عقائد الشيعة الإمامية >> الشيخ المفيد

 

 

عقائد الشيخ المفيد قدس سره

حدود طاعة الله ومعصيته

 

 - ليس يكفر بالله عز وجل من هو به عارف ولا يطيعه من هو لنعمته جاحد

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 83:

62 - القول في الكفار وهل فيهم من يعرف الله عز وجل وتقع منهم الطاعات؟

وأقول: إنه ليس يكفر بالله عز وجل من هو به عارف ولا يطيعه من هو لنعمته جاحد، وهذا مذهب جمهور الإمامية وأكثر المرجئة، وبنو نوبخت رحمهم الله يخالفون في هذا الباب، ويزعمون أن كثيرا من الكفار بالله تعالى عارفون، ولله تعالى في أفعال كثيرة مطيعون، وأنهم في الدنيا على ذلك يجازون ويثابون...

- ليس في الذنوب صغيرة في نفسه وإنما يكون فيها بالإضافة إلى غيره

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 83، 84:

64 - القول في صغائر الذنوب

وأقول: إنه ليس في الذنوب صغيرة في نفسه وإنما يكون فيها بالإضافة إلى غيره، وهو مذهب أكثر أهل الإمامة والإرجاء، وبنو نوبخت رحمهم الله يخالفون فيه ويذهبون في خلافه إلى مذهب أهل الوعيد والاعتزال.

- مرتكبو الكبائر من أهل المعرفة والإقرار مؤمنون بإيمانهم بالله وبرسوله وبما جاء من عنده وفاسقون بما معهم من كبائر الآثام

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 84:

66 - القول في الأسماء والأحكام

وأقول: إن مرتكبي الكبائر من أهل المعرفة والإقرار مؤمنون بإيمانهم بالله وبرسوله وبما جاء من عنده وفاسقون بما معهم من كبائر الآثام، ولا أطلق لهم اسم الفسق ولا اسم الإيمان بل أقيدهما جميعا في تسميتهم بكل واحد منهما، وامتنع من الوصف لهم بهما من الإطلاق وأطلق عليهم اسم الإسلام بغير تقييد وعلى كل حال، وهذا مذهب الإمامية إلا بني نوبخت فإنهم خالفوا فيه وأطلقوا للفساق اسم الإيمان.

- التوبة مقبولة من كل عاص ما لم ييأس من الحياة

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 85:

67 - القول في التوبة

وأقول: في التوبة بما قدمت ذكره عن جماعة الإمامية، ومن بعد ذلك إنها مقبولة من كل عاص ما لم ييأس من الحياة، قال الله عز وجل: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} وقوله سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. ولست أعلم بين أهل العلم كافة في هذا الباب اختلافا.

- حقيقة التوبة هو الندم على ما فات على وجه التوبة إلى الله عز وجل وشرطها هو العزم على ترك المعاودة إلى مثل ذلك الذنب في جميع حياته فمن لم يجمع في توبته من ذنبه ما ذكرناه فليس بتائب

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 85:

68 - القول في حقيقة التوبة

أقول: إن حقيقة التوبة هو الندم على ما فات على وجه التوبة إلى الله عز وجل، وشرطها هو العزم على ترك المعاودة إلى مثل ذلك الذنب في جميع حياته، فمن لم يجمع في توبته من ذنبه ما ذكرناه فليس بتائب، وإن ترك فعل أمثال ما سلف منه من معاصي الله عز وجل، وهذا مذهب جمهور أهل العدل ولست أعرف فيه لمتكلمي الإمامية شيئا أحكيه، وعبد السلام الجبائي ومن اتبعه يخالفون فيه.

- التوبة من القبيح مع الإقامة على مثله في القبح تصح وإن اعتقد التائب قبح ما يقيم عليه إذا اختلفت الدواعي في المتروك والمعزوم عليه فأما إذا اتفقت الدواعي فيه فلا تصح التوبة منه

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 86:

69 - القول في التوبة من القبيح مع الإقامة على مثله في القبح

أقول: إن التوبة من ذلك تصح وإن اعتقد التائب قبح ما يقيم عليه إذا اختلفت الدواعي في المتروك والمعزوم عليه، فأما إذا اتفقت الدواعي فيه فلا تصح التوبة منه، وهذا مذهب جميع أهل التوحيد سوى أبي هاشم الجبائي...

