عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

 

كتاب الأيمان

باب الأيمان والأقسام

ولا يمين عند آل محمد عليهم السلام إلا بالله عز وجل وبأسمائه الحسنى، ومن حلف بغير اسم من أسماء الله تعالى فقد خالف السنة، ويمينه باطلة لا توجب حنثا ولا كفارة. ولا يمين بالله تعالى في معصية لله، فمن حلف بالله أن يعصيه فقد أثم. وكفارة يمينه ترك الفعل لما حلف عليه، والاستغفار من يمينه في الباطل. وقول الرجل: " الطلاق لي لازم إن فعلت كذا "، وقوله لامرأته: " أنت طالق إن فعلت، أو إن لم تفعلي " باطل، لا يجب عليه في كفارة، ولا يقع بالحلف فيه طلاق. ولو قال: " عبدي حر لوجه الله إن فعلت كذا "، وأراد اليمين دون النذر، كان باطلا. وقول القائل: " على الحج إن فعلت كذا، ومالي صدقة إن كان كذا " فهو باطل إلا أن يقصد بذلك نذرا، في طاعة الله عز وجل فيلزمه الوفاء به. وقول القائل: " أيمان البيعة لازمة لي إن كان كذا وكذا " باطل أيضا، ليس بيمين، ولا توجب حنثا ولا كفارة. وإن قال الإنسان لامرأته: " أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا "، ثم فعله، لم تحرم عليه امرأته بذلك. وكذلك قولهم: " ما أنقلب إليه حرام إن فعلت كذا " باطل، ليس بيمين. ولا يجب عليه الكفارة في الحنث حتى يكون اليمين بالله عز وجل، ويكون الحالف قاصدا لليمين، معقدا لها. قال الله عز وجل: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ". واللغو أن يحلف الإنسان بالله عز وجل من غير نية في اليمين، ويحلف على غضب لا يملك نفسه، أو يكون مكرها على اليمين ومجبرا عليها، فحكم ذلك حكم اللغو الذي عفا الله عز وجل عن المؤاخذة به، ولم يوجب فيه كفارة. ومن حلف بالله أن لا يفعل شيئا من الخير فليفعله، ولا كفارة عليه. وإن حلف على ترك شئ فكان فعله أفضل في الدين وأعون للإنسان على البر والعبادة من تركه فليفعله، ولا كفارة عليه. وكذلك إن حلف أن يفعل شيئا وكان تركه أفضل من فعله فليتركه، ولا كفارة عليه. ولا يمين في قطيعة رحم، وصلتها أولى، ولا كفارة على صاحبها. ولا يمين لولد مع والده فيما يكرهه منه. وللوالد أن يمنعه من الوفاء بيمينه. ولا يكون عليه كفارة في ذلك. ولا يمين للمرأة مع زوجها في خلافه. ولا يمين للعبد مع سيده في خلاف طاعته. ولا كفارة في اليمين على الماضي إذا قال: " والله ما فعلت كذا "، وقد كان فعل، ويستغفر الله عز وجل من ذلك، ويتوب إليه منه. وإذا حلف العبد أن لا يلبس ثوبا، أو لا يسكن دارا، أو لا يستعمل أجيرا، أو لا يبتاع شيئا، ثم خالف يمينه، ولم يكن الخلاف لها أفضل، وجبت عليه الكفارة، وهي أحد ثلاثة أشياء: عتق رقبة، وكسوة عشرة مساكين، أو إطعامهم مما يقتاته الحالف وأهله شبعهم في طول يومهم. وهو مخير في الثلاثة الأشياء، أيها فعل أجزأه. فإن لم يقدر على واحد منها صام ثلاثة أيام متتابعات. ولا يجزيه في الكفارة إطعام الشيخ الكبير والطفل الصغير. وكذلك من حلف بالله أن يطيعه بشئ من الأعمال ثم لم يفعل وجبت عليه الكفارة، كما تجب عليه في المباح. ولا