عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة العسكري

 

 

 

 

العقائد الإسلامية في القرآن الكريم

 

-3-

الجبر والتفويض والقضاء والقدر

 


 

1- الجبر والتفويض والاختيار:
ا  الجبر في اللغة:
جبره على الامر واجبره: قهره: عليه, واكرهه على الاتيان به.
ب  الجبر في مصطلح علماء العقائد الاسلامية:
الجبر: اجبار اللّه تعالى عباده على ما يفعلون, خيرا كان او شرا, حسنا كان او قبيحا, دون ان يكون للعبد ارادة واختيار الرفض والامتناع, ويرى الجبرية الجبر مذهبا يرى اصحابه ان كل ما يحدث للانسان قدر عليه ازلا, فهو مسير لا مخير وهو قول الاشاعرة.
ج  التفويض في اللغة:
فوض اليه الامر تفويضا: جعل له التصرف فيه.
د  التفويض في مصطلح علماء العقائد الاسلامية:
هو ان اللّه تعالى فوض افعال العباد اليهم, يفعلون ما يشاؤون, على وجه الاستقلال, دون ان يكون للّه سلطان على افعالهم, (هو قول المعتزلة).
ه  الاختيار في اللغة:
خيره: فوض اليه الاختيار بين امرين او شيئين او اكثر.
و  الاختيار في مصطلح علماء العقائد الاسلامية:
ان اللّه سبحانه كلف عباده بواسطة الانبياء والرسل ببعض الافعال ونهاهم عن بعض آخر, وامرهم بطاعته في ما امر به ونهى عنه بعد ان منحهم القوة والارادة على الفعل والترك وجعل لهم الاختيار في ما يفعلون دون ان يجبر احدا على الفعل, وسياتي الاستدلال عليه بحوله تعالى.
 

 

2- معاني القضاء والقدر

تستعمل مادتا القضاء والقدر لعدة معان منها: في ما يخص البحث من مادة القضاء.
ا  قضى او يقضي بين المتخاصمين كقوله تعالى:
(ان ربك يقضي بينهم يوم القيامة في ما كانوا فيه يختلفون) (يونس 93) و(الجاثية 17).
ب  قضى اللّه الامر: انباه به كقوله تعالى في ما اخبر به لوطا عن مصير قومه في سورة الحجر / 66: (وقضينا اليه ذلك الامر ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) اي انباناه.
ج  قضى اللّه الشي ء, وبه: اوجبه, امر به كقوله تعالى في سورة الاسراء / 23: (وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه).
اي امر ربك واوجب عليكم الا تعبدوا الا اياه.
د  قضى اللّه الامر او الشي ء: تعلقت ارادته به, قدره كقوله تعالى في سورة البقرة / 117: (واذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون).
اي اذا اراد امرا.
وقوله تعالى في سورة الانعام / 2: (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا).
اي قدر لكل انسان مدة يحيا فيها.
ومن مادة القدر:
ا  قدر على الشي ء او العمل: استطاع ان يفعله, يتغلب عليه فهو قادر, والقدير: ذو القوة كقوله تعالى:
1  في سورة يس:
(اوليس الذي خلق السموات والارض بقادر على ان يخلق مثلهم) (الاية 81).
2  في سورة البقرة:
(ولو شاء اللّه لذهب بسمعهم وابصارهم ان اللّه على كل شي ء قدير) (الاية 20).
اي ذو القدرة على فعل كل شي ء على قدر ما تقتضي الحكمة.
ب  قدر:
1  قدر الرزق عليه ويقدر: ضيقه كقوله تعالى في سورة سبا:
(قل ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) (الاية 36).
2  قدر اللّه الامر بقدره: دبره او اراد وقوعه, كقوله تعالى في سورة المرسلات:
(فقدرنا فنعم القادرون) (الاية 23).
ج  قدر:
1  قدر اللّه الامر: قضى به او حكم بان يكون, كقوله تعالى في شان زوجة لوط, في سورة النمل / 57: (فانجيناه واهله الا امراته قدرناها من الغابرين).
اي حكمنا, او قضينا عليها بان تكون من الهالكين.
2  قدر في الامر: تمهل وتروى في انجازه كقوله تعالى في سورة سبا / 11 مخاطبا داود (ع): (وقدر في السرد).
اي تمهل وترو في صنعه كي تحكم عمله.
د  القدر:
1  القدر: المقدار والكمية, كقوله تعالى في سورة الحجر / 21 (وان من شي ء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم).
اي الى زمان محدد معلوم.
اي بمقدار وكمية معلومة.
2  قددر الشي ء زمانه او مكانه, كقوله تعالى في سورة المرسلات / 20  22: (الم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين, الى قدر معلوم) (في الكتاب ص 454).
3  قدر اللّه: قضاؤه المحكم, او حكمه المبرم على خلقه, كقوله تعالى في سورة الاحزاب / 38: (سنة اللّه في الذين خلوا من قبل وكان امر اللّه قدرا مقدورا) اي قضاء محكما, وحكما مبرما.
لعل تعدد معاني ما ينسب الى اللّه من مادتي القضاء والقدر, قد ادى الى لبس معنى ما ورد منهما في القرآن والحديث واعتقاد بعض المسلمين بان الانسان يسير في حياته, في كل ما يعمل من خير او شر وفق ما قضى اللّه عليه وقدر قبل ان يخلق ويطلق في الاخبار لفظ القدري على الجبري والتفويضي كليهما وعليه فان القدر اسم للشي ء وضده كالقر, اسم للحيض والطهر معا ولا نطيل البحث بايراد اقوال المعتقدين بذلك, والاجابة عليها, وانما نكتفي بايراد الاحاديث التي نجد فيها جوابا لتلكم الاقوال توضيحا وبيانا للامر بحوله تعالى.

