عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

كتاب الصيام

 

[ 1 ] باب فرض الصيام

قال الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " فأوجب فرض الصيام في الجملة على سائر المؤمنين بعموم اللفظ المنتظم للجميع، وعم به سائر المؤمنات بقرينة اللفظ من الإجماع ودليله المبين، إلا من خصه من الجميع، في الآية التي تعقب ما تلوناه في التنزيل، وما يتبعها من السنة على لسان نبيه صلى الله عليه وآله، ثم قال تعالى - مفسرا ما أجمله ضربا من التفسير -: " أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون "، فبين أن الفرض متعلق بأزمان محصورة، وأنه يكون في أيام معدودة، وكشف عمن يختص بالخروج عن فرضه في الحال من المرضى والمسافرين وإن كان قد ألزمهم إياه بعد الحال، وبين أنه قد كان رخص للشاهدين له من أهل الصحة والسلامة من الأمراض إفطاره على التعمد بشرط قيامهم بفدية الإفطار من الإطعام، ودل على أن الصوم لهم مع ذلك أفضل عنده، وأولى من الفدية للإفطار. ثم نسخ ذلك خاصة بما أردفه في الذكر من القرآن، فقال: " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون "، فأوضح بهذا عن بقية تفسير الإجمال فيما أنزله أولا من فرض الصيام، ودل على أن المكتوب على أهل الإيمان من الصيام الذي وصف بأنه في أيام معدودات يجب فعله في شهر على التمام بما ذكره في العدة من فرض الكمال، وخطر ما كان أباحه قبل من الإفطار للفدية مع إطاقة الصيام بإلزامه الفرض فيه للشاهد في الزمان مع السلامة من العلل والأمراض، وأكد خروج المرضى والمسافرين من فرضه في الحال بتكرار ذكرهم للبصيرة والبيان وأبان عن علة خروجهم بما وصف من إرادته جل اسمه لهم اليسر وكراهية العسر عليهم زيادة منه في البرهان.

 

[ 2 ] باب علامة أول شهر رمضان وآخره ودليل دخول شهر الإفطار

قال الله عز وجل: " يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون " فجعل تعالى الأهلة علامات الشهور، ودلائل أزمان الفروض، ومواقيت للناس في الحج والصوم، وحلول آجال الديون، ومحل الكفارات، وفعل الواجب والمندوب إليه. روى حماد بن عثمان عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سئل عن الأهلة، فقال: هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيت فأفطر. [ وروى عبد الله بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الأهلة، فقال: هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيته فأفطر ]. وروى ابن أبي عمير عن أيوب بن نوح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني. فالهلال علامة الشهر، وبه وجبت العبادة في الصيام والإفطار والحج وسائر ما يتعلق بالشهور على أهل الشرع، وربما خفي لعارض أو استتر عن أهل مصر لعلة وظهر لغير أهل ذلك المصر، ولكن الفرض إنما يتعلق على العباد به، إذ هو العلم دون غيره بما بما قدمناه من آي القرآن، وما جاء عن الصادقين عليهم السلام، فمن ظفر به على حقيقة دلالته فقد أصاب الحق بعينه، ومن استتر عنه فلم يصبه لليلته، وأصابه بعد ذلك من غير تفريط وقع منه في طلبه، فقد أصاب المراد منه في عبادته، إذ لم يكلفه الله تعالى فوق طاقته، وإن شهد على إصابته قبل زمان مشاهدته لهذا المخطي لإصابته على حقيقة دلالته شاهدان عدلان فقد وجب عليه قضاء ما فاته من فريضته، ولا تبعة عليه فيما صنع لأنه مؤد ما وجب عليه في شريعته. روى صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: صم لرؤية الهلال، وأفطر لرؤيته، فإن شهد عندك شاهدان مؤمنان أنهما رأياه فاقضه. وروى ابن أبي نجران عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: لا تصم إلا للرؤية، أو يشهد شاهدا عدل. وروى سيف بن عميرة عن الفضل بن عثمان بن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ليس على أهل القبلة إلا الرؤية، ليس على المسلمين إلا الرؤية. والرؤية يجب فرضها بتحصيلها من جهة حاستها، وتلزم مع فقدها بشهادة مرضيين: أنهما حصلاها، بحديث عبد الله بن سنان الذي تقدم هذا الحديث بلا فصل، وبما رواه حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عليا عليه السلام كان يقول لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين.

 

[ 3 ] باب فضل صيام يوم الشك والاحتياط لصيام شهر رمضان

ويجب على المكلف الاحتياط لفرض الصيام بأن يرقب الهلال، ويطلبه في آخر نهار يوم التاسع والعشرين من شعبان، فإن أصابه على اليقين بيت النية لمفروض الصيام، فإن لم يصبه يقينا عزم على الصيام معتقدا أنه صائم يوما من شعبان، فإن ظهر له بعد ذلك أنه من شهر رمضان فقد وفق لإصابة الحق عينا، وأجزأ عنه الصيام، وإن لم يظهر له ذلك كان له فضل صيام يوم من شعبان، وحصل له ثواب الاهتمام بدينه والاحتياط. روى سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إذا أهل هلال رجب فعد تسعة وخمسين يوما، ثم صم. وروى أبو الصلت عبد السلام بن صالح، قال: حدثني علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صام يوم الشك فرارا بدينه فكأنما صام ألف يوم من أيام الآخرة غرا زهرا لا يشاكلن أيام الدنيا. وروى أبو خالد عن زيد بن علي بن الحسين عن آبائه عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: صوموا سر الله، قالوا: يا رسول الله وما سر الله؟ قال: يوم الشك. وروى محمد بن حكيم، قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن اليوم الذي يشك فيه، فإن الناس يزعمون أن من صامه بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان، فقال: كذبوا، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفقوا له، وإن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيام التي مضت. وروى محمد بن سنان، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن يوم الشك، فقال: إن أبي كان يصومه، فصمه. وروى شعيب العقرقوفي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صام في اليوم الذي يشك فيه، فوجده من شهر رمضان، فقال: يوم وفقه الله له. وروى زكريا بن آدم عن الكاهلي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اليوم الذي يشك فيه من شعبان، فقال: لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من شهر رمضان.

 

[ 4 ] باب علامة وقت الصيام من أيام الشهر ودلائل وقت الإفطار

قال الله عز وجل: " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ". فحظر جل اسمه على الصائم تناول سائر ما ينقض الصوم من حد بياض الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وهو بياض الفجر عند انسلاخ الليل. فإذا طلع الفجر - وهو البياض المعترض في أفق السماء من قبل المشرق - فقد دخل وقت فرض الصيام، وحل وقت فريضة الصلاة. ثم الحظر ممتد إلى دخول الليل. وحد دخوله مغيب قرص الشمس. وعلامة مغيب القرص عدم الحمرة من المشرق. فإذا عدمت الحمرة من المشرق سقط الحظر، وحل الإفطار بضروبه من الأكل والشرب والجماع وسائر ما يتبع ذلك مما يختص حظره بحال الصيام. وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام في حد دخول الليل: ما ذكرناه بصفته ومعناه الذي قدمناه، فروى: أنه قال: إن المشرق مظل على المغرب هكذا - ورفع إحدى يديه على الأخرى - فإذا غربت الشمس من ههنا - وأومى إلى يده التي خفضها - عدمت الحمرة من ههنا - وأومى إلى يده التي رفعها -.

 

[ 5 ] باب النية للصيام

قال الله عز وجل: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ". والإخلاص للديانة هو التقرب إلى الله تعالى بعملها مع ارتفاع الشوائب. والتقرب لا يصح إلا بالعقد عليه والنية له ببرهان الدلالة. روي عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا عمل ونية إلا بإصابة السنة، ومن تمسك بسنتي عند اختلاف أمتي كان له أجر مأة شهيد. فيجب لمكلف الصيام أن يعتقده قبل دخول وقته تقربا إلى الله جل اسمه بذلك، وإخلاصا له على ما قدمناه في المقال. فإذا اعتقد قبل الفجر من أول يوم من شهر رمضان صيام الشهر بأسره أجزأه ذلك في صيام الشهر بأجمعه، وأغناه في الفرض عن تجديد نية في كل يوم على الاستقبال. فإن جدد النية في كل يوم قبل فجره كان بذلك متطوعا فعلا فيه فضل يستحق عليه الثواب. وإن لم يجدد نية بعد ما سلف له لجملة الشهر فلا حرج عليه كما بيناه. ومن نوى صيام أول يوم من شهر رمضان على سبيل التطوع لشبهة دخلت عليه وارتياب، ثم بان له الأمر فيه، وعلم أنه كان من فرض الصيام، أجزأه ذلك عن الفرض، ولم يجب عليه قضاء، لما قدمناه من الأخبار وثبت عن الصادقين عليهم السلام: أنه لو أن رجلا تطوع شهرا، وهو لا يعلم أنه شهر رمضان، ثم تبين له بعد صيامه أنه كان شهر رمضان، لأجزأه ذلك عن فرض الصيام. ومن نوى إفطار أول يوم من شهر رمضان لشك فيه وارتياب، فعلم قبل الزوال من اليوم أنه من فرض الصيام، ولم يكن أحدث غير النية شيئا مما ينقض الصيام، جاز له أن يستأنف النية لفرض الصيام، وأجزأه ذلك، ولم يجب عليه قضاء. وإن علم بعد الزوال لم يجزه استيناف النية إذ ذاك، ووجب عليه الإمساك، سواء كان كافا عما ينقض الصوم قبل الزوال، أو متناولا لما ينقض الصيام، ووجب عليه القضاء. والحكم في هذا المعنى مخالف لما تقدم من المعنى في التطوع ببرهان الوارد عن الصادقين عليهم السلام من الأخبار.

 

[ 6 ] باب ماهية الصيام

والصيام هو الكف عن تناول أشياء ورد الأمر من الله تعالى بالكف عنها في أزمان مخصوصة - وهي أزمان الصيام - وورد الخطر لتناولها تعبدا منه جل اسمه لخلقه بذلك، ولطفا لهم، واستصلاحا. والأشياء المقدم ذكرها: الأكل، والشرب، والجماع، والارتماس في الماء، والكذب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى الأئمة عليهم السلام وما ينضاف إلى هذا مما سنذكره في باب ما يفسد الصيام. فإذا كف العبد عما وصفناه في أوقات الصيام التي حددناها فيما قبل هذا الباب بنية الكف عنها لوجه الله عز وجل على ما رتبناه كان آتيا بالصيام. وإن أقدم على شئ منها على غير النسيان فهو مفطر به على معنى الإفطار.

 

[ 7 ] باب ثواب الصيام

روي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لكل شئ زكاة، وزكاة الأبدان الصيام. و قال: إن الله تعالى يوكل ملائكته بالدعاء للصائمين. وقال: أخبرني جبرئيل عن ربه جل اسمه:: أنه قال: ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه. وقال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله نوم الصائم عبادة، ونفسه تسبيح. وقال: قال عليه السلام: الصائم في عبادة - وإن كان نائما على فراشه - ما لم يغتب مسلما. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن للجنة بابا يدعى الريان لا يدخل منه إلا الصائمون. وقال أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام: إن المؤمن إذا قام في ليله، ثم أصبح صائما نهاره، لم يكتب عليه ذنب، ولم يخط خطوة إلا كتب له بها حسنة. وإن مات في نهاره صعد بروحه إلى عليين. وإن عاش حتى يفطر كتبه الله من التوابين. وقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الصائم منكم ليرتع في رياض الجنة، تدعو له الملائكة حتى يفطر. وقال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وآله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صام شهر رمضان إيمانا واحتسابا، وكف سمعه وبصره ولسانه عن الناس، قبل الله صومه، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطاه ثواب الصابرين.

