها ممتنعة من العقود عليها، والأزواج. وإذا توفي الرجل عن زوجة مملوكة فاعتدت منه نصف العدة، أو أقل من ذلك، ثم أعتقت، وجب عليها أن تتم العدة أربعة أشهر وعشرة أيام. فإن أعتقت، وقد جازت في عدتها النصف من عدة الإماء، تممت عدتها شهرين وخمسة أيام، ولم يجب عليها عدة الحرائر. وعدة المتمتع بها من الفراق قرءان - وهما طهران -، فإن كان ممن لا تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما - كما ذكرناه في عدد الإماء - وعدتها من وفاة الزوج شهران وخمسة أيام. ومن كان عنده أربع زوجات فطلق واحدة منهن، طلاق السنة، تطليقة واحدة، يملك فيها الرجعة، لم يجز له أن يعقد على امرأة نكاحا حتى تخرج المطلقة من العدة. فإن خلع واحدة من الأربع، أو باراها، لم يحرم عليه العقد على امرأة أخرى في الحال نكاحا، لأنه ليس له على المختلعة والمبارئة رجعة. وكذلك إن كانت التي طلقها لم يدخل بها جاز له العقد في الوقت على أختها، وغيرها من النساء، لأنه لا عدة له عليها. وكذلك إن طلقها طلاق العدة ثلاثا لم يحرم عليه العقد على غيرها، إذ لا رجعة له عليها حسب ما قدمناه. وإذا كانت عنده امرأة قد دخل بها، فطلقها طلاق السنة، لم يجز له العقد على أختها حتى تخرج المطلقة من عدتها. فإن خلعها، أو باراها، أو طلقها قبل الدخول بها، أو طلقها للعدة ثلاثا، فلا حرج عليه أن يعقد على أختها في الحال، إذ لا رجعة له عليها كما ذكرناه. وإذا غاب الرجل عن امرأته غيبة لم تعرف فيها خبره، وكان له ولي ينفق عليها، أو في يدها مال له تنفق منه على نفسها، كانت في حباله إلى أن تعرف له موتا، أو طلاقا، أو ردة عن الإسلام. وإن لم يكن له ولي ينفق عليها، ولا مال في يدها تنفق منه، واختارت الحكم في ذلك، رفعت أمرها إلى سلطان الزمان، وليبحث عن خبره في الأمصار، وانتظرت أربع سنين، فإن عرفت له خبرا من حياة ألزمه السلطان النفقة عليها، أو الفراق. وإن لم تعلم له خبرا اعتدت عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، وتزوجت إن شاءت. وإن جاء زوجها، وهي في العدة، أو قد قضتها، ولم تتزوج، كان أملك بها من غير نكاح يستأنفه، بل بالعقد الأول عليها. وإن جاء وقد خرجت من العدة، وتزوجت، لم يكن له عليها سبيل.

 