 

 

3- روايات من ائمة اهل البيت (ع) في القضاء والقدر

اولا: عن اول ائمة اهل البيت علي بن ابي طالب (ع) روي في توحيد الصدوق بسنده الى الامام الحسن (ع), وفي تاريخ ابن عساكر بسنده الى ابن عباس واللفظ للاول قال:
دخل رجل من اهل العراق على امير المؤمنين (ع), فقال: اخبرنا عن خروجنا الى اهل الشام ابقضاء من اللّه وقدر؟ فقال له امير المؤمنين (ع): اجل يا شيخ, فواللّه ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد الا بقضاء من اللّه وقدر فقال الشيخ: عند اللّه احتسب عنائي يا امير المؤمنين, فقال: مهلا يا شيخ, لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر, ولسقط معنى الوعيد والوعد, ولم يكن على مسي ء لائمة ولا لمحسن محمدة, ولكان المحسن اولى باللائمة من المذنب والمذنب اولى بالاحسان من المحسن تلك مقالة عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الامة ومجوسيها يا شيخ ان اللّه عز وجل كلف تخييرا, ونهى تحذيرا, واعطى على القليل كثيرا, ولم يعص مغلوبا, ولم يطع مكرها, ولم يخلق السموات والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.
قال: فنهض الشيخ وهو يقول:
(انت الامام الذي نرجوا بطاعته يوم النجاة من الرحمن غفرانا).
(اوضحت من ديننا ما كان ملتبساجزاك ربك عنا فيه احسانا).
(فليس معذرة في فعل فاحشة قد كنت راكبها فسقا وعصيانا).
ثانيا: عن السادس من ائمة اهل البيت (ع), الامام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (ع): ان الناس في القدر على ثلاثة اوجه: رجل يزعم ان اللّه عز وجل اجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم اللّه في حكمه فهو كافر.
ورجل يزعم ان الامر مفوض اليهم فهذا قد اوهن اللّه في سلطانه فهو كافر.
ورجل يزعم ان اللّه كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم مالا يطيقون واذا احسن حمد اللّه واذا اساء استغفر اللّه فهذا مسلم بالغ.
ثالثا: وعن الثامن من ائمة اهل البيت الامام ابي الحسن الرضا (ع) قال:
ا  ان اللّه عز وجل لم يطع باكراه, ولم يعص بغلبة, ولم يهمل العباد في ملكه, هو المالك لما ملكهم والقادر على مااقدرهم عليه فان ائتمر العباد بطاعته لم يكن اللّه منها صادا, ولا منها مانعا وان ائتمروا بمعصيته فشاء ان يحول بينهم وبين ذلك فعل وان لم يحل وفعلوه فليس هو الذي ادخلهم فيه.
يعني ان الانسان الذي اطاع اللّه لم يكن مجبرا على الطاعة, والانسان الذي عصاه لم يغلب مشيئة اللّه بل اللّه شاء ان يكون العبد مختارا في فعله.
ب  قال:
قال اللّه تبارك وتعالى:
يا ابن آدم بمشيئتي كنت انت الذي تشاء لنفسك ما تشاء, وبقوتي اديت الي فرائضي, وبنعمتي قويت على معصيتي, جعلتك سميعا بصيرا قويا, ما اصابك من حسنة فمن اللّه وما اصابك من سيئة فمن نفسك.
وفي رواية عملت بالمعاصي بقوتي التي جعلتها فيك.
وعن الامام ابي عبد اللّه الصادق (ع) قال:
