عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

 

كتاب التجارة

[ 1 ] باب المكاسب

قال الله عز وجل: " والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين ". فجعل الله تعالى لخلقه من المعيشة ما يتمكنون به من العبادة، وأمرهم بالتصرف في ذلك من وجوه الحلال دون الحرام. فليس لأحد أن يتكسب بما خطره الله تعالى، ولا يطلب رزقه من حيث حرمه. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال لأصحابه: إن الأمين نفث في روعي: " أنه لن تموت نفس حتى يستكمل رزقها ". فاتقوا الله، وأجملوا في المطلب. وقال الصادق عليه السلام: الرزق مقسوم على ضربين: أحدهما واصل إلى صاحبه وإن لم يطلبه. والآخر معلق بطلبه. فالذي قسم للعبد على كل حال آتيه وإن لم يسع له، والذي قسم له بالسعي فينبغي أن يلتمسه من وجوهه. وهو ما أحله الله تعالى له دون غيره. فإن طلبه من جهة الحرام، فوجده، حسب عليه برزقه، وحوسب به. وكل ما أباحه الله تعالى، خلقه من تجارة وصناعة ومكسب فهو وجه مطلبهم وطريق رزقهم. وكل ما حرمه الله تعالى، وخطره على خلقه، فلا يجوز الاكتساب به، ولا التصرف فيه. فمن ذلك عمل الخمر في الصناعة، وبيعها في التجارة. وعمل العيدان والطنابير، وسائر الملاهي محرم، والتجارة فيه محظورة. وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسمة والشطرنج والنرد وما أشبه ذلك حرام، وبيعه وابتياعه حرام. وعمل كل شراب مسكر، وبيعه وابتياعه حرام. وعمل الفقاع والتجارة فيه حرام. وعمل الأطعمة والأدوية الممزوجة بالخمر والميتة ولحم الخنزير وشحمه حرام. وبيع العذرة والأبوال كلها حرام، إلا أبوال الإبل خاصة، فإنه لا بأس ببيعها، والانتفاع بها، واستعمالها لضرب من الأمراض. وبيع السلاح لأعداء الدين حرام، وعمله لمعونتهم على قتال المسلمين وكسب المغنيات حرام وتعلم ذلك وتعليمه مخطور في شرع الإسلام. وكسب النوائح بالباطل حرام. ولا بأس بالنوح على أهل الدين بالحق من الكلام. ولا بأس بالأجر على ذلك. والتنزه عن التكسب به أولى في الدين. وكسب المواشط حلال إذا لم يغششن ويدلسن في عملهن، فيصلن شعر النساء بشعور غيرهن من الناس، ويوشمن الخدود، ويستعملن في ذلك ما حرمه الله. فإن فعلن شيئا من ذلك كان كسبهن حراما. وكسب القابلة حلال. وكسب الحجام حلال. ولا بأس بكسب صاحب الفحل من الإبل والبقر والغنم إذا أقامه للنتاج. والتكسب بتغسيل الأموات وحملهم ودفنهم حرام، لأن ذلك فرض على الكفاية أوجبه الله تعالى على أهل الإسلام. ولا بأس بالأجر على تعليم القرآن والحكم كلها. والتنزه عن التكسب بذلك أفضل. والأجر على الأذان والصلاة بالناس حرام. ولا بأس بالأجر على الحكم والقضاء بين الناس. والتبرع بذلك أفضل، وأقرب إلى الله تعالى. والأجر على كتب المصاحف وجميع علوم الدين والدنيا جائز. ولا يحل كتب الكفر وتجليده الصحف، إلا لإثبات الحجج في فساده. والتكسب بحفظ كتب الضلال وكتبه على غير ما ذكرناه حرام. والأجر على مدائح أهل الإيمان بمنظوم الكلام جائز. ولا يجوز هجاؤهم، ولا التكسب به على حال. ولا بأس بهجاء أهل الضلال وذكر معائبهم. والأجر عليه جائز في الإسلام. وبيع الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، وكل محرم من الأشياء، و نجس من الأعيان حرام. وأكل ثمنه حرام. والتجارة في القردة، والسباع، والفيلة، والذئبة، وسائر المسوخ، حرام. وأكل أثمانها حرام. وثمن الكلب حرام، إلا ما كان سلوقيا للصيد، فإنه لا بأس ببيعه، وأكل ثمنه. والتجارة في الفهودة، والبزاة. وسباع الطير التي يصاد بها، حلال. وبيع الجري، والمارماهي، والزمار والطافي، وكل سمك لا فلس له، حرام. وكذلك بيع الضفادع، والسلاحف، والرقاق، وكل محرم من البحار حرام. ومعونة الظالمين على ما نهى الله عنه حرام. وأخذ الأجر على ذلك سحت حرام. وتزويق المساجد وزخرفة المصاحف حرام. والأجر عليه حرام. والغش في كل متجر وصناعة حرام. ولا بأس بالأجر على الخطب في الأملاكات، والعقود للنكاح. ومعالجة الزينة للرجال بما حرمه الله تعالى حرام. وتعليم ما حظر الله عمله وتعلمه حرام. والأجر عليه حرام.

 

[ 2 ] باب المتاجر

 قال الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ". فنهى عن أكل الأموال بالباطل، واستثنى المتاجر من ذلك، وجعلها حقا يخرج به مستعملها من الباطل. وقال سبحانه: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ". فندب تعالى إلى الإنفاق من طيب الاكتساب، ونهى عن طلب الخبيث للمعيشة به والإنفاق. فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من الكسب والحرام لم يكن مجتنبا للخبيث من الأعمال، ولا كان على ثقة في نفقته من طيب الاكتساب. وقال تعالى: " ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا وأحل الله البيع وحرم الربوا ". فينبغي للعبد أن يعرف البيع المخالف للربوا، ليعلم بذلك ما أحل الله تعالى، وحرم من الأعمال في المتاجر والاكتساب. وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه كان يقول من اتجر بغير علم ارتطم في الربوا، ثم ارتطم. وكان يقول: يا معاشر التجار اجتنبوا خمسة أشياء حمد البايع، وذم المشتري، واليمين على البيع، وكتمان العيوب، والربوا - يصح لكم الحلال، وتتخلصوا بذلك من الحرام. وقال الصادق عليه السلام: من أراد التجارة فليتفقه في دينه، ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه. ومن لم يتفقه في دينه، ثم اتجر، تورط في الشبهات.

