موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع

 

 

 

إجماعات فقهاء الإمامية

 

 

 

المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع

 

 

السيد محمد صادق الروحاني. زبدة الأصول

مدرك حجية الإجماع

-  زبدة الأصول - السيد محمد صادق الروحاني ج 3   ص 111:([1])

        المبحث الثالث: في حجية الإجماع المنقول وحيث انه لا دليل على حجيته سوى توهم اندراجه في الخبر الواحد فيعمه أدلة حجيته كان ينبغي تأخير البحث عنها عن حجية خبر الواحد، لكن الشيخ الأعظم قدم البحث عنها وتبعه ساير المحققين ونحن أيضا نقتفي أثره، وقبل الدخول في البحث عنها لا بد من التعرض لمدرك حجية الإجماع المحصل.

        وملخص القول فيه، انه لا ريب في ان مدرك حجية الإجماع ليس هو الإجماع ولا بد وان يكون غيره كما هو واضح، وليس هو الكتاب كما لا يخفى، ولا السنة لعدم [الصفحة 112] ورود نص بذلك، ولا العقل لعدم تصور حكم عقلي يتوصل به إلى حكم شرعي يكون مخفيا علينا، فعلى هذا الإجماع بما هو إجماع ليس بحجه وانما ينحصر وجه حجيته باستكشاف رأى المعصوم والقطع به فلا فائدة في إطالة الكلام في بيان المراد من لفظ الإجماع، فالصفح عنه أولى، بل لا بد من التكلم في مستند القطع، وقد ذكروا فيه وجوها. منها الملازمة العقلية، وتقريبها من وجهين:

        الأول: قاعدة اللطف وقد اعتمد عليها شيخ الطائفة وتبعه جماعة وتقريبها، ان الواجب على الإمام عليه السلام الذي هو الحجة على الأنام تبليغ الاحكام الشرعية الموجبة لتكميل النفوس، وتوصل العباد إلى مناهج الصلاح، وهذه هي وظيفته المحولة إليه من قبل الله سبحانه الذي يجب عليه تكميل نفوس البشر، وإرشادهم إلى مناهج الصلاح، بإنزال الكتب وبعث الرسل -وعلى ذلك- فإذا اتفقت الأمة على حكم فان كان موافقا لرأيه عليه السلام فهو المطلوب، وإلا فيجب عليه إلقاء الخلاف بينهم فمن عدم الخلاف يستكشف موافقة رأيه لما اجمع الأصحاب عليه.

        وفيه: إن الواجب على الإمام عليه السلام إنما هو تبليغ الاحكام الشرعية على النحو المتعارف لا إيصاله إلى العباد ولو بنحو غير متعارف، وهم عليهم السلام قد بينوا الاحكام جميعها وانما لم يصل إلينا مثلا بواسطة إخفاء الظالمين وخوف الأصحاب المعاصرين لهم عن بيانها تقية، فلا يجب عليه السلام إلقاء الخلاف من طريق غير متعارف، والالزم بيان الحكم على كل فرد فرد، لا على المجموع من حيث المجموع إذ قاعدة اللطف تقتضي، بيان الاحكام على كل فرد والالتزام بالاستكشاف من رأى كل فرد كما ترى -مع- انه يلزم حجية قول فقيه واحد لو انحصر الفقيه فيه في عصر.

        الثاني: القطع بالحكم الحاصل من تراكم الظنون كما يحصل القطع من الخبر المتواتر.

وفيه: ان ذلك يتم في الاخبار عن المحسوسات، كما في الخبر المتواتر، فان التواطئ على الكذب بعيد غايته وكذلك احتمال الخطأ في الكل، وأما في الاخبار عن الحدسيات التي لا بد فيها من إعمال النظر، فاحتمال الخطأ إذا كان متمشيا في واحد يكون متمشيا في الكل، والمقام من قبيل الثاني كما لا يخفى.

