كلمة المركز
اللهمَّ إنّا نفتتحُ الثناءَ بحمدكَ وأنتَ مسدّدٌ للصواب بمنّك .
إنَّ الاِشكالية الاَساسية التي تعاني منها البشرية اليوم هي حالة الفراغ العقيدي والخواء الروحي ، هذه الاِشكالية هي التي تفسّر لنا حالة التخبط والفوضى ، والقلق والاضطراب على الصعيد الفكري والنفسي ، كما تفسر لنا حالة الانحدار الاَخلاقي المريع الذي بلغته أكثر المجتمعات الغربية وبعض المجتمعات المسلمة .
لقد أصبح عالمنا المعاصر يشهد إحباطات متتالية وموضات مختلفة في الفكر والسياسة والعلاقات الاجتماعية بل والدولية .
فلغة القوة والعنف أصبحت اللغة السائدة اليوم ، والقهر والظلم والاضطهاد سمات ظاهرة ، والارهاب والتشويش الفكري والحضاري يترك بصماته على كلّ المجالات حتى ليصحَّ القول : إنَّ الدنيا بدأت تمتلىء ظلماً وجوراً وطغياناً وكفراً .
إنَّ المعايير الاَخلاقية والاِنسانية لا يكاد يحتكم اليها . وإنَّ قيم العدالة والاِنصاف لا يعتمد عليها إلاّ نادراً ، وإنَّ منطق العلم وقواعد المنطق الصحيح لم تعد لها المرجعية والحسم إلاّ في مناسبات محدودة وموارد معدودة .
إنَّ هذه الظواهر أصبحت مشخّصة في أكثر المجتمعات البشرية بما لايحتاج معه إلى البرهنة عليها .
وفي مثل هذه الاَجواء المشحونة بالخوف من المستقبل والملبّدة بسُحبٍ كثيفة تكاد تحجب الحقائق الناصعة ، وفي ظل هواجس ومخاوف يعيشها الاِنسان المسلم وبخاصةٍ بعد أن مارسَ ضده الاعلام الغربي ـ بكل أساليبه الخبيثة ـ عمليات غسل الدماغ والتلويث الفكري تحت شعارات

( 6 )
خلاّبة وعناوين كبيرة حتى كادوا أن يسترهبوا قطاعات واسعة من المثقفين من أبناء الاَُمّة الاِسلامية ، وأوشكوا أن يخرجوهم من ملتهم .
إستناداً إلى ذلك كلّه ، واستجابةً للتحدي الحضاري الكبير الذي تواجهه الاَُمّة المسلمة ، وبغيةَ نشر حقائق الاِسلام ومعارفه وأحكامه ومبادئه ورؤاه ونظرياته في مختلف مجالات الحياة الاِنسانية المتنوعة ، ومن أجل التنوير والتبصير ، وأخذاً بيد الشباب المثقف لحمايتهم من غوائل المتربصين بالاِسلام ، وفتنتهم وكيدهم ومكرهم ، من أجل ذلك كلّه جاء مشروع (مركز الرسالة) ليؤدي دوراً في هذا المجال ، ونشاطاً علمياً وثقافياً يتكامل مع الانشطة والفعاليات الثقافية التي تنهض بها مؤسسات ومراكزإسلامية تنتشر في شرق الارض وغربها.
لذلك كلّه ارتأى مركزنا أن يفتتح باكورة أعماله وأنشطته الثقافية بقضيةٍ عقائدية من عقائد الاِسلام ، أُحيطت بالتشويش ، وتعرضت لمحاولات التشكيك والطعن على امتداد عصور متعاقبة ، وهي تتعرض اليوم إلى حملات ثقافية شرسة ، اجتمع على التخطيط لها دهاقنة الغرب الصليبي الكافر ، وخصوم الاسلام ، كما نشهده ونلاحظه من كثرة الكتابات والدراسات التي تناولت موضوع (المهدي الموعود) متذرعةً بلباس العلمية ، وهي تهدف إلى توجيه سهام النقد والتشويش لعقائدنا ورؤانا الدينية المستندة إلى الوحي الاِلهي قرآناً وسنةً .
وإذا كان ذلك يعدُّ مبرراً كافياً لبدء انشطتنا العلمية ـ كما نعتقد ـ فإننا سنحاول رفد المكتبة الاِسلامية بما هو نافع ومفيد وأصيل إن شاء الله تعالى .
ومنه تعالى نستمد العون والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل

مركز الرسالة


( 7 )

المقدِّمة

الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وصحبه المخلصين ، ومن اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد..
اعتقد المسلمون منذ فجر الرسالة الاِسلامية وإلى اليوم بصحة مابشّر به النبيّ الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم من ظهور رجل من أهل بيته عليهم السلام في آخر الزمان ـ يسمى المهدي ـ يملأ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وعلى ذلك كان ترقّب المؤمنين وانتظارهم مهدي أهل البيت قرناً فقرناً، ولم يشذّ عنهم إلاّ شرذمة قليلة من دعاة التجديد والتحضّر، نتيجة لتأثرهم بالدراسات والبحوث الاستشراقية غير الموضوعية من أمثال ماكتبه فان فلوتن ، ودونالدسن، وجولدزيهر ، وغيرهم من المستشرقين الذين حاولوا ـ بتطرفهم المعهود في التحليل والاستنتاج بخصوص مايتصل بعقائد المسلمين ـ إنكار ظهور المهدي عليه السلام في آخر الزمان.
وقد يكون بعض من اغترّ بمناهجهم حَسَن النيّة في الدعوة إلى التجديد في فهم القضايا الاِسلامية ومحاولة إبراز توافقها وانسجامها مع المفاهيم الحضارية التي فرضتها المدنية المعاصرة ، فرأى أنّ في إنكار فكرة ظهور المهدي عليه السلام ردّاً حاسماً على الدعوات الصليبية ـ المقنّعة بقناع الاستشراق ـ التي استهدفت الاِسلام فصورته ـ ببحوثها وكتاباتها ـ آلة جامدة لاتنبض بالحياة.
وهكذا انعكست آثار بعض الدراسات الاستشراقية على ثقافة البعض منّا ، مما أسهم في إيجاد خرق من الداخل، ترى من خلاله تأويل بعض

( 8 )
الثوابت الدينية ، والتشكيك بقسم منها كقضية ظهور الاِمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان ، وربما قد تسمع الترديد المملّ لاَقوال المستشرقين إزاء مسألة الظهور ، وما كان هذا ليتم لولا التفاعل اللامدروس مع تلك الثقافات المحمومة ، والتأثّر بها لدرجة الاعتقاد بأنّها حقائق مسلّمة على الرغم مما فيها من خبث ودهاء وتطرّف في التحليل والاستنتاج ، وكيد بالاِسلام والمسلمين ، وكيف لا ، وهذا جولدزيهر ، ودي بوير ، ومكدونالد، وبندلي جوزي يصرّحون بتناقض القرآن الكريم (1)؟! فلا غرابة أن نجد ـ في حركات التبشير الصليبي ـ من يطعن بعقيدة المسلمين بظهور المهدي(2)، هذا مع أنّ فكرة الظهور لم تكن حكراً على المسلمين وحدهم كما سيتبين من دراستها في هذه المقدمة :

عالمية الاعتقاد بالمهدي :
إنّ فكرة ظهور المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان، ويقضي على الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم ، ويحقق العدل والمساواة في دولته الكريمة ، فكرة آمن بها أهل الاَديان الثلاثة، واعتنقتها معظم الشعوب .
فقد آمن اليهود بها ، كما آمن النصارى بعودة عيسى عليه السلام ، وصدّق بها الزرادشتيون بانتظارهم عودة بهرام شاه ، واعتنقها مسيحيو الاَحباش بترقّبهم عودة ملكهم تيودور كمهديٍّ في آخر الزمان، وكذلك الهنود
____________
(1) المستشرقون والأسلام/ الدكتور عرفان عبد الحميد :17 ، ودراسات في الفكر الفلسفي الاسلامي / الدكتور حسام الدين الآلوسي:68 ، و بحوث في القرآن الكريم ، للدكتور عبدالجبار شرارة : 52 ـ 54 ، فقد بيّن مزاعم المستشرقين وأقوالهم بتناقض القرآن الكريم ، وفنّد جميع مفترياتهم .
(2) عقيدة الشيعة | دونالدسن : 231 ، والسيادة العربية | فان فلوتن : 107 و132.

