عقائد الشيعة الإمامية >> الشيخ المفيد

 

 

عقائد الشيخ المفيد قدس سره

مذاهب الفرق الضالة

 

 - الخوارج على أمير المؤمنين المارقون عن الدين كفار بخروجهم عليه وأنهم في النار بذلك مخلدون

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 43، 44:

واتفقت الإمامية والزيدية وجماعة من أصحاب الحديث على أن الخوارج على أمير المؤمنين عليه السلام المارقين عن الدين كفار بخروجهم عليه وأنهم في النار بذلك مخلدون(1).

وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك، ومنعوا من إكفارهم واقتصروا في تسميتهم على التفسيق، وأوجبوا عليهم التخليد في الجحيم. وزعمت المرجئة وباقي أصحاب الحديث أنهم فساق يخاف عليهم العذاب ويرجى لهم العفو والثواب ودخول جنات النعيم.

- أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 46:

10- القول في الرجعة والبداء وتأليف القرآن

واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيمة وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف.

واتفقوا على إطلاق لفظ (البداء) في وصف الله تعالى وأن ذلك من جهة السمع دون القياس.

واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله.

وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية في جميع ما عددناه.

- أصحاب البدع كلهم كفار وعلى الإمام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم وإقامة البينات عليهم فإن تابوا عن بدعهم وصاروا إلى الصواب وإلا قتلهم لردتهم عن الإيمان ومن مات منهم على تلك البدعة فهو من أهل النار

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 49:

16- القول في أصحاب البدع وما يستحقون عليه من الأسماء والأحكام

واتفقت الإمامية على أن أصحاب البدع كلهم كفار، وأن على الإمام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم وإقامة البينات عليهم، فإن تابوا عن بدعهم وصاروا إلى الصواب وإلا قتلهم لردتهم عن الإيمان، وأن من مات منهم على تلك البدعة فهو من أهل النار.

وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك، وزعموا أن كثيرا من أهل البدع فساق وليسوا بكفار، وأن فيهم من لا يفسق ببدعته ولا يخرج بها عن الإسلام كالمرجئة من أصحاب ابن شبيب والبترية من الزيدية الموافقة لهم في الأصول وإن خالفوهم في صفات الإمام.

- مذهب الجبر هو قول من يزعم أن الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير أن يكون للعبد قدرة على ضدها والامتناع منها وخلق فيه المعصية كذلك

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 46:

[فصل: في الفرق بين الجبر والتفويض]

قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين أمرين. وروى في ذلك حديثا مرسلا قال: فقيل: وما أمر بين أمرين؟ قال: مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية.

قال الشيخ المفيد عليه الرحمة: الجبر هو الحمل على الفعل والاضطرار إليه بالقهر والغلبة، وحقيقة ذلك إيجاد الفعل في الخلق من غير أن يكون لهم قدرة على دفعه والامتناع من وجوده فيه، وقد يعبر عما يفعله الإنسان بالقدرة التي معه على وجه الإكراه له على التخويف والإلجاء أنه جبر والأصل فيه ما فعل من غير قدرة على امتناعه منه حسب ما قدمناه، وإذا تحقق القول في الجبر على ما وصفناه كان مذهب أصحاب المخلوق هو بعينه، لأنهم يزعمون [كان مذهب الجبر هو قول من يزعم] أن الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير أن يكون للعبد قدرة على ضدها والامتناع منها، وخلق فيه المعصية كذلك، فهم المجبرة حقا [والجبر مذهبهم على] التحقيق.

والتفويض هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال والإباحة لهم مع ما شاءوا من الأعمال، وهذا قول الزنادقة وأصحاب الإباحات، والواسطة بين هذين القولين أن الله تعالى أقدر الخلق على أفعالهم ومكنهم من أعمالهم، وحد لهم الحدود في ذلك، ورسم لهم الرسوم [ونهاهم عن] القبائح بالزجر والتخويف، والوعد والوعيد، فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبرا لهم عليها، ولم يفوض إليهم الأعمال لمنعهم من أكثرها، ووضع الحدود لهم فيها وأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها. فهذا هو الفصل بين الجبر والتفويض على ما بيناه.

- في كفر محاربي أمير المؤمنين من أهل البصرة والشام والنهروان

- الإسلام إنما هو الاستسلام والانقياد والله عز وجل قد أوجب على محاربي أمير المؤمنين مفارقة ما هم عليه بذلك من العصيان وألزمهم الاستسلام له والانقياد إلى ما يدعوهم إليه من الدخول في الطاعة وكف القتال

- محاربو أمير المؤمنين فارقوا طاعة الإمام العادل وأنكروها وردوا فرائض الله تعالى عليه وجحدوها واستحلوا دماء المؤمنين وسفكوها وعادوا أولياء الله المتقين في طاعته ووالوا أعداءه الفجرة الفاسقين في معصيته

- محاربو أمير المؤمنين إنما حاربوا الإمام واستحلوا دماء المؤمنين من أصحابه ومنعوه الزكاة وإنكروا حقوقه على وجه العناد

- حكم الكفار الذين يجهز على جرحاهم ويتبع مدبرهم ويغنم جميع أموالهم ويسبي نساءهم وذراريهم شيء يختص بمحاربي المشركين

- الأخبار الدالة على كفر محاربي أمير المؤمنين

- الإفصاح - الشيخ المفيد  ص 117، 130:

فصل: قد كان بعض متكلمي المعتزلة رام الطعن في هذا الكلام، بأن قال: قد ثبت أن القوم الذين فرض الله تعالى قتالهم بدعوة من أخبر عنه كفار خارجون عن ملة الإسلام، بدلالة قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}.

وأهل البصرة والشام والنهروان فيما زعم لم يكونوا كفارا، بل كانوا من أهل ملة الإسلام إلا أنهم فسقوا عن الدين، وبغوا على الإمام، فقاتلهم بقوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّه}. وأكد ذلك عند نفسه بسيرة أمير المؤمنين عليه السلام فيهم، وبخبر رواه عنه عليه السلام، أنه سئل عنهم، فقال: "إخواننا بغوا علينا"  ولم يخرجهم عن حكم أهل الإسلام.

قال: فثبت بذلك أن الداعي إلى قتال من سماه الله تعالى ووصفه بالبأس الشديد إنما هو أبو بكر وعمر دون أمير المؤمنين عليه السلام.

فصل: فقلت له: ما أبين غفلتك، وأشد عماك! أنسيت قول أصحابك في المنزلة بين المنزلتين، وإجماعهم على من استحق التسمية بالفسق خارج بما به استحق ذلك عن الإيمان والإسلام، غير سائغ تسميته بأحد هذين الاسمين في الدين على التقييد والإطلاق، أم جهلت هذا من أصل الاعتزال، أم تجاهلت وارتكبت العناد؟!

أو لست تعلم أن المتعلق بإيجاب الإسلام على أهل البصرة والشام والنهروان لا يلزم بذلك إكفارهم، ولا يمنعه من نفي الكفر عنهم، بحسب ما نبهناك عليه من مقالة أصحابك في الأسماء والأحكام، فكيف ذهب عليك هذا الوجه من الكلام، وأنت تزعم أنك متحقق بعلم الحجاج؟! فاستحى لذلك وبانت فضيحته، بما كان يدافع به من الهذيان.

فصل: قال بعض المرجئة وكان حاضر الكلام: قد نجونا نحن من المناقضة التي وقع فيها أهل الاعتزال، لأنا لا نخرج أحدا من الإسلام إلا بكفر يضاد الإيمان، فيجب على هذا الأصل أن يكون الكلام بيننا في إكفار القوم على ما تذهبون إليه، وإلا لزمكم معنى الآي.