[الصفحة 113]

        ومنها: الملازمة العادية، لقضاء العادة باستكشاف رأى الرئيس عن آراء المرؤوسين.

        وفيه: ان ذلك يتم فيما إذا كان اتفاق المرؤوسين في حال الحضور وإمكان الوصول إلى شخصه، فان اتفاقهم في هذه الصورة، يكشف عن رأيه لا محالة، وهذا بخلاف ما لو لم يكن كذلك، بل كان الاتفاق اتفاقيا، ولم يمكن الوصول إلى شخص الرئيس عادة، فان في مثل ذلك لا يكشف عن رأيه قطعا، ومن الضروري ان اتفاق العلماء من قبيل الثاني.

        ومنها: دخول الإمام في المجمعين، إما بدخوله في جماعة أفتوا بفتوى معين مع عدم معرفته بشخصه، وإما بالسماع منه عليه السلام ولو بالواسطة لقرب عصرهم بعصر الحضور ثم ينضم إليه فتوى بقية العلماء، وينقل الجميع بعنوان الإجماع، واما بالتشرف بحضوره وسماع الحكم منه ونقل الإجماع عليه لئلا يتوجه الناس إلى التشرف.

        أقول، أما الوجه الأول: فيرد عليه انه لو كان محتملا في زمان الحضور، لما كان يحتمل في عصر الغيبة.

        واما الوجه الثاني: فيرد مضافا إلى عدم تحققه في الخارج، ان النقل كذلك يشبه بالأكل من القفاء إذ لو نقل رأيه عليه السلام كان أولى، واما الوجه الثالث: فقد أمرنا بتكذيب من ادعى الحضور عملا فلا يعتنى به.

        ومنها: الملازمة الاتفاقية، ولا يمكن إنكارها رأسا، وتفصيل القول فيه ان الاتفاق ان كان في مورد وجود، أصل، أو قاعدة، أو إطلاق، أو خبر، فهو في نفسه لا يكشف عن رأى المعصوم، ولا عن وجود دليل معتبر غير ذلك في البين، ولو لم يكن في البين ذلك، فلا محالة يكشف الاتفاق بل إفتاء شخص واحد عن وجود دليل معتبر عندهم: إذ عدالتهم مانعة عن الإفتاء بغير دليل فحينئذ، تارة يحتمل اعتمادهم على، أصل، أو قاعدة، ولم يذكروها في كتبهم ففي مثل ذلك لا يستكشف رأي المعصوم، وإلا فيختلف حسب اختلاف الأشخاص فرب شخص يحصل له القطع برأي المعصوم عليه السلام من إفتاء جماعة معدودين، وآخر لا يحصل له القطع، الا من اتفاق الكل، وثالث، لا يحصل له القطع أصلا من جهة احتماله اعتمادهم على خبر لو وصل إليه، لما كان يرى ظهوره في هذا الحكم، [الصفحة 114] فهذا يختلف باختلاف الموارد والأشخاص.

حجية الإجماع المنقول

        إذا تبين مدرك حجية الإجماع المحصل، فيقع الكلام في ما انعقد البحث له، وهو حجية المنقول من الإجماع، وملخص القول فيها، انه حيث عرفت ان لا دليل لها سوى توهم شمول أدلة حجية خبر الواحد له، فالمتعين هو البناء على حجيته في بعض الموارد، توضيح ذلك ان المخبر عنه ربما يكون أمرا حسيا وربما يكون حدسيا، والثاني قد يكون منشأه تام السببية في نظر المنقول إليه بحيث لو فرض اطلاعه على ذلك السبب، لقطع بذلك الأمر الحدسي، وقد لا يكون كذلك والمدعى حجية الخبر في الموردين الأولى، دون الأخير كما ذهب إليه المحقق الخراساني: والوجه في ذلك.

ان أدلة حجية الخبر الواحد انما تدل على حجية الاخبار عن حس، لان عمدة أدلة حجية خبر الواحد هي، آية النبأ، وبناء العقلاء وإلا فبقية الأدلة إما لا تدل عليها، أولا إطلاق لها ولها قدر متيقن، وهما مختصان بالاخبار عن حس.

