موقع عقائد الشيعة الإمامية>>> محمد الديباج بن الإمام جعفر الصادق

 

 

محمد الديباج ابن الإمام جعفر الصادق

أقوال الرجاليين في محمد الديباج

 

ولمعرفة حال محمد الديباج بن الإمام جعفر الصادق من حيث المعتقد والوثاقة نستعرض الأصول الرجالية، وبعض أقوال الرجاليين المتأخرين فيه، ونقف عند رأيين متعارضين منها، وهما ابن داود الحلي في رجاله الذي يعد من المتأخرين، والثاني هو السيد الخوئي في معجم رجاله وهو من متأخري المتأخرين، حيث عد ابن داود محمد الديباج في الطبقة الأولى الموثقين من الأصحاب، بينما انفرد السيد الخوئي من بين علمائنا المتقدمين والمتأخرين برد إيمان محمد بن جعفر فضلا عن وثاقته بأدلة نقوم بمناقشتها.

النجاشي

ذكر النجاشي محمد بن جعفر في رجاله فقال في ترجمته: محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، يلقب ديباجة، له نسخة يرويها عن أبيه. أخبرنا القاضي أبو الحسين قال: حدثنا جعفر بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي قال: حدثنا أحمد بن الوليد بن برد قال: حدثنا محمد بن جعفر عن آبائه.

الشيخ الطوسي

والشيخ الطوسي في رجاله: [3979] محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، ولده عليه السلام، أسند عنه، يلقب بديباجة.

العلامة الحلي

وذكره العلامة الحلي في إيضاح الاشتباه: محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين يلقب ديباجة: بالدال المهملة، والياء المنقطة تحتها نقطتين، والباء المنقطة تحتها نقطة، والجيم.

ابن داود الحلي

وعد ابن داود الحلي محمد الديباج ضمن القسم الأول من رجاله فقال: محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين يلقب ديباجة لم (جش) له نسخة.

أقول: كما هو معلوم فإن القسم الأول من رجال ابن داود الحلي خاص بالثقاة من الأصحاب وهو مما أقر به السيد الخوئي وتعجب منه حيث قال: فمن العجب بعد ذلك، عد ابن داود إياه في القسم الأول كما مر، فإنه لم يثبت إيمان هذا الرجل، فضلا عن وثاقته.

أما أدلة ابن داود الحلي على وثاقة محمد الديباج فسوف نذكر ما وقفنا عليها لاحقا في فصل مستقل.

 

السيد الخوئي؛ رأي ومناقشة

لقد انفرد السيد الخوئي في كتابه القيم معجم رجال الحديث إلى رد وثاقة وإيمان محمد الديباج، وقد خرج سماحته بهذا الرأي وفق مبناه الرجالي بعد توصله إلى انعدام التوثيق الروائي والأصل الرجالي لهذه الشخصية. ثم استشهد رحمه الله بعد ذلك بروايات ضعيفة استنتج منها ذم وضعف محمد الديباج، نذكرها هنا مع مناقشته:

الحديث الأول: حديث عيادة الإمام الرض لمحمد الديباج

من جملة الأحاديث التي استدل بها السيد الخوئي على تضعيف وذم محمد الديباج ما رواه الكشي في نقد الرجال فقال السيد: وتقدم في ترجمة الحسن بن القاسم، أن الرض كان قد أبطأ على عمه محمد هذا، فلم يحضره عند موته. أقول: يظهر من إبطائه على عمه محمد، أنه لم يكن مرضيا عنده، وموردا لعطفه ورأفته. انتهى موضع الشاهد.

وهذا نص الحديث: قال الكشي: حدثني حمدويه، قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال: حدثنا الحسن بن القاسم، قال: حضر بعض ولد جعفر الموت، فأبطأ عليه الرض، قال: فغمني ذلك لإبطائه عن عمه، قال: ثم جاء فلم يلبث أن قام، قال الحسن: فقمت معه، فقلت: جعلت فداك عمك في الحال التي هو فيها تقوم وتدعه؟! قال: فقال: عمي يدفن فلانا -يعني الذي هو عندهم- قال: فو الله ما لبثنا إذ تمايل المريض ودفن أخاه الذي كان عندهم صحيحا. قال الحسن الخشاب: وكان الحسن بن القاسم يعرف الحق بعد ذلك ويقول به.