[ 24 ] باب لحوق الأولاد بالآباء، وثبوت الأنساب

وأقل الحمل وأكثره ومن ولدت زوجته على فراشه - وقد دخل بها - ولدا لستة أشهر من يوم وطئها، فكان الولد تاما، فهو ولده بحكم الشريعة، وقضاء العادة، ولا يحل لنفيه، ولا إنكاره. وإن ولدته حيا تاما لأقل من ستة أشهر من يوم لامسها فليس بولد له في حكم العادة، وهو بالخيار: إن شاء أقر به، وإن شاء نفاه عنه. غير أنه إن نفاه، فخاصمته المرأة، وادعت أنه منه، واختلفا في زمان الحمل، كان عليه ملاعنتها، ونحن نبين حكم اللعان فيما يلي هذا الباب إن شاء الله. وإذا طلق الرجل امرأته، فاعتدت، وتزوجت، وجاءت بولد لستة أشهر منذ يوم دخل بها الثاني، فهو له. وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر فهو للأول. وكذلك من باع أمة، قد وطئها، فجاءت بولد لستة أشهر منذ يوم ملكها مبتاعها، فهو له. وإن جاءت به لأقل من ذلك فهو لبايعها. ولا يجوز لأحد أن يبيع جارية قد وطئها حتى يستبرئها بحيضة. فإن كانت ممن لا تحيض اعتزلها خمسة وأربعين يوما، ثم باعها. ولا يحل لأحد أن يطأ جارية قد ابتاعها، أو ورثها من سيدها، حتى يستبرئها بحيضة، فإن لم تكن ممن تحيض استبرأها بخمسة وأربعين يوما. وقد روي: أنه لا بأس للإنسان أن يطأ الجارية من غير استبراء لها إذا كان بايعها قد أخبره باستبرائها، وكان صادقا في ظاهره مأمونا. والاستبراء لها على كل حال أحوط في الدين. ومن وطئ زوجة له أو جارية، في الفرج، وظهر بها حمل، وجب عليه الاعتراف به، سواء كان قد عزل الماء عنها، أو لم يعزله، ولا يجوز له نفيه عنه لأنه كان يعزل الماء. وولد المتعة لاحق بأبيه، لا يحل له نفيه. وأقل الحمل أربعون يوما، وهو زمان انعقاد النطفة. وأقله لخروج الولد حيا ستة أشهر، وذلك: أن النطفة تبقى في الحرم أربعين يوما، ثم تصير علقة أربعين يوما، ثم تصير مضغة أربعين يوما، ثم تصير عظما أربعين يوما، ثم تكتسي لحما، وتتصور، وتلجها الروح في عشرين يوما، فذلك ستة أشهر. وأكثر الحمل تسعة أشهر. ولا يكون حمل على التمام لأقل من ستة أشهر، قال الله عز وجل: " حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ". والفصال من الرضاع في أربعة وعشرين شهرا فيكون الحمل على ما بيناه في ستة أشهر ولا يكون زمان الحمل أكثر من تسعة أشهر على ما ذكرناه، وإنما تلتبس مدة الحمل على كثير من الناس، لأن من النساء من يرتفع حيضهن قبل حملهن لعارض مدة من الزمان، فيظن أن ذلك من أيام الحمل، وليس ذلك إلا لما ذكرناه. ولو أن رجلا تزوج بامرأة، ودخل بها، ثم اعتزلها بعد الدخول، فجاءت بولد لأكثر من تسعة أشهر من يوم دخل بها، لم يكن الولد منه، وكان له نفيه إلا أن تخاصمه المرأة فيه، وتخالفه في وقت الجماع، فيجب عليه عند نفيه ملاعنتها. وإن اعترف به خوفا، أو لسبب من الأسباب، ألحقناه به، وورثناه منه على الظاهر في الأحكام. وإذا غاب الرجل عن امرأته، فبلغها أنه قد طلقها، فاعتدت، وتزوجت، وحملت من الزوج، وجاء الغائب فأنكر الطلاق، ولم يكن عليه بينة به، كان أملك بها من الثاني، ووجب عليها منه العدة، وعادت إلى زوجها الأول بالنكاح المتقدم، وكان الولد لاحقا بالثاني دون الأول، ولم يحل للزوج الأول دعواه.

 