فقلت له: لسنا نحتاج إلى ما ظننت من نقل الكلام على الفرع، وإن كان مذهبك في الأسماء ما وصفت، لأن الإسلام عندنا وعندك إنما هو الاستسلام والانقياد، ولا خلاف بيننا أن الله عز وجل قد أوجب على محاربي أمير المؤمنين عليه السلام مفارقة ما هم عليه بذلك من العصيان، وألزمهم الاستسلام له والانقياد إلى ما يدعوهم إليه، من الدخول في الطاعة وكف القتال، فيكون قوله تعالى: {تقاتلونهم أو  يسلمون} خارجا على هذا المعنى الذي ذكرناه، وهو موافق لأصلك، وجار على أصل اللغة التي نزل بها القرآن. فلحق بالأول في الانقطاع ، ولم أحفظ منه إلا عبارات فارغة داخلة في باب الهذيان.

فصل: على أنه يقال للمعتزلة والمرجئة والحشوية جميعا: لم أنكرتم إكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام، وقد فارقوا طاعة الإمام العادل وأنكروها، وردوا فرائض الله تعالى عليه وجحدوها، واستحلوا دماء المؤمنين وسفكوها، وعادوا أولياء الله المتقين في طاعته، ووالوا أعداءه الفجرة الفاسقين في معصيته، وأنتم قد أكفرتم مانعي أبي بكر الزكاة، وقطعتم بخروجهم عن ملة الإسلام؟! ومن سميناه قد شاركهم في منع أمير المؤمنين عليه السلام الزكاة، وأضاف إليه من كبائر الذنوب ما عددناه، وهل فرقكم بين الجميع في أحكام الكفر والإيمان إلا عناد في الدين وعصبية للرجال.

فصل: فإن قالوا: مانعو الزكاة إنما منعوها على وجه العناد، ومحاربو أمير المؤمنين إنما حاربوه ومنعوه زكاتهم واستحلوا الدماء في خلافه على التأويل دون العناد، فلهذا افترق الأمران.

قيل لهم: انفصلوا ممن قلب القصة عليكم، فحكم على محاربي أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه، واستحلال دماء المؤمنين من أصحابه، ومنعه الزكاة وإنكار حقوقه بالعناد، وحكم على مانعي أبي بكر الزكاة بالشبهة والغلط في التأويل، وهذا أولى بالحق والصواب، لأن أهل اليمامة لم يجحدوا فرض الزكاة، وأنما أنكروا فرض حملها إلى أبي بكر، وقالوا: نحن نأخذها من أغنيائنا، ونضعها في فقرائنا، ولا نوجب على أنفسنا حملها إلى من لم يفترض له ذلك علينا بسنة ولا كتاب.

ولم نجد لمحاربي أمير المؤمنين عليه السلام حجة في خلافه واستحلال قتاله ولا شبهة أكثر من أنهم نكثوا بيعته فقد أعطوه إياها من أنفسهم بالاختيار، وادعوا بالعناد أنهم أجابوا إليها بالاضطرار، وقرفوه بقتل عثمان وهم يعلمون اعتزاله فتنة عثمان، وطالبوه بتسليم قتلته إليهم وليس لهم في الأرض سلطان، ولا يجوز تسليم القوم إليهم على الوجوه كلها والأسباب، ودعاه المارقون منهم إلى تحكيم الكتاب، فلما أجابهم إليه زعموا أنه قد كفر بإجابتهم إلى الحكم بالقرآن، وهذا ما لا يخفى العناد من جماعتهم فيه على أحد من ذوي الألباب.

فصل: فإن قالوا: فإذا كان محاربو أمير المؤمنين عليه السلام كفارا عندكم بحربه، مرتكبي العناد في خلافه، فما باله عليه السلام لم يسر فيهم بسيرة الكفار فيجهز على جرحاهم، ويتبع مدبرهم، ويغنم جميع أموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم، وما أنكرتم أن يكون عدوله عن ذلك في حكمهم يمنع من صحة القول عليهم بالإكفار؟.

قيل لهم: إن الذي وصفتموه في حكم الكفار إنما هو شيء يختص بمحاربي المشركين، ولم يوجد في حكم الإجماع والسنة فيمن سواهم من سائر الكفار، فلا يجب أن يعدّى منهم إلى غيرهم بالقياس، ألا ترون أن أحكام الكافرين تختلف، فمنهم من يجب قتله على كل حال، ومنهم من يجب قتله بعد الإمهال، ومنهم الجزية ويحقن دمه بها ولا يستباح، ومنهم من لا يحل دمه ولا تؤخذ منه الجزية على حال، ومنهم من يحل نكاحه ومنهم من يحرم بالإجماع، فكيف يجب اتفاق الأحكام من الكافرين على ما أوجبتموه فيمن سميناه، إذا كانوا كفارا، وهي على ما بيناه في دين الإسلام من الاختلاف؟!.

فصل: ثم يقال لهم: خبرونا هل تجدون في السنة أو الكتاب أو الإجماع الحكم في طائفة من الفساق بقتل المقبلين منهم وترك المدبرين، وحظر الإجهاز على جرحى المقاتلين وغنيمة ما حوي عسكرهم دون ما سواه من أمتعتهم وأموالهم أجمعين؟ فإن ادعوا معرفة ذلك ووجوده طولبوا بتعيينه فيمن عدا البغاة من محاربي أمير المؤمنين عليه السلام، فإنهم يعجزون عن ذلك، ولا يستطيعون إلى إثباته سبيلا.

وإن قالوا: إن ذلك، وإن كان غير موجود في طائفة من الفاسقين، فحكم أمير المؤمنين عليه السلام به في البغاة دليل على أنه في السنة أو الكتاب، وإن لم يعرف وجه التعيين.

قيل لهم: ما أنكرتم أن يكون حكم أمير المؤمنين عليه السلام في البغاة ممن سميتموه دليلا على أنه حكم الله تعالى قي طائفة من الكافرين موجود في السنة والكتاب، وإن لم يعرف الجمهور الوجه في ذلك على التعيين، فلا يجب أن يخرج القوم من الكفر لتخصيصهم من الحكم بخلاف ما حكم الله تعالى به فيمن سواهم من الكافرين، كما لا يجب خروجهم من الفسق بتخصيصهم من الحكم بخلاف ما حكم الله تعالى به فيمن سواهم من الفاسقين، وهذا ما لا فصل فيه.

فصل: على أن أكثر المعتزلة يقطعون بكفر المشبهة والمجبرة، ولا يخرجونهم بكفرهم عن الملة، ويرون الصلاة على أمواتهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، وموارثتهم، ومنهم من يرى مناكحتهم، ولا يلحقونهم بغيرهم من الكفار في أحكامهم المضادة لما وصفناه، ولا يلزمون أنفسهم مناقضة في ذلك. وأبو هاشم الجبائي خاصة يقطع بكفر من ترك الكفر وأقام على قبيح أو حسن يعتقد قبحه، ولا يجري عليه شيئا من أحكام الكافرين من قتل، أو أخذ جزية، أو منع من موارثة، أو دفن في مقابر المسلمين، أو صلاة عليه بعد أن يكون مظهر للشهادتين، والإقرار بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله على الإجمال، وهذا يمنعه فيمن تقدم ذكره من المعتزلة وأصحابهم من المطالبة في محاربي أمير المؤمنين عليه السلام بما سلف حكايته عن الخصوم، ولا يسوغ لهم الاعتماد بذكر الإسلام من الأذى.

فصل: فإن قالوا: كيف يصح لكم إكفار أهل البصرة والشام وقد سئل أمير المؤمنين عليه السلام عنهم، فقال: "إخواننا بغوا علينا"، ولم ينف عنهم الإيمان، ولا حكم عليهم بالشرك والإكفار؟!.