ويرد على رأي السيد الخوئي:

1- أن السيد الخوئي قد استند في فرضيته -وهي أن محمد الديباج لم يكن مرضيا عند الإمام الرض-على فرضية الراوي الذي ظن أن محمد بن جعفر مشرف على الموت وأن الإمام قد أبطأ عن عيادة عمه؛ وبهذا يكون الكلام مجرد فرض مركب لا يستند إلى دليل وخصوصا بعدما بادر الإمام لعيادة عمه وبشر أصحابه بأنه سيشفى من مرضه. فالحديث مجرداً عن ظن الراوي في الإمام الرض يحكي عن ذهاب الإمام الرض لعيادة عمه وأنه بشر الجالسين هناك بشفاء عمه من مرضه هذا؛ فأين الذم في هذا؟!.

2- ثم إن عيادة الإمام لعمه ليس فقط لا تحمل إي دلالة على الذم بل أن الإمام ربما ذهب لعيادته لدفع الظنون –ومنها ظن الراوي- والتأكيد على سلامة العلاقة بينه وبين عمه محمد بن الإمام جعفر الصادق وهذه نقطة تحسب له ولا تحسب عليه.

3- وهناك نقطة في غاية الأهمية يجب الالتفات إليها في هذا الدليل وفي غيره من الأدلة التي سيقت ضد محمد الديباج وعلاقته بالإمام الرض وهو أنه كان يشغل منصب ولاية العهد حينها وأن كثيرا من تصرفاته وأقواله محكومة بما يفرضه عليه هذا المنصب وخاصة مع المحسوبين على أعداء المأمون والبيت العباسي ومنهم وأخصهم محمد بن جعفر الديباج الذي لم تكن علاقته بالمأمون والبيت العباسي تمكن الإمام  الرض من الاقتراب منه، وهكذا يمكن تفسير فرض تأخره عن عيادة عمه على أنه من التقية فلم يبادر إلى زيارته إلا بعدما بلغ مبلغا يسيء إلى عمه محمد بن جعفر ومكانته عند شيعته.

الحديث الثاني: حديث لا يظلني وإياه سقف بيت

ومما استدل به السيد الخوئي قدس سره على ذم محمد الديباج رواية وردت في كتاب عيون أخبار الرضا فقال: ويدل على ذمه أيضا عدة من الروايات، منها ما رواه الصدوق عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عمير بن يزيد (عمر بن زياد)، قال: كنت عند أبي الحسن الرض، فذُكر محمد بن جعفر بن محمد عليهما السلام، فقال: إني جعلت على نفسي أن لا يظلني وإياه سقف بيت، فقلت في نفسي هذا يأمرنا بالبر والصلة، ويقول هذا لعمه، فنظر إلي، فقال: هذا من البر والصلة، إنه متى يأتيني ويدخل علي فيقول فيّ يصدقه الناس، وإذا لم يدخل عليّ ولم أدخل عليه لم يقبل قوله إذا قال.

ونرد عليه في اتجاهين:

الأول: الشك في صحة صدور الحديث. فمضمون الحديث يكذبه واقع الحال حيث أن الإمام الرض قد اجتمع فعلا مع عمه محمد بن جعفر تحت سقف واحد، ومنه الرواية السابقة حيث ذهب لعيادته، كما أن الأخبار -على الرغم من ندرتها بسبب التوجه الخاص للمأمون وجهازه في التعتيم على مثل هذه الأخبار- تشير إلى طيب العلاقة بين الإمام الرض وعمه محمد بن جعفر وقت صدور هذا الخبر وما تلاه.

ولا يبعد أن يكون الحديث من موضوعات العباسيين لرغبتهم الشديدة في ضرب الإمام علي بن موسى الرض وعمه محمد الديباج وإيجاد الفرقة والخلاف بينهما وهذه الرغبة كانت معلنة وغير مبيتة في البيت العباسي وغيرهم من أعداء أهل البيت وأتباعهم.

الثاني: مع فرض صحة صدور الحديث يتوجب علينا تفسيره بشكل يتلائم مع أصل صلة الأرحام عند أهل البيت واللحظة التاريخية التي صدر فيها الحديث: فالحديث لو أخذنا بالاعتبار ولاية عهد الإمام الرض وما تفرضها عليه من أقوال وتصرفات خاصة مع أعداء المأمون والبيت العباسي لأمكننا تعليل صدور الخبر بهذا المضمون منه بالتقية والتمويه وذلك حفاظا على حياته وحياة عمه وللتنبيه على عدم تصديق الأخبار التحريضية التي قد يضعها أزلام البيت العباسي على لسان محمد بن جعفر ضد الإمام الرضا وبالعكس، وعندها يكون كلام الإمام الرض من البر والصلة والعطف على عمه الذي خرج من معركة خاسرة مع العباسيين مجروح الكبرياء يتهدده في كل لحظة خطر القتل والتشفي على يد المأمون والبيت العباسي معا، وهذا التفسير أيضا ينسجم مع  حقائق الأمور وطبيعتها بين الإمام الرض وبين عمه محمد بن جعفر من العطف والتراحم.