 

[ 8 ] باب فضل شهر رمضان

روي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: أنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس في آخر جمعة من شعبان، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان، فرض الله عز وجل صيامه، وجعل قيام ليله نافلة فمن تطوع بصلاة ليلة فيه كان كمن تطوع بسبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله تعالى، ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله تعالى كان كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله تعالى فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر، وأن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزيد الله في رزق المؤمن فيه، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له عند الله بذلك عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى، فقيل: يا رسول الله ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائما، فقال: إن الله كريم يعطي هذا الثواب لمن لا يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما، أو شربة ماء عذب، أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك. ومن خفف فيه عن ملوكه خفف الله عنه حسابه، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره الإجابة، والعتق من النار، ولا غنى بكم عن أربع خصال: خصلتان ترضون الله عز وجل بهما، وخصلتان لا غنى بكم عنهما، فأما اللتان ترضون الله عز وجل بهما فشهادة أن لا إله إلا الله، وإنني رسول الله. وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله فيه حوائجكم والجنة، وتسألون الله العافية، وتعوذون بالله من النار. وروي عن الباقر عليه السلام أيضا: أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انصرف من عرفات، وسار إلى منى، دخل المسجد، فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر، فقام صلى الله عليه وآله خطيبا فقال بعد الثناء على الله عز وجل: أما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر، ولم أطوها عنكم لأني لا أكون بها عالما، اعلموا أيها الناس: أنه من ورد عليه شهر رمضان، وهو صحيح سوى، فصام نهاره، وقام وردا من ليله، وواظب على صلاته، وهجر إلى جمعته، وغدا إلى عيده، فقد أدرك ليلة القدر، وفاز بجائزة الرب. فقال أبو عبد الله عليه السلام: فاز والله بجوائز ليست كجوائز العباد. وروي أيضا عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان على المنبر، فسمعه الناس قال: آمين، ثم سكت، ثم قال: آمين، ثم سكت، ثم قال: آمين، فلما نزلت سألته بعض الناس، فقالوا: يا رسول الله سمعناك تقول: آمين، آمين - ثلاث مرات - فقال: إن جبرئيل عليه السلام قال: من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله، قلت: آمين، قال: ومن أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قلت: آمين، قال: ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له فأبعده الله، قلت: آمين. وقال الصادق عليه السلام: من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل، إلا أن يشهد عرفة. وقال الصادق عليه السلام: نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان، ونزل الإنجيل في اثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، ونزل القرآن في ليلة القدر. وقال عليه السلام: إن أبواب السماء لتفتح في شهر رمضان، وتصفد فيه الشياطين، وتقبل فيه أعمال المؤمنين، نعم الشهر، كان يسمى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله المرزوق.

 

[ 9 ] باب سنن الصيام

ومن سنن الصيام غض الطرف عن محارم الله تعالى، وشغل اللسان بتلاوة القرآن، وتمجيد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله، واجتناب سماع اللهو وجميع المقال الذي لا يرضاه الله تعالى، وهجر المجالس التي يصنع فيها ما يسخط الله عز وجل، وترك الحركة في غير طاعة الله عز وجل، والإكثار من أفعال الخير التي يرجى بها ثواب الله تعالى. وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه قال لمحمد بن مسلم: يا محمد إذ صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك، ولحمك، ودمك، وجلدك، وشعرك، وبشرك، ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك.

 

[ 10 ] باب سنن شهر رمضان وفضل القراءة فيه للقرآن

وما ذكرناه من سنن الصيام ينتظمه سنن شهر رمضان، ويزيد عليه بما أنا ذاكره على البيان إن شاء الله تعالى. روى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام: أنه قال: يا جابر من دخل عليه شهر رمضان فصام نهاره، وقام وردا من ليله، وحفظ فرجه ولسانه، وغض بصره، وكف أذاه، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه، فقلت له: جعلت فداك، ما أحسن هذا من حديث. قال: ما أشد هذا من شرط. وقال أبو عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أيسر ما افترض الله تعالى على الصائم في صيامه ترك الطعام والشراب. ومن سننه الغسل في ست ليال منه، أولها أول ليلة منه، وليلة النصف منه، وليلة سبع عشرة منه - وهي ليلة الفرقان، وفي صبيحتها التقى الجمعان - وليلة تسع عشرة منه - وفيها يكتب وفد الحاج، وهي الليلة التي ضرب فيها أمير المؤمنين عليه السلام - وليلة إحدى وعشرين منه - وهي الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين عليه السلام، وفيها قبض يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام وفيها رفع عيسى بن مريم عليهما السلام - وليلة ثلاث وعشرين منه - وهي التي ترجى أن تكون ليلة القدر والغسل أيضا سنة عند انقراضه في ليلة الفطر، وهي الليلة التي يعطى العامل أجره. ومن سنته قيام ليله بألف ركعة سوى الإحدى والخمسين، وقد شرحنا حال هذه الألف الركعة في أبواب الصلاة المتقدمة في هذا الكتاب، وفصلناها على الترتيب. ويستحب أن يختم فيه القرآن بتلاوته ختمات. وقد روي: أنه يختم فيه عشر مرات كل ثلاثة أيام ختمة. وروي أيضا أكثر من ذلك، فروى إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن علي بن المغيرة، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قلت له: إن أبي سأل جدك عن ختم القرآن في كل ليلة، فقال له جدك: في كل ليلة، قال: في شهر رمضان، فقال له جدك: في شهر رمضان، فقال له أبي: نعم، قال ما استطعت وكان أبي يختمه أربعين ختمة في شهر رمضان، ثم ختمته بعد أبي، فربما زدت، وربما نقصت على قدر فراغي وشغلي ونشاطي وكسلي، فإذا كان يوم الفطر جعلت لرسول الله صلى الله عليه وآله ختمة، ولعلي عليه السلام ختمة أخرى، ولفاطمة صلوات الله عليها وآلها أخرى، ثم للأئمة عليهم السلام حتى انتهيت إليك، فصيرت لك واحدة منذ صرت في هذه الحال، فأي شئ لي بذلك؟ قال: لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة، قلت: الله أكبر، فلي بذلك؟ قال: نعم ثلاث مرات. وروي عن الباقر عليه السلام: أنه قال: لكل شئ ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان. ويستحب أن يقرأ في ليلة ثلاث وعشرين منه " إنا أنزلناه " ألف مرة، فقد روى أبو يحيى الصنعاني عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه قال: لو قرأ رجل ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان " إنا أنزلناه " ألف مرة لأصبح وهو شديد اليقين بالاعتراف بما يخص به فينا، وما ذاك إلا لشئ عاينه في نومه. ويستحب أن يقرأ في هذه الليلة أيضا سورتا " العنكبوت " و " الروم "، فقد روى الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه قال: من قرأ سورتي العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو والله يا أبا محمد من أهل الجنة، لا أستثني فيه أبدا، ولا أخاف أن يكتب الله تعالى علي في يميني إثما، وإن لهاتين السورتين من الله تعالى مكانا. ومن سننه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله في كل يوم مائة مرة، وما زاد ذلك فهو أفضل. فإذا صليت المغرب من هذه الليلة، وهي أول ليلة في الشهر، فادع بهذا الدعاء - وهو دعاء الحج - فتقول: " اللهم منك أطلب حاجتي، ومن طلب حاجته إلى أحد من الناس فإني لا أطلب حاجتي إلا منك وحدك لا شريك لك، وأسألك بفضلك ورضوانك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل لي من عامي هذا إلى بيتك الحرام سبيلا حجة، مبرورة، متقبلة، زاكية، خالصة لك، تقر بها عيني، وترفع بها درجتي، وترزقني أن أغض بصري، وأن أحفظ فرجي، وأن أكف عن محارمك حتى لا يكون عندي شئ آثر من طاعتك وخشيتك، والعمل بما أحببت، والترك لما كرهت ونهيت عنه، واجعل ذلك في يسر وعافية وما أنعمت به على، وأسألك أن تجعل وفاتي قتلا في سبيلك تحت راية نبيك محمد صلى الله عليه وآله مع أوليائك. وأسألك أن تقتل بي أعدائك وأعداء رسولك، وأن تكرمني بهوان من شئت من خلقك، ولا تهني بكرامة أحد من أوليائك. اللهم اجعل لي مع الرسول سبيلا، حسبي الله، ما شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ".

 

[ 11 ] باب الدعاء عند طلوع الهلال

وفي أول يوم من شهر رمضان ومن السنة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وآله الدعاء عند رؤية الهلال. فإذا طلع هلال شهر رمضان فادع بهذا الدعاء للاستهلال، فإنه مأثور عن الصادقين عليهم السلام: " اللهم أهله علينا وعلى أهل بيوتاتنا وأشياعنا وإخواننا بأمن، وإيمان، وسلامة، وإسلام، وبر، وتقوى، وعافية مجللة، ورزق واسع حسن، وفراغ من الشغل، واكتفاء فيه بالقليل من النوم، ومسارعة فيما تحب وترضى، وثبتنا عليه. اللهم بارك لنا في هذا الشهر، وارزقنا بركته، وخيره، وعونه، وغنمه، وفوزه. واصرف عنا شره، وضره، وبلائه، وفتنته. اللهم ما قسمت فيه من رزق، أو خير، أو عافية، أو فضل، أو مغفرة، أو رحمة، فاجعل نصيبنا فيه الأكثر، وحظنا منه الأوفر، إنك على كل شئ قدير ". فإذا طلع الفجر من أول يوم من الشهر فادع، وقل: " اللهم قد حضر شهر رمضان، وقد افترضت علينا صيامه، وأنزلت فيه القرآن، هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان. اللهم أعنا على صيامه وقيامه، وتقبله منا، وسلمنا فيه، وتسلمه منا، وسلمه لنا في يسر منك وعافية، إنك على كل شئ قدير ".

 

[ 12 ] باب فضل السحور، وما يستحب أن يكون عليه الإفطار

والسحور في شهر رمضان من السنة، وفيه فضل كبير، لمعونته على الصيام، والخلاف فيه على اليهود، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وآله. وقد روي عن آل محمد عليهم السلام: أنهم قالوا: يستحب السحور ولو بشربة من الماء. وروي: أن أفضله التمر والسويق، لموضع استعمال رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك في سحوره من بين أصناف الطعام. فأما اللفظ الوارد بتفضيله فما روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تسحروا ولو بجرعة من ماء، ألا صلوات الله على المتسحرين. وقال عليه السلام: إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين والمستغفرين بالأسحار، فليتسحر أحدكم ولو بجرعة من ماء. وقال عليه وآله السلام: تعاونوا بأكل السحر على صيام النهار، وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل. فأما ما يستحب أن يكون به الإفطار فهو غير نوع، جاءت به الآثار: فروي: أن النبي صلى الله عليه وآله كان يفطر على التمر، وكان إذا وجد السكر أفطر عليه. وروى النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه قال: إن الرجل إذا صام زالت عيناه من مكانهما، فإذا أفطر على الحلو عادتا إلى مكانهما. وروى صفوان عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يفطر على الحلو، فإذا لم يجده أفطر على الماء الفاتر، وكان يقول: هي ينقي الكبد والمعدة، ويطيب النكهة والفم، ويقوي الأضراس، ويقوي الحدق، ويحد الناظر ويغسل الذنوب غسلا، ويسكن العروق الهائجة والمرة الغالبة، ويقطع البلغم، ويطفئ الحرارة عن المعدة، ويذهب بالصداع. وروي عن الباقر عليه السلام: أنه قال: أفطر على الحلو، فإن لم تجده فأفطر على الماء، فإن الماء طهور. وروى: أن في الإفطار على الماء البارد فضلا، وأنه يسكن الصفراء. وذلك على حسب اختلاف الطبائع والتباين في الأحوال. وروى الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين جميعا عن أبي جعفر عليه السلام: أنه قال: تقدم الصلاة على الإفطار، إلا أن تكون مع قوم يبتدئون بالإفطار، فلا تخالف عليهم، وأفطر معهم، وإلا فابدأ بالصلاة، فإنها أفضل من الإفطار، وتكتب صلاتك وأنت صائم أحب إلى. وقد روي أيضا في ذلك: أنك إذا كنت تتمكن من الصلاة، وتعقلها، وتأتي بها على حدودها قبل أن تفطر، فالأفضل أن تصلي قبل الإفطار. وإن كنت ممن تنازعك نفسك الإفطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار، ليذهب عنك وسواس الناس اللوامة، غير أن ذلك مشروط بأنه لا يشتغل بالإفطار قبل الصلاة إلى أن يخرج وقت الصلاة.