كفارة قبل الحنث وإنما تجب بعده. ومن كانت عنده أمانة فطالبه ظالم بتسليمها إليه وخيانة صاحبها فيها فليجحدها، ليحفظها على المؤتمن له عليها. وإن استحلفه على ذلك فليحلف له، ويوري في نفسه ما يخرج به عن الكذب، ولا كفارة عليه في ذلك ولا إثم، بل له عليه أجر كبير - والتورية: أن يضمر عند اليمين خلاف ما يظهر - ينوي أنه ليس عندي شئ مما تستحلفني عليه تستحقه مني، فإن لم يحسن التورية، وكانت نيته حفظ الأمانة ومنع الظالم مما لا يستحقه، أجزأته النية، وكان مأجورا، وكذلك اليمين في الدفع عن أذى المؤمنين وحقن دمائهم وحراسة أموالهم. والسلطان الجائر إذا استحلف أعوانه على ظلم المؤمنين فحلفوا له لم يجز لهم الوفاء بأيمانهم، وكان عليهم أن يجتنبوا الظلم، ولا كفارة عليهم في ذلك، ولا مأثم في اليمين، بل لهم أجر عظيم. ومن حلف على مال مؤمن ليقتطعه ارتكب بذلك كبيرة موبقة، وكانت كفارته منها توبته، ورد مال المؤمن عليه، أو تحليله منه بعد التوبة والاستغفار. ومن كان عليه دين، لا يجد إلى قضائه سبيلا لإعساره، فقدمه صاحب الدين إلى حاكم يعلم أنه متى أقر بالدين عنده حبسه فأضر به وأجاع عياله، فله أن يجحده، ويحلف له، وينوي قضائه عند تمكنه منه، ويوري في يمينه، ولا إثم عليه، ولا كفارة، فإن لم ينو قضائه عند يمينه كان مأثوما. ولا يجوز لصاحب الدين أن يعرض صاحبه لليمين، وهو يعلم إعساره، فإنه يأثم بذلك. ولا يحل له حبسه إذا كان محيطا علما بعجزه عن أداء الدين، فإن حبسه مع العلم بذلك كان مأزورا. وينبغي للمسلم أن يجتنب اليمين بالله تعالى صادقا وكاذبا. ومتى وجد سبيلا إلى ترك اليمين بالله تعالى فليتركها وإن لحقه ضرب من الأذى بذلك، فإنه أولى في الدين. ومن ادعى على مؤمن باطلا، وأراد استحلافه عليه، وكان تخلصه من اليمين بما لا يجحف بماله، فالأفضل أن يفتدي بذلك يمينه بالله تعالى وإن كان - لو حلف - صادقا. وإن كان فديته من اليمين بشئ يجحف بماله، أو يضر به في أحواله، فلا حرج عليه في اليمين بالله تعالى، ليدفع الضرر عنه في الباطل المدعى عليه. ولا يجوز لأحد أن يستحلف أحدا بغير أسماء الله عز وجل. ولا يجوز أن يحلف الإنسان برسول الله صلى الله عليه وآله، ولا بأمير المؤمنين، ولا بأحد من الأئمة عليهم السلام فإن حلف بواحد ممن ذكرناه فقد أخطأ. وعليه أن يفي بما حلف إلا أن يكون باطلا، أو غيره أفضل منه. وإن لم يف بيمينه فليستغفر الله عز وجل، ولا كفارة عليه. ولا يجوز لأحد أن يحلف بأبيه، فإنها يمين اليهود. واليمين بالمصحف باطلة. وكذلك اليمين بالكعبة، والمسجد، وما أشبه ذلك. ومن حلف بشئ منه أخطأ، وليس عليه في خلاف ما حلف عليه من ذلك كفارة. ولا يجوز اليمين بالبراءة من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وآله ومن أحد من الأئمة عليهم السلام. ومن حلف بشئ من ذلك، ثم حنث، كان عليه كفارة ظهار. وقول القائل: " أنا برئ من الإسلام، أو أنا مشرك، إن فعلت كذا " باطل، لا يلزمه إذا فعل كفارة. وقسمه بذلك خطأ منه، يجب أن يندم عليه، ويستغفر الله تعالى منه.