عقائد الشيعة الإمامية / الرد على الشبهات

 

حديث الثقلين وتواتره

لكنّ الحق أنّ هذا الحديث متواتر بالنظر إلى رواته في القرون المختلفة:

1ـ رواته من الأصحاب:

ذكر الترمذي بعد أن أخرج حديث الثقلين عن جابر:
«وفي الباب عن: أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد».
وقد عرفت روايته عن أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ وعن زيد بن ثابت وأم سلمة.
وعرفت من عبارة ابن حجر المكي: «أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرةً وردت عن نيف وعشرين صحابّياً».
ولكنك اذا تتّبعت وجدتها واردةً عن نيف وثلاثين... ولكن لا حاجة، لثبوت التواتر بالعدد الذي ذكر بل بالأقلّ منه.

2ـ رواته من التّابعين:

وبالنظر في تلك الطرق الكثيرة التي أشار اليها ابن حجر المكي وغيره يعرف رواة الحديث من التابعين، الذين أثنى عليهم القرآن الكريم والنبيّ العظيم كما يروي القوم ويقولون... وهذه أسماء ثلّة من رواة حديث الثقلين من التابعين:
1ـ أبو الطفيل عامر بن واثلة، وعداده في الصحابة كما تقدم عن ابن حجر العسقلاني.


( 42 )

2 ـ عطية بن سعد العوفي.
3 ـ حنش بن المعتمر.
4 ـ الحارث الهمداني.
5 ـ حبيب بن أبي ثابت.
6 ـ علي بن ربيعة.
7 ـ القاسم بن حسّان.
8 ـ حصين بن سبرة.
9 ـ عمر بن مسلم.
10 ـ أبو الضحى مسلم بن صبيح.
11 ـ يحيى بن جعدة.
12 ـ الأصبغ بن نباتة.
13 ـ عبدالله بن أبي رافع.
14 ـ المطلب بن عبد الله بن حنطب.
15 ـ عمر بن علي بن أبي طالب.

3 ـ رواته عبر القرون:

وأمّا من رواه من بعد الصحابة والتابعين من أعلام الأمة وحفّاظ الحديث ومشاهير رجال العلم عبر القرون فلا يحصون كثرةً، فإليك أسماء أشهرهم في كلّ قرن حسب الطّبقات.

القرن الثّاني:

1 ـ سعد بن مسروق الثوري المتوفي سنة 126.
2 ـ أبو إسحاق السبيعي سنة 129.
4 ـ الركين بن الربيع 131.


( 43 )

4 ـ أبو حيان التيمي 145.
5 ـ سليمان بن مهران الأعمش 147.
6 ـ زكريا بن أبي زائدة 148.
7 ـ محمد بن اسحاق المدني 151.
8 ـ كثير بن زيد 158.
9 ـ معروف بن خرّبوذ المكي.
10 ـ أبو عوانة وضّاح بن عبد الله الواسطي 175.
11 ـ حاتم بن إسماعيل 186.
12 ـ أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم البصري المعروف بابن علية 193.

القرن الثالث:

13 ـ محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري الحبّال المتوفى سنة 203.
14 ـ أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي 204.
15 ـ جعفر بن عون المخزومي 206.
16 ـ الأسود بن عامر الشامي 208.
17 ـ يعلى بن عبيد الطنافسي 209.
18 ـ أبو غسّان مالك بن إسماعيل النهدي 219.
19 ـ أبو جعفر محمد بن حبيب البغدادي 225.
20 ـ سعيد بن سليمان الواسطي 225.
21 ـ سعيد بن منصور الخراساني 227.
22 ـ محمد بن سعد الزهري البصري 230.
23 ـ أبو محمد خلف بن سالم المخرّمي السندي 231.
24 ـ أبو خيثمة زهير بن حرب 234.


