عقائد الشيعة الإمامية >> الشيخ المفيد

 

 

عقائد الشيخ المفيد قدس سره

فرق الشيعة غير الإثني عشرية

 

-  الشيعة بعلامة التعريف هو على التخصيص لأتباع أمير المؤمنين على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول بلا فصل ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة وجعله في الاعتقاد متبوعا لهم غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء

-  السمة بالتشيع وجبت للإمامية والزيدية الجارودية لانتظامهم بمعناها وحصولهم على موجبها ولم يخرجوا عنها وإن ضموا إليها وفاقا بينهم أو خلافا في أنحاء من المعتقدات

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 34، 38:

1- باب القول في الفرق بين الشيعة فيما نسبت به إلى التشيع والمعتزلة فيما استحقت به اسم الاعتزال الإخلاص، قال الله عز وجل: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} ففرق بينهما في الاسم بما أخبر به من فرق ما بينهما في الولاية والعداوة، وجعل موجب التشيع لأحدهما هو الولاء بصريح الذكر له في الكلام، وقال الله تعالى: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ} فقضى له بالسمة للاتباع منه لنوح عليه السلام على سبيل الولاء، ومنه قولهم: (فلان تكلم في كذا وكذا فشيع فلان كلامه) إذا صدقه فيه واتبعه في معانيه.

ومن هذا المعنى قيل لمن اتبع المسافر لوداعه: (هو مشيع له)، غير أنه ليس كل مشيع لغيره على حقيقة ما ذكرناه من الاتباع يستحق السمة بالتشيع، ولا يقع عليه إطلاق اللفظ بأنه من الشيعة وإن كان متبوعه محقا أو كان مبطلا إلا أن يسقط منه علامة التعريف التي هي الألف واللام ويضاف بلفظ (من) التبعيض فيقال: (هؤلاء من شيعة بني أمية) أو (من شيعة بني العباس) أو (من شيعة فلان أو فلان).

فأما إذا أدخل فيه علامة التعريف فهو على التخصيص لا محالة لأتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول صلوات الله عليه وآله بلا فصل ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة وجعله في الاعتقاد متبوعا لهم غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء.

والذي يدل على صحة ذلك عرف الكافة ومعهودهم منه في الإطلاق، ومعرفة كل مخاطب منه مراد المخاطب في تعيين هذه الفرقة دون من سواها ممن يدعي استحقاقه من مخالفيها بما شرحناه، وكما يفهم العرف مراد المخاطب بذكر الإسلام على الإطلاق وذكر الحنيفية والإيمان والصلوة والزكوة والحج والصيام، وإن كانت هذه الأسماء في أصل اللسان غير مفيدة لما قررته الشريعة وقضى به العرف فيها على البيان.

ويزيد ذلك وضوحا ما حصل عليه الاتفاق من تعري الخوارج عن هذه السمة وخروجهم عن استحقاقها، وجهل من أطلقها عليهم بذكر الألف واللام وإن كانوا أتباعا لأبي بكر وعمر على سبيل الولاء، وكما خرج عن استحقاقها أيضا أهل البصرة وأتباع معاوية ومن قعد عن نصرة أمير المؤمنين عليه السلام وإن كانوا أتباعا لأئمة هدى عند أهل الخلاف، ومظهرين لترك عداوته مع الخذلان.

فيعلم بهذا الاعتبار أن السمة بالتشيع علم على الفريق الذي ذكرناه وإن كان أصلها في اللسان ما وصفناه من الاتباع، كما أن الإسلام علم على أمة محمد صلى الله عليه وآله خاصة، وإن كان في أصل اللغة اسما تستحقه اليهود لاستسلامها لموسى عليه السلام، وتستحقه النصارى بمثل ذلك، وتستحقه المجوس لانقيادها لزرادشت، وكل مستسلم لغيره يستحقه على معنى اللغة لكنهم خرجوا عن استحقاقه لما صار علما على أمة محمد صلى الله عليه وآله وتخصصت به دون من سواها للعرف والاستعمال.

وهذه الجملة كافية فيما أثبتناه وإن كان شرحها يتسع ويتناصر فيه البينات، لكنا عدلنا عنه لما نؤمه من الغرض فيما سواه وقد أفردنا رسالة لها استقصينا فيها الكلام.

وإذا ثبت ما بيناه بالسمة بالتشيع كما وصفناه وجبت للإمامية والزيدية الجارودية من بين سائر فرق الأمة لانتظامهم بمعناها وحصولهم على موجبها، ولم يخرجوا عنها وإن ضموا إليها وفاقا بينهم أو خلافا في أنحاء من المعتقدات، وخرجت المعتزلة والبكرية والخوارج والحشوية عنها لتعريهم عن معناها الذي وصفناه ولم يدخلهم فيها وفاق لمن وجبت له فيما سواه كائنا ما كان.

وأما المعتزلة وما وسمت به من اسم الاعتزال فهو لقب حدث لها عند القول بالمنزلة بين المنزلتين، وما أحدثه واصل بن عطاء من المذهب في ذلك ونصب من الاحتجاج له، فتابعه عمرو بن عبيد، ووافقه على التدين به من قال بها واتبعهما عليه إلى اعتزال الحسن البصري وأصحابه والتحيز عن مجلسه فسماهم الناس المعتزلة لاعتزالهم مجلس الحسن بعد أن كانوا من أهله، وتفردهم بما ذهبوا إليه من هذه المسألة من جميع الأمة وسائر العلماء، ولم يك قبل ذلك يعرف الاعتزال ولا كان علما على فريق من الناس.

فمن وافق المعتزلة فيما تذهب إليه من المنزلة بين المنزلتين كان معتزليا على الحقيقة، وإن ضم إلى ذلك وفاقا لغيرهم من أهل الآراء وغلب عليه اسم الاعتزال، ولم يخرجه عنه دينونته بما لا يذهب إليه جمهورهم من المقال.

كما يستحق اسم التشيع ويغلب عليه من دان بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام على حسب ما قدمناه، وإن ضم إلى ذلك من الاعتقاد ما ينكره كثير من الشيعة ويأباه، وكذلك ضرار بن عمرو كان معتزليا وإن دان بالمخلوق والماهية على خلاف جمهور أهل الاعتزال، وكان هشام بن الحكم شيعيا وإن خالف الشيعة كافة في أسماء الله تعالى وما ذهب إليه في معاني الصفات.

- الزيدية من الشيعة هم القائلون بإمامة أمير المؤمنين والحسن والحسين وزيد بن علي وبإمامة كل فاطمي دعا إلى نفسه و هو على ظاهر العدالة ومن أهل العلم والشجاعة وكانت بيعته على تجريد السيف للجهاد

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 38، 39:

2- باب الفرق بين الإمامية وغيرهم من الشيعة وسائر أصحاب المقالات

فأما السمة للمذهب بالإمامة ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام، ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي عليهما السلام وساقها إلى الرضا علي بن موسى عليهما السلام لأنه وإن كان في الأصل علما على من دان من الأصول بما ذكرناه دون التخصيص لمن قال في الأعيان بما وصفناه، فإنه قد انتقل عن أصله لاستحقاق فرق من معتقديه ألقابا بأحاديث لهم بأقاويل أحدثوها فغلبت عليهم في الاستعمال دون الوصف بالإمامية، وصار هذا الاسم في عرف المتكلمين وغيرهم من الفقهاء والعامة علما على من ذكرناه.

وأما الزيدية فهم القائلون بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين وزيد بن علي عليهم السلام وبإمامة كل فاطمي دعا إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة ومن أهل العلم والشجاعة وكانت بيعته على تجريد السيف للجهاد.

- الحلاجية ضرب من أصحاب التصوف وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول وهم قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم ويدعون للحلاج الأباطيل

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 131، 136:

فصل: في الغلو والتفويض

قال أبو جعفر: باب الاعتقاد في الغلو والتفويض... إلى آخره.

قال الشيخ المفيد رحمه الله: الغلو في اللغة هو [التجاوز عن الحد  والخروج عن القصد.

قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} الآية، فنهى عن تجاوز الحد في المسيح، وحذر من الخروج عن القصد في القول، وجعل ما ادعته النصارى فيه غلوا لتعديه الحد على ما بيناه.

والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته عليهم السلام إلى الألوهية والنبوة، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد، وخرجوا عن القصد، وهم ضلال كفار حكم فيهم أمير المؤمنين عليه السلام بالقتل والتحريق بالنار، وقضت الأئمة عليهم السلامعليهم بالإكفار والخروج عن الإسلام.

فصل: فأما ما ذكره أبو جعفر رحمه الله من مضي نبينا والأئمة عليهم السلام بالسم والقتل، فمنه ما ثبت، ومنه ما لم يثبت، والمقطوع به أن أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام خرجوا من الدنيا بالقتل ولم يمت أحدهم حتف أنفه، وممن مضى بعدهم مسموما موسى بن جعفر عليه السلام ويقوى في النفس أمر الرضا عليه السلام وإن كان فيه شك، فلا طريق إلى الحكم فيمن عداهم بأنهم سموا أو اغتيلوا أو قتلوا صبرا، فالخبر بذلك يجري مجرى الإرجاف، وليس إلى تيقنه سبيل.

والمفوضة صنف من الغلاة، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمة وخلقهم ونفي القدم عنهم وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم، ودعواهم أن الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم خاصة، وأنه فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال.

والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف، وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول، ولم يكن الحلاج يتخصص بإظهار التشيع وإن كان ظاهر أمره التصوف، وهم قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم، ويدعون للحلاج الأباطيل، ويجرون في ذلك مجرى المجوس في دعواهم لزرادشت المعجزات، ومجرى النصارى في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات، والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم، وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس.