- يجب على الظالمين استفراغ الجهد مع التوبة في الخروج من مظالم العباد فإنه إذا علم الله ذلك منهم قبل توبتهم وعوض المظلومين عنهم إذا عجز التائبون عن رد ظلاماتهم وإن قصر التائبون من الظلم كان أمرهم إلى الله عز وجل فإن شاء عاقبهم وإن شاء تفضل عليهم بالعفو والغفران

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 86، 69:

70 - القول في التوبة من مظالم العباد

أقول: إن من شرط التوبة إلى الله سبحانه من مظالم العباد الخروج إلى المظلومين من حقوقهم بأدائها إليهم أو باستحلالهم منها على طيبة النفس بذلك والاختيار له، فمن عدم منهم صاحب المظلمة وفقده خرج إلى أوليائه من ظلامته أو استحلهم منها على ما ذكرناه، ومن عدم الأولياء حقق العزم على الخروج إليهم متى وجدهم واستفرغ الوسع في ذلك بالطلب في حياته والوصية له بعد وفاته، ومن جهل أعيان المظلومين أو مواضعهم حقق العزم والنية في الخروج من الظلامة إليهم متى عرفهم وجهد وأجهد نفسه في التماسهم، فإذا خاف فوت ذلك بحضور أجله وصى به على ما قدمناه، ومن لم يجد طولا لرد المظالم سأل الناس الصلة له والمعونة على ما يمكنه من ردها أو آجر نفسه إن نفعه ذلك وكان طريقا إلى استفادة ما يخرج به من المظالم إلى أهلها.

والجملة في هذا الباب أنه يجب على الظالمين استفراغ الجهد مع التوبة في الخروج من مظالم العباد، فإنه إذا علم الله ذلك منهم قبل توبتهم وعوض المظلومين عنهم إذا عجز التائبون عن رد ظلاماتهم، وإن قصر التائبون من الظلم فيما ذكرناه كان أمرهم إلى الله عز وجل فإن شاء عاقبهم وإن شاء تفضل عليهم بالعفو والغفران، وعلى هذا إجماع أهل الصلوة من المتكلمين والفقهاء.

- إذا قتل مؤمنا على وجه التحريم لدمه ثم أراد التوبة مما فعله فعليه أن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول فإن شاءوا استقالوا منه وإن شاءوا ألزموه الدية وإن شاءوا عفوا عنه وكانت توبته مقبولة

- إذا قتل مؤمنا على وجه التحريم لدمه ثم أراد التوبة ولم يسلم نفسه إلى أولياء المقتول لم تقبل توبته

- إذا استحل دماء المؤمنين وقتل منهم مؤمنا على الاستحلال فإن العقل لا يمنع من توبته وقبول التوبة منه لكن السمع ورد عن الصادقين من أئمة الهدى أنه من فعل ذلك لم يوفق للتوبة أبدا

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 87، 88:

71 - القول في التوبة من قتل المؤمنين

أقول: من قتل مؤمنا على وجه التحريم لدمه دون الاستحلال ثم أراد التوبة مما فعله فعليه أن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول، فإن شاؤا استقالوا منه وإن شاؤا ألزموه الدية وإن شاؤا عفوا عنه، وإن لم يفعل ذلك لم تقبل توبته وإن فعله كانت توبته مقبولة وسقط عنه بها عقاب ما جناه.

وبهذا نطق القرآن وعليه انعقد الإجماع، وإنما خالف فيه شذاذ من الحشوية والعوام.