( 44 )

25 ـ أبو الفضل شجاع بن مخلد الفلاس البغوي 235.
26 ـ أبو بكر ابن أبي شيبة 235.
27 ـ أبو يعقوب إسحاق بن راهويه 238.
28 ـ أحمد بن حنبل 241.
29 ـ سفيان بن وكيع الجراح 247.
30 ـ أبو محمد عبد بن حميد الكسي 249.
31 ـ عباد بن يعقوب الرواجني 250.
32 ـ أبو موسى محمد بن المثنى العنزي 252.
33 ـ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي 255.
34 ـ مسلم بن الحجاج النيسابوري 261.
35 ـ أحمد بن المنصور الرمادي 265.
36 ـ أحمد بن يونس أبو العباس الضبي 268.
37 ـ أبو عبدالله محمد بن يزيد ابن ماجة القزويني 273.
38 ـ أبو داود سليمان بن الأشعت السجستاني 275.
39 ـ يعقوب بن سفيان الفسوي 277.
40 ـ أبو عيسى محمد بن عيسى االترمذي 279.
41 ـ أبو بكر ابن أبي الدنيا البغدادي 281.
42 ـ أبو عبد الله الحكيم الترمذي 285.
43 ـ أبو بكر ابن أبي عاصم الشيباني 287.
44 ـ عبد الله بن أحمد بن حنبل 290.
45 ـ أبو العباس ثعلب البغدادي 291.
46 ـ أبو بكر البزار البصري 292.
47 ـ أبو جعفر المطين 297.


( 45 )


القرن الرّابع:

48 ـ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي 303.
49 ـ الحسن بن سفيان النسوي 303.
50 ـ أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي 307.
51 ـ أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي 307.
52 ـ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري 310.
53 ـ أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة 311.
54 ـ أبو بكر ابن أبي داود السجستاني 316.
55 ـ أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفرائيني 316.
56 ـ أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي 321.
57 ـ أبو عمر أحمد بن محمد بن عبدربه القرطبي 328.
58 ـ أبو عبدالله القاضي المحاملي 330.
59 ـ أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة 332.
60 ـ أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم الشيباني 344.
61 ـ أبو محمد دعلج بن أحمد السجزي 351.
62 ـ أبو القاسم الطبراني 360.
63 ـ أبو الشيخ ابن حيان 369.
64 ـ أبو منصور الأزهري اللغوي 370.
65 ـ أبو الحسين محمد بن المظفر البغدادي 379.
66 ـ أبو الحسن علي بن عمر الدار قطني 385.
67 ـ أبو طاهر المخلّص الذهبي 393.


( 46 )

القرن الخامس:

68 ـ أبو عبيد الهروي 401.
69 ـ أبو عبدالله الحاكم النيسابوري 405.
70 ـ أبو سعد الخركوشي النيسابوري 407.
71 ـ أبو زكريا يحيى بن ابراهيم المزكي النيسابوري 414.
72 ـ أبو إسحاق الثعلبي 427.
73 ـ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الاصفهاني 430.
74 ـ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي 458.
75 ـ أبو غالب ابن بشران النحوي 462.
76 ـ أبو عمر يوسف بن عبدالله ابن عبدالبر القرطبي 463.
77 ـ أبو بكر الخطيب البغدادي 463.
78 ـ أبو محمد الحسن بن أحمد الغندجاني 467.
79 ـ أبو عبدالله الحميدي الازدي 488.
80 ـ أبو المظفر السمعاني 489.

القرن السادس:

81 ـ أبو علي إسماعيل بن أحمد البيهقي 507.
82 ـ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني 507.
83 ـ أبو شجاع شيرويه الديلمي 509.
84 ـ أبو محمد حسين بن مسعود البغوي 516.
85 ـ أبو بكر المزرفي الشيباني 527.
86 ـ زاهر بن طاهر الشحامي 533.


( 47 )

87 ـ أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري 535.
88 ـ جارالله الزمخشري 538.
89 ـ القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي 544.
90 ـ أبو الفضل ابن ناصر البغدادي 550.
91 ـ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني 569.
92 ـ أبو القاسم علي بن الحسين ابن عساكر الدمشقي 571.
93 ـ أبو موسى محمد بن عمر المديني 581.
94 ـ سراج الدين أبو محمد الأوشي الفرغاني 596.

القرن السابع:

95 ـ أبو الفتح أسعد بن محمود العجلي 600.
96 ـ المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير 606.
97 ـ أبو محمد عبد العزيز بن الأخضر البغدادي 611.
98 ـ أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن الأثير 630.
99 ـ ضياء الدين المقدسي 642.
100 ـ أبو عبدالله ابن النجار البغدادي 643.
101 ـ رضي الدين الصاغاني 650.
102 ـ أبو سالم محمد بن طلحة القرشي 652.
103 ـ شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي 654.
104 ـ أبو الفتح الأبيوردي 667.
105 ـ أبو زكريا النووي 676.
106 ـ القاضي ناصر الدين البيضاوي 685.
107 ـ محّب الدين أبو العباس الطبري المكي 694.