 

[ 3 ] باب عقود البيوع

والبيع ينعقد على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا، وتراضيا بالبيع، وتقابضا، وافترقا بالأبدان. ومن ابتاع شيئا معروفا بثمن مسمى، ولم يقبضه، ولا قبض ثمنه، وفارق البايع بعد العقد لينقده الثمن، فهو أحق به ما بينه وبين ثلاثة أيام. فإن مضت ثلاثة أيام ولم يحضر الثمن كان البايع بالخيار: إن شاء فسخ البيع وباع من سواه، وإن شاء طالبه بالثمن على التعجيل له والوفاء. وليس للمبتاع على البايع في ذلك خيار، ولو هلك المبيع في مدة هذه الثلاثة الأيام كان من مال المبتاع دون البايع لثبوت العقد بينهما عن تراض. وإن هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال البايع، لأنه أحق به، وأملك على ما قدمناه. وإذا تقاول اثنان في ابتياع شئ، وتراضيا بالبيع، وتقابضا، ولم يفترقا في المكان، لم يتم البيع بينهما بذلك. وإن افترقا من غير تقابض، وكان العقد بينهما على ما وصفناه. فالبيع ماض، إلا أن يعترض فيه شئ يبيح فسخه نحو ما ذكرناه. ومن ابتاع شيئا بشرط الخيار ولم يسم وقتا كان له الخيار ما بينه وبين ثلاثة أيام ثم لا خيار له بعد ذلك. فإن شرط يوما أو شهرا أو أكثر كان له شرطه بحسب ما سمى من الزمان. فإن هلك الشئ في مدة الخيار كان من مال البايع إلا أن يحدث المبتاع فيه حدثا يدل على الرضا بالابتياع، فيكون حينئذ من ماله دون مال البايع بما وصفناه. وإذا مات المشترط للخيار في مدته قام ورثته مقامه في الخيار. ومن ابتاع حيوانا فله فيه شرط ثلاثة أيام، اشترط ذلك، أو لم يشترط. فإن هلك الحيوان في مدة هذه الثلاثة الأيام كان من مال البايع، إلا أن يحدث فيه المبتاع حدثا، كما قدمناه. ولو ابتاع إنسان جارية وعدلها عند ثقة على استبرائها كانت النفقة عليها من مال البايع في مدة الاستبراء. فإن هلكت فيها كانت من ماله دون مال المبتاع. وإذا ابتاع جارية، فقبلها في مدة الخيار، أو نظر منها إلى ما لا يحل نظره إلا لمالكها، وجب عليه بذلك البيع، وبطل فيه الخيار. وكذلك إن أعتقها، أو دبرها، أو كاتبها، أو وهبها، أو زوجها، فقد ثبت البيع، وبطل فيه الخيار. ومن ابتاع متاعا أو غيره من المبتاعات بحكمه في الثمن، ولم يسم شيئا، كان البيع مفسوخا وإن قبض المبيع. فإن هلك الشئ في يد المبتاع كان عليه قيمته يوم ابتاعه إلا أن يحكم على نفسه بأكثر منها، فيلزمه ما حكم به دون القيمة. وإن كانت عين الشئ قائمة لم تهلك كان لصاحبه انتزاعه من يد المبتاع. فإن أحدث المبتاع فيه حدثا نقص به من قيمته كان له انتزاعه منه، وأرش ما كان أحدثه فيه. فإن كان الحدث يزيد في قيمته، وأراد انتزاعه منه، كان عليه أن يرد على المبتاع قيمة الزيادة بحدثه فيه. فإن ابتاعه بحكم البايع في ثمنه فحكم بأقل من قيمته كان له ذلك دون ما سواه. وإن حكم بأكثر من قيمته لم يكن له ذلك إلا أن يتبرع عليه بذلك المبتاع.

 

[ 4 ] باب البيع المضمون

ومن ابتاع شيئا معروفا بالصفات كان ذلك ماضيا وإن لم يكن الشئ حاضرا وقت الابتياع. فإذ ابتاعه على ما ذكرناه كان في ضمان البايع حتى يسلمه إلى المبتاع. ولا بأس ببيع الموجود في الوقت بالصفة وإن لم يشاهده المبتاع في الحال. فإن قبضه ووجده على الصفة التي ابتاعه عليها كان البيع ماضيا. وإن كان بخلاف الصفة كان مردودا. ولا يصح بيع الموصوف مشترطا من أصله - ولا بأس ببيعه مطلقا بغير اشتراط. والمشترط من أصله كبيع الحنطة من أرض مخصوصة، والثمرة من شجرة بعينها، والسخولة من غنم على حبالها، والزيت من الزيتون الفلاني، والدهن من سمسم بعينه، والثوب عن غزل امرأة مسماة - لأن ذلك ربما خالف الصفة، بل هو غير مضمون لجواز فوته. ولا بأس ببيع ذلك مطلقا من غير إضافة إلى أصل مخصوص من بين الأصول بعد أن تميز بالصفات مما عداه، كبيع كر من الحنطة الضربية النقية، وكر من الشعير النقي الصحيح، وقفيز من السمسم، ومأة رطل من التمر، ومأة من الزبيب، وسخل حولي، وعشرة أمنان من الدهن، ومأة رطل من اللبن، وعشرة أثواب من المنير، أو الكتان، أو الحرير، طول كل واحد منها كذا، وعرضه كذا، وسلكه كذا، ولونه كذا، وما أشبه ذلك مما يتحدد بالوصف، ويتميز بالنعت. فإن لم يوصف شئ مما ذكرناه بما يتبين به مما سواه كان البيع باطلا. فإن نسب إلى أصله مع الصفة كان أيضا باطلا على ما قدمناه.