فأما القول فيمن استحل دماء المؤمنين وقتل منهم مؤمنا على الاستحلال فإن العقل لا يمنع من توبته وقبول التوبة منه، لكن السمع ورد عن الصادقين من أئمة الهدى عليهم السلام أنه من فعل ذلك لم يوفق للتوبة أبدا ولم يتب على الوجه الذي يسقط عنه العقاب به مختارا لذلك غير مجبر ولا مضطر كما ورد الخبر عنهم عليهم السلام:"إن ولد الزنا لا ينجب ولا يختار عند بلوغه الإيمان على الحقيقة وإن أظهره على كل حال، وإنما يظهره على الشك فيه أو النفاق دون الاعتقاد له على الايقان"، وكما ورد الخبر عن الله عز وجل في جماعة من خلقه أن مآلهم إلى النار وأنهم لا يؤمنون به أبدا ولا يتركون الكفر به والطغيان، وعلى هذا القول إجماع الفقهاء من أهل الإمامة ورواة الحديث منهم والآثار ولم أجد لمتكلميهم فيه مقالا أحكيه في جملة الأقوال.

- الشهادة منزلة يستحقها من صبر على نصرة دين الله تعالى صبرا قاده إلى سفك دمه وخروج نفسه دون الوهن منه في طاعته تعالى

- من صبر على نصرة دين الله تعالى صبرا قاده إلى سفك دمه في طاعته تعالى يكون يوم القيامة من شهداء الله وأمنائه وممن ارتفع قدره عند الله وعظم محله حتى صار صديقا عند الله مقبول القول لاحقا بشهادته الحجج من شهداء الله حاضرا مقام الشاهدين على أممهم من أنبياء الله صلوات الله عليهم

- الرغبة إلى الله تعالى في الشهادة إنما هي رغبة إليه في التوفيق للصبر المؤدي سفك دمه وخروج نفسه في طاعته تعالى وليست رغبة في فعل الكافرين من القتل بالمؤمنين

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 114، 115:

120 - القول في الشهادة

وأقول: إن الشهادة منزلة يستحقها من صبر على نصرة دين الله تعالى صبرا قاده إلى سفك دمه وخروج نفسه دون الوهن منه في طاعته تعالى، وهي التي يكون صاحبها يوم القيامة من شهداء الله وأمنائه وممن ارتفع قدره عند الله وعظم محله حتى صار صديقا عند الله مقبول القول لاحقا بشهادته الحجج من شهداء الله حاضرا مقام الشاهدين على أممهم من أنبياء الله صلوات الله عليهم قال الله عز وجل: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. وقال: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ}. فالرغبة إلى الله تعالى في الشهادة إنما هي رغبة إليه في التوفيق للصبر المؤدي إلى ما ذكرناه، وليست رغبة في فعل الكافرين من القتل بالمؤمنين لأن ذلك فسق وضلال، والله تعالى يجل عن ترغيب عباده في أفعال الكافرين من القتل وأعمال الظالمين. وإنما يطلق لفظ الرغبة في الشهادة على المتعارف من إطلاق لفظ الرغبة في الثواب، وهو فعل الله تعالى فيمن وجب له بأعماله الصالحات، وقد يرغب أيضا الإنسان إلى الله تعالى في التوفيق لفعل بعض مقدوراته، فتعلق الرغبة بذكر نفس فعله دون التوفيق كما يقول الحاج: (اللهم ارزقني العود إلى بيتك الحرام) والعود فعله وإنما يسأل التوفيق لذلك والمعونة عليه، ويقول: (اللهم ارزقني الجهاد وأرزقني صوم شهر رمضان) وإنما مراده من ذلك المعونة على الجهاد والصيام، وهذا مذهب أهل العدل كافة وإنما خالف فيه أهل القدر والإجبار.

- فرائض الله جل اسمه لا تؤدى إلا بالطاعات في حدودها وترك الخلاف عليه في شروطها

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 119، 120:

127 - القول فيمن قضى فرضا بمال حرام هل يسقط بذلك عنه أم لا؟

وأقول: إن فرائض الله تعالى غير مجزية لمن ارتكب نهيه في حدودها لأنها إنما تكون مؤداة بامتثال أمره فيها على الوجه الذي يستحق الثواب عليها، فإذا خالف المكلف فيها الحد وتعدى الرسم وأوقع الفعل على الوجه الذي نهى عنه كان عاصيا آثما وللعقاب واللوم مستحقا، ومحال أن يكون فرائض الله سبحانه معاصي له والقرب إليه خلافا عليه وما يستحق به الثواب هو الذي يجب به العتاب. فثبت أن فرائض الله جل اسمه لا تؤدى إلا بالطاعات في حدودها، وترك الخلاف عليه في شروطها.

