الفصل الثاني

من هو الاِمام المهدي ؟

( 46 )


( 47 )
اتضح من خلال ما تقدم اتفاق المسلمين على الايمان بظهور الاِمام المهدي المبشر به في الاخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهنا لابدّ للمسلم ان يسأل نفسه ويقول :
إذا كانت أخبار المهدي المبشر بظهوره في آخر الزمان بهذه الدرجة والوضوح عند علماء الاِسلام حتى قطعوا بصحتها ، وصرّحوا بتواترها، فلماذا اختلفت بعض الروايات الواردة في نسب المهدي، وربما وصل بعضها إلى درجة التناقض والتضاد ؟ ومِن ثم ، فمن هو الاِمام المهدي؟ وهل يمكننا ـ في خضم هذه الاختلافات ـ تشخيصه ، بحيث لاتكون هناك أدنى شبهة في صرف لقب (المهدي) عن مسمّاه في الواقع ؟
وللاجابة عن ذلك لابدّ من بيان نوعية المعوقات التي تعترض البعض في تشخيص نسب الاِمام المهدي على الرغم من اعتقاده بظهوره في آخر الزمان ، ولكن يجب التأكيد ـ قبل بيان تلك المعوقات ـ على أن من يعتقد بظهور الاِمام المهدي بنحو قاطع ، ولم يتعين له من هو المهدي على طبق الواقع ، فمثله كمثل من يعلم يقينا بوجوب الصلاة ولكنه يجهل أركانها، ومن كان كذلك فهو لايسمى مصلِّيا ، فكذلك الحال في من ينتظر مهديّاً لايعرفه ، كما سنبرهن عليه .
وعلى أية حال فإن علاج أية مسألة تعترض تشخيص نسب المهدي قد تكفل بها هذا الفصل ، واذا ما واصل القارىء العزيز الشوط معنا إلى آخره، سيدرك قسطاً وافراً من الاجابة عن سؤال : من هو المهدي

( 48 )
الموعود المنتظر ؟ ونعاهده بأننا سنتجرد عن قناعاتنا السابقة حتى لا تكون حاكمة على الدليل ما دام الهدف هو الوصول إلى الحق سواء كان الحق معنا أو علينا، والعاقل هو من لم يكن بينه وبين الحق عداء، وإن تأمّل في كلامنا هذا فإنه سيشهد لنا بالصدق على ما نقوله في علاج معوقات التشخيص الحديثية في المباحث التالية :
ونعني بمعوقات التشخيص الحديثية : هي تلك الاحاديث التي تبدو متضاربة بعضها ببعض ، مما قد يصعب على كثير من الناس ـ لاسيما اُولئك الذين ليسوا على اتصال مباشر بعلوم الحديث الشريف ـ معالجتها ، مما يُسهّل ـ إلى حد بعيد ـ وقوع ضعيف الاِيمان منهم في شراك اللامهدويين سواء كانوا من المتسمّين بالاِسلام أو من المعلنين العداء لهذا الدين.

أحاديث في نسب الاِمام المهدي

الاحاديث الصحيحة الواردة في بيان نسب الاِمام المهدي عليه السلام على طوائف وجميعها مؤتلفة غير مختلفة، ولا تشكّل عائقاً في تشخيص نسب الاِمام المهدي كما سيتضح من دراستها على النحو الآتي:

المهدي : كناني ، قرشي ، هاشمي :
أورد المقدسي الشافعي في عقد الدرر ، ومثله الحاكم في المستدرك حديثاً ينسب الاِمام المهدي إلى كنانة ، ثم إلى قريش ، ثم إلى بني هاشم ، وهو من رواية قتادة عن سعيد بن المسيب ، قال : قلت لسعيد بن المسيب: « المهدي حقّ ؟ قال : حقّ .

( 49 )
قلت : ممّن ؟ قال : من كنانة .
قلت : ثمّ ممّن ؟ قال : من قريش .
قلت : ثمّ ممّن ؟ قال : من بني هاشم... الحديث » .
ثم قال : أخرجه الاِمام أبو عمر عثمان بن سعيد المقري في سننه.
وأورده بلفظ آخر قريب من الاَول عن قتادة عن سعيد بن المسيب أيضاً.
وقال : أخرجه الاِمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي ، وأخرجه الاِمام أبو عبدالله نعيم بن حماد(1).
وقد يُتصور أن الحديث يتناقض مع نفسه ! إذ جمع في نسب الاِمام المهدي أنه من كنانة تارة ، ومن قريش أُخرى ، ومن بني هاشم ثالثة.
والجواب : لافرق في ذلك كلّه ، فإن كل هاشمي هو من قريش ، وكل قرشي هو من كنانة لاَنَّ قريش هو النضر بن كنانة باتفاق أهل الانساب .

حديث المهدي من أولاد عبد المطلب :
وهو ما رواه ابن ماجة وغيره بالاسناد عن أنس بن مالك قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي »(2).
وأورده في عقد الدرر بلفظ : «نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة : أنا ، وأخي علي ، وعمي حمزة ، وجعفر ، والحسن ، والحسين، والمهدي» ثم قال : أخرجه جماعة من أئمة الحديث في
____________
(1) عقد الدرر : 42 ـ 44 الباب الاَول، وانظر: مستدرك الحاكم 4 : 553، ومجمع الزوائد 7: 115.
(2) سنن ابن ماجة 2 : 1368 باب خروج المهدي، ومستدرك الحاكم 3 : 211 وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي : 113 وجمع الجوامع للسيوطي 1 : 851.

( 50 )
كتبهم ، منهم : الاِمام أبو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في سننه، وأبو القاسم الطبراني في معجمه ، والحافظ أبو نعيم الاصبهاني وغيرهم(1).
وهذا الحديث لايعارض ماتقدم بل يقيّد (2) ما قبله ، إذ لاخلاف في كون عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابناً لهاشم، فأبناء عبد المطلب هاشميون بالضرورة. فالمهدي اذن من أولاد عبد المطلب بن هاشم القرشي الكناني.

حديث المهدي من ولد أبي طالب :
وهذا الحديث أخرجه الشيخ المفيد في الارشاد ، والمقدسي الشافعي في عقد الدرر ، وقال : أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن . والحديث من رواية سيف بن عميرة قال : كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداءً : « يا سيف بن عميرة ، لا بدّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب، فقلت جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي هذا؟ قال : أي والذي نفسي بيدهِ لسماع أُذُني له . فقلت : يا أمير المؤمنين، إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا ! فقال : يا سيف إنّه لَحَقٌّ ، وإذا كان فنحن أوّل من يجيبه ، أمَا إنَّ النداء إلى رجل من بني عمّنا . فقلت : رجل من ولد فاطمة ؟ فقال : نعم يا سيف ، لولا أنني سمعت من أبي جعفر محمد بن علي يحدّثني به، وحدّثني به أهل الاَرض كلهم ما
____________
(1) عقد الدرر : 195 الباب السابع.
(2) المراد بالتقييد هنا: حصر نسب المهدي بأولاد عبدالمطلب بعد ان كان النسب إلى قريش مطلقاً.

( 51 )
قبلته منهم ، ولكنه محمد بن علي »(1).
وهذا الحديث يقيّد ما قبله أيضاً لاَنَّ كل من انتسب إلى أبي طالب بالولادة لاشك في انتسابه إلى أبيه عبد المطلب.
وبغض النظر عن التصريح الوارد في هذا الحديث بكون المهدي من أولاد فاطمة عليها السلام ـ لما سنبحثه بطائفة أخرى من الاحاديث ـ ستكون النتيجة إلى هنا هو أن المهدي المبشر بظهوره في آخر الزمان إنّما هو من أولاد أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الكناني.

أحاديث (المهدي من ولد العباس) :

لا شكَّ ان هذه الطائفة من الاحاديث تشكل عائقاً في تشخيص نسب المهدي بدقة ؛ لاَن أولاد العباس غير أولاد أبي طالب ، ولهذا لابدّ من دراسة هذه الطائفة من الاحاديث ، فنقول :
يمكن تقسيم الاحاديث الواردة في هذا الشأن إلى قسمين وهما:

أولاً : الاَحاديث المجملة في هذا المعنى :
وهي منحصرة بأحاديث الرايات ، منها : ما أخرجه أحمد في مسنده ، عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : «اذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فان فيها خليفة الله المهدي»(2) وقريب منه حديث ابن ماجة في سننه(3).
كما روى الترمذي بسنده ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «تخرج من خراسان رايات سود، فلا يردها شيء حتى تنصب
____________
(1) الارشاد | المفيد 2 : 370 ـ 371، وعقد الدرر : 149 الباب الرابع.
(2) مسند أحمد 5 : 277.
(3) سنن ابن ماجة 2 : 1336 | 4082.

( 52 )
بإيلياء»(1).
وهذه الاحاديث وان لم يصرح فيها بكون المهدي من ولد العباس لكنه قد يستفيد البعض منها دلالتها عليه، بتقريب أن تلك الرايات السود، يحتمل ان تكون هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني من خراسان فوطّد بها دولة بني العباس، فتكون تلك الاحاديث ناظرة إلى المهدي العباسي!

ضعف الاَحاديث المجملة مع عدم دلالتها على نسب المهدي :
إن حديث مسند أحمد ، وسنن ابن ماجة ضعفهما غير واحد من العلماء، منهم ابن القيم في (المنار المنيف) ثم قال : « وهذا ـ أي : حديث ابن ماجة ـ والذي قبله لم يكن فيه دليل على ان المهدي الذي تولّى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان »(2).
ومما يدل على ذلك هو ان المهدي العباسي قد مات سنة (169 هـ) ، وقد شهد عصره تدخل النساء في شؤون دولته ، فقد ذكر الطبري تدخل الخيزران زوجة الخليفة المهدي العباسي بشؤون دولته ، وانها استولت على زمام الاَُمور في عهد ابنه الهادي(3)، ومن يكون هذا شأنه فكيف يسمى بخليفة الله في أرضه ؟!
هذا ، زيادة على أن المهدي العباسي ، بل خلفاء بني العباس كلهم لم يكونوا في آخر الزمان ولم يحث المال حثواً أحد منهم ، ولم يبايعوا بين الركن والمقام ، ولم يقتلوا الدجال ، ولم ينزل نبي الله عيسى عليه السلام ليصلي خلف مهديهم ، ولم تخسف البيداء في عهدهم ، ولم تظهر أدنى علامة
____________
(1) سنن الترمذي 4 : 531 | 2269.
(2) المنار المنيف | ابن القيم : 137 ـ 138 | ذيل الحديثين : 338 و 339.
(3) تاريخ الطبري 3 : 466.

( 53 )
من علامات ظهور المهدي في سائر عصورهم .
وأما عن حديث الترمذي فقد وصفه ابن كثير بأنّه حديث غريب ثم قال : « وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أُمية في سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، بل رايات سود أُخر تأتي بصحبة المهدي.. والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق »(1).
أقول : لايبعد استغلال دعاة العباسيين لمثل هذه الاحاديث ترويجاً لاَمرهم ، كما يدل عليه وضعهم لاحاديث صريحة في هذا المعنى كما سنقف عليه في هذا البحث ، وإلاّ فمن الصعب جداً إنكار حديث الرايات السود الذي لايدل على أكثر من خروج الجيش المؤيد للمهدي من جهة المشرق ، لروايته بطرق كثيرة صحّح الحاكم بعضها على شرط البخاري ومسلم(2).

ثانياً : الاَحاديث المصرّحة بهذا المعنى :
1 ـ حديث : «المهدي من ولد العباس عمي» فقد أورده السيوطي في الجامع الصغير ، وقال : « حديث ضعيف »(3)وقال المناوي الشافعي في فيض القدير : « رواه الدارقطني في الافراد . قال ابن الجوزي : فيه محمد بن الوليد المقري، قال ابن عدي يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الاَسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر : هو كذاب ، وقال السمهودي : ما
____________
(1) النهاية في الفتن والملاحم | ابن كثير 1 : 55.
(2) مستدرك الحاكم 4 : 502.
(3) الجامع الصغير 2 : 672 | 9242.

( 54 )
بعده وما قبله أصح منه ، وأما هذا ففيه محمد بن الوليد ، وضّاع »(1).
وضعفه السيوطي في الحاوي ، وابن حجر في صواعقه ، والصبان في إسعافه، وأبو الفيض في إبراز الوهم المكنون ، وأوردوا كلمات كثيرة تصرح بوضعه(2).
2 ـ حديث ابن عمر : «رجل يخرج من ولد العباس» فقد رواه في خريدة العجائب مرسلاً عن ابن عمر وهو من الموقوف عليه(3)وهو زيادة على إرساله المُسقِط لحجيّته لم يصرّح فيه بالمهدي، فالاَولى إلحاقه بالقسم الاَول المجمل وإن صرّح فيه باسم العباس.
3 ـ حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لعمه العباس : «إنَّ الله ابتدأ بي الاِسلام وسيختمه بغلام من ولدك وهو الذي يتقدم عيسى بن مريم».
فقد رواه الخطيب البغدادي في تاريخه وفي إسناده محمد بن مخلد(4)، وابن مخلد هذا ضعفه الذهبي وتعجّب من عدم تضعيف الخطيب لابن مخلد فقال : « رواه عن محمد بن مخلد العطار، فهو آفته، والعجب أن الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعفه، وكأنّه سكت عنه لانتهاك حاله »(5).
4 ـ حديث أُم الفضل ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «ياعباس اذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك، منهم السفاح، ومنهم المنصور،
____________
(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير 6 : 278 | 9242.
(2) أُنظر : الحاوي للفتاوى 2 : 85 ، والصواعق المحرقة : 166 ، واسعاف الراغبين : 151 ، وابراز الوهم المكنون : 563 .
(3) خريدة العجائب | ابن الوردي : 199.
(4) تاريخ بغداد 3 : 323 و 4 : 117.
(5) ميزان الاعتدال 1 : 89 | 328.