 

[ 13 ] باب القول والدعاء عند الإفطار، وما يستحب قوله في كل وقت من ليل أو نهار

روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه قال: يقول - في آخر كل يوم يمضي من عند الإفطار -: " الحمد الله الذي أعاننا فصمنا، ورزقنا فأفطرنا. اللهم تقبله منا، وأعنا عليه، وسلمنا فيه، وتسلمه منا في يسر منك وعافية. الحمد لله الذي قضى عنا يوما من شهر رمضان حتى يتم إن شاء الله ". وروى إسماعيل بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا أفطر قال: " اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبله منا، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وبقي الأجر ". قال: وكان عليه السلام إذا أكل عند قوم قال: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار. [ وروي عنه عليه السلام: أنه قال: دعوة الصائم تستجاب عند إفطاره ]. وروى علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني عليه السلام: أنه قال: يستحب أن تكثر من أن تقول في كل وقت من ليل أو نهار من أول الشهر إلى آخره: " يا ذا الذي كان قبل كل شئ، ثم خلق كل شئ، ثم يبقى ويفنى كل شئ، يا ذا الذي ليس كمثله شئ، ويا ذا الذي ليس في السماوات العلى، ولا في الأرضين السفلى، ولا فوقهن، ولا تحتهن، ولا بينهن، إله يعبد غيره. لك الحمد حمدا لا يقوى على إحصائه إلا أنت. فصل على محمد وآل محمد صلاة لا يقوى على إحصائها إلا أنت ".

 

[ 14 ] باب شرح الدعاء في أول يوم من شهر رمضان

روى الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن العبد الصالح عليه السلام: أنه قال: ادع بهذا الدعاء في أول يوم من شهر رمضان مستقبل دخول السنة. - وذكر: أنه من دعا به محتسبا مخلصا لم تصيبه في تلك السنة فتنة، ولا آفة تصر بدينه وبدنه، ووقاه الله شر ما تأتي به تلك السنة - تقول: " اللهم إني أسألك باسمك الذي دان له كل شئ، وبرحمتك التي وسعت كل شئ، وبعظمتك التي تواضع لها كل شئ، وبقوتك التي خضع لها كل شئ، و بجبروتك التي غلبت كل شئ، وبعلمك الذي أحاط بكل شئ، يا نور، يا قدوس، يا أول قبل كل شئ، ويا باقي بعد كل شئ، يا الله، يا رحمن، صل على محمد وآل محمد، واغفر لي الذنوب التي تغير النعم، واغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء، واغفر لي الذنوب التي تديل الأعداء، واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء، واغفر لي الذنوب التي يستحق بها نزول البلاء، واغفر لي الذنوب التي تحبس غيث السماء، واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء، واغفر لي الذنوب التي تعجل الفناء، واغفر لي الذنوب التي تورث الندم، واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، وألبسني درعك الحصينة التي لا ترام، وعافني من شر ما أحاذر بالليل والنهار في مستقبل سنتي هذه، اللهم رب السماوات السبع، ورب الأرضين السبع، وما فيهن، وما بينهن، ورب العرش العظيم، ورب إسرافيل وميكائيل وجبرائيل، ورب محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين، أسألك بك وبما تسميت به يا عظيم، أنت الذي تمن بالعظيم، وتدفع كل محذور، وتعطي كل جزيل، وتضاعف من الحسنات بالقليل وبالكثير، وتفعل ما تشاء، يا قدير، يا الله، يا رحمن، صل على محمد وآل محمد، وألبسني في مستقبل سنتي هذه سترك، ونضر وجهي بنورك، وأحببني محبتك، وبلغ بي رضوانك وشريف كرامتك وجسيم عطيتك، وأعطني من خير ما عندك ومن خير ما أنت معطيه أحدا من خلقك، وألبسني مع ذلك عافيتك، يا موضع كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، ويا عالم كل خفية، ويا دافع ما يشاء من بلية، يا كريم العفو، يا حسن التجاوز، توفني على ملة إبراهيم وفطرته، ودين محمد وسنته، وعلى خير الوفاة، فتوفني مواليا لأوليائك، معاديا لأعدائك. اللهم وجنبني في هذه السنة كل عمل أو فعل أو قول يباعدني منك، واجلبني إلى كل عمل أو قول أو فعل يقربني منك في هذه السنة يا أرحم الراحمين، وامنعني من كل قول أو عمل أو فعل مني أخاف ضرر عاقبته، وأخاف مقتك إياي عليه، حذارا أن تصرف وجهك الكريم عني، فأستوجب به نقصا من حظ لي عندك يا رؤوف يا رحيم، اللهم اجعلني في مستقبل هذه السنة في حفظك وجوارك وكنفك، وجللني بستر عافيتك، وهب لي كرامتك، عز جارك، وجل ثنائك، ولا إله غيرك، اللهم اجعلني تابعا لصالح من مضي من أولياءك، وألحقني بهم، واجعلني مسلما لمن قال بالصدق عليك منهم، وأعوذ بك يا إلهي أن تحيط بي خطيئتي، وظلمي، وإسرافي على نفسي، واتباعي لهواي، واشتغالي بشهواتي، فيحول ذلك بيني وبين رحمتك ورضوانك، فأكون مسيئا عندك، متعرضا لسخطك ومقتك، اللهم وفقني لكل عمل صالح ترضي به عني، وقربني إليك زلفى اللهم كما كفيت نبيك محمدا صلى الله عليه وآله هول عدوه، وفرجت همه، وكشفت غمه، وصدقته وعدك، وأنجزت له عهدك، اللهم فبذلك فاكفني هول هذه السنة، وآفاتها، وأسقامها، وفتنتها، وشرورها، وأحزانها، وضيق المعاش فيها، وبلغني برحمتك كمال العافية بتمام الكفاية ودوام النعمة عندي إلى منتهى أجلي، أسألك سؤال من أساء وظلم واعترف، وأسألك أن تغفر لي ما مضى من الذنوب التي حصرتها حفظتك، وأحصتها كرام ملائكتك على، و أن تعصمني من الذنوب فيما بقي من عمري إلى منتهى أجلي يا رحمن، صل على محمد وآل محمد، وآتني كل ما سألتك ورغبت إليك فيه، فإنك أمرتني بالدعاء، وتكفلت بالإجابة.

 

[ 15 ] باب شرح التسبيح في كل يوم منه إلى آخره

وهو عشرة أجزاء كل جزء منه على انفراده. وتسبح في كل يوم منه، فتقول: 1 - " سبحان الله بارئ النسم، سبحان الله المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها، سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شئ، سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله رب العالمين، سبحان الله السميع الذي ليس شئ أسمع منه، يسمع من فوق عرشه ما تحت سبع أرضين، يسمع ما في ظلمات البر والبحر، ويسمع الأنين والشكوى، ويسمع السر وأخفى، ويسمع وساوس الصدور، لا يصم سمعه صوت ". - " سبحان الله بارئ النسم، سبحان الله المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها، سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شئ، سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحانه الله رب العالمين، سبحان الله البصير الذي ليس شئ أبصر منه، يبصر من فوق عرشه ما تحت سبع أرضين، ويبصر ما في ظلمات البر والبحر، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، لا تغشى بصره الظلمة، ولا يستر منه ستر، ولا يوارى منه جدار، ولا يغيب عنه بر ولا بحر، ولا يكن منه جبل ما في أصله، ولا قلب ما فيه، ولا جنب ما في قلبه، ولا يستتر منه صغير ولا كبير، ولا يستخفى منه صغير لصغره، ولا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء، هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ". 3 - " سبحان الله بارئ النسم، سبحان الله المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها، سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شئ، سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله رب العالمين، سبحان الله الذي ينشئ السحاب الثقال، ويسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء، ويرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، وينزل الماء من السماء بكلمته، وينبت النبات بقدرته، ويسقط الورق بعلمه، سبحان الله الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ". 4 - " سبحان الله بارئ النسم، سبحان الله المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها، سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شئ، سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله رب العالمين، سبحان الله الذي يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شئ عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة، الكبير، المتعال، سواء منكم من أسر القول، ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل، وسارب بالنهار، له معقبات من بين يديه ومن خلفه، يحفظونه من أمر الله، سبحان الله الذي يميت الأحياء، ويحيي الموتى، ويعلم ما تنقص الأرض منهم، ويقر في الأرحام ما يشاء إلى أجل مسمى ". 5 - " سبحان الله بارئ النسم، سبحان الله المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها، سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شئ، سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله رب العالمين، سبحان الله مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير، يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويرزق من يشاء بغير حساب ". 6 - " سبحان الله بارئ النسم، سبحان الله المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها، سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شئ سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله رب العالمين، سبحان الله الذي عنده مفاتح الغيب، لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ". 7 - " سبحان الله بارئ النسم، سبحان الله المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها، سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شئ، سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله رب العالمين، سبحان الله الذي لا يحصي مدحته القائلون، ولا يجزي بآلائه الشاكرون العابدون، وهو كما قال، وفوق ما يقول القائلون، والله كما أثنى على نفسه، ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء، وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يؤده حفظهما، وهو العلي العظيم ". 8 - " سبحان الله بارئ النسم، سبحان المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها، سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شئ، سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله رب العالمين، سبحان الله الذي يعلم ما يلج في الأرض، وما يخرج منها، وما ينزل من السماء، وما يعرج فيها [ لا يشغله ما يلج في الأرض، وما يخرج منها عما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، ] ولا يشغله ما ينزل من السماء، وما يعرج فيها عما يلج في الأرض، وما يخرج منها، ولا يشغله علم شئ عن علم شئ، ولا يشغله خلق شئ عن خلق شئ، ولا حفظ شئ عن حفظ شئ، ولا يساوى به شئ، ولا يعدله شئ، ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير ". 9 - " سبحان الله بارئ النسم، سبحان الله المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شئ، سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله رب العالمين، سبحان الله فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شئ قدير، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم ". 10 - " سبحان الله بارئ النسم، سبحان الله المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها، سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شئ، سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله رب العالمين، سبحان الله الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة، إن الله بكل شئ عليم ".

 

[ 16 ] باب شرح الصلاة على النبي والأئمة عليهم السلام في كل يوم منه إلى آخرها

وتتبع هذا التسبيح بالصلاة على محمد وآله على ما جاءت به الآثار، فتقول: " إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، لبيك يا رب وسعديك، اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم ارحم محمدا وآل محمد، كما رحمت إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم سلم على محمد وآل محمد، كما سلمت على نوح في العالمين [ اللهم امنن على محمد وآل محمد، كما مننت على موسى وهارون ]، اللهم صل على محمد وآل محمد، كما هديتنا به، [ اللهم صل على محمد وآل محمد، كما شرفتنا به ] اللهم ابعث محمدا مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وآل محمد كلما طلعت شمس أو غربت، على محمد وآله السلام كلما طرفت عين أو ذرفت، على محمد وآله السلام كلما ذكر السلام، على محمد وآله السلام كلما سبح الله ملك أو قدسه، السلام على محمد وآله في الأولين، السلام على محمد وآله في الآخرين، السلام على محمد وآله في الدنيا والآخرة، اللهم رب البلد الحرام ورب الركن والمقام ورب الحل والحرام أبلغ محمدا نبيك عنا السلام، اللهم أعط محمدا من البهاء، والنضرة، والسرور، والكرامة، والغبطة، والوسيلة، والمنزلة، والمقام، والشرف، والرفعة، والشفاعة عندك يوم القيامة أفضل ما تعطي أحدا من خلقك، وأعط محمدا وآله فوق ما تعطي الخلائق من الخير أضعافا كثيرة لا يحصيها غيرك اللهم صل على محمد وآله أطيب، وأطهر، وأزكى، وأنمى، وأفضل ما صليت على الأولين والآخرين وعلى أحد من خلقك يا أرحم الراحمين، اللهم صل على أمير المؤمنين، و وال من والاه، وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من شرك في دمه. اللهم صل على فاطمة بنت نبيك محمد عليه وآله السلام، والعن من آذى نبيك فيها. اللهم صل على الحسن والحسين إمامي المسلمين، ووال من والاهما، وعاد من عاداهما، وضاعف العذاب على من شرك في دمهما. اللهم صل على علي بن الحسين إمام المسلمين، ووال من والاه، وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من ظلمه. اللهم صل على محمد بن علي إمام المسلمين، ووال من والاه، وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من ظلمه. اللهم صل على جعفر بن محمد إمام المسلمين، ووال من والاه، وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من ظلمه. اللهم صل على موسى بن جعفر إمام المسلمين، ووال من والاه، وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من شرك في دمه. اللهم صل على علي بن موسى إمام المسلمين، ووال من والاه، وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من شرك في دمه. اللهم صل على محمد بن علي إمام المسلمين، ووال من والاه، وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من ظلمه. اللهم صل على علي بن محمد إمام المسلمين، ووال من والاه، وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من ظلمه. اللهم صل على الحسن بن علي إمام المسلمين، ووال من والاه، وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من ظلمه. اللهم صل على الخلف من بعده إمام المسلمين، ووال من والاه، وعاد من عاداه. اللهم صل على الطاهر والقاسم ابني نبيك صلى الله عليهما. اللهم صل على رقية بنت نبيك، والعن من آذى نبيك فيها. اللهم صل على الخيرة من ذرية نبيك. اللهم اخلف نبيك في أهله، اللهم مكن لهم في الأرض، اللهم اجعلنا من عددهم ومددهم وأنصارهم على الحق في السر والعلانية، اللهم أطلب بدحلهم ووترهم ودمائهم، وكف عنا وعنهم وعن كل مؤمن ومؤمنة بأس كل باغ وطاغ وكل دابة أنت آخذ بناصيتها، إنك أشد بأسا وأشد تنكيلا ".