فأما ما كان مفعولا على وجه الطاعة، سليما في شروطه وحدوده وأركانه من خلاف الله تعالى فإنه يكون مجزيا وإن تعلق بالوجود بأفعال قبيحة لا تؤثر فيما ذكرناه من الحدود للفرض والأركان، وهذا أصل يتميز بمعرفته ما يجزي من الأعمال مما لا يجزي منها من المشتبهات، وهو مذهب جمهور الإمامية. وكثير من المعتزلة وجماعة من أصحاب الحديث.

- لا يصلح التوبة من شيء من الأفعال قبل وجودها سواء كانت مباشرة أو متولدة

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 127:

140 - القول في التوبة من المتولد قبل وجوده أو بعده

وأقول: إنه لا يصلح التوبة من شيء من الأفعال قبل وجودها سواء كانت مباشرة أو متولدة، وإن من فعل سببا أوجب به مسببا ثم ندم على فعل السبب قبل وجود المسبب فقد سقط عنه عقابه وعقاب المسبب وإن لم يكن نادما في الحقيقة على المسبب ليس لأنه مصر عليه أو متهاون به لكن لأنه لا يصح له الندم مما لم يخرج إلى الوجود والتوبة مما لم يفعله بعد، غير إنه متى خرج إلى الوجود ولم يمنعه مانع من ذلك فإن التوبة منه واجبة إذا كان فاعله متمكنا.

وهذا مذهب جمهور أصحاب التولد وقد خالفهم فيه نفر من أهله، وزعموا أن التوبة من السبب توبة من المسبب. وقال بعضهم إنه بفعله المسبب يكون كالفاعل للمسبب، ولذلك يجب عليه التوبة منه، والقولان جميعا باطلان لأن التوبة من الشيء لا يكون توبة من غيره، وقد ثبت أن السبب غير المسبب ولأن السبب قد يوجد ولا يخرج المسبب إلى الوجود بمانع يمنعه منه.

- نفس معرفتنا بوجود إمام الزمان وإمامته وعصمته وكماله نفع لنا في اكتساب الثواب وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب ونؤدي بها فرضا ألزمناه ربنا المالك للرقاب

-  رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد ج 1   ص 13:

فإن قال: فما ينفعنا من معرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الذي ذكرنا؟.

قيل له: نفس معرفتنا بوجوده وإمامته وعصمته وكماله نفع لنا في اكتساب الثواب، وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب، ونؤدي بها فرضا ألزمناه ربنا المالك للرقاب، كما كانت المعرفة بمن عددناه من الأنبياء والملائكة من اجل النفع لنا في مصالحنا، واكتسابنا المثوبة في اجلنا؛ وان لم يصح المعرفة لهم على كل حال وكما أن معرفة الأمم الماضية نبينا قبل وجوده مع أنها كانت من أوكد فرائضهم لأجل منافعهم، ومعرفة الباري جل اسمه أصل الفرائض كلها، وهو أعظم من أن يدرك بشيء من الحواس.

- معرفة الإمام فرض لازم كأوكد فرائض الإسلام

- الإفصاح - الشيخ المفيد  ص 27، 29:

فإن قال: فخبروني عن المعرفة بهذا الإمام، أمفترضة على الأنام، أم مندوب إليها كسائر التطوع الذي يؤجر فاعله، ولا يكتسب تاركه الآثام؟

قيل له: بل فرض لازم كأوكد فرائض الإسلام.

فإن قال: فما الدليل على ذلك، وما الحجة فيه والبرهان؟

قيل له: الدليل على ذلك من أربعة أوجه: أحدها: القرآن، وثانيها: الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله، وثالثها: الإجماع، ورابعها: النظر القياسي والاعتبار.