فصل: فأما نص أبي جعفر رحمه الله بالغلو على من نسب مشايخ القميين وعلمائهم إلى التقصير، فليس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلو الناس، إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصرا، وإنما يجب الحكم بالغلو على من نسب المحقين إلى التقصير، سواء كانوا من أهل قم أم غيرها من البلاد وسائر الناس.

وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد رحمه الله لم نجد لها دافعا في التقصير، وهي ما حكي عنه أنه قال: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام فإن صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر مع أنه من علماء القميين ومشيختهم.

وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قم يقصرون تقصيرا ظاهرا في الدين، وينزلون الأئمة عليهم السلام عن مراتبهم، ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم، ورأينا من يقول إنهم كانوا يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون، ويدعون مع ذلك أنهم من العلماء. وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه.

ويكفي في علامة الغلو نفي القائل به عن الأئمة سمات الحدوث وحكمه لهم بالإلهية والقدم، [إذ قالوا بما] يقتضي ذلك من خلق أعيان الأجسام واختراع الجواهر وما ليس بمقدور العباد من الأعراض، ولا يحتاج مع ذلك إلى الحكم عليهم وتحقيق أمرهم بما جعله أبو جعفر سمة للغلو على كل حال.

-  الكيسانية أول فرقة من فرق الإمامية شذت عن الحق

-  الكيسانية هم أصحاب المختار وقالت بإمامة محمد بن أمير المؤمنين ابن الحنفية وزعموا أنه هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وأنه حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر الحق

-  في بعض شعراءه الكيسانية

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 296، 299:

فصل: في معنى نسبة الإمامية. قال الشيخ أيده الله: الإمامية هم القائلون بوجوب الإمامة والعصمة ووجوب النص، وإنما حصل لها هذا الاسم في الأصل لجمعها في المقالة هذه الأصول فكل من جمعها فهو إمامي وإن ضم إليها حقا في المذهب كان أم باطلا، ثم إن من شمله هذا الاسم واستحقه لمعناه قد افترقت كلمتهم في أعيان الأئمة عليهم السلام وفي فروع ترجع إلى هذه الأصول وغير ذلك.

فأول من شذ عن الحق من فرق الامامية؛ (الكيسانية) وهم أصحاب المختار، وإنما سميت بهذا الاسم لأن المختار كان اسمه أولا كيسان، وقيل إنما سمي بهذا الاسم لان أباه حمله وهو صغير فوضعه بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام قالوا: فمسح يده على رأسه وقال: كيس كيس فلزمه هذا الاسم.

وزعمت فرقة منهم أن محمد بن علي عليه السلام استعمل المختار على العراقين بعد قتل الحسين عليه السلام وأمره بالطلب بثأره وسماه كيسان لما عرف من قيامه ومذهبه، وهذه الحكايات في معنى اسمه عن الكيسانية خاصة، فأما نحن فلا نعرف إلا أنه سمى بهذا الاسم ولا نتحقق معناه.

وقالت هذه الطائفة بإمامة أبي القاسم محمد بن أمير المؤمنين عليه السلام ابن خولة الحنفية، وزعموا أنه هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وأنه حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر الحق، وتعلقت في إمامته بقول أمير المؤمنين عليه السلام يوم البصرة: "أنت ابني حقا"، وأنه كان صاحب رايته كما كان أمير المؤمنين عليه السلام صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ذلك عندهم الدليل على أنه أولى الناس بمقامه. واعتلوا في أنه المهدي بقول النبي صلى الله عليه وآله لن تنقض الأيام والليالي حتى يبعث الله عز وجل رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قالوا: وكان من أسماء أمير المؤمنين عليه السلام: عبد الله، بقوله: "أنا عبد الله وأخو رسول الله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر". وتعلقوا في حياته بأنه إذا ثبت إمامته وانه القائم، فقد بطل أن يكون الإمام غيره، وليس يجوز أن يموت قبل ظهوره فتخلو الأرض من حجة، فلا بد على صحة هذه الأصول من حياته.

وهذه الفرقة بأجمعها تذهب إلى أن محمدا رحمه الله كان الإمام بعد الحسن والحسين عليهما السلام. وقد حكي عن بعض الكيسانية أنه كان يقول: إن محمدا كان الإمام بعد أمير المؤمنين عليه السلام ويبطل إمامة الحسن والحسين عليهما السلام ويقول: إن الحسن عليه السلام إنما دعا في باطن الدعوة إلى محمد بأمره، وأن الحسين عليه السلام ظهر بالسيف بإذنه وأنهما كانا داعيين إليه وأميرين من قبله. وحكي عن بعضهم أن محمدا مات وحصلت الإمامة بعده في ولده وأنها انتقلت من ولده إلى ولد العباس ابن عبد المطلب، وقد حكي أيضا أن منهم من يقول: إن عبد الله بن محمد حي لم يمت وأنه القائم وهذه حكاية شاذة. وقيل: إن منهم من يقول: إن محمدا قد مات وأنه يقوم بعد الموت وهو المهدي وينكر حياته، وهذا أيضا قول شاذ.

وجميع ما حكيناه بعد الأول من الأقوال فهو حادث ألجا القوم إليه الاضطرار عند الحيرة وفراقهم الحق. والأصل المشهور ما حكيناه من قول الجماعة المعروفة بإمامة أبي القاسم بعد أخويه عليهما السلام والقطع على حياته وأنه القائم. مع أنه لا بقية للكيسانية جملة وقد انقرضوا حتى لا يعرف منهم في هذا الزمان أحد إلا ما يحكى ولا يعرف صحته.

وكان من الكيسانية أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الشاعر رحمه الله وله في مذهبهم أشعار كثيرة ثم رجع عن القول بالكيسانية وبرئ منه ودان بالحق، لان أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام دعاه إلى إمامته وأبان له عن فرض طاعته فاستجاب له فقال بنظام الإمامة وفارق ما كان عليه من الضلالة وله في ذلك أيضا شعر معروف، ومن بعض قوله في إمامة محمد رضوان الله عليه ومذاهب الكيسانية قوله:

ألا حي المقيم بشعب رضوى  *  وأهد له بمنزله السلاما

وقل يا بن الوصي فدتك نفسي  *  أطلت بذلك الجبل المقاما

أضر بمعشر والوك منا  *  وسموك الخليفة والإماما

وعادوا فيك أهل الأرض طرا  *  مقامك عندهم سبعين عاما

لقد أضحى بمورق شعب رضوى  *  تراجعه الملائكة الكلاما

وما ذاق ابن خولة طعم موت  *  ولا وارت له أرض عظاما

وإن له بها لمقيل صدق  *  وأندية تحدثه كراما

وله أيضا وقد روى عبد الله بن عطاء عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام أنه قال: أنا دفنت عمي محمد بن الحنفية ونفخت يدي من تراب قبره فقال:

نبئت أن ابن عطاء روى  *  وربما صرح بالمنكر

لما لوى أن أبا جعفر  *  قال ولم يصدق ولم يبرر

دفنت عمي ثم غادرتـه  *  صفيح لبن وتراب ثري

ما قاله قط ولو قاله  *  قلنا اتق الله أبا جعفر

وله عند رجوعه إلى الحق وفراقه الكيسانية:

تجعفرت باسم الله والله أكبر  *  وأيقنت أن الله يعفو ويغفر

ودنت بدين غير ما كنت داينا  *  به ونهاني سيد الناس جعفر

فقلت هب إني قد تهودت برهة  *  وإلا فديني دين من يتنصر

فلست بغال ما حييت وراجع   *  إلى ما عليه كنت أخفى وأضمر

ولا قائل قولا لكيسان بعدها  *  وإن عاب جهال مقالي وأكثروا

ولكنه من قد مضى لسبيله  *  على أحسن الحالات يقضى ويؤثر

وكان كثير عزة كيسانيا ومات على ذلك، وله في مذهب الكيسانية قوله:

ألا إن الأئمة من قريش  *  ولاة الحق أربعة ساء

علي والثلاثة من بنيه  *  هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبر  *  وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى  *  يقود الخيل يقدمها اللواء

يغيب فلا يرى فيهم زمانا  * برضوى عنده عسل وماء

-  بحث في فساد عقيدة الفرقة الكيسانية

- محمد الحنفية بن أمير المؤمنين لم يدع قط للإمامة لنفسه ولا دعا أحدا إلى اعتقاد ذلك فيه

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 300، 305:

فصل: قال الشيخ أيده الله: وأنا أعرض على هذه الطائفة مع اختلافها في مذاهبها بما أدل به على فساد أقوالها بمختصر من القول وإشارة إلى معاني الحجاج دون استيعاب ذلك وبلوغ الغاية فيه إذ ليس غرضي القصد لنقض المذاهب الشاذة عن نظام الإمامية في هذا الكتاب وإنما كان غرضي حكايتها فأحببت أن لا أخليها من رسم لمع من الحجج على ما ذكرت وبالله التوفيق.

فمما يدل على بطلان قول الكيسانية في إمامة محمد رضي الله عنه أنه لو كان على ما زعموا إماما معصوما يجب على الأمة طاعته، لوجب النص عليه أو ظهور العلم الدال على صدقه إذ العصمة لا تعلم بالحس ولا تدرك من ظاهر الخلقة وإنما تعلم بخبر علام الغيوب المطلع على الضمائر أو بدليله سبحانه على ذلك، وفي عدم النص على محمد من الرسول صلى الله عليه وآله أو من أبيه أو من أخويه عليهم السلام أيضا دليل على بطلان مقال من ذهب إلى إمامته. وكذلك عدم الخبر المتواتر بمعجز ظهر عليه عند دعوته إلى إمامته -إذ لو كان لكان ادعاها- برهان على ما ذكرناه. مع أن محمدا رضي الله عنه لم يدع قط للإمامة لنفسه ولا دعا أحدا إلى اعتقاد ذلك فيه، وقد كان سئل عن ظهور المختار وادعائه عليه أنه أمره بالخروج والطلب بثار الحسين عليه السلام وأنه أمره أن يدعو الناس إلى إمامته عن ذلك وصحته، فأنكره وقال لهم: والله ما أمرته بذلك لكني لا أبالي أن يأخذ بثأرنا كل أحد وما يسوءني أن يكون المختار هو الذي يطلب بدمائنا، فاعتمد السائلون له على ذلك وكانوا كثرة قد رحلوا إليه لهذا المعنى بعينه على ما ذكره أهل السير فرجعوا فنصر أكثرهم المختار على الطلب بدم أبي عبد الله الحسين عليه السلام ولم ينصروه على القول بإمامة أبي القاسم.