 

[ 17 ] باب الدعاء في كل يوم منه وشرحه

وتدعو في كل يوم منه، فتقول: " اللهم هذا شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن، [ هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ] شهر الصيام [ وهذا شهر القيام ] وهذا شهر الإنابة، وهذا شهر التوبة، وهذا شهر المغفرة والرحمة، وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة، وهذا شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، اللهم فصل على محمد وآل محمد [ وأعني على صيامه وقيامه ] وسلمه لي، وسلمني منه، وأعني عليه بأفضل عونك، ووفقني فيه لطاعتك [ وطاعة رسولك وأوليائك صلى الله عليهم أجمعين ] وقوني فيه لعبادتك ودعائك وتلاوة كتابك، وأعظم لي فيه البركة، واحرز لي فيه التوبة، وأحسن لي فيه العافية، وأصح لي فيه بدني، وأوسع لي فيه رزقي، واكفني فيه ما أهمني، واستجب فيه دعائي، وبلغني فيه رجائي، اللهم صل على محمد وآل محمد، واذهب عني فيه النعاس، والكسل، والسامة، والفترة، والقسوة والغفلة، والغرة. وجنبني فيه العلل، والأسقام، والهموم، والأحزان، والأعراض، والأمراض، والخطايا، والذنوب. واصرف عني فيه السوء، والفحشاء، والجهد، والبلاء، والتعب، والعناء، إنك سميع الدعاء. اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعذني فيه من الشيطان الرجيم، وهمزه، ولمزه، ونفثه، ونفخه، ووسوسته، وتسليطه، وكيده، ومكره، وحبائله، وخدعه، وأمانيه، وغروره، وفتنته، وشركه، وأعوانه، وأحزابه، وأتباعه، وأشياعه، وأوليائه، وشركائه، وجميع مكائده. اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقنا صيامه، وقيامه، وبلوغ الأمل في قيامه واستكمال ما يرضيك عني صبرا واحتسابا وإيمانا ويقينا، ثم تقبل ذلك مني بالأضعاف الكثيرة والأجر العظيم يا رب العالمين. اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقنا الحج، والعمرة، والاجتهاد، والقوة، والنشاط، والإنابة، والتوبة والقربة، والخير المقبول، والرغبة والرهبة، والتضرع، والخشوع، والرقة، والنية الصادقة، وصدق اللسان، والوجل منك، والرجاء لك، والتوكل عليك، والثقة بك، والورع عن محارمك مع صالح القول، ومقبول السعي، ومرفوع العمل، ومستجاب الدعوة، ولا تحل بيني وبين شئ من ذلك بعرض، ولا مرض، ولا هم، ولا غم ولا سقم، ولا غفلة، ولا نسيا، بل بالتعهد والتحفظ لك وفيك، والرعاية لحقك والوفاء بعهدك ووعدك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صل على محمد وآل محمد، واقسم لي فيه أفضل ما تقسمه لعبادك الصالحين، وأعطني فيه أفضل ما تعطي أولياءك المقربين من الرحمة، والمغفرة، والتحنن، والإجابة، والعفو، والمغفرة الدائمة، والعافية، المعافاة، والعتق من النار، والفوز بالجنة، وخير الدنيا والآخرة. اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل دعائي فيه إليك واصلا، ورحمتك وخيرك إلي فيه نازلا، وعملي فيه مقبولا، وسعيي فيه مشكورا، وذنبي فيه مغفورا حتى يكون نصيبي فيه الأكثر، وحظي فيه الأوفر. اللهم صل على محمد وآل محمد، ووفقني فيه لليلة القدر على أفضل حال تحب أن يكون عليها أحد من أوليائك وأرضاها لك، واجعلها لي خيرا من ألف شهر، وارزقني فيها أفضل ما رزقت أحدا ممن بلغته إياها وأكرمته بها، واجعلني فيها من عتقائك من جهنم، وطلقائك من النار، وسعداء خلقك بمغفرتك ورضوانك يا أرحم الراحمين. اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقنا في شهرنا هذا الجد، والاجتهاد، والقوة، والنشاط، وما تحب وترضى. اللهم رب الفجر والليالي العشر والشفع والوتر، ورب شهر رمضان وما أنزلت فيه من القرآن، ورب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجميع الملائكة المقربين، ورب إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ورب موسى وعيسى، ورب جميع النبيين والمرسلين، ورب محمد خاتم النبيين [ صلواتك عليه وعليهم أجمعين، أسألك بحقهم عليك وبحقك العظيم لما صليت عليه وآله وعليهم أجمعين، ونظرت إلي نظرة رحيمة ترضى بها عني رضا لا سخط علي بعده أبدا، وأعطني جميع سؤلي ورغبتي وأمنيتي وإرادتي، وصرفت عني ما أكره وأحذر وأخاف على نفسي وما لا أخاف، وعن أهلي ومالي وإخواني وذريتي ]. اللهم إليك فررنا من ذنوبنا فآونا تائبين، وتب علينا مستغفرين، وأغفر لنا متعوذين، وأعذنا مستجيرين، وأجرنا مستسلمين، ولا تخذلنا راهبين، وآمنا راغبين، وشفعنا سائلين، وأعطنا، إنك سميع الدعاء، قريب مجيب. اللهم أنت ربي، وأنا عبدك، وأحق من سأل العبد ربه، ولم يسأل العباد مثلك كرما وجودا، يا موضع شكوى السائلين، ويا منتهى حاجة الراغبين، ويا غياث المستغيثين، ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا ملجأ الهاربين و يا صريخ المستصرخين، ويا رب المستضعفين، ويا كاشف كرب المكروبين، ويا فارج هم المهمومين، ويا كاشف الكرب العظيم، يا الله، يا رحمن يا رحيم، يا أرحم الراحمين، أسألك باسمك المكنون المخزون من كل عين، المرتدي بالكبرياء: أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تغفر لي ذنوبي، وعيوبي، وإسائتي، وظلمي، وجرمي، وإسرافي على نفسي، وارزقني من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها غيرك، واعف عني، واغفر لي كل ما سلف من ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، واستر علي وعلى والدي، وولدي، وقرابتي، وأهل حزانتي، ومن كان مني بسبيل من المؤمنين والمؤمنات في الدنيا والآخرة، فإن ذلك كله بيدك، وأنت واسع المغفرة، فلا تخيبني يا سيدي، ولا ترد يدي إلى نحري حتى تفعل بي ذلك، وتستجيب لي جميع ما سألتك، وتزيدني من فضلك، فإنك على كل شئ قدير، ونحن إليك راغبون. اللهم لك الأسماء الحسنى، والأمثال العليا، والكبرياء والآلاء، أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم - إن كنت قضيت في هذه الليلة تنزل الملائكة والروح فيها -: أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل اسمي في السعداء، وروحي مع الشهداء، وإحساني في عليين، وإسائتي مغفورة، وأن تهب لي يقينا تباشر به قلبي، وإيمانا [ لا يشوبه شك، ورضا ] [ يذهب الشك عني، وترضيني ]، بما قسمت لي , وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقني عذاب النار. وإن لم تكن قضيت في هذه الليلة تنزل الملائكة والروح فأخرني إلى ذلك وارزقني فيها ذكرك، وشكرك، وطاعتك، وحسن عبادتك، فصل على محمد وآل محمد بأفضل صلواتك، يا أرحم الراحمين، يا أحد، يا صمد، يا رب محمد اغضب اليوم لمحمد ولأبرار عترته، واقتل أعدائهم بددا، وأحصهم عددا، ولا تدع على ظهر أرضك منهم أحدا، ولا تغفر لهم أبدا، يا حسن الصحبة، يا خليفة النبيين، أنت أرحم الراحمين، البدئ، البديع، الذي ليس كمثلك شئ، والدائم غير الغافل، والحي الذي لا يموت، أنت كل يوم في شأن، أنت ناصر محمد، ومفضل محمد، أسألك أن تنصر وصي محمد، وخليفة محمد، والقائم بالقسط من أوصياء محمد صلواتك عليهم اعطف عليهم نصرك يا لا إله إلا أنت بحق لا إله إلا أنت صل على محمد وآل محمد، واجعلني معهم في الدنيا والآخرة، واجعل عاقبة أمري إلى غفرانك ورحمتك يا أرحم الراحمين، وكذلك نسبت نفسك يا سيدي باللطف، بلى أنك لطيف، فصل على محمد وآله، والطف لما تشاء، اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقني الحج والعمرة في عامي هذا، وتطول علي بجميع حوائجي للآخرة والدنيا، أستغفر الله ربي، وأتوب إليه، إن ربي قريب مجيب، [ أستغفر الله ربي وأتوب إليه، إن ربي رحيم ودود ]، أستغفر الله ربي، وأتوب إليه، إنه كان غفارا، اللهم اغفر لي فإنك أرحم الراحمين، رب إني عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، الحي، القيوم، الحكيم، العليم، الكريم، الغافر للذنب العظيم، وأتوب إليه - ثلاثا - أستغفر الله، إن الله كان غفورا رحيما، اللهم إني أسألك [ أن تصلي على محمد وآل محمد، و ] أن تجعل فيما تقدر وتقضي من الأمر العظيم المحتوم في ليلة القدر من القضاء الذي لا يرد ولا يغير ولا يبدل أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام، المبرور حجهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنبهم، المكفر عنهم سيئاتهم، وأن تجعل فيما تقضي وتقدر أن تطيل عمري، وأن توسع في رزقي، وتؤدي عني أمانتي وديني، آمين رب العالمين، اللهم اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب واحرسني من حيث أحترس ومن حيث لا أحترس وصل على محمد وآله كثيرا. وتدعو في كل يوم منه أيضا، فتقول: يا عدتي في كربتي ويا صاحبي في شدتي ويا وليي في نعمتي ويا غايتي في رغبتي أنت الساتر عورتي والمؤمن روعتي والمقيل عثرتي فاغفر لي خطيئتي يا أرحم الراحمين.