الحديث الثالث: حديث "لا تكذب أباك ولا أخاك"

واستدل السيد الخوئي قدس سره أيضا على تجريح محمد الديباج  برواية عن الإمام الرض بذم خروجه، والرواية: حدثنا علي بن عبد الله الوراق، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال، حدثني إسحاق بن موسى، قال: لما خرج عمي محمد بن جعفر بمكة ودعا إلى نفسه، ودعي بأمير المؤمنين، وبويع له بالخلافة، ودخل عليه الرض وأنا معه، فقال له: يا عم، لا تكذب أباك ولا أخاك، فإن هذا أمر لا يتم الحديث.

ويرد عليه:

1-الرواية من الآحاد وفي سندها أكثر من واحد ممن لم يثبت توثيقه ويجهل حاله.

2-قوله "يا عم، لا تكذب أباك ولا أخاك" لا يعني أن الإمام قد حرم على عمه محمد بن جعفر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخصوصا لو عرفنا أن خروج محمد بن جعفر كان خروج المضطر وأنه جاء كردة فعل وفورة غضب لأمه فاطمة الزهراء÷. وكلام الإمام يدل في الحقيقة على تنبيه محمد الديباج إلى أنه لن ينجح في ثورته وأنه لن يصل بالطالبيين والشيعة إلى سدة الحكم والخلافة، وربما ظهر كلامه عليه السلام هذا تقية وحقنا لدماء الطالبيين والشيعة ومنهم عمه نفسه الذي لم يلبث أن عاد إلى رأي ابن إخيه الإمام الرض. كما أن "الأمر" في قول الإمام "فإن هذا أمر لا يتم" ليس المراد به الإمامة الشرعية التي تعتقد بها الشيعة بل المراد الحكم والإمرة.

3-كما إن سكوت محمد الديباج عن الرد على الإمام علي بن موسى الرض يدل على علم محمد بن جعفر بصدق الإمام كما يدل على توقيره له وينفي وقوع الخصومة والخلاف بينهما.

الحديث الرابع: حديث اللوح

واستدل السيد الخوئي على ذم محمد بن جعفر برواية أخرى فقال: وروي أيضا، عن أبي العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا الحسن بن إسماعيل، قال: حدثنا سعيد بن محمد (بن) القطان، قال: حدثنا عبد الله بن موسى الرواياني أبو نزار، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن جعفر، عن أبيه، عن جده، ان محمد بن علي باقر العلم عليهما السلام، جمع ولده وفيهم عمهم زيد بن علي، ثم أخرج كتابا إليهم بخط علي، وإملاء رسول الله’ مكتوب فيه: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم العليم، حديث اللوح إلى الموضع الذي يقول فيه، أولئك هم المهتدون (حديث اللوح تقدم قبل ذلك بقليل، وفيه أسماء الائمة) ثم قال في آخره: قال عبد العظيم، العجب كل العجب لمحمد بن جعفر وخروجه إذ سمع أباه يقول هكذا ويحكيه.

ويرد عليه:

1-إن تمسك السيد الخوئي بظن السيد عبد العظيم الحسني وتركه لأصل رواية محمد الديباج للحديث الدال على إيمان الرجل بإمامة الأئمة الإثني عشر، بل ومن جملة المبلغين لها؛ عجيب ومستغرب.

2-إن تعجب عبد العظيم الحسني من خروج محمد الديباج مبني على ظن واجتهاد شخصي منه بأن خروجه كان لطلب الإمامة، والحال أن كل المعطيات والحقائق تشير أن خروجه لم يكن لأجل الإمامة بل كان لدفع الخطر المحدق بالطالبيين، وأن تسميته بأمير المؤمنين -إذا صحت الأخبار في ذلك- فهو لقب تعارف على الحاكم والأمير وليس للإمامة الشرعية التي أقر محمد الديباج بها للأئمة الإثني عشر كما هو واضح في حديث اللوح الذي نحن بصدده وكذلك بعض الأخبار الدالة على إقراره بإمامة الأئمة المعصومين ومنها كلامه للمأمون عن علم الإمام الرض ووصفه له بأنه لدني.