ا  لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين قال: قلت: وما امر بين امرين ؟ قال: مثل ذلك رجل رايته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية, فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت انت الذي امرته بالمعصية.
ب  ما استطعت ان تلوم العبد عليه فهو منه ومالم تستطع ان تلوم العبد عليه فهو من فعل اللّه.
يقول اللّه للعبد لم عصيت ؟ لم فسقت ؟ لم شربت الخمر؟ لم زنيت ؟ فهذا فعل العبد, ولا يقول له لم مرضت ؟, لم قصرت ؟ لم ابيضضت ؟ لم اسوددت ؟ لانه من فعل اللّه تعالى.
شرح الروايات.
ان للجبر والتفويض جانبين:
ا  ما كان منهما من صفات اللّه.
ب  ما كان منهما من صفات الانسان.
فما كان منهما من صفات اللّه فينبغي اخذه منه بوساطة الانبياء, واوصياء الانبياء عن الانبياء, وما كان من صفات الانسان فان قولنا: افعل هذا اولا افعله دليل على انا نفعل ما نفعله باختيارنا, وقد عرفنا مما سبق ان سير الانسان في حياته لا يشابه سير الذرة.
والكواكب والمجرات المسخرات بامر اللّه في كل حركاتها وما يصدر منها من آثار.
ولم يفوض اللّه اليه امر نفسه وكل ما سخر له ليفعل ما يشاء كما يحب, وكما تهوى نفسه, بل ان اللّه ارشده بوساطة انبيائه كيف يؤمن بقلبه بالحق, وهداه الى الصالح النافع في ما يفعله بجوارحه, والضار منه, فاذا اتبع هدى اللّه, وسار على الطريق المستقيم خطوة اخذ اللّه بيده وسار به عشر خطوات ثم جزاه بثار عمله في الدنيا والاخرة سبعمائة مرة اضعاف عمله واللّه يضاعف لمن يشاء بحكمته ووفق سنته.
وقلنا في المثل الذي ضربناه في ما سبق, بان اللّه ادخل الانسان المؤمن والكافر في هذا العالم في مطعم له من نوع (سلف سرويس) كما قال سبحانه في سورة الاسراء / 20: (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا).
فلولا امداد اللّه عبيده بكل ما يملكون من طاقات فكرية وجسدية, وما سخر لهم في هذا العالم لما استطاع المؤمن ان يعمل عملا صالحا, ولا الضال الكافر ان يعمل عملا ضارا فاسدا, ولو سلبهم لحظة واحدة اي جزء مما منحهم من الرؤية والعقل والصحة و و لما استطاعوا ان يفعلوا شيئا, اذا فان الانسان يفعل ما يفعل بما منحه اللّه بمحض اختياره, وبناء على ما بيناه, ان الانسان لم يفوض اليه الامر في هذا العالم, ولم يجبر على فعل بل هو امر بين الامرين, وهذه هي مشيئة اللّه وسنته في امر افعال العباد, ولن تجد لسنة اللّه تبديلا.

 

 

4- أسئلة وأجوبة

وفي هذا المقام ترد الاسئلة الاربعة الاتية:
السؤال الاول والثاني: كيف يكون الانسان مختارا في ما يصدر منه من فعل, مع تسلط الشيطان عليه من حيث لا يراه, واغوائه بما يوسوس الى قلبه ويدعوه الى فعل الشر وكذلك شان الانسان الذي يعيش في المحيط الفاسد الذي لا يرى فيه غير الشر والفساد امرا.

السؤال الثالث: ماذا يستطيع ان يفعل الانسان الذي لم تبلغه دعوة الانبياء في بعض الغابات؟.
السؤال الرابع: ما ذنب ولد الزنا, وما جبل عليه من حب فعل الشر بسبب فعل والديه.