قيل لهم: هذا خبر شاذ، لم يأت به التواتر من الأخبار، ولا أجمع على صحته رواة الآثار، وقد قابله ما هو أشهر منه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وأكثر نقلة، وأوضح طريقا في الإسناد، وهو أن رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة، والناس مصطفون للحرب، فقال له: علام نقاتل هؤلاء القوم يا أمير المؤمنين ونستحل دماءهم وهم يشهدون شهادتنا، ويصلون إلى قبلتنا؟ فتلا عليه السلام هذه الآية، رافعا بها صوته: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ}. فقال الرجل حين سمع ذلك: كفار، ورب الكعبة. وكسر جفن سيفه ولم يزل يقاتل حتى قتل.

وتظاهر الخبر عنه عليه السلام أنه قال يوم البصرة: "والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

وجاء مثل ذلك عن عمار وحذيفة رحمة الله عليهما، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، فالأمر في اجتماع أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام على إكفار عثمان والطالبين بدمه وأهل النهروان أظهر من أن يحتاج فيه إلى شرح وبيان، وعنه أخذت الخوارج مذهبها الموجود في أخلافها اليوم من الإكفار لعثمان بن عفان وأهل البصرة والشام، وإن كانت الشبهة دخلت عليهم في سيرته عليه السلام فيهم، وما استعمله من الأحكام حتى ناظره أسلافهم عند مفارقتهم له فحججهم بما قد تواترت به الأخبار...

دليل آخر: ويدل على ذلك أيضا ما تواترت به الأخبار من قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: "حربك يا علي  حربي، وسلمك سلمي". وقد ثبت أنه لم يرد بذلك الخبر عن كون حرب أمير المؤمنين عليه السلام حربه على الحقيقة، وإنما أراد التشبيه في الحكم دون ما عداه، وإلا كان الكلام لغوا ظاهر الفساد، وإذا كان حكم حربه عليه السلام كحكم حرب الرسول عليه السلام وجب إكفار محاربيه، كما يجب بالإجماع إكفار محاربي رسول الله صلى الله عليه وآله.

دليل آخر: وهو أيضا ما أجمع على نقله حملة الآثار من قول الرسول صلى الله عليه وآله: "من آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني، فقد آذى الله تعالى". ولا خلاف بين أهل الإسلام أن المؤذي للنبي صلى الله عليه وآله بالحرب والسب والقصد له بالأذى والتعمد لذلك كافر، خارج عن ملة الإسلام، فإذا ثبت ذلك وجب الحكم بإكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام بما أوجبه النبي صلى الله عليه وآله من ذلك بما بيناه.

دليل آخر: وهو أيضا ما انتشرت به الأخبار، وتلقاه العلماء بالقبول عن رواة الآثار، من قول النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: "اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه". وقد ثبت أن من عادى الله تعالى وعصاه على وجه المعاداة فهو كافر خارج عن الإيمان، فإذا ثبت أن الله تعالى لا يعادي أولياءه وإنما يعادي أعداءه، وصح أنه تعالى معاد لمحاربي أمير المؤمنين عليه السلام لعداوتهم له، بما ذكرناه من حصول العلم بتدينهم بحربه عليه السلام بما ثبت به عداوة محاربي رسول الله صلى الله عليه وآله ويزول معه الارتياب، وجب إكفارهم على ما قدمناه.

فصل: على أنا لو سلمنا لهم الحديث في وصفهم بالإخوة له عليه السلام، لما منع من كفرهم، كما لم يمنع من بغيهم، ولم يضاد ضلالهم باتفاق مخالفينا، ولا فسقهم عن الدين واستحقاقهم اللعنة والاستخفاف والإهانة وسلب اسم الإيمان عنهم والإسلام، والقطع عليهم بالخلود في الجحيم. قال الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً}، فأضافه إليهم بالإخوة وهو نبي الله وهم كفار بالله عز وجل. وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}. وقال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} ولم يناف ذلك كفرهم، ولا ضاد ظلالهم وشركهم، فأحرى أن لا يضاد تسمية أمير المؤمنين عليه السلام محاربيه بالإخوة مع كفرهم بحربه، وضلالهم عن الدين بخلافه، وهذا بين لا إشكال فيه.

فصل: ومما يدل على كفر محاربي أمير المؤمنين عليه السلام علمنا بإظهارهم التدين بحربه، والاستحلال لدمه ودماء المؤمنين من ولده وعترته وأصحابه، وقد ثبت أن استحلال دماء المؤمنين أعظم عند الله من استحلال جرعة خمر، لتعاظم المستحق عليه من العقاب بالاتفاق. وإذا كانت الأمة مجمعة على إكفار مستحل الخمر، وإن شهد الشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فوجب القطع على كفر مستحل دماء المؤمنين، لأنه أكبر من ذلك وأعظم في العصيان بما ذكرناه، وإذا ثبت ذلك صح الحكم بإكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام على ما وصفناه.

فصل: ثم يقال للمعتزلة ومن وافقهم في إنكار إمامة معاوية بن أبي سفيان وبني أمية من عقلاء أصحاب الحديث: ما الفرق بينكم فيما تأولتم به الآية، وأوجبتم به منها طاعة أبي بكر وعمر، وبين الحشوية فيما أوجبوا به منها طاعة معاوية وبني أمية وجعلوه حجة لهم على إمامتهم، وعموا بالمعني بها أبا بكر وعمر وعثمان ومن ذكرناه. وذلك أن أكثر فتوح الشام وبلاد المغرب والبحرين والروم وخراسان كانت على يد معاوية بن أبي سفيان وأمرائه كعمرو بن العاص وبسر بن أرطاة ومعاوية بن حديج وغير من ذكرناه، ومن بعدهم على أيدي بني أمية وأمرائهم بلا اختلاف. فإن جروا على ذلك خرجوا عن أصولهم، وزعموا أن الله سبحانه أوجب طاعة الفاسقين، وأمر باتباع الظالمين، ونص على إمامة المجرمين، وإن امتنعوا منه لعلة من العلل مع ما وصفناه من قتالهم بعد النبي صلى الله عليه وآله لقوم كفار أولي بأس شديد منعوا من ذلك في الرجلين بمثلها، فلا يجدون فصلا مع ما يلحق مقالتهم من الخلل والتناقض بالتخصيص على التحكم دون الحجة والبيان، ومن الله نسأل التوفيق.

- قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ الآية نزلت في أهل البصرة

- الإفصاح - الشيخ المفيد  ص 131، 137:

فصل: فإن قال : قد قطعتم عذري في الجواب عما تعلق به خصماؤكم من تأويل هذه الآية، وأزلتم بحمد الله ما اشتبه علي من مقالهم فيها، ولكن كيف يمكنكم تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

وقد علمتم أنه لم يقاتل المرتدين بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا أبو بكر، فوجب أن يكون إماما وليا لله تعالى بما ضمنه التنزيل، وهذا ما لا نرى لكم عنه محيصا؟!.

قيل له: قد بينا فيما سلف وجه التأويل لهذه الآية، وذكرنا عن خيار الصحابة أنها نزلت في أهل البصرة، بما رويناه عن حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، وقد جاءت الأخبار بمثل ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام، ووردت بمعناه عن عبد الله بن مسعود، ودللنا أيضا على كفر محاربي أمير المؤمنين عليه السلام بما لا يخفى الصواب فيه على ذوي الإنصاف، وذلك موجب لردتهم عن الدين الذي دعا الله تعالى إليه العباد، فبطل صرف تأويلها عن هذا الوجه إلى ما سواه.

