موقع عقائد الشيعة الإمامية

 

صلح الإمام الحسن عليه السلام

معاهدة الصلح

 

 وروى فريق من المؤرخين، فيهم الطبري وابن الاثير: « أن معاوية أرسل الى الحسن صحيفة بيضاء مختوماً على أسفلها بختمه »، وكتب اليه: « أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت، فهو لك (1) ».
 ثم بتروا الحديث، فلم يذكروا بعد ذلك، ماذا كتب الحسن على صحيفة معاوية. وتتبعنا المصادر التي يُسّر لنا الوقوف عليها، فلم نر فيما عرضته من شروط الحسن عليه السلام، الا النتف الشوارد التي يعترف رواتها بأنها جزء من كل. وسجّل مصدر واحد صورة ذات بدء وختام، فرض أنها [النص الكامل لمعاهدة الصلح]، ولكنها جاءت ـ في كثير من موادّها ـ منقوضة بروايات أخرى تفضلها سنداً، وتزيدها عدداً.
 ولنا لو أردنا الاكتفاء، أن نكتفي ـ في سبيل التعرّف على محتويات المعاهدة ـ برواية (الصحيفة البيضاء)، كما فعل رواتها السابقون، فبتروها اكتفاءً باجمالها عن التفصيل، ذلك لان تنفيذ الصلح على قاعدة « اشترط ما شئت فهو لك » معناه أن الحسن أغرق الصحيفة المختومة في أسفلها، بشتى شروطه التي أرادها، فيما يتصل بمصلحته، أو يهدف الى فائدته، سواء في نفسه أو في أهل بيته أو في شيعته أو في أهدافه، ولا شيء يحتمل غير ذلك.
 واذا قدّر لنا ـ اليوم ـ أن لا نعرف تلك الشروط بمفرداتها، فلنعرف أنها كانت من السعة والسماحة والجنوح الى الحسن، بحيث صححت ما يكون من الفقرات المنقولة عن المعاهدة أقرب الى صالح الحسن، ورجّحته على ما يكون منها في صالح خصومه، كنتيجة قطعية لحرية الحسن عليه السلام في أن يكتب من الشروط ما يشاء.


1 ـ الطبري (ج 6 ص 93) وابن الاثير (ج 3 ص 162).

 ورأينا بدورنا، وقد أخطأنا التوفيق عن تعرّف ما كتبه الحسن هناك، أن ننسق ـ هنا ـ الفقرات المنثورة في مختلف المصادر من شروط الحسن على معاوية في الصلح، وأن نؤلف من مجموع هذا الشتات صورة تحتفل بالاصح الأهم، مما حملته الروايات الكثيرة عن هذه المعاهدة، فوضعنا الصورة في مواد، وأضفنا كل فقرة من الفقرات الى المادة التي تناسبها، لتكون ـ مع هذه العناية في الاختيار والتسجيل ـ أقرب الى واقعها الذي وقعت عليه.
 واليك هي:

صورة المعاهدة التي وقعها الفريقان
 المادة الاولى:
 تسليم الامر الى معاوية، على أن يعمل بكتاب اللّه وبسنة رسوله (1) (صلى اللّه عليه وآله)، وبسيرة الخلفاء الصالحين (2).
 المادة الثانية:
 أن يكون الامر للحسن من بعده (3)، فان حدث به حدث

1 ـ المدائني ـ فيما رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ـ (ج 4 ص 8).
2 ـ « فتح الباري » شرح صحيح البخاري ـ فيما رواه عنه ابن عقيل في النصايح الكافية ـ (ص 156 الطبعة الاولى)، والبحار (ج 10 ص 115).
3 ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 194)، وابن كثير (ج 8 ص 41)، والاصابة (ج 2 ص 12 و13)، وابن قتيبة (ص 150) ودائرة المعارف الاسلامية لفريد وجدي (ج 3 ص 443 الطبعة الثانية) وغيرهم.