ومن قرأ الكتب وعرف الآثار وتصفح الأخبار وما جرى عليه أمر المختار لم يخف عليه هذا الفصل الذي ذكرناه فكيف يصح القول بإمامة محمد مع ما وصفناه.

فصل: فأما ما تعلقوا به فيما ادعوه من إمامته من قول أمير المؤمنين عليه السلام له يوم البصرة وقد أقدم بالراية: "أنت ابني حقا" فانه جهل منهم بمعاني الكلام وعجرفة في النظر والحجاج، وذلك أن النص لا يعقل من ظاهر هذا الكلام ولا من فحواه على معقول أهل اللسان ولا من تأويله على شيء من اللغات، ولا فصل بين من ادعى أن الإمامة تعقل من هذا اللفظ وأن النص بها يستفاد منه، وبين من زعم أن النبوة تعقل منه وتستفاد من معناه إذ تعريه من الأمرين جميعا على حد واحد.

فان قال منهم قائل: إن أمير المؤمنين عليه السلام لما كان إماما وقال لابنه محمد: "أنت ابني حقا" دل ذلك على أنه إنما شبهه به في الإمامة لا غير فكان هذا القول منه تنبيها على استخلافه له على حسب ما بيناه.

قيل له: لم زعمت أنه لما أضافه إلى نفسه وشبهه بها دل على أنه أراد التشبيه له بنفسه في الإمامة دون غير هذه الصفة من صفاته عليه السلام، وما أنكرت أنه أراد تشبيهه به في الصورة دون ما ذكرت.

فان قال: إنه لم يجر في تلك الحالة ذكر الصورة ولا ما يقتضى أن يكون أراد تشبيهه به فيها بالإضافة التي ذكرها فكيف يجوز حمل كلامه عليه السلام على ذلك.

قيل له: وكذلك لم يجر في تلك الحال للإمامة ذكر فتكون إضافته إلى نفسه بالذكر دليلا على أنه أراد تشبيهه به فيها على أن لكلامه عليه السلام معنى معقولا ولا يذهب عنه منصف، وذلك أن محمدا لما حمل الراية ثم صبر حتى كشف أهل البصرة فأبان من شجاعته وبأسه ونجدته ما كان مستورا، سر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام فأحب أن يعظمه ويمدحه على فعله فقال له: "أنت ابني حقا" يريد به أنك شبيهي في الشجاعة والبأس والنجدة. وقد قيل: إن من أشبه أباه فما ظلم. وقيل: إن من نعمة الله على العبد أن يشبه أباه ليصح نسبه. فكان الغرض المفهوم من قول أمير المؤمنين عليه السلام التشبيه لمحمد به في الشجاعة والشهادة له بطيب المولد والقطع على طهارته والمدحة له بما تضمنه الذكر من إضافته، ولم يجر للإمامة ذكر ولا كان هناك سبب يقتضي حمل الكلام على معناها ولا تأويله على فائدة يقتضيها، وإذا كان الأمر على ما وصفناه سقطت شبهتهم في هذا الباب.

ثم يقال لهم: فان أمير المؤمنين عليه السلام قال في ذلك اليوم بعينه في ذلك الموطن نفسه -بعد أن قال لمحمد المقال الذي رويتموه- للحسن والحسين عليهما السلام وقد رأى فيهما انكسارا عند مدحه لمحمد رضي الله عنه: "وأنتما ابنا رسول الله" فان كان إضافة محمد رضي الله تعالى عنه بقوله: "أنت ابني حقا" يدل على نصه عليه فإضافته الحسن والحسين عليهما السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يدل على أنه قد نص على نبوتهما إذ كان الذي أضافهما إليه نبيا ورسولا وإماما فان لم يجب ذلك بهذه الإضافة لم يجب بتلك ما ادعوه، وهذا بين لمن تأمله.

وأما اعتمادهم على إعطائه الراية يوم البصرة وقياسهم إياه بأمير المؤمنين عليه السلام عندما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله رايته، فإن فعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك وإعطاءه أمير المؤمنين عليه السلام الراية لا يدل على أنه الخليفة من بعده، فلو دل على ذلك لوجب أن يكون كل من حمل الراية في عصر الرسول صلى الله عليه وآله منصوصا عليه بالإمامة وكل صاحب راية كان لأمير المؤمنين عليه السلام مشارا إليه بالخلافة، وهذا جهل لا يرتكبه عاقل. مع أنه يلزم هذه الفرقة أن يكون محمد رضي الله عنه إماما للحسن والحسين عليهما السلام وأن لا تكون لهما إمامة البتة لأنهما لم يحملا الراية وكانت الراية له دونهما، وهذا قول لا يذهب إليه إلا من شذ من الكيسانية على ما حكيناه. وقول أولئك منتقض بالاتفاق على قول النبي صلى الله عليه وآله في الحسن والحسين عليهما السلام: "ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا" وبالاتفاق على وصية أمير المؤمنين إلى الحسن عليهما السلام ووصية الحسن إلى الحسين عليهما السلام وبقيام الحسن عليه السلام بالإمامة بعد أبيه ودعائه الناس إلى بيعته على ذلك، وبقيام الحسين عليه السلام من بعده وبيعة الناس له على الأمر دون محمد حتى قتل عليه السلام من غير رجوع عن هذا القول، مع قول رسول الله صلى الله عليه وآله فيهما الدال على عصمتهما وأنهما لا يدعيان باطلا حيث يقول: "ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنة".

وأما تعلقهم بقول النبي صلى الله عليه وآله: "لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي" إلى آخر الكلام، فإن بإزائهم الزيدية يدعون ذلك في محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليه السلام وهم أولى به منهم لان أبا محمد كان اسمه المعروف به عبد الله، وكان أمير المؤمنين عليه السلام اسمه علي وإنما انضاف إلى الله بالعبودية كما انضاف جميع العباد إلى الله بالعبودية، وإن كان لاضافته في هذا الموضع معنى يزيد على ما ذكرناه ليست بنا حاجة إلى الكشف عنه في حجاج هؤلاء القوم. مع أن الإمامية الاثني عشرية أولى به في الحقيقة من الجميع لان صاحبهم اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله، وكنيته كنيته، وأبوه عبد من عباد الله وهم يقولون بالعصمة وجميع أصول الإمامية ويمضون مع الأخبار الواردة بالنصوص على الأئمة عليهم السلام، وينقلون فضائل من تقدم القائم عليه السلام من آبائه ومعجزاتهم وعلومهم التي بانوا بها من الرعية، ولا يدفعون ضرورة من موت حي، ولا يقدمون على تضليل معصوم وتكذيب إمام عدل والكيسانية بالضد مما حكيناه فلا يعتبر تعلقهم بظاهر لفظ قد تحدثه الفرق إذ المعتمد هو الحجة والبرهان ولم يأت القوم بشيء منه فيكون عذرا لهم فيما صاروا إليه.

وأما تعلقهم في حياته بما ادعوه من إمامته وبناؤهم على ذلك أنه القائم من آل محمد عليهم السلام فإنا قد أبطلنا ذلك بما تقدم من مختصر القول فيه فسقط بسقوطه وبطلانه.

ومما يدل أيضا على فساده تواتر الخبر بنص أبي جعفر الباقر على ابنه الصادق عليهما السلام بالإمامة، ونص الصادق على ابنه الكاظم موسى عليهما السلام، ونص موسى على علي عليهما السلام، وتظاهر الخبر عمن ذكرناه بالعلوم الدالة على إمامتهم والمعجزات المنبئة عن حقوقهم وصدقهم مع الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله بالنص عليهم من حديث اللوح، وما رواه عبد الله بن مسعود ووصفه سلمان من ذكر أعيانهم وأعدادهم.

وقد أجمع من ذكرناه بأسرهم والأئمة من ذريتهم وجميع أهل بيتهم على موت أبي القاسم رضي الله عنه، وليس يصح أن يكون إجماع هؤلاء باطل.

ويؤيد ذلك أن الكيسانية في وقتنا هذا لا بقية لهم ولا يوجد عدد منهم يقطع العذر بنقله بل لا يوجد أحد منهم يدخل في جملة أهل العلم، بل لا نجد أحدا منهم جملة وإنما تقع مع الناس الحكاية عنهم خاصة، ومن كان بهذه المنزلة لم يجز أن يكون ما اعتمده من طريق الرواية حقا لأنه لو كان كذلك لما بطلت الحجة عليه بانقراض أهله وعدم تواترهم، فبان بما وصفناه أن مذهب القوم باطل لم يحتج الله به على أحد ولا ألزمه اعتقاده على ما حكيناه.