فصل: مع أن متضمن الآية وفوائدها وما يتصل بها مما بعدها يقضي بتوجهها إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فإنه المعني بالمدحة فيها، والمشار إليه في جهاد المرتدين دون من ظنوه بغير بصيرة وتوهموه. وذلك أن الله سبحانه توعد المرتدين عن دينه بالانتقام منهم بذي صفات مخصوصة بينها في كتابه، وعرفها كافة عباده، بما يوجب لهم العلم بحقائقها، وكانت بالاعتبار الصحيح خاصة لأمير المؤمنين عليه السلام دون المدعى له ذلك بما لا يمكن دفعه إلا بالعناد:

فأولها: وصفهم بأنهم يحبون الله تعالى ويحبهم الله. وقد علم كل من سمع الأخبار اختصاص أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الوصف من الرسول صلى الله عليه وآله، وشهادته له به يوم خيبر حيث يقول: "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه"  فأعطاها عليا عليه السلام، ولم يرد خبر ولا جاء أثر بأنه صلى الله عليه وآله وصف أبا بكر ولا عمر ولا عثمان بمثل ذلك في حال من الأحوال، بل مجيء هذا الخبر بوصف أمير المؤمنين عليه السلام بذلك عقيب ما كان من أبي بكر وعمر في ذلك اليوم من الانهزام، وإتباعه بوصف الكرار دون الفرار، موجب لسلب الرجلين معنى هذه المدحة كما سلبهما مدحة الكر، وألزمهما ذم الفرار.

وثانيها: وصف المشار إليه في الآية باللين على المؤمنين والشدة على الكافرين، حيث يقول جل اسمه: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}. وهذا وصف لا يمكن أحدا دفع أمير المؤمنين عليه السلام عن استحقاقه بظاهر ما كان عليه من شدته على الكافرين، ونكايته في المشركين، وغلظته على الفاسقين، ومقاماته المشهورة في تشييد الملة ونصرة الدين، ورأفته بالمؤمنين، ورحمته للصالحين. ولا يمكن أحدا ادعاؤه لأبي بكر إلا بالعصبية، أو الظن دون اليقين، لأنه لم يعرف له قتيل في الإسلام، ولا بارز قرنا، ولم ير له موقف عني فيه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله، ولا نازل بطلا، ولا سفك بيده لأحد المشركين دما، ولا كان له فيهم جريح، ولم يزل من قتالهم هاربا، ومن حربهم ناكلا، وكان على المؤمنين غليظا، ولم يكن بهم رحيما. ألا ترى ما فعله بفاطمة سيدة نساء العالمين عليه السلام وما أدخله من الذل على ولدها، وما صنع بشيعتها، وما كان من شدته على صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وعامله على الصدقات، ومن كان في حيزه من المسلمين حتى سفك دماءهم بيد المنافق الرجيم، واستباح حريمهم بما لا يوجب ذلك في الشرع والدين. فثبت أنه كان من الأوصاف على ضد ما أوجبه الله تعالى في حكمه لمن أخبر عن الانتقام به من المرتدين.

ثم صرح تعالى فيما أوصله بالآية من الذكر الحكيم ينعت أمير المؤمنين عليه السلام، وأقام البرهان الجلي على أنه عناه بذلك وأراده خاصة، بما أشار به من صفاته التي تحقق بالإنفراد بها من العالمين. فقال جل اسمه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}. فصارت الآية متوجهة إلى أمير المؤمنين عليه السلام بدلالة متضمنها، وما اتصل بها على حسب ما شرحناه، وسقط توهم المخالف فيما ادعاه لأبي بكر على ما بيناه.

فصل: ويؤيد ذلك إنذار رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا بقتال أمير المؤمنين عليه السلام لهم من بعده، حيث جاءه سهيل بن عمرو في جماعة منهم، فقالوا: يا محمد، إن أرقاءنا لحقوا بك فأرددهم علينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لتنتهن -يا معشر قريش- أو ليبعثن الله عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله". فقال له بعض أصحابه: من هو -يا رسول الله- أبو بكر؟! فقال: "لا" فقال: فعمر؟! فقال: "لا، ولكنه خاصف النعل في الحجرة" وكان علي عليه السلام يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله في الحجرة. وقوله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: "تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين". وقول الله عز وجل: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ}. وهي في قراءة عبد الله بن مسعود: "منهم بعلي منتقمون" وبذلك جاء التفسير عن علماء التأويل. وإذا كان الأمر على ما وصفناه، ولم يجر لأبي بكر وعمر في حياة النبي صلى الله عليه وآله ما ذكرناه، فقد صح أن المراد بمن ذكرناه أمير المؤمنين عليه السلام خاصة على ما بيناه.

وقد صح أنه المراد بقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} على ما فصلنا القول به من انتظام الكلام ودلالة معانيه، وما في السنة مما بينا الغرض فيه وشرحناه.

فصل: على أنا متى حققنا النظر في متضمن هذه الآية، ولم نتجاوز المستفاد من ظاهرها، وتأويله على مقتضى اللسان إلى القرائن من الأخبار على نحو ما ذكرناه آنفا، لم نجد في ذلك أكثر من الأخبار بوجود بدل من المرتدين في جهاد من فرض الله جهاده من الكافرين، على غير تعيين لطائفة من مستحقي القتال، ولا عموم الجماعة بما يوجب استغراق الجنس في المقال.

ألا ترى لو أن حكيما أقبل على عبيد له، وقال لهم: يا هؤلاء، من يعصني منكم ويخرج عن طاعتي فسيغنيني الله عنه بغيره ممن يطيعني، ويجاهد معي على الإخلاص في النصحية لي، ولا يخالف أمري. لكان كلامه هذا مفهوما مفيدا لحث عبيده على طاعته، وإخباره بغناه عنهم عند مخالفتهم، ووجود من يقوم مقامهم في طاعته على أحسن من طريقتهم، ولم يفد بظاهره ولا مقتضاه الأخبار بوجود من يجاهدهم أنفسهم على القطع، وإن كان محتملا لوعيدهم بالجهاد على الجواز له دون الوجوب لموضع الإشارة بذكر الجهاد إلى مستحقه. وهذا هو نظير الآية فيما انطوت عليه، ومماثل ألفاظها فيما تفضي إليه، ومن ادعى فيه خلاف ما ذكرناه لم يجد إليه سبيلا، وإن رام فيه فصلا عجز عن ذلك، ورجع بالخيبة حسيرا، ومن الله نسأل التوفيق.

- أمير المؤمنين وولده وأهله من بني هاشم وأتباعه من المهاجرين والأنصار وغيرهم من المؤمنين لم يسلكوا فيما باشروه من الحرب وسعوا فيه من القتل واستباحة الدماء طريق المجرمين بل كان ظاهرهم في ذلك والمعلوم من حالهم قصدهم التدين والقربة إلى الله تعالى

- الجمل - الشيخ المفيد  ص 19:

أما المتولون للقتال في هذه الفتنة فقد أنبأنا عملهم فيها عن اعتقادهم ودلت ظواهرهم في ذلك على بواطنهم فيه إذ العلم يحيط بأن أمير المؤمنين عليا عليه السلام وولده وأهله من بني هاشم وأتباعه من المهاجرين والأنصار وغيرهم من المؤمنين لم يسلكوا فيما باشروه من الحرب وسعوا فيه من القتل واستباحة الدماء طريق المجرمين، لذلك الطالبين به العاجل، والتاركين به ثواب الآجل، بل كان ظاهرهم في ذلك، والمعلوم من حالهم، وقصدهم التدين والقربة إلى الله تعالى بعملهم، والاجتهاد فيه وأن تركه والإعراض عنه موبق من الأعمال والتقصير فيه موجب لاستحقاق العقاب.