 

[ 5 ] باب البيع بالنقد والنسية

والبيع إذا انعقد بأجل معلوم كان على شرطه في أجله، فإن ذكر في ثمنه النقد، أو في قبض المبيع التعجيل، وجب فيه ما اشترط من ذلك، ولم يجز خلافه. فإن لم يذكر فيه نقد ولا نسية فهو نقد عاجل بغير تأخير. وإن باع إنسان شيئا نسية بغير أجل محدود كان البيع باطلا. ولا يجوز التأجيل بما لا يتحدد بوقت معين معلوم، كقدوم الحجيج، ورجوع الغزاة، ودخول القوافل، وخروج الثمار، ودخول الغلات، وما أشبه ذلك، لأن هذا كله غير معروف بأجل محروس من الزيادة والنقصان. ولا يجوز البيع بأجلين على التخيير، كقولهم هذا المتاع بدرهم نقدا وبدرهمين إلى شهر أو إلى سنة، أو بدرهم إلى شهر واثنين إلى شهرين. فإن ابتاع إنسان شيئا على هذا الشرط كان عليه أقل الثمنين في آخر الأجلين. وإذا باع الإنسان شيئا بنسية إلى أجل معلوم، فأحضر المبتاع المال قبل الأجل، كان البايع بالخيار: إن شاء قبضه، وإن شاء لم يقبضه حتى يحل الأجل. وكان المال في ذمة المبتاع وضمانه إلى حلول الأجل. وكذلك إن ابتاع شيئا إلى أجل، وأحضره البايع قبل الأجل، كان المبتاع بالخيار في قبضه والامتناع من ذلك إلى الأجل. وكان في ذمة البايع وضمانه حتى يحل الأجل، فيقبضه المبتاع. فإن امتنع المبتاع من قبوله في الأجل وقد، مكنه البايع من قبضه، فهلك، كان من ماله دون البايع. وكذلك إن امتنع البايع من قبض ثمن ما باع. وقد مكن منه في الأجل، فهلك، كان من ماله دون مال المبتاع. ولا بأس ببيع ما استوجبه المبتاع قبل قبضه إياه. ويكون قبض المبتاع الثاني نائبا عن قبض الأول. ويكره ذلك فيما يكال ويوزن، وليس بمفسد للبيع، ولا مانع من مضيه. وكل ما صح بيعه قبل قبضه صحت الشركة فيه. ومن ابتاع من إنسان متاعا غير حاضر إلى أجل، ثم باعه منه قبل حلول الأجل بزيادة أو نقصان، كان بيعه باطلا. فإن حل الأجل لم يكن بأس ببيعه إياه بأقل مما ابتاعه منه و أكثر، سواء حضر المتاع أو لم يحضر. ولا يجوز تأخير الأموال عن آجالها بزيادة فيها. ولا بأس بتعجيلها قبل الآجال بشرط النقصان منها. ولا بأس أن يبيع الإنسان متاعا حاضرا إلى أجل، ثم يبتاعه بعينه من المبتاع له نقدا و نسية بنقصان مما باعه وزيادة فيه. وإذا أسلف الإنسان غيره مالا في متاع، فجاء الأجل ولم يجد إلا بعض ما أسلف فيه، كان له أخذه بحساب السلف، وأخذ الباقي من رأس ماله بغير زيادة فيه، وليس للبايع الاختيار عليه في رد ما استسلف منه.

 

[ 6 ] باب العيوب الموجبة للرد وأحكام ذلك

ومن ابتاع شيئا على السلامة والصحة، وظهر له فيه عيب سبق وجوده عقد البيع، كان بالخيار بين رده على البايع وارتجاع الثمن منه، وبين أرش العيب: يقوم الشئ صحيحا، ويقوم معيبا، ويرجع على البايع بقدر ما بين القيمتين. وليس للبايع على المبتاع في ذلك خيار. فإن اختلف أهل الخبرة بالشئ في قيمته عمل على أوسط القيم فيما ذكروه. فإن كان المبيع جمله، وظهر العيب في بعضه، كان للمبتاع أرش العيب في البعض الذي وجد فيه. وإن شاء رد جميع المتاع، واسترجع الثمن. وليس له رد المعيب دون ما سواه. فإن لم يعلم المبتاع بالعيب حتى أحدث في المبيع حدثا، لم يكن له الرد، وكان له أرش العيب خاصة. وكذلك حكمه إذا أحدث فيه حدثا بعد العلم بالعيب، ولا يكون إحداثه فيه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضا منه به. فإن لم يعلم بالعيب حتى حدث فيه عيب آخر كان له أرش العيب المتقدم دون الحادث إن اختار ذلك. وإن اختار الرد كان له ذلك ما لم يحدث فيه هو حدثا على ما ذكرناه. ومن ابتاع أمة، ثم وجد بها عيبا لم يكن عرفه قبل ابتياعها، فله ردها، واسترجاع ما نقده من ثمنها، وأرش العيب دون ردها. لا يجبر على واحد من الأمرين. فإن وجد بها عيبا بعد أن وطأها لم يكن له ردها، وكان له أرش العيب خاصة، إلا أن يكون عيبها من حبل أو مع ظهور حبل فله ردها، وطأها أو لم يطأها. ويرد معها إذا وطأها نصف عشر قيمتها. وإذا وجد المبتاع بالعبد أو الأمة عيبا بعد عتقهما لم يكن له الرد، وكان له أرش العيب. فإن وجد ذلك بعد تدبيرهما. أو هبتهما، كان مخيرا بين الرد وأرش العيب، أيهما اختار كان له ذلك. وليس العتق كالتدبير والهبة، لأن للمدبر أن يرجع في تدبيره، وللواهب الرجوع فيما وهب ما لم يتعوض عنه، ولا يجوز رد الحر إلى العبودية على حال. وترد الشاة المصراة - وهي التي قد جمع بايعها في ضرعها اللبن يومين أو أكثر من ذلك، ولم يحلبها، ليدلسها به على المشتري، فيظن إذا رأى ضرعها، وحلب لبنها، أنه لبن يومها لعادة لها - وإذا ردها رد معها قيمة ما احتلبه من لبنها بعد إسقاط قدر ما أنفق عليها إلى أن عرف حالها.