3- ولو فرضنا أن ظن السيد عبد العظيم الحسني كان صحيحا وأن محمد الديباج قد خرج لأجل الإمامة وليس الحكم، وهو فرض قد بينا خطأه، فإن رجوعه عن هذه الدعوة لاحقا ومصيره بقية حياته إلى جوار الإمام الرض شاهد على أن خروجه لم يكن إلا مرحلة عابرة من حياته المليئة بالعطاء وأن الرجل عاد إلى سلامة المعتقد بعد تجربة مرة كلفته الكثير وإلى يومنا هذا.

الحديث الخامس: حديث اتهامه بدم أخيه الإمام الكاظم

الدليل الخامس وهو الأخطر من حيث الحجم والأضعف من حيث المستند إلا وهي حكاية يتيمة في عيون أخبار الرضا تتحدث عن تأليب محمد الديباج هارون الرشيد على قتل الإمام موسى بن جعفر فقال: ومنها: ما رواه عن الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب (رضي الله عنه)، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر، قال: جاءني محمد بن إسماعيل ابن جعفر بن محمد، وذكر لي أن محمد بن جعفر دخل على هارون الرشيد، فسلم عليه بالخلافة، ثم قال له: ما ظننت أن في الأرض خليفتين، حتى رأيت أخي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة. (الحديث). العيون: الجزء 1، باب جمل من أخبار موسى بن جعفر عليهما السلام مع هارون الرشيد 7، الحديث 2. ويؤكد ذلك، ما ذكره علي بن عيسى الأربلي، عن الآبي في كتابه نصر الدر، قال: ومات (موسى بن جعفر عليهما السلام في حبس الرشيد، وقيل سعى به جماعة من أهل بيته منهم: محمد بن جعفر بن محمد؛ أخوه، ومحمد بن إسماعيل ابن جعفر؛ ابن أخيه، والله أعلم. كشف الغمة: الجزء 3، (باب ذكر السبب في وفاته). انتهى كلام السيد الخوئي.

ويرد عليه:

1-أن راوي هذه القصة هو المتهم الأول فيها وهو محمد بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق. وهذا من قول العرب "رمتني بدائها وانسلت". وسكوت السيد الخوئي قدس سره عن هذا الأمر في هذا الموضع عجيب.

أما أصل هذه الوشاية وهذه الحكاية بلفظها -كما تقدم- فهي منسوبة بروايات وأخبار عديدة وصحيحة لراوي الحديث محمد بن إسماعيل بن جعفر نفسه دون غيره وقد قطع السيد الخوئي بذلك في ترجمة محمد بن إسماعيل فقال:

محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، من أصحاب الصادق، رجال الشيخ. وقال الكشي في ترجمة هشام بن الحكم الحديث4: "حدثني أبو جعفر محمد بن قولويه القمي، قال: حدثني بعض المشايخ -ولم يذكر اسمه-، عن علي بن جعفر بن محمد، قال: جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر، يسألني أن أسال أبا الحسن موسى أن يأذن له في الخروج إلى العراق وأن يرضى عنه، ويوصيه بوصية، قال فتجنبت حتى دخل المتوضأ وخرج وهو وقت كان يتهيأ لي أن أخلو به وأكلمه، قال: فلما خرج قلت له: إن ابن أخيك محمد بن إسماعيل يسألك أن تأذن له في الخروج إلى العراق وأن توصيه، فأذن له، فلما رجع إلى مجلسه، قام محمد بن إسماعيل وقال: يا عم أحب أن توصيني، فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي، فقال: لعن الله من يسعى في دمك، ثم قال: يا عم أوصني، فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي، قال: ثم ناوله أبو الحسن صرة فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها محمد، ثم ناوله أخرى فيها مائة وخمسون دينارا، فقبضها، ثم أعطاه صرة أخرى فيها مائة وخمسون دينارا، فقبضها، ثم أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده، فقلت له في ذلك: استكثرته؟ فقال: هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني، ووصلته، قال: فخرج إلى العراق، فلما ورد حضرة هارون، أتى باب هارون بثياب طريقه قبل أن ينزل، واستأذن على هارون، وقال للحاجب: قل لأمير المؤمنين، إن محمد بن إسماعيل ابن جعفر بن محمد بالباب، فقال الحاجب: إنزل أولا وغير ثياب طريقك وعد لأدخلك إليه بغير اذن، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت، فقال: اعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي، فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل، فأمر بدخوله، فدخل، وقال: يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض، موسى بن جعفر بالمدينة، يجبى له الخراج وأنت بالعراق يجبى لك الخراج، فقال: والله. فقال: والله. قال: فأمر له بمائة ألف درهم، فلما قبضها وحمل إلى منزله، أخذته الريحة (الذبحة) في جوف ليلته فمات، وحول من الغد المال الذي حمل إليه ". ثم قال: "وروى موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر، قال: سمعت أخي موسى، قال: قال أبي لعبد الله أخي: إليك ابني أخيك فقد ملآني بالسفه، فإنهما شرك شيطان -يعني محمد بن إسماعيل بن جعفر، وعلي ابن إسماعيل-، وكان عبد الله أخاه لأبيه وأمه". وروى محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر، قال: جاءني محمد بن إسماعيل، وقد اعتمرنا عمرة رجب، ونحن يومئذ بمكة، فقال: يا عم إني أريد بغداد، فذكر قصة وداعه أبا الحسن موسى بن جعفر قريبا مما نقله الكشي من اعطائه الإمام المال الكثير وسعايته عليه، عند هارون، وفي آخرها فأرسل هارون إليه بمائة درهم، فرماه الله بالذبحة، فما نظر منها إلى درهم ولا مسه. الكافي: الجزء 1، كتاب الحجة 4، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر 120، الحديث 8. وقال ابن شهرآشوب: "كان محمد بن إسماعيل بن الصادق، عمه موسى الكاظم، يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق، فلما ورد الرشيد إلى الحجاز، سعى بعمه إلى الرشيد، فقال: أما علمت أن في الأرض خليفتين، يجبى إليهما الخراج، فقال الرشيد: ويلك أنا ومن؟ قال: موسى بن جعفر، وأظهر أسراره فقبض عليه، وحظي محمد عند الرشيد، ودعا عليه موسى الكاظم بدعاء استجابه الله فيه وفي أولاده ". المناقب: الجز 4، باب إمامة أبي إبراهيم موسى بن جعفر، في (فصل في وفاته). أقول: تقدم في علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد عليهما السلام نقل هذه القصة، عن الصدوق والشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، وابن شهرآشوب، في حق علي بن إسماعيل، دون محمد بن إسماعيل، ومن البعيد جدا أن تكون القصة متكررة، وبما إن طريق الكافي إلى نقل هذه القصة صحيح، فالظاهر أن ما تقدم في علي بن إسماعيل ليس بصحيح. ثم إن محمد بن إسماعيل هذا، كان زمان الصادق، وقد أوصى له بشيء من ماله، رواه الشيخ بإسناده، عن علي بن الحسين، عن محمد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب. التهذيب: الجزء 9، باب الوصية بالثلث وأقل منه وأكثر، الحديث 779. إنتهى كلام السيد الخوئي قدس سره.

وبهذا تكون هذه الوشاية المروية من محمد بن إسماعيل بحق محمد بن جعفر الديباج ساقطة عن الاعتبار جملة وتفصيلا وأن محمد الديباج بريء من دم أخيه الإمام موسى بن جعفر براءة الذئب من دم يوسف وبشهادة السيد الخوئي نفسه.

نتيجة المناقشة:

يظهر مما تقدم إن ما ساقه السيد الخوئي قدس سره من أدلة في كتابه القيم معجم رجال الحديث يجرح بها محمد بن جعفر الديباج لم تكن لدرجة ترقى لذمه فضلا عن رد وثاقته والطعن في إيمانه ولهذا فقد طوى الرجاليون متقدمهم ومتأخرهم عنها كشحا، ولم يبق من كلامهم سوى ما ذكروه في مدحه وعظم شأنه ومنه كلام سماحة السيد الخوئي قدس سره الشريف حيث قال في آخر بحثه: ويظهر مما رواه الشيخ بسند صحيح إلى علي بن جعفر، أن محمد بن جعفر كان رجلا يعتنى بشأنه، فإنه قال: رأيت إخوتي موسى، وإسحاق، ومحمدا، بني جعفر يسلمون في الصلاة عن اليمين والشمال، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.

