عقائد الشيعة الإمامية >> الشيخ المفيد

 

 

عقائد الشيخ المفيد قدس سره

ماهية الإنسان والخلق وأفعال العباد والاستطاعة

 

 

- الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ويصنعون ويكتسبون ولا يطلق عليهم بأنهم يَخلِقون ولا خالقون

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 58، 59:

27- القول في كراهة إطلاق لفظ (خالق) على أحد من العباد

وأقول: إن الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ويصنعون ويكتسبون، ولا أطلق القول عليهم بأنهم يخلقون ولا أقول إنهم خالقون، ولا أتعدى ذكر ذلك فيما ذكر الله تعالى، ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن، وعلى هذا القول إجماع الإمامية.

والزيدية والبغداديين من المعتزلة وأكثر المرجئة وأصحاب الحديث. وخالف فيه البصريون من المعتزلة وأطلقوا على العباد أنهم خالقون، فخرجوا بذلك من إجماع المسلمين.

- الله تعالى يجعل لأصحاب القبور أجساما كأجسامهم في دار الدنيا ينعم مؤمنيهم فيها ويعذب كفارهم فيها وفساقهم فيها دون أجسامهم التي في القبور وهذا يستمر على مذهبي في النفس

- الإنسان المكلف هو الشيء المحدث القائم بنفسه الخارج عن صفات الجواهر والأعراض

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 77:

54 - القول في تنعيم أصحاب القبور وتعذيبهم، وعلى أي شيء يكون الثواب لهم والعقاب، ومن أي وجه يصل إليهم ذلك، وكيف تكون صورهم في تلك الأحوال؟

وأقول: إن الله تعالى يجعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا ينعم مؤمنيهم فيها ويعذب كفارهم فيها وفساقهم فيها، دون أجسامهم التي في القبور يشاهدها الناظرون تتفرق وتندرس وتبلى على مرور الأوقات وينالهم ذلك في غير أماكنهم من القبور، وهذا يستمر على مذهبي في النفس، ومعنى الإنسان المكلف عندي هو الشيء المحدث القائم بنفسه الخارج عن صفات الجواهر والأعراض، ومعي به روايات عن الصادقين من آل محمد صلى الله عليه وآله، ولست أعرف لمتكلم من الإمامية قبلي فيه مذهبا فأحكيه، ولا أعلم بيني وبين فقهاء الإمامية وأصحاب الحديث فيه اختلافا.

- ما تضمنه القرآن في كلام الجوارح ونطقها وشهادتها إنما هو على الاستعارة دون الحقيقة

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 125:

135 - القول في كلام الجوارح ونطقها وشهادتها

وأقول: إن ما تضمنه القرآن من ذكر ذلك. إنما هو على الاستعارة دون الحقيقة، كما قال الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}. ولم يكن منهما نطق على التحقيق.

وهذا مذهب أبي القاسم البلخي وجماعة من أهل العدل ويخالف فيه كثير من المعتزلة وساير المشبهة والمجبرة.

- أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 42، 45:

[خلق أفعال العباد]

فصل: في أفعال العباد قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يزل عالما بمقاديرها.

قال الشيخ أبو عبد الله رحمه الله: الصحيح عن آل محمد صلى الله عليه وآله: أن أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى، والذي ذكره أبو جعفر رحمه الله قد جاء به حديث غير معمول به ولا مرضي الإسناد، والأخبار الصحيحة بخلافه.

وليس يعرف في لغة العرب أن العلم بالشيء هو خلق له، ولو كان ذلك كما قال المخالفون للحق لوجب أن يكون من علم النبي صلى الله عليه وآله فقد خلقه، ومن علم السماء والأرض فهو خالق لهما، ومن عرف بنفسه شيئا من صنع الله تعالى وقرره في نفسه لوجب أن يكون خالقا له، وهذا محال لا يذهب وجه الخطأ فيه على بعض رعية الأئمة عليهم السلام فضلا عنهم.

فأما التقدير فهو الخلق في اللغة، لأن التقدير لا يكون إلا بالفعل، فأما بالعلم فلا يكون تقديرا ولا يكون أيضا بالفكر، والله تعالى متعال عن خلق الفواحش والقبائح على كل حال.