( 9 )
اعتقدوا بعودة فيشنو ، ومثلهم المجوس إزاء مايعتقدونه من حياة أُوشيدر.
وهكذا نجد البوذيين ينتظرون ظهور بوذا، كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق، والمغول قائدهم جنگيزخان.
وقد وجد هذا المعتقد عند قدامى المصريين، كما وجد في القديم من كتب الصينيين(1).
وإلى جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب وفلاسفته بأنَّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الاُمور ويوحّد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد :
منهم : الفيلسوف الانجليزي الشهير برتراند راسل ، قال : (إنّ العالم في انتظار مصلح يوحّد العالم تحت عَلَمٍ واحد وشعار واحد) (2).
ومنهم : العلاّمة آينشتاين صاحب (النظرية النسبية) ، قال : (إنّ اليوم الذي يسود العالم كلّه الصلح والصفاء ، ويكون الناس متحابِّين متآخين ليس ببعيد) (3).
والاَكثر من هذا كلّه هو ماجاء به الفيلسوف الانكليزي الشهير برناردشو حيث بشّر بمجيء المصلح في كتابه (الاِنسان والسوبرمان) .
وفي ذلك يقول الاستاذ الكبير عباس محمود العقاد في كتابه (برناردشو) معلّقاً : « يلوح لنا أنّ سوبرمان شو ليس بالمستحيل، وأنّ دعوته إليه لاتخلو من حقيقة ثابتة» (4).

____________
(1) المهدية في الاِسلام / سعد محمد حسن : 43 ـ 44 ، والإمامة وقائم القيامة | الدكتور مصطفى غالب : 270 .
(2) المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه | السيد عبد الرضا الشهرستاني : 6.
(3) المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه : 7 .
(4) برناردشو | عباس محمود العقاد : 124 ـ 125.

( 10 )
أما عن المسلمين فهم على اختلاف مذاهبهم وفرقهم يعتقدون بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان وعلى طبق مابشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولايختص هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر ، ولا فرقة دون أُخرى. وما أكثر المصرّحين من علماء أهل السنة ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلى اليوم بأنّ فكرة الظهور محلّ اتّفاقهم، بل ومن عقيدتهم أجمع، الأكثر من هذا إفتاء الفقهاء منهم : بوجوب قتل من أنكر ظهور المهدي، وبعضهم قال : بوجوب تأديبه بالضرب الموجع والاِهانة حتى يعود إلى الحقّ والصواب على رغم أنفه ـعلى حدّ تعبيرهم ـ كما سنشير إليه في الفتوى الصادرة على طبق معتقد المذاهب الاَربعة.
ولهذا قال ابن خلدون معبّراً عن عقيدة المسلمين بظهور المهدي : « اعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الاَعصار : أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ، يؤيد الدين ، ويُظهر العدل، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الاِسلامية ، ويسمى المهدي ». (1)
وقد وافقه على ذلك الاُستاذ أحمد أمين الاَزهري المصري ـ على الرغم مما عرف عنهما من تطرّف إزاء هذه العقيدة ـ فقال معبّراً عن رأي أهل السُنّة بها : « فأما أهل السُنّة فقد آمنوا بها أيضاً» (2)، ثم ذكر نصّ ماذكره ابن خلدون (3).
ثم قال : « وقد أحصى ابن حجر الاَحاديث المروية في المهدي فوجدها نحو الخمسين» (4).
ثم ذكر ماقرأه من كتب أهل السنة حول المهدي فقال : « قرأت رسالة
____________
(1) تاريخ ابن خلدون 1 : 555 | الفصل 52.
(2) المهدي والمهدوية | أحمد أمين : 41 .
(3) المهدي والمهدوية : 110 .
(4) المهدي والمهدوية : 48.

( 11 )
للاُستاذ أحمد بن محمد بن الصديق في الردّ على ابن خلدون سماها : (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) ، وقد فنّد كلام ابن خلدون في طعنه على الاَحاديث الواردة في المهدي وأثبت صحّة الاَحاديث ، وقال: إنّها بلغت التواتر» (1).
وقال في موضع آخر : « قرأتُ رسالة أُخرى في هذا الموضوع عنوانها: «الاِذاعة لما كان ومايكون بين يدي الساعة» لاَبي الطيب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسني» (2).
وقال أيضاً: « قد كتب الاِمام الشوكاني كتاباً في صحة ذلك سماه: التوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر والدجال والمسيح » (3).
إذن لافرق بين الشيعة وأهل السنّة من حيث الاِيمان بظهور المنقذ مادام أهل السنّة قد وجدوا في ذلك خمسين حديثاً من طرقهم، وعدّوا ظهور المهدي من أشراط الساعة، وأثبتوا بطلان كلام ابن خلدون في تضعيفه لبعض الاَحاديث الواردة في ذلك، وأنّهم ألَّفوا في الرد أو القول بالتواتر كتباً ورسائل، بل لافرق بين جميع المسلمين وبين غيرهم من أهل الاَديان والشعوب الاُخرى من حيث الاِيمان بأصل الفكرة وإن اختلفوا في مصداقها ، مع اتّفاق المسلمين على أنّ اسمه (محمد) كإسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولقبه عندهم هو (المهدي).
ومن هنا يعلم أنّ اتّفاق أهل الاَديان السابقة ومعظم الشعوب والقوميات وعباقرة الغرب وفلاسفته ـ مع تعدد الاَديان ، وتباين المعتقدات، واختلاف الاَفكار والآراء والعادات ـ على أصل الفكرة ،
____________
(1) المهدي والمهدوية : 106.
(2) المهدي والمهدوية : 109.
(3) المهدي والمهدوية : 110.

( 12 )
لايمكن أبداً أن يكون بلا مستند لاستحالة تحقّق مثل هذا الاتّفاق جزافاً . فإذا أضفنا إلى ذلك اتّفاق المذاهب الاِسلامية جميعاً على صحة الاعتقاد بظهور الاِمام المهدي في آخر الزمان وأنّه من أهل البيت عليهم السلام ـ كما سيأتي مفصلاً ـ علم أنّ اتّفاقهم هذا لابد وأن يكون معبّراً عن إجماع هذه الاُمة التي لاتجتمع على ضلالة على ماهو مقرر في محلّه ، وحينئذٍ فلا يضرّ اعتقادهم بظهور مهدي أهل البيت عليهم السلام اختلاف تشخيصه عند من سبقهم من أهل الاَديان والشعوب ، إذ بالاِمكان معرفته حق معرفته من خلال مصادر المسلمين المعتمدة لما عُرِف عنهم من اتّباع منهج النقل عن طريق السماع والتحديث شفةً عن شفة وصولاً إلى مصدر التشريع، وبما لانظير له في حضارات العالم أجمع.
ومع هذا نقول:
إنّ اعتقاد أهل الكتاب بظهور المنقذ في آخر الزمان لايبعد أن يكون من تبشير أديانهم بمهدي أهل البيت عليهم السلام كتبشيرها بنبوّة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ أنّهم أخفوا ذلك عناداً وتكبّراً إلاّ من آمن منهم بالله واتّقى.
ويدلّ على ذلك وجود مايشير في أسفار التوراة إلى ظهور المهدي في آخر الزمان، كما في النصّ الذي نقله الكاتب أبو محمد الاُردني من (سفر أرميا) وإليك نصه : (اصعدي أيّتها الخيل وهيّجي المركبات ، ولتخرج الاَبطال : كوش وقوط القابضان المجنّ ، واللوديُّون القابضون القوس ، فهذا اليوم للسيد ربِّ الجنود ، يوم نقمة للانتقام من مبغضيه ، فيأكل السيف ويشبع... لاَن للسيد ربِّ الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات)(1)).