-  بعد وفاة الإمام الصادق مضت الإمامية على سنن القول في الإمامة ودانت بإمامة موسى بن جعفر

-  الفرقة الناووسية

-  الفرقة الإسماعيلية

-  الفرقة الشمطية

-  الفرقة الفطحية

-  الناوسية فرقة من فرق الإمامية شذت عن الحق قالت إن أبا عبد الله حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا لأنه القائم المهدي

-  الإسماعيلية فرقة من فرق الإمامية شذت عن الحق قالت أن الإمام بعد أبي عبد الله ابنه إسماعيل وأنه القائم المنتظر

-  الشمطية فرقة من فرق الإمامية شذت عن الحق قالت أن الإمام بعد أبي عبد الله ابنه محمد

-  الفطحية فرقة من فرق الإمامية شذت عن الحق قالت إن الإمام بعد أبي عبد الله ابنه عبد الله

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 305، 307:

قال الشيخ أيده الله تعالى: ثم لم تزل الإمامية على القول بنظام الإمامة حتى افترقت كلمتها بعد وفاة أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام. فقالت فرقة منها:

إن أبا عبد الله عليه السلام حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا لأنه القائم المهدي، وتعلقوا بحديث رواه رجل يقال له عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن جاءكم من يخبركم عني بأنه غسلني وكفنني ودفنني فلا تصدقوه، وهذه الفرقة تسمى الناووسية وإنما سميت بذلك لان رئيسهم في هذه المقالة رجل من أهل البصرة يقال له عبد الله بن ناووس.

وقالت فرقة أخرى: إن أبا عبد الله عليه السلام توفي ونص على ابنه إسماعيل ابن جعفر عليه السلام وأنه الإمام بعده وأنه القائم المنتظر، وأنكروا وفاة إسماعيل في حياة أبي عبد الله عليه السلام وقالوا إنه لم يمت وإنما لبس على الناس في أمره لأمر رآه أبوه. وقال فريق منهم: إن إسماعيل قد كان توفي على الحقيقة في زمن أبيه عليه السلام غير أنه قبل وفاته نص على ابنه محمد فكان الإمام بعده. وهؤلاء هم القرامطة وهم المباركية ونسبهم إلى القرامطة برجل من أهل السواد يقال له قرمطويه، ونسبهم إلى المباركية برجل يسمى المبارك مولى إسماعيل ابن جعفر، والقرامطة أخلاف المباركية، والمباركية سلفهم.

وقال فريق من هؤلاء: إن الذي نص على محمد بن إسماعيل هو الصادق عليه السلام دون إسماعيل وكان ذلك الواجب عليه لأنه أحق بالأمر بعد أبيه من غيره، ولأن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام وهؤلاء الفرق الثلاث هم الإسماعيلية وإنما سموا بذلك لادعائهم إمامة إسماعيل.

وأما علتهم في النص على إسماعيل فهي أن قالوا: كان إسماعيل أكبر ولد جعفر، وليس يجوز أن ينص على غير الأكبر، قالوا: وقد أجمع من خالفنا على أن أبا عبد الله عليه السلام نص على إسماعيل غير أنهم ادعوا انه بدا لله فيه وهذا قول لا نقبله منهم.

وقالت فرقة أخرى: إن أبا عبد الله توفي وكان الإمام بعده محمد بن جعفر واعتلوا في ذلك بحديث تعلقوا به، وهو أن أبا عبد الله عليه السلام على ما زعموا كان في داره جالسا فدخل عليه محمد وهو صبي صغير فعدا إليه فكبا في قميصه ووقع لوجهه، فقام إليه أبو عبد الله عليه السلام فقبله ومسح التراب عن وجهه وضمه إلى صدره وقال: سمعت أبي يقول: إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي، وهذا الولد شبيهي وشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى سنته وشبيه علي عليه السلام، وهذه الفرقة تسمى الشمطية بنسبتها إلى رجل يقال له يحيى بن أبي الشمط.

وقالت فرقة أخرى: إن الإمام بعد أبي عبد الله عليه السلام ابنه عبد الله بن جعفر واعتلوا في ذلك بأنه كان أكبر ولد أبي عبد الله عليه السلام قالت: وإن أبا عبد الله عليه السلام قال: الإمامة لا تكون إلا في الأكبر من ولد الإمام، وهذه الفرقة تسمى الفطحية وإنما سميت بذلك لان رئيسا لها يقال له عبد الله بن أفطح، ويقال: إنه كان أفطح الرجلين، ويقال: بل كان أفطح الرأس، ويقال : إن عبد الله كان هو الأفطح.

-  بحث في فساد عقيدة الفرقة الناووسية

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 307، 308:

قال الشيخ أيده الله: فأما الناووسية فقد ارتكبت في إنكارها وفاة أبي عبد الله عليه السلام ضربا من دفع الضرورة وإنكار المشاهدة لان العلم بوفاته كالعلم بوفاة أبيه من قبله، ولا فرق بين هذه الفرقة وبين الغلاة الدافعين لوفاة أمير المؤمنين عليه السلام وبين من أنكر مقتل الحسين عليه السلام ودفع ذلك وادعى أنه كان مشبها للقوم، فكل شيء جعلوه فصلا بينهم وبين من ذكرناه فهو دليل على بطلان ما ذهبوا إليه في حياة أبي عبد الله عليه السلام.

وأما الخبر الذي تعلقوا به فهو خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا، ولو رواه ألف إنسان وألف ألف لما جاز أن يجعل ظاهره حجة في دفع الضرورات وارتكاب الجهالات بدفع المشاهدات، على أنه يقال لهم ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما صدر من أبي عبد الله عليه السلام عند توجهه إلى العراق ليؤمنهم من موته في تلك الأحوال، ويعرفهم رجوعه إليهم من العراق ويحذرهم من قبول أقوال المرجفين به المؤدية إلى الفساد، ولا يجب أن يكون ذلك مستغرقا لجميع الأزمان وأن يكون على العموم في كل حال.

ويحتمل أن يكون أشار إلى جماعة علم أنهم لا يبقون بعده وأنه يتأخر عنهم، فقال: من جاءكم من هؤلاء، فقد جاء في بعض الأسانيد من جاءكم منكم، وفي بعضها من جاءكم من أصحابي، وهذا يقتفي الخصوص. وله وجه آخر وهو أنه عنى بذلك كل الخلق سوى الإمام القائم بعده لأنه ليس يجوز أن يتولى غسل الإمام وتكفينه ودفنه إلا الإمام القائم مقامه إلا أن تدعو ضرورة إلى غير ذلك، فكأنه عليه السلام أنبأهم بأنه لا ضرورة تمنع القائم من بعده عن تولي أمره بنفسه.

وإذا كان الخصوص قد يكون في كتاب الله تعالى مع ظاهر القول للعموم وجاز أن يخص القران ويصرف عن ظواهره على مذهب أصحاب العموم بالدلائل، فلم لا جاز الانصراف عن ظاهر قول أبي عبد الله عليه السلام إلى معنى يلائم الصحيح ولا يحمل على وجه يفسد المشاهدات ويسد على العقلاء باب الضرورات. وهذا كاف في هذا الموضع إن شاء الله تعالى مع أنه لا بقية للناووسية ولم يكن أيضا في الأصل كثيرة ولا عرف منهم رجل مشهور بالعلم ولا قرئ لهم كتاب وإنما هي حكاية إن صحت فعن عدد يسير لم يبرز قولهم حتى اضمحل وانتقض، وفي ذلك كفاية عن الإطالة في نقضه.

-  بحث في فساد عقيدة الفرقة الإسماعيلية

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 308، 310:

فصل: وأما ما اعتلت به الإسماعيلية من أن إسماعيل رحمه الله كان الأكبر وأن النص يجب أن يكون على الأكبر، فلعمري إن ذلك يجب إذا كان الأكبر باقيا بعد الوالد وأما إذا كان المعلوم من حاله أنه يموت في حياته ولا يبقى بعده فليس يجب ما ادعوه، بل لا معنى للنص عليه ولو وقع لكان كذبا لأن معنى النص أن المنصوص عليه خليفة الماضي فيما كان يقوم به وإذا لم يبق بعده لم يكن خليفة فيكون النص حينئذ عليه كذبا لا محالة، وإذا علم الله أنه يموت قبل الأول وأمره باستخلافه، لكان الأمر بذلك عبثا مع كون النص كذبا لأنه لا فائدة فيه ولا غرض صحيح، فبطل ما اعتمدوه في هذا الباب.

وأما ما ادعوه من تسليم الجماعة لهم حصول النص عليه فإنهم ادعوا في ذلك باطلا وتوهموا فاسدا من قبل أنه ليس أحد من أصحابنا يعترف بأن أبا عبد الله عليه السلام نص على ابنه إسماعيل ولا روى راو ذلك في شاذ من الأخبار ولا في معروف منها وإنما كان الناس في حياة إسماعيل يظنون أن أبا عبد الله عليه السلام ينص عليه لأنه أكبر أولاده، وبما كانوا يرونه من تعظيمه فلما مات إسماعيل رحمه الله زالت ظنونهم وعلموا أن الإمامة في غيره فتعلق هؤلاء المبطلون بذلك الظن وجعلوه أصلا وادعوا أنه قد وقع النص، وليس معهم في ذلك أثر ولا خبر يعرفه أحد من نقلة الشيعة، وإذا كان معتمدهم على الدعوى المجردة من برهان فقد سقط بما ذكرناه.

فأما الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام من قوله: "ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل" فإنها على غير ما توهموه أيضا من البداء في الإمامة وإنما معناها ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "إن الله تعالى كتب القتل على ابني إسماعيل مرتين فسألته فيه فعفا عن ذلك فما بدا له في شيء كما بدا له في إسماعيل" يعني به ما ذكره من القتل الذي كان مكتوبا فصرفه عنه بمسالة أبي عبد الله عليه السلام وأما الإمامة فإنه لا يوصف الله فيه بالبداء، وعلى ذلك إجماع فقهاء الإمامية ومعهم فيه أثر عنهم عليهم السلام أنهم قالوا: "مهما بدا لله في شيء فلا يبدو له في نقل نبي عن نبوته ولا إمام عن إمامته ولا مؤمن قد أخذ عهده بالإيمان عن إيمانه".