وقد روي عن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهم: أنه سئل عن أفعال العباد، فقيل له: [هل هي] مخلوقة لله تعالى؟ فقال عليه السلام: لو كان خالقا لها لما تبرأ منها. وقد قال سبحانه: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم.

وسأل أبو حنيفة أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن أفعال العباد ممن هي؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام: إن [أفعال العباد] لا تخلو من ثلاثة منازل: إما أن تكون من الله تعالى خاصة، أو من الله ومن العبد على وجه الاشتراك فيها، أو من العبد خاصة، فلو كانت من الله تعالى خاصة لكان أول بالحمد على حسنها والذم على قبحها، ولم يتعلق بغيره حمد ولا لوم فيها، ولو كانت من الله ومن العبد لكان الحمد لهما معا فيها والذم عليهما جميعا فيها، وإذا بطل هذان الوجهان ثبت أنها من الخلق، فإن عاقبهم الله تعالى على جنايتهم بها فله ذلك، وإن عفا عنهم فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.

وفي أمثال ما ذكرناه من الأخبار ومعانيها ما يطول به الكلام.

فصل: وكتاب الله تعالى مقدم على الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه. قال الله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ} فخبّر بأن كل شيء خلقه فهو حسن غير قبيح، فلو كانت القبائح من خلقه لنافى ذلك حكمه بحسنها، وفي حكم الله تعالى بحسن جميع ما خلق شاهد ببطلان قول من زعم أنه خلق قبيحا.

وقال تعالى: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} فنفى التفاوت عن خلقه، وقد ثبت أن الكفر والكذب متفاوت في نفسه، والمتضاد من الكلام متفاوت! فكيف يجوز أن يطلقوا على الله تعالى أنه خالق لأفعال العباد وفي أفعالهم من التفاوت والتضاد ما ذكرناه مع قوله تعالى: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} فنفى ذلك ورد على مضيفه إليه وأكذبه فيه.

- الفطرة هي الخلق

- الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وفطرهم ليوحدوه

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 60، 62:

[معنى فطرة الله]

قال أبو جعفر رحمه الله في معنى الفطرة: إن الله تعالى فطر [جميع الخلق] على التوحيد.

قال الشيخ المفيد رحمه الله: ذكر أبو جعفر رحمه الله الفطرة ولم يبين معناها! وأورد الحديث على وجهه ولم يذكر فائدته، والمعنى في قوله عليه السلام فطر الله الخلق، أي: ابتدأهم بالحدوث، والفطرة هي الخلق.

قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} يريد به خالق السموات والأرض على الابتداء والاستقبال، وقال: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} يعني خلقته التي خلق الناس عليها [وهو معنى] قول الصادق عليه السلام: فطر الله الخلق على التوحيد، أي: خلقهم للتوحيد وعلى أن يوحدوه، وليس المراد به أنه [أراد منهم] التوحيد، ولو كان الأمر كذلك ما كان مخلوق إلا موحدا، وفي وجودنا من المخلوقين من لا يوحد الله تعالى دليل على أنه لم يخلق التوحيد في الخلق، بل خلقهم ليكتسبوا التوحيد! وقد قال تعالى في شاهد ما ذكرناه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} فبين أنه إنما خلقهم لعبادته.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله رواية تلقاها العامة والخاصة بالقبول، قال: كل مولود يولد فهو على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه.

وهذا أيضا مبين عن صحة ما قدمناه من أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، وفطرهم ليوحدوه، وإنما أتي الضالون من قبل [أنفسهم و] من أضلهم من الجن والإنس دون الله تعالى، والذي أورده أبو جعفر في بيان... الله الخلق وهدايتهم إلى الرشد على ما ذكر وقد أصاب في ذلك وسلك الطريقة المثلى فيه وقال ما يقتضيه العدل ويدل عليه العقل، وهو خلاف مذهب المجبرة الرادين على الله فيما قال والمخالفين في أقوالهم دلائل العقول.

-  في معنى الاستطاعة

- الاستطاعة هي الصحة والسلامة فكل صحيح فهو مستطيع وإنما يعجز الإنسان ويخرج عن الاستطاعة بخروجه عن الصحة

- المنع لا يضاد الاستطاعة وإنما يضاد الفعل ولذلك يكون الإنسان مستطيعا للنكاح وهو لا يجد امرأة ينكحها

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 63، 64:

فصل: في [معنى] الاستطاعة

قال أبو جعفر رحمه الله في الاستطاعة: اعتقادنا في ذلك ما روي عن موسى بن جعفر عليه السلام: من أن العبد لا يكون مستطيعا إلا بأربع خصال... إلخ.