ألا ترى إلى ما اشتهر من قول أمير المؤمنين عليه السلام وقد سئل عن قتاله للقوم "لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله". وقول عمار بن ياسر رحمه الله: "أيها الناس والله ما أسلموا ولكنهم استسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا له أعوانا أظهروه" في أمثال هذين القولين من جماعة جلة من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام يطول بشرحها الكتاب فهم يلائم معاني كلامهم في ذلك ظواهر فعالهم.

والمعلوم من قصودهم وهذا ما لا مزيد فيه بين العلماء، وإنما يشتبه الأمر فيه على الجهلاء الذين لم يسمعوا الأخبار، ولا اعتبروا بتأمل الآثار.

- ظاهر عائشة وطلحة والزبير التدين بقتال أمير المؤمنين وأنصاره والقربة إلى الله سبحانه وتعالى في استفراغ الجهد فيه وإنهم كانوا يريدون على ما زعموا وجه الله والطلب بدم الخليفة المظلوم عندهم

- الجمل - الشيخ المفيد  ص 19، 20:

وكذلك الأمر محيط بأن ظاهر عائشة وطلحة والزبير وكثير ممن كان في حيزهم التدين بقتال أمير المؤمنين عليه السلام وأنصاره والقربة إلى الله سبحانه وتعالى في استفراغ الجهد فيه، وإنهم كانوا يريدون على ما زعموا وجه الله والطلب بدم الخليفة المظلوم عندهم، المقتول بغير حق وإنهم لا يسعهم فيما أضمروه في اعتقادهم إلا الذي فعلوه، فوضح من ذلك أن كلا من الفريقين يصوب رأيه فيما فعل ويخطئ صاحبه فيما صنع ويشهد لنفسه بالنجاة ويشهد على صاحبه بالضلال والهلاك.

إلا أن أمير المؤمنين عليه السلام صريح بالحكم على محاربيه ووسمهم بالغدر والنكث، وأخيرا أن النبي صلى الله عليه وآله أمره بقتالهم وفرض عليه جهادهم ولم يحفظ عن محاربيه فيه شيء ولا سمة له بمثل ذلك وإن كان المعلوم من رأيهم التخطئة له في القتال، والحكم عليه في بقائه على الأمر والامتناع من رده شورى بينهم وتسليمه قتلة عثمان إليهم بالزلل عن الحق الواجب عندهم والصواب.

- اجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين ولكنهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملة الإسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة ولم يكفروا كفر ردة عن الشرع

- محاربو أمير المؤمنين خارجون عن الإيمان مستحقون اللعنة والخلود في النار

- الجمل - الشيخ المفيد  ص 29، 30:

رأي الشيعة: واجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين ولكنهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملة الإسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة ولم يكفروا كفر ردة عن الشرع مع إقامتهم على الجملة منه وإظهار الشهادتين والاعتصام بذلك عن كفر الردة المخرج عن الإسلام وإن كانوا بكفرهم خارجين عن الإيمان مستحقين اللعنة والخلود في النار حسبما قدمناه.

وكل من قطع على ضلال محاربي أمير المؤمنين عليه السلام من المعتزلة فهو يحكم عليهم بالفسق واستحقاق الخلود في النار ولا يطلق عليهم الكفر ولا يحكم عليهم بالإكفار.

والخوارج تكفر أهل البصرة وأهل الشام ويخرجونهم بكفرهم الذي اعتقدوه فيهم ووسموهم به عن ملة الإسلام ومنهم من يسمهم بالشرك ويزيد على حكمه فيهم بالإكفار.

فهذه جمل القول فيما اختلف فيه أهل القبلة، من أحكام الفتنة بالبصرة والمقتولين بها ممن ذكرناه وأحكام صفين والنهروان وقد تحريت القول بالمحفوظ عن أرباب المذاهب المشهور عنهم عند العلماء وإن كان بعضها قد انقرض معتقدوه، وحصل على فساد القول به الإجماع وبعضها له معتقد قيل لم ينقرضوا إلى هذا الزمان وليس ينعقد على فساده إجماع وإن كان في بطلانه أدلة واضحة لمن تأملها من ذوي الألباب وأنا بمشيئة الله وعونه أذكر طرفا من الاحتجاج على كل فريق منهم خالف الحق وأثبت من الأخبار الواردة في صواب أمير المؤمنين عليه السلام وحقه في حروبه وأحكامه، مختصرا يغني عن الإطالة بما يتيسر به الكلام وأشفع ذلك بما يتلوه ويتصل به من ذكر أسباب الفتنة بالبصرة على ما ضمنت في ذلك بأول الكتاب.

- في إبطال مذهب الخوارج وضلال أهل البصرة وتخطئة محاربي أمير المؤمنين

- الجمل - الشيخ المفيد   ص 66، 67:

قال الشيخ المفيد أدام الله تأييده: وقد دللنا على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من جهة النص عليه بها من رسول الله صلى الله عليه وآله وباختياره له من ذوي العقول والعلم والفضل والرأي على ما يذهب إليه المخالفون في ثبوت الإمامة وانعقادها، وأنبأنا عن عصمته عليه السلام بما سلف وشرحنا القول في طريقها وأوضحناه وذكرنا الأخبار الواردة من طريق الخاصة والعامة في وجوب حقه وبرهان صوابه وتحريم خلافه، وفي ذلك إبطال ما ذهب إليه كافة خصومنا على اختلافهم في تصويب محاربيه والوقوف في ذلك والشك فيه، وفي ما أصلناه من ذلك ورسمناه في معناه غني عن تكليف كلام في فساد مذهب واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد على ما شرحناه عنهما في صدر هذا الكتاب من شبهات المذهب الرذل وإبطال مذهب الأصم وأتباعه ونقض شبهات الحوشية في تصويب الجماعة وإفساد ما ذهب إليه كل فريق منهم في تخطئتهم بأسرهم، وإقامة البرهان على صحة ما ذهب إليه الشيعة ومن شاركهم من قبائل المعتزلة والمرجئة والخوارج على أمير المؤمنين وضلال أهل البصرة وتخطئة محاربيه في هذين المقامين وضلالهم في ذلك عن طريق الرشاد، وفيما أثبتناه عن عصمته عليه السلام وحقه أيضا دليل مقنع في إبطال مذهب الخوارج المبدعة في إنكار التحكيم وترك القتال عند الموادعة حسب ما قدمناه ونحن نشفع ذلك بأسباب فتنة البصرة على ما بطن منها عن كثير من الناس وظهر منها للجمهور ونورد بعد هذا الباب الذي ذكرناه الأخبار الواردة بصورة الأمر في القتال وكيفية ما جرى فيه على ترتيب ذلك في مواضعه المقتضية لذكره فيها ونأتي به على الترتيب والنظام إن شاء الله تعالى.

- القول بتوبة من دعا إلى حرب أمير المؤمنين في الجمل باطل فقد مضوا مصرين على أعمالهم غير نادمين عليها ولا تائبين منها وإنهم كانوا يتظاهرون إلى الله بالقربة والتدين بعداوتهم لأمير المؤمنين والبغض والتضليل والتبديع له ولأولاده ولشيعته وأنصاره والبراءة إلى الله من جميعهم

- الجمل - الشيخ المفيد  ص 225:

فهذه جملة من أخبار البصرة وسبب فتنتها ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها قد أوردناها على سبيل الاختصار وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامة دون الخاصة ولم نثبت في ذلك ما روته الشيعة في إنكاره وكان الغرض فيما أوردناه في هذا الكتاب من تفصيل ذكر فتنة البصرة وما جرى فيها من القتال والفعال والإبانة عن عناد القوم لأمير المؤمنين عليه السلام والقصد لحربه وسفك دمه من غير شبهة في أمره ولا عذر فيما صاروا إليه من خلافه ولنوضح فيما تضمنته الأخبار في بطلان مقال من ادعى للقوم التوبة من فرطهم الضلال لحرب أمير المؤمنين عليه السلام وفساد مذهب من ذهب إلى ذلك من المعتزلة والمرجئة والحشوية.

