عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة العسكري

 

 

 

 

العقائد الإسلامية في القرآن الكريم

 

-8-

معارك الرسل مع أممهم حول ربوبية رب العالمين وتشريعه الإسلام لهم

 

 

 

ان تاريخ الشرائع السماوية يدل على ان جل الجبابرة الذين وقفوا بوجه الانبياء كان محور صراعهم (الربوبية) لا (الخالقية), فقد كان.
اكثر اقوام الانبياء يقرون بان اللّه خالق جميع الموجودات وان كانوا قد يسمونه باسم آخر, مثل اليهود الذي يسمون اللّه (يهوه), كما اخبر اللّه عنهم وقال تعالى:
ا  (ولئن سالتهم من خلق السموات والارض ليقولن اللّه) (لقمان 25).
ب  (ولئن سالتهم من خلق السموات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم) (الزخرف 9).
ج  (ولئن سالتهم من خلقهم ليقولن اللّه فانى يؤفكون) (الزخرف 87).
ونبدا بذكر معركة كليم اللّه موسى (ع) مع فرعون لوضوح ابعاد المعركة فيها:

موسى الكليم (ع) وفرعون:

جاء في القرآن الكريم مرات كثيرة ذكر قصة موسى الكليم (ع) وطاغوت عصره فرعون, ومن جملتها ما جاء في سورة (النازعات):
ان فرعون بعد ان حاججه موسى (ع) وشاهد الايات الالهية التي كانت معه جمع جمعا عظيما من اهل مصر ونادى فيهم:
(انا ربكم الاعلى) (النازعات 24).
وهو يعني من قوله هذا انه اذا كان للدجاج  مثلا  رب يملكه ويطعمه ويربيه ويسن نظاما لحياته, فان فرعون  ايضا  يقول (اليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي) (الزخرف 51).
ان فرعون مصر في ذلك الزمان كان يملك كل ما في مصر, وعلى هذا فانه كان يرى انه هو الذي يطعم المصريين, ويمدهم بما يحتاجون اليه كافة, اذا فهو الذي يربيهم, وهو الذي ينبغي ان يشرع نظاما لحياتهم, فاذا ما شرع: ان الاسرائيلي يجب ان يخدم المصري يكون ذلك شرعا ودينا يجب العمل به, واذا سن نظاما بذبح ابناء الاسرائيلين واستحياء نسائهم, فذلك دين يجب العمل به كان هذا معنى قول فرعون (انا ربكم الاعلى) ولم يدع في قوله هذا انه خلق السموات والارض وما فيهما وما بينهما.
فماذا كان يقول له موسى الكليم (ع)؟ وما هي الرسالة التي امر هو واخوه هارون بتبليغها لفرعون؟ ان اللّه سبحانه وتعالى عينها في خطابه اياهما وقال لهما:
(اذهبا الى فرعون انه طغى فاتياه فقولا انا رسولا ربك فارسل معنا بني اسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بية من ربك) (طه 43  47).
يقول لهما في هذه الاية:
يا موسى ويا هارون اذهبا الى فرعون فقولا انا رسولا ربك الذي انشاك ورباك واكملك, قولا له انت مخطى ء يا فرعون في ادعائك الربوبية, وان معنا آية وشاهدا من ربك على صدقنا.
وبعد مشاهدة فرعون آيات اللّه مع موسى كابره وحاججه وقال: ان كنتما لا تقبلان ربوبيتي, وتقولان ان الربوبية لغيري وعلينا ان ناخذ نظام الحياة منه, فمن هو هذا الرب؟.
(فمن ربكما يا موسى) (طه / 49).
اورد القرآن هنا بايجاز جواب موسى (ع) لفرعون وقال:
(قال ربنا الذي اعطى كل شي ء خلقه ثم هدى) (طه / 50).
اي اتم خلق كل شيء وفصل تمام خلق الشي في سورة الاعلى حيث قال تعالى: (فسوى), اي هياه لقبول الهداية (ثم قدر) حياته (فهدى) كل صنف من الخلق بما يتناسب وفطرته, وهدى صنف الانسان من الخلق بواسطة الرسل.
واراد فرعون ان يلقي الشبهة في استدلال موسى (ع) هذا, وقال: (فما بال القرون الاولى) (طه 51), اي اذا كان الرب يهدي الناس الى النظام الذي شرع لهم بواسطة الرسل فكيف هدى الرب القرون الاولى؟ ومن هم الذين ارسلهم اليهم وكيف كانت شرائعهم؟.
قال موسى (ع):
(علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) (طه / 52).
ان علم اولئك القرون عند الرب مكتوب في كتاب لا يضل ولا ينسى, وفصل موسى (ع) شرح صفات الرب وقال:
(الذي جعل لكم الارض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وانزل من السماء ماء فاخرجنا به ازواجا من نبات شتى كلوا وارعوا انعامكم ان في ذلك لايات لاولي النهى) (طه / 53  54).
في هذا المقطع ذكر القرآن احتجاج موسى (ع) في مقابل قول فرعون (اليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي) (الزخرف 51), وانه قال له وللملا من حوله: ان ربكم هو الخالق الذي خلق الارض وجعلها بمقتضى ربوبيته مهدا للانسان وشق فيها طرقا للسير, ومنها ارض مصر, وانزل من السماء المطر الذي يتكون منه الانهار, ومنها نهر النيل, وانه اخرج من الارض بسبب الماء نبات الارض متاعا للانسان والحيوان.
وافحم فرعون بهذا المنطق وتبلد واراد ان يلقي شبهة في حجج موسى البينات كما اخبر اللّه سبحانه وتعالى عن موقفه وقال: (ولقد اريناه آياتنا كلها) (طه 56)  الكونية العامة وما جاء بها موسى (ع) من آيات خاصة  فكذب  فرعون  وابى وقال: (اجئتنا لتخرجنا من ارضنا بسحرك يا موسى فلناتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا انت مكانا سوى) (طه 57  58).
ان موسى كان من بني اسرائيل وهم غرباء في ارض مصر مستعبدون لاهلها, واراد فرعون بقوله (اجئتنا لتخرجنا من ارضنا) ان يهيج الملا من حوله على موسى الغريب, وايضا القى الشبهة في آيتي العصا واليد بقوله (بسحرك يا موسى) وقد كان السحر منتشرا في ارض مصر, وفيها العدد الكثير من اتباع فرعون, والسحر تخييل لا حقيقة له, وخداع للبصر والحواس, وقد يصل الى خداع الاحساس عندما يشاهد الانسان اشياء لا وجود لها, وكانت آية موسى من صنع قدرة اللّه سبحانه وتعالى التي جعلت النار بردا وسلاما على ابراهيم (ع), ولكن انى للعامة من الناس قوة تمييز الحق من الباطل والتخييل من الحقيقة, ثم ان الكثرة قد تغلب, ولهذا كله اقترح فرعون من موقع القوة على موسى (ع) وقال: (فلناتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا انت مكانا سوى) (طه 58).
ان فرعون تحدى موسى باستعلاء, وجعل لموسى (ع) تعيين الموعد, وقبل موسى (ع) التحدي واختار الموعد يوم عيد من الاعياد الجامعة حيث ياخذ الناس فيه زينتهم, ويتجمعون في الميادين المكشوفة وقال: (موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى) (طه 59). والضحى انسب الاوقات في النهار (فتولى فرعون فجمع كيده) (طه 60).
وجاء ذكر جانب آخر من مواجهة الكليم مع فرعون في سورة الشعراء, حيث اخبر اللّه سبحانه عن ارسال موسى وهارون عليهما السلام الى فرعون ونتيجة المواجهة وقال: (فاتيا فرعون فقولا انا رسولا رب العالمين قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين قال لمن حوله الا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الاولين قال ان رسولكم الذي ارسل اليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما ان كنتم تعقلون) (الشعراء 16  28).
وبعد طلب فرعون آية من موسى (ع) ورؤيته آيتي العصا واليد, (قال للملا حوله ان هذا لساحر عليم يريد ان يخرجكم من ارضكم.
بسحره فماذا تامرون قالوا ارجه واخاه وابعث في المدائن حاشرين ياتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل انتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة ان كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون ائن لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين قال نعم وانكم اذا لمن المقربين قال لهم موسى القوا ما انتم ملقون فالقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون انا لنحن الغالبون) (الشعراء 34  44).
وفي سورة الاعراف:
(فلما القوا سحرا اعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم واوحينا الى موسى ان الق عصاك فاذا هي تلقف ما يافكون والقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال فرعون آمنتم به قبل ان آذن لكم ان هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها اهلها فسوف تعلمون لاقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف ثم لاصلبنكم اجمعين قالوا انا الى ربنا منقلبون وما تنقم منا الا ان آمنا بيات ربنا لما جاءتنا ربنا افرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين) (الايات 116  126).
وفي سورة الشعراء:
(قال فرعون انه لكبيركم الذي علمكم السحر) (الاية 48).
في هذه الايات جاء عن لسان موسى انه قال لفرعون: انا رسولا ربك, جئناك بية من ربك.
وفي الايات الماضية حكى القرآن عن فرعون انه قال لاهل مصر: (انا ربكم الاعلى).
وان موسى (ع) اوحي اليه ان يقول لفرعون:
(انا رسولا ربك, جئناك بية من ربك).
وان فرعون قال:
(فمن ربكما يا موسى) وان موسى (ع) قال له:
(ربنا الذي اعطى كل شي ء خلقه ثم هدى).
وانه اجاب عن علم القرون الاولى انه:
(عند ربي الذي جعل لكم الارض مهدا).
وفي مورد آخر: فقولا له: (انا رسولا رب العالمين).
وان فرعون قال: (وما رب العالمين؟).
وان موسى (ع) قال: (رب السموات والارض وما بينهما).
(ربكم ورب آبائكم الاولين).
(رب المشرق والمغرب وما بينهما).
وان السحرة لما راوا آية العصا تلقف ما يافكون قالوا:
(آمنا برب العالمين رب موسى وهارون).
وانهم قالوا لفرعون لما قال لهم لاقطعن ايديكم وارجلكم:
(لاضير انا الى ربنا منقلبون وما تنقم منا الا ان آمنا بيات ربنا لما جاءتنا ربنا افرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين).
يتضح جليا مما جاء في القرآن الكريم: ان مواجهة الرسولين موسى وهارون عليهما السلام مع فرعون وملئه قد تعددت وتعددت المحاورات.
بين الرسولين وبينه, كما تعددت الايات: الطوفان, والجراد, والقمل, والضفادع, والدم, وان المحاورات كلها كانت تدور حول الربوبية, وان الرسولين كانا يقولان: ربنا وربكم هو رب العالمين رب السموات والارض وما بينهما ورب القرون الاولى, رب المشرق والمغرب وما بينهما ورب آبائكم الاولين, وان رب الجميع واحد, وهو الذي اعطى كل شي ء خلقه ثم هدى, وان السحرة ادركوا ان سحرهم كان تخييلا لا حقيقة فيه, وان اثر السحر ينتهي, وان العصي والحبال  مثلا  التي كانت تموج في الساحة كالحيات كانت تعود الى حالتها الاولى عصيا وحبالا, ولكن آية العصا ابتلعتها جميعا ولم يبق منها عين ولا اثر وهي خارجة عن قدرة غير خالقها رب العالمين فقالوا: آمنا برب العالمين, رب الرسولين موسى وهارون 8 الذي ارسلهما لهداية الناس.

معارك ابراهيم (ع) حول توحيد الالوهية والربوبية:

قبل عصر موسى الكليم (ع) بدهر, جاهد ابراهيم الخليل انواعا من الشرك في عصره منها:

ا  جهاده في توحيد الالوهية:

حكى اللّه خبر جهاد ابراهيم مع قومه في توحيد الالوهية في سورة الانبياء والشعراء والصافات, في كل منها حكى عن جانب من خبر جهاده وكيف حاججهم في ما يعتقدون, وانه انتهى الامر بكسره آلهتهم والقائهم اياه في النار, وكيف جعل اللّه النار عليه بردا وسلاما, ونترك الحديث حوله لندرس في ما ياتي ما فعله في شان توحيد الربوبية باذنه تعالى:
(قالوا ءانت فعلت هذا بلهتنا يا ابراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسالوهم ان كانوا ينطقون).
اي فعله كبيرهم فاسالوهم ان كانوا ينطقون ولما كانت الاصنام لا تنطق فان كبيرهم لم يكسرها هاهنا كلم الخليل قومه.
اخبر اللّه عن محاججة ابراهيم (ع) مع من اتخذوا الكواكب اربابا, ولم يخبرنا باي معنى اتخذوها اربابا, وقد وجدنا في اخبار المشركين ان منهم من كان لا يفرق بين الرب والاله, وان الانبياء والرسل (ص) كانوا يجاهدون مشركي اممهم في توحيد الربوبية كما بيناه سابقا.
وقد اخبر اللّه عما جرى لابراهيم (ع) مع عبدة الكواكب في سورة الانعام, وقال:
(وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل راى كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا احب الافلين فلما راى القمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين فلما راى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما افلت قال ياقوم اني بري ء مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين وحاجه قومه قال اتحاجوني في اللّه وقد هدان ولا اخاف ما تشركون به الا ان يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شي ء علما افلا تتذكرون) (الايات 75  80).
كلم الخليل هنا عباد الكواكب من قومه بلغتهم في معنى الرب, وكان قوله (هذا ربي) للكواكب والقمر والشمس على سبيل التورية.
والاستفهام, اي اهذا ربي؟ مثل قوله لعباد الاصنام عندما كسر اصنامهم وسالوه.

ب  جهاد ابراهيم (ع) في توحيد الربوبية بمعنى تربية الاجسام:

كان كثير من البشر في العصور القديمة يعتقدون بتاثير الكواكب على عالمنا هذا وما فيه من انسان وحيوان ونبات بانزال المطر وحبسه, ونشر السعادة والشقاء للانسان, والجدب والرخاء والصحة والمرض في مجتمعه, وكثرة الموت وقلته للانسان والحيوان والنبات, ونشر المحبة او النفور بين الاثنين, او القاء محبة انسان في نفوس الاخرين, وما شاكل كل هذه الامور, ومن ثم يجرون بعض الطقوس العبادية مع تبخير العود ذي الرائحة الطيبة وسائر الروائح العطرة, ويتلون اورادا وادعية ويطلبون منها الخير ودفع الشر, وقد قرات شيئا ذلك في مخطوط منسوب للسكاكي (ت 626 ه): فيه انواع من الطلاسم وادعية ومناجاة لبعض الكواكب مثل الزهرة والمريخ وغيرهما, واحيانا في الخطاب لبعضهم يخاطب باسم الرب, ولم يثبت عندي ان الكتاب من تاليف السكاكي وذكر ابن النديم  ايضا  في اخبار الصائبة من المقالة التاسعة من الفهرست عن بعض فرق الصابئة انهم يعبدون بعض الكواكب ولهم طقوس خاصة بهم ((120)).

ج  جهاد ابراهيم (ع)في امر توحيد الرب المشرع للنظام:

اخبر اللّه عن ذلك وقال في سورة البقرة:
(الم تر الى الذي حاج ابراهيم في ربه ان آتاه اللّه الملك اذ قال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال انا احيي واميت قال ابراهيم فان اللّه ياتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر) (الاية 258).
ان منطق الخليل في هذه الاية هو منطق القرآن في سورة الاعلى, وان الرب هو اللّه الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى, وان مثل جميع الخلق في ذلك مثل المرعى الذي اخرجه الرب ثم جعله يابسا احوى, اي انشا الحياة للموجودات ثم اماتها.
كان استدلال ابراهيم قويا وواضحا, واراد طاغوت عصره ان يغشي هذا الاستدلال بغطاء من التضليل, فقال:
ان كانت الربوبية لمن يحيي ويميت فاني احي واميت, وامر بسجين محكوم بالاعدام فاطلق سراحه, وبانسان بري ء عابر طريق.
فاعدم, وبذلك القى الشبهة في نفوس الملا حوله.
ولم يسترسل ابراهيم (ع) في الجدال معه في معنى الاحياء والاماتة بل احتج على الطاغوت بامر محسوس واضح الدلالة على زيف دعوى الطاغوت, وقال: فان ربي اللّه ياتي بالشمس من المشرق, فان كنت ربا فغير هذا النظام وات بالشمس من المغرب, فبهت الذي كفر.
كان شرك طاغوت عصر ابراهيم (ع) من نوع شرك طاغوت عصر موسى (ع), كلاهما ادعيا الربوبية بمعنى ان لهما حق تشريع نظام الحياة للانسان, تشابهت دعواهما وتشابه جواب الرسولين 8 لهما وقالا: ان رب الانسان الذي شرع له نظام الحياة هو رب جميع الموجودات والذي انشا حياة الموجودات وسن لها نظاما لادامة وجودها في الحياة, وهداها كيف تديم حياتها وفق ما سن لها من نظام, وهو الذي يميت كل الاحياء.
كان هذا منطق ابراهيم (ع) في دعوته للتوحيد مع المشركين كما اخبر اللّه عنه في سورة الشعراء, وقال:
(فانهم عدو لي الا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين) اذا قال موسى (ع) لفرعون: (ربنا الذي اعطى كل شي ء خلقه ثم هدى) (كما قال جده ابراهيم (ع) لقومه (رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين) (الايات 79  82).
ثم شرح ابراهيم ربوبية اللّه وقال:
(والذي هو يطعمني ويسقين واذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحييني والذي اطمع ان يغفر لي خطئتي يوم الدين) (الشعراء 79).
والقرآن حين يكرر اخبار محاججات الرسل مع اقوامهم الرسل مع اقوامهم يذكر في كل مرة جانبا من احتجاجهم وفق مناسبة ما جاء في السورة من توجيه فكري وارشاد لمن كان حول الرسول من مسلمين ومشركين ويهود ونصارى وليس القرآن كتاب تاريخ كي يورد الخبر مسلسلا كما وقع.
بعد دراستنا معارك الانبياء ومعرفتنا ان جل معاركهم كانت حول ربوبية رب العالمين, اي ان رب العالمين هو رب الانسان الذي يقدر حياته ويشرع له نظاما يتناسب وفطرته, وان اسمه دين الاسلام الذي اوحى به الى جميع رسله وقاموا بتبليغه الى الناس, يتجه الينا السؤال عن معنى نسخ شريعة بعض الرسل بشريعة رسول آخر, وهذا ما نحاول درسه في بحث النسخ في مسيرة الانبياء الاتي بحوله تعالى.