موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع

 

 

 

إجماعات فقهاء الإمامية

 

 

المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع

 

 

 

السيد محمد الحسيني الروحاني. منتقى الأصول

الفصل الثاني في الكلام عن حجية الإجماع المنقول

- منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني للسيد عبد الصاحب الحكيم ج 4  ص 237:([1])

        وقد التزم البعض بحجيته من باب انه من أفراد خبر الواحد بلا أن يقوم دليل على حجيته بالخصوص.

        وقد أطال الشيخ رحمه الله الحديث فيه وفي شؤونه([2]). وقد لخصه في الكفاية([3]) وغيرها.

        ومحصل الكلام فيه بنحو يتضح فيه الحق، هو ان يقال: ان أدلة حجية خبر الواحد إنما تتكفل حجية الخبر إذا كان المخبر به أمرا محسوسا أو قريبا من المحسوس.

        فالأول، نظير الاخبار عن مجيء زيد ودخوله إلى الدار.

        والثاني، نظير الاخبار عن العدالة والشجاعة. فإنهما وان كانتا لا تدركان بالحس لأنهما من الصفات النفسية، لكنهما من الملزومات العادية الظاهرة لبعض الأمور المحسوسة، فمعرفة العدالة والشجاعة بآثارهما الخارجية لا تتوقف على صرف فكر ومزيد نظر، فهما بمنزلة المحسوس.

أما الخبر عن الأمر غير المحسوس ولا القريب منه فلا تشمله أدلة [الصفحة 238] حجية الخبر، ولذا لا يتوهم شمول أدلة الخبر لقول المجتهد مع انه إخبار عن قول المعصوم، لانه إخبار عن حدس ونظر واجتهاد.

الإجماع المحصل والطرق إليه

        ثم ان حجية الإجماع المحصل من باب معرفة رأي الإمام عليه السلام من طريقه، ومنشأ ذلك أحد طرق:

        الأول: ان يعلم بدخول الإمام عليه السلام بشخصه في المجمعين وان لم يعلمه تفصيلا وبشخصه بعينه.

        الثاني: قاعدة اللطف، فان البناء عليها يستلزم عقلا الجزم برأي الإمام عليه السلام عند تحقق الإجماع، إذ يكون على الإمام عليه السلام البيان لو كان الحكم المجمع عليه على خلاف الواقع، إذ من شأنه إيصال المصالح إلى المكلفين. وهذا الطريق ينسب إلى الشيخ الطوسي قدس سره في حجية الإجماع([4]).

        الثالث: الملازمة العادية بين الإجماع وموافقة الإمام عليه السلام للمجمعين، ببيان: ان العادة جارية على استكشاف رأي الرئيس من اتفاق مرؤسيه وعدم اختلافهم، إذ يمتنع عادة اتفاق المرؤسين على أمر مع مخالفة الرئيس لهم.

        الرابع: الملازمة الاتفاقية، وهي حصول العلم بقول الإمام عليه السلام من الإجماع حدسا، واستلزام الإجماع لموافقة الإمام عليه السلام بنظر من حصل الإجماع.

        الخامس: التشرف بخدمة الإمام عليه السلام ومعرفة رأيه، فينقل الحكم بعنوان الإجماع لبعض الأغراض.

        إذا عرفت ذلك نقول: منشأ تخيل حجية الإجماع المنقول، ان من ينقل [الصفحة 239] الإجماع ينقل قول المعصوم عليه السلام، فيندرج تحت عموم أو إطلاق أدلة حجية خبر الواحد.

        وتحقيق ذلك: ان الإجماع المنقول ان كان من النحو الأول، فهو يرجع إلى نقل قول المعصوم عليه السلام ضمنا عن حس، فتشمله أدلة خبر الواحد بلا إشكال. وأما إذا كان من الأنحاء الأخرى -غير الإجماع التشرفي-، فمقصود الناقل تارة يكون نقل المسبب، أعني قول المعصوم عليه السلام لاستلزام الإجماع الذي حصله لرأيه عليه السلام، وأخرى يكون نقل السبب لا غير، يعني لا يحاول الا الاخبار عن ثبوت الفتاوى لا أكثر.

        فإذا كان ناقلا لقول المعصوم عليه السلام من طريق الملازمة العقلية أو العادية أو الاتفاقية، فلا تشمله أدلة حجية الخبر في إثبات رأي المعصوم عليه السلام، إذ إخباره ههنا عن أمر حدسي لا حسي ولا قريب منه، وإلا لما وقع الخلاف الكبير في صحة الطرق ومنعها. قد عرفت ان أدلة الخبر لا تشمل الخبر عن الأمر الحدسي.