( 48 )

القرن الثامن:

108 ـ جمال الدين ابن منظور الأفريقي 711.
109 ـ صدر الدين إبراهيم بن محمد الحموئي 722.
110 ـ نجم الدين أبو العباس القمولي 727.
111 ـ علاء الدين البغدادي الخازن 741.
112 ـ أبو الحجاج المزي 742.
113 ـ أثير الدين أبو حيان الأندلسي 745.
114 ـ شمس الدين الذهبي 748.
115 ـ علاء الدين الترّكماني 749.
116 ـ أبو الفداء ابن كثير الدمشقي 774.
117 ـ سعد الدين التفتازاني 791.

القرن التاسع:

118 ـ نور الدين أبو بكر الهيثمي 807.
119 ـ مجد الدين الفيروزابادي 817.
120 ـ أبو العباس تقي الدين المقريزي 845.
121 ـ ابن حجر العسقلاني 852.
122 ـ نور الدين ابن الصبّاغ المالكي 855.

القرن العاشر:

123 ـ أبو الخير شمس الدين السخاوي 902.
124 ـ جلال الدين السيوطي 911.


( 49 )

125 ـ نور الدين السمهودي 911.
126 ـ شهاب الدين القسطلاني 923.
127 ـ شمس الدين العلقمي 929.
128 ـ شمس الدين الصالحي 942.
129 ـ ابن الديبع الشيباني 943.
130 ـ شمس الدين ابن طولون 953.
131 ـ محمد بن أحمد الخطيب الشربيني 968.
132 ـ شهاب الدين ابن حجر المكي 973.
133 ـ علي بن حسام الدين المتقي 975.
134 ـ شيخ بن عبدالله العيدروس اليمني 990.

القرن الحادي عشر:

135 ـ علي بن سلطان الهروي القاري 1013.
136 ـ عبد الرؤف المناوي 1031.
137 ـ نور الدين الحلبي 1033.
138 ـ الشيخ عبد الحق الدهلوي 1052.
139 ـ شهاب الدين الخفاجي المصري 1069.
140 ـ علي بن أحمد العزيزي 1070.
141 ـ محمد بن محمد المغربي 1094.

القرن الثاني عشر:

142 ـ صالح بن مهدي المقبلي الصنعاني المتوفى 1108.
143 ـ عبد الملك العصامي المكي 1111.


( 50 )

144 ـ محمد أمين المحبّي 1111.
145 ـ إبن حمزة الحسيني 1120.
146 ـ محمد بن عبد الباقي الأزهري 1122.
147 ـ رضي الدين بن محمد الشّامي 1142.
148 ـ عبد الغني النابلسي 1143.
149 ـ إبراهيم الشبراوي 1162.
150 ـ ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي 1176.
151 ـ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني 1182.

القرن الثالث عشر:

152 ـ أبو الفيض محمد مرتضى الزبيدي 1205.
153 ـ مير غني الحسيني 1207.
154 ـ محمد مبين بن محبّ الله الكهنوي 1220.
155 ـ سليمان بن إبراهيم البلخي 1293.

القرن الرابع عشر:

156 ـ حسن العدوي الحمزاوي 1303.
157 ـ أحمد زيني دحلان 1304.
158 ـ صديق حسن القنوجي 1307.
159 ـ أحمد ضياء الدين الكمشخانوي 1311.
160 ـ مؤمن بن حسن الشبلنجي.
161 ـ القاضي بهجت بهلول أفندي.
162 ـ الشيخ منصور علي ناصف.


( 51 )

163 ـ محمد بن عبد الرحمن المباركفوري 1353.
164 ـ الشيخ محمود أبو ريّة.
165 ـ الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني.

***


( 52 )


( 53 )

حديث الثقلين والمحاولات السقيمة

قد ذكرنا جملةً من ألفاظ حديث الثقلين وطائفةً من رواته في مختلف القرون، فلا ريب في تواتره فضلاً عن صحّته. وإذْ لم يكن لأحدٍ مجال لأنْ يخدش في هذا الحديث من حيث السّند، ترى بعضهم يحاول تحريف نصّه والتصرّف في متنه كي يسقط الاستدلال به:
* أخرج الخطيب البغدادي بإسناده عن مطيّن عن نصر بن عبد الرحمن عن زيد بن الحسن الأنماطي، عن معروف، عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد: أن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال: يا أيّها الناس إني فرط لكم، وأنتم واردون عليَّ الحوض، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني، الثقل الأكبر كتاب الله، سبب طرفه بيد الله، وطرفه بايديكم، فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولا تبدّلوا» (1)

أقول:
وسيأتي النصّ الكامل للحديث بترجمة «زيد بن الحسن الأنماطي».
* وأخرج أبو جعفر العقيلي في كتابه ( الضعفاء الكبير ) بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: ان النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم خطب يوم عرفة فقال في خطبته: قد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إنْ اعتصمتم به: كتاب الله. وأنتم مسؤلون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال
____________
(1) تاريخ بغداد 8|442.