 فلأخيه الحسين (1)، وليس لمعاوية أن يعهد به الى احد (2).
 المادة الثالثة:
 أن يترك سبَّ أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة (3)، وأن لا يذكر علياً الا بخير (4).
 المادة الرابعة:
 استثناء ما في بيت المال الكوفة، وهو خمسة آلاف الف فلا يشمله تسليم الامر. وعلى معاوية أن يحمل الى الحسين كل عام الفي الف درهم، وأن يفضّل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وأولاد من قتل معه بصفين الف الف درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار ابجرد (5).
 

1 ـ عمدة الطالب لابن المهنا (ص 52).
2 ـ المدائني ـ فيما يرويه عنه في شرح النهج ـ (ج 4 ص 8)، والبحار (ج 10 ص 115)، والفصول المهمة لابن الصباغ وغيرهم.
3 ـ أعيان الشيعة (ج 4 ص 43).
4 ـ الاصفهاني في مقاتل الطالبيين (ص 26)، وشرح النهج (ج 4 ص 15) وقال غيرهما: « ان الحسن طلب الى معاوية أن لا يشتم علياً، فلم يجبه الى الكف عن شتمه، وأجابه على أن لا يشتم علياً وهو يسمع ». قال ابن الاثير: « ثم لم يف به أيضاً ».
5 ـ تجد هذه النصوص متفرقة في الامامة والسياسة (ص 200) والطبري (ج 6 ص 92) وعلل الشرائع لابن بابويه (ص 81) وابن كثير (ج 8 ص 14) وغيرهم.
و (دار ابجرد) ولاية بفارس على حدود الاهواز. وجرد أو جراد: هي البلد أو المدينة بالفارسية القديمة والروسية الحديثة، فتكون داراب جرد بمعنى (مدينة داراب).


 المادة الخامسة:
 « على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه، في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمّنَ الاسود والاحمر، وان يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع احداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق باحنة (1) ».
 « وعلى أمان أصحاب عليّ حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأن اصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وان لا يتعقب عليهم شيئاً، ولا يتعرض لاحد منهم بسوء، ويوصل الى كل ذي حق حقه، وعلى ما أصاب اصحاب عليّ حيث كانوا.. (2) ».
 « وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي، ولا لاخيه الحسين، ولا لاحد من أهل بيت رسول اللّه، غائلةً، سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم، في أفق من الآفاق (3) ».
 الختام:
 قال ابن قتيبة: « ثم كتب عبد اللّه بن عامر ـ يعني رسول معاوية الى الحسن (ع) ـ الى معاوية شروط الحسن كما أملاها عليه، فكتب معاوية جميع ذلك بخطه، وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكدة، والايمان المغلَّظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام، ووجه به الى عبد اللّه

1 ـ المصادر: مقاتل الطالبيين (ص 26)، ابن أبي الحديد (ج 4 ص 15)، البحار (ج 10 ص 101 و115)، الدينوري (ص 200)، ونقلنا كل فقرة من مصدرها حرفياً.
2 ـ يتفق على نقل كل فقرة أو فقرتين أو أكثر، من هذه الفقرات التي تتضمن الامان لاصحاب علي عليه السلام وشيعته، كل من الطبري (ج 6 ص 97)، وابن الاثير (ج 3 ص 166)، وأبي الفرج في المقاتل (ص 26)، وشرح النهج (ج 4 ص 15)، والبحار (ج 10 ص 115)، وعلل الشرائع (ص 81)، والنصائح الكافية (ص 156).
3 ـ البحار (ج 10 ص 115)، والنصائح الكافية (ص 156 ـ ط. ل).


 ابن عامر، فاوصله الى الحسن (1) ».
 وذكر غيره نص الصيغة التي كتبها معاوية في ختام المعاهدة فيما واثق اللّه عليه من الوفاء بها، بما لفظه بحرفه:
 « وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك، عهد اللّه وميثاقه، وما أخذ اللّه على أحد من خلقه بالوفاء، وبما أعطى اللّه من نفسه (2).
 وكان ذلك في النصف من جمادى الاولى سنة 41 ـ على أصح الروايات.

1 ـ الامامة والسياسة (ص 200).
2 ـ البحار (ج 10 ص 115).

 

 

الفهرس