        اما الآية فبقرينة التفصيل بين العادل والفاسق، والتعليل بقيام احتمال الندم مع عدم التبين عن خبر الفاسق، تدل على عدم الاعتناء باحتمال تعمد الكذب، ولا تدل على تصويبه في حدسه، لان احتمال الخطاء في الحدس مشترك بين العادل والفاسق فلا يصح الفرق بينهما في ذلك، فالآية متكلفة لإلغاء احتمال تعمد الكذب، فحينئذ ان كان المخبر عنه حسيا، وكان المخبر موثوقا به، وضابطا أي لم يكن آفة في حاسته يكون خبره لا محالة كاشفا نوعيا عن الواقع.

        وهذه الكاشفية هي المقتضية لبناء العقلاء على أصالة عدم الخطاء واتباع الخبر، واما إذا كان المخبر عنه حسيا ولم يكن المخبر له الضبط، أو كان المخبر عنه حدسيا فبما ان الخبر لا كاشفية نوعية له عن الواقع فلا بناء من العقلاء على أصالة عدم الخطاء له فلا يكون الخبر حجة فيهما.

[الصفحة 115]

        ولذلك ترى ان الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم يعتبرون في الراوي، والشاهد الضبط، وليس ذلك لأجل دليل خاص مخرج لخبر غير الضابط عن تحت أدلة حجية الخبر الواحد بل انما يكون لأجل عدم المقتضى لها لاحتمال الخطاء، والآية لا نظر لها إلى عدم الاعتناء به، ولا بناء من العقلاء على عدمه.

        وكذلك لو كان المخبر عن حدسيا، فان الآية لا نظر ليها إليه، وبناء العقلاء ليس على تصويبه، فلا يكون الخبر حينئذ حجة.

        نعم إذا كان المخبر عنه حدسيا، وكان المنقول إليه جازما بإصابة الحدس على تقدير تحقق المنشأ يكون الخبر حجة، لان عدم ثبوت المخبر عنه لا بد وان يستند اما إلى الخطاء في الحدس، والمفروض الجزم بعدمه وكونه مصيبا، أو إلى عدم تحقق المنشأ، واحتمال تعمد الكذب، فالآية وبناء العقلاء تدلان على عدم الاعتناء به فلا محالة يثبت المخبر عنه هذا كله فيما يدل عليه أدلة حجية خبر الواحد.

        وبه يظهر في نقل الإجماع توضيحه، ان الناقل ربما ينقل المسبب، وهو رأى المعصوم عليه السلام وربما ينقل السبب، وهو فتاوى الفقهاء.

        فان نقل المسبب فان علم انه ينقله عن حس كما في العلماء في عصر الحضور، فهو حجة. وان أحرز ان المخبر عنه حدسي كما في العلماء في هذا العصر، فان كان المنقول إليه يرى سببية ما يراه الناقل سببا لاستكشاف رأي المعصوم عليه السلام فنقله حجة وإلا فلا.

        فتفصيل المحقق الخراساني بين ما إذا كان السبب تاما في نظر المنقول إليه، وبين ما إذا لم يكن كذلك والبناء على الحجية في الأول خاصة، مع اشتراكهما في كونه اخبارا عن المسبب بالالتزام، وعن السبب بالمطابقة، هو الصحيح ولا يرد عليه شيء مما أورد عليه.

        وان لم يحرز كونه حدسيا أو حسيا، فان لم يكن أمارة ظنية على كونه حدسيا فهو حجة، لبناء العقلاء عليه، من جهة الكاشفية النوعية عن الواقع، إذ ظاهر حال العاقل في دعوى الجزم بشيء كونه مستندا إلى سبب عادى متعارف، نعم مع الأمارة على كونه حدسيا لابناء من العقلاء على كونه حسيا لعدم الكاشفية المشار إليها.