[ 25 ] باب اللعان

وإذا قذف الرجل زوجته الحرة بالفجور، وادعى: أنه رأى معها رجلا يطأها في فرجها، وكان له على ذلك بينة - أربعة رجال عدول - يشهدون له به، وجب على المرأة الرجم. وإن لم يكن شهد أربعة - كما ذكرناه - لاعن المرأة. وصفة اللعان أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة، ويوقف الرجل بين يديه، والمرأة عن يمينه، ثم يقول له: قل: " أشهد بالله: إني لمن الصادقين فيما ذكرته عن هذه المرأة من الفجور ". فإذا قالها مرة قال له: أشهد ثانية، فإذا شهد ثانية طالبه بها ثالثة، فإذا شهد ثالثة طالبه بها رابعة، فإذا شهد أربع مرات: إنه لمن الصادقين، قال له الحاكم: " اتق الله عز وجل. وأعلم أن لعنة الله شديدة، وعقابه أليم، فإن كان حملك على ما قلت غيرة، أو سبب من الأسباب فراجع التوبة، فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة ". فإن رجع عن قوله جلده حد المفتري ثمانين جلدة، ورد امرأته عليه. وإن أقام على ما ادعاه قال له: قل " إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين ". فإذا قالها قال للمرأة: ما تقولين فيما رماك به هذا الرجل؟ فإن اعترفت به رجمها حتى تموت، وإن أنكرته قال لها: " اشهدي بالله: إنه لمن الكاذبين فيما قذفك به من الفجور ". فإذا شهدت مرة، فقالت: " أشهد بالله: إنه لمن الكاذبين فيما رماني به " طالبها بشهادة ثانية، فإن شهدت طالبها بها ثالثة، فإذا شهدت طالبها رابعة، فإن شهدت وعظها كما وعظ الرجل، وقال لها: " اتقي الله، فإن غضب الله شديد، وإن كنت قد اقترفت ما رماك به فتوبي إلى الله تعالى، فعقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة " فإن اعترفت بالفجور رجمها، وإن أقامت على تكذيب الزوج قال لها: " قولي: إن غضب الله علي إن كان من الصادقين ". فإذا قالت ذلك فرق الحاكم بينهما، ولم تحل له أبدا، وقضت منه العدة منذ تمام لعانها له. وإن نكلت عن اللعان وجب عليها الحد. ومتى نكل الرجل عن اللعان وجب عليه الحد، كما يجب عليها بالنكول. وإن أنكر رجل ولد زوجة له في حباله، أو بعد فراقها بمدة الحمل إن لم تكن نكحت زوجا غيره، أو أنكر ولدها لأقل من ستة أشهر من فراقه لها وإن كانت قد نكحت زوجا غيره ولم يدعه الثاني، لاعنها، كما يلاعنها بدعوى مشاهدته فجورها. فإن قذفها بغير نفي الولد بعد طلاقه لها وخروجها من العدة يحد حد المفتري، ولا لعان بينه وبينها. ومن قذف زوجته بفجور، ولم يدع معاينة له، فلا لعان بينه وبينها، ولكن يجلد حد المفتري. وكذلك إن قال لها يا زانية أو قد زنيت فإنه يجلد حد المفتري. وإن قال وجدت معها رجلا في إزار، ولا أعلم ما كان، عزر على ذلك، وأدب، ولم يفرق بينه وبين المرأة. وإذا قذف الرجل امرأته بما فيه حكم الملاعنة، وكانت خرساء، لا يصح منها ملاعنته، فرق بينهما، وجلد الحد، ولم تحل له أبدا. وإذا قال الرجل لامرأته لم أجدك عذراء عزر تأديبا، ولم يفرق بينهما. ولا تلاعن المرأة وهي حامل حتى تضع حملها. ولا لعان في شئ من القذف حتى يقول الزوج: " رأيت بعيني كيت وكيت " ويذكر الجماع في الفرج، أو ينكر الولد. ولا لعان بين المسلم والذمية، ولا بين الحر والأمة، ولكن يؤدب الرجل على قذفها بالفجور. ومن كانت له أمة فأنكر ولدها كان أعلم وشأنه ولا يجب عليه بذلك حد ولا لعان. ومتى جحد الرجل ولده من الحرة، ولاعنها، ثم رجع عن الجحد، وأقر بالولد، ضرب حد المفتري، ورد إليه نسب الولد. فإن مات الأب وله مال ورثه الولد. وإن مات الولد وله مال لم يرثه الأب، لأنه قد كان أنكره، ويوشك أن يكون إقراره به طمعا في ميراثه، فلا يمكن منه، بل يحرمه. ويرث الولد أمه إن كانت باقية. وإن مضت قبله ورثه إخوته من قبل أمه. فإن لم يكن له إخوة لأم ورثه أخواله وأقاربه من قبل أمه. ولا يرثه الأخوة من قبل الأب، ولا قريب له من قبله.