 

[ 7 ] باب بيع البراء من العيوب، والحكم في اختلاف المتبايعين في ذلك

وإذا باع الإنسان شيئا بالبراء من العيوب فليس عليه درك ما يوجد من عيب فيه وإن لم يسمه ويذكره على التفصيل. والأفضل في بيع البراء أن يذكر البايع كل عيب يعرفه ويعينه للمبتاع على التفصيل. وإذا اختلف البايع والمبتاع في العيب، فقال البايع: حدث هذا العيب عند المبتاع، ولم أبعه إلا سليما، وقال المبتاع: بل باعني معيبا، ولم يحدث به عندي عيب، ولم يكن لأحدهما دليل على دعواه، كان على البايع اليمين أنه باعه صحيحا لا عيب فيه. فإن حلف برئ من عهدته. وإن لم يحلف كان عليه الدرك فيه. وإذا قال البايع: بعت على البراء من العيوب، وأنكر المبتاع ذلك. فعلى البايع البينة فيما ادعاه. فإن لم تكن له بينة حلف المبتاع أنه لم يبرأ إليه من العيب، وباعه على الصحة، وكان له الرد إن شاء، أو أرش العيب حسب ما بيناه.

 

[ 8 ] باب ابتياع الحيوان وأحكامه

قد بينا فيما سلف: أن الشرط في الحيوان ثلاثة أيام، اشترط ذلك المبتاع، أو لم يشترط. فإن هلك في مدة الثلاثة الأيام كان من مال البايع، إلا أن يكون المبتاع قد أحدث فيه حدثا يدل على الرضاء، فيكون هلاكه حينئذ من مال المبتاع دون البايع على ما قدمناه فيما مضى، وشرحناه. ولا يصح استرقاق الرجل أبويه، ولا ولده، وأخته، وعمته، وخالته من جهة النسب. وإذا ملكهم عتقوا في الحال، وخرجوا بذلك عن تملكه، سواء أعتقهم، أو لم يعتقهم. ويملك من سميناه من جهة الرضاع، ومن سواهم من أقاربه من النسب والرضاع. ولا يصح استرقاق المرأة أبويها، ولا أولادها، ولا أخاها، ولا عمها، ولا خالها من جهة النسب. وتملكهم من جهة الرضاع، وسائر من عداهم من أقاربها نسبا ورضاعا. وإذا ملك الرجل أو المرأة أحد من ذكرنا أنه لا يصح استرقاقهم كان حرا في الحال وإن لم يحدث له عتقا، كما وصفناه. ولا يجوز ابتياع العبد الآبق إلا أن يبتاع معه شئ آخر. فإن وجد العبد، وإلا كان ما نقد من الثمن في الشئ الموجود. ومن ابتاع أمة حاملا فولدها للبايع، إلا أن يشترطه المبتاع. وكذلك القول في الحيوان من غير الناس. ومن ابتاع عبدا أو أمة لهما مال فهو للبايع، إلا أن يشترطه المبتاع. ولا بأس بابتياع عبد أو أمة لهما مال بأقل من مالهما وأكثر. ولا بأس بابتياع أبعاض الحيوان، كما يبتاع ذلك من غيره، كالمتاع والعقار. وإذا ابتاع اثنان عبدا، ووجدا به عيبا، فأراد أحدهما الرد والآخر الأرش، لم يكن لهما إلا واحد من الأمرين. وكذلك كل اثنين اشتركا في مبتاع من حيوان وغيره. وليس في الإباق عهدة على البايع، إلا أن يكون قد أبق عنده. ويرد العبد والأمة من الجنون والجذام والبرص ما بين ابتياعهما وبين سنة واحدة، ولا يردان بعد سنة، وذلك أن أصل هذه السنة لم يجز له ردها، وكان له ما بين قيمتها صحيحة وسقيمة. ولا يجوز وطء الإماء بملك اليمين حتى يستبرئن بحيضة إن كن ممن يحضن على الاستقامة. وإن كن ممن قد ارتفع عنهن الحيض لعارض دون السن استبرئن بثلاثة أشهر. وإن كن ممن قد ارتفع حيضهن بكبر لم يكن عليهن استبراء وينبغي للبايع أن يستبرئ الأمة قبل بيعها. وإذا كان البايع عدلا، فأخبر المبتاع أنه قد استبرأ الجارية قبل بيعها، لم يكن بأس بوطئها من غير استبراء. ولاستبراء للمبتاع أفضل. ومن ابتاع من سوق المسلمين عبدا أو أمة فادعيا الحرية لم يسمع منهما ذلك، إلا أن يكون لهما بينة على صحة ما ادعياه. ومن ابتاع أمة، فوطأها، وأولدها، ثم ظهر أن بايعها كان غاصبا لها، أو محتالا على مالكها، ولم يكن يملك بيعها، كان لمالكها انتزاعها من يد المبتاع، واسترقاق ولدها، إلا أن يرضيه الأب بشئ عن ذلك. وللمبتاع الرجوع على البايع بما قبضه في ثمنها، وغرمه عن ولدها. ولا بأس ببيع أمهات الأولاد بعد موت أولادهن في حياة الآباء، ولا يجوز بيعهن ولهن أولاد أحياء إلا أن يفلس السيد، وتكون أثمانهن دينا، فيبعن في قضاء الدين وإن كان أولادهن أحياء. وإذا مات السيد، وخلف أم ولد وولدها منه باق، جعلت في نصيب ولدها من الميراث، وعتقت بذلك. فإن لم يخلف غيرها، وكان له ورثة سوى ولدها، كان نصيب ولدها منها حرا، واستسعت في باقي حقوق الورثة: تكتسب بخدمتها ما تؤديه إليهم من قيمة نصيبهم منها. ولا يجوز التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم إذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن. ولا بأس بابتياع ما يسبيه الظالمون إذا بيع في بلاد الإسلام، أو بيع لمن يخرجهم عن دار الكفر إلى دار الإسلام. ولا بأس بوطء هذا السبي وإن كان فيه حقوق لآل محمد عليهم السلام، لأنهم قد أحلوا ذلك لشيعتهم وآباء شيعتهم، لتطيب ولادتهم، وحرموه على مخالفيهم. فمن كان من شيعة آل الرسول عليهم السلام حل له الوطء بملك اليمين، ومن كان مخالفا لهم حرم عليه ذلك.