( 54 )

بإصبعه السبّابة يرفعها إلى السماء ويكبّها إلى الأرض: الهم اشهد».
وهذا تحريف للحديث الذي أخرجه الترمذي في كتابه وقد تقدّم لفظه وسيأتي أيضاً مع البحث عن سنده.
* وجاء ابن تيميّة الحراني فزعم أنّ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «وعترتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» غير صحيح، قال: «فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد فضعّفه، وضعّفه غير واحدٍ منْ أهل العلم وقالوا: لا يصح» (1).

أقول:

أوّلاً: يكفي للشيعي إخراج الترمذي وحده.
ثانياً: الترمذي غير منفرد به، فقد أخرجه كثيرون قبله وبعده، فمن المتقدّمين عليه الذين رووا هذا القول في حديث الثقلين:
1 ـ سليمان بن مهران الأعمش.
2 ـ ومحمد بن إسحاق.
3 ـ وأبو أحمد الزبيري الحبّال.
4 ـ وأبو عامر العقدي.
5 ـ ومحمّد بن سعد الزهري.
6 ـ وابن بقيّة الواسطي.
7 ـ وأحمد بن حنبل.
8 ـ وعبّاد بن يعقوب الرواجني.
9 ـ ونصر بن علي الجهضمي.
____________
(1) منهاج السنّة 4|104.

( 55 )

10 ـ وعبد الملك بن محمد الرقاشي البصري.
ومن المتأخّرين عن الترمذي الرّواة لهذه الفقرة من الحديث:
1 ـ الحكيم الترمذي.
2 ـ عبدالله بن أحمد بن حنبل.
3 ـ أبو بكر البزاز.
4 ـ أبو نصر القباني.
5 ـ أبو عبد الرحمن النسائي.
6 ـ أبو يعلى الموصلي.
7 ـ محمد بن جرير الطبري.
8 ـ أبو القاسم الطبراني.
9 ـ الحاكم النيسابوري.
10 ـ شمس الدين الذهبي.
وثالثاً: قوله عن أحمد أنه ضعّفه. لم نجد هذا النقل عن أحمد في شيء من كتب الحديث، على أن أحمد نفسه من أكبر واشهر رواته في مسنده، وسيأتي الكلام عن ذلك بالتفصيل.
رابعاً: قوله ضعّفه غير واحدٍ من أهل العلم لا أساس له، لأنّ القوم بين راوٍ ومصحّح للحديث كلّه، وبين مضعّف للحديث كلّه، ولم نجد مضعّفاً لهذه الفقرة، كما لم نجد مضعّفاً له من أصله غير ابن الجوزي وستعلم ما في ذلك، وهلا ذكر ابن تيميّة واحداً من «غير واحد» !!
* وبما ذكرنا من رواية الأئمة الأعلام حديث الثقلين في مختلف القرون وهم من بلادٍ مختلفة، فيهم المكي، والمدني، والشامي، والكوفي، والبصري، والخراساني... يظهر سقوط قول «الدكتور» عنه بأنّه «كوفي النّشأة».


( 56 )

فإنْ أراد أنْ رواته كلّهم من الشيعة، لكون الكوفة مدينة شيعية.
قلنا: ليس الأمر كذلك، فقد كان في الكوفة شيعة وغير شيعة، بل كان في الكوفة أناس يسبّون علياً، وعثمانيّون يبغضون علياً عليه السلام (1).
ولو سلّمنا كون الأمر كذلك فقد عرفت أنّ التشيع غير ضائر، بل كان غير واحدٍ من شيوخ البخاري من الشيعة...
* هذا، ولا يعارض حديث التمسّك بالكتاب والعترة ما ورد في بعض كتب القوم من الوصية بالكتاب والسنة بعنوان «الثقلين» ونحوه، وهذا واضح، الاّ أنّه لا بدّ من الالتفات إلى ما يلي:

أولا:

لقد جاء في ( الموطّأ ) ما نّصه: «وحدثني عن مالك أنّه بلغه أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلم ـ قال: تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما كتاب الله وسنة نبيّه» (2).