____________
(1) الكتاب المقدس تحت المجهر | عودة مهاوش أبو محمد الاردني : 155 ، والنص نقله من سفر إرميا : 46 | 2 ـ 11.

( 13 )
وهناك ماهو أوضح من هذا بكثير جداً ، فقد قال الباحث السني سعيد أيوب في كتابه (المسيح الدجال) : « ويقول كعب : مكتوب في أسفار الاَنبياء: المهدي مافي عمله عيب » ثمّ علّق على هذا النصّ بقوله : « وأشهد أنني وجدته كذلك في كتب أهل الكتاب ، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده صلى الله عليه وآله وسلم ، فدلت أخبار سفر الرؤيا إلى امرأة يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً ، ثمّ أشار إلى امرأة أُخرى ، أي: التي تلد الرجل الاَخير الذي هو من صُلب جدته ، وقال السفر : إنَّ هذه المرأة الاَخيرة ستحيط بها المخاطر ، ورمز للمخاطر باسم «التنّين» وقال : (والتنّين وقفَ أمام المرأة العتيدة حتى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت) سفر الرؤيا 12 : 3 ، أي : أنَّ السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام ، ولكن بعد ولادة الطفل . يقول باركلي في تفسيره : « عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه .
والنص : (واختطف الله ولدها) سفر الرؤيا 12 : 5 ، أي : أنَّ الله غيّب هذا الطفل كما يقول باركلي.
وذكر السفر أنّ غيبة الغلام ستكون ألفاً ومئتين وستين يوماً ، وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب ، ثم قال باركلي عن نسل المرأة عموماً : إنّ التنّين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة كما قال السفر : (فغضب التنّين على المرأة ، وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله) سفر الرؤيا /1312 (1).
«
____________
(1) المسيح الدجال | سعيد أيوب : 379 ـ 380، الطبعة الثالثة.
أقول : المهدي عند الشيعة هو الاِمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت وأولهم علي بن أبي طالب عليه السلام ، وحديث «المهدي حق وهو من ولد فاطمة» مقطوع بصحته ومصرح بتواتره عند أهل السنة كما سيوافيك ، وهو عند الشيعة المولود الثاني عشر لفاطمة عليها السلام : ثلاثة بالمباشرة ، وهم :

=


( 14 )
وهذا وإن لم يصحّ لمسلم الاحتجاج به لما مُنيت به كتب العهدين من تحريف وتبديل ، إلاّ أنّه يدلّ وبوضوح على معرفة أهل الكتاب بالمهدي ، ثم اختلافهم فيما بعد في تشخيصه ، إذ ليس كلّ ماجاء به الاِسلام قد تفرّد به عن الاَديان السابقة ، فكثير من الاُمور الكلِّية التي جاء بها الاِسلام كانت في الشرائع السابقة قبله.
قال الشاطبي : (وكثير من الآيات أُخبر فيها بأحكام كلّية كانت في الشرائع المتقدمة وهي في شريعتنا ، ولافرق بينهما)(1).
وإذا تقرر هذا فلايضرُّ اعتقاد المسلم بصحة مابشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ظهور رجل من أهل بيته في آخر الزمان ، أن يكون هذا المعتقد موجوداً عند أهل الكتاب (اليهود والنصارى) أو عند غيرهم ممن سبق الاِسلام ، ولايخرج هذا المعتقد عن إطاره الاِسلامي بعد أن بشّر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبعد الاِيمان بأنه صلى الله عليه وآله وسلم (
ما يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إن هوَ إلاّ وحيٌ يُوحى ) (2).
وأما عن اعتقادات الشعوب المختلفة بأصل هذه الفكرة كما مرّ فيمكن تفسيرها على أساس أنّ فكرة ظهور المنقذ لاتتعارض مع فطرة الاِنسان وطموحاته وتطلّعاته ، ولو فكّر الاِنسان قليلاً في اشتراك معظم الشعوب بأصل الفكرة لاَدرك أنّ وراء هذا الكون حكمة بالغة في التدبير ، يستمد
____________
=
الحسنان ومحسن ، وتسعة بدونها وهم الاَئمة من ولد الحسين عليه السلام ، واما عن أولاد الحسن عليهم السلام فهم كذلك من بني فاطمة عليها السلام إلاّ أنهم اُخرجوا من مجموع الاثني عشر لكونهم ليسوا بأئمة ، ولايرد مثل هذا على مالم يكن إماماً وهو محسن ، لاَنّ ولادته من فاطمةعليها السلام بالمباشرة ، ولهذا قال الاستاذ سعيد أيوب : (هذه هي أوصاف المهدي ، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الاِمامية الاثني عشرية) ثم علق عليه في هامش ص 379 بما يدلّ على تقارب الاَوصاف. وهذا وإن كان ممكناً إلاّ أنّ اعتقاد الشيعة وغيرهم بظهور المهدي في آخر الزمان لم يكن على أساس الاستدلال بما في كتب العهدين كما سنبينه مفصّلاً في هذا الكتاب.
(1) الموافقات | الشاطبي المالكي 3 : 117، المسألة الرابعة.
(2) سورة النجم : 53 : 3 ـ 4 .

( 15 )
الاِنسان من خلالها قوّته في الصمود إزاء مايرى من انحراف وظلم وطغيان، ولا يُترك فريسة يأسه دون أن يزوّد بخيوط الاَمل والرجاء بأنّ العدل لابدّ له أن يسود.
وأما عن اختلاف أهل الاَديان السابقة والشعوب في تشخيص اسم المنقذ المنتظر ، فلا علاقة له في إنكار مابشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس هناك مايدعو إلى بيان فساد تشخيصهم لاسم المنقذ ، مادام الاِسلام قد تصدى بنفسه لهذه المهمة فبيّن اسمه ، وحسبه ، ونسبه ، وأوصافه ، وسيرته، وعلامات ظهوره ، وطريقة حكمه ، حتى تواترت بذلك الاَخبار واستفاضت بكثرة رواتها من طرق أهل السنّة ، كما صرّح بذلك أعلامهم وحفّاظهم وفقهاؤهم ومحدثوهم ، وقد روى تلك الاَخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مايزيد على خمسين صحابياً كما سنبرهن عليه في هذا البحث.
وأما عن اختلاف المسلمين فيما بينهم من حيث تشخيص اسم المهدي كما هو معلوم بين أهل السنة والشيعة ، فليس فيه أدنى حجة للمستشرقين وأذنابهم ، بل هو ـ على العكس ـ من الاَدلّة القاطعة عليه ؛ لاَنّه من قبيل الاختلاف في تفاصيل شيء متحقق الوجود ، كاختلافهم في القرآن الكريم بين القول بقِدَمِه وحدوثه من الله تعالى، مع اتّفاقهم على تكفير منكره ، وقس عليه سائر اختلافاتهم الاُخرى في تفاصيل بعض العقائد دون اُصولها.

تهافت القول باُسطورية فكرة الظهور :
إنّ النتيجة المنطقية لما تقدم قاضية بتفاهة مزاعم المستشرقين ومن وافقهم باُسطورية فكرة ظهور المهدي في آخر الزمان، ذلك لاَنّ الاُسطورة التي ينتشر الاِيمان بها بمثل هذه الصورة، لاشك أنّها سلبت عقول المؤمنين بها، وصنعت لهم تاريخاً ، ولكن التاريخ لايعرف أُمّة

( 16 )
خلقت تاريخها أُسطورة، فكيف الحال مع أُمّة هي من أرقى أُمم العالم حضارة في القرون الوسطى باعتراف المستشرقين أنفسهم ؟!
والعجيب ، أنّ القائلين بهذا يعترفون برقيّ الحضارة الاِسلامية وسموّها بين الحضارات العالمية ، ولا ينكرون دور الاِسلام العظيم في تهذيب نفوس المؤمنين من سائر البدع والخرافات والعادات البالية التي تمجّها النفوس ، وتستنكرها العقول ، ولم يلتفتوا إلى أنّ أُمة كهذه لايمكن اتّفاقها على الاعتقاد بأُسطورة، وأغلب الظنّ أنَّ هؤلاء المستشرقين لمّا وجدوا عقائد أسلافهم ملاَى بالخرافات والاَساطير والضلالات ، كبُر عليهم أن يكتبوا عن الاِسلام ـ الذي هو أنقى من الذهب الابريز ـ دون أن يُضيفوا عليه شيئاً من أحقادهم ، ولهذا وصفوا ماتواتر نقله عن النبي الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم بشأن ظهور المهدي في آخر الزمان بأنّه من الاَساطير.
والمصيبة ليست هنا ، لاَنّا نعلم أنَّ القوم (
كَبُرَت كَلِمَةً تَخرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِم إن يَقُولُونَ إلاّ كَذِباً ) (1)، بل المصيبة تكمن في كتابات من تقمّص لباس السيد جمال الدين الاَفغاني ، والشيخ محمد عبده ونظائرهما من قادة الاِصلاح ، مما ساعد على إخفاء حقيقتها وواقعها الذي لم يكن غير الاستظلال بفيء الخصوم ، وطلب الهداية ممن غرق في بحر الضلال ، من دون تروٍ مطلوب ، ولا التفات مسؤول إلى مايهدّد تراث الاِسلام الخالد ، ويستهدف أُصوله الشامخة .
ومن هنا وجب التحذير من هؤلاء وأُولئك ، والاحتراز عن كل مايُنفَث، أو يُبَثّ ، قبل بيان الدليل القاطع على عقيدة المسلمين بالمهدي في فصول هذا البحث .
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