ونجد الجواب عن السؤالين الاول, والثاني في ما اوردناه في بحث الميثاق باول الكتاب, بان اللّه تبارك وتعالى اتم الحجة على الانسان بما اودع فيه من غريزة البحث عن سبب وجود كل ما رآه والتي توصله الى معرفة مسبب الاسباب, ولذلك قال سبحانه وتعالى في سورة الاعراف / 172: (ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين) فكما ان الانسان لن يغفل عن غريزة الجوع في حال من الاحوال حتى يملا جوفه بالطعام كذلك لن يغفل عن غريزة طلب المعرفة حتى يعرف مسبب الاسباب.

وفي الجواب عن السؤال الثالث نقول: قال اللّه سبحانه: (لا يكلف اللّه نفسا الا وسعها) (البقرة 286).
اما السؤال الرابع, فجوابه: ان ولد الزنا ايض ليس مجبورا على فعل الشر, وكل ما في الامر ان الحالة النفسية للوالدين في حال ارتكابها الزنا وما يريان من نفسهما بانهما باشرا بفعلهما خيانة المجتمع وان المجتمع يتقذر من فعلهما ويحتقرهما ويعاديهما لو اطلع على فعلهما وانهما عند ارتكابهما الرذيلة في حالة معاداة للنزيهين من تلك الفعلة في المجتمع والذين هم ابرار المجتمع واخياره والمتمسكون بفضائل الاخلاق والمعروفون بكل ذلك في المجتمع, وعليه فان تلك الحالة النفسية العدائية منهما للمجتمع وابراره تؤثر على النطفة حين انعقادها وتنتقل بالوراثة الى ما يتكون من تلك النطفة, فانه يجبل على حب الشر والعداء للخيرين والمعروفين بالفضيلة في المجتمع, ومن الامثلة على ذلك زياد بن ابيه وولده ابن زياد في ما ارتكباه زمان امارتهما في العراق, وخاصة ما فعله ابن زياد بعد استشهاد الامام الحسين (ع), مع جسده الشريف واجساد المستشهدين معه من آل الرسول (ص) وانصارهم من التمثيل بهم وحمله رؤوسهم من بلد الى بلد وسوقه بنات الرسول (ص) سبايا الى الكوفة وسائر ما عاملهم بها في حين انه لم يبق بعد استشهاد الامام الحسين (ع) اي مقاوم لحكمهم ولم يكن اي مبرر له عندئذ في كل ما فعل من ظلم واستهانة بمقامهم في المجتمع عدا حبه في كسر شوكة اشرف بيت في العرب وافضله وتوهينهم وحبه للشر وعدائه الجبلي الفطري للاكرمين في المجتمع.
وبناء على ذلك يكون حب الشر والرغبة في ايذا الخيرين والمعروفين بالفضيلة في المجتمع فطري في ولد الزنا على عكس ولد الزواج الحلال والذي ليس من فطرته حب الشر والرغبة في ايذاء الخيرين في المجتمع ولكنهما مع كل ذلك ليسا مجبورين على القيام بكل ما يفعلانه ويتركانه من خير وشر وانما مثلهما في ما جبلا عليه مثل شاب مكتمل الرجولة في الجسد وما يتمتع به من حيوية دافقة وشهوة عارمة للجنس مع شيخ هرم ناف على التسعين وتهدمت قواه, يعاني الفتور وفقدان القوى الجسدية, منصرف عن الشهوة الجنسية وفي عدم تمكن الاخير من ارتكاب الزنا وتوفر القوى الجنسية في الاول, فان الشاب القوي مكتمل الرجولة  ايضا  غير مجبور على ارتكاب الزنا في ما اذا ارتكب ذلك ليكون معذورا في ارتكابه الرذيلة, واما اذا تيسر له ارتكاب الزنا وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي الماوى على عكس الشيخ الهرم فانه لا يثاب على تركه الزنا لانه لم يترك الزنا مع قدرته عليه.
وهكذا كلما تعمقنا في دراسة اي جانب من جوانب حياة الانسان, وجدناه مختارا في ما يصدر منه من فعل, عدا ما يصدر منه عن غفلة وعدم تنبه الى هنا كان محور البحوث في بيان عقائد الاسلام من آيات القرآن الكريم, وفي ما ياتي ندرس باذنه تعالى سيرة المبلغين عن اللّه من القرآن الكريم اولا, ومما نجد فيه شرحا وبيانا للايات الكريمة في التوراة والانجيل وكتب السيرة.