أقول:

لم أجد الوصية بالكتاب والسنة بهذا اللفظ في المصادر الأولية من الصحاح وغيرها، وهذا الذي جاء في ( الموطّأ ) لا سند له، وتعبير «الدكتور» عنه بـ «غير متصّل الاسناد» في غير محلّه، وما في شرح السيوطي من أنه «وصله ابن عبد البر
____________
(1) روي عن عبد الرحمن بن أخي زيد بن أرقم قال: «دخلت على أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها. فقالت: من أين أنتم؟ فقلت: من أهل الكوفة. فقالت: أنتم الذين تشتمون النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم؟ فقلت: ما علمنا أحداً يشتم النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. قالت: بلى أليس يلعنون علياً ويلعنون من يحبّه؟ ! وكان رسول الله يحبّه» رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، بترجمة علي 2|164 ورواه غيره أيضاً.
(2) الموطّأ بشرح السيوطي 2|208.

( 57 )

من حديث كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده» (1) لا يجدي، فإنه لو كان سند ابن عبد البر معتبراً لنصّ عليه الجلال وغيره، واشتهر في الكتب الحديثيّة. هذا أوّلاً.
وثانياً: إنه يمكن التأكّد مما ذكرنا بمراجعة ترجمة ( كثير بن عبدالله ) في تهذيب التهذيب 8|377 ففيها ما يلي:
قال أبو طالب عن أحمد: منكر الحديث ليس بشيء.
وقال عبدالله بن أحمد: ضرب أبي على حديث كثير بن عبدالله في المسند ولم يحدثنا عنه.
وقال أبو خيثمة: قال لي أحمد: لا تحدّث عنه شيئاً.
وقال الدوري عن ابن معين: لجدّه صحبه، وهو ضعيف الحديث، وقال مرةً ليس بشيء.
وقال الدارمي عن ابن معين أيضاً: ليس بشيء.
وقال الآجري: سئل أبو داود عنه فقال: أحد الكذّابين. سمعت محمد بن الوزير يقول: سمعت الشافعي ـ وذكر كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف فقال ـ ذاك أحد الكذابين، أو أحد أركان الكذب.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه فقال: واهي الحديث.
وقال أبو حاتم: ليس بالمتين.
وقال النسائي في موضعٍ آخر: ليس بثقة.
وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه لا يتابع عليه.
وقال أبو نعيم: ضعّفه علي بن المديني.
____________
(1) تنوير الحوالك 2|208.

( 58 )

وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، يستضعف.
وقال ابن حجر: ضعّفه الساجي.
وثالثاً: انه ضعيف عند ابن عبد البر نفسه بل قد ذكر انه مجمع على ضعفه.
ورابعاً: فالحديث يرويه عن أبيه عن جدّة وقد قال ابن حبان: روى عن أبيه عن جدّه نسخةً موضوعة لا يحلّ ذكرها في الكتب ولا الرواية إلاّ على وجهة التعجّب !
وقال ابن السّكن: يروي عن أبيه عن جدّه أحاديث فيها نظر. وقال الحاكم: حدّث عن أبيه عن جدّة نسخةً فيها مناكير.
وما ذكره الجلال من أنه «ما من مرسلٍ في الموطّأ إلاّ وله عاضد أو عواضد كما سأبيّن ذلك في هذا الشرح، فالصواب إطلاق أنّ الموطّأ صحيح لا يستثنى منه شيء» (1).
رأي من عنده، وقد نقل هو عن الحافظ ابن حزم قال: «وقال ابن حزم في كتاب مراتب الديانة: أحصيت ما في موطأ مالك، فوجدت فيه من المسند خمسمائة ونيفاً، وفيه ثلاثمائة ونيف مرسلاً، وفيه نيف وسبعون حديثاً قد ترك مالك نفسه العمل بها، وفيه أحاديث ضعيفة وهّاها جمهور العلماء» (2).
على أنّ رأيه هنا منقوض بكلامه في ( تدريب الراوي ) حيث ذكر فيه فوائد قال: «الثالثة: صرّح الخطيب وغيره بأن الموطّأ مقدّم على كلّ كتاب من الجوامع والمسانيد» ثم قال السيوطي: «فعلى هذا هو بعد صحيح الحاكم» (3).
____________
(1) تنوير الحوالك 1|8.
(2) تنوير الحوالك 1|9.
(3) تدريب الراوي 1|83.

