عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 55 : -

المسألة الثالثة عشر


وسأل أيضا صاحب المسائل فقال : ما العلة التى قسم بها أمير المؤمنين عليه السلام 4 الغنائم بصفين ولم يقسمها بالبصرة ، والطائفتان في فعلهما سواء ، بل أهل الجمل أعظم لنكثهم 5 بعد إقرارهم ، وشبهة معاوية أقوى لطلبه 6 بثار عثمان وهو وليه وابن عمه ؟


والجواب - وبالله التوفيق - : الامر على خلاف ما ظنه السائل ، ولم يختلف حكم أمير المؤمنين عليه السلام في الفريقين ، ولم يقسم 7 غنائم الطائفتين إلا بما 8

  * هامش *  
 

 2 - رض : صلوات الله وسلامه عليه .
 5 - رض ، مل : بنكهم .
 6 - مل : بطلبه .

 7 - رض : مل : + من .
 8 - رض ، مل : ما . ( * )

 

 

- ص 56 -

حواه عسكره دون ما سواه ، ولم يبح اتباع مدبر من الفريقين ، ولا الاجهاز على جريحهم 1 من الفئتين ، ومن ظن أنه خالف بين حكمهما فقد ظن باطلا ، على ما ذكرناه .


فصل .
فأما الشبهة التى قويت عند السائل فهى ضعيفة جدا ، وليس لمعاوية ولاية في دم عثمان مع ولده ، فإن ادعى ولده التوكيل في ذلك ، ادعى لطلحة والزبير ، فيتساوى الدعويان 2 مع أنه لم يتول أمير المؤمنين عليه السلام قتل عثمان ، فيكون لاحد من أنسابه مطالبته بذلك . ولو تولاه لكان المطالب به مبطلا ، لانه يكون مطالبا لمحق 3 بما يلزم المبطل .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " علي مع الحق والحق مع علي . اللهم أدر الحق مع على حيثما دار " 4 .

وقال صلى الله عليه وآله : " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " 5 .

فاى شبهة مع هذا في جواز قتال أمير المؤمنين عليه السلام ؟


المسألة الرابعة عشر

وقال السائل رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله مقدما للرجلين - أعنى ابا بكر وعمر - لغير شرف كان لهما في الجاهلية ولا كثرة عشيرة وظاهر شجاعة ، ثم صاحبهما 6 وعظمهما حتى تم لهما بعده 7 من الشبهة
 

  * هامش *  
 

 1 - رض ، مل : جريح .
 2 - رض : فإن ادعى لطلحة والزبير مثله فتساوي لدعوتان . مل : فإن ادعى طلحة والزبير منه فتساوى الدعويان .
 3 - رض ، مل لحق .
 4 - الحديث متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، رواه اربعة وعشرون صحابيا ونقله من ائمة الحديث مائة وتسعة وعشرون في مصنفاتهم ، راجع أسانيده في كتاب " الحق مع على " . لسماحة الشيخ مهدي فقيه ايماني .
 5 - هذا الحديث متواتر قطعا رواه مائة وعشرة من الصحابة واربعة وثمانون من التابعين وثلاثمائة وستون من ائمة الحديث في مصنفاتهم ، راجع : إحقاق الحق ، عبقات الانوار . والغدير .
 6 - رض ، مل : صانهما .
 7 - رض ، مل : بعد . ( * )

 

 

- ص 57 -

ما تم ، لكبرهما في نفوس الناس ، فعرفنا هل كانا منافقين ، ورسول الله صلى الله عليه وآله يعلم ذلك منهما ، ويقدمهما على علم به ، أم ارتدا بعده وحملهما الحسد على ما كان منهما ، وقد كان يسع الرسول صلى الله عليه وآله لما علم نفاقهما إطراحهما وأن لا يتزوج منهما ؟


والجواب - وبالله التوفيق - : أقول إن هذا السؤال مختلط غير مخلص ، وقد سمع صاحبه شيئا في موضع من المواضع فجعله في غيره ( 11 ظ ) والذى سأل عنه القوم في تقديم الناس أبا بكر ولم يكن من أشرف العرب نسبا ، ولا أكثرهم عشيرة ، ولا أوفرهم مالا ، وإنهم زعموا 2 أن ذلك إنما كان لفضل وجدوه له في الدين .