( 55 )
ومنهم المهدي» وهذا الحديث أخرجه الخطيب أيضاً وابن عساكر عن أُم الفضل(1)
قال الذهبي عنه : « وفي السند أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خيثم، بخبر باطل في ذكر بني العباس من رواية خيثم، عن حنظلة ـ إلى ان قال عن أحمد بن راشد ـ فهو الذي اختلقه بجهل »(2).
أقول : اشار الذهبي بهذا إلى جهل أحمد بن راشد في وضع الحديث لان حكم العباسيين لم يبدأ بسنة | 513 هـ وإنّما بدأ حكمهم سنة | 132هـ بالاتفاق، وهذا من علامات جهل واضعه بابتداء حكم بني العباس.
5 ـ ونظير هذا الحديث ماأخرجه السيوطي عن ابن عباس في كتابه اللآلي المصنوعة في الاَحاديث الموضوعة وقال : « موضوع، المتهم به: الغلابي »(3).
وأورده ابن كثير في البداية والنهاية من رواية الضحاك ، عن ابن عباس وقال : « وهذا إسناد ضعيف، والضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئاً على الصحيح، فهو منقطع »(4).
كما أخرجه الحاكم عن طريق آخر وقع فيه اسماعيل بن ابراهيم المهاجر(5)، وقد حكى أبو الفيض الغماري الشافعي عن الذهبي، أن اسماعيل مجمع على ضعفه، وأباه ليس بذلك(6).

____________
(1) تاريخ بغداد 1 : 63 ، وتاريخ دمشق 4 : 178 .
(2) ميزان الاعتدال 1 : 97.
(3) اللآلىء المصنوعة 1 : 434 ـ 435.
(4) البداية والنهاية 6 : 246.
(5) مستدرك الحاكم 4 : 514.
(6) ابراز الوهم المكنون : 543.

( 56 )
هذه هي الاحاديث التي قد يغتر بها البعض فيتصور كونها عائقاً حقيقياً أمام تشخيص نسب الاِمام المهدي . وقد اتضح أن النتيجة الاخيرة في نسب الاِمام المهدي عليه السلام وهي كونه من أولاد أبي طالب صحيحة ، لوضع أحاديث كون المهدي من ولد العباس ، مع عدم دلالة حديث الرايات على شيء يخالف تلك النتيجة. وسوف يأتي في طوائف أحاديث المهدي الاُخرى ما يقطع بأنّ المهدي ليس من ولد العباس جزماً.

حديث المهدي من ولد علي عليه السلام :
ولمّا كان لاَبي طالب أكثر من ولد ، فقد وردت أحاديث عينت المراد وقيّدت هذا الاطلاق بولده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ليكون المهدي من أولاده عليه السلام ، وفي ذلك وردت جملة من الاخبار منها : قول علي عليه السلام : «هو رجل منِّي»(1).
وغير خافٍ على أحد أنَّ لاَمير المؤمنين عليه السلام أكثر من ولد وتشخيص نسب المهدي بهذا الاطلاق متعذر ، ولكنّ أمره في غاية السهولة ؛ لاَنّ من جملة أحاديث نسب المهدي المصرح بصحتها وتواتر نقلها هي تلك الاحاديث الناصة تارة على كون المهدي من أهل البيت ، وأُخرى : على أنه من العترة ، وثالثة : على أنه من النبي .
ولاريب في انحصار أهل البيت ، والعترة ، وولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأولاد أمير المؤمنين عليه السلام من جهة فاطمة الزهراء عليها السلام واليك نموذجاً من تلك الاَحاديث:

____________
(1) الفتن | نعيم بن حماد 1 : 369 | 1084 ، التشريف بالمنن | السيد ابن طاووس : 176 | 238 باب 19 .

( 57 )

أحاديث المهدي من أهل البيت: :
1 ـ حديث : «لاتنقضي الايام، ولايذهب الدهر، حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، اسمه يواطىء اسمي» وهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده ، عن ابن مسعود من عدة طرق ، وأخرجه أيضاً أبو داود في سننه، والطبراني في المعجم الكبير، وصححه الترمذي ، والكنجي الشافعي ، وعدّه البغوي من الاَحاديث الحسان(1).
2 ـ حديث : «لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله رجلاً من أهل البيت يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً».
وهذا الحديث هو المروي عن علي عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أخرجه أحمد في مسنده ، وابن أبي شيبة، وأبو داود ، والبيهقي، وأشار الطبرسي في مجمع البيان إلى اتفاق المسلمين من الشيعة والسنة على روايته(2)، وقال أبو الفيض الغماري عن هذا الحديث: « هو صحيح بلاشك ولا شبهة »(3).
3 ـ حديث : «لاتقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي ، يواطىء اسمه اسمي».
وهذا الحديث رواه ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجه عن ابن
____________
(1) مسند أحمد 1 : 376 و 377 و430 و448، سنن أبي داود 4 : 107 | 4283، المعجم الكبير للطبراني 10 : 164 ـ 165 | 10218، سنن الترمذي 4 : 505 | 2230، البيان في أخبار صاحب الزمان : 481 باب 1 ، مصابيح السنة 3 : 492 | 4210.
(2) مسند أحمد 1 : 99 ، المصنف لابن أبي شيبة 15 : 198 | 19494 ، سنن أبي داود 4 : 107 | 4283 ، الاعتقاد للبيهقي : 173 ، مجمع البيان 7 : 67 .
(3) ابراز الوهم المكنون : 495.

( 58 )
مسعود: أحمد، والترمذي، والطبراني من عدة طرق، والكنجي وصححه، والشيخ الطوسي.
وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي هريرة(1)، وقال في الدر المنثور : « وأخرجه الترمذي وصححه عن أبي هريرة »(2).
4 ـ حديث : «المهدي منا أهل البيت أشم الاَنف ، أجلى الجبهة ، يملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما» .
وهذا من حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخرجه عنه عبد الرزاق، وصححه الحاكم على شرط مسلم، وأورده الإربلّي في كشف الغمة(3).

أحاديث المهدي من العترة عليهم السلام :
وردت أحاديث كثيرة بهذا المعنى ننتخب منها واحداً ، وهو حديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : «لا تقوم الساعة حتى تمتلىء الارض ظلماً وعدواناً ، ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي ـ الترديد من الراوي ـ يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً».
أخرجه أحمد ، وابن حبان، والحاكم وصححه على شرط الشيخين، وأورده الصافي في منتخب الاَثر(4)وقال أبو الفيض الغماري الشافعي
____________
(1) مسند أحمد 1 : 376 ، سنن الترمذي 4 : 505 | 3231 ، المعجم الكبير للطبراني 10 : 165 | 10220 و 10221 ، 10 : 167 | 10227 ، البيان للكنجي : 481 ، كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : 113 ، مسند أبي يعلى الموصلي 12 : 19 | 6665 .
(2) الدر المنثور 6 : 58 .
(3) المصنف | عبد الرزاق 11 : 372 | 20773 ، مستدرك الحاكم 4 : 557 ، كشف الغمة 3 : 259.
(4) مسند أحمد 3 : 36 ، صحيح ابن حِبَّان 8 : 290 | 6284 ، مستدرك الحاكم 4 : 557 ، منتخب الاثر: 148|19.

( 59 )
ـ بعد دراسة وافية لطرق الحديث وتتبع حال رواته ـ : « الحديث صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم »(1).

أحاديث المهدي من ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
منها : ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الاَنف ، يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين».
وهذا الحديث صححه الحاكم على شرط مسلم، كما صححه الكنجي الشافعي ، والسيوطي ، والشيخ منصور علي ناصف في التاج الجامع للاَُصول، وأبو الفيض(2)، وعدّه البغوي من الحسان(3) ، وحكم ابن القيّم بجودة إسناده(4)، وأخرجه عن أبي سعيد: أبو داود، وعبدالرزاق، والخطابي في معالم السنن، ومن الشيعة السيد ابن طاووس، وابن بطريق(5).
ومنها : حديث أمير المؤمنين عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
«المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاَُمم، يأتي بذخيرة الانبياء عليهم السلام ، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً».

____________
(1) ابراز الوهم المكنون : 515.
(2) مستدرك الحاكم 4 : 557 ، البيان للكنجي : 500 ، الجامع الصغير 2 : 672 | 9244 ، التاج الجامع للاَُصول 5 : 343 ، ابراز الوهم المكنون : 508 .
(3) مصابيح السنة 3 : 492 | 4212 .
(4) المنار المنيف لابن القيم : 144 | 330 .
(5) سنن أبي داود 4 : 107 | 4385 ، المصنف لعبد الرزاق 11 : 372 | 20773 ، معالم السنن 4: 344 ، التشريف بالمنن : 153 | 189 و 190 باب 159 أخرجه عن ابن حماد في الفتن 1 : 364 | 1063 و 1064 ، العُمدة لابن بطريق الحلي : 433 | 910 .

( 60 )
وهذا الحديث أخرجه الشيخ الصدوق في كمال الدين ، واحتج به الجويني الشافعي في فرائد السمطين، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة(1).
وبهذا القدر يتضح ماذكرناه من أنّ المهدي لابدّ وأن يكون من ولد علي عليه السلام من جهة فاطمة الزهراء عليها السلام . وقد ورد التصريح بهذا أيضاًكما في:

حديث المهدي من ولد فاطمة عليها السلام
وهو من رواية أُم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : «المهدي حق وهو من ولد فاطمة».
أخرجه عن أُم سلمة : أبو داود ، وابن ماجة ، والطبراني ، والحاكم من طريقين وقد أخرجه أربعة من علماء أهل السنة عن صحيح مسلم(2)، واعترف آخرون بصحته وجَوْدَة اسناده ، بل وصرح بعضهم بتواتره(3).

____________
(1) كمال الدين 1 : 287 | 5 باب 25 ، فرائد السمطين 2 : 335 | 587 ، ينابيع المودة : 3 باب 94.
(2) سنن أبي داود 4 : 107 | 4284 ، سنن ابن ماجة 2 : 1368 | 4086 ، المعجم الكبير للطبراني 23 : 267 | 566 ، مستدرك الحاكم 4 : 557 وأخرجه عن صحيح مسلم كل من : ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : 163 باب 11 من الفصل الاَول ، والمتقي الهندي في كنز العمال 14 : 264 | 38662 ، والشيخ محمد بن علي الصبان في اسعاف الراغبين ص : 145 ، والشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي في مشارق الانوار ص : 112 ، فهؤلاء الاَربعة اتفقت كلمتهم على وجود الحديث في صحيح مسلم ، ولكن لاوجود له اليوم في نسخه المطبوعة !
(3) حكم الكنجي في البيان : 486 ب 2 بصحة الحديث ، وجزم بصحته السيوطي في الجامع الصغير 2 : 672 | 9241 ، ومثله في هامش التاج الجامع للاَُصول 5 : 343 ، كما عدّه البغوي من الحسان في مصابيح السنّة 3 : 492 | 4211 ، وقد حقق أبو الفيض في ابراز الوهم : 500 سند الحديث. وانتهى الى القول بانه حديث صحيح وان رجاله كلهم عدول اثبات، واعترف الالباني بجودة اسناده كما في عقيدة أهل السنة، والاثر في المهدي المنتظر للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد ص: 18، وقد مر القول بتواتره عن القرطبي وغيره، فراجع.

( 61 )
وقد أخرج نعيم بن حماد بسنده عن علي عليه السلام انه قال : «المهدي رجل منّا من ولد فاطمة»(1)كما اخرج عن الزهري انه قال : «المهدي من ولد فاطمة»(2) ، وعن كعب مثله أيضاً(3).
هذا ، وقد ورد حديث جامع لمعظم الاخبار المتقدمة ، وهو المروي عن قتادة، ـ كما تقدم ـ قال : قلت لسعيد : أحقٌ المهدي ؟ قال : نعم هو حق. قلت : ممن هو ؟ قال : من قريش ، قلت : من أي قريش ؟ قال : من بني هاشم. قلت : من أي بني هاشم ؟ قال : من ولد عبد المطلب. قلت : من أي ولد عبدالمطلب ؟ قال : من أولاد فاطمة(4).
وعلى الرغم من الاقتراب بهذه النتيجة من جواب السؤال : مَنْ هو المهدي الموعود المنتظر ؟ إلاّ أنَّ العائق ما يزال موجوداً في تشخيص نسبه الشريف بنحو لايقبل الترديد بين أولاد فاطمة عليها السلام ، لوضوح أنّ هذا النسب ـ بهذا الاطلاق ـ ينتهي إلى السبطين الحسن والحسين عليهما السلام .
ولهذا فنحن أمام احتمالات ثلاثة وهي :
الاَول : أن يكون المهدي من أولاد الاِمام الحسن السبط عليه السلام .
الثاني : أن يكون من أولاد الاِمام الحسين السبط عليه السلام .
الثالث : أن يكون من أولاد السبطين معاً.
أما الاحتمال الثالث فلا يحتاج قبوله أو ردّه أكثر من النظر في نتائج البحث في الاخبار المؤيدة للاحتمالين الاَولين.

____________
(1) الفتن لنعيم بن حماد 1 : 375 | 1117 ، وعنه في كنز العمال 14 : 591 | 39675.
(2) الفتن لنعيم بن حماد 1 : 375 | 1114 وعنه في التشريف بالمنن : 176 | 237 باب 189.
(3) الفتن لنعيم بن حماد 1 : 374 | 1112 ، وعنه في التشريف بالمنن : 157 | 202 باب 163.
(4) عقد الدرر : 44 من الباب الاول ، والفتن لنعيم بن حماد 1 : 368 ـ 369 | 1082 ، وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن : 157 | 201 باب 163 .

