عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

 

كتاب الضمان والحوالة والكفالة والوكالة

 

باب الضمانات والكفالات والحوالات والوكالات

ومن كان عليه حق، فسأل إنسانا ضمانه عنه لصاحبه، فضمنه، وقبل المضمون له ضمانه، وكان الضامن مليا بما ضمن، فقد وجب عليه الخروج مما ضمن إلى صاحبه، وبرئ المضمون عنه من مطالبة من كان له عليه. وكذلك إن كان الضامن متبرعا بالضمان من غير سؤال المضمون عنه ذلك، وقبل المضمون له ضمانه، فقد برئ المضمون عنه، إلا أن ينكر ذلك، ويأباه، فيبطل ضمان المتبرع، ويكون الحق على أصله، لم ينتقل عنه بالضمان. وليس للضامن على المضمون عنه رجوع فيما ضمنه إذا تبرع بالضمان عنه. وإن سأله المضمون عنه ذلك وضمن له الخروج إليه كان عليه ذلك، وللضامن استيفاؤه منه. وإذا ضمن إنسان شيئا، وهو غير ملي به، لم يبرأ المضمون عنه ذلك، إلا أن يكون المضمون له قد قبل ضمانه مع العلم بأنه غير ملي بما ضمن، فلا يجب له مع هذه الحال الرجوع على المضمون عنه. وإذا كان لإنسان على غيره مال، فأحاله به على رجل ملي به، فقبل الحوالة، وأبرأه منه، لم يكن له رجوع عليه، ضمن ذلك المال المحال به عليه، أو لم يضمن. فإن لم يقبل الحوالة إلا بعد ضمان المحال عليه، ولم يضمن من أحيل عليه ذلك، كان له مطالبة المديون، ولم تبرأ ذمته بالحوالة. وإن انكشف لصاحب المال: أن الذي أحيل عليه به غير ملي بالمال بطلت الحوالة، وكان له الرجوع على المديون بحقه عليه. وإذا كان الضامن مليا بما ضمن في وقت ضمانه، وقبل المضمون له ضمانه، ثم عجز بعد ذلك عما ضمن، لم يكن للمضمون له الرجوع على المضمون عنه، وإنما يرجع عليه إذا لم يكن الضامن مليا في وقت الضمان، فظن أنه ملي به على ما قدمناه. ولا يصح ضمان مال ولا نفس أحد إلا بأجل معلوم. ومن ضمن لغيره نفس إنسان إلى أجل معلوم بشرط ضمان النفوس، ثم لم يأت به في الأجل، كان للمضمون له حبسه حتى يحضر المضمون، أو يخرج إليه مما عليه. ومن خلى غريما لرجل من يده قهرا وإكراها كان ضامنا لما عليه. فإن خلاه بمسألة أو شفاعة لم يكن عليه ضمان، إلا أن يضمن ما عليه، ويشترط القيام به عند تخليته. ومن خلى قاتلا من يد ولي المقتول بالجبر على تخليته كان ضامنا لدية المقتول، إلا أن يرد القاتل إلى الولي، ويمكنه منه. وضمان المجهول لازم كضمان المعلوم حتى يخرج منه بحسب ما تقوم به البينة للمضمون له، أو يحلف عليه. وتفسير هذا: أن يقول قائل لإنسان قد لازم غيره على حق له عنده: خل سبيله، وأنا ضامن لحقك عليه كائنا ما كان. فإن أقام المضمون له البينة على مقدار الحق خرج الضامن إليه منه، ولا تقبل دعواه بغير بينة إلا أن يحلف على ما يدعيه. ولا يجوز أن يضمن إنسان عن غيره ما يدعيه خصمه عليه كائنا ما كان، ولا ما يقترحه من الحقوق، ولا ما يخرج به حساب في كتاب لا حجة فيه، إلا أن يتعين المضمون أو تقوم به حجة على ما ذكرناه. فصل وإذا وكل الإنسان غيره في الخصومة عنه والمطالبة والمحاكمة، فقبل الموكل ذلك، وضمن القيام به، فقد صار وكيله، يجب له ما يجب لموكله، ويجب عليه ما يجب عليه، إلا ما يقتضيه الإقرار من الحدود، والآداب، والإيمان. والوكالة تعتبر بشرط الموكل، فإن كانت في خاص من الأشياء لم تجز فيما عداه. وإن كانت عامة قام الوكيل مقام الموكل على العموم حسب ما بيناه. والوكالة تصح للحاضر كما تصح للغائب. ولا يجب الحكم بها على طريق التبرع دون أن يلتزم ذلك بإيثار الموكل واختياره. ولحاكم المسلمين أن يوكل لسفهائهم وأيتامهم من يطالب بحقوقهم، ويحتج عنهم ولهم. وينبغي لذوي المروات من الناس أن يوكلوا لأنفسهم في الحقوق، ولا ينازعوا فيها بأنفسهم. وللمسلم أن يتوكل للمسلمين على أهل الإسلام وأهل الذمة. ولأهل الذمة على أهل الذمة خاصة. ويتوكل الذمي للمسلم على الذمي ولأهل الذمة على أمثالهم من الكفار، ولا يجوز للذمي أن يتوكل على أحد من أهل الإسلام. وينبغي أن يكون الوكيل عاقلا، بصيرا بالحكم فيما له وعليه، مأمونا، عارفا باللغة التي يحتاج إلى المحاورة بها في وكالته، لئلا يأتي بلفظ يقتضي إقرارا بشئ أراد به غيره. ولا يحل لحاكم من حكام المسلمين أن يسمع من متوكل لغيره إلا أن تقوم البينة عنده بأنه وكيل له. والكفيل والزعيم والضمين في المعنى واحد، والحكم في بابهم على ما قدمناه، وفصلنا القول به، وشرحناه، قال الله عز وجل: " قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " يريد ضامنا وكفيلا ".