عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة العسكري

 

 

 بحث الإمامة والمهدوية

-3-

الروايات التي تثبت إمامة أئمة أهل البيت من ولد أمير المؤمنين

 

ذكرنا الروايات السابقة اللاّتي تثبت إمامة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في كتب مدرسة الخلفاء، وفي ما يأتي نذكر الروايات التي تثبت إمامة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من ولده والتي عيّن الله ورسوله فيها الأوصياء والأئمّة من بعد الرسول وعرّفهم للأمّة.
تنقسم أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) بمدرسة الخلفاء والتي نصّ فيها على انّ الأئمة من بعده من عترته إلى قسمين: 


القسم الأوّل

ما أبان فيها انّهم عدل القرآن دون أن يعيِّن عددهم كالآتي بيانه:


حديث الثقلين في حجّة الوداع:
روى الترمذي عن جابر، قال: رأيت رسول الله في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول:
«يا أ يُّها الناس! إنِّي قد تركت فيكم، ما إن أخذتم به لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي».
قال الترمذي: وفي الباب عن أبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن اُسيد(75).


 في غدير خمّ
في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن الدارميّ والبيهقيّ وغيرها واللفظ للأوّل، عن زيد بن أرقم، قال:
(إنّ رسول الله قام خطيباً بماء يدعى خُمّاً بين مكّة والمدينة... ثمّ قال:
«ألا يا أ يُّها الناس! فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربِّي فاُجيب، وإنِّي تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به... وأهل بيتي... » )(76).
وفي سنن الترمذيّ ومسند أحمد واللفظ للأوّل:
«إنِّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفونني فيهما»(77).
وفي مستدرك الصحيحين:
«كأنِّي قد دعيت فأجبت، إنِّي تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي ; فانظروا كيف تخلّفونني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض... »(78).
وفي رواية:
«أ يُّها الناس! إنِّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي... ».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين(79).
وقد جاء هذا الحديث بألفاظ اُخرى في مسند أحمد وحلية الأولياء وغيرهما(80) عن زيد بن ثابت.

* * *

في الحديث السابق أخبر الرسول في آخر سنة من حياته: أ نّه بشر، يُوشك أن يأتيه رسول ربّه، ويدعى فيجيب ويلتحق بربّه، وقال: «وإنِّي تارك فيكم، ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفونني فيهما».
قاله مرّة في عرفة، واُخرى في غدير خمّ، وهذا النصّ من رسول الله في تعيين مرجع الأمّة من بعده، عمّ فيه ذكر جميع الأئمة من عترته في الروايات التالية:


القسم الثاني
الروايات الصحيحة التي نصّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها على عدد الأئمّة

 

حديث عدد الأئمّة:
أخبر الرسول أنّ عدد الأئمّة الذين يلون من بعده إثنا عشر، كما روى عنه ذلك أصحاب الصحاح والمسانيد الآتية:
أ ـ  روى مسلم عن جابر بن سمرة أ نّه سمع النبيّ يقول:
«لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش».
وفي رواية: «لا يزال أمر الناس ماضياً... ».
وفي حديثين منهما: «إلى اثني عشر خليفة... ».
وفي سنن أبي داود: «حتّى يكون عليكم اثنا عشر خليفة».
وفي حديث: «إلى اثني عشر»(81).
وفي البخاري، قال: سمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «يكون اثنا عشر أميراً»، فقال كلمة لم أسمعها. فقال أبي: قال: «كلّهم من قريش».
وفي رواية: ثمّ تكلّم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلمة خفيت عليّ فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: «كلّهم من قريش»(82).
وفي رواية: «لا تضرّهم عداوة مَن عاداهم»(83).
ب ـ  وفي رواية:
«لا تزال هذه الاُمّة مستقيماً أمرها، ظاهرة على عدوّها، حتّى يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، ثمّ يكون المرج أو الهرج»(84).
ج ـ  وفي رواية:
«يكون لهذه الاُمّة اثنا عشر قيِّماً لا يضرّهم مَن خذلهم، كلّهم من قريش»(85).
د ـ  وفي رواية:
«لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا»(86).
هـ ـ  وعن أنس:
«لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها»(87).
و ـ  وفي رواية:
«لا يزال أمر هذه الاُمّة ظاهراً حتّى يقوم اثنا عشر كلّهم من قريش»(88).
ز ـ  وروى أحمد والحاكم وغيرهما واللفظ للأوّل عن مسروق قال:
«كنّا جلوساً عند عبدالله (ابن مسعود) يقرئنا القرآن، فسأله رجل فقال: يا أبا عبدالرّحمن! هل سألتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كم يملك هذه الاُمّة من خليفة؟ فقال عبدالله: ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك، قال: سألناه فقال: اثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل»(89).
ح ـ  وفي رواية:
قال ابن مسعود: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يكون بعدي من الخلفاء عدّة أصحاب موسى»(90).
قال ابن كثير: «وقد روي مثل هذا عن عبدالله بن عمرو وحذيفة وابن عباس»(91). ولست أدري هل قصد من رواية ابن عباس ما رواه الحاكم الحسكانيّ عن ابن عباس أو غيره.
نصّت الروايات الآنفة أنّ عدد الولاة اثنا عشر وأ نّهم من قريش، وقد بيّن الإمام عليّ في كلامه المقصود من قريش وقال: «إنّ الأئمّة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم»(92).
وقال: «اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلاّ تبطل حجج الله وبيِّناته... »(93).
كانت تلكم الروايات التي نصّت على عدد الأئمة في كتب الحديث بمدرسة الخلفاء، وقد جاء النص على عددهم في التوراة كالآتي بيانه:


الأئمّة الإثنا عشر في التوراة

قال ابن كثير: «وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: أنّ الله تعالى بشّر إبراهيم بإسماعيل وأ نّه ينمّيه ويكثّره ويجعل من ذرِّيّته اثني عشر عظيماً».
وقال: «قال ابن تيميّة: وهؤلاء المبشّر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرّر أ نّهم يكونون مفرّقين في الاُمّة ولا تقوم الساعة حتّى يوجدوا».
وغلط كثير ممّن تشرّف بالإسلام من اليهود فظنّوا أ نّهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتّبعوهم(94).
قال المؤلِّف: والبشارة المذكورة أعلاه في سفر التكوين، الإصحاح (17 / الرقم: 18 ـ 20) من التوراة المتداولة في عصرنا. وقد جاءت هذه البشارة في الأصل العبري كالآتي:
جاء في سفر التكوين قول (الربّ) لإبراهيم (عليه السلام) ما نصّه بالعبرية:
«في لِيشّماعيل بيَرخْتي أوتؤوْفي هِفْريتي أوتو في هِرْبيتي بِمِثوْد مِثوداو شنيم عَسار نِسيئيم يوليد في نِتتيف لِگوي گدول»(95).
وتعني حرفياً: «وإسماعيل اُباركه، واُثمِّره، واُكثِّره جدّاً جدّاً، اثني عشر إماماً يلد، وأجعله اُمّة كبيرة».
أشارت هذه الفقرة إلى أنّ المباركة والإثمار والتكثير إنّما تكون في صلب إسماعيل (عليه السلام) و «شنيم عسار» تعني «اثنا عشر»، ولفظة «عسار» تأتي في «العدد التركيبي إذا كان المعدود مذكّراً»(96)، والمعدود هنا «نسيئيم» وهو مذكّر وبصيغة الجمع لإضافة الـ (يم) في آخر الإسم، والمفرد «ناسي» وتعني: «إمام، زعيم، رئيس»(97).
وأمّا قول (الربّ) لإبراهيم (عليه السلام) في الفقرة نفسها أيضاً:
«في نِتتيف كوي كدول»، نلاحظ أنّ «في نِتتيف» مكوّنة من حرف العطف (في)، والفعل (ناتَن) بمعنى: (أجعل، أذهب)(98)، والضمير «يف» في آخر الفعل «نِتتيف» يرجع إلى إسماعيل (عليه السلام)، أي «وأجعله»، وأمّا كلمة (كوي) فتعني: «اُمّة، شعب»(99)، و «كدول» تعني: «كبير، عظيم»(100)، والمعنى (وأجعله اُمّة كبيرة).
ويتّضح من هذه الجملة أنّ التكثير والمباركة إنّما هما في صلب إسماعيل (عليه السلام)، ممّا يجعل القصد واضحاً في انّ المراد انّهم من نسل الرسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)باعتبارهم امتداداً لنسل إسماعيل (عليه السلام)، ذلك لأنّ الله تعالى أمر إبراهيم بالخروج من بلاد «نمرود» إلى الشام، فخرج ومعه امرأته «سارة» و «لوط»، مهاجرين إلى حيث أمرهم الله تعالى، فنزلوا أرض فلسطين. ووسّع الله تعالى على إبراهيم (عليه السلام) في كثرة المال، فقال: «ربّ ما أصنع بالمال ولا ولد لي»، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه «إنِّي مكثّر ولدك حتّى يكونوا عدد النجوم». وكانت «هاجر» جارية لسارة، فوهبتها لإبراهيم (عليه السلام)، فحملت منه، وولدت له إسماعيل (عليه السلام)، وإبراهيم يومئذ ابن «ستّ وثمانين سنة»(101).
والقرآن الكريم يشير إلى ذلك في ما أخبر عن إبراهيم (عليه السلام) انّه قال في مناجاته لله تعالى: (رَبَّنا إِنِّي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِواد غَيْرِ ذِي زَرْع عِنْدَ بَيْتِكَ الـمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الـثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون ) (إبراهيم / 37)، وتنصّ الآية الكريمة على أنّ إبراهيم (عليه السلام) قد أسكن بعضاً من ذرِّيّته وهو إسماعيل (عليه السلام)في مكّة ودعا الله تعالى أن يجعل في ذرِّيّته الرّحمة والهداية للبشرية ما بقي الدهر، فاستجاب الله لدعوته بأن جعل في ذرِّيّة إسماعيل محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)واثني عشر إماماً من بعده. وقد قال الإمام الباقر (عليه السلام): «نحن بقية تلك العترة وكانت دعوة إبراهيم لنا»(102).

 

خلاصة الأحاديث الآنفة

نستنتج ممّا سبق: أنّ عدد الأئمّة في هذه الاُمّة اثنا عشر على التوالي، وأنّ بعد الثاني عشر منهم ينتهي عمر هذه الدنيا.
فقد جاء في الحديث الأوّل: «لا يزال هذا الدِّين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة... ».
فإنّ هذا الحديث يعيِّن مدّة قيام الدين ويحدِّدها بقيام الساعة، ويعيِّن عدد الأئمّة في هذه الاُمّة باثني عشر شخصاً. وفي الحديث الخامس: «لن يزال هذا الدِّين قائماً إلى اثني عشر من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها».
ويدلّ هذا الحديث على تأييد وجود الدين بامتداد الاثني عشر وأنّ بعدهم تموج الأرض.
وفي الحديث الثامن: حصر عددهم بإثني عشر بقوله: «يكون بعدي من الخلفاء عدّة أصحاب موسى».
ويدلّ هذا الحديث على أ نّه لا خليفة بعد الرسول عدا الاثني عشر. وأنّ ألفاظ هذه الروايات المصرّحة بحصر عدد الخلفاء بالاثني عشر وأنّ بعدهم يكون الهرج وتموج الأرض وقيام الساعة تبيّن ألفاظ الأحاديث الاُخرى التي قد لا يفهم من ألفاظها هذا التصريح.
وبناءً على هذا لا بدّ أن يكون عمر أحدهم طويلا خارقاً للعادة في أعمار البشر كما وقع فعلا في مدّة عمر الثاني عشر(103) من الأئمّة أوصياء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) .


حيرتهم في تفسير الحديث

لقد حار علماء مدرسة الخلفاء في بيان المقصود من الاثني عشر في الروايات المذكورة وتضاربت أقوالهم كالآتي بيانه:
قال ابن العربي في شرح سنن الترمذي: «فعددنا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)اثني عشر أميراً فوجدنا أبا بكر، عمر، عثمان، عليّاً، الحسن، معاوية، يزيد، معاوية بن يزيد، مروان، عبدالملك بن مروان، الوليد، سليمان، عمر ابن عبدالعزيز، يزيد بن عبدالملك، مروان بن محمّد بن مروان، السفّاح... ».
ثمّ عدّ بعده سبعة وعشرين خليفة من العباسيين إلى عصره، ثمّ قال: «وإذا عددنا منهم اثني عشر، انتهى العدد بالصورة إلى سليمان وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة، الخلفاء الأربعة وعمر بن عبدالعزيز، ولم أعلم للحديث معنى»(104).
وقال القاضي عياض في جواب القول: أ نّه ولي أكثر من هذا العدد: «هذا اعتراض باطل، لأ نّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقل: لا يلي إلاّ اثنا عشر، وقد ولي هذا العدد، ولا يمنع ذلك من الزيادة عليهم»(105).
ونقل السيوطي في الجواب: «أنّ المراد: وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى القيامة يعملون بالحقّ وإن لم يتوالوا»(106).
وفي فتح الباري: «وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولا بدّ من تمام العدّة قبل قيام الساعة».
وقال ابن الجوزي: «وعلى هذا فالمراد من «ثمّ يكون الهرج»: الفتن المؤذنة بقيام الساعة من خروج الدجّال وما بعده»(107).
قال السيوطي: «وقد وجد من الاثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضمّ إليهم المهديّ العباسي لأ نّه في العبّاسيين كعمر بن عبدالعزيز في الاُمويّين، والطاهر العباسي أيضاً لما اُوتيه من العدل ويبقى الاثنان المنتظران أحدهما المهديّ لأ نّه من أهل البيت»(108).
وقيل: «المراد: أن يكون الاثنا عشر في مدّة عزّة الخلافة وقوّة الإسلام واستقامة اُموره، ممّن يعزّ الإسلام في زمنه، ويجتمع المسلمون عليه»(109).
وقال البيهقي: «وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبدالملك ثمّ وقع الهرج والفتنة العظيمة ثمّ ظهر ملك العباسيّة، وإنّما يزيدون على العدد المذكور في الخبر، إذا تركت الصفة المذكورة فيه، أو عدّ منهم من كان بعد الهرج المذكور»(110).
وقالوا: «والذين اجتمعوا عليه: الخلفاء الثلاثة ثمّ عليّ إلى أن وقع أمر الحكمين في صفّين فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة، ثمّ اجتمعوا على معاوية عند صلح الحسن، ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثمّ لمّا مات يزيد اختلفوا إلى أن اجتمعوا على عبدالملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد، ثمّ سليمان، ثمّ يزيد، ثمّ هشام، وتخلّل بين سليمان ويزيد عمر بن عبدالعزيز، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبدالملك اجتمع الناس عليه بعد هشام تولّى أربع سنين»(111).
بناءً على هذا فإنّ خلافة هؤلاء الاثني عشر كانت لإجماع المسلمين عليهم وكان الرسول قد بشّر المسلمين بخلافتهم له في حمل الإسلام إلى الناس.
قال ابن حجر عن هذا الوجه: «إنّه أرجح الوجوه».
وقال ابن كثير: «إنّ الذي سلكه البيهقيّ ووافقه عليه جماعة من أنّ المراد هم الخلفاء المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبدالملك الفاسق الذي قدمنا الحديث فيه بالذمّ والوعيد فإنّه مسلك فيه نظر، وبيان ذلك أنّ الخلفاء إلى زمن الوليد بن يزيد هذا أكثر من اثني عشر على كلّ تقدير، وبرهانه أنّ الخلفاء الأربعة، أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً خلافتهم محقّقة... ثمّ بعدهم الحسن بن علي كما وقع لأنّ عليّاً أوصى إليه، وبايعه أهل العراق... حتّى اصطلح هو ومعاوية... ثمّ ابنه يزيد بن معاوية، ثمّ ابنه معاوية بن يزيد، ثمّ مروان بن الحكم، ثمّ ابنه عبدالملك بن مروان، ثمّ ابنه الوليد بن عبدالملك، ثمّ سليمان بن عبدالملك، ثمّ عمر بن عبدالعزيز، ثمّ يزيد بن عبدالملك، ثمّ هشام بن عبدالملك، فهؤلاء خمسة عشر، ثمّ الوليد بن يزيد ابن عبدالملك، فإن اعتبرنا ولاية ابن الزبير قبل عبدالملك صاروا ستّة عشر، وعلى كلّ تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبدالعزيز، وعلى هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية ويخرج عمر بن عبدالعزيز، الذي أطبق الأئمّة على شكره وعلى مدحه وعدّوه من الخلفاء الراشدين، وأجمع الناس قاطبة على عدله، وأنّ أيّامه كانت من أعدل الأيام حتّى الرافضة يعترفون بذلك، فإن قال: أنا لا أعتبر إلاّ من اجتمعت الاُمّة عليه لزمه على هذا القول أن لا يعدّ عليّ بن أبي طالب ولا ابنه، لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما.
وذكر: أنّ بعضهم عدّ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد، ولم يقيّد بأيّام مروان ولا ابن الزبير، لأنّ الاُمّة لم تجتمع على واحد منهما، فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عادّاً للخلفاء الثلاثة، ثمّ معاوية، ثمّ يزيد، ثمّ عبدالملك، ثمّ الوليد بن سليمان، ثمّ عمر بن عبدالعزيز، ثمّ يزيد، ثمّ هشام، فهؤلاء عشرة، ثمّ من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبدالملك الفاسق، ويلزمه منه إخراج عليّ وابنه الحسن، وهو خلاف ما نصّ عليه أئمّة السنّة بل الشيعة»(112).
ونقل ابن الجوزي في كشف المشكل وجهين في الجواب:
أوّلا:  «أ نّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أشار في حديثه إلى ما يكون بعده وبعد أصحابه، وإنّ حكم أصحابه مرتبط بحكمه، فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم، فكأ نّه أشار بذلك إلى عدد الخلفاء من بني اُميّة، وكأنّ قوله: «لا يزال الدين» أي الولاية إلى أن يلي اثنا عشر خليفة، ثمّ ينتقل إلى صفة اُخرى أشدّ من الاُولى، وأوّل بني اُميّة يزيد بن معاوية وآخرهم مروان الحمار، وعدّتهم ثلاثة عشر، ولا يعدّ عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير لكونهم صحابة، فإذا أسقطنا منهم مروان بن الحكم للاختلاف في صحبته، أو لأ نّه كان متغلّباً بعد أن اجتمع الناس على عبدالله بن الزبير، صحّت العدّة، وعند خروج الخلافة من بني اُميّة وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة حتّى استقرّت دوله بني العباس فتغيّرت الأحوال عمّا كانت عليه تغييراً بيِّناً»(113).
وقد ردّ ابن حجر في فتح الباري على هذا الاستدلال.
ونقل ابن الجوزي الوجه الثاني عن الجزء الذي جمعه أبو الحسين بن المنادي في المهدي، وأ نّه قال: «يحتمل أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في كتاب دانيال: إذا مات المهدي، ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثمّ خمسة من ولد السبط الأصغر، ثمّ يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثمّ يملك بعده ولده فيتمّ بذلك اثنا عشر ملكاً كلّ واحد منهم إمام مهديّ، قال: وفي رواية... ثمّ يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلا: ستّة من ولد الحسن، وخمسة من ولد الحسين، وآخر من غيرهم، ثمّ يموت فيفسد الزمان».
علّق ابن حجر على الحديث الأخير في صواعقه وقال: «إنّ هذه الرواية واهية جدّاً فلا يعوّل عليها»(114).
وقال قوم: «يغلب على الظنّ أ نّه عليه الصلاة والسلام أخبر ـ  في هذا الحديث ـ بأعاجيب تكون بعده من الفتن حتّى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميراً، ولو أراد غير هذا لقال: يكون اثنا عشر أميراً يفعلون كذا، فلمّا أعراهم عن الخبر عرفنا أ نّه أراد أ نّهم يكونون في زمن واحد... »(115).
قالوا: «وقد وقع في المائة الخامسة، فإنّه كان في الأندلس وحدها ستّة أنفس كلّهم يتسمّى بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسية ببغداد إلى من كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج»(116).
قال ابن حجر: «وهو كلام من لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة... »(117).
وقال: «إنّ وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق فلا يصحّ أن يكون المراد»(118).
قال المؤلِّف: هكذا لم يتّفقوا على رأي في تفسير الروايات السابقة، ثمّ إنّهم أهملوا إيراد الروايات التي ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها أسماء الاثني عشر لأ نّها كانت تخالف سياسة الحكم بمدرسة الخلفاء مدى القرون. وخرّجها المحدِّثون بمدرسة أهل البيت في تآليفهم بسندهم إلى أبرار الصحابة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونقتصر هنا على إيراد نزر يسير منها في ما يأتي ممّا رواه الفريقان:


أسماء الأئمّة الاثني عشر لدى مدرسة الخلفاء
أ ـ الجويني(119) عن عبدالله بن عباس، قال: قال رسول الله: «أنا سيِّد النبيِّين وعليّ بن أبي طالب سيِّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم المهدي».
ب ـ الجويني ـ أيضاً ـ بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله: «إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثني عشر أوّلهم أخي وآخرهم ولدي».
قيل: يا رسول الله! ومَن أخوك؟ قال: «علي بن أبي طالب».
قيل: فمن ولدك؟ قال: «المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلا كما مُلئت جوراً وظلماً. والذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلِّي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربّها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب».
ج ـ الجويني ـ أيضاً ـ بسنده عمّن قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: «أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون»(120).

* * *

اقتضت سياسة الحكم لدى مدرسة الخلفاء مدى القرون إخفاء أمثال الأحاديث الآنفة عن أبناء الأمّة الإسلاميّة وإسدال الستار عليها. وجاهد القسم الأكبر من أتباع مدرستهم في هذا السبيل كما مرّ بنا فعلهم بأمثالها في بحث دراسة عمل مدرسة الخلفاء بنصوص سنّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تخالف اتِّجاهها، باب عشرة أنواع من الكتمان والتحريف لسنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)وأصحابه في كتابنا معالم المدرستين(121).
وليس هذا مجال إيراد تلكم الأحاديث، وإنّما نذكر في ما يأتي تراجم الاثني عشر الذين تواترت الإشارة إليهم والتنصيص على أسمائهم في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

الهامش:

(25) تأريخ الطبري، ط. أوربا 3 / 1171 ـ 1172. وابن عساكر، تحق(75) الترمذي 13 / 199، باب مناقب أهل بيت النبيّ. وراجع كنز العمال 1 / 48.
(76) صحيح مسلم، باب فضائل عليّ بن أبي طالب. ومسند أحمد 4 / 366. وسنن الدارمي 2 / 431 باختصار. وسنن البيهقي 2 / 148 و 7 / 30 منه باختلاف يسير في اللفظ. وراجع الطحّاوي في مشكل الآثار 4 / 368.
(77) طبقات ابن سعد 2 / ق 2 / 2، وط. بيروت 2 / 194، وفي مسند أحمد 2 / 17، وفي ص 14، 26، 59 منه أكثر تفصيلاً، وسنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأسد الغابة، ترجمة الإمام الحسن 2 / 12، وط. القاهرة، مطابع الشعب 2 / 13، والدر المنثور، آية المودة من سورة الشورى 6 / 7، وكنز العمال 1 / 168 - 169، ح 959، و 1 / 165 ـ 166، و ص 167، ح 953.
(78) مسند أحمد 3 / 14، 26، 59، والمستدرك وتلخيصه 3 / 109، وخصائص النسائي، ص 30، وكنز العمال، ط 1، 1 / 47، 48، 97 موجزاً، وط 2، 1 / 165 ـ 169.
(79) مستدرك الصحيحين 3 / 109 بطريقين، وقريب منه ما في 3 / 148.
(80) مسند أحمد 4 / 367 و 371 و 5 / 181. وتأريخ بغداد للخطيب 8 / 442. وحلية الأولياء 1 / 355 و 9 / 64. وأسد الغابة 3 / 147. ومجمع الزوائد للهيثمي 9 / 163 و 164.
81 ـ صحيح مسلم 6 / 3 ـ 4، باب الناس تبع لقريش من كتاب الإمارة، و ط. تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي، ح 1821، ص 1453، واخترنا هذا اللفظ من الرواية لأنّ جابراً كان قد كتبها. وفي صحيح البخاري 4 / 165، كتاب الأحكام. وسنن الترمذي، باب ما جاء في الخلفاء من أبواب الفتن 6 / 66 ـ 67. وسنن أبي داود 4 / 106، كتاب المهدي، ح 4279 و 4280. ومسند الطيالسي، ح 767 و 1278. ومسند أحمد 5 / 86 ـ 90 و 92 ـ 101 و 106 ـ 108. وكنز العمال 13 / 26 ـ 27. وحلية أبي نعيم 4 / 333.
وجابر بن سمرة بن جنادة العامريّ ثمّ السوائيّ، ابن اُخت سعد بن أبي وقّاص، وحليفهم، مات في الكوفة بعد السبعين، وروى عنه أصحاب الصحاح 146 حديثاً، ترجمته بأسد الغابة. وتقريب التهذيب. وجوامع السيرة / 277.
(82) فتح الباري 16 / 338. ومستدرك الصحيحين 3 / 617.
(83) فتح الباري 16 / 338.
(84) منتخب الكنز 5 / 321. وتاريخ ابن كثير 6 / 249. وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 10. وكنز العمال 13 / 26. والصواعق المحرقة، ص 28.
(85) كنز العمال 13 / 27. ومنتخبه 5 / 312.
(86) صحيح مسلم بشرح النووي 12 / 202. والصواعق المحرقة، ص 18. وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 10.
(87) كنز العمال 13 / 27.
(88) كنز العمال 13 / 27 عن ابن النجار.
(89) مسند أحمد 1 / 398 و 406.
قال أحمد شاكر في الهامش الأوّل: إسناده صحيح. ومستدرك الحاكم وتلخيصه للذهبي 4 / 501. وفتح الباري 16 / 339 مختصراً. ومجمع الزوائد 5 / 190. والصواعق المحرقة لابن حجر، ص 12. وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 10. والجامع الصغير له 1 / 75. وكنز العمال للمتقي 13 / 27.
وقال: أخرجه الطبرانيّ ونعيم بن حمّاد في الفتن.
وفيض القدير في شرح الجامع الصغير للمناوي 2 / 458.
وذكر الخبرين ابن كثير في تاريخه عن ابن مسعود، باب ذكر الأئمّة الاثني عشر الذين كلّهم من قريش 6 / 248 ـ 250.
(90) ابن كثير 6 / 248. وكنز العمال 13 / 27. وراجع شواهد التنزيل للحسكاني 1 / 455، ح 626.
(91) ابن كثير 6 / 248.
(92) نهج البلاغة، الخطبة 142.
(93) ينابيع المودّة للشيخ سليمان الحنفي في الباب المائة، ص 523. وراجع إحياء علوم الدين للغزالي 1 / 54. وفي حلية الأولياء 1 / 80 بإيجاز.
(94) تاريخ ابن كثير 6 / 249 ـ 250.
(95) «العهد القديم» سِفر التكوين 17: 20، ص 22 ـ 23.
(96) «المعجم الحديث» عبري ـ عربي / 316، وطبعة دار العلم للملايين، بيروت، سنة 1395 هـ ـ 1975م، ص 487، العمود الأوّل.
(97) المصدر السابق / 360.
(98) المصدر السابق / 317.
(99) المصدر السابق / 84.
(100) المصدر السابق / 82.
(101) تاريخ اليعقوبي 1 / 25، بيروت، دار صادر، سنة 1379 هـ .
(102) نقلنا ما جاء في الأصل العبري من التوراة والتعليق عليها من مقال للاُستاذ أحمد الواسطي في مجلّة التوحيد، إصدار منظّمة الإعلام الإسلامي في طهران، العدد 54، ص 127 ـ 128.
(103) كما سيأتي إثباته بعد الأبواب التالية.
(104) شرح ابن العربي على سنن الترمذي 9 / 68 ـ 69.
(105) شرح النووي على مسلم 12/ 201 ـ 202. وفتح الباري 16 / 339، واللفظ منه، وكرّره في ص 341.
(106) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 12.
(107) فتح الباري 16 / 341. وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 12.
(108) الصواعق المحرقة، ص 19. وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 12. وعلى هذا يكون لأتباع مدرسة الخلفاء إمامان منتظران أحدهما المهدي، في مقابل منتظر واحد لأتباع مدرسة أهل البيت.
(109) أشار إليه النووي في شرح مسلم 12 / 202 ـ 203. وذكره ابن حجر في فتح الباري 16 / 338 ـ 341. والسيوطي في تاريخ الخلفاء، ص 10.
(110) نقله ابن كثير في تاريخه 6 / 249 عن البيهقي.
(111) تاريخ الخلفاء، ص 11. والصواعق، ص 19. وفتح الباري 16 / 341.
(112) تاريخ ابن كثير 6 / 249 ـ 250.
(113) فتح الباري 16 / 340، عن ابن الجوزي في كتابه (كشف المشكل).
(114) فتح الباري 16 / 341. والصواعق المحرقة لابن حجر، ص 19.
(115) فتح الباري 16 / 338.
(116) شرح النووي 12 / 202، وفتح الباري 16 / 339، واللفظ للأخير.
(117) نفس المصدر السابق / 338.
(118) نفس المصدر السابق / 339.
(119) قال الذهبي في ترجمة شيوخه بتذكرة الحفاظ، ص 1505: الإمام المحدِّث الأوحد، الأكمل، فخر الإسلام، صدر الدين إبراهيم بن محمّد بن حمويه الجويني الشافعي، شيخ الصوفية. وكان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الأجزاء. أسلم على يده غازان الملك.
(120) الأحاديث أ، ب، ج جاءت في فرائد السمطين نسخة مصورة مخطوطة في المكتبة المركزية بجامعة طهران برقم 1164 / 1690 ـ 1691، الورقة 160.
(121) 1 / 393.