( 62 )
وأما فرض احتمال رابع ، وهو : كون المهدي من أولاد غير السبطين، فهو باطل بالضرورة وغير معقول في نفسه؛ لثبوت صحة أحاديث المهدي وتواترها بخصوص كونه من أهل البيت عليهم السلام ، ومن ولد فاطمة عليها السلام .
اذن لم يبقَ سوى التحقيق في مثبتات الاحتمالين الاَولين . ويجب التنبيه قبل ذلك إلى أنه : لو ثبت كذب ما يؤيد الاحتمال الاَول ، فلا نحتاج أصلاً إلى التحقيق في مثبتات الاحتمال الثاني ، اذ سيصدق بالضرورة ، ويكون هو المتيقن ، المقطوع به ، المطابق للواقع ، لما مرَّ من استحالة كذب الاحتمالين معاً ؛ لهذا سوف نستفرغ الوسع بدراسة وتحقيق مثبتات الاحتمال الاَول ، فنقول :

حديث المهدي من ولد الاِمام الحسن السبط عليه السلام :
لم أجد مايدل على ان المهدي الموعود المنتظر هو من ولد الاِمام الحسن عليه السلام في كتب أهل السنة غير حديث واحد فقط وربما لايوجد في تراث الاِسلام حديث غيره ، وهو ما أخرجه أبو داود السجستاني في سننه ، واليك نصه :
قال : « حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة ، قال : حدثنا عمر بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق ، قال : قال علي رضي الله عنه ـ ونظر إلى ابنه الحسن ـ فقال : ( إنّ ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخُلُق ولايشبهه في الخَلْق) .
ثم ذكر قصة : يملأ الأرض عدلاً »(1)انتهى بعين لفظه.

____________
(1) سنن أبي داود 4 : 108 | 4290، وأخرجه عنه في جامع الاَصول 11 : 49 ـ 50 | 7814، وكنز العمال 13 : 647 | 37636، كما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن 1: 374 ـ 375 | 1113.

( 63 )

بطلان الحديث من سبعة وجوه :
من دراسة سند الحديث ومتنه ، ومقارنة ذلك بأحاديث كون المهدي من ولد الحسين عليه السلام ، يطمئن الباحث بوضعه ، وذلك من سبعة وجوه وهي:
الوجه الاَوّل : اختلاف النقل عن أبي داود في هذا الحديث ، فقد أورد الجزري الشافعي (ت|833 هـ) هذا الحديث بسنده عن أبي داود نفسه وفيه اسم : (الحسين) مكان (الحسن) ، فقال : « والاَصح انه من ذرية الحسين بن علي لنصّ أمير المؤمنين علي على ذلك ، فيما أخبرنا به شيخنا المسند رحلة زمانه عمر بن الحسن الرّقي قراءة عليه ، قال : أنبأنا أبو الحسن بن البخاري ، أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي ، أنبأنا أبو البدر الكرخي ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا أبو عمر الهاشمي ، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي ، أنبأنا أبو داود الحافظ قال : حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة ، قال : حدثنا عمر بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي اسحاق قال : قال علي عليه السلام ـ ونظر إلى ابنه الحسين ـ فقال : « إنَّ ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخُلُق ، ولايشبهه في الخَلْق ». ثم ذكر قصة يملأ الاَرض عدلاً.
هكذا رواه أبو داود في سننه وسكت عنه »(1)، انتهى بعين لفظه .
وأخرجه المقدسي الشافعي في عقد الدرر ص 45 من الباب الاَول ، وفيه اسم: (الحسن)، وأشار محققه في هامشه إلى نسخة باسم: (الحسين)
____________
(1) اسمى المناقب في تهذيب اسنى المطالب | الجزري الدمشقي الشافعي : 165 ـ 168 | 61.

( 64 )
ويؤيد وجود هذه النسخة نقل السيد صدر الدين الصدر عنها إذ أورد الحديث عن عقد الدرر وفيه اسم : (الحسين)(1).
وهذا الاختلاف ينفي الوثوق بترجيح أحد الاسمين ما لم يعتضد بدليل من خارج الحديث ، وهو مفقود في ترجيح (الحسن) ومتوفر في (الحسين) .
الوجه الثاني : سند الحديث منقطع لاَنّ من رواه عن علي عليه السلام هو أبو إسحاق والمراد به السبيعي ، وهو ممن لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن علي عليه السلام كما صرح بهذا المنذري في شرح هذا الحديث(2)، وقد كان عمره يوم شهادة أمير المؤمنين عليه السلام سبع سنين ؛ لاَنّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان في قول ابن حجر(3).
الوجه الثالث : إن سنده مجهول أيضاً ؛ لاَن أبا داود قال : (حُدِّثت عن هارون بن المغيرة) ولايُعْلَم من الذي حدّثه، ولا عِبرة في الحديث المجهول اتفاقاً .
الوجه الرابع : ان الحديث المذكور أخرجه أبو صالح السليلي ـ وهو من أعلام أهل السنة ـ بسنده عن الاِمام موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد الصادق، عن جده علي بن الحسين، عن جده علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وفيه اسم : (الحسين) لا : (الحسن) عليهما السلام (4).
الوجه الخامس : انه معارض بأحاديث كثيرة من طرق أهل السنة تصرح بأنّ المهدي من ولد الاِمام الحسين منها حديث حذيفة بن اليمان
____________
(1) المهدي | السيد صدر الدين الصدر: 68.
(2) مختصر سنن أبي داود | المنذري 6 : 162 | 4121.
(3) تهذيب التهذيب 8 : 56 | 100.
(4) التشريف بالمنن للسيد ابن طاووس : 285 | 413 ب 76 ، أخرجه عن فتن السليلي باختلاف يسير .

( 65 )
قال: « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرنا بما هو كائن ، ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطول الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي ، اسمه اسمي. فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ! من أي ولدك ؟ قال: من ولدي هذا ، وضرب بيده على الحسين »(1).
الوجه السادس : احتمال التصحيف في الاسم من (الحسين) إلى (الحسن) في حديث أبي داود غير مستبعد بقرينة اختلاف النقل، ومع عكس الاحتمال فإنه خبر واحد لايقاوم المتواتر كما سنفصله في محلّه .
الوجه السابع : يحتمل قوياً وضع الحديث لما فيه من العلل المتقدمة ، ويؤيد هذا الاحتمال أن الحسنيّين وأتباعهم وأنصارهم زعموا مهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى ابن الاِمام الحسن السبط عليه السلام ، الذي قتل سنة (451 هـ) في زمن المنصور العباسي، نظير ما حصل ـ بعد ذلك ـ من قبل العباسيين وأتباعهم في ادعاء مهدوية محمد بن عبدالله المنصور الخليفة العباسي الملقب بالمهدي (158 ـ 169 هـ) لما في ذلك من تحقيق اهداف ومصالح سياسية كبيرة لايمكن الوصول اليها بسهولة من غير هذا الطريق المختصر.

____________
(1) المنار المنيف لابن القيم : 148 | 329 فصل | 50 ، عن الطبراني في الاوسط ، عقد الدرر : 45 من الباب الاَول وفيه : (أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي) ، ذخائر العقبى | المحب الطبري : 136 ، وفيه : (فيحمل ماورد مطلقاً فيما تقدم على هذا المقيد) ، فرائد السمطين 2 : 325 | 575 باب | 61 ، القول المختصر لابن حجر : 7 | 37 باب | 1 ، فرائد فوائد الفكر : 2 باب | 1 ، السيرة الحلبية 1 : 193 ، ينابيع المودة 3 : 63 باب | 94 ، وهناك أحاديث أُخرى بهذا الخصوص في مقتل الاِمام الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي 1 : 196 ، وفرائد السمطين 2 : 310 ـ 315 | الاحاديث 561 ـ 569، وينابيع المودة 3 : 170 | 212 باب 93 وباب 94.
ومن مصادر الشيعة أُنظر : كشف الغمة 3 : 259 ، وكشف اليقين : 117 ، واثبات الهداة 3 : 617 | 174 باب 32 ، وحلية الابرار 2 : 701 | 54 باب | 41، وغاية المرام : 694 | 17 باب | 141 ، وفي منتخب الاَثر الشيء الكثير من تلك الاحاديث المخرجه من طرق الفريقين ، فراجع.

( 66 )

الحديث غير معارض لاَحاديث : المهدي من ولد الحسين عليه السلام :
مع فرض صحة الحديث ـ على الرغم مماتقدم فيه ـ فإنّه لاتعارض بينه وبين الاحاديث الاَُخرى المصرحة بكون المهدي من ولد الاِمام الحسين عليه السلام ويمكن الجمع بينه وبينها ، بأن يكون الاِمام المهدي عليه السلام حسيني الاَب حسني الاَُم ؛ وذلك لاَنّ زوجة الاِمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، أُم الاِمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام هي فاطمة بنت الاِمام الحسن المجتبى عليه السلام .
وعلى هذا يكون الاِمام الباقر عليه السلام حسيني الاَب حسني الاَُم ، وذريته تكون من ذرية السبطين حقيقة .
وهذا الجمع له مايؤيده من القرآن الكريم قال تعالى : (
ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان... وعيسى وإلياس كل من الصالحين) الانعام : 6 | 84 ـ 85.
فعيسى عليه السلام أُلحق بذراري الانبياء من جهة مريم عليها السلام ، فلا مانع اذن في ان تُلحق ذرية الإمام الباقر بالامام الحسن السبط من جهة الاَُم كما أُلحق السبطان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهة فاطمة الزهراء عليها السلام .
وهذا الجمع بين الاخبار لاينبغي الشك فيه مع افتراض صحة حديث أبي داود وان كان مخالفاً للصحة من كل وجه كما تقدم .
وإلى هنا اتضح لنا أن الاحتمال الثاني ـ أعني كون الاِمام المهدي من ولد الاِمام الحسين عليه السلام ـ لم يكن مجرد احتمال، وإنما هو الواقع بعينه ، سواء قلنا بصحة حديث كون المهدي من ولد الاِمام الحسن السبط عليه السلام أو لم نقل بذلك .
أمّا مع فرض القول بصحة الحديث، فلا تعارض بينه وبين أحاديث كون المهدي من ولد الاِمام الحسين عليه السلام ، بل هو مؤيد لها كما تقدم.
وأمّا مع القول بعدم صحته ـ وهو الحق لما تقدم في الوجوه السبعة

( 67 )
ـ فالحال أوضح من أن يحتاج إلى بيان ؛ لما قلناه سابقاً من أن إثبات بطلان أحد الاحتمالين يعني القطع بمطابقة الآخر للواقع لاستحالة بطلانهما معاً، إذ المتيقن هو كون المهدي الموعود من ولد فاطمة عليها السلام حقاً.

ما ورد معارضاً لكون المهدي من أولاد الحسين عليه السلام :
لقد اتضح من خلال البحث في طوائف أحاديث نسب الاِمام المهدي، أنه لابدّ وأن يكون من أولاد الاِمام الحسين عليه السلام ، وقبل بيان مثبتات هذه النتيجة ـ التي يترتب عليها اعتقاد الشيعة الامامية بأنّ المهدي هو التاسع من صلب الاِمام الحسين عليه السلام ، وأنه قد وُلد حقاً وهو محمد بن الحسن العسكري عليه السلام ، لا بدّ من التوقف برهة مع ما ورد معارضاً لذلك في لسان بعض الروايات ـ من طريق أهل السنّة ـ التي عينت اسم أبي المهدي بـ : (عبدالله) ، مما نجم عنها اعتقاد بعضهم بأنّ المهدي هو محمد بن عبدالله ، وأنه لم يولد بعد ، وإنما سيولد قبيل ظهوره في آخر الزمان.
ولما كان التواتر حاصلاً لمهديٍّ واحد ، فلابدّ وأن يكون أحد الفريقين ينتظر مهدياً لا واقع له ، وهذا ما يستدعي وجوب مراجعة كل فريق لاَدلّته بمنظار أنها خطأ يحتمل الصواب ، والنظر لما عند الآخر باعتبار انه صواب يحتمل الخطأ ، وهذا وإن عزّ ، فلا يعدم عند من يسعى لادراك الصواب ـ قبل فوات الاَوان ـ أينما كان .
ولاَجل معرفة الصحيح في اسم أبي المهدي أهو : عبدالله، أو الحسن؟ نقول :

أحاديث : «اسم أبيه اسم أبي» (عبدالله) :
نودُّ الاشارة قبل دراسة هذه الاَحاديث إلى أنّ بعض علماء الشيعة

( 68 )
أوردوا بعضها ، لا إيماناً بها، لمخالفتها لاُصول مذهبهم ، وإنما لاَمانتهم في نقلها من كتب أهل السنة دون تحريف أو حذف ؛ إمّا لاِمكان تأويلها بما لايتعارض وأُصول المذهب ، وإمّا للبرهنة على الاَمانة في النقل ، وإيقاف المسلمين على مناقشاتهم لها ، وهي :
1 ـ الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة ، والطبراني ، والحاكم ، كلّهم من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : «لاتذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلاً يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(1).
2 ـ الحديث الذي أخرجه أبو عمرو الداني، والخطيب البغدادي كلاهما من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : «لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(2).
3 ـ الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد، والخطيب ، وابن حجر، كلهم من طريق عاصم أيضاً ، عن زرّ ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(3).
4 ـ الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد بسنده عن أبي الطفيل قال :
____________
(1) المصنف لابن أبي شيبة 15 : 198 | 19493 ، المعجم الكبير للطبراني 10 : 163 | 10213 و 10 : 166 | 10222 ، مستدرك الحاكم 4 : 442 . وأورده من الشيعة المجلسي في بحار الانوار 51 : 82 | 21 ، عن كشف الغمة للاربلي 3 : 261 ، والاخير نقله عن كتاب الاربعين لابي نعيم.
(2) سنن أبي عمرو الداني : 94 ـ 95 ، تاريخ بغداد 1: 370 ولم يروه احد من الشيعة.
(3) تاريخ بغداد 5 : 391 ، كتاب الفتن لنعيم بن حماد 1 : 367 | 1076 و 1077 وفيه يقول ابن حماد : «وسمعته غير مرّة لايذكر اسم ابيه» ، وأخرجه في كنز العمال 14 : 268 | 38678 عن ابن عساكر ، ونقله السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن 156 | 196 و 197 باب | 163 عن فتن ابن حماد ، كما أورده ابن حجر في القول المختصر : 40 | 4 مرسلاً.