قال أبو عبد الله: الذي رواه أبو جعفر عن أبي الحسن موسى عليه السلام في الاستطاعة حديث شاذ، والاستطاعة في الحقيقة هي الصحة والسلامة، فكل صحيح فهو مستطيع، وإنما يعجز الإنسان ويخرج عن الاستطاعة بخروجه عن الصحة، وقد يكون مستطيعا للفعل من لا يجد آلة له ويكون مستطيعا ممنوعا من الفعل، والمنع لا يضاد الاستطاعة وإنما يضاد الفعل، ولذلك يكون الإنسان مستطيعا للنكاح وهو لا يجد امرأة ينكحها. وقد قال الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} فبين أن الإنسان يكون مستطيعا للنكاح وهو غير ناكح، ويكون مستطيعا للحج قبل أن يحج، ومستطيعا للخروج قبل أن يخرج.

قال الله تعالى: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} فخبر أنهم كانوا مستطيعين للخروج فلم يخرجوا.

وقال سبحانه: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فأوجب الحج على [الناس و] الاستطاعة قبل الحج، فكيف ظن أبو جعفر أن من شرط الاستطاعة للزنا وجود المزني بها، وقد بينا أن الإنسان يستطيع ذلك مع فقد المرأة وتعذر وجودها؟ وإن ثبت الخبر الذي رواه أبو جعفر رحمه الله فالمراد بالاستطاعة فيه التيسير للفعل وتسهيل سبيله، وليس عدم السبيل موجبا لعدم الاستطاعة، لما قدمناه من وجود الاستطاعة مع المنع، وهذا باب إن بسطناه طال القول فيه، وفيما أثبتناه من معناه كفاية لمن اعتبره.

- أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 42، 45:

[خلق أفعال العباد]

فصل: في أفعال العباد قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يزل عالما بمقاديرها.

قال الشيخ أبو عبد الله رحمه الله: الصحيح عن آل محمد صلى الله عليه وآله: أن أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى، والذي ذكره أبو جعفر رحمه الله قد جاء به حديث غير معمول به ولا مرضي الإسناد، والأخبار الصحيحة بخلافه.

وليس يعرف في لغة العرب أن العلم بالشيء هو خلق له، ولو كان ذلك كما قال المخالفون للحق لوجب أن يكون من علم النبي صلى الله عليه وآله فقد خلقه، ومن علم السماء والأرض فهو خالق لهما، ومن عرف بنفسه شيئا من صنع الله تعالى وقرره في نفسه لوجب أن يكون خالقا له، وهذا محال لا يذهب وجه الخطأ فيه على بعض رعية الأئمة عليهم السلام فضلا عنهم.

فأما التقدير فهو الخلق في اللغة، لأن التقدير لا يكون إلا بالفعل، فأما بالعلم فلا يكون تقديرا ولا يكون أيضا بالفكر، والله تعالى متعال عن خلق الفواحش والقبائح على كل حال.

وقد روي عن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهم: أنه سئل عن أفعال العباد، فقيل له: [هل هي] مخلوقة لله تعالى؟ فقال عليه السلام: لو كان خالقا لها لما تبرأ منها. وقد قال سبحانه: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم.

وسأل أبو حنيفة أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن أفعال العباد ممن هي؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام: إن [أفعال العباد] لا تخلو من ثلاثة منازل: إما أن تكون من الله تعالى خاصة، أو من الله ومن العبد على وجه الاشتراك فيها، أو من العبد خاصة، فلو كانت من الله تعالى خاصة لكان أول بالحمد على حسنها والذم على قبحها، ولم يتعلق بغيره حمد ولا لوم فيها، ولو كانت من الله ومن العبد لكان الحمد لهما معا فيها والذم عليهما جميعا فيها، وإذا بطل هذان الوجهان ثبت أنها من الخلق، فإن عاقبهم الله تعالى على جنايتهم بها فله ذلك، وإن عفا عنهم فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.

وفي أمثال ما ذكرناه من الأخبار ومعانيها ما يطول به الكلام.