فأما القرآن: فقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} فأوجب معرفة الأئمة من حيث أوجب طاعتهم، كما أوجب معرفة نفسه، ومعرفة نبيه عليه وآله السلام بما ألزم من طاعتهما على ما ذكرناه. وقول الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} وليس يصح أن يدعى أحد بما لم يفترض عليه علمه والمعرفة به.

وأما الخبر: فهو المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قال: "من مات وهو لا يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية" وهذا صريح بأن الجهل بالإمام يخرج صاحبه عن الإسلام.

وأما الإجماع: فإنه لا خلاف بين أهل الإسلام أن معرفة إمام المسلمين واجبة على العموم، كوجوب معظم الفرائض في الدين. وأما النظر والاعتبار: فإنا وجدنا الخلق منوطين بالأئمة في الشرع، إناطة يجب بها عليهم معرفتهم على التحقيق، وإلا كان ما كلفوه من التسليم لهم في أخذ الحقوق منهم، والمطالبة لهم في أخذ مالهم، والارتفاع إليهم في الفصل عند الاختلاف، والرجوع إليهم في حال الاضطرار، والفقر إلى حضورهم لإقامة الفرائض من صلوات وزكوات وحج وجهاد، تكليف ما لا يطاق، ولما استحال ذلك على الحكيم الرحيم سبحانه، ثبت أنه فرض معرفة الأئمة، ودل على أعيانهم بلا ارتياب.

- القول في الإرجاء: لا طاعة مع كافر لأنه لا يعرف ربه وإذا لم يعرفه لم تصح منه طاعة إذ الفعل إنما يكون طاعة بقصد الفاعل به إلى المطاع وإذا كان جاهلا بالمطاع لم يصح منه توجيه الفعل إليه

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 65، 67:

فصل: وأخبرني الشيخ أدام الله عزه مرسلا عن علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن ميسرة أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مر برحبة القصارين بالكوفة فسمع رجلا يقول: لا والذي احتجب بسبع طباق، قال: فعلاه بالدرة وقال له: ويلك إن الله لا يحجبه شيء عن شيء، فقال الرجل. فأكفر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا، إنك حلفت بغير الله تعالى.

قال الشيخ أدام الله عزه: وفي هذا الحديث حجة على المشبهة، وحجة على مذهبي في المعرفة والإرجاء وقولي في ذبائح أهل الكتاب، فأما المشبهة فإنها زعمت أن الله تعالى في السماء دون الأرض وأنه محتجب عن خلقه بالسماوات السبع، وفي دليل العقل على أن الذي يحويه مكان ويستره حجاب لا يكون إلا جسما أو جوهرا والجسم محدث والبرهان قائم على قدم الله سبحانه، ما يمنع من التشبيه ويفسده. وقول الله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وقول أمير المؤمنين عليه السلام بصريحه يفسد ذلك أيضا على ما تقدم به الشرح.

وأما قولي في المعرفة فإنني أقول: إنه ليس يصح أن يعرف الله تعالى من وجه ويجهل من وجه وإنما يصح ذلك في المحسوسات فتعرف بالحس وتجهل حقائقها لتعلق العلم بها بالاستنباط.

وأما مذهبي في الإرجاء فإنني أقول: لا طاعة مع كافر لأنه لا يعرف ربه وإذا لم يعرفه لم تصح منه طاعة إذ الفعل إنما يكون طاعة بقصد الفاعل به إلى المطاع، وإذا كان جاهلا بالمطاع لم يصح منه توجيه الفعل إليه، وفي قول أمير المؤمنين عليه السلام للحالف لا كفارة عليك لأنك لم تحلف بالله دليل على صحة ما ذهبت إليه وبطلان قول من خالفني في هذا الباب من الفرق كلما.

وأصحابي خاصة الذين يثبتون للكافر طاعات يزعمون أن الله يثيبه عليها في الدنيا.