( 69 )
«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي»(1).

حقيقة هذا التعارض وبيان قيمته العلمية :
هذه هي الاَحاديث التي جعلت مبرراً لاختيار (محمد بن عبدالله) كمهديٍّ في آخر الزمان، وكلها لاتصحّ حجة ومبرراً لهذا الاختيار. وقد علمت أن الثلاثة الاُولى منها كلّها تنتهي إلى ابن مسعود من طريق واحد وهو طريق عاصم بن أبي النجود . وسوف يأتي ما في هذا الطريق مفصّلاً.
وأما الحديث الرابع، فسنده ضعيف بالاتفاق اذ وقع فيه رِشْدِينُ بن سعد المهري وهو : رِشْدِينُ بن أبي رِشْدِين المتّفق على ضعفه بين أرباب علم الرجال من أهل السُنّة .
فعن أحمد بن حنبل : أنه ليس يبالي عمّن روى ، وقال حرب بن إسماعيل : « سألت أحمد بن حنبل عنه ، فضعّفه » ، وعن يحيى بن معين: لا يكتب حديثه . وعن أبي زرعة : ضعيف الحديث ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث ، وقال الجوزجاني : عنده معاضيل ، ومناكير كثيرة ، وقال النسائي: متروك الحديث لا يُكتَب حديثه .
وبالجملة فإنّي لم أجد أحداً وثّقه قطّ إلاّ هيثم بن ناجة فقد وثّقه وكان أحمد بن حنبل حاضراً في المجلس ، فتبسّم ضاحكاً ، وهذا يدلّك على تسالمهم على ضعفه(2).

____________
(1) الفتن لنعيم بن حماد 1 : 368 | 1080 وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن: 257 | 200 .
(2) راجع : تهذيب الكمال 9 : 191 | 1911، وتهذيب التهذيب 3 : 240 ففيهما جميع ماذكر بحق رِشْدِين بن أبي رِشْدِين.

( 70 )
ولا شك ، أنَّ من كان حاله كلما عرفت فلا يؤخذ عنه مثل هذا الامر الخطير.
وأما الاَحاديث الثلاثة الاُولى ، فهي ليست بحجة من كل وجه ، ومما يوجب وهنها وردها هو ان عبارة : (واسم أبيه اسم أبي) لم يروها كبار الحفّاظ والمحدّثين، بل الثابت عنهم رواية : (واسمه اسمي) فقط من دون هذه العبارة كما سنبرهن عليه ، هذا مع تصريح بعض العلماء من أهل السنة الذين تتبعوا طرق عاصم بن أبي النجود بأن هذه الزيادة ليست فيها، كما سيأتي مفصلاً .
ومن ثم ، فإن إسناد هذه الاَحاديث الثلاثة ينتهي إلى ابن مسعود فقط، بينما المروي عن ابن مسعود نفسه كما في مسند أحمد ـ وفي عدة مواضع ـ (واسمه اسمي) فقط(1)، وكذلك الحال عند الترمذي فقد روى هذا الحديث من دون هذه العبارة ، مشيراً إلى أنّ المروي عن علي عليه السلام ، وأبي سعيد الخدري ، وأُم سلمة ، وأبي هريرة هو بهذا اللفظ (واسمه اسمي) ثم قال ـ بعد رواية الحديث عن أبن مسعود بهذا اللفظ ـ : (وفي الباب : عن علي، وأبي سعيد ، وأُم سلمة ، وأبي هريرة . وهذا حديث حسن صحيح »(2)
وهكذا عند أكثر الحفاظ ، فالطبراني مثلاًأخرج الحديث عن ابن مسعود نفسه من طرق أُخرى كثيرة ، وبلفظ : ( اسمه اسمي ) ، كما في أحاديث معجمه الكبير المرقمة : 10214 و10215 و10217 و10218 و10219 و10220 و10221 و10223 و10225 و10226 و10227 و10229 و10230 .

____________
(1) مسند أحمد 1 : 376 و 377 و 430 و 448.
(2) سنن الترمذي 4 : 505 | 2230.

( 71 )
وكذلك الحاكم في مستدركه أخرج الحديث عن ابن مسعود بلفظ: (يواطئ اسمه اسمي) فقط ، ثم قال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(1)وتابعه على ذلك الذهبي ، وكذلك نجد البغوي في مصابيح السنّة يروي الحديث عن ابن مسعود من دون هذه الزيادة مع التصريح بحسن الحديث(2).
وقد صرح المقدسي الشافعي بأن تلك الزيادة لم يروها أئمة الحديث ، فقال ـ بعد أن أورد الحديث عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة ـ : « أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم ، منهم الاِمام أبو عيسى الترمذي في جامعه ، والاِمام أبو داود في سننه ، والحافظ أبو بكر البيهقي ، والشيخ أبو عمرو الداني ، كلهم هكذا »(3)أي : ليس فيه : (واسم أبيه اسم أبي) ثم أخرج جملة من الاَحاديث المؤيدة لذلك مشيراً إلى من أخرجها من الاَئمة الحفاظ كالطبراني ، وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، وأبي داود ، والحافظ أبي داود ، والبيهقي ، عن عبدالله بن مسعود ، وعبدالله بن عمر ، وحذيفة.(4)
هذا زيادة على ما مرّ من اشارة الترمذي إلى تخريجها عن علي عليه السلام ، وأبي سعيد الخدري ، وأُم سلمة ، وأبي هريرة ؛ كلهم بلفظ : (واسمه اسمي) فقط.
ولا يمكن تعقّل اتفاق هؤلاء الاَئمة الحفاظ بإسقاط هذه الزيادة (واسم أبيه اسم أبي) لو كانت مروية حقاً عن ابن مسعود مع أنّهم رووها من طريق عاصم بن أبي النجود، بل ويستحيل تصور إسقاطهم لها لما فيها من أهمية
____________
(1) مستدرك الحاكم 4 : 442.
(2) مصابيح السنة 492|4210.
(3) عقد الدرر : 51 | باب 2.
(4) عقد الدرر : 51 ـ 56 | باب 2.

( 72 )
بالغة في النقض على مايدعيه الطرف الآخر .
ومن هنا يتضح أنّ تلك الزيادة قد زيدت على حديث ابن مسعود من طريق عاصم إما من قِبَل أتباع الحسنيين وأنصارهم ترويجاً لمهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى، أو من قبل أتباع العباسيين ومؤيديهم في ما زعموا بمهدوية محمد بن عبدالله ـ أبي جعفر ـ المنصور العباسي .
وقد يتأكد هذا الوضع فيما لو علمنا بأنّ الاَول منهما كانت رتّة في لسانه، مما اضطر أنصاره على الكذب على أبي هريرة ، فحدّثوا عنه أنه قال : « إن المهدي اسمه محمد بن عبدالله في لسانه رتّة »(1).
ولما كانت الاَحاديث الثلاثة الاَُولى من رواية عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش عن عبدالله بن مسعود ، مخالفة لما أخرجه الحفاظ عن عاصم من أحاديث في المهدي ـ كما مر ـ ، فقد تابع الحافظ أبو نعيم الاَصبهاني (ت|430هـ) في كتابه (مناقب المهدي) طرق هذا الحديث عن عاصم حتى أوصلها إلى واحد وثلاثين طريقاً ، ولم يُرْوَ في واحد منها عبارة (واسم ابيه اسم أبي) بل اتفقت كلها على رواية (واسمه اسمي) فقط. وقد نقل نص كلامه الكنجي الشافعي (ت|638 هـ) ثم عقّب عليه بقوله : «ورواه غير عاصم ، عن زر ، وهو عمرو بن حرة ، عن زر كل هؤلاء رووا (اسمه اسمي) إلاّ ما كان من عبيد الله بن موسى ، عن زائدة ، عن عاصم ، فإنّه قال فيه : (واسم أبيه اسم أبي) . ولايرتاب اللبيب أن هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الاَئمة على خلافها ـ إلى أن قال ـ والقول الفصل في ذلك : إن الاِمام أحمد ـ مع ضبطه وإتقانه ـ روى هذا
____________
(1) هذا الحديث الموضوع منقول في معجم أحاديث الاِمام المهدي عن مقاتل الطالبيين: 163 ـ 164.

( 73 )
الحديث في مسنده [ في ] عدة مواضع : واسمه اسمي»(1).
ومن هنا يُعلم أنّ حديث : (.. واسم أبيه اسم أبي) فيه من الوهن ما لايمكن الاعتماد عليه في تشخيص اسم والد المهدي المباشر .
وعليه ، فان من ينتظر مهديّاً باسم (محمد بن عبدالله) إنما هو في الواقع ـ وعلى طبق ما في التراث الاسلامي من أخبار ـ ينتظر سراباً يحسبه الضمآن ماء .
ولهذا نجد الاستاذ الاَزهري سعد محمد حسن يصرّح بأن أحاديث (اسم أبيه اسم أبي) أحاديث موضوعة ، ولكن الطريف في تصريحه أنّه نسب الوضع إلى الشيعة الامامية لتؤيد بها وجهة نظرها على حد تعبيره(2)!!
ويتضح مما تقدم أنَّ نتيجة البحث في طوائف أحاديث نسب الاِمام المهدي ، قد انتهت إلى كونه من ولد الاِمام الحسين عليه السلام؛ لضعف سائر الاَحاديث التي وردت مخالفة لتلك النتيجة، مع عدم وجود أية قرينة تشهد بصحة تلك الاَحاديث، بل توفرت القرائن الدالة على اختلاقها.
واذا عدنا الى نتيجة البحث في الطوائف المتقدمة نجدها مؤيدة بما تواتر نقله عند المسلمين .

مؤيدات كون المهدي من ولد الحسين عليه السلام
هناك أحاديث كثيرة عند الشيعة الامامية عيّنت الاَئمة الاثني عشر بأسمائهم واحداً بعد آخر ابتداءً بالامام علي وانتهاء بالمهدي عليهم السلام ، مع مجموعة من الاَحاديث في تعيين كل إمام لاحق بنصّ من الاِمام السابق .
____________
(1) البيان في أخبار صاحب الزمان | الكنجي الشافعي : 482.
(2) المهدية في الاِسلام | الاستاذ الازهري سعد محمد حسن : 69.

( 74 )
وأُخرى عند أهل السنة مصرحة بعدد الاَئمة تارة كما في الصحاح ، ومشخصة لاَسمائهم كما في كتب المناقب وغيرها وإلى جانب هذا توجد جملة من الاَحاديث المتّفق على صحّتها تدلّ على حياة المهدي ما بقي في الناس اثنان ، وهذا لايتمّ إلاّ بتقدير كونه التاسع من ولد الاِمام الحسين عليه السلام . وسوف لن نذكر من تلك الاحاديث إلاّ ما احتُجَّ به في كتب الفريقين.

حديث الثقلين :
مما لا شكّ فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد انتقل إلى الرفيق الاَعلى والسنة لم تدوّن بكل تفاصيلها في عهده ، وهو منزّه عن التفريط برسالته المحكوم ببقائها إلى يوم القيامة ، ومنزّه أيضاً عن إهمال أُمته مع نهاية رأفته بهم وشفقته عليهم ، فكيف يوكلهم إلى القرآن الكريم وحده مع ما فيه من محكم ومتشابه ، ومجمل ومفصّل ، وناسخ ومنسوخ ، فضلاً عمّا في آياته من وجوه ومحامل استخدمت للتدليل على صحة الآراء المتباينة كما نحسّ ونلمس عند أرباب المذاهب والفرق الاسلامية .
هذا ، مع علمه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه قد كُذِب عليه في حياته فكيف الحال إذن بعد وفاته ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي اتخذ بكتب الدراية مثالاً على التواتر اللفظي : «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» .
فمن غير المعقول إذن أن يدع النبي شريعته مسرحاً لاجتهادات الآخرين من دون أن يحدد لهم مرجعاً يعلم ما في القرآن حق علمه، وتكون السنة معلومة بكل تفاصيلها عنده .
وهذا هو القدر المنسجم مع طبيعة صيانة الرسالة ، وحفظها ، ومراعاة استمرارها منهجا وتطبيقاً في الحياة .

( 75 )
ومن هنا تتضح أهمية حديث الثقلين (القرآن والعترة) ، وقيمة إرجاع الاَمّة فيه إلى العترة لاَخذ الدين الحق عنهم ، كما تتضح أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرقة، منها في يوم الغدير ، وآخرها في مرضه الاَخير .
فعن زيد بن أسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : «كأنني قد دُعِيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، إنّ الله مولاي ، وأنا ولي كل مؤمن . من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1).
وعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2)، هذا فضلاً عن تأكيده صلى الله عليه وآله وسلم المستمر على الاقتداء بعترته أهل بيته ، والاهتداء بهديهم، والتحذير من مخالفتهم ، وذلك بجعلهم تارة كسفن للنجاة ، وأُخرى أماناً للاَُمّة ، وثالثة كباب حطّة .
وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سؤال واستفسار من النبي لتشخيص المراد بأهل البيت ، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول : «اللّهم هؤلاء أهلي» وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام ، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر
____________
(1) مستدرك الحاكم 3 : 109.
(2) سنن الترمذي 5 : 662 | 3786، وحديث الثقلين قد روي عن أكثر من ثلاثين صحابياً، وبلغ عدد رواته عبر القرون المئات. راجع حديث الثقلين تواتره، فقهه، للسيد علي الحسيني الميلاني : 47 ـ 51. فقد ذكر فيه بعض الرواة وفيه الكفاية.