فصل: وكتاب الله تعالى مقدم على الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه. قال الله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ} فخبّر بأن كل شيء خلقه فهو حسن غير قبيح، فلو كانت القبائح من خلقه لنافى ذلك حكمه بحسنها، وفي حكم الله تعالى بحسن جميع ما خلق شاهد ببطلان قول من زعم أنه خلق قبيحا.

وقال تعالى: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} فنفى التفاوت عن خلقه، وقد ثبت أن الكفر والكذب متفاوت في نفسه، والمتضاد من الكلام متفاوت! فكيف يجوز أن يطلقوا على الله تعالى أنه خالق لأفعال العباد وفي أفعالهم من التفاوت والتضاد ما ذكرناه مع قوله تعالى: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} فنفى ذلك ورد على مضيفه إليه وأكذبه فيه.

- الفطرة هي الخلق

- الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وفطرهم ليوحدوه

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 60، 62:

[معنى فطرة الله]

قال أبو جعفر رحمه الله في معنى الفطرة: إن الله تعالى فطر [جميع الخلق] على التوحيد.

قال الشيخ المفيد رحمه الله: ذكر أبو جعفر رحمه الله الفطرة ولم يبين معناها! وأورد الحديث على وجهه ولم يذكر فائدته، والمعنى في قوله عليه السلام فطر الله الخلق، أي: ابتدأهم بالحدوث، والفطرة هي الخلق.

قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} يريد به خالق السموات والأرض على الابتداء والاستقبال، وقال: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} يعني خلقته التي خلق الناس عليها [وهو معنى] قول الصادق عليه السلام: فطر الله الخلق على التوحيد، أي: خلقهم للتوحيد وعلى أن يوحدوه، وليس المراد به أنه [أراد منهم] التوحيد، ولو كان الأمر كذلك ما كان مخلوق إلا موحدا، وفي وجودنا من المخلوقين من لا يوحد الله تعالى دليل على أنه لم يخلق التوحيد في الخلق، بل خلقهم ليكتسبوا التوحيد! وقد قال تعالى في شاهد ما ذكرناه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} فبين أنه إنما خلقهم لعبادته.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله رواية تلقاها العامة والخاصة بالقبول، قال: كل مولود يولد فهو على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه.

وهذا أيضا مبين عن صحة ما قدمناه من أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، وفطرهم ليوحدوه، وإنما أتي الضالون من قبل [أنفسهم و] من أضلهم من الجن والإنس دون الله تعالى، والذي أورده أبو جعفر في بيان... الله الخلق وهدايتهم إلى الرشد على ما ذكر وقد أصاب في ذلك وسلك الطريقة المثلى فيه وقال ما يقتضيه العدل ويدل عليه العقل، وهو خلاف مذهب المجبرة الرادين على الله فيما قال والمخالفين في أقوالهم دلائل العقول.

- في معنى الاستطاعة

-الاستطاعة هي الصحة والسلامة فكل صحيح فهو مستطيع وإنما يعجز الإنسان ويخرج عن الاستطاعة بخروجه عن الصحة

- المنع لا يضاد الاستطاعة وإنما يضاد الفعل ولذلك يكون الإنسان مستطيعا للنكاح وهو لا يجد امرأة ينكحها

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 63، 64:

فصل: في [معنى] الاستطاعة

قال أبو جعفر رحمه الله في الاستطاعة: اعتقادنا في ذلك ما روي عن موسى بن جعفر عليه السلام: من أن العبد لا يكون مستطيعا إلا بأربع خصال... إلخ.

قال أبو عبد الله: الذي رواه أبو جعفر عن أبي الحسن موسى عليه السلام في الاستطاعة حديث شاذ، والاستطاعة في الحقيقة هي الصحة والسلامة، فكل صحيح فهو مستطيع، وإنما يعجز الإنسان ويخرج عن الاستطاعة بخروجه عن الصحة، وقد يكون مستطيعا للفعل من لا يجد آلة له ويكون مستطيعا ممنوعا من الفعل، والمنع لا يضاد الاستطاعة وإنما يضاد الفعل، ولذلك يكون الإنسان مستطيعا للنكاح وهو لا يجد امرأة ينكحها. وقد قال الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} فبين أن الإنسان يكون مستطيعا للنكاح وهو غير ناكح، ويكون مستطيعا للحج قبل أن يحج، ومستطيعا للخروج قبل أن يخرج.