ويدل على ما أثبتناه منه أن القوم مضوا مصرين على أعمالهم غير نادمين عليها ولا تائبين منها وإنهم كانوا يتظاهرون إلى الله بالقربة والتدين بعداوتهم لأمير المؤمنين عليه السلام والبغض والتضليل والتبديع له ولأولاده ولشيعته وأنصاره والبراءة إلى الله من جميعهم، وإن أمير المؤمنين عليه السلام يرى عليهم بمثل ذلك ويرى القربة إلى الله بجهادهم وقتالهم حتى مضى لسبيله وأنا مثبت بعد الذي قدمت أخبارا قد سلم لصحتها أهل العقل والنقل على خلافهم في الآراء والمذاهب تؤكد ما ذكرت في هذا الكتاب ويشهد بصحة ما ذكرت وإن كنت قد جمعتها في موضوع آخر من كتبي وإنما أوردتها في هذا الكتاب لملائمتها لمعناه وتأييده لما تضمنته من فوائده وفحواه وبالله أستعين...

- ما يدل على عدم توبة من دعا إلى حرب أمير المؤمنين في الجمل وبغضهم لأمير المؤمنين

- الجمل - الشيخ المفيد  ص 226، 234:

فمن ذلك ما حدثنا به أبو بكر محمد بن عمر الجعابي قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن أبي الحسن علي بن الحسين ابن فضال بإسناده في كتابه المعروف (بالمبنى) وهو أشهر أن يدل عليه العلماء عن أبان بن عثمان عن الأجلح عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس قال لما رمى أهل الإفك عائشة استشار رسول الله صلى الله عليه وآله عليا فيها فقال يا رسول الله النساء كثيرة سل الخادمة فسألوا بريرة فقالت ما علمت إلا خيرا فبلغ ذلك عائشة فقالت لا أحب عليا بعد هذا أبدا وكانت تقول لا أحب عليا أبدا أليس هو الذي خلا وصاحبه بجاريتي يسألانه عني وهذا حديث صحيح الإسناد واضح الطريق وهو يتضمن التصريح منها ببغض أمير المؤمنين عليه السلام بنصيحته لرسول الله صلى الله عليه وآله واجتهاده في طاعته ومشورته من غير أن يكون ظلمها بذلك واعتدى عليها فيه إذ لو كان ذلك كذلك وحاشاه عليه السلام لما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله مقالته ولا قبل مشورته ولا انتهى فيه إلى رأيه ولما صار بعد ذلك إلى الإصغاء إليه والاعتماد في ذلك عليه فدل على صوابه وضلال من مقته لأجله وعاداه فيه.

ومن ذلك ما رواه محمد بن مهران قال حدثنا محمد بن علي بن خلف قال حدثنا محمد بن كثير عن إسماعيل بن زياد البزاز عن أبي إدريس عن رافع مولى عائشة قال كنت غلاما أخدمها وكنت إذا كان رسول الله عندها أكون قريبا منها فبينما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم عندها إذ جاء جاء فدق الباب فخرجت إليه فإذا جارية معها إناء مغطى فرجعت إلى عائشة وأخبرتها فقالت ادخلها فدخلت فوضعته بين يدي عائشة ووضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فأكل منه فقال يا ليت أمير المؤمنين وسيد المرسلين وإمام المتقين يأكل معي فقالت عائشة ومن ذلك؟ فجاء جاء فدق الباب فخرجت إليه فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام فرجعت إليه فقلت هذا علي بالباب فقال ادخله فلما دخل قال له أهلا لقد تمنيتك حتى لو أبطيت لسألت الله أن يأتيني بك اجلس فكل معي فجلس معه ورأيت النبي صلى الله عليه وآله ينظر إليه ويقول قاتل الله من يقاتلك وعادى الله من عاداك فقالت عائشة من يقاتله ويعاديه فقال لها أنت ومن معك. وهذا الحديث يدل على عداوتها له من حيث استفهمته عما تعلمه على وجه الإنكار ودعائه في آخر القول على من يقاتله ويعاديه لعلمه بما يكون منها من القتال أيضا ودعائه على من عاداه ليبين فضيلته وما هي عليه من البغض والشنآن له ويزيل الشبهة عن الأمة في حقه وصوابه وباطل عدوه في خلافه له وعناده.

ومن ذلك ما رواه غير واحد عن الأرقم بن شرحبيل عن عبد الله بن العباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفى فيه ابعثوا إلى علي وادعوه فقالت عائشة لو بعثت إلى أبي بكر وقالت حفصة لو بعثت إلى عمر فبعثنا إلى أبي بكر وعمر فلما حضرا فتح النبي عينيه فرأهما فقال انصرفا فإن تكن لي حاجة بعثت إليكما.

وروى إسحاق عن عكرمة عن عبد الله بن العباس قال أغمي على النبي صلى الله عليه وآله ثم أفاق فقال ادعوا لي أخي فأمرت عائشة أن يدعوا أبا بكر فدخل فلما رآه رسول الله أعرض عنه فقالت أم سلمة ادعوا له عليا فإنه أخوه وحبيبه فدعوه فجاء حتى جلس بين يديه فلما رآه أدناه وناجاه طويلا وهذا الحديث مع استقامته وكثرة رواته وظهوره في الخاصة والعامة يدل على عداوتها له وحسدها عليه.

ومن ذلك ما احتج عليه أهل النقل من شهادتها لأبي بكر في صواب منعه فاطمة فدكا ومقابلتها في تلك الشهادة أمير المؤمنين عليه السلام فيما ذهب إليه من استحقاقها ومظاهرة أبي بكر على منع فاطمة من ميراث أبيها ولم يشركها في ذلك إحدى الأزواج.

ومن ذلك ما رواه إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن عائشة قالت استشعر رسول الله من المرض في بيت ميمونة فدعى نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر يخطان قدماه الأرض عاصبا رأسه حتى دخل بيتي قال عبد الله فحدثت عنها عبد الله بن العباس فقال هل تدري من الرجل؟ قال ذلك علي بن أبي طالب وما كانت أمنا تذكره بخير وهي تستطيع.

ومن ذلك أن عائشة كانت تذم عثمان وولاته وكانت تقول كل قول بغضا منه وترفع قميص رسول الله فتقول هذا قميص رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان أحكامه ولما جاء الناعي إلى مكة فنعاه بكى لقتله قوم من أهل ظنه فأمرت مناديا ينادي: ما بكاؤكم على نعثل أراد أن يطفئ نور الله فأطفأه الله تعالى وأن يضيع سنة رسوله فقتله ثم أرجف بمكة أن طلحة قد بويع له فركبت مبادرة بغلتها وتوجهت نحو المدينة وهي مسرورة حتى انتهت إلى (سرف) فاستقبلها عبد بن أبي سلمة فقالت له ما عندك من الخبر قال قتل عثمان قالت فمن ذا ولوه قال بايعوا عليا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت والله لوددت أن هذه تطبق على هذه إن تمت لصاحبك فقال لها عبد بن أبي سلمة: ولم؟ فو الله ما على هذه الغبراء نسمة أكرم منه على الله فلماذا تكرهين قوله فقالت إنا عبنا على عثمان في أمور سميناها له ولمناه عليها فتاب منها واستغفر الله فقبل منه المسلمون ولم يجدوا من ذلك بدا فوثب عليه صاحبك فقتله والله لإصبع من أصابع عثمان خير منه وقد مضى كما يمضي الرخيص ثم رجعت إلى مكة تنعى عثمان وتقول هذه المقالة للناس.