____________
(1) الكهف : 18 | 5.

( 17 )

الفصل الاَول


المهدي في الكتاب والسُنّة



( 18 )


( 19 )

بعض الآيات المُفَسّرة في المهدي:
لايخفى أنّ القرآن الكريم والسنّة النبويّة صنوان لمشرّع واحد. وعقيدة المسلمين بالمهدي المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا شك ولاشبهة ـ كما سيأتي في هذا الفصل ـ قد أيدها القرآن الكريم بجملة من الآيات المباركة التي حملها الكثير من المفسرين على المهدي المبشَّر بظهوره في آخر الزمان .
وإذا ماتواتر شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلابد من التسليم بأنّ القرآن الكريم لم يهمله بالمرّة وإن لم تدركه عقولنا؛ لقوله تعالى : (
وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدىً ورَحمةً وبُشرى للمُسلِمينَ)(1).
إذن استجلاء هذه العقيدة من الآيات المباركة منوط بمن يفهم القرآن حق فهمه ، ولاشك بأنّ أهل البيت عليهم السلام هم عدل القرآن بنصّ حديث الثقلين المتواتر عند جميع المسلمين، وعليه فإنّ ماثبت تفسيره عنهم عليهم السلام من الآيات بالمهدي لابد من الاذعان إليه والتصديق به .
وفي هذا الصدد قد وقفنا على الكثير من أحاديث أهل البيت عليهم السلام المفسرة لعدد من الآيات المباركة بالاِمام المهدي . وسوف لن نذكر منها إلاّ ما كان مؤيداً بما في تفاسير أصحاب المذاهب الاُخرى ورواياتهم.
1 ـ فمنها : ما نمهّد له بالقول : إنّ أعداء هذا الدين من أهل الكتاب والمنافقين والمشركين ومن والاهم (
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبى اللهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ )(2).

____________
(1) النحل : 16 | 89.
(2) التوبة : 9 | 32.

( 20 )
فهذه الآية العجيبة بينت لنا أنّ حال هؤلاء كحال من يريد بنفخة فم إطفاء نور عظيم منبثّ في الآفاق ، ويريد الله تعالى أن يزيده ويُبلِغَهُ الغاية القُصوى في الاِشراق والاِضاءة . وفي هذا منتهى التصغير لهم والتحقير لشأنهم والتضعيف لكيدهم ؛ لاِنَّ نفخة الفم القادرة على إطفاء النور الضعيف ـ كنور الفانوس ـ لن تقدر على إطفاء نور الاِسلام العظيم الساطع.
وهذا من عجائب التعبير القرآني ، ومن دقائق التصوير الاِلهي ، لما فيه من تمثيل فنّي رائع بلغ القمة في البيان ، ولن تجد له نظيراً قط في غير القرآن.
ثم تابع القرآن الكريم ليبين لنا بعد هذا المثال ، إرادة الله عزَّ وجل الظهور التام لهذا الدين رغم أنوفهم ، فقال تعالى : (
هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)(1).
والمراد بدين الحق هو دين الاِسلام بالضرورة ؛ لقوله تعالى : (
وَمَن يَبْتَغ غَيْرَ الاِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهْوُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ )(2).
وقوله تعالى : (
ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) ، أي : لينصره على جميع الاَديان ، والضمير في قوله تعالى : ( ليُظهِرَهُ ) راجع إلى دين الحق عند معظم المفسرين وأشهرهم ، وجعلوه هو المتبادر من لفظ الآية .
وهذه بشرى عظيمة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته ، وقد اقترنت هذه البشرى بالتأكيد على أنّ إرادة أعداء الدين إطفاء نور الاِسلام سوف لن تغلب إرادته تعالى إظهار دينه القويم على سائر الاَديان ، ولو كره المشركون .
والاِظهار في الآية لا يراد به غير الغلبة والاستيلاء ، قال الرازي في
____________
(1) التوبة : 9 | 33.
(2) آل عمران : 3| 85.

( 21 )
تفسيره : « واعلم أنّ ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجّة ، وقد يكون بالكثرة والوفور ، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء . ومعلوم أنّه تعالى بشّر بذلك ، ولايجوز أن يبشّر إلاّ بأمر مستقبل غير حاصل ، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم ، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة »(1).
ولا يخفى أنّ تلك الغلبة على الاَديان الاُخرى قد تحققت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخير دليل على ذلك أنّهم دفعوا الجزية للمسلمين عن يدٍ وهم صاغرون ، ولا يخفى أيضاً أنّ تلك الغلبة والنصرة كانت بما يتناسب وصيرورة الاِسلام ديناً قوياً مهاب الجانب وذا شوكة .
ولكن واقعنا اليوم ليس كذلك ، والذين دفعوا لنا الجزية بالاَمس قد سيطروا اليوم على مقدساتنا ، والعدو أحاط بنا ، وغُزِينا في عقر ديارنا ، مع ما يلاحظ من نشاط التبشير لأديان أهل الكتاب على قدمٍ وساق .
وإذا كنا نعتقد حقاً بأنّ القرآن الكريم صالح ليومه وغده ؛ فهل يكون معنى ظهور الدين على سائر الاَديان منطبقاً على واقع الاِسلام اليوم الذي يكاد يكون مطوقاً بأنظمة المسلمين وسياساتهم ؟ وهل لتلك البشرى من مصداق واقعي غير كثرة من ينتمي إلى الاِسلام مع ما في هذه الكثرة من تضاد وتناقض واختلاف في العقائد والاَحكام ؟!
هذا مع أنّ المروي عن قتادة في قوله تعالى: (
ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) قال: « هو الاَديان الستة : الذين آمنوا ، والذين هادوا ، والصابئين، والنصارى ، والمجوس ، والذين أشركوا . فالاَديان كلّها تدخل في دين الاِسلام ، والاِسلام يدخل في شيء منها ، فإنّ الله قضى بما حكم وأنزل أن يُظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون»(2).

____________
(1) التفسير الكبير | الرازي 16 : 40.
(2) الدر المنثور | السيوطي 4 : 176.

( 22 )
وفي تفسير ابن جزّي : « وإظهاره : جعله أعلى الاَديان واقواها ، حتى يعم المشارق والمغارب »(1). وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نصَّ عليه جملة من المفسرين(2).
وفي الدر المنثور : « وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه عن جابر رضي الله عنه في قوله تعالى : (
ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) قال : لايكون ذاك حتى لايبقى يهودي ولانصراني صاحب ملّة إلاّ الاسلام(3).
« وعن المقداد بن الاَسود قال :« سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : «لايبقى على ظهر الاَرض بيت مدر ولاوبر إلاّ أدخله كلمة الاسلام ، إما بعزٍّ عزيز، وإما بذلٍ ذليل . إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزّوا به ، وإما يُذلّهم فيدينون له »(4).
ومن هنا ورد في الاَثر عن الاِمام الباقر عليه السلام أن الآية مبشّرة بظهور المهدي في آخر الزمان ، وأنه ـ بتأييد من الله تعالى ـ سيُظهر دين جده صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الاَديان حتى لايبقى على وجه الاَرض مشرك . وهو قول السدّي المفسّر(5).
قال القرطبي : « وقال السدّي : ذاك عند خروج المهدي ، لايبقى أحد إلاّ دخل في الاِسلام »(6).
2 ـ ومنها : قوله تعالى : (
وَلو تَرى إذ فَزِعُوا فلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِن مكانٍ
____________
(1) تفسير ابن جزي : 252.
(2) تفسير الطبري 14 : 215 | 16645، والتفسير الكبير 16 : 40، وتفسير القرطبي 8 : 121، والدر المنثور 4 : 176.
(3) الدر المنثور 4 : 176.
(4) مجمع البيان 5 : 35.
(5) مجمع البيان 5 : 35 .
(6) تفسير القرطبي 8 : 121، والتفسير الكبير 16 : 40 ومجمع البيان 5 : 35.

