موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية

 

إجماعات فقهاء الإمامية

 

الكتاب في سبعة مجلدات يتناول إجماعات فقهاء االشيعة الإمامية على المسائل الفقهية من القرن الرابع حتى القرن الثامن الهجري

الكتاب من أعمال مركز دراسات وبحوث موقع عقائد الشيعة الإمامية ومن تأليف السيد أحمد الموسوي الروضاتي وساعد في التأليف توفيق حسين فتح الله

 

المقدمة الأولى

إجماعات فقهاء الإمامية مصدر من مصادر السنة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

نحاول في هذه السطور القليلة إماطة اللثام عن الأسباب الحقيقية التي وضعت مانعا في طريق تأليف مصدر خاص بإجماعات فقهاء الإمامية يمكن إضافته إلى مجموعة مصادر الاستنباط الشرعي؛ ليتم للفقيه ممن يرى حجيتها مراجعة تلك الإجماعات أثناء عملية استنباط الحكم الشرعي. ولكن وقبل الكشف عن تلك الأسباب نستطلع رأي فقهاء الإمامية في ماهية الإجماع عند مذهب الشيعة الإمامية وعلاقته بقول المعصوم عليه السلام.

الإجماع عند الإمامية

لقد اتفق فقهاء الإمامية المتقدمون منهم والمتأخرون على أن حجية الإجماع من حجية قول المعصوم وإن اختلفوا في طريقة تحصيل قوله عليه السلام. ننقل هنا جانبا من كلامهم يصور هذا المعنى؛ أما المتقدمون فعن الشريف المرتضى قدس سره قوله: "لأن الإجماع إذا كان علة كونه حجة كون الإمام فيه، فكل جماعة كثرت أو قلت كان قول الإمام في جملة أقوالها، فإجماعها حجة، لان الحجة إذا كانت، هو قوله، فبأي شيء اقترن، لا بد من كونه حجة لأجله، لا لأجل الإجماع"([1]).  وعن الشيخ الطوسي قدس سره: "والذي نذهب إليه: ان الأمة لا يجوز أن تجتمع على خطأ، وان ما يجمع عليه لا يكون الا حجة، لان عندنا انه لا يخلو عصر من الأعصار من إمام معصوم حافظ للشرع، يكون قوله حجة يجب الرجوع إليه، كما يجب الرجوع إلى قول الرسول عليه السلام"([2]). وقال الشيخ المفيد قدس سره:"وليس في إجماع الأمة حجة من حيث كان إجماعا، ولكن من حيث كان فيها الإمام المعصوم، فإذا ثبت أنها كلها على قول، فلا شبهة في أن ذلك القول هو قول المعصوم، إذ لو لم يكن كذلك، كان الخبر عنها بأنها مجمعة باطل"([3]).

وقد لخص الشيخ المظفر قدس سره موقف المتأخرين من الإجماع عندما قال: "إن الإجماع بما هو إجماع لا قيمة علمية له عند الامامية ما لم يكشف عن قول المعصوم، كما تقدم وجهه. فإذا كشف على نحو القطع عن قوله فالحجة في الحقيقة هو المنكشف لا الكاشف، فيدخل حينئذ في السنة، ولا يكون دليلا مستقلا في مقابله"([4]).

نقد وتحليل

إذا كان رأي المتقدمين والمتأخرين عند من جعل الإجماع دليلا مستقلا ومن عده دليلا ثانويا، هو أن حجية الإجماع من حجية قول المعصوم، وإذا كان فقهائنا ممن اعتمدوا الإجماع كدليل على الحكم الشرعي قد التزموا في تحصيل الإجماع ضرورة القطع بدخول قول المعصوم ضمن أقوال المفتين أو الوقوف على دليل قاطع بصدوره عن المعصوم؛ فلماذا إذا لم تضم تلك الإجماعات إلى مصادر السنة؟.

هناك عدة موانع وضعت حائلا أمام دخول الإجماعات ضمن مصادر التشريع، نقوم هنا بعرض أهم تلك الموانع على وجه الإجمال مع أجوبة مختصرة ويبقى لمن يريد المزيد من البحث والنقاش مراجعة القسم الخاص ببحوث ومقالات فقهاء الإمامية في هذا الكتاب.

أول الموانع: في المنكشف، حيث اعتبر المتأخرون أنها كاشفة عن أمر حدسي وهي بذلك غير داخلة في حجية خبر العادل وذلك لأن الأدلة الخاصة التي أقاموها على حجية خبر العادل لا تدل إلا على حجية الإخبار عن حس.