فهل يصح رحمكم الله عند أحد من العقلاء دخول الشبهة من بغضها أو يرتاب مكلف في إعنادها لأمير المؤمنين عليه السلام على ما ذكرناه.

ومن ذلك ما رواه نوح بن رواح عن أبي إسحاق قال حدثني المنهال عن جماعة من أصحابنا أن طلحة لما قدم مكة جاء إلى عائشة فلما رأته قالت يا أبا محمد قتلت عثمان وبايعت عليا فقال لها يا أماه مثلي كما قال الشاعر:

ندمت ندامة الكسعي لما رأت عيناي ما صنعت يداه

أو لا ترى أنها تبدي له العداوة في كل حال وتظهر العناد له بكل مقال. ومن ذلك كتبها إلى الآفاق تؤلب عليه وتخذل الناس عنه من غير شبهة تعرض في الديانة لفعل كان منه، كتبت إلى زيد بن صوحان على ما اجتمعت عليه نقلة الأخبار: بسم الله الرحمن الرحيم من عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين زوجة النبي إلى ابنها المخلص زيد بن صوحان أما بعد إذا جاءك كتابي هذا فأقم في بيتك وخذل الناس عن علي حتى يأتيك أمري وليبلغني عنك ما أقر به فإنك من أوثق أهلي عندي والسلام.

فكتب إليها زيد بن صوحان: بسم الله الرحمن الرحيم من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن الله أمرك بأمر وأمرنا بأمر، أمرك أن تقري في بيتك وأمرنا بالجهاد فأتاني كتابك بضد ما أمر الله به وذلك خلاف الحق والسلام.

ومن ذلك ما تظاهرت به الأخبار وثبتت به الآثار في الكتب المصنفة في حرب البصرة وغيرها من كتاب عايشة إلى حفصة ما رواه عن الأصم عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال لما نزل علي عليه السلام ذا قار كتبت إلى حفصة الذي قدمنا ذكره.

وروى بشر بن الربيع عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال ذكر النبي خروج بعض نسائه وعنده عائشة وعلي حاضر فضحكت عائشة والتفت إلى علي وقال إذا رأيت من أمرها شيئا فارفق بها.

وروى عصام بن قدامة البجلي عن ابن عباس قال قال رسول الله لعائشة وعنده نساءه ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وشمالها خلق كثير كلهم في النار وينجو بعد ما كادت.

وروى أبو بكر بن عياش عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال المسعودي في حديثه قال رسول الله يا علي إذا أدركتها فاضربها واضرب أصحابها.

وروى علي بن مسهر هشام عن ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عائشة إني رأيتك في المنام مرتين أرى جملا يحملك في سدفة من حرير فأكشفتها فإذا هي أنت.

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهاها وقد بين ما يكون منها على علم منه في مصيرها وعاقبة أمرها ثم نهاها عن ذلك وزجرها ودعا عليها لأجله وتوعدها صلى الله عليه وآله فأقدمت على خلافه مستبصرة بعداوته وارتكبت نهيه معاندة له في أمره وصارت إلى ما زجرها عنه مع الذكر له والعلم به من غير شبهة في معاندته، على أن كتاب الله المقدم في الحجة على ما تعمده من أثر وخبر وسنة وقد أوضح ببرهانه على إقدام المرأة على الخلاف له من غير شبهة وقتاله وقتال أوليائه لغير حجة بقوله تعالى لها ولجميع نساء النبي: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} فخرجت من بيتها مخالفة لأمر الله وتبرجت بين الملأ والعساكر في الحروب تبرج الجاهلية الأولى وأباحت دماء المؤمنين وأفسدت الشرع على المسلمين وأوقعت في الدين الشبهات على المستضعفين.

ومن ذلك ما رواه أبو داود الطبري عن عبد الله بن شريك عن عامر عن عبد الله بن عامر قال سمعت عبد الله بن بديل الخزاعي يقول لعائشة أنشدك الله ألم نسمعك تقولين سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض قالت بلى فقال لها إذا كان ذلك مم هذا قالت دعوني والله لوددت أنهم تفانوا جميعا، فدل ذلك على أنه لم يعترضها شبهة في قتاله وأنها في خلاف الله ورسوله والأخبار في هذا المعنى كثيرة إن أخذنا في إيرادها طال بها الكتاب.

فأما ما جاء في عناد طلحة والزبير لأمير المؤمنين وإقدامهما على حرب عثمان طمعا في نيل الأمر من بعده بغير شبهة في ذلك وأنهما كانا متوليين لقتل عثمان فلما بايع الناس لأمير المؤمنين عليه السلام وفاتها ما كانا يأملانه من التأمر على الناس عمدا إلى حربه ورمياه بما صنعاه بعثمان وعاندا في ذلك وكابرا ودفعا به المعلوم.

وروى موسى بن مطير عن الأعمش عن مسروق قال دخلنا المدينة فبدأنا بطلحة فخرج مشتملا بقطيفة حمراء فذكرنا له أمر عثمان وهم القوم به فقال لقد كاد سفهاؤكم أن يغلبوا عقلائكم ثم قال أجئتم معكم بحطب ألا فخذوا هاتين الحزمتين فاذهبوا بها إلى بابه فأحرقوه بالنار فخرجنا من عنده وأتينا الزبير فقال مثل قوله فخرجنا حتى أتينا عليا عند أحجار الزيت فذكرنا أمره فقال استتيبوا الرجل ولا تعجلوا فإن رجع عما هو عليه وإلا فانظروا.

وروى محمد بن إسحاق عن أبي جعفر الأسدي عن أبيه عن عبد الله ابن جعفر قال كنت مع عثمان وهو محصور فلما عرف أنه مقتول بعثني وعبد الرحمان بن أزهر إلى علي عليه السلام وقد استولى طلحة على الأمر وقال انطلقا وقولا له إنك أولى بالأمر من ابن الحضرمية فلا يغلبنك على أمر ابن عمك.

وروى الفضل بن دكين عن عمران الخزاعي عن ميسرة بن جرير قال كنت عند الزبير بأحجار الزيت وهو آخذ بيدي فأتاه رجل وقال يا أبا عبد الله إن أهل الدار قد حيل بينهم وبين الماء فقال ادبروا: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ} فهذه الأخبار وأمثالها قد جاءت بما فعل طلحة والزبير بعثمان وما أباحاه من دمه وإن أمير المؤمنين كان معتزلا لذلك عن عثمان دافعا عنه بحسب الإمكان ثم جاءا بعد ذلك يطلبان بدم عثمان ويدعيان عليه أنه تولى قتله ويقر فإنه بما ادعياه ويعملان في قتل أهل الإيمان وإثارة الفتنة في الإسلام وهلاك العباد والبلاد.

وروى إبراهيم بن عمر عن أبيه عن بشير عن نوح بن دراج أن عليا قال لهما والله ما للعمرة تريدان وقد بلغني أمركما وأمر صاحبتكما فحلفا بالله ما يريدان إلا العمرة.

وروى الحسن بن المبارك عن بكر بن عيسى أن عليا عليه السلام أخذ عليهما العهد والميثاق أعظم ما أخذه على أحد من خلقه أن لا يخالفا ولا ينكثا ولا يتوجها وجها غير العمرة حتى يرجعا إليه فأعطياه ذلك من أنفسهما ثم أذن لهما فخرجا.