( 76 )
واختصاص . وإلا فتسعة أشهر وهي المدّة التي أخبر عنها ابن عباس في وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب فاطمة صباح كل يوم وهو يقرأ : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )(1)كافية لاَن يعرف الجميع من هم أهل البيت عليهم السلام .
ومع هذا فلا معنى لسؤالهم واستفسارهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمّن يعصموا الاَُمّة بعده من الضلالة إلى يوم القيامة فيما لو تمسكت بهم مع القرآن.
فحاجة الاَُمّة ـ والصحابة أيضاً ـ ليس أكثر من تشخيص أولهم ليكون المرجع للقيام بمهمته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يأخذ دوره في عصمة الاَُمّة من الضلالة ، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمة، وهكذا حتى يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن على النبي الحوض.
وإذا علمت أن علياً عليه السلام قد تعيّن بنصوص لاتحصى ، ومنها في حديث الثقلين نفسه ، فليس من الضروري إذن أن يتولّى النبي بنفسه تعيين من يلي أمر الاَُمّة باسمه في كل عصر وجيل ، إن لم نقل إنه غير طبيعي لولا أن تقتضيه بعض الاعتبارات .
فالقياس إذن في معرفة إمام كل عصر وجيل : إمّا أن يكون بتعيينهم دفعة واحدة ، أو بنص السابق على إمامة اللاحق وهو المقياس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام ، وعرفته البشرية في سياساتها منذ أقدم العصور وإلى يوم الناس هذا.
وإذا ما عدنا إلى واقع أهل البيت عليهم السلام نجد النصّ قد توفر على إمامتهم بكلا طريقيه، ومن سَبَر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقيناً بأنهم ادعوا لانفسهم الاِمامة في عرض السلطة الزمنية ، واتخذوا من أنفسهم كما
____________
(1) الاحزاب : 33 | 33 . وانظر روايات وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب فاطمة وهو يقرأ الآية في تفسير الطبري : 22 | 6 .

( 77 )
اتخذهم الملايين من أتباعهم أئمة وقادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمانهم، مع إرشاد كل إمام أتباعه على من يقوم بأمر الاِمامة من بعده، وعلى هذا جرت سيرتهم ، فكانوا عرضة للمراقبة والسجون والاستشهاد بالسم تارة ، وفي سوح الجهاد تارة أُخرى وعلى أيدي القائمين بالحكم أنفسهم.
ثم لو فرض أنّ أحدهم لم يعيّن لاَتباعه من يقوم بأمر الاِمامة من بعده، مع فرض توقف النص عليه ، فإنّ معنى ذلك بقاء ذلك الاِمام خالداً مع القرآن في كل عصر وجيل ؛ لاَنّ دلالة «لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» على استمرار وجود إمام من العترة في كل عصر كاستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة ، ولهذا ذهب ابن حجر إلى القول : «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لاَهل الاَرض ، ويشهد لذلك الخبر :«في كلِّ خَلَفٍ من أُمتي عدول من أهل بيتي»(1).

حديث : (من مات ولم يعرف إمام زمانه) :
سُجّل هذا الحديث ـ بألفاظٍ مختلفةٍ وكلّها ترجع إلى معنىً واحدٍ ومقصدٍ فارد ـ : في أُمهات كتب الحديث السنية والشيعية ، ويكفي على ذلك اتفاق البخاري ومسلم ـ من أهل السنة ـ على روايته(2)، والكليني، والصدوق، ووالده، والحميري، والصفار ـ من الشيعة الاِمامية ـ على
____________
(1) الصواعق المحرقة : 149.
(2) صحيح البخاري 5 : 13 باب الفتن ، صحيح مسلم 6 : 21 ـ 22 | 1849 .

( 78 )
روايته أيضاً(1)، وقد أخرجه كثيرون بطرق لا طاقة على استقصائها(2).
اذن الحديث مما لامجال لاحد ان يناقش في سنده ، وان توهم الشيخ أبو زهرة فعدّه من روايات الكافي فحسب !(3).
والحديث كما ترى في تخريجه لايبعد القول بتواتره ، وهو لايحتمل التأويل ولاصرف دلالته الواضحة على وجوب معرفة الاِمام الحق على كل مسلم ومسلمة ، وإلاّ فإنّ مصيره ينذر بنهاية مهولة .
ومن ادعى ان المراد بالامام الذي من لايعرفه سيموت ميتة جاهلية هو السلطان أو الحاكم، أو الملك، ونحو ذلك وان كان فاسقاً ظالماً !! فعليه ان يثبت بالدليل ان معرفة الظالم الفاسق من الدين أولاً ، وان يبين للعقلاء الثمرة المترتبة على وجوب معرفة الظالم الفاسق بحيث يكون من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية .
وعلى أية حال ، فالحديث يدل على وجود امام حق في كل عصر وجيل، وهذا لايتم إلاّ مع القول بوجود الاِمام المهدي الذي هو حق ومن ولد فاطمة عليها السلام كما تقدم . ومما يؤيده :

____________
(1) أُصول الكافي 1 : 303 | 5 و 1 : 308 | 1 ـ 3 و 1 : 378 | 2 ، وروضة الكافي 8 : 129 | 123 ، كمال الدين 2 : 412 ـ 413 | 10 و 11 و 12 و 15 باب 39 ، الاِمامة والتبصرة : 219 | 69 و 70 و 71 ، قرب الاسناد : 351 | 1260 ، بصائر الدرجات : 259 و 509 و 510.
(2) انظر: مسند احمد 2 : 83 و 3 : 446 و 4 : 96 ، مسند أبي داود الطيالسي : 259 ، المعجم الكبير للطبراني 10 : 350 | 10687 ، مستدرك الحاكم 1 : 77 ، حلية الاولياء 3 : 224 ، الكنى والاسماء 2 : 3 ، سنن البيهقي 8 : 156 ، 157 ، جامع الاصول 4 : 70 ، شرح صحيح مسلم للنووي 12 : 440 ، تلخيص المستدرك للذهبي 1 : 77 و 177 ، مجمع الزوائد للهيثمي 5 : 218 و 219 و 223 و 225 و312 ، تفسير ابن كثير 1 : 517 . كما أخرجه الكشي في رجاله : 235 | 428 في ترجمة سالم بن أبي حفصة .
(3) الاِمام الصادق | أبو زهرة : 194.

( 79 )

حديث : (إنَّ الارض لاتخلو من قائم لله بحجة) :
وهذا الحديث قد احتج به الطرفان أيضاً وأوردوه من طرق عدّة(1).
وقد رواه كميل بن زياد النخعي الجليل الثقة عن أمير المؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة ، قال عليه السلام ـ بعد كلام طويل ـ : «اللّهم بلى ! لا تخلو الارض من قائم لله بحجة» .
وعدم خلو الارض من قائم لله بحجة لايتم مع فرض عدم ولادة الاِمام المهدي عليه السلام ، وقد تنبه لهذا ابن أبي الحديد حتى قال في شرح هذه العبارة : (كي لايخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده ، ومسيطر عليهم. وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الامامية ، إلاّ أن اصحابنا يحملونه على ان المراد به الابدال)(2).
وقد فهم ابن حجر العسقلاني منه انه اشارة إلى مهدي أهل البيت عليهم السلام فقال ما نصه : « وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الاَُمّة مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الاقوال : ان الاَرض
____________
(1) أورد هذا الحديث الاسكافي المعتزلي في المعيار والموازنة : 81 ، وابن قتيبة في عيون الاخبار : 7 ، واليعقوبي في تاريخه 2 : 400 ، وابن عبد ربه في العقد الفريد 1 : 265 ، وأبو طالب المكي في قوت القلوب في معاملة المحبوب 1 : 227 ، والبيهقي في المحاسن والمساوئ : 40 ، والخطيب في تاريخه 6 : 479 في ترجمة اسحاق النخعي ، والخوارزمي الحنفي في المناقب : 13 ، والرازي في مفاتيح الغيب 2 : 192 وابن أبي الحديد في شرح النهج كما سيأتي ، وابن عبد البر في المختصر : 12 والتفتازاني في شرح المقاصد 5 : 241 وابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري 6 : 385.
وقد أخرجه الكليني من طرق عن أمير المؤمنين عليه السلام في أُصول الكافي 1 : 136 | 7 و 1 : 270 | 3 و 1 : 274 | 3 ، والصدوق في كمال الدين 1 : 287 | 4 ب 25 و 1 : 289 ـ 294 | 2 ب 26 من طرق كثيرة و 1 : 10302 ب 26 .
(2) شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد 18 : 351.

( 80 )
لاتخلو من قائم لله بحجة)(1).
أقول : ومما يقرب دلالة العبارة في النهج على الاِمام المهدي هو ما اتصل بها من كلام أمير المؤمنين عليه السلام . وهذا نصه : «يا كميل بن زياد ، ان هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، فاحفظ عني ما أقول لك : الناس ثلاثة: فعالم ربانيّ ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ـ إلى ان قال عليه السلام ـ اللّهم بلى ! لاتخلو الارض من قائم لله بحجة ، إمّا ظاهراً مشهوراً ، واما خائفاً مغموراً ؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته»(2).
ومن هنا جاء في الحديث الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء الخفاف قال : «قلت لابي عبدالله عليه السلام : تكون الارض ليس فيها امام ؟ قال : لا... الحديث»(3).
واذا ما أضيف هذا إلى حديث الثقلين ، وحديث من مات ، وحديث (الخلفاء اثنا عشر) الآتي ، علم ان الاِمام المهدي لو لم يكن مولوداً حقاً لوجب ان يكون من سبقه حيا إلى قيام الساعة، ولكن لا أحد يقول من المسلمين بحياة امام غير المهدي عليه السلام ثاني عشر أهل البيت وهم من عينت الصحاح عددهم ، وبينت كتب المناقب اسماءهم .

أحاديث : (الخلفاء اثنا عشر) :
أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال : «سمعت النبي
____________
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 6 : 385.
(2) شرح نهج البلاغة | الشيخ محمد عبده 4 : 691 | 85 ، وشرح ابن أبي الحديد 18 : 351.
(3) أُصول الكافي 1 : 136 | 1 باب ان الارض لاتخلو من حجة وسند الحديث هو : «عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء عن الاِمام الصادق عليه السلام».

( 81 )
صلى الله عليه وسلم يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » ، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي : إنّه قال: « كلّهم من قريش»(1).
وفي صحيح مسلم : «ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(2).
وفي مسند أحمد بسنده عن مسروق قال : « كنا جلوساً عند عبدالله بن مسعود وهو يقرأ القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ! هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الاَُمّة من خليفة ؟ فقال عبدالله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل »(3).
ويستفاد من هذه الاَحاديث أُمور ، وهي :
1 ـ إن عدد الاَُمراء أو الخلفاء لايتجاوز الاثني عشر وكلّهم من قريش بلا خلاف . وهذا العدد ينطبق تماماً مع ماتعتقده الشيعة بعدد الاَئمة وهم كلّهم من قريش.
قد يقال : ان التعبير بـ (الامراء أو الخلفاء) لاينطبق مع واقع الاَئمة عليهم السلام ، والجواب واضح جداً ؛ لاَنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أراد بذلك الاِمرة والاستخلاف باستحقاق ، وحاشاه أن يقصد بذلك معاوية ويزيد ومروان وأمثالهم الذين لعبوا ما شاؤوا بمقدرات الاَُمّة .
بل المراد بالخليفة هو من يستمد سلطته من الشارع المقدس،
____________
(1) صحيح البخاري 4 : 164 كتاب الاحكام باب الاستخلاف ، وأخرجه الصدوق عن جابر بن سمرة أيضاً في كمال الدين 1 : 272 | 19 ، والخصال 2 : 469 و 475 .
(2) صحيح مسلم 2 : 119 كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش، أخرجه من تسعة طرق.
(3) مسند أحمد 5 : 90 و93 و97 و100 و106 و107، وأخرجه الصدوق عن ابن مسعود في كمال الدين 1 : 270 | 16.

( 82 )
ولاينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم.
ولهذا جاء في (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) ما نصه : «قال التوربشتي : السبيل في هذا الحديث ومايتعقبه في هذا المعنى أنه يحمل على المقسطين منهم، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة ولايلزم أن يكونوا على الولاء ، وان قدّر أنّهم على الولاء ، فإنّ المراد منه المسمّون بها على المجاز ، كذا في المرقاة»(1).
2 ـ إنّ هؤلاء الاثني عشر معنيّون بالنص كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل ، قال تعالى : (
ولقد أخذ اللهُ ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )(2).
3 ـ إن هذه الاَحاديث تفترض عدم خلو الزمان من الاثني عشر جميعاً، وأنه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة.
وقد أخرج مسلم في صحيحه وبنفس الباب ما هو صريح جداً بهذا، إذ ورد فيه : «لايزال هذا الاَمر في قريش ما بقي من الناس اثنان» .(3).
وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما تقوله الشيعة بأنّ الاِمام الثاني عشر (المهدي) حيّ كسائر الاَحياء ، وأنه لابدّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً على وفق ما بشر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .
وغير خاف على أحد أن أهل السنة لم يتّفقوا قطّ على تسمية الاثني عشر حتى إنّ بعضهم اضطر إلى إدخال يزيد بن معاوية ومروان وعبد الملك ونحوهم وصولاً إلى عمر بن عبد العزيز لاَجل اكتمال نصاب الاثني
____________
(1) عون المعبود 11 : 262 شرح الحديث 4259.
(2) المائدة : 5 | 12.
(3) صحيح مسلم 2 : 121.