وأول ما يرد عليه أنه قد اعترض عليه الكثير من علمائنا، بل وجعل البعض منهم حجية الإجماع المنقول أكبر من حجية الخبر العادل باعتباره خبر صحيح عالي السند لأن مدعي الإجماع يحكي مدلوله ويرويه عن الإمام عليه السلام بلا واسطة،([5])  وبهذا فإن الرأي القائل بعدم حجيتها إنما هو رأي فريق من متأخري فقهاء الإمامية وليس رأي الجميع وبذلك تسقط الحجة في تبرير عدم ضم تلك الإجماعات إلى كتب السنة.

ثاني الموانع: في نفس إجماعات المتقدمين وخصوصا إجماعات الشيخ الطوسي وإجماعات الشريف المرتضى وابن زهرة الحلبي، فقد تم تضعيفها بشتى الوسائل والصور، نذكر هنا أكثرها سلبية مع ردود مختصرة.

الأول: اعترضوا عليها بأن تلك الإجماعات ما هي إلا آراء شخصية مبنية على قدر كبير من الثقة بالنفس وليس مردها إلى تتبع أقوال فقهاء الإمامية المعاصرين له.

ويرد عليه أنه ادعاء يفتقر إلى الدليل، كما ويرد عليه أن هذا الاعتراض يحمل معه اتهام مبطن بالكذب على هؤلاء الأعمدة من فقهاء الإمامية وهو أمر نستبعد أن يكون قد خطر على ذهن المعترض ناهيك عن توجيه تهمة الإقدام عليها إلى الشيخ الطوسي قدس سره أو الشريف المرتضى قدس سره لا قدر الله.

الثاني: أنها مستندة إلى قواعد عقلائية، أو شرعية، أو إلى الأصول، أو محمولة على أن الناقل يريد بها وجود السنة التي هي معتبرة عنده لا المعمول بها عند الكل، حتى ينجبر ضعف سندها، ودلالتها، وجهة صدورها.

ويرد عليه أنه لا يفترق عن الأول بأنه ما دام ناقل الإجماع لم يذكر أن مستند إجماعه قاعدة شرعية أو عقلية أو أصل أو السنة المعتبرة عنده لا المعمول بها عند الكل، فإن هذا القول يبقى مجرد إدعاء يفتقر إلى الدليل. كما أن هذه المقالة هي أيضا تستبطن نوعا من عدم الثقة بفقهائنا المتقدمين والاتهام بنقل ما هو غير حقيقي، وهو أمر مرفوض قطعا.

الثالث: وقد اعترض عليها بأن دعوى الإجماع من الفقهاء المتقدمين لم يكن ممكنا بسبب قلة المصادر واستحالة الوقوف على آراء الأصحاب والفقهاء.

ويكفي في الرد على هذا الاعتراض إذا كان الشيخ الطوسي ينقل جميع آراء المخالفين من علماء الجمهور في كل مسألة من المسائل التي ادعى عليها إجماع الإمامية فكيف يعقل أن لا يكون واقفا على آراء فقهاء المذهب الذي ينتسب إليه.

الرابع : وأيضا تم التقليل من قيمة تلك الإجماعات بأن معظمها من النوع المدركي، وقالوا إذا كان المدرك موجودا فلا قيمة لذلك الإجماع المنقول.