 

[ 9 ] باب بيع الثمار

ويكره بيع الثمار سنة واحدة قبل أن يبدو صلاحها. ولا بأس ببيعها سنتين و أكثر من ذلك، لأنها إن خاست في سنة زكت في أخرى على الغالب في العادات. وإذا بدا صلاح بعض الثمرة جاز بيع جميعها، ولم يكن بيعها مكروها. ومن باع نخلا قد أبر فثمرته له دون المبتاع، إلا أن يشترط الثمرة المبتاع. وكذلك من ابتاع شجرا قد أثمر فالحكم فيه ما ذكرناه. ومن ابتاع أرضا فيها زرع فهو للبايع، إلا أن يشترطه المبتاع. ولا بأس ببيع الزرع قصيلا. وعلى المبتاع قطعه قبل أن يسنبل. فإن لم يقطعه كان البايع بالخيار: إن شاء قطعه عليه، وإن شاء تركه. وكان على المبتاع خراجه دون البايع له. ويكره بيع الخضروات قبل أن يبدو صلاحها، كما يكره ذلك في النخل. ولا يفسد بيعه ذلك. ولا بأس ببيع ما يخرج حملا بعد حمل، كالباذنجان والقثاء والخيار والبطيخ وأشباهه. والأولى في الاحتياط بيع كل حمل منه إذا خرج وبدا صلاحه. ولا بأس ببيع الرطبة الجزة والجزتين، والقطعة والقطعتين. وإذا خاست الثمرة المبتاعة قبل ظهورها كان للبايع قدر ما غلت دون ما انعقد به الثمن. فإن كان قد قبض الجميع سلفا رجع المبتاع عليه بقدر ما بقي من السلف بعد الذي استغله منها من غير زيادة ولا نقصان. ولا بأس ببيع الإنسان ما ابتاعه من الثمرة بزيادة وإن كان قائما في شجرة.

 

[ 10 ] باب الاستثناء في الثمار

ولا بأس أن يستثني الإنسان مما يبيعه من الثمار أرطالا معلومة ومكائيل موصوفة، واستثناء الربع والثلث منها وأشباه ذلك أحوط في البيع. ولا بأس أن يستثني البايع من النخل عددا معروفا ونخلا معينا. فإن لم يسم النخل ويعنيه بما يتميز به من غيره كان الاستثناء باطلا. ومن ابتاع ثمرة فأصابتها جائحة فليس له على البايع درك في شئ من ذلك. فإن كان استثنى منها شيئا فله بحساب ما هلك من الثمرة. ولا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر كيلا ولا جزافا. ولا يجوز بيع الزرع أيضا بالحنطة كيلا ولا جزافا. وهذه هي المحاقلة التي نهى النبي صلى الله عليه وآله عنها، وخطرها في شريعة الإسلام.

 

[ 11 ] باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك، وما يجوز منه وما لا يجوز

وكل شئ موزون أو مكيل إذا اتفق نوعه لم يجز بيع الواحد منه بأكثر من واحد. وإن اختلف نوعه جاز بيع الواحد منه باثنين وأكثر نقدا يدا بيد، ولم يجز نسية. ولا يجوز بيع درهم بدرهمين نقدا ولا نسية، ولا دينار بدينارين نقدا. ولا نسية، وكذلك لا يجوز بيع قفيز من الحنطة بقفيزين منها، ولا مكوك من الشعير بمكوكين منه. ولا يجوز أيضا التفاضل بين الحنطة والشعير، لأن أصلهما واحد. فلو باع إنسان قفيزا من الحنطة بقفيزين من الشعير كان عاصيا لله، وبيعه باطلا. ولا بأس ببيع دينار بعشرة دراهم يدا بيد من غير تأخير، وقفيز من الحنطة بقفيزين من الذرة نقدا، ومكوك من السمسم بمكوكين من الدخن نقدا. ولا يجوز شئ من ذلك نسية. ولا بأس ببيع ما لا يكال ولا يوزن واحد باثنين وأكثر من ذلك نقدا، أو لا يجوز نسية، كثوب بثوبين، وبعير ببعيرين، وشاة بشاتين، ودار بدارين، ونخلة بنخلتين يدا بيد نقدا. وإن باع ذلك نسية كان البيع باطلا. ولا يجوز بيع درهم بدرهم نسية، ولا دينار بدينار نسية. وتباع الأمتعة والعقارات بالذهب والفضة نقدا ونسيه، ولا يباع بعضها ببعض نسية. ولا يجوز بيع الغنم باللحم وزنا ولا جزافا، لأنه مجهول. ولا بأس ببيع الدقيق بالسويق مثلا بمثل نقدا، ولا يجوز نسية. وكذلك الخبز بالدقيق متماثلا نقدا، ولا يجوز متفاضلا، ولا نسية. واللبن بالسمن والزبد مثلا بمثل نقدا جائز، ولا يجوز النسية فيه، ولا التفاضل. وإذا اتفقت اللحمان جاز بيع بعضها ببعض متماثلا في الوزن نقدا، ولم يجز نسية. وإذا اختلفت، كلحم الغنم والبقر والإبل والجواميس، جاز بيع الواحد منه بالاثنين نقدا من غير تأخير، كما ذكرناه. وإذا كان الشئ يباع في مصر من الأمصار كيلا أو وزنا، ويباع في مصر آخر جزافا، فحكمه حكم المكيل والموزون إذا تساوت الأحوال في ذلك. وإن اختلف كان الحكم فيه حكم الأغلب دون غيره. وإذا اتفق في الجنس بيع واحد بواحد نقدا، ولم يبع بأكثر من ذلك نقدا، ولا نسية، وإن اختلف بيع الواحد منه باثنين وأكثر من ذلك نقدا، ولم يجز بيعه نسية. وكل ما دخل القفيز والميزان لم يجز بيعه جزافا. وحكم ما يباع عددا حكم المكيل والموزون. ولا يجوز في الجنس منه التفاضل. ولا في المختلف منه النسية.