( 59 )

أقول:

فالموطّأ من حيث الصحّة متأخر رتبةً عن ( المستدرك على الصحيحين ) للحاكم، الذي أورده الحافظ ابن حجر العسقلاني في ( لسان الميزان ) وهذه هي العبارة كاملةً:
«إمام صدوق ولكنّه يصحّح في مستدركه أحاديث ساقطة فيكثر من ذلك، فما أدري هل خفيت عليه؟ فما هو ممّن يجهل ذلك، وإنْ علم فهو خيانة عظيمة، ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرّض للشيخين، وقد قال أبو طاهر: سألت أبا اسماعيل عبدالله الانصاري عن الحاكم أبي عبدالله، فقال: إمام في الحديث رافضي خبيث.
قلت: إنّ الله يحبّ الانصاف: ما الرجل رافضي بل شيعي فقط، ومن شقاشقه قوله: اجتمعت الأمة على أنّ الضبي كذاب. وقوله في أن المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم ولد مسروراً مختوناً قد تواتر هذا. وقوله: ان علياً وصي.
فأمّا صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فأمر مجمع عليه. مات سنة 405.
والحاكم أجلّ قدراً وأعظم خطراً وأكبر ذكراً من أنْ يذكر في الضعفاء. لكن قيل في الاعتذار عنه أنّه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره. وذكر بعضهم أنّه قد حصل له تغيّر وغفلة في آخر عمره. ويدل على ذلك أنّه ذكر جماعةً في كتاب الضعفاء له وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصحّحها...» (1).

موجز الكلام في مالك:

هذا، ويبقي الكلام على ( مالك بن أنس ) ولا باس بنقل نقاطٍ مذكورةٍ في
____________
(1) لسان الميزان 5|233.

( 60 )

تراجمه في كتب القوم:
1 ـ كونه من الخوارج. قال أبو العباس المبرّد في بحثٍ له حول الخوارج: «وكان عدّة من الفقهاء يُنسبون إليهم، منهم عكرمة مولى ابن عباس، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس. ويروي الزبيريّون: ان مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعلياً وطلحة والزبير فيقول: والله ما اقتتلوا إلاّ على الثريد الأعفر» (1).
ويشهد بذلك تركه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في ( الموطأ ) حتى أنّ هارون الرّشيد الذي حمل الناس على أخذ ( الموطأ ) تعجّب من ذلك (2). مع أنّه قد كذّب أناساً ثم أخرج عن بعضهم فيه، مثل هشام بن عروة (3).
2 ـ كونه مدلّساً. ذكروا ذلك عنه في غير موضع. وقال الخطيب البغدادي في أخبار بعض المدلّسين: «يقال: إن ما رواه مالك بن أنس عن ثور بن زيد عن ابن عباس، كان يرويه عن عكرمة عن ابن عباس، وكان مالك يكره الرواية عن عكرمة، فأسقط اسمه من الحديث وأرسله. وهذا لا يجوز، وانْ كان مالك يرى الاحتجاج بالمراسيل، لأنه قد علم أنّ الحديث عمّن ليس بحجة عنده» (4).
3 ـ إجتماعه بالأمراء وسكوته عن منكراتهم. قال عبدالله بن أحمد: «سمعت أبي يقول: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأمراء، فيتكلّم ابن أبي ذئب، يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت. قال أبي: ابن أبي ذئب خير من مالك وأفضل» (5).
4 ـ كان يتغنّى بالآلات. حتّى ذكر ذلك أبو الفرج الاصبهاني في كتابه (6).
____________
(1) الكامل 1|159.
(2) تنوير الحوالك 1|7.
(3) مقدمة فتح الباري 2|169.
(4) الكفاية في علم الرواية: 365.
(5) العلل ومعرفة الرجال 1|179.
(6) الأغاني 2|75. وانظر نهاية الارب 4|229.

( 61 )

5 ـ تكلّم الأئمة فيه. ولهذه الأمور وغيرها تكلّم فيه الأئمة في زمانه. قال الخطيب: «عابه جماعة من أهل العلم في زمانه» (1) ثم ذكر: ابن أبي ذئب، وعبد العزيز بن الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمد بن اسحاق (2) وقال ابن عبد البر: «تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلامٍ فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره» (3) وتكلّم فيه ابراهيم بن سعد ـ وكان يدعو عليه ـ وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم، وابن أبي يحيى (4).