( 23 )
قريب)(1) .
فقد أخرج الطبري في تفسيره ، عن حذيفة بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يُخسف به ، وسيأتي مايدلّ على أنّ ذلك الخسف لم يحصل إلى الآن على الرغم من روايته في كتب الصحاح والمسانيد المعتبرة ، وأنه من أشراط الساعة المقترنة بظهور المهدي بلا خلاف(2).
وما أخرجه الطبري ذكره القرطبي في التذكرة مرسلاً عن حذيفة بن اليمان ، وبه صرّح أبو حيان في تفسيره ، والمقدسي الشافعي في عقد الدرر ، والسيوطي في الحاوي للفتاوى ، وأورده الزمخشري في كشّافه عن ابن عباس(3) ، وقال الطبرسي في مجمع البيان : « وأورده الثعلبي في تفسيره ، وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي عبدالله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام مثله »(4).
3 ـ ومنها : قوله تعالى : (
وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذا صِراطٌ مُستَقيم)(5).
فقد صرح البغوي في تفسيره ، وكذلك الزمخشري ، والرازي ، والقرطبي ، والنسفي ، والخازن ، وتاج الدين الحنفي ، وأبو حيان ، وابن كثير ، وأبو السعود ، والهيثمي أن الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان(6).

____________
(1) سبأ : 34 | 51.
(2) أُنظر تفصيل ذلك في الفصل الثالث من هذا البحث ص : 35 .
(3) تفسير الطبري 22 : 72، وعقد الدرر : 74 ب 4 من الفصل الثاني، والحاوي للفتاوى 2 : 81، والكشاف 3 : 467 ـ 468.
(4) مجمع البيان 4 : 398.
(5) الزخرف : 43 | 61.
(6) معالم التنزيل | البغوي 4 : 444 | 61، والكشاف 4 : 26، والتفسير الكبير 27 : 222،

=


( 24 )
وقد أوّلها مجاهد في تفسيره ، وهو من رؤوس التابعين ومشاهيرهم في التفسير ، بنزول عيسى عليه السلام أيضاً(1).
وقد أشار السيوطي في الدرّ المنثور إلى ما أخرجه أحمد بن حنبل، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والفريابي ، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طرق ، عن ابن عباس أنها بخصوص ماذكرناه(2).
وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان : «وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسّرين في تفسير قوله عز وجل : (
وإنّه لَعْلِمٌ للساعة ) هو المهدي عليه السلام ، يكون في آخر الزمان ، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأمارتها»(3).
ومثل هذا التصريح تجده عند ابن حجر الهيتمي ، والشبلنجي الشافعي ، والسفاريني الحنبلي والقندوزي الحنفي ، والشيخ الصبّان(4).
ولاخلاف بين هؤلاء وأولئك لاَنّ نزول عيسى سيكون مقارناً لظهور المهدي كما في صحيحي البخاري ومسلم وسائر كتب الحديث الاُخرى ، كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث . ويؤيدّه إشادة بعض من ذكرنا الصريحة بذلك فقد نقلوا عن تفسير الثعلبي أنّه أخرج في تفسير هذه الآية عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وقتادة ، ومالك بن دينار ، والضحاك
____________
=
وتفسير القرطبي 16 : 105، وتفسير النسفي المطبوع بهامش تفسير الخازن 4 : 108 ـ 109، وتفسير الخازن 4 : 109، والدٌّر اللقيط 8 : 24، والبحر المحيط 8 : 25، وتفسير ابن كثير 4: 142، وتفسير أبي السعود 8 : 52، وموارد الضمآن : ح 1758.
(1) تفسير مجاهد 2 : 583.
(2) الدر المنثور 6 : 20.
(3) البيان في أخبار صاحب الزمان : 528.
(4) الصواعق المحرقة : 162 ، ونور الاَبصار : 186 ، ومشارق الاَنوار ـ كما في الاِمام المهدي عند أهل السنّة 2 : 58 ـ واسعاف الراغبين : 153 ، وينابيع المودة 2 : 126 باب 59 .

( 25 )
ما يدل على أنها في نزول عيسى بن مريم مع التصريح بوجود الاِمام المهدي وقت نزول عيسى بن مريم ، وأنه يصلّي خلف المهدي عليهما السلام .
4 ـ ومنها : قوله تعالى : (
فَلا اُقْسِمُ بالخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّسِ ).فقد ورد في الاَثر عن الاِمام الباقر عليه السلام أنه قال : «إمام يخنُس سنةَ ستين ومائتين، ثم يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء ، فإن أدركت زمانه قرّتْ عينك»(1).
ولايخفى أن هذا من الاِخبار المعجز الذي علمه أهل البيت عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي تلقّاه من الوحي عن الله جلّ شأنه .
ونكتفي بهذا القدر ، على أن الشيخ القندوزي الحنفي قد أورد الكثير من الآيات التي فسّرها أئمة أهل البيت عليهم السلام بالامام المهدي وظهوره في آخر الزمان(3).

نظرة في أحاديث المهدي

إنّ نظرة واحدة في أحاديث المهدي الواردة في كتب المسلمين تكفي للجزم بتواترها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من دون أدنى تردّد ، ولما لم يكن بوسع البحث تسجيل كل ماورد من أحاديث في المهدي بكتب المسلمين لكثرتها الهائلة ؛ لذا سنقتصر على ذكر مايدل على قطعية صدورها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى النحو الآتي :

____________
(1) أُصول الكافي 1 : 341 | 22 ، كمال الدين 2 : 324 ب 32 ح1 ، كتاب الغيبة | الشيخ الطوسي : 101 ، كتاب الغيبة | النعماني : 149 ب 10 ح1 ، الهداية الكبرى | الحضيني: 88 ، ينابيع المودة 3 : 85 باب | 71 .
(2) ينابيع المودة 3 : 76 ـ 85 باب | 71 .

( 26 )

أولاً : من أخرج أحاديث المهدي :
لا يبعد القول بأنّه مامن محدّث من محدّثي الاِسلام إلاّ وقد أخرج بعض الاَحاديث المبشّرة بظهور الاِمام المهدي في آخر الزمان ، وقد أفردوا كتباً كثيرة في الاِمام المهدي خاصة(1).
وأما عن العلماء والمحدّثين الذين أخرجوا أحاديث المهدي أو أوردوها عمن تقدم عليهم على سبيل الاحتجاج بها ـ حسبما وقفنا عليه في كتبهم ـ فهم :
ابن سعد صاحب الطبقات الكبرى (ت|230 هـ) ، وابن أبي شيبة (ت | 235 هـ) ، وأحمد بن حنبل (ت|241 هـ) ، والبخاري (ت|256هـ) ذكر المهدي بالوصف دون الاسم ، ومثله فعل مسلم (ت|261 هـ) في صحيحه كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث ، وأبو بكر الاسكافي (ت|620هـ) ، وابن ماجة (ت|273 هـ) ، وأبو داود (ت|275هـ)، وابن قتيبة الدينوري (ت|276 هـ)، والترمذي (ت|279هـ)، والبزار (ت|292 هـ) ، وأبو يعلى الموصلي (ت|307هـ) ، والطبري (ت|310 هـ) ، والعقيلي (ت|322هـ)، ونعيم بن حماد(ت|328 هـ) ، وشيخ الحنابلة في وقته البربهاري (ت|329هـ) في كتابه (شرح السنّة) ، وابن حبان البستي(ت|354هـ) ، والمقدسي (ت|355 هـ) ،
____________
(1) أوصلها الاستاذ علي محمدعلي دخيل في كتابه : الاِمام المهدي عليه السلام : 259 ـ 265 إلى ثلاثين كتاباً من كتب أهل السنة في الاِمام المهدي خاصة، بينما أوصلها العلاّمة ذبيح الله المحلاتي إلى أربعين كتاباً وقد أدرجها باسمائها واسماء مؤلفيها في كتاب : مهدي أهل البيت ص 18 ـ 21 . وفي نفس الكتاب المذكور ذكر قائمة أُخرى للكتب المؤلفة من قبل الشيعة في الاِمام المهدي عليه السلام فأوصلها إلى مئة وعشرة كتب ، وهناك كتب كثيرة في المهدي لم تدرج في هذين الكتابين .