وأما قولي في ذبائح أهل الكتاب فإنني احرمها لقول الله تعالى ذكره: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} وإذا ثبت أن اليهودي لا يعرف الله سبحانه لاعتقاده أن الله عز وجل أبد شرع موسى عليه السلام وأكذب محمدا صلى الله عليه وآله وكفره بمرسل محمد صلى الله عليه وآله واعتقاده أن الذي أرسله الشيطان دون الرحمن، وكذلك النصراني لا يعرف الله لأنه يعتقد أن الله جل اسمه ثالث ثلاثة وأنه ثلاثة أقانيم جوهر واحد وأن المسيح ابنه اتحد به، وكفرهم بمن أرسل محمدا صلى الله عليه وآله واعتقادهم أنه جاء من قبل الشيطان مع أن أكثر اليهود مشبهة مجبرة يزعمون أن إلههم شيخ كبير أبيض الرأس واللحية ويعتمدون في ذلك على ما زعموا أنهم وجدوه في بعض كتب الأنبياء أنه قال: صعدت إلى عتيق الايام [الانام ن خ] فوجدته جالسا على كرسي وحوله الملائكة فرأيته أبيض الرأس واللحية، وإذا ثبت أن القوم لا يعرفون الله تعالى، ثبت أن الذي يظهر منهم من التسمية ليس يتوجه إلى الله تعالى وأن جهلهم بالله تعالى يوجه الاسم إلى ما يعتقدونه إلها وذلك غير الله في الحقيقة، وإذا لم يقع منهم التسمية لله في الحقيقة لم تحل ذبائحهم.

والذي يخالفنا في هذا الباب من أصحابنا لا يعرف معاني هذا الكلام ولا يعمل فيما يذهب إليه على الواضح من الأخبار وإنما يعتمد في ذلك على أحاديث شواذ وأخر لها معاني وتأويلات، ولم أقصد للنقض عليهم فاستقصي الكلام وإنما ذكرت هذه النكتة لما اقتضاه شرح الحديث الذي قدمناه .

- المقدم في قوله تعالى عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ و قوله تعالى يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ هو ما عمله في حياته مما لم يكن له أثر بعد وفاته والمؤخر ما سنه في حياته فاقتدى به بعد وفاته

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 136 :

فصل: ومن كلام الشيخ أدام الله عزه في تفسير القران، سئل عن قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} وعن قوله تعالى: {يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}، وقيل له ما هو المقدم هاهنا والمؤخر؟ فقال: أما ما قدمه الإنسان فهو ما عمله في حياته مما لم يكن له أثر بعد وفاته، وأما الذي أخره فهو ما سنه في حياته فاقتدي به بعد وفاته. وهذا مبين في قول النبي صلى الله عليه وآله: "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". وقد قال سبحانه: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} يريد به عقاب إضلالهم لمن أضلوه من الناس، والأصل في هذا تعاظم العقاب عليهم بما يفعل من القبيح في الاقتداء بهم، وتعاظم الثواب لهم بما يصنع من الجميل بالإتباع لسنتهم الحسنة في الناس.

- مصير أصحاب الكبائر

- أصحاب الذنوب إذا ضموها إلى التوحيد ومعرفة الله تعالى ورسوله وأئمة الهدى وكانوا يحدثون أنفسهم بالإقلاع عن المعصية وخرجوا من الدنيا من غير توبة فمرجو لهم العفو من الله تعالى والشفاعة من رسول الله ومن أئمة الهدى ومخوف عليهم العقاب

- المسائل السروية- الشيخ المفيد  ص 96، 101:

المسالة الحادية عشرة: أصحاب الكبائر

ما قوله أدام الله تعالى رفعته في إخراج الله تعالى من ارتكب الكبائر من النار، أو العفو عنه في القيامة عند حسابه؟. والشيخ الجليل المفيد أدام الله مدته يحتسب الأجر في إملاء مسألة كافية في هذا الباب حسب ما ثبت عنده عن الأئمة الهادية عليهم السلام، ويورد شبه المعتزلة فيه، ويجيب عنها، ويتكلم عليها بعبارته اللطيفة حسب ما يحسم أشاغيب الخصوم في هذا الباب، فقل متفضلا إن شاء الله.