( 83 )
عشر(1)!!
وهو بلا أدنى شكّ تفسير خاطئ غير منسجم مع نصّ الحديث . إذ يلزم منه خلو جميع العصور بعد عصر عمر بن عبد العزيز من الخليفة بينما المفروض أنّ الدين لايزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة .
إنّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا تفسير لو تخلّينا عن حملها على هذا المعنى ، لبداهة ان السلطنة الظاهرية قد تولاّها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الاَحاديث فضلاً عن انقراضهم أجمع وعدم النصّ على أحد منهم ـ أُمويين أو عباسيين ـ باتفاق المسلمين .
وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي : (قال بعض المحققين : إنَّ الاَحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا ، الاَئمة اثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لايمكن ان يُحْمَل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر ، ولايمكن أن نحمله على الملوك الاُمويّة لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لاَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « كلّهم من بني هاشم » ، في رواية عبد الملك ، عن جابر ، وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجّح هذه الرواية : لاَنهم لايُحسنون خلافة بني هاشم . ولايمكن أن يحمل على الملوك العباسية ؛ لزيادتهم على العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم...
ويؤيد هذا المعنى ـ أي : أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاَئمة الاثنا عشر من أهل
____________
(1) أُنظر اقوالهم في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي 1 : 13 ـ 15 من القسم الاَول ، وتفسير ابن كثير 2 : 34 عند تفسير الآية 12 من سورة المائدة، وشرح العقيدة الطحاوية 2 : 736، وشرح الحافظ ابن القيم على سنن أبي داود 11 : 263 شرح الحديث 4259، والحاوي للفتاوى 2 : 85 .

( 84 )
بيته ـ ويرجّحه حديث الثقلين »(1).
ولايخفى أنّ حديث : (الخلفاء اثنا عشر) قد سبق التسلسل التاريخي للاَئمة الاثني عشر وضبط في كتب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الاِمامي ، فهو ليس انعكاساً لواقع وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لاينطق عن الهوى ، فقال : «الخلفاء بعدي اثنا عشر» ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدئ بأمير المؤمنين علي والمنتهي بالامام المهدي عليهم السلام وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث(2).
فالصحيح إذن أن يعتبر الحديث من دلائل النبوّة في صدقها عن الاِخبار بالمغيّبات، أمّا محاولات تطبيقه على من عرفوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الاُمويين والعباسيين وغيرهم فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقاً على الرغم مما في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ يعني ذلك انه أخبر ببقاء الدين إلى زمان عمر بن عبد العزيز مثلاً ، لا إلى ان تقوم الساعة !!

النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يوضح المراد
بالخلفاء الاثني عشر :
لاَجل متابعة الاَدلة الاَُخرى التي توضح المراد بحديث : (الخلفاء اثنا عشر) ، وتُعيِّن لنا شخص الاِمام المهدي باسمه ونسبه وحسبه ؛ لابدّ من التذكير قبل ذلك بأمرٍ هو في غاية الاَهمية ، بحيث لو تدّبره المنصف، وأمعن النظر فيه لما بقيت هناك أدنى غشاوة على عينيه ، ولاكتفى
____________
(1) ينابيع المودة 3 : 105 باب 77 في تحقيق حديث بعدي اثنا عشر خليفة.
(2) بحث حول المهدي | الشهيد محمد باقر الصدر : 54 ـ 55.

( 85 )
بالمقاييس السابقة التي تركها لنا النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم لمعرفة امام الزمان في كل عصر وجيل، ولم يطلب بعدها أي دليل آخر .
وأعني بهذا الاَمر تاريخنا الاسلامي الذي تعاقبت عليه منذ البدء أنظمة اتفقت على اقصاء عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن السلطة اقصاءً تامّاً، فضلاً عما اقترفته تلك الانظمة ـ الاُموية والعباسية ـ من الاَُمور الفادحة بحق الذرية الطاهرة .
ومن البداهة ان يعزّ النص على الاَئمة الاثني عشر في الكتب المؤلَّفة بوحيٍ من الحكّام وفي ظل تلك الانظمة التي اجتاحت آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأوشكت ان تبيد أولاد البتول عليهم السلام ، حين ضرّجت رمضاء كربلاء بدم خامس أصحاب الكساء صلوات الله عليه وسلم .
ومن غير المعقول ان يدين الظالم نفسه فيسمح برواية كون المهدي هو التاسع من أولاد الحسين عليه السلام ، أو أن المقصود بالخلفاء الاثني عشر هم أئمة الشيعة الاثني عشر ، اللّهم إلاّ ما خرج من تلك الروايات عن رقابته، ورُوي بعيداً عن مسامعه . وعلى الرغم من هذا الحصار فان ما ظهر منها انتشر كضوء النهار.

ولايصحّ في الاَفهام شيءٌ * إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ

وهذا مما لاينبغي اغفاله، ونحن نستعرض باختصار بعض الاحاديث المبينة لمعنى (الخلفاء اثنا عشر).
1 ـ في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : نقلاً عن كتاب المناقب للخوارزمي الحنفي بسنده عن الاِمام الرضا عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه التصريح باسماء الاَئمة الاثني عشر واحداً بعد واحد ابتداءً بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب وانتهاءً بالامام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليهم السلام .

( 86 )
قال القندوزي بعد روايته : «وأخرجه الحمويني»(1)أي : صاحب فرائد السمطين الجويني الحمويني الشافعي .
2 ـ وفي الينابيع أيضاً تحت عنوان : (في بيان الاَئمة الاثني عشر باسمائهم) . أورد عن فرائد السمطين بسنده عن ابن عباس حديثين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذكر الاَئمة باسمائهم، وأولهم علي وآخرهم المهدي عليهم السلام (2)، ونفس الشيء تجده في باب (في ذكر خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أوصيائه عليهم السلام )(3).
3 ـ وفيه أيضاً ، عن جابر بن عبدالله الانصاري ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «ياجابر إنَّ أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي ، أوّلهم علي ثم الحسن، ثم الحسين...» ثم ذكر الاَئمة التسعة من أولاد الحسين باسمائهم ابتداءً بعلي بن الحسين وانتهاءً بالامام المهدي بن الحسن العسكري عليهم السلام (4).
4 ـ وفي كمال الدين : «حدثنا الحسين بن أحمد بن ادريس رضي الله عنه ، قال : حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى؛ وابراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن جابر بن عبدالله الانصاري قال : دخلتُ على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه اسماء الاَوصياء ، فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم ، ثلاث منهم محمد ، وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم»(5).
ورواه من طريق آخر عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن محبوب إلى آخر
____________
(1) ينابيع المودة 3 : 161 ب 93.
(2) ينابيع المودة 3 : 99.
(3) ينابيع المودة 3 : 212 باب 93 .
(4) ينابيع المودة 3 : 170 باب 94 .
(5) كمال الدين 1 : 313 | 4 باب 28.

( 87 )
السند المتقدم.
وقد يقال : ان السند غير حجة من وجهين :
الاَول : إنَّ الحسين بن أحمد بن ادريس في السند الاول، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار في السند الثاني لم يوثقا.
قلتُ : هما من مشايخ الاجازة، ولم يذكر الصدوق أحدهما في جميع كتبه إلاّ مترضياً عليه ، ومن البداهة ان لايقال للفاسق (رضي الله عنه) بل يقال ذلك للرجل الجليل ، ولو تنزلنا بعدم دلالة هذا اللفظ على الوثاقة، فإنّه من البعيد كل البعد ان يتفق كل منهما على الكذب على أبيه ؛ لانهما رويا الحديث عن أبويهما .
ومما يدل على صدقهما ان الكليني أخرج الحديث بسند صحيح عن أبي الجارود وابتدأ السند بوالد شيخ الصدوق محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن جابر بن عبدالله الانصاري(1)، والمشايخ الثلاثة الاَُوَل في هذا السند من أجلاء المحدثين وثقاتهم المشهورين بالاتفاق .
الثاني : إنَّ أبا الجارود قد طعن عليه فالسند ليس بحجة.
والجواب : إنّ أبا الجارود تابعي ، ومن أين للتابعي أن يعلم بأنّ في اسماء الاَوصياء عليهم السلام ثلاثة باسم محمد ، وأربعة باسم علي ؟! وهذا هو المنطبق مع الواقع ، وقد مات أبو الجارود قبل اتمام هذا الواقع بعشرات السنين ، على أنّ الشيخ المفيد قد وثقه في رسالته العددية(2).

____________
(1) أُصول الكافي 1 : 532 | ح 9 باب 126 .
(2) سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد | جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية (الرسالة العددية) ـ طبع بيروت ـ 9 : 25 ، فقد جعله في عداد فقهاء أصحاب الاِمام الباقر عليه السلام ، ومن الاَعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام الذين لايطعن عليهم ولاطريق الى ذم واحد منهم ، على حد تعبيره رحمه الله .

( 88 )
هذا ، والصدوق أخرج حديث اللوح في أول الباب بهذا السند قال : «حدثني أبي ، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا سعد بن عبدالله ، وعبدالله بن جعفر الحميري جميعاً ، عن ابي الحسن صالح بن حماد والحسن بن طريف ، عن بكر بن صالح .
وحدثنا أبي ، ومحمد بن موسى المتوكل ، ومحمد بن علي ماجيلويه ، وأحمد بن علي بن ابراهيم ، والحسن بن ابراهيم بن ناتانة ، وأحمد بن زياد الهمداني رضي الله عنهم قالوا : حدثنا علي بن ابراهيم ، عن أبيه ابراهيم بن هاشم ، عن بكر بن صالح ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام .. الحديث».
والسندان صحيحان إلى بكر بن صالح الذي ضُعِّف. ولايضر ضعفه هنا لاَنّه من غير المعقول ان يخبر الرجل الضعيف عن شيء قبل أوانه ثم يتحقق ذلك الشيء على طبق ما أخبر به ، ثم لايكون المخبر ـ بعد ذلك ـ صادقاً ، فالرجل روى عن الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام فمن أين له ان يعلم بأولاده وصولاً إلى المهدي عليه السلام ؟! وهو كما يبدو من طبقته لم يدرك الاَئمة (الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام ) ، ويدلك على هذا إنّ من مشايخ الحسن بن طريف الراوي عن بكر بن صالح في السند الاول ، هو ابن أبي عمير(ت|217 هـ) ، ومن في طبقته .
5 ـ ما في كفاية الاَثر في النص على الاَئمة الاثني عشر للخزاز ـ من أعلام القرن الرابع الهجري ـ : فقد خصص كتابه كلّه في الاَحاديث الواردة في النص على الاَئمة الاثني عشر باسمائهم ، ولامجال لنقل رواياته ، ولكن لابأس بنقل ما جاء في مقدمة الكتاب ، قال : «وابتدئ بذكر الروايات في النصوص عليهم عليهم السلام من جهة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعروفين مثل : عبدالله بن عباس ، وعبدالله بن مسعود ، وأبي سعيد

( 89 )
الخدري ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وجابر بن سمرة ، وجابر ابن عبدالله ، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وعمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي أُمامة، وواثلة بن الاَسقع، وأبي أيوب الاَنصاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن أُسيد، وعمران بن الحصين، وسعد بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وأبي قتادة الاَنصاري، وعلي بن أبي طالب، وابنيه : الحسن والحسين عليهم السلام .
ومن النساء : أُم سلمة، وعائشة، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ثم أعقبه بذكر الاَخبار التي وردت عن الاَئمة صلوات الله عليهم ما يوافق حديث الصحابة في النصوص على الاَئمة ونص كل واحد منهم على الذي بعده ؛ ليعلموا ـ إن انصفوا ـ ويدينوا به، ولايكونوا كما قال الله سبحانه : (
فما اختلفوا إلاّ من بعد ماجاءهم العلم بغيا بينهم)(2) » الجاثية: 17.
6 ـ وأخرج في كمال الدين : عن محمد بن علي بن ماجيلويه ، ومحمد بن موسى بن المتوكل ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد ابن الحسن الصفار.
وعن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أبي طالب عبدالله بن الصلت القمي ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران قال : « كنتُ أنا وأبو بصير، ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر عليه السلام في منزلٍ بمكة، فقال محمد بن عمران : سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : « نحن اثنا عشر مهدياً » . فقال له أبو بصير : تالله لقد سمعتُ ذلك من أبي عبدالله عليه السلام ؟ فحلف مرة أو مرتين انه سمع ذلك منه، فقال أبو بصير : لكني سمعته من أبي جعفر عليه السلام » (2).