( 27 )
والطبراني(ت|360 هـ)، وأبو الحسن الآبري(ت|363 هـ) ، والدارقطني (ت|385هـ) ، والخطابي (ت|388 هـ) ، والحاكم النيسابوري (ت|405هـ) ، وأبو نعيم الاصبهاني (ت|430 هـ) ، وأبو عمرو الداني (ت|444 هـ) ، والبيهقي (ت|458 هـ)، والخطيب البغدادي (ت|463هـ)، وابن عبد البر المالكي (ت|463 هـ)، والديلمي (ت|509هـ)، والبغوي (ت|510 أو 516 هـ)، والقاضي عياض (ت|544 هـ)، والخوارزمي الحنفي (ت|568 هـ)، وابن عساكر (ت|571هـ)، وابن الجوزي (ت|597 هـ)، وابن الأثير الجزري (ت|606 هـ)، وابن العربي (ت|638 هـ)، ومحمد بن طلحة الشافعي (ت|652 هـ)، والعلاّمة سبط ابن الجوزي (ت|654 هـ) ، وابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي (ت|655هـ)، والمنذري (ت|656 هـ) ، والكنجي الشافعي (ت|658 هـ)، والقرطبي المالكي (ت|671 هـ) ، وابن خلكان (ت|681هـ)، ومحب الدين الطبري(ت|694 هـ) ، والعلاّمة ابن منظور (ت|711 هـ) (في مادة هدِيَ من لسان العرب) ، وابن تيمية (ت|728هـ)، والجويني الشافعي (ت|730 هـ)، وعلاء الدين بن بلبان (ت|739 هـ)، وولي الدين التبريزي (ت|بعد سنة 741هـ)، والمزي (ت|739 هـ)، والذهبي (ت|748 هـ)، وابن الوردي (ت|749 هـ)، والزرندي الحنفي (ت|750هـ)، وابن قيم الجوزية (ت|751 هـ)، وابن كثير (ت|774 هـ) ، وسعد الدين التفتازاني (ت|793هـ)، ونور الدين الهيثمي (ت|807 هـ) ، وابن خلدون المغربي (ت|808 هـ) الذي صحح أربعة أحاديث من أحاديث المهدي على الرغم من موقفه المعروف والذي سيأتيك بيانه في الفصل الثالث ، والشيخ محمد الجزري الدمشقي الشافعي(ت|833 هـ) ، وأبو بكر البوصيري (ت|840هـ)،
( 28 )
وابن حجر العسقلاني (ت | 852 هـ) ، والسخاوي (ت|902هـ) ، والسيوطي(ت|911هـ)، والشعراني (ت|973 هـ) ، وابن حجر الهيتمي(ت|974 هـ)، والمتقي الهندي (ت|975 هـ) إلى غير ذلك من المتأخرين كالشيخ مرعي الحنبلي(ت|1033هـ) ، ومحمد رسول البرزنجي (ت|1103هـ)، والزرقاني (ت|1122 هـ) ، ومحمد بن قاسم الفقيه المالكي (ت|1182هـ)، وأبي العلاء العراقي المغربي (ت|1183هـ) ، والسفاريني الحنبلي (ت|1188 هـ) ، والزبيدي الحنفي (ت|1205 هـ) في كتاب (تاج العروس) مادة : هَدِي، والشيخ الصبّان(ت|1206 هـ) ، ومحمد أمين السويدي(ت|1246 هـ) ، والشوكاني (ت|1250هـ) ، ومؤمن الشبلنجي(ت|1291 هـ) ، وأحمد زيني دحلان الفقيه والمحدث الشافعي (ت|1304هـ) ، والسيد محمد صديق القنوجي البخاري(ت|1307 هـ) ، وشهاب الدين الحلواني الشافعي (ت|1308هـ) ، وأبي البركات الآلوسي الحنفي (ت|1317 هـ) ، وأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي(ت|1329 هـ) ، والكتاني المالكي (ت|1345هـ) ، والمباركفوري (ت|1353 هـ) ، والشيخ منصور علي ناصف (ت| بعد سنة 1371 هـ) ، والشيخ محمد الخضر حسين المصري (ت|1377هـ)، وأبي الفيض الغماري الشافعي(ت|1380 هـ) ، وفقيه القصيم بنجد الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع (ت|1385 هـ) ، والشيخ محمد فؤاد عبد الباقي (ت|1388هـ) ، وأبي الاعلى المودودي ، وناصر الدين الالباني إلى ماشاء الله من المعاصرين ، واذا مااضفنا اليهم أعلام المفسرين من أهل السنة أيضاً كما تقدمت الاشارة إلى بعضهم فلك ان تقدر حجم الاتفاق على رواية احاديث المهدي ، والاحتجاج بها .
واما عن أعلام الشيعة ومحدثيهم ومفسريهم الذين أوردوا أحاديث

( 29 )
المهدي عليه السلام فقد يسمج التعرض لبيان اسمائهم ؛ لكون الايمان المطلق بظهور المهدي عليه السلام عندهم من أصول عقائدهم.

ثانياً : من روى أحاديث المهدي من الصحابة :
إنّ الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو الذين كانت أحاديثهم موقوفة عليهم ولها حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ إذ لايعقل اجتهادهم في مثل هذا ـ كثيرون جداً ، ولو ثبت النقل عن عُشرهم لثبت التواتر بلا شك ولاشبهة ، ـ كما في مصادر أهل السنة وحدهم ـ وهم :
فاطمة الزهراء عليها السلام (ت|11 هـ) ، ومعاذ بن جبل (ت|18 هـ) ، وقتادة بن النعمان(ت|23 هـ) ، وعمر بن الخطاب (ت|23 هـ) ، وأبو ذر الغفاري(ت|32 هـ) ، وعبد الرحمن بن عوف (ت|32 هـ) ، وعبدالله بن مسعود(ت|32 هـ) ، والعباس بن عبد المطلب (ت|32 هـ) ، وعثمان بن عفان(ت|35 هـ) ، وسلمان الفارسي (ت|35 أو 36هـ) ، وطلحة بن عبدالله (ت|36هـ) ، وحذيفة بن اليمان ( ت| 36 هـ)، وعمار بن ياسر ( استشهد سنة|37 هـ) ، والاِمام علي عليه السلام ( استشهد سنة |40 هـ) ، والاِمام الحسن السبط عليه السلام (ت | 50 هـ) ، وتميم الداري (ت|50 هـ) ، وعبد الرحمن بن سمرة (ت|50 هـ) ، ومجمع بن جارية(ت|50 هـ) ، وعمران بن حصين (ت|52 هـ) ، وأبو أيوب الانصاري (ت|52 هـ) ، وثوبان مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ت|54 هـ) ، وعائشة (ت|85 هـ)، وأبو هريرة (ت|59 هـ)، والاِمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام (استشهد سنة 61 هـ) ، وأم سلمة (ت|62 هـ) ، وعلقمة بن قيس بن عبدالله ( ت| 62 هـ)، وعبدالله بن عمر بن الخطاب (ت|65 هـ) ، وعبدالله بن عمرو ابن العاص (ت|65 هـ) ، وعبدالله بن عباس (ت|68 هـ) ، وزيد بن أرقم (ت|68 هـ) ، وعوف بن مالك (ت|73 هـ) ، وأبو سعيد الخدري (ت|74هـ) ، وجابر بن سمرة (ت|47هـ) ، وجابر بن عبدالله الانصاري (ت|78هـ) ، وعبدالله بن جعفر الطيار(ت|80 هـ) ، وأبو أمامة الباهلي(ت|81هـ) ، وبشر بن المنذر بن

( 30 )
الجارود (ت|83 هـ) وقد اختلفوا فيه فقيل الراوي هو جده الجارود بن عمرو (ت|20 هـ) ، وعبدالله بن الحارث ابن جزء الزبيدي(ت|86 هـ) ، وسهل بن سعد الساعدي (ت|91 هـ)، وانس بن مالك (ت|93 هـ)، وأبو الطفيل (ت|100 هـ وقيل غير ذلك). وغيرهم ممن لم اقف على تاريخ وفياتهم كأُم حبيبة ، وأبي الجحّاف ، وأبي سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبي ليلى، وأبي وائل، وحذيفة بن اسيد ، والحرث بن الربيع، وأبي قتادة الأنصاري، وزر بن عبدالله، وزرارة بن عبدالله، وعبدالله بن أبي أوفى، والعلاء، وعلقمة بن قيس ( ت| 62 هـ)، وعلي الهلالي، وقرة بن أياس.