وإذا كان الأمر على ما ذكرناه فقد بطل أيضا هذا الفصل الذي اعتمدوه وجعلوه دلالة على نص أبي عبد الله عليه السلام على إسماعيل.

فصل: فأما من ذهب إلى إمامة محمد بن إسماعيل بنص أبيه عليه فانه منتقض القول فاسد الرأي، من قبل أنه إذا لم يثبت لإسماعيل إمامة في حياة أبي عبد الله عليه السلام لاستحالة وجود إمامين بعد النبي صلى الله عليه وآله في زمان واحد، لم يجز أن تثبت إمامة محمد لأنها تكون حينئذ ثابتة بنص غير إمام، وذلك فاسد بالنظر الصحيح.

فصل: وأما من ازعم أن أبا عبد الله عليه السلام نص على محمد بن إسماعيل بعد وفاة أبيه، فإنهم لم يتعلقوا في ذلك بأثر وإنما قالوه قياسا على أصل فاسد وهو ما ذهبوا إليه من حصول النص على أبيه إسماعيل، وزعموا أن العدل يوجب بعد موت إسماعيل النص على ابنه لأنه أحق الناس به، وإذا كنا قد بينا عن بطلان قولهم فيما ادعوه من النص على إسماعيل فقد فسد أصلهم الذي بنوا عليه الكلام.

على أنه لو ثبت ما ادعوه من نص أبي عبد الله عليه السلام على ابنه إسماعيل لما صح قولهم في وجوب النص على محمد ابنه من بعده لان الإمامة والنصوص ليستا موروثتين على حد ميراث الأموال، ولو كانت كذلك لاشترك فيها ولد الإمام، وإذا لم تكن موروثة وكانت إنما تجب لمن له صفات مخصوصة ومن أوجبت المصلحة إمامته، فقد بطل أيضا هذا المذهب.

-  بحث في فساد عقيدة الفرقة الشمطية

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 311 :

فصل: وأما من ادعى إمامة محمد بن جعفر بعد أبيه عليه السلام فإنهم شذاذ جدا قالوا بذلك زمانا مع قلة عددهم وإنكار الجماعة عليهم ثم انقرضوا حتى لم يبق منهم أحد يذهب إلى هذا المذهب، وفي ذلك إبطال مقالتهم لأنها لو كانت حقا لما جاز أن يعدم الله أهلها كافة حتى لا يبقى منهم من يحتج بنقله. مع أن الحديث الذي رووه لا يدل على ما ذهبوا إليه لو صح وثبت، فكيف وليس هو حديثا معروفا ولا رواه محدث مذكور وأكثر ما فيه عند ثبوت الرواية له أنه خبر واحد وأخبار الآحاد لا يقطع على الله تعالى بصحتها. ولو كان صحيحا أيضا لما كان في متضمنه دليل الإمامة لان مسح أبي عبد الله عليه السلام التراب عن وجه ابنه ليس بنص عليه في عقل ولا سمع ولا عرف ولا عادة، وكذلك ضمه إلى صدره وكذلك قوله إن أبي خبرني أن سيولد لي ولد يشبهه، وأنه أمره بتسميته وأنه أخبره أنه يكون على شبه رسول الله صلى الله عليه وآله ولا في مجموع هذا كله دلالة على الإمامة في ظاهر قول وفعل ولا في تأويله، وإذا لم يك في ذلك دلالة على ما ذهبوا إليه بان بطلانه.

مع أن محمد بن جعفر خرج بالسيف بعد أبيه ودعا إلى إمامته وتسمى بإمرة المؤمنين ولم يتسم بذلك أحد ممن خرج من آل أبي طالب، ولا خلاف بين أهل الإمامة أن من تسمى بهذا الاسم بعد أمير المؤمنين عليه السلام فقد أتى منكرا فكيف يكون هذا على شبه رسول الله صلى الله عليه وآله لولا أن الراوي لهذا الحديث قد وهم فيه أو تعمد الكذب.

-  بحث في فساد عقيدة الفرقة الفطحية

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 312 :

فصل: وأما الفطحية فان أمرها أيضا واضح وفساد قولها غير خاف ولا مستور عمن تأمله، وذلك أنهم لم يدعوا نصا من أبي عبد الله عليه السلام على عبد الله وإنما عملوا على ما رووه من أن الإمامة تكون في الأكبر وهذا حديث لم يرو قط إلا مشروطا وهو أنه قد ورد أن الإمامة تكون في الأكبر ما لم تكن به عاهة.

وأهل الإمامة القائلون بإمامة موسى عليه السلام متواترون بأن عبد الله كان به عاهة في الدين لأنه كان يذهب إلى مذاهب المرجئة الذين يقعون في علي عليه السلام وعثمان وأن أبا عبد الله عليه السلام قال وقد خرج من عنده: "عبد الله هذا مرجئ كبير" وأنه دخل عليه عبد الله يوما وهو يحدث أصحابه فلما رآه سكت حتى خرج فسئل عن ذلك فقال: "أو ما علمتم أنه من المرجئة".

هذا مع أنه لم يكن له من العلم ما يتخصص به من العامة، ولا روي عنه شيء من الحلال والحرام، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الأحكام، وقد ادعى الإمامة بعد أبيه فامتحن بمسائل صغار فلم يجب عنها ولا تأتى للجواب فأي علة أكبر مما ذكرناه تمنع من إمامة هذا الرجل.

مع أنه لو لم تكن علة تمنع من إمامته لما جاز من أبيه صرف النص عنه، ولو لم يكن قد صرفه عنه لأظهره فيه، ولو أظهره لنقل وكان معروفا في أصحابه، وفي عجز القوم عن التعلق بالنص عليه دليل على بطلان ما ذهبوا إليه.

-  الفرقة الواقفة

-  الفرقة البشرية

-  الواقفة فرقة من فرق الإمامية شذت عن الحق وقالت بالوقف على أبي الحسن موسى عليه السلام وادعوا حياته وزعموا أنه هو المهدي المنتظر وقال فريق منهم إنه قد مات وسيبعث وهو القائم بعده

-  البشرية فرقة من فرق الإمامية شذت عن الحق أنكرت موت أبي الحسن وحبسه وادعوا أنه حي غائب وأنه المهدي وأنه استخلف على الأمر محمد بن بشر مولى بني أسد وذهبوا إلى الغلو والقول بالإباحة والتناسخ

-  بحث في فساد عقيدة الفرقة الواقفة والبشرية

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 313، 315:

فصل: قال الشيخ أيده الله: ثم لم تزل الإمامية بعد من ذكرناه على نظام الإمامة حتى قبض موسى بن جعفر عليه السلام، فافترقت بعد وفاته فرقا قال جمهورهم بإمامة أبي الحسن الرضا عليه السلام ودانوا بالنص عليه وسلكوا الطريقة المثلى في ذلك، وقال جماعة منهم بالوقف على أبي الحسن موسى عليه السلام وادعوا حياته وزعموا أنه هو المهدي المنتظر. وقال فريق منهم إنه قد مات وسيبعث وهو القائم بعده.

واختلفت الواقفة في الرضا عليه السلام ومن قام من آل محمد بعد أبي الحسن موسى عليه السلام فقال بعضهم هؤلاء خلفاء أبي الحسن عليه السلام وامراؤه وقضاته إلى أوان خروجه وإنهم ليسوا بأئمة وما ادعوا الإمامة قط، وقال الباقون إنهم ضالون مخطئون ظالمون، وقالوا في الرضا عليه السلام خاصة قولا عظيما وأطلقوا تكفيره وتكفير من قام بعده من ولده.

وشذت فرقة ممن كان على الحق إلى قول سخيف جدا فأنكروا موت أبي الحسن عليه السلام وحبسه، وزعموا أن ذلك كان تخييلا للناس، وادعوا أنه حي غائب وأنه هو المهدي وزعموا أنه استخلف على الأمر محمد بن بشر مولى بني أسد، وذهبوا إلى الغلو والقول بالإباحة ودانوا بالتناسخ.

واعتلت الواقفة فيما ذهبوا إليه بأحاديث رووها عن أبي عبد الله عليه السلام منها أنهم حكوا عنه أنه لما ولد موسى بن جعفر عليه السلام دخل أبو عبد الله عليه السلام على حميدة البربرية أم موسى عليه السلام فقال لها: "يا حميدة بخ بخ حل الملك في بيتك" قالوا: وسئل عن اسم القائم فقال اسمه اسم حديدة الحلاق.

فيقال لهذه الفرقة: ما الفرق بينكم وبين الناووسية الواقفة على أبي عبد الله عليه السلام والكيسانية الواقفة على أبي القاسم ابن الحنفية رحمة الله عليه، والمفوضة المنكرة لوفاة أبي عبد الله الحسين عليه السلام الدافعة لقتله، والسبائية المنكرة لوفاة أمير المؤمنين عليه السلام المدعية حياته، والمحمدية النافية لموت رسول الله صلى الله عليه وآله المتدينة بحياته. وكل شيء راموا به كسر مذاهب من عددناهم فهو كسر لمذاهبهم ودليل على إبطال مقالتهم.

ثم يقال لهم فيما تعلقوا به من الحديث الأول: ما أنكرتم أن يكون الصادق عليه السلام أراد بالملك الإمامة على الخلق وفرض الطاعة على البشر وملك الأمر والنهي، وأي دليل في قوله لحميدة: "حل الملك في بيتك" على أنه نص على ابنه بأنه القائم بالسيف أو ما سمعتم الله تعالى يقول: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} وإنما أراد ملك الدين والرئاسة فيه على العالمين.

وأما قوله عليه السلام وقد سئل، عن اسم القائم فقال اسم حديدة الحلاق، فانه إن صح وثبت ذلك -على أنه غير معروف- فإنما أشار به إلى القائم بالإمامة بعده ولم يشر به إلى القائم بالسيف، وقد علمنا أن كل إمام فهو قائم بالأمر بعد أبيه فأي حجة فيما تعلقوا به لولا عمى القلوب.