 

[ 18 ] باب فضل التطوع بالخيرات وتفطير أهل الإيمان في شهر رمضان

قد تقدمت الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال: من تطوع بخصلة من خصال الخير في شهر رمضان كان كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله عز وجل ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله تعالى فيما سواه من الشهور. وروي عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من فطر صائما كان له مثل أجره من غير أن ينتقص منه شئ وما عمل بقوة ذلك الطعام من بر. وقال عليه السلام: فطرك لأخيك وإدخالك السرور عليه أعظم من أجر صيامك. وقال الصادق عليه السلام: إفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا. وقال الباقر عليه السلام: أيما مؤمن فطر مؤمنا ليلة من شهر رمضان كتب الله له بذلك مثل أجر من أعتق نسمة مؤمنة. قال ومن فطره شهر رمضان كله كتب الله تعالى له بذلك أجر من أعتق ثلاثين نسمة مؤمنة، وكان له بذلك عند الله دعوة مستجابة. وقال أبو عبد الله عليه السلام، لسدير الصيرفي: يا سدير هل تدري أي ليال هذه؟ فقال: نعم - فداك أبي وأمي - هذه ليالي شهر رمضان، فما ذاك؟ فقال له: أتقدر أن تعتق في كل ليلة من هذه الليالي عشر رقاب من ولد إسماعيل فقال سدير: بأبي أنت وأمي إن مالي لا يبلغ ذلك. قال: فما زال ينقص حتى بلغ رقبة واحدة، في كل ذلك يقول: لا أقدر عليه. قال: أفما تقدر أن تفطر في كل ليلة رجلا مسلما؟ فقال بلى؟ وعشرة. قال: إني ذلك أردت بك يا سدير، إن إفطارك أخاك المسلم يعدل رقبة من ولد إسماعيل. قال: وقال أبي: إن فطرك لأخيك وإدخالك السرور عليه أعظم من أجر صيامك. وروي: أن زرارة دخل على أبي عبد الله عليه السلام، وهو بالحيرة، قال: فلما صليت العصر قلت: جعلت فداك، لي حاجة، فأذن لي أن أذهب. قال: وما عجلتك؟ قلت قوم من مواليك يفطرون عندي. فقال: يا زرارة بادر، بادر، بادر، - ثلاثا - ثم أقبل على عقبة، فقال: يا عقبة من فطر مؤمنا كان كفارة لذنبه إلى قابل. ومن فطر اثنين كان حقا على الله أن يدخله الجنة. وروي عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه قال: من فطر مؤمنا وكل الله به سبعين ملكا يقدسونه إلى مثل تلك الليلة من قابل.

 

[ 19 ] باب ما يفسد الصوم وما يخل بشرائط فرضه، وما ينقض الصيام

ويفسد الصيام الأكل متعمدا، وكذلك الشرب، والجماع والارتماس في الماء، والكذب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وآله، وكذلك الكذب على أئمة الهدى عليهم السلام. فهذه كبار ما يفسد الصيام. ويجب على فاعلها الكفارة والقضاء. ويفسده أيضا الحقنة والسعوط. ومن ازدرد شيئا مما لا يؤكل - كالقطعة، والحصاة، والخرزة، وما أشبه ذلك - متعمدا فقد أفسد صيامه، وعليه القضاء والكفارة لتعمده إفساد الصيام. ومن تمضمض، واستنشق، يتبرد وبذلك، ولم يفعله للطهارة، فدخل حلقه شئ من الماء، وجب عليه القضاء. ومن أجنب ليلا في شهر رمضان، فنام متعمدا حتى أصبح من غير أن يغتسل، فعليه الكفارة والقضاء ويجب عليه في يومه الإمساك. ومن كذب على غير الله عز وجل وغير رسوله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أخل ذلك بشرائط فرضه، ولم يجب عليه القضاء. وكذلك إذا تكلم بالفاحش من الكلام، أو قصد إلى استماع ما نهى عن استماعه من الكلام، أو نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه، أو سعى فيما خطر عليه، أو ارتكب منهيا عنه على وجه، فجميع ذلك ينقض صومه، ويخل بشرائط فرضه، ولا يجب عليه فيه كفارة ولا قضاء، ويجب عليه فيه الاستغفار.

 

[ 20 ] باب الكفارة في اعتماد إفطار يوم من شهر رمضان

والكفارة عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، أو صيام شهرين متتابعين. أي هذه الثلاثة فعل أجزأ عنه فيها، لأن الإنسان مخير بينها. فمن لم يجد العتق، ولا الإطعام، ولم يقدر على صيام الشهرين على التمام، صام ثمانية عشر يوما متتابعات، لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام. فإن لم يقدر على ذلك فليتصدق بما أطاق، أو فليصم ما استطاع، بذلك جاءت الآثار عن آل محمد صلوات الله عليهم. وعليه أيضا مع الكفارة القضاء على حسب ما قدمناه. وقد قال الصادق عليه السلام: يقضي، وأنى له بمثل ما ترك صيامه. يريد به في الفضل والكمال. وقال إنه لخليق، ولا أراه يدركه أبدا. والكفارة تلزم في تعمد كل ما يفطر الصائم من الطعام. والمأثم تتعاظم في تعمد ما قدمنا ذكره من الأكل، والشرب، والجماع، والارتماس في الماء. فأما ما سوى هذه مما يفسد الصيام ففيه القضاء والكفارة وإن لم يكن التعاظم فيه مثله فيما عددناه. وما يشعث الصائم، ويخل بكماله، فليس فيه قضاء ولا كفارة، إلا أن يتطوع فاعله بشئ من الخيرات، فيجوز بذلك ثواب التطوع، وليس بواجب عليه على ما شرحناه. وقد تقدم القول في حكم المصبح جنبا، لكنه تقدم على الإجمال، وتفصيله: أنه من أجنب في الليل من شهر رمضان فلا حرج عليه أن ينام متعمدا بعد أن ينوي الغسل قبل الفجر. فإن غلبه النوم إلى الصباح اغتسل عند انتباهه، ولم تكن عليه كفارة ولا قضاء. فإن استيقظ في بعض الليل، فلم يغتسل، ثم نام متعمدا، وفي نيته الغسل قبل الفجر، فنام حتى أصبح، وجب عليه القضاء، لأنه فرط في الاحتياط لفرض الصيام، فإن استيقظ ثانية، ونام متعمدا إلى الصباح، فعليه الكفارة والقضاء، لأنه تعمد الخلاف.

 

[ 21 ] باب حكم من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا وما تجب عليه من العقوبة للإفطار

روي عن الصادق عليه السلام: أنه قال: من أفطر يوما من شهر رمضان خرج الإيمان منه. [ وروى أيضا عنه عليه السلام: أنه قال: من أفطر يوما من شهر رمضان خرج الإيمان من قلبه ]. وروي عن الباقر عليه السلام: أنه سئل عن رجل شهد عليه الشهود: أنه أفطر ثلاثة أيام من شهر رمضان، فقال: يسئل: هل عليك في إفطارك في شهر رمضان إثم؟ فإن قال: لا، فعلى الإمام أن يقتله. وإن قال: نعم، فعلى الإمام أن ينهكه ضربا. وروي عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سئل عن رجل أخذ زانيا في شهر رمضان، فقال: قد أفطر، فقيل له: فإن رفع إلى الوالي ثلاث مرات؟ قال: يقتل في الثالثة. وروي: أن الرجل إذا أكره زوجته على الجماع في شهر رمضان نهارا وجب عليه كفارتان، وضرب خمسين سوطا. فإن أطاعته المرأة وجب على كل واحد منهما كفارة، وضرب خمسة وعشرين سوطا. وروي: أنه من احتلم في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل. ومن أجنب باعتماد، أو احتلم ليلا، فلا ينام حتى يتوضأ، وليتيمم من فراشه قبل أن يقوم إلى غسله أو وضوءه. وإذا نام على جنابته فلينو القيام للغسل قبل الفجر على ما ذكرناه.

 

[ 22 ] باب حكم المسافرين في الصيام

وكل مسافر في طاعة الله عز وجل ممن حضره أكثر من سفره يجب عليه التقصير في الصوم والصلاة، وكل مسافر في مباح فذلك حكمه، إلا المسافر في طلب الصيد للتجارة خاصة، فإنه يلزمه التقصير في الصيام، ويجب عليه إتمام الصلاة. ومن كان سفره أكثر من حضره فعليه الإتمام في الصوم والصلاة معا، لأنه ليس بحكم الحاضر الذي يرجع إلى وطنه، فيقضي الصيام. ومن كان سفره في معصية الله جل وعز أو صيد لهو وبطر، أو كان تابعا لسلطان الجور في المعونة له عليه، فهو داخل في حكم المسافر في العصيان، وعليه التمام لذلك. ومن أتم في سفر الطاعة أثم وأخطأ، وكان كمن قصر في حضره، ووجب عليه الإعادة للصيام، إلا أن يفعل ذلك بجهالة، ولا يكون ممن سمع آية التقصير، ولا عرف الحكم في ذلك من الفقهاء. وحد السفر الذي من أراده وجب عليه التقصير في قصده بريدان، في الذهاب والمجئ، والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فذلك الجميع أربعة وعشرون ميلا. فإذا كانت مسافة السفر طولها ذلك وما زاد عليه فالتقصير لمن عددناه واجب، وإن كان دون ذلك فالاتمام واجب. ومن كانت مسافة سفره أربعة فراسخ سواء، فأراد الرجوع من يومه فعليه التقصير واجب. وإن أراد الرجوع بعد مضي يومه فهو بالخيار: إن شاء أتم، وإن شاء قصر. وإذا وجب على المسافر التقصير، لقصده من الطاعة والمباح ما وصفناه، وكان قصده من السفر ما قدره من المسافة ما ذكرناه، فلا يجوز له فعل التقصير في الصلاة والإفطار حتى يغيب عنه أذان مصره، على ما جاءت به الآثار. ولا يجوز لأحد أن يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا، إلا صوم ثلاثة أيام - لدم المتعة - من جملة العشرة الأيام، ومن كانت عليه كفارة يخرج عنها بالصيام، وصوم النذر إذا نواه في الحضر والسفر معا، وعلقه بوقت من الأوقات، وصوم ثلاثة أيام للحاجة - أربعاء، وخميس، وجمعة متواليات - عند قبر النبي صلى الله عليه وآله، أو في مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام. وقد روي حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام، وجاءت أخبار بكراهية ذلك، وأنه ليس من البر الصوم في السفر، وهي أكثر، وعليها العمل عند فقهاء العصابة، فمن أخذ بالحديث لم يأثم إذا كان أخذه من جهة الاتباع، ومن عمل على أكثر الروايات، واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصيام في السفر على كل وجه سوى ما عددناه كان أولى بالحق والله الموفق للصواب. [ وأما المرض الذي يجب فيه الإفطار فهو كل مرض يزيد بالصيام، ويقوى بترك الإفطار. فإذا كان المرض كذلك وجب على صاحبه الإفطار، وكان ذلك فرضه، وحرم عليه الصيام، قال الله تعالى: " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ". فإن خالف الإنسان فصام في المرض الذي ذكرناه كان عاصيا، ووجب عليه إعادة الصيام إذا برأ من مرضه، إلا أن يكون جاهلا بالحكم في ذلك، ولم تقم الحجة غاية بالمنهي عنه، فيسقط عنه فرض القضاء. ومتى صلح المريض في بعض اليوم، وقد كان تناول في أوله ما ينقض الصيام من الطعام أو الشراب أو الدواء، أمسك بقية يومه، وعليه فيه القضاء. وكذلك المسافر إذا أعاد في بلده، أو بلد يريد المقام به، وقد تناول ما يفطر به الصيام في يومه، أمسك تأديبا، وعليه القضاء إن شاء الله تعالى ].

 

[ 23 ] باب حكم العاجز عن الصيام

قال الله عز وجل: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " فأخبر جل اسمه أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها. والشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا لم يطيقا الصيام، وعجزا عنه، فقد سقط عنهما فرضه، ووسعهما الإفطار، ولا كفارة عليهما. وإذا أطاقاه بمشقة عظيمة، وكان يمرضهما إذا فعلاه، أو يضرهما ضررا بينا، وسعهما الإفطار، وعليهما أن يكفرا عن كل يوم بمد من طعام. والشاب إذا كان به العطاش، وكان الصيام يمرضه، أفطر، وكفر عن كل يوم بمد من طعام. اللهم إلا أن يكون ذلك لعارض يتوقع زواله، فيفطر، ولا كفارة عليه، فإذا زال عنه العارض، وصح، وبرأ، وجب عليه القضاء، والمرأة الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما من الصيام أفطرتا، وتصدقتا في كل يوم بمد من طعام. فإذا ولدت الحامل، وخرجت من دم نفاسها، وأطاقت الصيام قضت الأيام التي أفطرتها. وإذا استغنى ولد المرضع عن الرضاع قضت أيضا. فإن لم يقدر أحد ممن أوجبنا عليه الكفارة على ذلك فقد سقطت عنه أيضا. وكل من وصفناه بالعجز عن الصيام، وبينا أنه يسوغ له الإفطار، فليس ينبغي له أن يمتلي من الطعام والشراب، وإنما يجوز له من ذلك ما يمسك رمقه، ويدفع الضرر عنه. وكذلك المسافر أيضا. ولا يجامع أحد ممن عددناه، إلا أن تدعوه إلى ذلك حاجة شديدة. فأما أن يستغني عنه فلا، وذلك أن لشهر رمضان حرمة تجب أن ترعى، وتعظم بما ذكرناه.