ثالثاً : طرق أحاديث المهدي في كتب السنة إجمالاً :
لقد أجاد وأفاد الاستاذ الازهري السيد أحمد بن محمد بن الصديق ، أبو الفيض الغماري الحسني الشافعي المغربي (ت|1380 هـ) في كتابه الرائع : (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) حيث أثبت فيه تواتر أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام بما لم يسبقه أحد إليه من قبل ، وذلك تفنيداً لتضعيفات ابن خلدون التي تذرع بها بعض معاصريه كأحمد أمين المصري ومحمد فريد وجدي وغيرهما. ولابأس هنا بإطلالة قصيرة على ماذكره من طرق أحاديث المهدي في كتب أهل السنّة التي فصّلت في هذا الكتاب تفصيلاً يعبّر عن مقدرة فائقة في تتبع طرق وأسانيد أحاديث الاِمام المهدي ابتداءً من طبقة الصحابة ثمّ التابعين ثمّ تابعي التابعين وصولاً إلى من أخرج هذه الاَحاديث من المحدثين.
قال أبو الفيض : « ولا يخفى أن العادة قاضية باستحالة تواطؤ جماعة يبلغ عددهم ثلاثين نفساً فأزيد في جميع الطبقات، وذلك فيما بلغنا وأمكننا الوقوف عليه في الحال، فقد وجدنا خبر المهدي وارداً من حديث أبي سعيد الخدري، وعبدالله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب،

( 31 )
وأُم سلمة، وثوبان، وعبدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وأبي هريرة ، وأنس بن مالك، وجابر بن عبدالله الانصاري، وقرة بن أياس المزني، وابن عباس، وأُم حبيبة، وأبي اُمامة، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وعمار بن ياسر، والعباس بن عبد المطلب، والحسين بن علي، وتميم الداري، وعبد الرحمن بن عوف، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، وطلحة، وعلي الهلالي، وعمران بن حصين، وعمرو بن مرة الجهني ومعاذ بن جبل، ومن مرسل شهر بن حوشب، وهذا في المرفوعات دون الموقوفات والمقاطيع التي هي في مثل هذا الباب من قبيل المرفوع.
ولو تتبعنا ذلك لذكرنا منه عدداً وافراً، ولكن في المرفوع منه الكفاية »(1).
أقول : إنما ذكرت هذا لكي يعلم بأن مافات السيد أبا الفيض الغماري من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث الاِمام المهدي هو أكثر مما ذكره، فقد ذكر ستة وعشرين صحابياً مع شهر بن حوشب ، ولم يذكر ثمانية وعشرين صحابياً وهم :
أبو أيوب الانصاري ، وأبو الجحّاف ، وأبو ذر الغفاري ، وأبو سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو وائل ، وجابر بن سمرة ، والجارود بن المنذر العبدي ، وحذيفة بن اسيد ، وحذيفة بن اليمان ، والحرث بن الربيع ، والاِمام السبط الحسن عليه السلام ، وزر بن عبدالله ، وزرارة بن عبدالله ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وسعد بن مالك أبو سعيد الخدري ، وسلمان
____________
(1) ابراز الوهم المكنون : 437 .
هذا، ولاَبي الفيض أخ يعدّ من فضلاء علماء المغرب يكنى بأبي الفضل الغماري وهو صاحب كتاب (الاِمام المهدي) وقد زاد فيه ماذكره أخوه في ابراز الوهم ثلاثة من أسماء الصحابة وخمسة من التابعين الذين رووا أحاديث المهدي ، ثمّ أثبت ألفاظ روايات من ذكرهم واحداً بعد آخر حتى شغل بذلك مايزيد على نصف صفحات الكتاب .

( 32 )
الفارسي ، وسهل بن سعد الساعدي ، وعبد الرحمن بن سمرة ، وعبدالله ابن أبي أوفى ، وعبدالله بن جعفر الطيار ، وعثمان بن عفان ، والعلاء بن شبر المزني، وعلقمة بن قيس بن عبدالله ، وعمر بن الخطاب ، وعوف بن مالك ، ومجمع بن جارية ، ومعاذ بن جبل وهو من أوائل الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عليه السلام فقد مات معاذ سنة 18 هـ(1).
وعلى أية حال ، فقد تتبع أبو الفيض الغماري الشافعي أحاديث المهدي المروية عن أكثر من ثلاثين صحابياً ، مبيناً من رواها عنهم ومن أخرجها من المحدثين بكل دقة وتفصيل .
وسوف نقتصر على ما قاله عن حديث أبي سعيد الخدري وحده ، وهو أول صحابي ذكره أبو الفيض ، وقس عليه أحاديث الصحابة الآخرين.
قال :
« أما حديث أبي سعيد الخدري : فورد عنه من طريق :
أبي نظرة .
وأبي الصدّيق الناجي .
والحسن بن يزيد السعدي .
أما طريق أبي نظرة :
فأخرجه أبو داود والحاكم كلاهما من رواية عمران القطان ، عنه . وأخرجه مسلم في صحيحه من رواية سعيد بن زيد ، ومن رواية داود بن أبي هند كلاهما ، عنه . لكن وقع في صحيح مسلم ذكره بالوصف لا بالاسم كما سيأتي.

____________
(1) في معجم أحاديث الاِمام المهدي (خمس مجلدات) احصاء دقيق لجميع روايات الصحابة في المهدي مع بيان مصادرها عند أهل السنة والشيعة الاِمامية.

( 33 )
وأما طريق أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد :
فأخرجه عبد الرزاق والحاكم من رواية معاوية بن قرّه ، عنه . وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من رواية زيد العمي ، عنه . وأخرجه أحمد والحاكم من رواية عوف بن أبي جميلة الاعرابي ، عنه . وأخرجه الحاكم من رواية سليمان بن عبيد ، عنه . وأخرجه أحمد والحاكم من رواية مطر بن طهمان، وأبي هارون العبدي كلاهما ، عنه . وأخرجه أحمد أيضاً من رواية مطر بن طهمان وحده ، عنه . وأخرجه أيضاً من رواية العلاء بن بشير المزني ، عنه ، وأخرجه أيضاً من رواية مطرف ، عنه .
وأما طريق الحسن بن يزيد :
فأخرجه الطبراني في الاَوسط من رواية أبي واصل عبد بن حميد ، عن أبي الصديق الناجي ، عنه »(1).
أقول : لو رجعت إلى تاريخ ابن خلدون لوجدته لم يعرف أغلب هذه الطرق إذ لم يذكر من طرق حديث أبي سعيد إلاّ القليل، فضلاً عما تركه من أحاديث الصحابة الآخرين .
ولايخفى أنّ القدر المشترك في جميع هذه الطرق إلى حديث أبي سعيد الخدري فقط دون سواه هو ظهور الاِمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان، ولاشك أن النظر إلى جميع الطرق التي وردت بها أحاديث المهدي عن جميع الصحابة يقطع بتواتر مابشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل حتى لو افترضنا وجود طريق واحد فقط لكل صحابي ذُكر فهو يكفي للاِذعان بالتواتر ، وقد مرّ أنّ عددهم يزيد على الخمسين صحابياً .