على أنه يقال لهم: ما الدليل على إمامة أبي الحسن موسى عليه السلام وما البرهان على أن أباه نص عليه؟ فبأي شيء تعلقوا في ذلك واعتمدوا عليه، أريناهم بمثله صحة إمامة الرضا عليه السلام وثبوت النص من أبيه عليه، وهذا ما لا يجدون عنه مخلصا.

وأما من زعم أن الرضا عليه السلام ومن بعده كانوا خلفاء أبي الحسن موسى عليه السلام ولم يدعوا الأمر لأنفسهم، فانه قول مباهت لا يذكر في دفع الضرورة ولان جميع شيعة هؤلاء القوم وغير شيعتهم من الزيدية الخلص ومن تحقق النظر، يعلم يقينا أنهم كانوا ينتحلون الإمامة وأن الدعاة إلى ذلك خاصتهم من الناس، ولا فصل بين هذه الفرقة في بهتها وبين الفرق الشاذة من الكيسانية فيما ادعوه من أن الحسن والحسين عليهما السلام كانا خليفتي محمد بن الحنفية وأن الناس لم يبايعوهما على الإمامة لأنفسهما، وهذا قول وضوح فساده يغني عن الإطناب فيه.

وأما البشرية فان دليل وفاة أبي الحسن عليها السلام وإمامة الرضا عليه السلام وبطلان الحلول والاتحاد ولزوم الشرايع وفساد الغلو والتناسخ يدل بمجموع ذلك وبآحاده على فساد ما ذهبوا إليه.

-  بعد وفاة الإمام علي بن موسى الرضا مضت الإمامية على سنن القول في الإمامة ودانت بإمامة الجواد محمد بن علي

-  في الفرق التي ارتدت بعد وفاة الإمام علي بن موسى الرضا ثم انقرضت

-  بعد وفاة الإمام الرضا ارتدت فرقة إلى قول الواقفة ورجعوا عما كانوا عليه من إمامة الرضا

-  بعد وفاة الإمام الرضا قالت فرقة بإمامة أحمد بن موسى وزعموا أن الرضا وصى إليه ونص بالإمامة عليه

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 315، 316:

فصل: قال الشيخ أيده الله: ثم إن الإمامية استمرت على القول بأصول الإمامة طول أيام أبي الحسن الرضا عليه السلام، فلما توفي وخلف ابنه أبا جعفر عليه السلام وله عند وفاة أبيه سبع سنين، اختلفوا وتفرقوا ثلاث فرق:

فرقة مضت على سنن القول في الإمامة ودانت بإمامة أبي جعفر عليه السلام ونقلت النص عليه وهم أكثر الفرق عددا.

وفرقة ارتدت إلى قول الواقفة ورجعوا عما كانوا عليه من إمامة الرضا عليه السلام.

وفرقة قالت بإمامة أحمد بن موسى عليه السلام وزعموا أن الرضا عليه السلام وصى إليه ونص بالإمامة عليه. واعتل الفريقان الشاذان عن أصل الإمامة بصغر سن أبي جعفر عليه السلام وقالوا ليس يجوز أن يكون إمام الزمان صبيا لم يبلغ الحلم.

فيقال لهم: ما سوى الراجعة إلى الوقف كما قيل للواقفة دلوا بأي دليل شئتم على إمامة الرضا عليه السلام حتى نريكم بمثله إمامة أبي جعفر عليه السلام، وبأي شيء طعنتم به في نقل النص على أبي جعفر عليه السلام فان الواقفة تطعن بمثله في نقل النص على أبي الحسن الرضا عليه السلام ولا فصل في ذلك.

على أن ما اشتبه عليهم من جهة سن أبي جعفر عليه السلام فانه بين الفساد، وذلك أن كمال العقل لا يستنكر لحجج الله تعالى مع صغر السن قال الله سبحانه: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} فخبر عن المسيح عليه السلام بالكلام في المهد، وقال في قصة يحيى عليه السلام: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}. وقد أجمع جمهور الشيعة مع سائر من خالفهم على أن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا عليا عليه السلام وهو صغير السن ولم يدع الصبيان غيره، وباهل بالحسن والحسين عليهما السلام وهما طفلان، ولم ير مباهل قبله ولا بعده باهل بالأطفال.

وإذا كان الأمر على ما ذكرناه من تخصيص الله تعالى حججه على ما شرحناه، بطل ما تعلق به هؤلاء القوم.

على أنهم إن أقروا بظهور المعجزات على الأئمة عليهم السلام وخرق العادة لهم وفيهم، بطل أصلهم الذي اعتمدوا عليه في إنكار إمامة أبي جعفر عليه السلام وإن أبوا ذلك ولحقوا بالمعتزلة في إنكار المعجز إلا على الأنبياء عليهم السلام، كلموا بما تكلم به إخوانهم من أهل النصب والضلال، وهذا المقدار يكفي بمشيئة الله في نقض ما اعتمدوه بما حكيناه.

-  بعد وفاة الإمام الجواد محمد بن علي مضت الإمامية على سنن القول في الإمامة ودانت بإمامة الهادي علي بن محمد

-  بعد وفاة الإمام الجواد محمد بن علي شذت فرقة عن الحق وقالت بإمامة ابنه موسى ثم إنهم لم يثبتوا على هذا القول حتى رجعوا إلى الحق ودانوا بإمامة علي بن محمد

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 317:

فصل: قال الشيخ أيده الله: ثم ثبتت الإمامية القائلون بإمامة أبي جعفر عليه السلام بأسرها على القول بإمامة أبي الحسن علي بن محمد من بعد أبيه عليهما السلام ونقل النص عليه إلا فرقة قليلة العدد شذوا عن جماعتهم، فقالوا بإمامة موسى بن محمد أخي أبى الحسن علي بن محمد ثم إنهم لم يثبتوا على هذا القول إلا قليلا حتى رجعوا إلى الحق ودانوا بإمامة علي بن محمد عليه السلام ورفضوا القول بإمامة موسى بن محمد وأقاموا جميعا على إمامة أبي الحسن عليه السلام.

-  بعد وفاة الإمام الهادي علي بن محمد قال جمهور الإمامية بإمامة العسكري الحسن بن علي ونقلوا النص عليه وأثبتوه

-  بعد وفاة الإمام الهادي علي بن محمد شذت فرقة عن الحق وقالت إن الإمام بعده ابنه محمد وزعموا أن أباه عليا نص عليه في حياته وعندما توفي محمد في حياة أبيه دفعت هذه الفرقة وفاته وزعموا أنه هو الإمام المنتظر وقالت جماعة أن الإمامة بعد محمد أصبحت لأخيه جعفر

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 317، 318:

فلما توفي تفرقوا بعد ذلك: فقال الجمهور منهم بإمامة أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام ونقلوا النص عليه وأثبتوه.

وقال فريق منهم: إن الإمام بعد أبي الحسن، محمد بن علي أخو أبي محمد عليه السلام وزعموا أن أباه عليا عليه السلام نص عليه في حياته، وهذا محمد كان قد توفي في حياة أبيه فدفعت هذه الفرقة وفاته وزعموا أنه لم يمت وأنه حي وهو الإمام المنتظر.

وقال نفر من الجماعة شذوا أيضا عن الأصل: إن الإمام بعد محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسى عليهم السلام أخوه جعفر بن علي وزعموا أن أباه نص عليه بعد مضي محمد وأنه القائم بعد أبيه.

فيقال للفرقة الأولى: لم زعمتم أن الإمام بعد أبي الحسن عليه السلام ابنه محمد وما الدليل على ذلك؟ فان ادعوا النص طولبوا بلفظه والحجة عليه ولن يجدوا لفظا يتعلقون به في ذلك ولا تواتر يعتمدون عليه، لأنهم في أنفسهم من الشذوذ والقلة على حد ينفى عنهم التواتر القاطع للعذر في العدد مع أنهم قد انقرضوا ولا بقية لهم وذلك مبطل أيضا لما ادعوه.

ويقال لهم في ادعاء حياته، ما قيل للكيسانية والناووسية والواقفة، ويعارضون بما ذكرناه ولا يجدون فصلا.

فأما أصحاب جعفر فان أمرهم مبني على إمامة محمد، وإذا سقط قول هذا الفريق لعدم الدلالة على صحته وقيامها على إمامة أبي محمد عليه السلام فقد بان فساد ما ذهبوا إليه.

-  في الفرق التي شذت عن الحق بعد وفاة الإمام العسكري عن الحق ثم انقرضت

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 318، 321:

فصل: قال الشيخ أيده الله: ولما توفي أبو محمد الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام افترق أصحابه بعده على ما حكاه أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي رضي الله عنه أربع عشرة فرقة: فقال الجمهور منهم بإمامة ابنه القائم المنتظر عليه السلام وأثبتوا ولادته وصححوا النص عليه وقالوا هو سمي رسول الله ومهدي الأنام، واعتقدوا أن له غيبتين إحداهما أطول من الأخرى، والأولى منهما هي القصرى، وله فيها الأبواب والسفراء، ورووا عن جماعة من شيوخهم وثقاتهم أن أبا محمد الحسن عليه السلام أظهره لم وأراهم شخصه، واختلفوا في سنه عند وفاة أبيه فقال كثير منهم: كان سنه إذ ذاك خمس سنين لان أباه توفي سنة ستين ومائتين، وكان مولد القائم عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين وقال بعضهم بل كان مولده سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وكان سنه عند وفاة أبيه ثماني سنين، وقالوا إن أباه لم يمت حتى أكمل الله عقله وعلمه الحكمة وفصل الخطاب وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة إذ كان خاتم الحجج ووصي الأوصياء وقائم الزمان. واحتجوا في جواز ذلك بدليل العقل من حيث ارتفعت إحالته ودخل تحت القدرة، وبقوله تعالى في قصة عيسى عليه السلام {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} وفي قصة يحيى عليه السلام {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}، وقالوا: إن صاحب الأمر عليه السلام حي لم يمت ولا يموت ولو بقي ألف عام حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وأنه يكون عند ظهوره شابا قويا في صورة ابن نيف وثلاثين سنة، وأثبتوا ذلك في معجزاته وجعلوه من جملة دلائله وآياته عليه السلام.