____________
(1) كفاية الاَثر | الخزاز : 8 ـ 9 من المقدمة ..
(2) كمال الدين 2 : 335 | 6 وذيل الحديث نفسه أيضاً.

( 90 )
وأخرجه الكليني عن محمد بن يحيى ، وأحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسين، عن أبي طالب ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران بتمام ألفاظه(1) .
وهو كما ترى ليس في سنده من يُتأمل في وثاقته فجميعهم من ثقات الرواة وإنْ وُجد في سند الصدوق ممدوح فقد كان إلى جنبه الثقة المأمون، وفيه كفاية على بيان المراد من حديث : (الخلفاء اثنا عشر).
7 ـ وفي الكافي بسند صحيح جداً : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري ، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال : « أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه الحسن بن علي عليه السلام وهو متكئ على يد سلمان ...» وفيه ذكر الاَئمة الاثني عشر جميعاً عليهم السلام ابتداءً بعلي عليه السلام وانتهاءً بالمهدي بن الحسن العسكري عليهما السلام (2).
قال الكليني : «وحدثني محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبي هاشم مثله سواء . قال محمد بن يحيى : فقلتُ لمحمد بن الحسن : يا أبا جعفر ، وددتُ ان هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبدالله ! قال ، فقال : لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين»(3).
والمراد بالحيرة هنا : غيبة الاِمام المهدي عليه السلام في سنة 260 هـ ، وهي
____________
(1) أُصول الكافي 1 : 534 ـ 535 | 20 باب 126. وقد عدّه المجلسي في مرآة العقول 6 : 235 حديثاً مجهولاً !
وهو اشتباه قطعاً، لتوفر النص على وثاقة رجال سند الكافي جميعاً من قبل الشيخ والنجاشي وجميع من تأخر عنهما. والظاهر انه اشتبه بمحمد بن عمران مولى أبي جعفرعليه السلام الذي لم يرد نص في توثيقه ، وهو لايضر وجوده لوجود الثقة معه واحراز سماع الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام من جهة أبي بصير فأي ضير في ان يُسمع الحديث من الصادق عليه السلام أيضاً .
(2) أُصول الكافي 1 : 525 | 1 باب 126 .
(3) أُصول الكافي 1 : 526 | 2 باب 126 .

( 91 )
السنة التي توفي فيها الاِمام العسكري ، وما قاله محمد بن يحيى لايوجب طعناً على أحمد بن أبي عبدالله البرقي ؛ لثقته بالاتفاق ، فكأن محمد بن يحيى تمنى أن يكون من حدّث شيخه الصفار بهذا الحديث قد مات في حياة الاِمام العسكري أو الاِمام الهادي عليهما السلام وليس البرقي الذي عاش إلى سنة 274هـ ، أو 280 هـ ، على قول آخر ؛ لاَن الاِخبار عن شيء قبل وقوعه، وتحقق ذلك الشيء على طبق الخبر يعد من الاعجاز الذي لايحتاج في قوة ثبوته إلى شهرة الخبر بتعدد رواته، اذ لامجال لتكذيبه بأي حال من الاحوال وان لم يروَ إلاّ بسند واحد .
فجاء الجواب من الصفار بأنّ ما رواه الثقة الجليل البرقي كان قبل وقوع الغيبة بعشر سنين .
ولا يخفى على أحد بان المخبر ـ الذي لم يوثق ـ عن شيء قبل وقوعه، لايشترط في قبول قوله أكثر من موافقته للشروط المنصوص عليها في قبول الخبر الضعيف ، أو تحققه على طبق خبره ؛ لاَنه كاشف عن صدقه ، حتى وان لم توثقه كتب الرجال (1).
ومثال هذا ما رواه الكليني والصدوق بسند صحيح ، عن أبان بن عياش، عن سليم بن قيس الهلالي ، عن عبدالله بن جعفر الطيار ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه النص على الاِمام عليٍّ وبعده ابنه الحسن، ثم ابنه الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثمّ محمد الباقر عليهم السلام ثمّ ، قال : «ثم تكملة اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين»(2).

____________
(1) وأما مع توفر وثاقة المخبر فلا يشترط ذلك بالاتفاق؛ إذ المفروض صدقه، وليس بعد الصدق إلاّ مطابقة الخبر للواقع كمسألة نزول عيسى وظهور المهدي وفتنة الدجال ونحوها، وان لم يتحقق شيء منها بعد.
(2) أُصول الكافي 1 : 529 | 4 باب 126 ، وكمال الدين 1: 270 | 15 باب 24، والخصال 2 : 477 | 41 من أبواب الاثني عشر .

( 92 )
فضعف أبان بن أبي عياش لايضر هنا لاِخباره عن واقع قد تحقق على طبق ما أخبر بعد سنين من وفاته ، وفي كمال الدين للصدوق روايات كثيرة من هذا الطراز ، ولكن من لاخبرة له قد جعلها ساقطة عن الاعتبار لضعفها سنداً في زعمه!! على الرغم من انحصار الضعف بالرواة الذين ماتوا قبل اكتمال التسلسل التاريخي للاَئمة الاثني عشر بأزمان بعيدة .
وينطبق هذا الاعجاز على غالبية أخبار غيبة الاِمام الثاني عشر عليه السلام كما شهد بذلك الصدوق ، فقال : «إنَّ الاَئمة عليهم السلام قد اخبروا بغيبته عليه السلام ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم، واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب المؤلفة من قبل ان تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر ، فليس أحد من أتباع الاَئمة عليهم السلام إلاّ وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته، وهي الكتب التي تعرف بالاُصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد عليهم السلام من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين ، وقد اخرجت ما حضرني من الاخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها .
فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة ، فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها ، وهذا محال عند أهل اللُّب والتحصيل . أو أن يكونوا أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق لهم الاَمر كما ذكروا ، وتحقق كما وضعوا من كذبهم ! على بعد ديارهم ، واختلاف آرائهم، وتباين أقطارهم ومحالهم. وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الاَوّل ، فلم يبقَ في ذلك إلاّ أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألّفوه في أُصولهم وبذلك وشبهه فلج الحقّ وزهق الباطل ، إن الباطل كان

( 93 )
زهوقا»(1) انتهى.
ولايخفى أنّ الاُصول التي أشار لها الصدوق متواترة النسبة إلى اصحابها عنده، كتواتر نسبة كمال الدين إلى الصدوق عندنا، وهذا يعني أنّ اخبار الغيبة حتى مع فرض انحصار الضعف بسندها ابتداءً فهو لايقدح بصحتها بعد نقلها من تلك الكتب مباشرة، وعلى الرغم من ذلك فسوف لن نحتج باخبار الشيعة الامامية إلاّ بما صح سنده مطلقاً إلى الاِمام عليه السلام ، أو إلى من أخبر بالواقع الاِمامي قبل اكتمال تسلسله التاريخي وإنْ لم تعرف وثاقته.

المهدي من أولاد الحسين ، وأنه التاسع من ولده عليهم السلام:
إنَّ هذه النتيجة وان ثبتت فيما تقدم إلاّ انه لابدّ من تأكيدها في هذا البحث ببعض النصوص التي احتج بها بعض أعلام أهل السنة أولاً، وباليسير الصحيح عند الشيعة روماً للاختصار ، وهي :
1 ـ الحديث المروي عن سلمان الفارسي ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي أيّوب الانصاري ، وابن عباس ، وعلي الهلالي ـ بألفاظ مختلفة ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : «يا فاطمة إنّا أهل بيت اعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الاَولين ولايدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت ـ إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ومنا مهدي الاَُمّة الذي يصلي عيسى خلفه ، ثم ضرب على منكب الحسين عليه السلام فقال : من هذا مهدي الاَُمّة»(2).

____________
(1) كمال الدين 1 : 19 من مقدمة المصنّف.
(2) أخرجه الدارقطني كما في البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي : 501 ـ 502 باب 9 ، والفصول المهمة | لابن الصباغ المالكي : 295 ـ 296 فصل | 120 ، وفضائل الصحابة للسمعاني على ما في ينابيع المودة : 49 باب 94 ، وقد صرّح في معجم أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام 1 : 145 | 77 بكثرة طرق هذا الحديث وانها ربما بلغت نحو مجلد .

( 94 )
2 ـ في عقد الدرر للمقدسي الشافعي : روى خبراً عن علي عليه السلام جاء فيه : إنّ المهدي «من ولد الحسين، ألا فمن تولى غيره لعنه الله»(1).
وقد أورده المقدسي محتجاً به فقال : «ونختم هذا الفصل بشيء من كلام الاِمام علي هازم الاَبطال فيما تضمنه من الاَهوال الشديدة والاُمور الصعاب وخروج الاِمام المهدي مفرج الكروب ، ومفرق الاَحزاب» ثم ذكر الحديث.
3 ـ وفي عقد الدرر : أيضاً عن جابر بن يزيد ، عن الاِمام الباقر عليه السلام في حديث طويل جاء فيه : «والمهدي ياجابر رجل من ولد الحسين»(2).
4 ـ وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول الاِمام علي عليه السلام : « وبنا تُختم لا بكم ». قال : «اشارة الى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة عليها السلام ، وأصحابنا المعتزلة لاينكرونه، وقد صرحوا بذكره في كتبهم، واعترف به شيوخهم ـ إلى أن قال ـ وروى قاضي القضاة رحمه الله تعالى عن كافي الكفاة أبي القاسم اسماعيل بن عباد رحمه الله باسناد متصل بعلي عليه السلام ، إنّه ذكر المهدي وقال : إنّه من ولد الحسين عليه السلام ، وذكر حِليتَه فقال : رجل أجلى الجبين ، اقنى الاَنف ، ضخم البطن ، أزيل الفخذين ، أبلج الثنايا ، بفخذه اليمنى شامة .
وذكر هذا الحديث بعينه عبدالله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث»(3) انتهى.
5 ـ وفي ينابيع المودة عن مناقب الخوارزمي : بسنده عن
____________
(1) عقد الدرر : 132 باب 4 فصل 2 .
(2) عقد الدرر : 126 باب 4 فصل 2 .
(3) شرح نهج البلاغة | ابن أبي الحديد 1 : 281 ـ 282 شرح الخطبة رقم | 16.

( 95 )
الحسين عليه السلام قال : «دخلت على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاجلسني على فخذه وقال لي : إنّ الله اختار من صلبك ياحسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء»(1).
6 ـ وفي الينابيع عن مناقب الخوارزمي أيضاً ، بسنده عن سلمان قال : «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنّ الحسين بن علي على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه، وهو يقول : أنت سيد ابن سيد، أخو سيد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام، أنت حجة أبو حجة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم»(2) .
وحديث سلمان رضي الله عنه رواه الصدوق في كتاب الخصال بسند في غاية الصحة، قال : «حدثنا ابي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبدالله قال : حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عبدالله بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي رحمه الله قال : دخلتُ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واذا الحسين على فخذيه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول : أنت سيد ابن سيد ، أنت امام ابن امام أبو الاَئمة ، أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم»(3).
7 ـ وفي اُصول الكافي : عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ابراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير ، عن سعيد بن غزوان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم»(4).
ورواه الصدوق ، عن أبيه ، عن علي بن ابراهيم كما في الكافي سنداً
____________
(1) ينابيع المودة 3 : 168 باب 94 .
(2) ينابيع المودة 3 : 167 باب 94 .
(3) الخصال 2 : 475 | 38 أبواب الاثني عشر، وكمال الدين 1 : 262 | 9 باب 24.
(4) أُصول الكافي 1 : 533 | 15 باب 126 .

( 96 )
ومتناً(1).
وليس في واحد من رجال السند من يُشك في جلالته ، أو يُرتاب في نقله.
8 ـ وفي الينابيع عن فرائد السمطين للحمويني الجويني الشافعي : بسنده عن الاَصبغ بن نباته، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون»(2).

المهدي هو محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام
سوف نذكر تحت هذا العنوان بعض النصوص التي لا تقبل تأويلاً لدلالتها على شخص الاِمام المهدي والاَخبار بغيبته قبل وقوعها ، وهي :
1 ـ ما رواه الصدوق بسند صحيح ، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيّوب بن نوح قال: «قلت للرضا عليه السلام : انا لنرجو ان تكون صاحب هذا الامر ، وان يرّده الله عزّ وجل اليك من غير سيف ، فقد بويع لك ، وضربت الدراهم باسمك، فقال عليه السلام : ما منا أحد اختلفت اليه الكتب ، وسُئل عن المسائل، وأشارت إليه الاَصابع ، وحُملت إليه الاَموال ، إلاّ أُغتيل أو مات على فراشه ، حتى يبعث الله عزّ وجل لهذا الامر رجلاً خفي المولد والمنشأ وغير خفي في نسبه»(3).
وفي هذا الحديث اشارة إلى ما أحاط ولادة الاِمام المهدي عليه السلام من
____________
(1) الخصال 2 : 480 | 50 أبواب الاثني عشر.
(2) ينابيع المودة 3 : 162 باب 94، ورواه في 2 : 83 في المودة العاشرة، تحت عنوان (في عدد الاَئمة وان المهدي منهم عليهم السلام) .
(3) كمال الدين 2 : 370 | 1 باب 35.

( 97 )
أُمور لايعلمها إلاّ خاصة أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ؛ ولهذا جاء في الخبر الصحيح : « إنّ المهدي هو من يقول الناس : لم يولد بعد » !
فقد روى الصدوق بسند صحيح جداً قال : «حدثنا ابي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدثنا الحسن بن موسى الخشّاب ، عن العباس بن عامر القصباني ، قال : سمعتُ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول : صاحب هذا الامر من يقول الناس : لم يولد بعد»(1).
2 ـ ما رواه المقدسي الشافعي في عقد الدرر عن الباقر عليه السلام : «يكون هذا الاَمر في أصغرنا سناً»(2). وفيه اشارة إلى الاِمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام .
3 ـ ما رواه الكليني بسند صحيح : عن علي بن ابراهيم، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران ، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير الصيرفي قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن في صاحب هذا الامر شبهاً من يوسف عليه السلام ـ إلى أن قال ـ فما تنكر هذه الاُمّة أن يفعل الله جل وعز بحجته كما فعل بيوسف ، أنْ يمشي في اسواقهم ، ويطأ بسطهم حتى يأذن الله في ذلك كما أذن ليوسف ، قالوا : أَإِنك لاََنت يوسف ؟ قال : أنا يوسف»(3).
4 ـ في ينابيع المودة : عن الاِمام الرضا عليه السلام : «الخلف الصالح من ولد الحسن بن علي العسكري هو صاحب الزمان وهو المهدي سلام الله عليهم» .
وقد صرّح القندوزي في الينابيع بوجود هذا الحديث في كتاب
____________
(1) كمال الدين 2 : 360 | 2 باب 34، وأخرجه من طرق أُخرى أيضاً في نفس الباب.
(2) عقد الدرر : 188 باب 6 .
(3) أُصول الكافي 1 : 336 | 4 باب 80.