 

[ 12 ] باب بيع المرابحة

ولا يجوز أن يبيع الإنسان شيئا مرابحة مذكورة بالنسبة إلى أصل المال، كقولهم: أبيعك هذا المتاع بربح العشرة واحدا، أو اثنين، وما أشبه ذلك. ولا بأس أن يقول: ثمن هذا المتاع على كذا، وأبيعك إياه بكذا. فيذكر أصل المال والربح، ولا يجعل لكل عشرة منه شيئا. وإذا قوم التاجر على الواسطة المتاع بدرهم معلوم، ثم قال له: " بعه بما تيسر لك فوق هذه القيمة، وهو لك، والقيمة لي " جاز ذلك، ولم يكن بين التاجر والواسطة بيع مقطوع. وإن باعه الواسطة بزيادة على القيمة كانت له. وإن باعه بها لم يكن له على التاجر شئ. وإن باعه بدونها كان عليه تمام القيمة لصاحبه. وإن لم يبعه كان له رده، ولم يكن للتاجر الامتناع من قبوله. ولو هلك المتاع في يد الواسطة من غير تفريط منه فيه كان من مال التاجر، ولم يكن على الواسطة فيه ضمان. فإن قبض الواسطة من التاجر المتاع - على ما وصفناه - لم يجز أن يبيعه مرابحة، ولا يذكر الفضل على القيمة في الشراء. وإذا قال الواسطة للتاجر: " خبرني بثمن هذا الثوب، واربح علي فيه شيئا لأبيعه " ففعل التاجر ذلك، وباعه الواسطة بزيادة على رأس المال والربح، كان ذلك للتاجر دون الواسطة، إلا أن يضمنه الواسطة، ويوجبه على نفسه، فإن فعل ذلك جاز له أخذ الفضل على الربح، ولم يكن للتاجر إلا ما تقرر بينه وبينه فيه.

 

[ 13 ] باب إجازة البيع وصحته وفساده وحكم الدرك فيه

ومن باع ما لا يملك بيعه كان البيع موقوفا على إجازة المالك له، أو إبطاله إياه. فإن أجازه كان ماضيا. وإن لم يجزه كان مردودا. فإن باع أمة لا يملك بيعها فأولدها المبتاع كان لمالك الأمة انتزاعها من يد المبتاع، واسترقاق ولدها - على ما قدمناه - ويرجع المبتاع بالدرك على البايع إن كان ائتمنه في الابتياع منه. وإن لم يكن ائتمنه في ذلك لم يكن له عليه درك فيما أقبضه إياه. وإن أمضى المالك البيع لم يكن له على المبتاع وولده من الجارية سبيل. ولو كان المبتاع قد أعتق الجارية وتزوجها لكان لسيدها إبطال العتق وفسخ النكاح، وكان له إمضاء ذلك وإنفاذه حسب ما ذكرناه. ولو أن رجلا تزوج بامرأة على أنها حرة، فأولدها، فظهر بعد ذلك أنها أمة، وحضر سيدها يلتمسها وولدها، كان له ذلك، إلا أن يقيم المتزوج بينة أنه تزوجها بولي ظاهر العدالة، فيتسلم السيد الجارية، ولا يكون له على الولد سبيل. وإن أمضى السيد النكاح جاز ذلك، وكانت على زوجية الرجل، ولم يحتج مع العقد الأول إلى استيناف عقد جديد. ولو أن إنسانا غصب غيره متاعا، وباعه من إنسان آخر، فوجده صاحبه عند المبتاع، لكان له انتزاعه من يده. فإن لم يجده حتى هلك في يد المبتاع رجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه إياه، إلا أن يكون المبتاع قد كان يعلم بأنه مغصوب، فتلزمه قيمته لصاحبه، ولا درك له على الغاصب فيما غرمه لصاحب المتاع. فإن اختلف في القيمة كان القول قول صاحب المتاع مع يمينه بالله عز وجل: وإن أمضى المغصوب البيع لم يكن له درك على المبتاع، وكان له الرجوع على الغاصب بما قبضه من الثمن فيه. ومن ابتاع بيعا فاسدا، فهلك المبيع في يده، أو حدث فساد فيه، كان ضامنا لقيمته في هلاكه، ولأرش ما نقص من قيمته بفساده. ومن ابتاع متاعا، فقبض بعضه، وتلف البعض الآخر في يد البايع، أو فسد شئ منه، كان بالخيار في الرجوع على البايع بثمن ما لم يقبضه منه مما تلف، أو عاب، وفي قيمة ما تلف، وأرش العيب فيما عاب. فإن ابتاع ما لا يتبعض كالحيوان، فتلف في يد البايع، كان من ماله دون المبتاع. وإن حدث به عيب كان بالخيار: إن شاء قبضه بعينه من غير أرش، وإن شاء رده، وقبض ما نقده فيه. ومن قال لغيره: " ابتع لي متاعا من جنس كذا، أو أي متاع رأيت ابتياعه، وانقد ثمنه من مالك لأربحك فيه "، فابتاعه الإنسان على هذا الشرط، لم ينعقد به بيع للقائل، وكان المبتاع بالخيار: إن شاء باعه إياه على ما اشترطه، وإن شاء لم يبعه، واقتناه لنفسه، أو باعه من سواه.

 

[ 14 ] باب اشتراط المبتاع على البايع فيما ابتاعه منه

ولا بأس أن يشترط المبتاع على البايع شيئا من أفعال الآدميين. ولا يجوز اشتراطه عليه أفعال الله عز وجل التي لا يقدر عليها المخلوقون. فمن ذلك أن يبتاع الإنسان من غيره ثوبا على أن يقصره له، أو يصبغه، أو يخيطه، أو يبتاع منه نعلا على أن يحذوها، أو يشركها، أو جلدا على أن يعمله له خفا، أو حنطة على أن يطحنها له دقيقا. ولا يجوز أن يبتاع منه زرعا على أن يبلغ سنبلا و، بسرا على أن يصير رطبا، ورطبا على أن ييبس ويصير تمرا، وما أشبه ذلك مما ليس هو بمقدور للعباد.