-  من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن الإمام العسكري حي لم يمت وإنما غاب وهو القائم المنتظر

-  من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن الإمام العكسري مات وعاش بعد موته وهو القائم المهدي

-  من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن الإمام العكسري مات وإن الإمام من بعده أخوه جعفر بن علي

وقالت فرقة ممن دانت بإمامة الحسن عليه السلام إنه حي لم يمت وإنما غاب وهو القائم المنتظر.

وقالت فرقة أخرى إن أبا محمد عليه السلام مات وعاش بعد موته وهو القائم المهدي واعتلوا في ذلك بخبر رووه أن القائم إنما سمي بذلك لأنه يقوم بعد الموت.

وقالت فرقة أخرى إن أبا محمد عليه السلام قد توفي لا محالة، وإن الإمام من بعده أخوه جعفر بن علي واعتلوا في ذلك بالرواية عن أبي عبد الله عليه السلام "إن الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ إلا إليه" قالوا فلما لم نر للحسن عليه السلام ولدا ظاهرا التجأنا إلى القول بإمامة جعفر أخيه.

-  من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة رجعت عن إمامة العسكري وقالت لم يكن إماما وكان مدعيا مبطلا وأنكروا إمامة أخيه محمد وقالوا الإمام جعفر بن علي بنص أبيه عليه

ورجعت فرقة ممن كانت تقول بإمامة الحسن عليه السلام عن إمامته عند وفاته وقالوا لم يكن إماما وكان مدعيا مبطلا، وأنكروا إمامة أخيه محمد، وقالوا الإمام جعفر بن علي بنص أبيه عليه، قالوا إنما قلنا بذلك لأن محمدا مات في حياة أبيه والإمام لا يموت في حياة أبيه، وأما الحسن عليه السلام فلم يكن له عقب والإمام لا يخرج من الدنيا حتى يكون له عقب.

-  من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن الإمام محمد بن علي أخو الحسن بن علي ورجعوا عن إمامة العسكري وادعوا حياة محمد بعد أن كانوا ينكرون ذلك

وقالت فرقة أخرى إن الإمام محمد بن علي أخو الحسن بن علي عليه السلام، ورجعوا عن إمامة الحسن عليه السلام وادعوا حياة محمد بعد أن كانوا ينكرون ذلك.

- من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن الإمام المنتظر بعده ابنه علي وليس كما تقول القطعية إنه محمد بن الحسن وقالوا بعد ذلك بمقالة القطعية في الغيبة والانتظار

وقالت فرقة أخرى إن الإمام بعد الحسن عليه السلام ابنه المنتظر وأنه علي بن الحسن، وليس كما تقول القطعية إنه محمد بن الحسن وقالوا بعد ذلك بمقالة القطعية في الغيبة والانتظار حرفا بحرف.

وقالت فرقة أخرى إن القائم محمد بن الحسن عليه السلام ولد بعد أبيه بثمانية أشهر وهو المنتظر، وأكذبوا من زعم الله ولد في حياة أبيه.

- من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن العسكري مات عن غير ولد ظاهر ولكن عن حبل من بعض جواريه وإنه يجوز أنها تبقى مائة سنة حاملا به فإذا ولدته أظهرت ولادته

وقالت فرقة أخرى إن أبا محمد عليه السلام مات عن غير ولد ظاهر ولكن عن حبل من بعض جواريه والقائم من بعد الحسن محمول به، وما ولدته أمه بعد وإنه يجوز أنها تبقى مائة سنة حاملا به فإذا ولدته أظهرت ولادته.

-  من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن الإمامة قد بطلت بعده وليس في الأرض حجة من آل محمد وإنما الحجة الأخبار الواردة عن الأئمة المتقدمين وذلك على وجه العقاب

وقالت فرقة أخرى إن الإمامة قد بطلت بعد الحسن عليه السلام فارتفعت الأئمة وليس في الأرض حجة من آل محمد عليهم السلام وإنما الحجة الأخبار الواردة عن الأئمة المتقدمين عليهم السلام، وزعموا أن ذلك سائغ إذا غضب الله على العباد فجعله عقوبة لهم.

- من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن محمدا أخا الإمام العسكري كان الإمام في الحقيقة مع أبيه علي وإنه لما حضرته الوفاة وصى إلى غلام له يقال له نفيس ودفع إليه الكتب والسلاح ووصاه أن يسلمها إلى أخيه جعفر فسلمها إليه وكانت الإمامة في جعفر بعد محمد

وقالت فرقة أخرى إن محمد بن علي أخا الحسن بن علي عليه السلام كان الإمام في الحقيقة مع أبيه علي عليه السلام وإنه لما حضرته الوفاة وصى إلى غلام له يقال له نفيس وكان ثقة أمينا، ودفع إليه الكتب والسلاح ووصاه أن يسلمها إلى أخيه جعفر فسلمها إليه وكانت الإمامة في جعفر بعد محمد على هذا الترتيب.

- من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن العسكري كان إماما فلما قبض التبس الأمر علينا فلا ندري أجعفر كان الإمام بعده أم غيره والذي يجب علينا أن نقطع على أنه لابد من إمام ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعينه حتى يتبين لنا ذلك

وقالت فرقة أخرى وقد علمنا أن الحسن عليه السلام كان إماما فلما قبض التبس الأمر علينا فلا ندري أجعفر كان الإمام بعده أم غيره، والذي يجب علينا أن نقطع على أنه لابد من إمام ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعينه حتى يتبين لنا ذلك.

- من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن الإمام بعد العسكري ابنه محمد وهو المنتظر غير أنه قد مات وسيحيى ويقوم بالسيف فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا

وقالت فرقة أخرى بل الإمام بعد الحسن ابنه محمد وهو المنتظر غير أنه قد مات وسيحيى ويقوم بالسيف فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

- من الفرق التي شذت بعد وفاة الإمام العسكري وانقرضت فرقة قالت إن العسكري كان الإمام من بعد أبيه وإنه لما حضرته الوفاة نص على أخيه جعفر بن علي وكان الإمام من بعده بالنص عليه والوراثة له

وقالت الفرقة الرابع عشرة منهم أن أبا محمد عليه السلام كان الإمام من بعد أبيه، وإنه لما حضرته الوفاة نص على أخيه جعفر بن علي بن محمد بن علي وكان الإمام من بعده بالنص عليه والوراثة له، وزعموا أن الذي دعاهم إلى ذلك ما يجب في العقل من وجوب الإمامة مع فقدهم لولد الحسن عليه السلام وبطلان دعوى من ادعى وجوده فيما زعموا من الإمامية.

- بحث في بيان فساد الفرق التي شذت عن إمامة المهدي سمي رسول الله ابن الحسن العسكري عليه السلام

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 322، 327:

فصل: وأما الفرقة القائلة بحياة أبي محمد عليه السلام، فإنه يقال لها: ما الفصل بينك وبين الواقفة والناووسية فلا يجدون فصلا، وأما الفرقة الأخرى التي زعمت أن أبا محمد عليه السلام عاش من بعد موته وهو المنتظر فإنه يقال لها: إذا جاز أن تخلو الدنيا من إمام حي يوما فلم لا يجوز أن تخلو منه سنة وما الفرق بين ذلك وبين أن تخلو أبدا من الإمام، وهذا خروج عن مذهب الإمامية وقول بمذهب الخوارج والمعتزلة، ومن صار إليه من الشيعة كلم بكلام الناصبة ودل على وجوب الإمامة.

ثم يقال لهم: ما أنكرتم أن يكون الحسن عليه السلام ميتا لا محالة ولم يعش بعد وسيعيش، وهذا نقض مذاهبهم فأما ما اعتلوا به من أن القائم إنما سمي بذلك لأنه يقوم بعد الموت، فإنه يحتمل أن يكون المراد به بعد موت ذكره دون أن يكون المراد به موته في الحقيقة بعدم الحياة منه، على أنهم لا يجدون بهذا الاعتلال بينهم وبين الكيسانية فرقا. مع أن الرواية قد جاءت بان القائم إنما سمي بذلك لأنه يقوم بدين قد اندرس ويظهر بحق كان مخفيا ويقوم بالحق من غير تقية تعتريه في شيء منه، وهذا يسقط ما ادعوه.

وأما الفرقة التي زعمت أن جعفر بن علي هو الإمام بعد أخيه الحسن عليه السلام فإنهم صاروا إلى ذلك من طريق الظن والتوهم ولم يوردوا خبرا ولا أثرا يجب النظر فيه، ولا فصل بين هؤلاء القوم وبين من ادعى الإمامة بعد الحسن عليه السلام لبعض الطالبيين واعتمد على الدعوى المتعرية من برهان.

فأما ما اعتلوا به من الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام أن الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ إلا إليه فإنه يقال لهم فيه: ولم زعمتم أنه لا ملجأ إلا إلى جعفر وما أنكرتم أن يكون الملجأ هو ابن الحسن عليه السلام الذي نقل جمهور الإمام النص عليه. فإن قالوا: لا يجب أن يثبت وجود من لم يشاهد، قيل لهم: ولم لا يجب ذلك إذا قامت الدلالة على وجوده مع أنه لا يجب علينا أن نثبت الإمامة لمن لا نص عليه ولا دليل على إمامته، على أن هذه العلة يمكن أن يعتل بها كل من ادعى الإمامة لرجل من آل أبي طالب بعد الحسن عليه السلام، ويقول إنما قلت ذلك لأنني لم أجد ملجأ إلا إليه.