الجواب: إن الذين يردون القيامة مستحقين العقاب ودخول النار صنفان: أحدهما: الكافر على اختلاف كفره، واختلاف أحكامهم في الدنيا. وصنف: أصحاب ذنوب قد ضموها إلى التوحيد ومعرفة الله تعالى ورسوله وأئمة الهدى عليهم السلام، خرجوا من الدنيا من غير توبة، فاخترمتهم المنية على الحوية، وكانوا قبل ذلك يسوفون التوبة، ويحدثون أنفسهم بالإقلاع عن المعصية ففاتهم ذلك لاخترام المنية لهم دونه. فهذا الصنف مرجو لهم العفو من الله تعالى، والشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن أئمة الهدى عليهم السلام، ومخوف عليهم العقاب. غير أنهم إن عوقبوا فلا بد من انقطاع عقابهم ونقلهم من النار إلى الجنة ليوفيهم الله تبارك وتعالى جزاء أعمالهم الحسنة الصالحة التي وافوا بها الآخرة من:  المعارف، والتوحيد، والإقرار بالنبوة والأئمة، والأعمال الصالحات، لأنه لا يجوز في حكم العدل أن يأتي العبد بطاعة ومعصية فيخلد في النار بالمعصية ولا يعطى الثواب على الطاعة، لان من منع ما عليه واستوفى ماله كان ظالما معبثا وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وبهذا قضت العقول، ونزل الكتاب المسطور، وثبتت الأخبار عن أئمة أهل بيت محمد عليهم السلام، وإجماع شيعتهم المحدثين العلماء منهم المستبصرين. ومن خالف في ذلك من منتحلي مذهب الإمامية فهو شاذ عن الطائفة، وخارق لإجماع العصابة. والمخالف في ذلك هم المعتزلة، وفرق من الخوارج والزيدية.

فصل: أدلة بطلان القول بالحبط

ومما يدل على صحة ما ذكرناه في هذا الباب ما قدمناه القول في معناه في أن العارف الموحد يستحق بالعقول على طاعته وقربته ثوابا دائما. وقد ثبت أن معصيته لا تنافي طاعاته، وذنوبه لا تضاد حسناته واستحقاقه الثواب. وأنه لا تحابط بين المعاصي والطاعات، لاجتماعها من المكلف في حالة واحدة. وأن استحقاق الثواب لا يضاد استحقاق العقاب، إذ لو ضادة لتضاد الجمع بين المعاصي والطاعات، إذ بهما يستحق الثواب والعقاب. وإذا ثبت اجتماع الطاعة والمعصية دل على استحقاق الثواب والعقاب. وهذا يبطل قول المعتزلة في التحابط المخالف لدليل الاعتبار. وقد قال الله عز وجل: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}. وقال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}. وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. وقال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. وقال سبحانه: {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}. فأخبر تعالى أنه لا يضيع أجر المحسنين، وأنه يوفي العاملين أجرهم بغير حساب، وأنه لا يظلم مثقال ذرة ، فأبطل بهذه الآيات دعوى المعتزلة على الله تعالى أنه يحبط الأعمال الصالحات، أو بعضها، ولا يعطي عليها أجرا. وأبطل قولهم: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ}. هذا مع قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} فأخبر أنه لا يغفر الشرك مع عدم التوبة منه، وأنه يغفر ما سواه بغير التوبة، ولولا ذلك لم يكن لتفريقه بين الشرك وما دونه في حكم الغفران معنى معقول. وقال تبارك وتعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ}. وهذا القول لا يجوز أن يكون متوجها إلى المؤمنين الذين لا تبعة بينهم وبين الله تعالى، ولا متوجها إلى الكافرين الذين قد قطع الله على خلودهم في النار، فلم يبق إلا أنه توجه إلى مستحق العقاب من أهل المعرفة والتوحيد.

وفيما ذكرنا أدلة يطول شرحها، والذي اثبتناه هاهنا مقنع لمن تأمله إن شاء الله. وقد أمليت في هذا المعنى كتابا سميته (الموضح في الوعد والوعيد) إن وصل إلى السيد الشريف الفاضل الخطير أدام الله تعالى رفعته أغناه عن غيره من الكتب في المعنى إن شاء الله تعالى.