فأما تقديم رسول الله صلى الله عليه وآله من قدم ، فليس تدخل 3 الشبهة على أحد في أنه لم يفعل ذلك لشرف النسب أو عن 4 العشيرة أو المال . فخلط السائل بين علل التقديمين وأسبابهما .


وتحقيق السؤال أن يقولوا : لم قدم رسول الله صلى الله عليه آله الرجلين ؟ أقدمهما على علم بفضلهما ورتبتهما ، أم 5 قدمهما وهو شاك في ذلك ، أم متيقن ضده فهما ونقيضه ؟

فالجواب 6 عن ذلك ، أنا لا نسلم للقوم أن النبي صلى الله عليه وآله قدم الرجلين تقديما يدل على فضلهما في الدين ، ولا عاملهما إلا بما يقتضيه التدبير فيمن ظاهره بالايمان 7 والنصرة له بالكلام .

فأما التقديم المنبئ عن منازل الثواب ، فلم يكن من رسول الله صلى الله عليه وآله إلا فيمن أطلعه الله تعالى 8 على مغيبه
 

  * هامش *  
 

 1 - رض ، مل : + كان
 2 - رض ، مل : + على .
 3 - رض ، مل : يدخل .
 4 - رض : ولا عز .

 5 - رض ، مل : أو .
 6 - حش ، رض ، مل : + أيصا .
 7 - رض : الايمان .
 8 - رض : رسول الله . ( * )
 

 

- ص 58 -

من أهل الدين ، وقد قال الله جل اسمه : * ( ادفع بالتى هي أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم ) * 1 . ولو قلنا إن النبي صلى الله عليه وآله وضعهما بحيث يستحقه المشكوك في نية أو 2 المعروف بأمارات عداوته ، لكنا نقول مقالا واضحا عند أهل الاعتبار .


ألا ترى أن رسول الله 3 صلى الله عليه وآله منعهما من شريف المقام في الجهاد ، ولم يأتمنهما على المبارزة والنزال ، وأنه عرضهما بخيبر للقتال ، فانكشف عنهما من سوء الحالى فيه ما حقق ضعف بصائرهما في الجهاد ، فردا راية رسول الله

صلى الله عليه وآله وغرا أهل الاسلام بما كان منهما في الانهزام ، ولم يثبتا في يوم أحد ، ووليا في يوم حنين الادبار ، ولم يرهما صلى الله عليه وآله أهلا لولاية في حياته ، ولا إمارة على طائفة من الامة قبل وفاته . وسلم إلى أبى بكر عشر آيات

من سورة براءة لينبذ بها عهد المشركين ، فنزل جبرائيل 4 الامين من عند الله العلى العظيم بمنع 5 ذلك صرف عن الاداء ، وتولية 6 أمير المؤمنين عليه السلام ذلك المقام . وقلد عليهما تارة عمرو بن العاص ، وتارة أخرى أسامة بن زيد مع كونه

في عداد ( 11 و ) الاحداث . وردهما عن تزويج فاطمة عليها السلام ، ولم يرهما أهلا للمصاهرة بها عليها السلام . ولما استشار 7 الناس في الاسرى ببدر أشارا عليه 8 بما انصرف عنه فخالفهما فيما رأياه . ولما رأت عائشة تقديم أبيها أبي بكر

في الصلاه على نفر من أهل الاسلام ، وعلم النبي صلى الله عليه وآله ذلك 9 ، بادر معجلا - وهو من المرض والاضطرار إلى الدعة

  * هامش *  
 

 1 - سورة فصلت ( 41 ) : 34 .
 2 - رض : و .
 3 - رض ، مل : أنه ص .
 4 - حش : رض ، مل : جبرئيل .
 5 - حش : يمنع .