قال الله تعالى: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} فخبر أنهم كانوا مستطيعين للخروج فلم يخرجوا.

وقال سبحانه: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فأوجب الحج على [الناس و] الاستطاعة قبل الحج، فكيف ظن أبو جعفر أن من شرط الاستطاعة للزنا وجود المزني بها، وقد بينا أن الإنسان يستطيع ذلك مع فقد المرأة وتعذر وجودها؟ وإن ثبت الخبر الذي رواه أبو جعفر رحمه الله فالمراد بالاستطاعة فيه التيسير للفعل وتسهيل سبيله، وليس عدم السبيل موجبا لعدم الاستطاعة، لما قدمناه من وجود الاستطاعة مع المنع، وهذا باب إن بسطناه طال القول فيه، وفيما أثبتناه من معناه كفاية لمن اعتبره.

- الحياة التي في الذوات الفعالة هي معنى تصحيح العلم والقدرة وهي شرط في كون العالم عالما والقادر قادرا وليست من نوع الحياة التي تكون في الأجساد

- المسائل السروية- الشيخ المفيد  ص 55، 56:

المسالة الثالثة: ماهية الروح: ما قوله أدام الله تعالى علوه في الأرواح وماهيتها، وحقيقة كيفيتها، ومالها عند مفارقتها الأجساد، وهل حياة النمو وقبول الغذاء، والحياة التي هي في الذوات الفعالة هل هي معنى أم لا؟

الجواب: إن الأرواح عندنا هي أعراض لا بقاء لها، وإنما عبد الله تعالى منها الحي حالا بحال، فإذا قطع امتداد المحيى بها جاء الموت الذي هو ضد الحياة ولم يكن للأرواح وجود، فإذا أحيا الله تعالى الأموات ابتدأت فيهم الحياة التي هي الروح.

والحياة التي في الذوات الفعالة هي معنى تصحيح العلم والقدرة، وهي شرط في كون العالم عالما، والقادر قادرا، وليست من نوع الحياة التي تكون في الأجساد.

- بحث في ماهية الإنسان

- الإنسان شيء قائم بنفسه لا حجم له ولا حيز لا يصح عليه التركيب ولا الحركة والسكون ولا الاجتماع والافتراق وهو الشيء الذي كانت تسميه الحكماء الأوائل الجوهر البسيط

- الإنسان شيء يحتمل العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة والبغض والحب قائم بنفسه محتاج في أفعاله إلى الآلة التي هي الجسد

- الوصف للإنسان بأنه حي يصح عليه القول بأنه عالم قادر وليس الوصف له بالحياة كالوصف للأجساد بالحياة وقد يعبر عنه بـالروح

- الإنسان الذي هو الجوهر البسيط يسمى الروح وعليه الثواب والعقاب وإليه توجه الأمر والنهي والوعد والوعيد

- المسائل السروية- الشيخ المفيد  ص 57، 61:

المسألة الرابعة: ماهية الإنسان ما قوله حرس الله تعالى عزه في الإنسان، أهو هذا الشخص المرئي المدرك، على ما يذكره أصحاب أبي هاشم؟ أم جزء حال في القلب حساس دراك، كما يحكى عن أبي بكر بن الأخشيد؟

الجواب: إن الإنسان هو ما ذكره بنو نوبخت. وقد حكي عن هشام بن الحكم أيضا، والأخبار عن موالينا عليهم السلام تدل على ما نذهب إليه: وهو شيء قائم بنفسه، لا حجم له ولا حيز، لا يصح عليه التركيب ولا الحركة والسكون، ولا الاجتماع والافتراق، وهو الشيء الذي كانت تسميه الحكماء الأوائل: (الجوهر البسيط). وكذلك كل حي فعال محدث فهو جوهر بسيط. وليس كما قال الجبائي وابنه وأصحابهما: أنه جملة مؤلفة. ولا كما قال ابن الإخشيد: انه جسم متخلخل في الجملة الظاهرة. ولا كما قال الأعوازي: أنه جزء يتجزأ.