 

[ 24 ] باب حكم المغمى عليه وصاحب المرة والمجنون في الصيام

وإذا أغمي على المكلف للصيام قبل استهلال الشهر، ومضى عليه أيام، ثم أفاق، كان عليه قضاء ما فاته من الأيام، فإن استهل الشهر عليه، وهو يعقل، فنوى صيامه، وعزم عليه، ثم أغمي عليه، وقد صام شيئا منه، أو لم يصم، ثم أفاق بعد ذلك، فلا قضاء عليه، لأنه في حكم الصائم بالنية والعزيمة على أداء فرض الصيام. فإن هاجت به مرة، أو أصابته جنة، فأكل وشرب، وهو لا يعقل ما يصنع، فلا قضاء عليه ولا كفارة، لأنه لم يتعمد ذلك، وحكمه حكم من صنع ما ذكرناه على النسيان، بل هو أعذر من الناسي لما غمر عقله بما وصفناه.

 

[ 25 ] باب حكم من أسلم في شهر رمضان، وحكم من بلغ الحلم فيه، ومن مات وقد صام بعضه أو لم يصم منه شيئا وما في ذلك من الأحكام

ومن أسلم من الكفر قبل استهلال شهر رمضان فعليه صيامه من أوله إلى آخره على التمام. فإن أسلم، وقد مضت منه أيام، فعليه الاستقبال، ولا قضاء عليه لما فات. وكذلك حكم الغلام إذا احتلم، والجارية إذا بلغت المحيض، فإنهما يستقبلان، ولا يقضيان ما فات. وإذا مات إنسان، وقد صام من شهر رمضان بعضه، فإنه ينبغي للأكبر من ولده من الرجال أن يقضي عنه بقية الصيام، فإن لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله، وأولاهم به وإن لم يكن له إلا من النساء. فإن لم يكن صام من الشهر شيئا لعذر، ثم مات، لم يجب على أحد من أوليائه أن يتكلف عنه القضاء. ولو كان وجب عليه صيام ثلاثة أيام في كفارة وغيرها، أو صيام نذر، أو كفارة يمين، ففرط فيه حتى أدركه الموت، لوجب على وليه أن يقضي عنه ذلك فرضا واجبا كما ذكرناه. فإن لم يكن فرط فيه فلا يجب على وليه القضاء.

 

[ 26 ] باب حكم المريض يفطر ثم يصح في بعض النهار، والحائض تطهر، والمسافر يقدم

وإذا أفطر المريض أياما من شهر رمضان أو يوما، ثم صح في بقية يوم قد كان أكل فيه أو شرب، فإنه يجب عليه الإمساك، وعليه مع ذلك القضاء لليوم الذي أمسك فيه. وكذلك إذا طهرت الحائض في بقية يوم قد كانت أكلت فيه وشربت أمسكت تأديبا، وعليها القضاء. والمسافر إذا قدم إلى وطنه في بعض النهار، وقد كان أكل أو شرب، أمسك أيضا، وعليه القضاء. ولو ورد إلى بلد يعزم فيه على مقام عشرة أيام فصاعدا كان حكمه حكم من ورد إلى وطنه، لأنه يجب عليه فيه التمام. ومن خرج من منزله إلى سفر يجب فيه التقصير قبل زوال الشمس فإنه يجب عليه التقصير في الصلاة والإفطار. فإن خرج بعد الزوال فعليه التمام في صيام ذلك اليوم، وعليه التقصير في الصلاة على كل حال. وإذا علم المسافر أنه يدخل إلى وطنه، أو البلد الذي يعزم على المقام فيه عشرة أيام فصاعدا قبل الزوال، أو عزم على ذلك، أمسك عما ينقض الصيام. وإذا علم أنه يدخل بعد الزوال، أو عزم على ذلك، قصر في الصوم والصلاة.

 

[ 27 ] باب حد المرض الذي يجب فيه الإفطار

وإذا عرض للإنسان مرض، وكان الصوم يزيد فيه زيادة بينة، وجب عليه الإفطار. فإن كان يزيد فيه يسيرا، أو لا يزيد فيه، فعليه التمام. وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سئل عن حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار، فقال: بل الإنسان على نفسه بصيرة، ذلك إليه، هو أعلم بنفسه. فإذا علم أن المرض الذي به يزيد فيه الصوم، ويلحقه به الضرر، وتعظم مشقته عليه، أفطر. وسئل عن حد المرض الذي يجوز للإنسان أن يصلي فيه جالسا، فقال عليه السلام: إذا لم يستطع أن يمشي بمقدار زمان قيامه في الصلاة فليصل جالسا.

 

[ 28 ] باب حكم العلاج للصائم والكحل والحجامة والسواك ودخول الحمام وغير ذلك

ولا بأس أن يقطر الصائم الدهن في أذنه، ويعالجها إذا احتاج إلى ذلك، ويكتحل بسائر الأكحال، ويحتجم، ويفتصد إذا لم يخف على نفسه الضعف الذي يحتاج معه إلى الإفطار، فإن خاف ذلك فعله في آخر النهار أو في الليل، إلا أن يكون مضطرا إليه في أول النهار، وذلك لا يكون إلا وهو مريض قد عرض له ما يحل له معه الإفطار. ولا بأس أن يدخل الحمام في أول النهار ووسطه، إلا أن يتخوف الضعف، فإن خافه دخله بالليل أو آخر النهار. ولا بأس أن يستعمل السواك بالرطب واليابس في أي الأوقات شاء من ليل أو نهار. وليس للصائم أن يستعط. ولا يجوز له أن يحتقن. ولا تقعد المرأة إذا كانت صائمة في الماء، فإنها تحمله بقبلها. وتعمد القئ يفطر الصائم. وإن ذرعه لم يكن عليه شئ. وإذا تجشأ فخرج على لسانه طعام فليلفظه، ولا يبلعه. وإذا تمضمض لم يبلغ ريقه حتى يبصق ثلاث مرات. ويجتنب الصائم الرائحة الغليظة والغبرة التي تصل إلى الحلق، فإن ذلك نقص في الصيام. ولا بأس أن يدهن الصائم بسائر الأدهان، ويشم الطيب كله، إلا المسك والزعفران، فإنهما يصلان إلى الحلق، ويجد شامهما طعمهما، فينقص ذلك من حال الصيام. ولا بأس بشم الريحان كله. ويكره شم النرجس خاصة للصائم، وذلك أن ملوك الفرس كان لهم يوم في السنة يصومونه، وكانوا في ذلك اليوم يعدون النرجس، ويكثرون من شمه، ليذهب عنهم العطش، فصار كالسنة لهم، فنهى آل محمد صلوات الله عليهم من شمه، خلافا على القوم وإن كان شمه لا يفسد الصيام.

 

[ 29 ] باب حكم الساهي والغالط في الصيام

ومن أكل أو شرب أو جامع على السهو عن فرض الصيام لم يكن عليه حرج، وسقطت عنه الإعادة توسعة من الله تعالى على عبادة، ورحمة لهم، ويجب عليه التحفظ في المستقبل، واستحب له الاستغفار. وكذلك إن ارتمس في الماء ناسيا، أو كذب [ على الله، أو ] على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساهيا، فحكمه ما وصفناه. ومن أكل أو شرب أو جامع أو فعل شيئا مما ينقض الصيام على التعمد، وهو يظن أن الفجر لم يطلع، وكان طالعا، فلا حرج عليه إن كان قد رصد الفجر فلم يره، وعليه تمام يومه ذلك بالصيام. فإن بدأ بالأكل أو الشرب أو بشئ مما عددناه قبل أن ينظر الفجر، ثم تبين بعد ذلك أنه كان طالعا، وجب عليه تمام ذلك اليوم، ولزمه القضاء، وإن سأل غيره عن الفجر، فخبره أنه لم يطلع، فقلده، وأكل وشرب أو جامع، ثم بان له أنه كان طلع، فعليه القضاء، لأنه فرط واعتمد في الفرض على غيره مع قدرته على معرفة الوقت حين نظر، إلا أن يكون ممن لا يضبط معرفة الفجر، لسوء في بصره، أو يكون ممنوعا من طلبه بضرب من الموانع، فلا حرج عليه إذا كان الذي خبره مأمونا في ظاهره. ومن كان يأكل أو يشرب أو يجامع فقال له قائل: كف، فإن الفجر قد طلع، فلم يكف، وظن أنه قد كذبه، ثم بان له أن الفجر كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن ظن أن الشمس قد غابت لعارض من الغيم أو غير ذلك فأفطر، ثم تبين له أنها لم تكن غابت في تلك الحال، وجب عليه القضاء، لأنه انتقل عن يقين في النهار إلى ظن في الليل، فخرج عن الفرض بشك، وذلك تفريط منه في الفرض الذي هو لله تعالى. ومن تمضمض و استنشق يتبرد بذلك أو يتنظف فدخل حلقه شئ من الماء وإن لم يتعمد إدخاله وجب عليه القضاء. ولو كان تمضمضه واستنشاقه لطهارة يريد بها الصلاة لم يكن عليه إذا دخل حلقه شئ منه القضاء. ولو أحرز في فيه ذهبا أو فضة أو غيرهما من الأحجار، لضرورته إلى ذلك، فابتلعه على غير التعمد، لم يكن عليه قضاء. ولو أدخله فاه عابثا، أو مع استغنائه عن ذلك، فبلعه، لوجب عليه القضاء. ولو كان في مكان فيه غبرة كثيرة أو رائحة غليظة فدخل حلقه من ذلك شئ لم يكن عليه قضاء. وإن تعمد الكون في ذلك المكان، وله غناء عن الكون فيه، فدخل حلقه شئ من ذلك، وجب عليه القضاء. ومن قبل امرأته فأمذى لم يكن عليه حرج. وكذلك إن باشرها. فإن أمني وجب عليه الكفارة - كما تجب على المجامع - ووجب عليه القضاء. فإن نظر إلى ما يحل له النظر إليه من أزواجه، أو ما ملكت يمينه، و من يريد أن يملك نكاحه، وكانت نيته السلامة، فأمنى، لم يجب عليه القضاء. فإن نظر إلى غيرهن ممن يحرم عليه النظر إليهن فأمنى وجب عليه القضاء. وإن تشهى أو أصغى إلى حديث فأمنى وجب عليه القضاء أيضا.