        وأما ذا كان ناقلا للسبب لا غير، فقد يتخيل -كما في الكفاية وغيرها-: شمول أدلة حجية الخبر بالنسبة إلى إثبات السبب لانه خبر عن حس لا حدس، وخصص قبول ذلك في مورد تكون هناك ملازمة لدى المنقول إليه بين نفس السبب المنقول ورأي الإمام عليه السلام، أو تكون ملازمة بين السبب المنقول وما ينضم إليه من الأقوال التي يحصلها المنقول إليه وسائر الأمارات غير المعتبرة وبين رأي الإمام عليه السلام([5]).

[الصفحة 240]

        وبعبارة أخرى: يكون نقل السبب حجة إذا كان تمام السبب في نظر المنقول إليه أو جزءه، إذ بدون ذلك لا أثر عملي يترتب عليه كي يكون حجة. ولكنه يشكل -بعد فرض العلم بان الناقل حصل أقوال العلماء بطريق الحس لا الحدس، بان علم مبنى الفقيه واعتقد انطباقه في مورد خاص، فنسب إليه الفتوى في المورد، فانه نقل حدسي لا حسي فلا تشمله أدلة الخبر، وبعد فرض ان ما يحصله المنقول إليه من أقوال العلماء يعلم أنها غير ما نقلت إليه، وإلا لم يحصل له العلم بقول الإمام عليه السلام بضم ما حصله إلى المنقول لاحتماله وحدتهما-: ان ما يكون مشمولا لأدلة الخبر هو الاخبار عن الحكم أو الموضوع ذي الحكم، أما الاخبار عما ليس بحكم وليس بموضوع ذي حكم فلا تشمله أدلة الخبر لعدم الأثر العملي.

        وما نحن فيه من هذا القبيل، فان الاخبار عن إجماع العلماء ليس إخبارا عن حكم -كما هو واضح- ولا إخبارا عن موضوع لحكم شرعي، إذ الحكم الشرعي ورأي الإمام عليه السلام لا يترتب على الإجماع، وانما يتحقق العلم به بطريق الملازمة العقلية أو غيرها عند العلم بالإجماع، فجعل الحجية لنقل الإجماع لغو، لا يترتب الأثر على حجية النقل.

        وقد أجاب في الكفاية عن هذا الإشكال: بان نقل الإجماع كنقل خصوصيات السائل من مكانه وزمانه التي يوجب اختلافها اختلاف المستفاد من الكلام، فحين يقال ان السائل عن مقدار الكر بالأرطال مدني يحمل الرطل الوارد في النص على الرطل المدني في قبال الرطل العراقي، ونحو ذلك، فكما لا يتوقف أحد في حجية مثل هذه الاخبار مع انها ليست إخبارا عن حكم ولا موضوع حكم وانما عن خصوصية تكون دخيلة في معرفة خصوصية الحكم([6]).

[الصفحة 241]

        ولكن هذا الجواب مندفع بوجود الفرق بين المقامين، إذ خصوصية السؤال أو السائل أو المسؤول عنه من زمان أو مكان أو غير ذلك تلازم عرفا معرفة خصوصية الحكم، وعليه فمن يخبر بان السائل مدني -مثلا- يخبر بالملازمة عن ان موضوع الحكم هو الرطل المدني للملازمة العرفية بينهما، فخبره في المدلول الالتزامي هو الحجة لانه إخبار عن موضوع الحكم الشرعي فيصح التعبد بحجيته.

        وهذا بخلاف ما نحن فيه، إذ الفرض عدم حجية الخبر عن الإجماع في المدلول الالتزامي، لانه خبر عن أمر حدسي لا تشمله أدلة حجية الخبر، والخبر عن المدلول المطابقي وهو نفس الإجماع ليس خبرا عن حكم ولا موضوع حكم فلا يصح التعبد بحجيته لعدم الأثر العملي المترتب عليه. فالتفت وتدبر. هذه خلاصة البحث في الإجماع المنقول. ويبقى الكلام في جهات:

        الأولى: قد عرفت اختلاف طرق استكشاف قول الإمام عليه السلام من الإجماع المحصل وهي مردودة بأجمعها كما يذكر في محله. وعمدة الوجوه ما يقال من: ان اتفاق جمع غفير من العلماء في العصور المتعاقبة مع العلم بأنهم لا يفتون من غير علم يكشف بالكشف القطعي عن وجود دليل معتبر في الواقع وان لم يصل إلينا. وهذا الوجه مردود، لان اتفاق الجمع الغفير كمائة من العلماء لو كان في عرض واحد لقربت هذه الدعوى، أما إذا كان بنحو التعاقب وفي الأزمنة المتعددة فلا ينفع ما قيل، إذ لا يكشف الاتفاق المزبور عن وجود دليل معتبر واقعا، لانه من الممكن استناد القائلين في العصر المتأخر إلى إجماع العصر السابق اما لقاعدة اللطف، بنظرهم أو للملازمة الاتفاقية أو نحوهما، وهكذا حتى تصل النوبة إلى أسبق العصور، وهم لا يشكلون عددا كبيرا، وإجماع مثلهم لا [الصفحة 242] يكشف عن دليل معتبر، إذ من الممكن استناد كل منهم إلى دليل لا يكون حجة بنظرنا لو اطلعنا عليه، كرواية ضعيفة قطع بمضمونها لقرائن قطعية بنظره ونحو ذلك، بل لو علم استنادهم إلى دليل واحد فلا نستطيع استكشاف حجيته، إذ من الممكن انه رواية ظاهرة في معنى عندهم وهو ما أجمعوا عليه، ولكنها غير ظاهرة عندنا فيما استظهروه لو اطلعنا عليها. وبالجملة: فهذا الوجه مع انه أمتن الوجوه المذكورة في حجية الإجماع، غير ناهض لإثبات حجيته. إذن، فلا دليل على حجية الإجماع فتدبر.

        الثانية: لو تعارض نقل الإجماع، فنقل ففيه الإجماع على حكم، ونقل غيره الإجماع على خلافه، فالتعارض بينهما انما يكون بلحاظ المسبب وهو الكشف عن قول الإمام عليه السلام، إذ يمتنع ان يكون كل منهما كاشفا قطعيا لاختلاف مضمونهما. وأما بلحاظ السبب، فلا تعارض، إذ من الممكن ان يذهب طائفة إلى حكم بمقدار يحقق الإجماع بنظر الناقل، ويذهب طائفة أخرى إلى خلافه بمقدار يحقق الإجماع بنظر ناقل آخر. ولكن كلا منهما لا يصلح لان يكون سببا للمنقول إليه بعد وجود نقل الخلاف على غيره، بل ولا جزء سبب، لان أحدهما يبعد الحكم عن نظر المنقول إليه بالمقدار الذي يقربه الآخر بنظره، الا ان يشتمل احدهما على خصوصية توجب الجزم برأي الإمام عليه السلام ولو مع اطلاعه على الخلاف، مثل كون المجمعين من أهل الدقة والتدبر وكونهم من القدماء. ونحو ذلك.

        هذا محصل ما ذكره في الكفاية بتوضيح منا([7])، والمطلب لا يتحمل أكثر من ذلك وانما ذكرناه تبعا.

[الصفحة 243]

        الثالثة: لا يخفى ان الحديث في نقل تواتر الخبر كالحديث في نقل الإجماع في عدم شموله لأدلة حجية خبر الواحد من حيث المسبب، لانه نقل قول المعصوم عليه السلام بالملازمة الحدسية غير القريبة للحس غالبا.

        نعم لو علم ان مقصود الناقل نقل التواتر الذي يلازم الجزم بقول الإمام عليه السلام عرفا لكل أحد بالملازمة الواضحة كان حجة من ذلك الباب لكنه نادر.

        وهكذا من حيث نفس السبب، فانه ذكر في الكفاية: انه يكون حجة بالمقدار الدال عليه نقل التواتر، فقد يكون تمام السبب لدى المنقول إليه وقد يكون جزءه كما تقدم في الإجماع المنقول. ولكن تقدم منا الاستشكال في شمول أدلة حجية الخبر لنقل الإجماع من جهة انه ليس بحكم ولا موضوع حكم. وهذا الإشكال بنفسه يجري في نقل التواتر واثبات جزء السبب أو تمامه به تعبدا، فراجع وعليك التطبيق. والله ولي التوفيق.


 

([1]) النسخة المعتمدة:  مطبعة الهادي- الطبعة الثانية 1416. هوامش هذا الكتاب نقلا عن المصدر.

([2]) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى.فرائد الأصول: 47 الطبعة الأولى.

([3]) الخراساني المحقق الشيخ محمد كاظم.كفاية الأصول: 288 - طبعة مؤسسة آل البيت (ع).

([4]) نسبه إلى الشيخ الطوسي في فرائد الأصول: 51.

([5]) الخراساني المحقق الشيخ محمد كاظم.كفاية الأصول: 290 - طبعة مؤسسة آل البيت (ع).

([6]) الخراساني المحقق الشيخ محمد كاظم.كفاية الأصول: 290 - طبعة مؤسسة آل البيت (ع).

([7]) الخراساني المحقق الشيخ محمد كاظم.كفاية الأصول: 291- طبعة مؤسسة آل البيت (ع).