وثانياً:

لقد جاء في سيرة محمد بن اسحاق التي جمعها ابن هشام خطبة الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في حجة الوداع، وممّا جاء في الخطبة قوله: «وقد تركت فيكم ما إنْ اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً أمراً بيّناً: كتاب الله وسنة نبيّه» (5).

أقول:

خطبة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في حجة الوداع، في سيرة ابن اسحاق التي جمعها ابن هشام ليس لها سند حتى ننظر فيه، وإنما جاء في الكتاب المذكور: «خطبة الرسول في حجة الوداع: قال ابن اسحاق: ثم مضى رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ على حجّه... وخطب الناس خطبته التي بيّن فيها ما بيّن، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس ! إسمعوا قولي...» هذا أولاً.
وثانياً: إن محمد بن اسحاق من رواة حديث الثقلين مع التصريح بصحّته،
____________
(1) تاريخ بغداد 10|223.
(2) تاريخ بغداد 10|224.
(3) جامع بيان العلم 2|157.
(4) جامع بيان العلم 2|158.
(5) سيرة ابن هشام 4|603.

( 62 )

قال ابن منظور في ( لسان العرب ) ما نصّه: «وقال الأزهري ـ رحمه الله ـ وفي حديث زيد بن ثابت قال قال رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: إني تارك فيكم ثقلين خلفي، كتاب الله وعترتي، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض. وقال: قال محمد بن اسحاق: هذا حديث صحيح، ورفعه عن زيد بن أرقم وأبي سعيد الخدري، وفي بعضها: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فجعل العترة أهل البيت» (1).
ثالثاً: ابن اسحاق أيضاً مقدوح عند جماعةٍ من أعلام القوم، فقد رمي بالتدليس، وبالقدر، وبالتشيع، وقال غير واحدٍ منهم مثل: سليمان التيمي، ويحيى القطّان، ووهب بن خالد، ومالك بن أنس، وغيرهم: «كذّاب».
وإنْ شئت التفصيل فراجع ما ذكره الحافظ ابن سيد الناس المتوفى 734 في مقدّمة سيرته ( عيون الأثر ).

ثالثاً:

جاء في ( فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ) رواية عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه خطب في حجة الوداع فقال: «تركت فيكم شيئين لن تضلّوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض» (2).
وقد أورد «الدكتور» هذا الحديث من دون أن يشير الى مصدره ـ وهو المستدرك ـ وينظر في سنده !
وهذا سند الحديث: «أخبرنا أبو بكر ابن اسحاق الفقيه، أنبأ محمد بن عيسى بن السكن الواسطي، ثنا داود بن عمرو الضبي، ثنا صالح بن موسى الطلحي
____________
(1) لسان العرب 4|538.
(2) فيض القدير 3|240.

( 63 )

عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة...» (1).
وفيه: صالح بن موسى الطلحي الكوفي. قال ابن حجر العسقلاني:
قال ابن معين: ليس بشيء.
وقال أيضاً: صالح واسحاق ابنا موسى: ليسا بشيء ولا يكتب حديثهما.
وقال هاشم بن مرثد عن ابن معين: ليس بثقة.
وقال الجوزجاني: ضعيف الحديث على حسنه.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ضعيف الحديث جدّاً كثير المناكير عن الثقات ؛
قلت: يكتب حديثه؟ قال: ليس يعجبني حديثه.
وقال البخاري: منكر الحديث عن سهيل بن أبي صالح.
وقال النسائي: لا يكتب حديثه، ضعيف.
وقال في موضع آخر: متروك الحديث.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد وهو عندي ممّن لا يتعمّد الكذب، وليس يشبه عليه، ويخطئ، وأكثر ما يرويه عن جدّه من الفضائل ما لا يتابعه عليه أحد.
وقال الترمذي: تكلّم فيه بعض أهل العلم.
وقال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عنه فقال: ما أدري، كأنه لم يرضه.
وقال العقيلي: لا يتابع على شيء من حديثه.
وقال ابن حبان: كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها أنّها معمولة أو مقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به.
وقال أبو نعيم: متروك، يروي المناكير» (2).
____________
(1) المستدرك على الصحيحين 1|93.
(2) تهذيب التهذيب 4|354.