 

[ 26 ] باب السراري وملك الإيمان

وللرجل أن يطأ بملك اليمين ما شاء من العدد، ويجمع بينهن في الاستباحة. ولا يجمع بين أم وابنتها في الوطئ، ولا بين الأختين على ما قدمناه. ويجمع بينهن في الملك والاسترقاق. ولا بأس أن يطأ اليهودية والنصرانية بملك اليمين. ولا يجوز له وطي المجوسية على حال، وله استرقاقها للخدمة والتجارة، فأما وطؤها فحرام. وكذلك الصابئات والوثنيات حرام وطؤهن بالعقود وملك الإيمان. ولا يجوز لأحد أن يطأ بملك اليمين أمة قد كان أبوه وطئها بعقد أو ملك يمين. ولا يجوز للأب مثل ذلك فيمن وطئه الابن. وإذا نظر الأب إلى جارية قد ملكها نظر شهوة حرمت على ابنه. ولا تحرم على الأب بنظر الابن إلى ذلك دون غيره. وإذا كانت جارية بين شريكين لم يحل لأحدهما وطئها حتى تخلص له. ومن تزوج بأمة، ثم طلقها تطليقتين على العدة - يطلقها، ثم يراجعها، ثم يطلقها - وملكها من بعد، لم تحل له بملك اليمين حتى تنكح زوجا غيره. ولو ملكها غيره، ثم وطئها، وباعها، فابتعاها هو، لم تحل له أيضا بملك يمين حتى يتزوج بها رجل، فيدخل بها، ثم يطلقها، وتقضي منه العدة. ولو ملك رجلان جارية، وظنا أن وطئها جائز لهما، فوطئاها في طهر واحد، فحملت، لكان الواجب تأديبهما. ويقرع على الولد، ويلحق بمن خرج اسمه في القرعة منهما، ويلزم نصف قيمته لصاحبه الآخر. والقرعة أن يكتب على سهم أو في قرطاس اسم الولد واسم أحد الرجلين، ثم يكتب في سهم آخر اسم الولد واسم الآخر، ويخلطا في سهام أو قراطيس مشتبهة ويقول، المقرع - وهو الحاكم -: " اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بين لنا أمر هذا المولود، لنقضي فيه بحكمك "، ثم يخلط السهام بيده، ويأخذ منها واحدا، فأي سهم خرج أولا - عليه اسم أحدهما - ألحق الولد به. وإذا ابتاع الرجل جارية حبلى لم يحل له وطئها حتى تمضي عليها أربعة أشهر. فإذا مضى ذلك عليها وطئها إن أحب دون الفرج. فإن وطئها فيه فيعزل عنها. واجتناب وطئها أحوط حتى تضع ما في بطنها. فإن وطئها قبل مضي الأربعة أشهر، أو بعد ذلك، ولم يعزل عنها، لم يحل له بيع الولد، لأنه قد غداه وأنماه بنطفته. وينبغي أن يجعل له من ماله بعد وفاته قسطا ويعوله في حياته. ولا ينسب إليه بالبنوة. ولا بأس أن يملك الإنسان أمه من الرضاع، وأخته منه، وابنته، وخالته، وعمته منه. لكنه محرم عليه وطئهن كما يحرم عليه وطي الأحرار بالرضا حسب ما بيناه. ولا بأس أن ينكح الإنسان قابلته ما لم تكن ربته في حجرها. فإن كانت قد ربته كره له نكاحها. ومن وطأ جارية رجل حراما، ثم ملكها بعد ذلك، لم يحرم عليه وطئها. وليس حكم الإماء في هذا الباب حكم الأحرار. ولا بأس بابتياع ما سباه أهل الضلال إذا كانوا ممن يستحقون السبي. ولا يحرم ذلك وطأ الإماء منهم بملك اليمين. ومناكح الناصبة كلها حرام. ولا يحل لهم نكاح بعقد ولا ملك يمين لأسباب لا يحتمل شرحها هذا الكتاب. وإذا ابتاع الإنسان أمة ومعها ولد لها صغار لا يحل له أن يفرق بينها وبينهم. فإن كانوا كبارا قد استغنوا عن الأمهات جاز له التفرقة بينهم وبينها. وإن رضيت الأم بالتفرقة بينها وبين أولادها الأصاغر لم يحرج المولى بذلك. وإذا زوج الرجل أمته من حر أو عبد حرم عليه وطؤها، والنظر إلى فرجها، ولم يجز له تقبيلها بشهوة، ولا التلذذ منها بشئ حتى يفارقها الزوج، وتقضي منه العدة.