ملاحظة لا بد منها في منشأ التجريح في محمد بن جعفر الديباج

وهنا يجب أن يعرف القارئ أن منشأ التجريح في محمد الديباج كان من جانب علماء الجمهور لإسقاط ما روي عنه في مصادرهم من أحاديث صحيحة ترفع من التشيع وتحط من مذاهبهم وأئمتهم. ونعم ما قال السيد حامد النقوي في سبب تجريحهم له ولغيره من أولاد الأئمة المعصومين. قال: طعنهم في أولاد الأئمة وهكذا شان أهل السنة مع أولاد الأئمة، فإنهم متى أرادوا التغلب على أهل الحق -بزعمهم- عن طريق التشبث بكلام لواحد من المنتمين إلى أهل البيت قد قاله أو وضع على لسانه، ذكروا ذلك الكلام مع مزيد التكريم والاحترام لقائله، ليتم لهم الالزام به كما يريدون. ولكنهم يطعنون في كثير من أولاد أئمة أهل البيت ويجرحونهم في الكتب الرجالية، ويسقطون أخبارهم عن درجة الاعتبار: فقال الذهبي في (محمد بن جعفر بن محمد بن علي): "تكلم فيه" وهذا نص كلامه: "محمد بن جعفر بن محمد بن علي الهاشمي الحسيني. عن أبيه. تكلم فيه... ذكره ابن عدي في الكامل، وقال البخاري: أخوه إسحاق أوثق منه...". وقال ابن حجر: "وقول المؤلف: إنه مات ببغداد غير مستقيم، فقد روى الخطيب في ترجمته: إنه لما ظفر به أصعد المنبر فقال: يا أيها الناس إني قد حدثتكم بأحاديث زورتها، فشق الناس الكتب والسماع الذي كانوا سمعوه منه ثم خرج إلى المأمون بخراسان فمات عنده، وتولى المأمون دفنه وهو أخو موسى كاظم بن جعفر الصادق". وقال في حديث وقع محمد بن جعفر في طريقه: "ومحمد بن جعفر هذا هو أخو موسى الكاظم، حدث عن أبيه وغيره، روى عنه إبراهيم بن المنذر وغيره وكان قد دعا لنفسه بالمدينة ومكة وحج بالناس سنة 200 وبايعوه بالخلافة فحج المعتصم فظفر به، فحمله إلى أخيه المأمون بخراسان فمات بجرجان سنة 203. وذكر الخطيب في ترجمته أنه لما ظفر به صعد المنبر فقال: أيها الناس إني قد كنت حدثتكم بأحاديث زورتها، فشق الناس الكتب التي سمعوها منه، وعاش سبعين سنة قال البخاري: أخوه إسحاق أوثق منه، وأخرج له الحاكم حديثا قال الذهبي إنه ظاهر النكارة في ذكر سليمان بن داود عليهما السلام. انتهى موضع الشاهد.

وفي هذا السياق فقد ذكر السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس سره محمد بن جعفر ضمن الأسماء التي لم يرو عنها البخاري إعراضا منه عن مذهب أهل البيت عليهم السلام فقال ما نصه: فقلنا أعرض إخواننا أهل السنة عن مذهب الأئمة من أهل البيت، فلم يعنوا بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة، ولم يرجعوا إليهم في تفسير القرآن العزيز وهو شقيقهم إلا دون ما يرجعون إلى مقاتل بن سليمان المجسم المرجئ الدجال، ولم يحتجوا بحديثهم إلا دون ما يحتجون بالخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية، ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفى صلى الله عليه وآله ما كان إلا دون ما أخرجه البخاري وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب، وأنكى من هذا كله عدم احتجاج البخاري في صحيحه بأئمة أهل البيت النبوي، إذ لم يرو شيئا عن الصادق والكاظم، والرضا والجواد، والزكي العسكري وكان معاصرا له، ولا روى عن الحسن بن الحسن ولا عن زيد بن علي بن الحسين ولا عن يحيى بن زيد ولا عن النفس الزكية محمد بن عبد الله الكامل بن الحسن الرضا بن الحسن السبط ولا عن أخيه إبراهيم بن عبد الله ولا عن الحسين الفخي بن علي بن الحسن بن الحسن ولا عن يحيى بن عبد الله بن الحسن ولا عن أخيه إدريس بن عبد الله ولا عن محمد بن جعفر الصادق ولا عن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل ابن إبراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا .