عقائد الشيعة الإمامية / الرد على الشبهات

 

مع الدكتور السالوس

في
فقه حديث الثقلين



( 150 )


( 151 )

كلامه في «الفصل الثاني: فقه الحديث»

و «الدكتور» لم يذكر في ( فقه الحديث ) إلاّ أنّ ما صحّ عن زيد بن أرقم يدلّ على وجوب رعاية حقوق أهل البيت الرسول صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم. ( قال ): وتعرّضت للحديث عن المراد بأهل البيت.

أقول:

ليس الصحيح بمنحصرٍ فيما روي عن زيد بن أرقم... وليس ما صحّ عن زيد بن أرقم بمنحصر بما جاء في «صحيح مسلم»، فقد صحّ عنه هذا الحديث بألفاظٍ أخرى، وهي ـ مضافاً الى صحتها ـ موضّحة للمراد من اللفظ المخرج في صحيح مسلم، على أنّ الذي في صحيح مسلم بوحده كاف في الدلالة على المقصود.
وقد بيّنا كلّ ذلك...

قال:

«ويبقى هنا فقه الحديث الذي بيّنت ضعف طرقه، والضعيف ليس بحجّة، ولكن ما دمنا وجدنا من صحّحه فلنبحث في فقهه لو فرضنا صحته».

أقول:

قد بيّنا صحّة ما ادّعى ضعفه، على أن ثمة طرقاً صحيحة لم يتعرض لها عمداً أو جهلاً... وليس الأمر كما ذكر من «وجدنا من صحّحه» بل الواقع: لم نجد ولا يوجد من ضعّفه إلاّ ابن الجوزي الذي ردّ عليه الكلّ... على أنّ في اعترافه بإنه «وجدنا من صحّحه» كفاية.


( 152 )

قال:

«قال العلاّمة المنّاوي في فيض القدير 3|14: إنْ ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه...
ثم قال 3|15: لن يفترقا، أي الكتاب والعترة، أي يستمران متلازمين حتى يردا على الحوض...»

أقول:

فأورد عبارات عن العلاّمة المناوي في كتابه المذكور وفيها بعض كلمات الشريف السمهودي... ومنه يعلم قبوله لما يقول... وقد أوردنا نحن عنه وعن غيره العبارات الوافية الشافية في فقه حديث الثقلين ومدلوله ومفاده...
وهو ـ وانْ اقتصر على هذا الكلام من المنّاوي فلم ينقل عنه الكلمات الأخرى، كما لم ينقل كلمات الشرّاح غيره ـ قد عجز عن الجواب عمّا ذكر، فالتجأ الى كلامٍ لابن تيميّة، فذكر بعده بلا فاصل:
«وقال ابن تيمية بعد أنْ بيّن أنّ الحديث ضعيف لا يصح: وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلّهم لا يجتمعون على ضلالةٍ. قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره».
وقال أيضاً: «إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والاجماع، والعترة بعض الأمة، فيلزم من ثبوت إجماع الأمة اجماع العترة».

أقول:

هذا كلام «الدكتور» وهذا «فقهه»! وأي ّ علاقةٍ لهذا بفقه حديث الثقلين؟


( 153 )

ثم ذكر «الدكتور» أموراً هي في الحقيقة اعتراف بالحق!

قال:

«1ـ يجب ألاّ يغيب عن الذهن المراد بأهل البيت، فكثير من الفرق التي رزئ بها الاسلام والمسلمون ادّعت أنها هي التابعة لأهل البيت.
2 ـ أهل البيت الأطهار لايجتمعون على ظلالة، تلك حقيقة واقعة، ونلحظ هنا أنهم في تاريخ الاسلام لم يجتمعوا على شيء يخالف اجماع باقي الأمة، فالأخذ بإجماعهم أخذ بإجماع الأمة كما أشار ابن تيمية.
3 ـ إذا نظرنا الى أهل البيت كأفرادٍ يتأسى بهم، فمن يتأسى به منهم ونتمسّك بسيرته، لابدّ أن يكون متمسّكاً بالكتاب والسنة، فإنْ خالفهما فليس بمستحق أن يكون من أهل البيت. وكلّ إنسان يؤخذ بقوله ويرد الاّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم. ولذلك فعند الخلاف نطبّق قول الله تعالى: ( فإنْ تنازعتم في شيء فردّوه الى الله والرّسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) (1).
4 ـ لو كان ما ذكره الشريف من الفقه بلازم للحديث لكان في هذا ما يكفى لرفض المتن، فالأيام أثبتت بطلانه، وإلاّ فمن الذي نؤمر باتباعه في عصرنا هذا على سبيل المثال؟
أيإحدى الفرق التي تنتسب لآل البيت؟ أم بجميع الفرق، وكل فرقة ترى ضلال غيرها أو كفره؟ أم بنسل آل البيت من غير الفرق؟
فكيف اذن نؤمر بالتمسّك بمن لا نعرف؟
5 ـ فرق كبير بين التذكير بأهل البيت والتمسّك بهم، فالعطف على الصغير
____________
(1) سورة النساء | الآية 59.

( 154 )

ورعاية اليتيم والآخذ بيد الجاهل، غير الأخذ من العالم العابد العامل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم».

أقول:

هذا غاية «فقه» الدكتور...

ونحن نقول:

1 ـ هذا الحديث أحد الأدلّة على «المراد بأهل البيت» وقد ذكرنا كيفية دلالته على ضوء كلمات شرّاحه من العلماء والحفّاظ الاعلام: كالمنّاوي، والقاري، والخفاجي، والسمهودي، والسخاوي، والمحدّث الدّهلوي، والزّرقاني المالكي... وغيرهم.
2 ـ وأهل البيت لا يجتمعون على ضلالة، وحتى الواحد منهم ـ الذين قرنهم بالكتاب ـ لا يخالف الكتاب فضلاً عن أن يجتمعوا على مخالفته، فهم أقران الكتاب، ومن خالفهم كان على ضلالة، وكلّ إجماع لم يدخلوا فيه فهو ضلالة...
أمّا إجماعهم فحجّة، وهم لا يجتمعون على ضلالة كما اعترف «الدكتور» ولا شك في أنّهم أجمعوا على ما أفاده حديث الثقلين من أنَّ علياً هو خليفة الرّسول والإمام من بعده بلا فصل...
3 ـ وهم كما أفاد حديث الثقلين ـ وغيره من الاحاديث الصحيحة ـ افراد يتأسّى بهم ويتمسّك، والرّسول لا يأمر بالتمسّك بمن خالف الكتاب والسنة ولو مرّةً واحدة...
4 ـ وهم كما أفاد الحديث لا يفارقون الكتاب في زمنٍ من الأزمنة، ففي كلّ عصرٍ يوجد الكتاب ويوجد من يكون أهلاً للتمسّك به منهم... وهذا العصر أيضاً


( 155 )

كسائر العصور، وعلى كلّ مسلمٍ يريد العمل بما قاله الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يعرف من يريد التمسّك به، وقد قال رسول الله ـ في الحديث المتفق عليه بين المسلمين ـ: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية» (1).
5 ـ وقد دلّ هذا الحديث على التمسّك بالعترة كوجوب التمسّك بالكتاب بلا فرق...
ومن المناسب أن نورد هنا كلام العلاّمة الاستاذ توفيق أبي علم في ( فقه الحديث ) فإنّه قال بعد الحديث:
«وقد يكون هذا صريحاً في خروج النساء من أهل البيت، واختصاصه بعشيرته وعصبته، وهو رأينا الذي انتهينا إليه في ختام هذا البحث. والله أعلم.
وحديث الثقلين من أوثق الأحاديث النبوية وأكثرها ذيوعاً، وقد اهتم العلماء به اهتماماً بالغاً، لأنه يحمل جانباً مهمّاً من جوانب العقيدة الإسلامية، كما أنه من أظهر الأدلة التي تستند إليها الشيعة في حصر الإمامة في أهل البيت، وفي عصمتهم من الأخطاء والأهواء. لأنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قرنهم بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. فلا يفترق أحدهما عن الآخر، ومن الطبيعي أن صدور أيّة مخالفة لأحكام الدين تعتبر افتراقاً عن الكتاب العزيز، وقد صرّح النبي بعدم افتراقهما حتى يردا على الحوض، فدلالته على العصمة ظاهرة جليّة.
وقد كرّر النبي هذا الحديث في مواقف كثيرة، لأنه يهدف إلى صيانة الأمة، والمحافظة على استفامتها وعدم انحرافها في المجالات العقائدية وغيرها، إنْ تمسّكت بأهل البيت ولم تتقدم عليهم ولم تتأخّر عنهم. ولو كان الخطأ يقع منهم
____________
(1) هو بهذا اللفظ في عدّةٍ من المصادر، منها: شرح المقاصد 5|239 وله ألفاظ أخرى في المسند 4|96، سنن البيهقي 8|156 وغيرهما.

( 156 )

لما صحّ الأمر بالتمسّك بهم، الذي هو عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجة. وفي أن المتمسّك بهم، الذي هو عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجة. وفي أن المتمسّك بهم لا يضل كما لا يضل المتمسّك بالقرآن. ولو وقع منهم الذنب أو الخطأ لكان المتمسّك بهم يضل، وان في اتباعهم الهدى والنور كما في القرآن، ولو لم يكونوا معصومين لكان في اتباعهم الضلال، وفي أنهم حبل ممدود من السماء إلى الأرض كالقرآن، وهو كناية عن أنهم واسطة بين الله تعالى وبين خلقه، وأن أقوالهم عن الله تعالى، ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك وفي أنّهم لن يفارقوا القرآن ولن يفارقهم مدّة عمر الدنيا، ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم، وفي عدم جواز مفارقتهم بتقدم عليهم بجعل نفسه إماماً لهم أو تقصيراً عنهم وائتمام بغيرهم، كما لايجوز التقدم على القرآن بالافتاء بغير ما فيه، أو التقصير عنه باتّباع أقوال مخالفيه، وفي عدم جواز تعليمهم وردّ أقوالهم، ولو كانوا يجهلون شيئاً لوجب تعليمهم ولم ينه عن ردّ قولهم.
وقد دلّت هذه الأحاديث أيضاً على أنّ منهم من هذه صفته في كلّ عصر وزمان، بدليل قوله صلّى الله عليه [ آله ] وسلّم: وانّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، وإنّ اللطيف الخبير أخبره بذلك. وورود الحوض كناية عن انقضاء عمى الدنيا، فلو خلا زمان من أحدهما لم يصدق أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.
ويتخذ أنصار أن أهل البيت هم الائمة الاثنا عشر وأمّهم الزهراء هذا الحديث، ليرجحوا رأيهم قائلين إنه لا يمكن أنْ يراد بأهل البيت جميع بني هاشم، بل هو عن العام المخصوص بمن ثبت اختصاصهم بالفضل والعلم والزهد والعفة والنزاهة من أئمة أهل البيت الطاهرين، وهم الأئمة الاثنا عشر، وأمّهم الزهراء


( 157 )

البتول. ويدلّلون على ذلك بالاجماع على عدم عصمة من عداهم» (1).

خلاصة البحث:

وخلاصة البحث أنّا لا نقول في (فقه الحديث ) إلاّ بما قاله علماء القوم أنفسهم في شروحهم، وقد قرأت كلماتهم، وتلك كتبهم موجودة متوفّرة...
إنّ هذا الحديث يدل دلالة صريحة على امامة ( العترة أهل البيت ) وخلافتهم بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأن على الأمة أن تتمسّك بهم وتتعلّم منهم وترجع اليهم ولا تتقدّم عليهم...
أمّا ما وقع بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم... فذاك أمر أخر... وعلى علماء الأمّة أن يذكروا الدليل عليه والمبرّر له... لتكون الأمة على بصيرةً من أمرها، وليكون عذراً لها عند ما يردون على الرسول «الحوض» فيسألهم: «كيف خلفتموني فيهما»!!

كلامه في ختام القول:
يقول «الدكتور»:

«وفي ختام القول عن فقه الحديث أذكر هنا ما ذهب اليه بعض المسلمين من أن الحديث يدل على إمامة أفرادٍ معيّنين من أهل البيت، تجب طاعتهم والأخذ عنهم، وأنّ أول هؤلاء علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وأنّه هو وصي رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم.
وهذا القول جد خطير، فإنه يؤدي إلى اتّهام الصحابة الكرام، خير أمّة أخرجت للناس، بأنّهم خالفوا وصيّة رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم، وإلى
____________
(1) أهل البيت: 77 ـ 80.

( 158 )

عدم شرعية خلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ وإلى هدم أركان رئيسة في الاسلام.
غير أننا هنا لا نحب أن نخوض في هذا الموضوع، فالبحث لا يتّسع لمثله، وإنما نقول في فقه هذا الحديث بأنّ ما ذهب إليه هؤلاء القوم مردود مرفوض، لأن الحديث ليس بصحيح ولا صريح، ومعارض بالصحيح والصريح.
ومن الأحاديث الصريحة الصحيحة ما يأتي».
ثم ذكر أحاديث عن البخاري ومسلم ومسند أحمد.

أقول:

أولاً: «بعض المسلمين» يعتقدون بإمامة أفراد معينّين من أهل البيت عليهم السلام، أولهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم: المهدي، و«حديث الثقلين» أحد أدلّتهم على ماذهبوا إليه وقالوا به...
وثانياً: القول بأنّ الحديث يدّل على إمامة هؤلاء الأفراد ووجوب إطاعتهم والاخذ عنهم... لايختص بـ «بعض المسلمين»، بل كلّ من يتأمل في ( فقه الحديث ) قائل بهذا القول...
وثالثاً: «حديث الثقلين» هو وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأمّته، وقد نصَّ على هذا المعنى غير واحدٍ من كبار العلماء، وعلى الأمّة جمعاء العمل بهذه الوصيّة بلا ريب وإنّهم مسئولون عنها.
رابعاً: هذا القول يؤدّي إلى اتهام الصّحابة... هذا صحيح... ولكنّ «الدكتور» قال: «وكلّ إنسان يؤخذ من قوله ويرد الاّ رسول الله...».
خامساً: هذا القول يؤدي إلى عدم شرعيّة خلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة... هذا صحيح... ولكن هل يرى «الدكتور» كونهم من ( أهل البيت ) الذين


( 159 )

أمر النبي في حقّهم في هذا الحديث ونحوه بما أمر حتى تكون خلافتهم شرعيّة؟
إذا كان عدم شرعيّة خلافة الثلاثة هو المدلول الواضح لهذا الحديث وغيره من الأحاديث المعتبرة فما ذنب أصحاب هذا القول؟

النظر فيما زعم معارضته لحديث الثقلين:

سادساً: الأحاديث التي ذكرها عن البخاري ومسلم وأحمد وزعم كونها صريحة وصحيحة، لا تصلح للمعارضة لما يأتي:
1 ـ إن «بعض المسلمين» الذين يقولون بإمامة الأفراد المعيّنين لا يرون هذه الأحاديث صحيحةً وصريحة، فلا يكونون ملزمين بقبولها حتى تتم المعارضة.
2 ـ إنّ الحديث المتفق عليه بين المسلمين جميعهم لا يعارض بما ورد عن بعضهم، حتى لو كان صحيحاً وصريحاً.
3 ـ إنّ الأحاديث التي ذكرها «الدكتور» هي في الأغلب عن: عائشة وحفصة وعبدالله بن عمر... وقول هؤلاء ـ لاسيّما في مثل هذا المقام ـ غير مسموع.
4 ـ إن كتابي البخاري ومسلم ـ وانْ سمّيا بالصحيحين ـ يشتملان على أحاديث باطلة كما لا يخفى على من راجع شروحهما، وقد تقدمت الإشارة الى بعض تلك الاحاديث، بل «الدكتور» نفسه لا يستبعد أن يكون حديث الثقلين المخرج في ( صحيح مسلم ) موضوعاً!!. فكيف يستدل بأحاديث الكتابين، والحال هذه؟
5 ـ إنّ ( مسند أحمد ) قد أصرّ «الدكتور» على عدم التزام أحمد بصحّة ما فيه، بل قد وافق على ما نقله عن ابن حجر عن أحمد أنّه يتساهل في الفضائل!!... فكيف يستدل بروايات أحمد ولا سيّما في الفضائل؟


( 160 )

6 ـ إنّ بعض الأحاديث التي احتجّ بها من موضوعات بعض النّواصب، وقد اعترف بهذه الحقيقة بعض المحققين من أهل السنة من المتقدّمين والمعاصرين، كالدكتور أحمد محمد صبحي، الذي نقل «الدكتور» كلامه وتحامل عليه!!
7 ـ ولأجل أنْ نبرهن على سقوط الأحاديث التي أوردها، وعلى عدم إنصاف «الدكتور» في بحثه، ننظر في أسانيد عدّةٍ منها، ونشير إلى مواضع الضّعف فيها باختصار.
والذي يهمّنا منها:
أ ـ ما دلّ أنّ علياً عليه السلام لم يعيّن أحداً لخلافته، وهو روايتان نقلهما عن أحمد فقال: «وروى أحمد بسندٍ صحيح عن الامام علي رضي الله عنه أنه قال: لتخضبنَّ هذه من هذا...
وفي روايةٍ بسندٍ آخر أنّ الإمام قال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لتخضبنّ هذه من هذه...».
نقلهما عن أحمد واضاف: «وبالحاشية بيان الشيخ شاكر لصحّة الاسناد».

أقول:

لم يذكر سندي الحديثين، ونصّ على صحة الأول، وأشار الى تصحيح الشيخ شاكر، ولم يوضّح هل الشيخ يصحّح كلا الحديثين أو الأول فقط؟ ولم يصرّح برأيه هو في سند الثاني منهما؟ ولا ندري هل تحقّق هو بنسفه صحّة ما صحّح أو قلَّد الشّيخ؟
لكنه تكلَّم في الكتاب مع الشيخ شاكر الذي صحح سند حديث الثقلين وكأنّه أعلم منه وأفهم! ( أنظر ص 22 ـ 23 ) كما تكلّم مع الشيخ الآخر ـ وهو الألباني ـ الذي صحّح حديث الثقلين وكأنّه أعلم منه وأفهم! ( انظر ص 25 ـ 26 ).


( 161 )

إذنْ، لا يقصد «الدكتور» هنا من ذكر تصحيح الشيخ شاكر جعل المطلب على عهد ذاك الشّيخ، فلماذا ذكر هذا؟
لعلّ السبب في ذلك علمه بأن كلا الحديثين عن «عبدالله بن سبع» وهذا الرّجل لم يرو في الكتب الستّة عنه ولا رواية واحدة!! وأنّ في طريق كلا الخبرين هو «الأعمش» وهذا الرجل من رواة حديث الثقلين، وقد طعن فيه «الدكتور» من قبل!!
ب ـ ما دلَّ على أنّ الله سبحانه أبى والمؤمنون إلاّ أبا بكر. قال «الدكتور»: «أخرج أحمد في مسنده هذا الحديث بسندٍ صحيح كسند مسلم، وبسندين آخرين».

أقول:

وهنا لم يذكر شيئاً عن الشيخ شاكر، وسكت عن تصحيح السندين الآخرين بصراحة!!
وعندما نراجع مسند أحمد نرى السند الأول ( ج6 ص7 ):
«ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي ملكية، عن عائشة».
والسند الثاني ( ج6 ص106 ):
«ثنا مؤمل قال: ثنا نافع يعني ابن عمر، ثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة».
والسند الثالث ( ج6|144 ):
«ثنا يزيد أنا ابراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة».
فهذه أسانيد هذا الحديث الذي جعل فضيلةً لأبي بكر ودليلاً على إمامته، لكنّها تنتهي كلّها إلى عائشة، فهي تروي هذا في حقّ أبيها!! وهي صاحبة المواقف


( 162 )

المشهورة من علي أمير المؤمنين!
ثم انظر إلى من يرويه عنها!
فالراوي عنها في السّندين الأول والثاني هو: «ابن أبي ملكية التيّمي» من عشيرة أبي بكر وهو من مناوئي علي، وكان قاضي عبدالله بن الزبير في مكّة وموّذنه.
والراوي عنها في السند الثالث هو «عروة بن الزبير» وهو من أشهر المنحرفين عن علي، ومن أكبر مشيّدي سلطان بني أميّة...
والراوي عن «ابن أبي ملكية» في الأول هو «عبد الرحمن بن أبي بكر» وهو ابن أخيه... قال ابن معين: وقال النسائي: ليس بثقة، قال أحمد: منكر الحديث، وكذا نقل العقيلي عن البخاري، وقال ابن سعد: له أحاديث ضعيفة، وقال ابن عدي: لا يتابع في حديثه وقال ابن خراش: ضعيف الحديث ليس بشيء، وقال البزار: ليّن الحديث، وقال ابن حبان: ينفر عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات (1).
والرّاوي عنه في الثاني بواسطة نافع هو «مؤمّل بن اسماعيل» وهو مولى آل الخطّاب! قال البخاري: منكر الحديث. وقال جماعة: كان كثير الغلط، ونصَّ غير واحدٍ على أنه يجب على أهل العلم أنْ يقفوا عن حديثه، فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه، وهذا أشدّ، فلو كانت هذه المناكير عن الضّعفاء لكنّا نجعل له عذراً (2).
والراوي عن «عروة» في الثالث هو «الزهري» وهو من أشهر المبغضين لعلي والمشيدين لحكومة بني أميّة.. كما لا يخفى على من راجع أحواله.
____________
(1) تهذيب التهذيب 6|132.
(2) تهذيب التهذيب 10|340.

( 163 )

كلمة الختام

هذا تمام الكلام على ما ذكره «الدكتور» تحت عنوان ( فقه الحديث ).
وختاماً أطرح سؤالاً أرجو من القراء الكرام أنْ يطالبوا «الدكتور» بالجواب عنه، وهو:
إنه لو لم يكن هذا الحديث دالاً على وجوب إطاعة أفرادٍ معيّنين من أهل البيت، الأمر الذي اعترف به كبار علماء قومك كما رأيت، فلماذا أتعبت نفسك ـ وساعدك غيرك ـ في ردّه، مع تحريف لكلام هذا وذاك! وكتمٍ لحديث وإنكارٍ لآخر، وجرحٍ لمنْ لا يجوز جرحه من الرّجال، وتقليدٍ لمنْ لا يجوز تقليده؟!
والله أسأل أنْ يوفّقنا جميعاً لأن نعرف الحق ونكون من أهله ونعمل من أجله، وأنْ يعيذها من شر الشّيطان وأنْ نكون من خيله ورجله، وأن يجعلنا فيمن يراقبه في كتابته وفعله وقوله، فيبيّض وجهه اذا نشرت صحيفة عمله، بجاه سيّدنا وحبيبنا محمد وآله.