 

[ 15 ] باب اشتراط البايع على المبتاع فيما باعه إياه

ولا بأس أن يشترط البايع على المبتاع شيئا يستثنيه مما باعه، مثل أن يبيعه شاة، ويشترط عليه جلدها، أو رأسها بعد الذبح لها، أو يشترط جز صوفها في الحال أو بعدها. وبيع البعض من ثوب يتعين بالاسم أو الذرع جائز، كبيع سدسه وربعه وثلثه ونصفه، وذراع منه وذراعين وأكثر من ذلك. ولا بأس ببيع الثوب واستثناء الربع منه والثلث والنصف، والذراع منه والذراعين وأكثر، لأنه معلوم غير مجهول، وهو كبيع الربع والثلث، والذراع والذراعين من الثوب على ما ذكرناه. ولا يجوز بيع أصواف الغنم وهو على ظهرها حتى تعاين. ولا بأس ببيعها بعد فراقها الغنم أرطالا مسماة قبل أن تعاين، وذلك أن بيعها على ظهور الغنم من غير معاينة لها بيع مجهول، وبيعها أرطالا مسماة بيع لمعروف. ولا يجوز بيع اللبن من الغنم إلى وقت انقطاعه، لأن ذلك جزاف ومجهول. ولا بأس ببيعه أرطالا مسماة تكون في ضمان البايع حتى يستوفيها المبتاع.

 

[ 16 ] باب بيع الأعدال المحزومة والجرب المشدودة

ولا يجوز بيع المتاع في أعدال محزومة وجرب مشدودة، إلا أن يكون له بارنامج يوقف منه على صفة المتاع في ألوانه وأقداره وجودته، فإن كان ذلك كذلك وقع البيع عليه، فمتى خرج المتاع موافقا للصفات كان البيع ماضيا. وإن خرج مخالفا لها كان باطلا.

 

[ 17 ] باب بيع ما يمكن معرفته بالاختبار وما لا يمكن فيه الاختبار

وكل شئ من المطعومات والمشمومات يمكن الإنسان اختباره من غير إفساد له. كالأدهان المستخبرة بالشم، وصنوف الطيب، والحلواء المذوقة، فإنه لا يصح بيعه بغير اختبار له، فإن ابتيع من غير اختبار كان البيع باطلا، والمتبايعان فيه بالخيار. وما لا يمكن اختباره إلا بإفساده واستهلاكه، كالبيض الذي لا يعرف جيده من رديه إلا بعد كسره، والبطيخ، والقثاء، والباذنجان، وأشباه ذلك، فابتياعه جائز على شرط الصحة. فإن وجد فيه فاسد كان للمبتاع ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، وإن شاء رد الجميع، واسترجع الثمن. وليس له رد المعيب دون ما سواه. ولا بأس بابتياع الأعمى بشرط الصحة أو البراء من العيوب إليه. والأفضل أن يوكل الأعمى من يبصر له ما يريد ابتياعه، ولا يتولى هو ذلك بنفسه مع تمكنه من توكيل نائب عنه. وإذا ابتاع الأعمى شيئا بشرط الصحة فكان معيبا كان له الخيار في رده أو أرش العيب، إلا أن يكون قد تصرف فيه على ما قدمنا ذكره في باب العيوب. وإذا ابتاع شيئا على البراءة من البايع إليه من جميع العيوب لم يكن له أرش، ولا رد حسب ما بيناه.

 

[ 18 ] باب المبايعة باشتراط الإسلاف

ولا بأس أن يبتاع الإنسان من غيره متاعا، أو حيوانا، أو عقارا بالنقد والنسية معا على أن يسلف البايع شيئا في مبيع، أو يستسلف منه، في مبيع أو يقرضه مأة درهم إلى أجل، أو يستقرض منه. وقد أنكر ذلك جماعة من أهل الخلاف. ولسنا نعرف لهم حجة في الإنكار. وذلك أن البيع وقع على حلال، والسلف والقرض جائزان، واشتراطهما في عقد البيع غير مفسد له بحال، وقد سئل الباقر عليه السلام عن القرض يجر النفع، فقال عليه السلام: خير القرض ما جر نفعا. ولا يجوز اقتراض درهم بأكثر منه، ولا دينار بزيادة عليه، لأن ذلك هو الربا المنهي عنه في القرآن. فإن اقترض إنسان من غيره درهما بغير شرط، وأعطاه بدلا منه دينارا حل له ذلك. فإن وقع في ذلك شرط حكم عليه بالفساد.

 

[ 19 ] باب السلف في صنفين مختلفين، والصفقة تجمع حلالا وحراما

ولا بأس بالسلف في صنفين مختلفين كالحنطة والأرز، والتمر والزبيب، و المروي والحرير بعد أن يذكر المبيع والثمن فيه. وقد أبى هذا كثير من العامة بغير حجة تعلقوا في فساده، فلم يلتفت إلى قولهم فيه. فأما الصفقة تجمع حلالا وحراما، فإن البيع ماض في الحلال، باطل في الحرام، ولا يبطل بأسره، ولا يصح جميعه.

 

[ 20 ] باب بيع ما يستحق على المبتاع

وإذا ابتاع إنسان أرضا، فبنى فيها، أو غرس، وأنفق، فاستحقها عليه إنسان آخر، كان للمستحق قلع البناء والغرس، ويرجع المبتاع على البايع بقيمة ما ذهب منه. فإن كان ما غرسه قد أثمر كان ذلك لرب الأرض، وعليه للغارس مثل ما أنفقه، وأجر مثله في عمله. فإن فسدت الأرض بالغرس كان لربها عليه أرش ما أفسده، ويرجع هو على البايع بذلك.