[الصفحة 116]

        وان نقل السبب فهو يختلف من حيث كونه، تارة حسيا، وأخرى حدسيا ناشئا من لحاظ اتفاق جمع من الأساطين، بنحو استكشف منه كونه من المسلمات عند الكل، وهذا المعنى يختلف بحسب اختلاف الناقلين من حيث الإحاطة بكلمات الأصحاب وعدمها، وعلى كل تقدير قد يقال ان نقل السبب حجة في المقدار الذي علم أو احتمل مع عدم الأمارة على الخلاف، استناده إلى الحس، وحينئذ ان بلغ ذلك في نظر المنقول إليه حدا يكشف عن رأى المعصوم عليه السلام فهو والا فيحتاج في كشفه إلى ضم ما يتم به السبب، ولكن بشرط ضم ما علم انه غير ما نقله الناقل كما لا يخفى.

        ولكن الأظهر البناء على عدم حجية نقل السبب الا إذا كان المنقول تام السببية في نظر المنقول إليه، وذلك لانه يعتبر في شمول أدلة الحجية لشيء كونه أثرا شرعيا، أو موضوعا لأثر شرعي، وكونه ملازما لشيء هو اثر شرعي أو موضوع له لا يكفى، وحجية الأمارة في مثبتاتها انما هو باعتبار كونها اخبارا بالالتزام عن اللازم أيضا، كما انه اخبار عن الملزوم وفى المقام الاخبار عن اللازم وهو رأى المعصوم غير مشمول لأدلة الحجية لكونه خبرا حدسيا، والاخبار عن الملزوم غير مشمول له لعدم الأثر -مع- انه لو أغمض عن ذلك يكون المخبر عنه من الموضوعات، والمشهور اعتبار التعدد فيه، واما إذا كان المنقول تام السببية في نظر المنقول إليه فقد تقدم ان أدلة الحجية حينئذ تشمل ما ينقله من رأى المعصوم عليه السلام أو الحجة المعتبرة، وبما ذكرناه ظهر حال نقل السبب والمسبب معا بقى أمران لا بد من التعرض لهما.

        احدهما: ان الإجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منها أو أكثر، فتارة ينقل كل من الناقلين، المسبب، وأخرى ينقل السبب، وثالثة يختلفان في النقل.

        اما الأول: فان كان النقلان غير حجتين كما إذا كانا عن حدس وعن منشأ لا منشأية له في نظر المنقول إليه، فلا كلام، وان كان احدهما حجة دون الآخر كان، هو المتبع، وان كان كل منهما حجة لو كان وحده، كان من باب تعارض الأمارتين، فلا بد من الاعمال ما يقتضيه القاعدة من التساقط، أو التخيير.

        وان نقلا معا السبب، فان كان المنقول إليه لكل منهما غير ما ينقله الآخر، كما إذا [الصفحة 117] نقل احدهما اتفاق علماء عصر، ونقل الآخر اتفاق علماء عصر آخر، فلا تعارض بينهما، بلا لابد للمنقول إليه من ملاحظة تلك الأقوال وفرضها كأنه حصلها، وان كان المنقول لهما شيئا واحدا يقع التعارض بينهما.

        وبما ذكرناه ظهر حال ما إذا نقل احدهما المسبب والآخر السبب.

        الثاني: في حكم نقل التواتر -من حيث المسبب والسبب- وملخص القول فيه ان نقل التواتر، قد يوجب قطع المنقول إليه بما اخبر به، لو علم به، ولو لم يكن بينهما ملازمة عادية وقد لا يوجب ذلك، وفى الأول يكون النقل حجة دون الثاني، كما يظهر لمن راجع ما ذكرناه في الإجماع المنقول، هذا فيما إذا لم يترتب الأثر على الخبر المتواتر من حيث هو، والا وجب ترتيبه.


 

([1]) النسخة المعتمدة:  نشر مدرسة الإمام الصادق عليه السلام- الطبعة الأولى 1412.