وقولي فيه قول معمر من المعتزلة، وبني نوبخت من الشيعة على ما قدمت ذكره وهو شيء يحتمل العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة والبغض والحب، قائم بنفسه، محتاج في أفعاله إلى الآلة التي هي الجسد. والوصف له بأنه حي يصح عليه القول بإنه عالم قادر. وليس الوصف له بالحياة كالوصف للأجساد بالحياة حسبما قدمناه. وقد يعبر عنه ب‍  (الروح). وعلى هذا المعنى جاءت الأخبار: أن الروح إذا فارقت الجسد نعمت وعذبت. والمراد: أن الإنسان الذي هو الجوهر البسيط يسمى (الروح)، وعليه الثواب والعقاب، وإليه توجه الأمر والنهي والوعد والوعيد. وقد دل القران على ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} فأخبر تعالى أنه غير الصورة، وأنه مركب فيها. ولو كان الإنسان هو الصورة لم يكن لقوله تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ معنى، لأن المركب في الشيء غير الشيء المركب فيه. ولا مجال أن تكون الصورة مركبة في نفسها وعينها لما ذكرناه. وقد قال سبحانه في مؤمن آل يس: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} فاخبر أنه حي ناطق منعم وإن كان جسمه على ظهر الأرض أوفي بطنها. وقال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ} فأخبر أنهم أحياء وإن كانت أجسادهم على وجه الأرض أمواتا لا حياة فيها. وروي عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا: "إذا فارقت أرواح المؤمنين أجسادهم أسكنها الله تعالى في أجسادهم التي فارقوها فينعمهم في جنته". وأنكروا ما ادعته العامة من أنها تسكن في حواصل الطيور الخضر، وقالوا: "المؤمن أكرم على الله من ذلك". ولنا على المذهب الذي وصفناه أدلة عقيلة لا يطعن المخالف فيها ونظائرها لما ذكرناه من الأدلة السمعية. وبالله أستعين.

- الإنسان المأمور المنهي هو الجوهر البسيط والأجزاء المؤلفة لا يصح أن تكون فعالة

- المسائل السروية- الشيخ المفيد  ص 66، 68:

المسألة السادسة: حياة الشهداء: ما قوله أدام الله تعالى تمكينه في قول الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} أهم أحياء في الحقيقة على ما تقتضيه الآية الشريفة، أم الآية مجاز؟ وهل أجسادهم الآن في قبورهم، أم في الجنة؟ فإن المعتزلة من أصحاب أبي هاشم يقولون: إن الله تعالى ينزع من جسد كل واحد منهم أجزاء قدر ما تتعلق به الروح، وأنه تعالى يرزقهم على ما نطقت به الآية، وما سوى هذا من أجزاء أبدانهم فهي في قبورهم كأجساد سائر الموتى.

الجواب: هو ما قدمنا ذكره في المسالة السابقة، وقد ثبت ما فيه ببيان يستغنى بوضوحه عن تكراره وإعادته. فأما هذا المحكي في أصحاب أبي هاشم فلان المحفوظ عنه: أن الإنسان المخاطب المأمور المنهي هو البنية التي لا تصح الحياة إلا بها، وما سوى ذلك من الجسد فليس بإنسان، ولا يتوجه إليه أمر ولا نهي ولا تكليف. وإن كان القوم يزعمون أن تلك البنية لا تفارق ما جاورها من الجسد فيعذب أو ينعم، فهو مقال يستمر على أصلهم إذا كانت البنية التي ذكروها هو المكلف المأمور المنهي، وباقي جسده في القبر. إلا أنهم لم يذكروا كيف يعذب من يعذب، ويثاب من يثاب: أفي دار غير الدنيا، أم فيها؟ وهل يحيى بعد الموت، أو يفارق الجملة في الدنيا فلا يلحقة موت؟ ثم لم يحك عنهم في أي محل يعذبون ويثابون. وما قالوه من ذلك فليس به أثر، ولا يدل عليه العقل، وإنما هو مخرج منهم على الظن والحسبان. ومن بنى مذهبه على الظن في مثل هذا الباب كان بمقاله مضطربا.

ثم إنه يفسد قولهم من بعد: ما دل على أن الإنسان المأمور المنهي هو الجوهر البسيط، وأن الأجزاء المؤلفة لا يصح أن تكون فعالة. ودلائل ذلك يطول بإثباتها الكتاب، وفيما أومأنا إليه منها كفاية فيما يتعلق به السؤال. وبالله التوفيق.