وروت أم راشد مولاة أم هاني أن طلحة والزبير دخلا على علي فاستأذناه في العمرة فلما وليا من عنده سمعتهما يقولان ما بايعا بقلوبنا وإنما بايعنا يأيدينا فأخبرت عليا بمقالتهما فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} ثم قام عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الله لما قبض نبيه قلنا نحن أهل بيته وعصبته وورثته وأولياؤه وأحق خلق الله به لا ينازعنا في سلطانه أحد فبينما نقول ذلك إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبينا منا وولوه غيرنا وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلى الكفر لغيرنا ذلك ما استطعنا وقد وليتمونا أيها الناس أمركم وبايعني طلحة والزبير فيمن بايعني منكم ثم نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم ويلقيا ما بينكم الفتنة اللهم فخدهما بغشهما لهذه الأمة وسوء بطرهما.

وفي رواية أخرى في غير هذا الكتاب خطبته هكذا: أما بعد فإنه لما قبض الله رسوله قلنا نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا في سلطانه أحد ولا يطمع في حقنا طامع إذا انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا فصارت الإمرة لغيرنا وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ويتعزز علينا الذليل فبكت الأعين منا لذلك وخشنت الصدور وجزعت النفوس وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعودوا إلى الكفر ويبور الدين لكنا على غير ما كنا لهم عليه فولى الأمر ولاة لم يألوا الناس خيرا ثم استخرجتموني أيها الناس من بيتي فبايعتموني على شنئان مني لأمركم وفراسة تصدقني عما في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن عليه السلام أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولي تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد إنه ولي الإجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلاته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الأولين والآخرين وآله الطاهرين.

- مناظرة بين هشام بن الحكم وعبد الله بن يزيد الأباضي في مذهب الخوارج

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 50:

فصل: وأخبرني الشيخ أدام الله عزه أيضا قال: أحب الرشيد أن يسمع كلام هشام بن الحكم مع الخوارج فأمره بإحضاره وإحضار عبد الله بن يزيد الأباضي وجلس بحيث يسمع كلامهما ولا يرى القوم شخصه، وكان بالحضرة يحيى بن خالد. فقال يحيى لعبد الله بن يزيد: سل أبا محمد -يعني هشاما- عن شيء. فقال هشام: إنه لا مسألة للخوارج علينا. فقال عبد الله بن يزيد: وكيف ذلك؟ فقال هشام: لأنكم قوم قد اجتمعتم معنا على ولاية رجل وتعديله والإقرار بإمامته وفضله ثم فارقتمونا في عداوته والبراءة منه فنحن على اجتماعنا وشهادتكم لنا، وخلافكم علينا غير قادح في مذهبنا، ودعواكم غير مقبولة علينا إذ الاختلاف لا يقابل الاتفاق وشهادة الخصم لخصمه مقبولة وشهادته عليه مردودة. فقال يحيى بن خالد: لقد قربت قطعه يا أبا محمد ولكن جاره شيئا فإن أمير المؤمنين أطال الله بقاه يحب ذلك. قال: فقال هشام: أنا أفعل ذلك غير أن الكلام ربما انتهى إلى حد يغمض ويدق على الأفهام فيعاند أحد الخصمين أو يشتبه عليه، فإن أحب الإنصاف فليجعل بيني وبينه واسطة عدلا إن خرجت من الطريق ردني إليه وإن جار في حكمه شهد عليه. فقال عبد الله بن يزيد: لقد دعا أبو محمد إلى الإنصاف. فقال هشام: فمن يكون هذا الواسطة وما يكون مذهبه أيكون من أصحابي أو من أصحابك أو مخالفا للملة أو لنا جميعا؟ فقال عبد الله بن يزيد: اختر من شئت فقد رضيت به. قال هشام: أما أنا فأرى أنه إن كان من أصحابي لم يؤمن عليه العصبية لي وإن كان من أصحابك لم آمنه في الحكم علي، وإن كان مخالفا لنا جميعا لم يكن مأمونا علي ولا عليك ولكن يكون رجلا من أصحابي ورجلا من أصحابك لينظران فيما بيننا ويحكمان علينا بموجب الحق ومحض الحكم بالعدل. فقال عبد الله بن يزيد: قد أنصفت يا أبا محمد وكنت أنتظر هذا منك، فأقبل هشام على يحيى بن خالد فقال له: قد قطعته أيها الوزير ودمرت على مذاهبه كلها بأهون سعي ولم يبق معه شيء واستغنيت عن مناظرته. قال: فحرك الرشيد الستر فأصغى يحيى بن خالد فقال له: هذا متكلم الشيعة وافق الرجل موافقة لم تتضمن مناظرة ثم ادعى عليه أنه قد قطعه وأفسد عليه مذهبه فمره أن يبين عن صحة ما ادعاه على الرجل. فقال يحيى بن خالد لهشام: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تكشف عن صحة ما ادعيت على هذا الرجل. قال: فقال هشام: إن هؤلاء القوم لم يزالوا معنا على ولاية أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام حتى كان من أمر الحكمين ما كانه فأكفروه بالتحكيم وضللوه بذلك وهم الذين اضطروه إليه، والآن قد حكم هذا الشيخ وهو عماد أصحابه مختارا غير مضطر رجلين مختلفين في مذهبهما أحدهما يكفره والآخر يعدله، فإن كان مصيبا في ذلك فأمير المؤمنين عليه السلام أولى بالصواب منه، وإن كان مخطئا كافرا فقد أراحنا من نفسه بشهادته بالكفر عليها، والنظر في كفره وإيمانه أولى من النظر في إكفاره عليا عليه السلام، قال: فاستحسن ذلك الرشيد وأمر بصلته وجائزته.

- المجبرة كفار لا يعرفون الله عز وجل ومن لا يعرف الله تعالى فهو خارج من الإيمان لاحق بأهل الكفر والطغيان لا ينفعه عمل يرجو به القربة إلى الله عز  وجل ولا تصح منهم معرفة الأنبياء والأئمة

- المجبرة كفار لا يحل لهم صرف الزكاة إليهم وهي في ذمته حتى يؤديها إلى مستحقها من أهل المعرفة والولاية

- المسائل السروية- الشيخ المفيد  ص 69، 70:

المسالة السابعة: حكم من قال بالجبر وجوز الرؤية: ما قوله حرس الله تعالى ظله في أصحاب الإجبار من الإمامية ممن يعتقد الجبر، ويثبت إرادة الله تعالى للمعاصي والكفر، ويجوز الرؤية على الله تعالى؟ وهل يبلغ هذا القول منهم الكفر، أم لا؟ وهل يجوز صرف الزكوات إلى ضعفائهم أم لا؟

الجواب: إن المجبرة كفار لا يعرفون الله عز وجل. ومن لا يعرف الله تعالى فهو خارج من الإيمان، لاحق بأهل الكفر والطغيان، لا ينفعه عمل يرجو به القربة إلى الله عز وجل، ولا تصح منهم معرفة الأنبياء والأئمة عليهم السلام. ومن تعلق منهم بمذهب أهل الحق فهو منتحل له عن طريق الهوى والألف والمنشأ والعصبية، دون المعرفة به والعلم بحقيقته. ومن كان كذلك لا يحل صرف الزكاة إليه. ومن صرفها إليه فقد وضعها في غير موضعها، وهي في ذمته حتى يؤديها إلى مستحقها من أهل المعرفة والولاية. وبالله التوفيق.

 


1- في كتاب الجمل الصفحة 29 يعرف الشيخ المفيد كفر محاربي أمير المؤمنين فيقول: واجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين ولكنهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملة الإسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة ولم يكفروا كفر ردة عن الشرع مع إقامتهم على الجملة منه وإظهار الشهادتين والاعتصام بذلك عن كفر الردة المخرج عن الإسلام وإن كانوا بكفرهم خارجين عن الإيمان.