 

[ 30 ] باب قضاء شهر رمضان، وحكم من أفطر فيه على التعمد والنسيان ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين فأفطر فيهما أو كان عليه نذر من صيام

ومن فاته شئ من شهر رمضان فإن شاء قضى متتابعا، وإن شاء قضى متفرقا. على أي الوجهين قضى فقد أجزأه. وقد روى عن الصادق عليه السلام: أنه قال: إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم، و كذلك إذا كان عليه خمسة أيام وما زاد. فإن كان عليه عشرة أيام أو أكثر من ذلك تابع بين الثمانية الأيام إن شاء، ثم فرق الباقي. والوجه في ذلك: أنه إن تابع بين الصيام في القضاء لم يكن فرق بين الشهر في وصفه وبين القضاء، فأوجبت السنة الفصل بين الأيام بالإفطار، ليقع الفرق بين الأمرين، كما وصفناه. والذي قدمناه - من التخيير بين المتابعة والتفصيل - على حسب ما يلائم ما ذكرناه في هذا الشرح الذي بيناه. ومن وجب عليه قضاء شهر رمضان، أو شئ من واجب الصيام، لم يجز له التطوع حتى يؤدي الواجب، وينهض بالفرض، ثم يتطوع حينئذ إذا شاء. ومن أصبح جنبا في يوم - قد كان بيت له الصيام لقضاء شهر رمضان أو التطوع - لم يجز له صيامه، وأخره إلى يوم غيره يكون فيه طاهرا قبل دخول اليوم عليه. وذلك مخالف لحكم شهر رمضان. ومن أصبح صائما لقضاء يوم من شهر رمضان فأفطر فيه ناسيا لم يكن عليه حرج، وتمم بقية يومه بالصيام. فإن تعمد فيه الإفطار قبل الزوال لم يكن عليه شئ، وصام يوما بدله إذا شاء، فإن أفطر بعد الزوال وجبت عليه الكفارة، وهي إطعام عشرة مساكين، وصيام يوم بدله. فإن لم يمكنه الإطعام صام ثلاثة أيام بدل الإطعام. ومن تطوع بالصيام فأفطر أي وقت كان من النهار لم يجب عليه القضاء، سواء كان ذلك قبل الزوال أو بعده إلى آخر النهار. وحكم الفرض مخالف لهذا بما قدمناه. ويؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ الحلم، أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل أن يبلغ الحلم، بذلك جاءت الآثار. والمستحاضة تفطر في شهر رمضان الأيام التي كانت عادتها وتصوم باقي الأيام. ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في إفطار يوم من شهر رمضان، أو قتل خطأ، أو كفارة ظهار، أو نذر أوجبه على نفسه، فأفطر قبل أن يأتي بالصيام على الكمال، فإن حكمه يختلف، وله أحكام: فإن تعمد الإفطار لغير عذر قبل أن يكمل صيام شهر من الشهرين، أو بعد أن أكمله من غير أن يصوم من الثاني شيئا، فعليه أن يستقبل الصيام. فإن تعمد الإفطار بعد أن صام من الشهر الثاني شيئا فقد أخطأ، وعليه البناء على ما مضى والتمام فإن مرض قبل أن يكمل الشهر الأول بالصيام، أو بعد أن أكمله قبل أن يكون صام من الثاني شيئا، فأفطر للمرض، فليس عليه في كلتا الحالتين الاستقبال، وإنما عليه البناء على ما مضى والتمام. وليس هذا كالأول، لأنه فرط في ذلك، وهذا شئ أتاه من قبل الله تعالى فعذره، ولم يلزمه ما لزم متعمد الإفطار لغير عذر أجاز له ترك الصيام. فإن سافر وقد صام بعض ما وجب عليه لزمه الصيام على كل حال، ولم يجز له الإفطار، لأن الصيام حق وجب عليه لسبب أوجبه على نفسه، ولم يكن فرضا مبتدئا - لشهر رمضان - فيسقط عنه مع السفر، كما ذكرناه. فإن نذر أن يصوم شهرا، فصام نصفه، ثم تعمد الإفطار لغير عذر أخطأ في ذلك، وكان عليه البناء على ما مضى، ولم يلزمه الاستقبال. فإن صام أقل من نصفه ثم أفطر لزمه الاستقبال. وبين هذا في الحكم وبين صيام شهرين متتابعين فرق، جاءت به الآثار عن آل محمد صلوات الله عليهم. فإن مرض أفطر أي وقت كان من الشهر، و وجب عليه البناء، ولم يلزمه الاستقبال على ما قدمناه. ومن نذر أن يصوم يوما بعينه، فأفطر لغير عذر، وجبت عليه الكفارة على ما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان، وعليه قضاؤه. فإن أفطر لضعف لحقه لا يمنعه من الصيام غير أن ذلك يشق عليه وجبت عليه الكفارة - إطعام عشرة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام متتابعات - وكان عليه القضاء. فإن مرض مرضا يمنع من الصيام فأفطر لم يكن عليه حرج، ووجب عليه القضاء. وإن سافر وجب عليه في السفر صيام ذلك اليوم بعينه، ولم يجز له لأجل السفر الإفطار. والفرق بينه وبين شهر رمضان ما سلف من الكلام. وهو أن شهر رمضان فرض بدأ الله تعالى به العباد، فرخص لهم في إفطاره في السفر، والنذر فرض أدخله الإنسان على نفسه، وعلقه بشرط لزمه القيام به، فلم يسغ له فيه الخلاف.

 

[ 31 ] باب الاعتكاف وما يجب فيه من الصيام

والاعتكاف هو أن يلزم الإنسان المسجد، فلا يخرج منه إلا لحدث يوجب الطهارة، أو عيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو أمر ضروري لا بد له منه. وإذا خرج من المسجد فلا يظله سقف يجلس تحته حتى يعود إلى المسجد. ويجب عليه كف الجوارح، وغض البصر، والتشاغل بالخيرات. ولا اعتكاف إلا بصيام، ولا اعتكاف أقل من ثلاثة أيام، ولا يكون الاعتكاف إلا في المسجد الأعظم، وقد روى: أنه لا يكون إلا في مسجد جمع فيه نبي أو وصي نبي. ومن أفطر وهو معتكف لغير عذر، أو جامع، وجب عليه ما يجب على فاعل ذلك في شهر رمضان متعمدا بغير علة. والمساجد التي جمع فيها نبي أو وصي نبي - فجاز لذلك الاعتكاف فيها - أربعة مساجد: - المسجد الحرام - جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وآله - ومسجد المدينة - جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا، وأمير المؤمنين عليه السلام - ومسجد الكوفة - جمع فيه أمير المؤمنين عليه السلام - ومسجد البصرة - جمع فيه أمير المؤمنين عليه السلام والمراد بالجمع فيما ذكرناه ها هنا صلاة الجمعة بالناس جماعة دون غيرها من الصلوات.

 

[ 32 ] باب وجوه الصيام وشرح جميعها على البيان

والصوم على أربعين وجها، كما جاء به الأثر عن زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام: عشرة أوجه منها واجبة على اختلاف وجوه لزومها في الصيام، وعشرة أوجه منها صيامها حرام، وأربعة عشر وجها صاحبها فيها بالخيار، وثلاث أوجه وهي صوم الإذن، وله أوصاف، وصوم التأديب، وصوم السفر، وصوم المرض، وله أحكام. فأما الواجب مما ذكرناه فصوم شهر رمضان، قال الله تعالى: " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " يعني بقوله تعالى: " كتب " فرض وأوجب. وصوم شهرين متتابعين يجب على من تعمد إفطار يوم من شهر رمضان، وفرض ذلك على لسان النبي صلى الله عليه وآله، قال الله عز وجل: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ". وقال تعالى: " من يطع الرسول فقد أطاع الله ". وصوم شهرين متتابعين في كفارة الظهار، قال الله عز وجل: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا - إلى قوله - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ". وصيام شهرين متتابعين، في كفارة قتل الخطأ، قال الله تعالى: " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله - إلى قوله - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما ". وصيام ثلاثة أيام متتابعة في كفارة اليمين، قال الله تعالى: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ". وصيام أذى حلق الرأس واجب، قال الله عز وجل: " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ". فهو بالخيار إن شاء صام ثلاثة أيام، وإن شاء تصدق على ستة مساكين لكل مسكين مد من طعام، وإن نسك كان بشاة. وصيام دم المتعة في الحج واجب، قال الله عز وجل: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ". فإذا لم يجد المتمتع بالعمرة إلى الحج ثمن الهدي لإعساره فعليه أن يصوم بدل ذلك ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله. وصوم جزاء الصيد واجب، قال الله عز وجل: " فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ". فإذا لم يجد الجزاء نظر قيمته، وفضها على البر، فصام لكل نصف صاع يوما. وصيام الاعتكاف واجب، وفرض ذلك على لسان الرسول صلى الله عليه وآله. قال الله تعالى: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " [ فالوجه في وجوب صيام الاعتكاف من جهة النبي صلى الله عليه وآله أنه لما اعتكف كان صائما، ولم ير عليه السلام معتكفا بغير صيام، وكان صيام الاعتكاف ما أتانا به ] وصيام النذر واجب، قال الله تعالى: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم "، وقال: " إن العهد كان مسؤولا ". وأما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر، ويوم الأضحى، وثلاثة أيام التشريق، وصوم يوم الشك على أنه من شهر رمضان - فإن صامه الإنسان على أنه من شعبان أحسن وأصاب. وقد تقدم القول فيه بما يغني عن إعادته ها هنا - وصوم الصمت حرام، وصوم الوصال حرام - وهو أن يجعل الإنسان عشاه سحوره - وصوم الدهر حرام، وصوم نذر المعصية حرام. وأما الذي صاحبه فيه بالخيار فصوم الاثنين والخميس والجمعة وصوم ثلاثة أيام البيض، وهي يوم ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر - وإنما سميت بالبيض باسم لياليها، واستحقت لياليها هذا الاسم لأن القمر يطلع فيها من غروب الشمس ولا يغرب حتى تطلع - وستة أيام من شوال بعد الفطر - تسمية العامة تشييع شهر رمضان - ويوم عرفة لمن. لا يضر به الصوم، ويوم عاشوراء، على وجه الإمساك فيه لمصيبة آل محمد عليهم السلام. فأما صوم الإذن فهو أنه لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها، ولا يصوم العبد تطوعا إلا بإذن سيده، ولا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن مضيفه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من نزل على قوم فلا يصم تطوعا إلا بإذنهم. وأما صوم التأديب فإن الصبي إذا راهق قبل أن يبلغ الحلم أخذ بالصيام تأديبا. فإذا ألح عليه الجوع والعطش أفطر. ومتى أطاق صيام ثلاثة أيام متتابعات أخذ بصيام الشهر كله. والعليل إذا أفطر في أول النهار، وصلح في بقية اليوم، وأطاق الصيام، ولم يضر به، وشق عليه، صام بقية اليوم تأديبا. والمسافر إذا قدم بلده أو البلد الذي ينوي فيه المقام الذي يجب عليه معه التمام، وقد كان أكل، وشرب، أمسك تأديبا إلى آخر النهار. والحائض إذا طهرت في بعض النهار، وقد كانت أكلت، أو شربت في صدر النهار، أمسكت تأديبا، وعليها القضاء. وأما صوم السفر فإنه لا يجوز إذا كان المسافر في طاعة الله عز وجل أو المباح على ما قدمناه. والمرض فلا يصم فيه أحد إذا كان الصوم يضر به ويزيد في المرض الذي هو به. فإن صام إنسان في سفر أو مرض مما وصفناه عصى ربه تعالى، ووجب عليه القضاء، إلا أن يكون جاهلا بذلك غير متعمد على النعت الذي شرحناه فيما سلف وبيناه.

 

[ 33 ] باب صيام ثلاثة أيام في كل شهر وما جاء في ذلك من الآثار

واعلم رحمك الله: أن الله تعالى أكمل صيام الفرض بالتطوع كما أكمل صلاة الفرض بالتطوع، وذلك: أنه روي عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال: " عرضت على أعمال أمتي، فوجدت في أكثرها خللا ونقصانا، فجعلت مع كل فريضة مثليها نافلة، ليكون من أتى بذلك قد حصلت له الفريضة، لأن الله تعالى يستحيي أن يعمل له العبد عملا فلا يقبل منه الثلث ففرض الله تعالى الصلاة في كل يوم وليلة سبع عشرة ركعة، وسن رسول الله صلى الله عليه وآله أربعا وثلاثين ركعة - وقد تقدم شرح ذلك - وفرض الله تعالى صيام شهر رمضان في كل سنة، وسن رسول الله صلى الله عليه وآله صيام ستين يوما في السنة، ليكمل فرض الصوم، فجعل في كل شهر ثلاثة أيام: خميسا في العشر الأول منه - وهو أول خميس في العشر - وأربعاء في العشر الأوسط منه - وهو أقرب إلى النصف من الشهر، وربما كان النصف بعينه - وآخر خميس في الشهر. وقال عليه السلام: صوم ثلاثة أيام في كل شهر يعدل صوم الدهر، ويذهب بوحر الصدر. وسئل الصادق عليه السلام عن تأويل هذا القول، وكيف صار صوم ثلاثة أيام في كل شهر يعدل صوم الدهر، فقال عليه وآله السلام: لأنه كلما صام يوما كتب الله له صوم عشرة أيام، فإذا صام في كل شهر ثلاثة أيام على ما رتبناه كتب الله له صيام الشهر كله، قال الله عز وجل: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ". وسن رسول الله صلى الله عليه وآله صوم شعبان وصلته بشهر رمضان. وقال الصادق عليه السلام: صوم شعبان وصلته بشهر رمضان والله توبة من الله تعالى. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري. وقال الصادق عليه السلام: من صام شعبان أدركته رحمة الله بدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله. فإذا صام العبد ثلاثة أيام في كل شهر، وصام شعبان كان قد أتى من صوم النافلة بمثلي صوم الفريضة على ما بيناه. وروي عن الصادق عليه السلام: أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم دائما حتى يقال إنه لا يفطر، ثم يفطر ويواصل الإفطار حتى يقال إنه لا يصوم إلا الفرض، ثم صام يوما، وأفطر يوما، وهو صوم داود عليه السلام ثم ترك ذلك كله، وصام ثلاثة أيام في كل شهر، ودام على ذلك إلى أن قبضه الله عز وجل، فصار صيام هذه الثلاثة الأيام سنة، من عمل بها أصاب خيرا كثيرا.