وأما الفرقة الراجعة عن إمامة الحسن عليه السلام والمنكرة لإمامة أخيه محمد فإنها يحتج عليها بدليل إمامة الحسن عليه السلام من النص عليه والتواتر عن أبيه به، ويطالب بالدلالة على إمامة علي بن محمد عليه السلام، وكل شيء اعتمدوه في ذلك فإنه العمدة عليهم فيما أبوه من إمامة الحسن عليه السلام وأما إنكارهم لإمامة محمد بن علي أخ الحسن عليه السلام فقد أصابوا في ذلك ونحن موافقوهم على صحته.

وأما اعتلالهم لصوابهم في الرجوع عن إمامة الحسن عليه السلام وأنه ممن مضى ولا عقب له، فهو اعتماد على التوهم لان الحسن عليه السلام قد أعقب المنتظر عليه السلام، والأدلة على إمامته أكثر من أن تحصى، وليس إذا لم نشاهد الإمام بطلت إمامته، ولا إذا لم يدرك وجوده حسا واضطرارا ولم يظهر للخاصة والعامة، كان ذلك دليلا على عدمه.

وأما الفرقة الأخرى الراجعة عن إمامة الحسن عليه السلام إلى إمامة محمد أخيه، فهي كالتي قبلها والكلام عليها نحو ما سلف، مع أنهم أشد بهتانا ومكابرة لأنهم أنكروا إمامة من كان حيا بعد أبيه وظهرت عنه من العلوم ما يدل على فضله على الكل وادعوا إمامة رجل مات في حياة أبيه ولم يظهر منه علم ولا من أبيه عليه السلام نص عليه بعد أن كانوا يعترفون بموته، وهؤلاء سقاط جدا.

وأما الفرقة التي اعترفت بولد الحسن عليه السلام وأقرت بأنه المنتظر إلا أنها زعمت أنه علي وليس بمحمد، فالخلاف بيننا وبين هؤلاء في الاسم دون المعنى والكلام لهم فيه خاصة، فيجب أن يطالبوا بالأثر في الاسم فإنهم لا يجدونه، والأخبار منتشر في أهل الإمامة وغيرهم أن اسم القائم عليه السلام اسم رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن في أسماء رسول الله صلى الله عليه وآله علي، ولو ادعوا أنه أحمد لكان أقرب إلى الحق، وهذا المقدار كاف فيما يحتج به على هؤلاء.

وأما الفرقة التي زعمت أن القائم ابن الحسن عليه السلام وأنه ولد بعد أبيه بثمانية أشهر فأنكروا أن يكون له ولد في حياة أبيه، فانه يحتج عليهم بوجوب الإمامة من جهة العقول، وكل شيء يلزم المعتزلة وأصناف الناصبة يلزم هذه الفرقة فيما ذهبوا إليه من جواز خلو العالم من وجود إمام حي كامل ثمانية أشهر، لانه لا فرق بين ثمانية أشهر والثمانين.

على أنه يقال لهم: لم زعمتم ذلك أبالعقل قلتموه أم بالسمع؟ فان ادعوا العقل أحالوا في العقول لأن العقل لا مدخل له في ذلك، وإن ادعوا السمع طولبوا بالأثر فيه ولن يجدوه وإنما صاروا إلى هذا القول من جهة الظن والرجم بالغيب، والظن لا يعتمد عليه في الدين.

وأما الفرقة الأخرى التي زعمت أن الحسن عليه السلام توفي عن حمل بالقائم وأنه لم يولد بعد، فهي مشاركة للفرقة المتقدمة في إنكار الولادة، وما دخل على تلك داخل على هذه ويلزمها من التجاهل ما يلزم تلك لقولها إن حملا يكون مائة سنة، إذ كان هذا مما لم تجر به عادة ولا جاء به أثر في أحد من سائر الأمم ولم يكن له نظير وهو وإن كان مقدورا لله تعالى فليس يجب أن يثبت إلا بعد الدليل الموجب لثبوته. ومن أعرف به من حيث الجواز فأوجبه، يلزمه إيجاب وجود كل مقدور حتى لا يأمن، لعل المياه قد استحالت ذهبا وفضة وكذلك الأشجار ولعل كل كافر في العالم إذا نام مسخه الله تعالى قردا أو كلبا أو خنزيرا من حيث لم يشعر به ثم يعيده إلى الإنسانية، ولعل بالبلاد القصوى مما لا نعرف خبره نساء يحبلن يوما ويضعن في غده، وهذا كله جهل وضلال فتحه على نفسه من اعترف بخرق العادة من غير حجة واعتمد على جواز ذلك في القدرة.

وأما الفرقة الأخرى التي زعمت أن الإمامة قد بطلت بعد الحسن عليه السلام فإن وجوب الإمامة بالعقل يفسد قولها وقول الله: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}، وقول النبي: "من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" وقول أمير المؤمنين عليه السلام : "اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة على خلقك إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا تبطل حججك وبيناتك" وقول النبي صلى الله عليه وآله: "في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين".

وأما تعلقهم بقول الصادق عليه السلام: "إن الله لا يخلي الأرض من حجة إلا أن يغضب على أهل الدنيا" فالمعنى في ذلك أنه لا يخليها من حجة ظاهرة بدلالة ما قدمناه.

وأما الفرقة التي زعمت أن محمد بن علي عليه السلام كان إماما بعد أبيه وأنه وصى إلى غلام يقال له (نفيس) وأعطاه السلاح والكتب وأمره أن يدفعها إلى جعفر فإن الذي قدمناه على الإسماعيلية من الدليل على بطلان إمامة إسماعيل بوفاته في حياة أبيه يكسر قول هذه الفرقة، ونزيده بيانا أن وصي الإمام لا يكون إلا إماما ونفيس غلام محمد لم يكن إماما، ويبطل إمامة جعفر عدم الدلالة على إمامة محمد ودليل بطلان إمامته أيضا ما ذكرناه من وفاته في حياة أبيه.

وأما الفرقة التي أقرت بإمامة الحسن عليه السلام ووقفت بعده واعتقدت أنه لابد من إمام ولم يعينوا على أحد، فالحجة عليهم النقل الصادق بإمامة المنتظر عليه السلام والنص من أبيه عليه، وليس هذا موضعه فنذكره على النظام.

وأما الفرقة التي أقرت بالمنتظر وأنه ابن الحسن عليه السلام وزعمت أنه قد مات وسيحيى ويقوم بالسيف، فإن الحجة عليها ما يجب من وجود الإمام وحياته وكماله وكونه بحيث يسمع الاختلاف ويحفظ الشرع، وبدلالة أنه لا فرق بين موته وعدمه.

وأما الفرقة التي اعترفت بان أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام كان الإمام بعد أبيه وادعت أنه لما حضرته الوفاة نص على أخيه جعفر بن علي، واعتلوا في ذلك بأن زعموا أن دعوى من ادعى النص على ابن الحسن عليه السلام باطل والعقل موجب للإمامة فلذلك اضطروا إلى القول بإمامة جعفر فإنه يقال لهم: لم زعمتم أن نقل الإمامية النص من الحسن عليه السلام على ابنه باطل وما أنكرتم أن يكون حقا لقيام الدلالة على وجوب الإمامة وثقة الناقلين وعلامة صدقهم بصفات الغيبة والخبر فيها عما يكون قبل كونه وتكون النقلة لذلك خاصة أصحاب الحسن عليه السلام والسفراء بينه وبين شيعته، ولفساد إمامة جعفر لما كان عليه في الظاهر مما يضاد صفات الإمامة من نقصان العلم وقلة المعرفة وارتكاب القبائح والاستخفاف بحقوق الله في مخلفي أخيه مع عدم النص عليه ولفقد أحد من الخلق يروي ذلك أو يأثره عن أحد من آبائه أو من أخيه خاصة، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه فقد سقط ما تعلق به هذا الفريق أيضا.

على أنه لا فصل بين هؤلاء القوم وبين من ادعى إمامة بعض الطالبيين واعتل بعلتهم في وجوب الإمامة وفساد قول الإمامية فيما يدعونه من النص على ابن الحسن عليه السلام، فإذا كان لا فصل بين القولين وأحدهما باطل بلا اختلاف فالآخر في البطلان والفساد مثله.

فهذه وفقكم الله جملة كافية فيما قصدناه ونحن نشرح هذه الأبواب والقول فيها على الاستقصاء والبيان في كتاب نفرده بعد، والله ولي التوفيق وإياه نستهدي إلى سبيل الرشاد.

-  في إمامة زيد بن علي

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 340:

فصل: وحضر الشيخ أبو عبد الله أيده الله بمسجد الكوفة فاجتمع إليه من أهلها وغيرهم أكثر من خمسمائة إنسان فابتدر إليه رجل من الزيدية أراد الفتنة والشناعة فقال: بأي شيء استجزت إنكار إمامة زيد بن علي؟ فقال له الشيخ: إنك قد ظننت علي ظنا باطلا، وقولي في زيد لا يخالفني فيه أحد من الزيدية فلا يجب أن يتصور مذهبي في ذلك بالخلاف لهم. فقال له الرجل: وما مذهبك في إمامة زيد بن علي؟ فقال له الشيخ: أنا أثبت من إمامة زيد ما تثبته الزيدية وأنفي عنه من ذلك ما تنفيه فأقول: إن زيدا رحمة الله عليه كان إماما في العلم والزهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنفي عنه الإمامة الموجبة لصاحبها العصمة والنص والمعجز وهذا ما لا يخالفني عليه أحد من الزيدية حسبما قدمت. فلم يتمالك جميع من حضر من الزيدية أن شكروه ودعوا له وبطلت حيلة الرجل فيما أراد من التشنيع والفتنة.