 

[ 21 ] باب دفع الحق قبل محله وتأخيره عن محله

وإذا كان للإنسان على آخر مال أو متاع إلى أجل فدفعه إليه قبل محله كان بالخيار: إن شاء قبله، وإن شاء لم يقبله، وكان في ضمان المديون حتى يحل الأجل، وليس لأحد إجباره على قبضه قبل أجله. وإذا كان له على غيره مال بأجل، فسأله تأخيره عنه إلى أجل ثان، فأجابه إلى ذلك، كان بالخيار: إن شاء أمضى التأجيل، وإن شاء رجع فيه. وإن تقايلا البيع، ثم عقداه بعد ذلك بأجل متأخر، لم يكن للبايع الرجوع. والإقالة فسخ، وليست بعقد بيع.

 

[ 22 ] باب الإكراه على البيع

ولا يصح بيع بإكراه، ولا يثبت إلا بإيثار واختيار. وإذا باع إنسان ملكا لغيره، وهو حاضر فسكت، لم يكن سكوته إنفاذا للبيع. وكذلك لو صالح عليه مصالح وهو ساكت لم يحكم عليه بثبوت الصلح، وكان له المطالبة بعد ذلك. وبيع الأب على ابنه - وهو كبير يلي أمر نفسه - غير ماض، إلا أن يمضيه الابن. فإن كان الابن صغيرا كان بيع الأب عليه ماضيا. وللأب أن يأكل من ماله ابنه الصغير بالمعروف عند الحاجة إليه. وعلى الابن إذا كان كبيرا أن يسد حاجة أبيه بالمعروف إن كان له طول لذلك.

 

[ 23 ] باب بيع الشرب والماء

ومن كانت له قناة يملكها فاستغنى عن مائها فله بيع ذلك ممن شاء. ومن أخذ من الماء المباح شيئا لنفسه كان له بيعه، كما أن له شربه، والصدقة به. ولا يجوز للسلطان خطر الماء المباح. فإن حفر في أرض موات بإذن سلطان الحق نهرا، فأحياها بمائه، كان له بيع ما فضل من ذلك الماء ممن شاء. وإن جرى الماء إلى أرض قد هلك أهلها فالسلطان أحق به. وإن استأجمت الأرض فغلتها للسلطان، وليس لأحد أن يكتسب منها شيئا إلا بإذنه.

 

[ 24 ] باب بيع الأرزاق والديون

ولا يجوز للإنسان بيع رزقه من السلطان حتى يقبضه، فيبيع الذهب والورق منه بالعروض ويبيع العروض بالذهب والورق. ولا بأس أن يبيع دينه على غيره قبل قبضه. والفرق بين الأمرين: أن رزق السلطان غير مضمون، لأنه ربما رأى إسقاط صاحبه من الديوان بحدث منه أو غناء عنه، والدين مضمون لصاحبه حتى يصل إليه.

 

[ 25 ] باب أجر الوزان والناقد والكيال والدلال

وأجرة وزان المال وناقده على المبتاع، لأن عليه أن يوفي البايع ماله جيدا سليما من العيب. وأجرة الكيال ووزان المتاع على البايع، لأن عليه توفية المبتاع ما اشتراه كيلا معروفا ووزنا معلوما. وأجرة الدلال على المبتاع. وأجرة المنادي على البايع. ومن نصب نفسه لبيع الأمتعة كان له أجر البيع على البايع دون المبتاع. ومن نصب نفسه للشراء كان أجر ذلك على المبتاع. فإن كان وسيطا يبيع للناس ويبتاع لهم كان أجره على ما يبيع من جهة البايع، وأجره على ما يشتري من جهة المبتاع. وإذا رفع الإنسان إلى السمسار سلعة، وأمره ببيعها، ولم يذكر له في ثمنها نقدا ولا نسية، فباعها نسية، كان رب السلعة بالخيار: إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أمضاه. وكذلك إن قال له: " بعها نقدا "، فباعها نسية، فهو بالخيار في الفسخ والإمضاء. فإن قال له: " بعها نسية بدرهم " - سماه - فباعها نقدا بدون ذلك، كان مخيرا بين أن يفسخ البيع وبين أن يمضيه، ويطالب الواسطة بتمام المال. وإن باعها نقدا بأكثر مما سمى له كان ذلك لرب السلعة، إلا أن يفسخ البيع لخلاف شرطه فيه. ولو قال إنسان لغيره: " بع لي هذا المتاع "، ولم يسم له ثمنا، فباعه بفضل من قيمته، كان البيع ماضيا، والثمن على تمامه لصاحب المتاع. فإن باعه بأقل من قيمته كان ضامنا لتمام القيمة حتى يسلمها إلى صاحب المتاع على الكمال. وإذا اختلف الواسطة وصاحب المتاع فقال الواسطة: قلت لي: " بعه بكذا "، أو قال صاحب المتاع: بل قلت لك: " بعه بكذا "، وذكر أكثر من ذلك، ولم يكن لأحدهما بينة على دعواه، كان القول قول صاحب المتاع مع يمينه بالله عز وجل، وله أن يأخذ المتاع إن وجده بعينه. فإن كان قد أحدث فيه ما ينقصه أو استهلكه ضمن الواسطة من الثمن ما حلف عليه صاحب المتاع. وكذلك الحكم إذا اختلفا في النقد سواء. وليس على الواسطة ضمان ما يهلك من حرزه، ويضمن ما فرط فيه وتعدى. ولا يضمن ما غلبه ظالم عليه. والدرك في جودة المال وصحة المبيع على البايع والمبتاع دون الواسطة، في الابتياع.

 

[ 26 ] باب تلقي السلع والاحتكار

ويكره تلقي الغنم وغيرها من الحيوان والأطعمة والأمتعة التي يجلبها التجار إلى الأسواق. وحد التلقي أربعة فراسخ. فما دونها وما زاد على ذلك فليس بالتلقي المكروه. والحكرة احتباس الأطعمة مع حاجة أهل البلد إليها وضيق الأمر عليهم فيها. وذلك مكروه. فإن كانت الغلات واسعة، وهي موجودة في البلد على كفاية أهله، لم يكره احتباس الغلات، وامتناع أربابها من البيع طلبا للفضل. وللسلطان أن يكره المحتكر على إخراج غلته، وبيعها في أسواق المسلمين إذا كانت بالناس حاجة ظاهرة إليها. وله أن يسعرها على ما يراه من المصلحة. ولا يسعرها بما يخسر أربابها فيها.