وهذا التضعيف قد تحمل أصحاب الإجماعات عناء الإجابة عنه: فعن الشيخ الطوسي قدس سره: "ومن ذلك: أنهم إذا اجمعوا على العمل بخبر هل يقطع على صحة ذلك الخبر أم لا؟ وهل يعلم أنهم قالوا ما قالوه لأجل الخبر أم لا؟ فالذي نقوله في ذلك أنهم إذا اجمعوا على العمل بمخبر خبر، وكان الخبر من أخبار الآحاد -لأنه إذا كان من باب المتواتر فهو يوجب العلم فلا يحتاج إلى الإجماع فيكون قرينه في صحته- فانه يحتاج أن ينظر في ذلك: فان اجمعوا على أنهم قالوا ما قالوه لأجل ذلك الخبر، قطعنا بذلك على ان الخبر صحيح صدق. وان لم يظهر لنا من أين قالوه، ولا ينصوا لنا على ذلك، فانا نعلم بإجماعهم ان ما تضمنه الخبر صحيح، ولا يعلم بذلك صحة الخبر، لانه لا يمتنع أن يكونوا قالوا بما وافق مخبر الخبر بدليل آخر، أو خبر آخر أقوى منه في باب العلم، أو سمعوه من الإمام المعصوم عليه السلام فاجمعوا عليه ولم ينقلوا ما لأجله اجمعوا اتكالا على الإجماع، وكل ذلك جائز فيجب بذلك التوقف في هذا الخبر ولا يقطع على صحته، ويجوز كونه صدقا وكذبا، وان قطعنا على ان مخبره صحيح يجب العمل به. ومتى فرضنا على أنهم اجمعوا على انه ليس هناك ما لأجله أجمعوا على ما أجمعوا عليه غير هذا الخبر، فان هذا يوجب القطع على صحة ذلك الخبر، لان ذلك يجرى مجرى ان يقولوا أجمعنا لأجل هذا الخبر، لانه لا فرق بين ان يسندوا إجماعهم إلى الخبر بعينه فيعلم به صحته، ومن أن ينفوا إسنادهم إلى سواه فان به يعلم أيضا صحته. فان قيل: كيف يجوز أن يجمعوا على مخبر خبر ثم لا ينقلوه أصلا، وهو أصل لصحة إجماعهم. قلنا: يجوز ذلك لان إجماعهم أقوى من ذلك، لأنه مقطوع به ولا يحتمل التأويل، ولو نقلوا ذلك الخبر لكان يجوز أن يصير خبرا واحدا فيخرج بذلك من باب كونه دلالة إلى أن يوجب غلبة الظن، فيعلم بذلك أن الإجماع أقوى"([6]).

نتائج البحث

بعد هذه المقدمة التي عرضنا فيها أهم الأسباب التي ساهمت في عدم أخذ الإجماعات مكانها المفترض بين كتب مصادر التشريع وتحديدا بين كتب السنة الشريفة، نقوم بعرض عدة نقاط تلخص ضرورة إنجاز هذا المشروع.

النقطة الأولى: أن الجدل حول حجية المنكشف وتضعيف البعض لإجماعات الشيخ وغيره هو أمر لا علاقة له بموضوع جمع تلك الإجماعات وضمها لمصادر التشريع؛ لأن مجرد جمعها وضمها إلى تلك المصادر لا يعني حجيتها مثلها مثل أغلب الأحاديث المدونة في كتب الحديث، ويبقى رجوع الفقيه لتلك الإجماعات والاستفادة منها في عملية استنباط الحكم الشرعي أمر يعود لاجتهاد ذلك الفقيه وطبيعة مبناه الفقهي.

النقطة الثانية: إن ضم إجماعات الإمامية إلى مصادر السنة هو بلا شك إضافة لمصادر التشريع وتوسع في دائرة السنة الشريفة، وخصوصا بعدما أثبت ناقلوا الإجماعات أنفسهم أصالة استقلال إجماعاتهم عن الأحاديث المدونة في كتب الحديث والأخبار.

النقطة الثالثة: إن إضافة إجماعات فقهاء الإمامية المتقدمين إلى مصادر التشريع سيوفر للوسط العلمي المادة الضرورية لتتبع وملاحظة جميع الإجماعات المنقولة في مصادر الفقه، ودراستها في حدود مباني أصحابها، وحدود تطبيقاتهم لها، وهذا ما تنبأ به الشيخ عبد الهادي الفضلي حين قال في كتابه دروس في أصول فقه الإمامية: "والطريق المنهجي السليم أن نلتمس الدليل على الإجماع نفسه، فان وجد فهو المطلوب، وعند عدم وجوده لسنا بحاجة إلى التبريرات المذكورة، وكل ما نحتاج إليه أن نتحدث عن الإجماعات المنقولة في كتب الفقه: ماذا يراد بها. ما موقفنا منها. وهل فيها مسائل لا دليل عليها إلا الإجماع الكاشف والخ. ومثل هذا البحث يتطلب منا تتبع وملاحظة جميع الإجماعات المذكورة، ودراستها في حدود مباني أصحابها، وحدود تطبيقاتهم لها، ولعل في الإخوة الباحثين من يتصدى لهذ"([7]) .


 

([1])  الذريعة  (أصول فقه) ج 2   ص 630.

([2])  راجع عدة الأصول (ط.ج) 2: 602.

([3])  التذكرة بأصول الفقه ص 45.

([4]) أصول الفقه ج 2   ص 93.

([5]) راجع فرائد الأصول للشيخ الأنصاري 1: 179.

([6]) عدة الأصول(ط.ج) 2: 640-641. وراجع رسائل المرتضى1: 16و19.

([7]) راجع دروس في أصول فقه الإمامية الصفحة 217و218.