( 98 )
الاَربعين لاَبي نعيم الاصبهاني(1).
5 ـ وفيه : عن الاِمام الرضا عليه السلام : «إنَّ الاِمام من بعدي ابني محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأمّا متى يقوم ؟ فإخبار عن الوقت، لقد حدثني أبي، عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : مثله كمثل الساعة لاتأتيكم إلاّ بغتة»(2) .
6 ـ وفي اُصول الكافي بسند صحيح : عن علي بن ابراهيم ، عن الحسن ابن موسى الخشاب، عن عبدالله بن موسى ، عن عبدالله بن بكير، عن زرارة قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : « إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم قال ، قلت : وَلِمَ ؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ ثم قال : يا زرارة، وهو المنتظر الذي يشك في ولادته منهم من يقول : مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول : حمل [ أي مات أبوه وهو حمل في بطن أُمه ]، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين. وهو المنتظر غير أنَّ الله عز وجل يحب أنْ يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.. الخ»(3).
7 ـ وفي اُصول الكافي : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : « للقائم غيبتان : احداهما قصيرة ، والاُخرى طويلة، والغيبة الاُولى لايعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته، والاُخرى لايعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه»(4).

____________
(1) ينابيع المودة 3 : 166 باب 94.
(2) ينابيع المودة 3: 115 ـ 116 باب 80 مصرحاً بنقله عن فرائد السمطين للحمويني الشافعي.
(3) أُصول الكافي 1 : 337 | 5 باب 80، وانظر كمال الدين 2: 342 | 24 باب 33 و2: 346 | 32 ب 33 بسند آخر ، والاول أجود .
(4) أُصول الكافي 1 : 340 | 19 باب 80.

( 99 )
وهذا الخبر لاريب في صدوره عن الاِمام الصادق عليه السلام لوثاقة رواته جميعاً ، ودلالته على الاِمام المهدي بن الحسن العسكري أبين من ضوء الشمس في رائعة النهار .
8 ـ وفي كمال الدين بسند صحيح : «حدثنا أبي رضي الله عنه ، حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج، عن زرارة قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت له : ما يصنع الناس في ذلك الزمان ؟ قال: يتمسكون بالاَمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم»(1)
9 ـ وفي اُصول الكافي : عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : « إن بلغكم عن صاحب هذا الامر غيبة فلا تنكروها»(2).
أقول : لم يغب من الاَئمة الاثني عشر عليهم السلام سوى المهدي بالاتفاق، وهو لم يكن مولوداً في زمان صدور هذا الحديث، ولهذا جاء التأكيد فيه على غيبته بعد ولادته.
وقد أخرجه الكليني بسندين معتبرين لاشائبة فيهما أصلاً باتفاق علماء الشيعة أجمع.
10 ـ وفي كمال الدين : «حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما؛ قالا : حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري وأحمد بن ادريس ؛ قالوا : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار، وعبدالله بن عامر بن سعد
____________
(1) كمال الدين 2 : 350 | 44 باب 33.
(2) أُصول الكافي 1 : 338 | 10 باب 80، وأخرجه في نفس الباب من طريق صحيح عن عدة من اصحابنا، عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن مسلم 1 : 340 | 15.

( 100 )
الاشعري، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن المساور، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : إيّاكم والتنويه، أما والله لَيَغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحصنّ حتى يقال: مات أو هلك بأي وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، ولاينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الاِيمان وأيّده بروح منه...»(1)
ورجال الحديث قبل محمد بن المساور كلّهم من أجلاء الرواة وثقاتهم بلا خلاف، وأما محمد بن مساور فقد مات سنة ( 183 هـ ) وحاله غير معلوم، وفي وثاقة المفضل كلام، ولكن الحديث شاهد صدق على امانتهما في نقله لما فيه من إخبار معجز تحقق بعد وفاة ابن المساور بسبعة وسبعين عاماً لوقوع الغيبة فعلاً في سنة (260 هـ) .
وقد أخرجه الكليني بسند صحيح إلى محمد بن المساور ، عن المفضل أيضاً(2) ، ومما يقطع بصدوره الاحاديث الكثيرة جداً عن أهل البيت بهذا المعنى :
كصحيح عبدالله بن سنان الذي رواه الصدوق عن أبيه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسن بن محبوب ، عن حماد بن عيسى ، عن اسحاق بن جرير ، عن عبدالله بن سنان قال : «دخلت انا وأبي على أبي عبدالله عليه السلام فقال : فكيف انتم اذا صرتم في حال لا ترون فيها امام هدىً ولا علماً يرى ..»(3).

____________
(1) كمال الدين 2 : 347 | 35 باب 33.
(2) أُصول الكافي 1 : 336 | 3 باب 80.
(3) كمال الدين 2 : 348 | 40 باب 33.

( 101 )
11 ـ وفي اُصول الكافي : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه محمد بن عيسى ، عن ابن بكير، عن زرارة قال : «سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : إنَّ للقائم غيبة قبل ان يقوم، انه يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ يعني القتل»(1)والسند من أصح الاسانيد بلا خلاف .
12 ـ وفي عقد الدرر للمقدسي الشافعي : عن الاِمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام قال : «لصاحب هذا الامر ـ يعني الاِمام المهدي عليه السلام ـ غيبتان، احداهما تطول ، حتى يقول بعضهم : مات ، وبعضهم : قُتل، وبعضهم : ذهب...»(2) .
وقد مرّ نظير هذا ـ بسند صحيح ـ في الحديث رقم 6 و 7 ، فراجع.
13 ـ وفي كمال الدين : «حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري، قالا: حدثنا أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد، عن الحسين بن الربيع المدائني(3) قال : حدثنا محمد بن اسحاق، عن أُسَيْد بن ثعلبة عن أُم هانئ قالت : لقيتُ أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، فسألته عن هذه الآية: (
فلا أُقسم بالخنّس الجوار الكنّس ) ؟ فقال : إمام يخنس في زمانه عند انقضاء من علمه سنة ستين ومائتين، ثم
____________
(1) أُصول الكافي 1 : 340 | 18 باب 80 وأخرجه الصدوق بسند صحيح على الاصح من وثاقة محمد بن علي ماجيلويه. كمال الدين 2 : 418 | 10 باب 44.
(2) عقد الدرر : 178 باب | 5.
(3) أورده في الكافي 1 : 341 | 33 باب 80 ، (... عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني) والظاهر صحته، لعدم رواية سعد والحميري عن أحمد بن الحسين ابن عمر بن يزيد، بل روى سعد في مواضع كثيرة عن أحمد بن الحسن والمراد به ابن علي بن فضال الفطحي الثقة ، واما عن عمر بن يزيد فسواء كان هو الصيقل أو بياع السابري، فان وفاته قبل الغيبة بعشرات السنين .

( 102 )
يبدو كالشهاب الوقاد في ظلمة الليل، فإنْ أدركتِ ذلك قرّتْ عينُكِ»(1).
ويلاحظ في سند الحديث أنّ أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ثقة بالاتفاق ومن قبله كذلك، وهو قد روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ، كما صرّح بهذا النجاشي في ترجمته، وأمّا من بعده فإنّ اثبات صدقهم في خصوص هذا الخبر، هو تقدم وفاتهم لِما في الخبر من إعلام معجز تحقق بعد وفاتهم، وورد بنقل الثقات عنهم، فالخبر شاهد على صدقهم.
41 ـ وفي كمال الدين : بسند صحيح ، قال : «حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه، قال : حدثنا سعد بن عبدالله، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد العلوي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال : سمعتُ أبا الحسن صاحب العسكر عليه السلام يقول : الخلف من بعدي ابني الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت : وَلِمَ جعلني الله فداك ؟ فقال: لانكم « لاترون شخصه » ، ولايحلّ لكم ذكره باسمه ، قلت : فكيف نذكره ؟ قال : قولوا : الحجة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم »(2).
وهذا السند حجة لوثاقة رجاله ، والعلوي الذي فيه هو من مشايخ الشيعة الاجلاء كما يعلم من رجال النجاشي في ترجمة العمركي البوفكي(3).
ونكتفي بهذا القدر من الاحاديث مع التنبيه على ثلاثة أُمور وهي :ـ
الاَول : إنَّ الحديث الاَخير لايدل على عدم رؤية الاِمام المهدي مطلقاً؛ لاَنّ قوله عليه السلام : (لاترون شخصه) إذا عُطِفَ على النهي عن التسمية
____________
(1) كمال الدين 1 : 324 | 1 باب 32، وأخرجه في نفس الباب عن أُم هانئ عن الاِمام الباقر عليه السلام 1 : 330 | 15 باب 32 باختلاف يسير .
(2) كمال الدين 2 : 381 | 5 باب 37 ، والكافي 1 : 328 | 3 باب 75.
(3) رجال النجاشي : 303 | 828 .

( 103 )
المعلل بوقوع الطلب أي الخوف على حياة الاِمام المهدي عليه السلام في أحاديث أُخرى صحيحة(1)، يفهم منه الكناية عن الغيبة فيكون المعنى : إنّكم لاترون إمامكم المهدي كلما أردتم، إذ ليس قدرتكم على رؤيته كقدرتكم على رؤيتي في حياتي كلما أردتم؛ لاَنّه سيكون في غيبة عنكم، وإياكم أن تذكروه باسمه لكي لايعرفه اعداء الله فيدركوا أثره .
والحاصل : إنَّ نفي الرؤية كناية عن الغيبة، والنهي عن التسمية لاَجل الخوف عليه، مع اختصاص النفي والنهي بزمان الغيبة ، وتوجهه للمخاطبين بالكلام كلهم أو بعضهم دون غيرهم، وإلاّ فقد رآه المئات من أصحاب أبيه الاِمام الحسن العسكري عليه السلام في حياته وبإذن منه، كما رآه غيرهم بعد وفاة أبيه عليهما السلام كما سيتضح في هذا الفصل .
الثاني : إنّ ماذكرناه من النصوص لايمثل في الواقع إلاّ جزءاً يسيراً من مجموع النصوص الواردة في هذا الشأن، ولم يخضع انتقاؤها لاعتبارات علمية، بمعنى : إنّا لم نبحث عن الاَسانيد الصحيحة لترسيخ العقيدة إذ المفروض رسوخها قبل ذلك ، وانما كوسيلة لاِثبات المدعى ، وإلاّ فنحن لسنا بحاجة إلى الاَسانيد اصلاً ، لسببين :
أحدهما : توفر الدليل القاطع على استمرار وجود الاِمام المهدي إلى آخر الزمان ، وقد مرّ بيان ذلك مفصلاً ، ومع هذا فأي حاجة تبقى للاَسانيد؟
الآخر : توفر الدليل على أنّ الاَحاديث المروّية في المهدي عليه السلام قد اُخِذت مباشرة من الكتب المؤلفة قبل ولادته عليه السلام بعشرات السنين ، وقد شهد الصدوق بذلك ، وعليه فالضعف الموجود في سند بعضها على الاصطلاح لايقدح بصحتها لكون الاِخبار فيها اعجازاً تحقق بعد حين،
____________
(1) سنشير إلى تلك الاحاديث في أدلة ولادة الاِمام المهدي عليه السلام.

( 104 )
وهو آية صدقها.
الثالث : إن أحاديث المهدي المسندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أهل البيت عليهم السلام كلها تعبر عن حقيقة واحدة اتفق عشرات الصادقين على الاِخبار عنها ، ولا فرق في اثبات تلك الحقيقة بين ما كان سنده صحيحاً أو ضعيفاً ، بحيث لو أخبر الثقة بموت زيد، ثم أخبر غيره بموته أيضاً ، لا نقول له : كذبت . ولو جاء ثالث، ورابع ، وخامسٌ... وعاشرٌ لا نقول لهم: كذبتم وإنْ لم نعرف درجة صدقهم، بل سيكون كل خبر من هذه الاَخبار قرينة احتمالية تضاف إلى خبر الصادق حتى يصبح على درجة من اليقين كلما تراكمت القرآئن بحيث يتضاءل احتمال نقيضها حتى يصل إلى درجة الصفر.
إنّ منطق قواعد حساب الاحتمال وقوانينه الرياضية في تحصيل اليقين الموضوعي من تراكم الاَخبار على محور واحد، يستحيل معه أن لايكون ذلك المحور صادقاً ومنطبقاً مع الواقع.
ومن هنا يعلم أنّ إثارة الشكوك حول أحاديث المهدي وسلب دلالتها على شخصه العظيم ، كما يزعمه بعض المتطفلين على علم الحديث الشريف ، متخطياً في ذلك جميع الاعتبارات العلمية، وبخاصة بعد ثبوت انطباقها عليه عليه السلام ، ليس إلاّ التعبير عن هزيمة نكراء من الداخل ، وعن ضحالة التفكير في كيفية المساس بعقيدة ولو بالكذب والافتراء بعدم وجود الصحيح الثابت ، مع التستر بمزاعم التصحيح كما تخبرك محاولات تحويل العقائد إلى حرفة صحفية تنطلق من اجواء الغرب، وتستظل بفيئه، وتحركها أصابعه، وتموّلها عملاؤه، غافلة عن أنّ العقيدة ليست قشّة في مهب الريح، وتاركة ما رسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام من المسار الصحيح لمعرفة من هو الاِمام المهدي باسمه ونسبه الكريم.