 

[ 34 ] باب صيام الأربعة الأيام في السنة

وقد ورد الخبر عن الصادقين عليهم السلام بفضل صيام أربعة أيام في السنة، وجاءت الآثار بعظيم الثواب في صيامها، فليس يكاد أحد من الشيعة يخل بصيامها إلا لعذر، لتأكيد أمرها عند الطائفة بأسرها. فأول يوم منها يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول، وهو اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وآله، فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة. ويوم السابع والعشرين من رجب، وهو اليوم الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن صامه كان صيامه كفارة ستين شهرا. ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وهو اليوم الذي دحا الله عز وجل فيه الأرض من تحت الكعبة، ومن صامه كفر الله عنه ذنوب ستين سنة. ويوم الغدير، وهو اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام إماما، و من صامه لم يستبدل به و، كتب الله له صيام الدهر. وقد سلف القول في هذا المعنى فيما مضى من هذا الكتاب على أتم شرح مما ذكرناه.

 

[ 35 ] باب صيام رجب والأيام منه

روي عن الصادق عليه السلام: أنه قال: إن نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب، وأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم. فمن صامه تباعدت النار عنه مسيرة سنة، ومن صام اليوم الأول والثاني تباعدت عنه النار مسيرة سنتين. ومن صام فيه سبعة أيام أغلقت عنه سبعة أبواب النيران. فإن صام منه ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنان. ومن صام خمسة عشر يوما منه أعطي مسألته. ومن زاد زاده الله عز وجل. وروي عن الصادق عليه السلام: أنه قال: في الجنة نهر - يقال له رجب - أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل، فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال من صام رجبا كله كتب الله له رضاه، ومن كتب له رضاه لم يعذبه.

 

[ 36 ] باب صيام شعبان

روي عن الصادق عليه السلام: أنه قال: من صام يوما من شعبان دخل الجنة. وقال عليه السلام: صوم شعبان وصوم شهر رمضان شهرين متتابعين و الله توبة من الله تعالى. وقال الباقر عليه السلام: من صام شعبان كان طهورا له من كل زلة ووصمة وفهة وبادرة. وقال عليه السلام: إن صوم شعبان صوم النبيين وصوم أتباع النبيين، فمن صام شعبان فقد أدركته دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله، لقوله عليه السلام: رحم الله من أعانني على شهري. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: شهر رمضان شهر الله، وشعبان شهر رسول الله صلى الله عليه وآله، ورجب شهري. وروى محمد بن سنان عن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل صام أحد من آبائك شعبان؟ فقال: نعم، كان آبائي يصومونه، وأنا أصومه، وآمر شيعتي بصومه. فمن صام منكم شعبان حتى يصله بشهر رمضان كان حقا على الله أن يعطيه جنتين، ويناديه ملك من بطنان العرش عند إفطاره كل ليلة: يا فلان طبت، وطابت لك الجنة، كفى بك إنك سررت رسول الله صلى عليه وآله بعد موته.

 

[ 37 ] باب الزيادات في ذلك

روى إسماعيل بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: طوبى لمن ظمأ أوجاع للبر، أولئك الذين يشبعون يوم القيامة، طوبى للمساكين بالصبر، هم الذين يرون ملكوت السماوات. و روى أبو حمزة الثمالي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الصائم منكم ليرتع في رياض الجنة، وتدعو له الملائكة حتى يفطر. وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن المؤمن إذا قام ليله، ثم أصبح صائما نهاره، لم يكتب عليه ذنب، ولم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة، ولم يتكلم بكلمة خير إلا كتب الله له بها حسنة، وإن مات في نهاره صعد بروحه إلى عليين، وإن عاش حتى يفطر كتبه الله من الأوابين. وروى راشد بن محمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمأة سنة. وروى النعمان بن سعد عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لرجل: إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم، فإنه شهر تاب الله فيه على قوم، ويتوب الله فيه على آخرين. وروى أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن زكريا دعا ربه لثلاث مضين من المحرم، فاستجاب الله له، فمن صام ذلك اليوم، ودعا ربه، استجيبت دعوته، كما استجيب لزكريا عليه السلام وقال النبي صلى الله عليه وآله: دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها الذين يصومون ثلاثة أيام في كل شهر. فقلت: كيف خص به الأربعاء والخميسان؟ فقال: إن من قبلنا من الأمم كان إذا نزل عليهم العذاب نزل في هذه الأيام. فصام رسول الله صلى الله عليه وآله الأيام المخوفة. وقد جاء في صوم يوم عرفة وعاشوراء ما قدمناه من التخيير، وجاء فيه تفضيل، وجاء فيه كراهية. وروي عن علي بن الحسين عليهما السلام: أنه سئل عن صيام يوم عرفة، فقال: إنه يوم عمل، واجتهاد، ودعاء، ومسألة، وأخاف إن أصومه فيضعفني عن ذلك. وقال عليه السلام أيضا: إني لا أصوم يوم عرفة، و أكره أن يكون يوم العيد. يعني أن يرد الخبر برؤية الهلال في بعض الأصقاع، فينكشف للناس أنه يوم النحر، والصوم فيه محرم بالإجماع. وسئل الصادق عليه السلام: عن صوم يوم عاشوراء، فقال: من صامه كان حظه حظ ابن مرجانة وآل زياد. قيل: ما حظهم؟ قال النار. والوجه فيما ذكرناه: أنه من كان الصوم لا يضر به، ولا يمنعه من الاجتهاد، فصام يوم عرفة، أصاب خيرا، وأتى فضلا. وإن كان ممن يضر به الصيام فإفطاره أفضل. ومن تيقن أول يوم من ذي الحجة، فصام على ذلك يوم عرفة، ولم يكن ممن يضر به الصيام، فقد أتى فضلا، ومن شك في أول يوم من ذي الحجة كان إفطاره للاحتياط أفضل. ومن صام يوم عاشوراء على ما يعتقد فيه الناصبة من الفضل في صيامه لبركته وسعادته فقد أثم، ومن صامه للحزن بمصاب رسول الله صلى الله عليه وآله، والجزع لما حل بعترته عليهم السلام، فقد أصاب وأجر. ومن أفطر فليمسك عن الأكل والشرب إلى بعد الزوال، ثم ليأكل دون شبعه، ويشرب دون ريه، ولا يلتذ بالطعام والشراب، وليصنع فيه كما يصنع في المصيبة بوالده، وحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام أفضل من حرمة الوالد، ومصيبتهم أجل وأعظم.

 

[ 38 ] باب آخر من الزيادات

وسئل الصادق عليه السلام عمن نذر أن يصوم زمانا، ولم يسم وقتا بعينه، فقال عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يوجب عليه أن يصوم خمسة أشهر. وسئل عليه السلام عمن نذر أن يصوم حينا، ولم يسم شيئا بعينه، فقال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يلزمه أن يصوم ستة أشهر، ويتلو قول الله عز وجل: " تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها "، وذلك في كل ستة أشهر. وسئل عن رجل أسرته الروم، فحبس، ولم ير أحدا يسأله، فاشتبهت عليه أمور الشهور: كيف يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال: يتحرى شهرا فيصومه - يعني يصوم ثلاثين يوما - ثم يحفظ ذلك، فمتى خرج، أو تمكن من السؤال لأحد، نظر: فإن كان الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجز عنه، وإن كان هو هو فقد وفق له وإن كان بعده أجزأه. وسئل عن المستحاضة: كيف تصوم؟ فقال: تفطر الأيام التي كانت تحيض فيها، وتصوم باقي الشهر. وسئل عن امرأة تبتدئ بالصوم من أول النهار، فترى الدم عند اصفرار الشمس، فقال: تفطر إذا رأته، وتقضي يوما مكانه. وقال عليه السلام: لا بأس أن يذوق الطباخ المرق، ليعرف حلو الشئ من حامضه، ويزق الفرخ، ويمضغ للصبي الخبز بعد أن لا يبلع من ذلك شيئا، ويبصق إذا فعل ذلك مرارا أدناها ثلاث مرات، ويجتهد. وسئل عمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على صيامهما، فقال: يصوم ثمانية عشر يوما إن قدر على ذلك. وفقه هذه الفتوى: أن من وجب عليه صيام شهرين متتابعين فالعوض عنه من الإطعام إطعام ستين مسكينا، فإذا صام ثمانية عشر يوما فقد صام لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام، لأن العوض عن صيام ثلاثة أيام من الإطعام إطعام عشرة مساكين، فإن لم يقدر على صيام ثمانية عشر يوما، ولا على الإطعام، فلا شئ عليه، قال الله عز وجل: " ما جعل عليكم في الدين من حرج ". وسئل عليه السلام عن رجل جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة وشهر بالمدينة، فقضى أنه صام بالكوفة شهرا، ودخل المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما، ولم يقم عليه الجمال، فقال يصوم ما بقي عليه إذا انتهى إلى بلده. وسئل عليه السلام عن رجل جعل على نفسه أن يصوم يوما ويفطر يوما فضعف عن ذلك: كيف يصنع؟ فقال: يتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين. وسئل عليه السلام عن رجل يشتد عليه أن يصوم في كل شهر ثلاثة أيام: كيف يصنع حتى لا يفوته ثواب ذلك؟ فقال: يتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين. وسئل عليه السلام عمن يضر به الصوم في الصيف يجوز له أن يؤخر صوم التطوع إلى الشتاء، فقال: لا بأس بذلك إذا حفظ ما ترك. وسئل عليه السلام عن رجل يشتد عليه الصوم أيما أفضل له: أن يصوم على المشقة أو يتصدق عن كل يوم بدرهم، فقال عليه السلام: صدقة درهم كل يوم أفضل من صيامه. وفقه هذا: أنه من صام على المشقة لم يؤمن عليه الضرر من المرض فصدقة درهم على مؤمن أفضل. ويحتمل أن يكون أفضل على كل حال، لأن ثواب سرور أهل الإيمان أفضل عند آل محمد عليهم السلام من التطوع بالصلاة والصيام. وسئل عليه السلام عن السحور للصائم وفضله، فقال: أما في الفرض ففيه الفضل الكبير ولو بشربة من ماء. وأما في التطوع فهو بالخيار. وفقه هذا: أن السحور يعين على الصيام، فإذا تركه في الفرض لم يؤمن عليه الضعف عن الصيام، وإذا تركه في النفل فأضعفه أفطر إذا أحب، ولم يكن عليه حرج في الإفطار. وفيه أيضا أنه خلاف على أهل الكتاب فيما يستعملونه من الصيام. وسئل عليه السلام عن قوم يحتاج إليهم في الحصاد وغيره يصلون ولا يصومون فإذا استعملهم إنسان طلبوا منه الطعام: هل يجوز له استعمالهم وإطعامهم في شهر رمضان؟ فقال عليه السلام: إذا كنت محتاجا إلى عملهم فلا حرج عليك في الإطعام. وسئل عن المتمتع بالعمرة لا يجد الهدي فيصوم ثلاثة أيام ثم يجاور كيف يصنع في صيامه باقي الأيام فقال: ينتظر بمقدار ما يصل إلى بلده من الزمان ثم يصوم باقي الأيام.

 

الفهرست