 6 - رض ، مل . فتولاه .
 7 - رض ، مل : + عليه السلام .
 8 - رض : إليه .
 9 - رض : علم ذلك النبي . ( * )

 

 

- ص 59 -

والرفاهية 1 على أظهر حال - حتى عزله عن الصلاة ، ولم يرضه لذلك المقام في أمثال ما ذكرناه مما يطول باستقصائه الكلام . فأى تقديم كان منه صلى الله عليه وآله لهما في الدين يموه الامر فيه على النصاب لولا أنهم جهال أغمار ؟


فصل .
فأما سؤالهم
عن علم رسول الله صلى الله عليه وآله بباطنهما في الاعتقاد ، فإن أصحابنا قد أجابوا عن ذلك بثلاثة اجوبة :

أحدها أن قالوا : لم يكن عليه السلام عالما بباطنهما في ذلك ، لان الله تعالى ستره عنه كما ستر بواطن غيرهما من الناس . فقال تعالى : * ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) * 2 .

الثاني أن الامر مشتبه في الباب 3 ، فجاز 4 أن يكون الله تعالى أطلعه على باطنهما فعرفه حق المعرفة ، وجاز 5 أن يكون ستره عنه . وليس على أحد الامرين دليل .

الثالث أنه قد كان يعرف باطنهما على القطع والثبات . والقول بأنهما كانا على حقيقة الايمان أو النفاق مما يختلف فيه أصحابنا أيضا . فمنهم من يقطع على سلامة باطنهما في أول الامر . ومنهم من يقطع 6 على خبث سرائرهما في الدين ، وهم أصحاب الموافاة من أصحاب 7 الامامة ومعهم بذلك دلائل عقلية وسمعية معا على الاتفاق . ومنهم من يقف في ذلك .
 

  * هامش *  
 

 1 - رض ، مل : إلى الرفاهية والدعة .
 2 - سورة التوبة ( 9 ) : 101 .
 3 - رض ، مل : في هذا الباب .
 4 - رض ، مل : فجائز .

 5 - حش ، رض ، مل : وجائز .
 6 - حش ، رض . مل : ومنهم من يقف في ذلك . ومنهم من يقطع .
 7 - حش ، رض ، مل : أهل . ( * )

 

 

- ص 60 -

وليس يمكن المخالف 1 التعلق بفعل من رسول الله 2 صلى الله عليه وآله بهما ، يضاد القول الذى حكيناه عن أصحاب الموافاة . والمدعى على النبي صلى الله عليه وآله الاجلال لهما والاعظام ، مقتصر في 3 الدعوى على ذلك بغير برهان ، فلا وجه للتشاغل بالكلام على وجوه أفعال لم تثبت بحجة عقل ، ولا خبر معلوم ، ولا حجة كتاب .

فصل .

فأما تزوج 4 النبي صلى الله عليه وآله بابنتيهما ، فغير مضاد للقول بعلمه من باطنهما ما ذكرته الامامية من أصحاب الموافاة ، لانه قد تزوج 5 بنات المنافقين والكفار ، فتزوج بسودة 6 بنت زمعة [ 12 ظ ] وكان أبوها مشركا ومات على الضلال .

وتزوج برملة بنت أبى سفيان قبل الهجرة وكان أبوها إذ ذاك أكبر رؤوس الكفار ، وصاحب الحروب مع النبي 7 صلى الله عليه وآله في مقام بعد مقام .

وتزوج بصفية بنت حى بن أخطب بعد أن أعتقها ، و 8 قتل أباها على الكفر والضلال . فأى شبهة تدخل على عاقل في سلامة 9 بواطن آباء أزواج النبي صلى الله عليه وآله وإخوتهم وأقاربهم مع ما ذكرناه .
 

وفى هذا القدر كفاية وغناء 10 في هذا الباب عما 11 سواه 
 

  * هامش *  
 

 1 - مل : للمخالف .
 2 - رض : بفعل رسول الله .
 3 - رض ، مل : على .
 4 - رض : تزويج .
 5 - حش ، مل : + عليه السلام .
 

 6 - في الاصل وحش ورض ومل : بسلمة ، لعله تصحيف " صححناه على رض 2 .
7 - رض : حروب النبي . مل : حروب النبي معه .
 8 - حش ، رض ، مل : + قد .
 9 - رض 2 : معرفته .
 10 - رض ، مل : غنى .
 11 - في الاصل : عمن ، صححناها على باقى النسخ . ( * )