____________
(1) ابراز الوهم المكنون : 438 .

( 34 )

رابعاً : صحة أحاديث المهدي :
سنذكر في هذه الفقرة بعض من صرح بصحة أحاديث المهدي عليه السلام من أعلام أهل السنة حسبما وقفنا عليه في مؤلفاتهم ، على انه ليس هدفنا الاستقصاء بل اعطاء النموذج المقتدى وكما يلي :
1 ـ الاِمام الترمذي (ت|279 هـ) ، قال عن ثلاثة أحاديث في الاِمام المهدي : « هذا حديث حسن صحيح »(1).
وقال عن حديث رابع : « هذا حديث حسن »(2).
2 ـ الحافظ أبو جعفر العقيلي (ت|322 هـ) ، أورد حديثاً ضعيفاً في الاِمام المهدي ثم قال : « وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ »(3).
3 ـ الحاكم النيسابوري (ت|405 هـ) ، قال عن أربعة أحاديث : « هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه »(4).
وعن ثلاثة أحاديث : « هذا حديث صحيح الاسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه »(5) .
وعن ثمانية أحاديث : «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(6) .
4 ـ الاِمام البيهقي (ت|458 هـ) ، قال : « والاحاديث على خروج
____________
(1) سنن الترمذي 4 : 505 | 2230 و 2231 ، 4 : 506 | 2233.
(2) سنن الترمذي 4 : 506 | 2232.
(3) الضعفاء الكبير | العقيلي 3 : 253 | 1257 في ترجمة علي بن نفيل الحراني.
(4) مستدرك الحاكم 4 : 429 و465 و553 و558.
(5) مستدرك الحاكم 4 : 450 و557 و558.
(6) مستدرك الحاكم 4 : 429 و442 و457 و464 و502 و520 و554 و557.

( 35 )
المهدي أصح إسناداً »(1).
5 ـ الاِمام البغوي (ت|510 هـ أو 516 هـ) ، أخرج حديثاً في المهدي في فصل الصحاح(2)وخمسة أحاديث فيه أيضاً في فصل الحسان من كتابه مصابيح السنة(3).
6 ـ ابن الاَثير (ت|606 هـ) ، قال في النهاية في مادة (هدا) : « ومنه الحديث : سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، المهدي : الذي هداه الله إلى الحق وقد استعمل في الاسماء حتى صار كالاسماء الغالبة ، وبه سمي المهدي الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، انه يجيء في آخر الزمان »(4)، وهذا القول لايصدر إلاّ عمن يرى صحة أحاديث المهدي بل تواترها على الاَصح .
7 ـ القرطبي المالكي (ت|671 هـ) ، وهو من القائلين بالتواتر .
وما يهمنا هنا انه قال عن حديث ابن ماجة في المهدي : « اسناده صحيح»(5) مصرحاً بأنّ حديث : «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» هو أصح من حديث محمد بن خالد الجندي(6)الذي سنناقشه فيما بعد .
8 ـ ابن تيمية (ت|728 هـ) ، قال في منهاج السنة : « إن الاحاديث التي يحتج بها ـ يعني : العلاّمة الحلي ـ على خروج المهدي ، أحاديث صحيحة »(7) .
9 ـ الحافظ الذهبي (ت|748 هـ) ، سكت عن جميع ماصححه الحاكم
____________
(1) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد | البيهقي : 127.
(2) مصابيح السنة | البغوي : 488 | 4199.
(3) مصابيح السنة : 492 ـ 493 | 4210 ـ 4213 و 4215.
(4) النهاية في غريب الحديث والاثر | ابن الاثير 5 : 254.
(5) التذكرة | القرطبي : 704 باب ماجاء في المهدي.
(6) التذكرة : 701.
(7) منهاج السنة | ابن تيمية 4 : 211.

( 36 )
في مستدركه من أحاديث المهدي مصرحاً بصحة حديثين (1)، وردّه على بعض ماصححه الحاكم من أحاديث في الفضائل ونحوها دليل على ان سكوته ازاء ماصححه الحاكم معبر عن موافقته على ذلك التصحيح .
10 ـ الكنجي الشافعي (ت|658 هـ) ، قال عن حديث أخرجه الترمذي وصححه في المهدي: «هذا حديث صحيح» ، وعن آخر مثله(2).
وقال عن حديث : (المهدي منّي أجلى الجبهة) : «هذا الحديث ثابت حسن صحيح» (3) .
وقال عن حديث : ( المهدي حق وهو من ولد فاطمة ) : « هذا حديث حسن صحيح» (4) .
11 ـ الحافظ ابن القيّم (ت|751 هـ) ، اعترف بحسن بعض أحاديث المهدي وصحة بعضها الآخر بعد أن أورد جملة منها(5)، وابن القيم من القائلين بالتواتر كما سيأتي .
12 ـ ابن كثير (ت|774 هـ) ، قال عن سند حديث في المهدي : « وهذا اسناد قوي صحيح» (6)، ثم نقل حديثاً عن ابن ماجة وقال : « وهذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم» (7).
13 ـ التفتازاني (ت|793 هـ) ، قال عن خروج المهدي في آخر الزمان :
____________
(1) تلخيص المستدرك | الذهبي 4 : 553 و558، مطبوع بهامش مستدرك الحاكم.
(2) البيان في أخبار صاحب الزمان | الكنجي الشافعي 481 وانظر حديثي الترمذي في سننه 4 : 505 | 3230 و3231 .
(3) البيان في أخبار صاحب الزمان : 500.
(4) البيان في أخبار صاحب الزمان : 486 .
(5) المنار المنيف | ابن القيم : 130 ـ 135 | 326 و327 و329 و331.
(6) النهاية في الفتن والملاحم | ابن كثير 1 : 55.
(7) المصدر السابق : 56.

( 37 )
« وقد ورد في هذا الباب أخبار صحاح» (1).
14 ـ نور الدين الهيثمي (ت|807 هـ) ، أورد جملة من الاَحاديث في المهدي واعترف بصحتها ووثاقة رواتها .
فقال عن أحدها : « قلت : رواه الترمذي وغيره باختصار كثير ، ورواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار كثير . ورجالهما ثقات» (2).
وقال عن آخر : « رواه الطبراني في الاوسط ، ورجاله رجال الصحيح» (3).
وقال عن ثالث : « ورجاله ثقات» (4).
وقال عن رابع : « رواه البزار ورجاله رجال الصحيح» (5).
وقال عن خامس : « رواه الطبراني في الاَوسط، ورجاله ثقات» (6).
15ـ السيوطي (ت|911 هـ) ، رمز لبعض الاحاديث الواردة في المهدي بعلامة (صح)(7)أي : صحيح ، ولبعضها الآخر بعلامة (ح)(8)أي : حسن.
16ـ الشوكاني (ت|1250 هـ) ، نقل عنه القنوجي في الاذاعة قوله بصحة أحاديث الاِمام المهدي بل وتواترها أيضاً ، وقد مرّ انه ألّف رسالة في تواتر أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام .
17 ـ ناصر الدين الالباني : قال في مقال له بعنوان (حول المهدي)
____________
(1) شرح المقاصد | التفتازاني 5 : 312.
(2) مجمع الزوائد | الهيثمي 7 : 313 ـ 314.
(3) مجمع الزوائد 7 : 115.
(4) مجمع الزوائد 7 : 116.
(5) مجمع الزوائد 7 : 117.
(6) مجمع الزوائد 7 : 117.
(7) الجامع الصغير | السيوطي 2 : 672 | 9241 و9244 و9245.
(8) الجامع الصغير 2 : 672 | 9243 و 2 : 438 | 7489.

( 38 )
مانصه : « أما مسألة المهدي فليعلم أنّ في خروجه أحاديث صحيحة ، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة» ، على أن الاَلباني من المصرحين بالتواتر أيضاً(1).
ونكتفي بهذا القدر للاختصار على ان بعض الباحثين قد أوصل اعترافات العلماء والمحققين بصحة أحاديث المهدي إلى أكثر من ستين اعترافاً(2).

خامساً : تصريح العلماء بتواتر أحاديث المهدي :
صرّح علماء الدراية وجملة من ذوي الاختصاص بعلوم الحديث دراسة وتدريساً بتواتر أحاديث المهدي الواردة في كتب أهل السنة من الصحاح والمسانيد وغيرها ، وبالنظر لكثرتهم سوف نقتصر على ذكر بعضهم ، وهم :
1 ـ البربهاري شيخ الحنابلة وكبيرهم في عصره (ت|329 هـ) : نقل عنه الشيخ حمود التويجري في كتابه : الاحتجاج بالاَثر على من أنكر المهدي المنتظر ص 28 انه قال في كتابه (شرح السنة) : « الاِيمان بنزول عيسى بن مريم عليه السلام : ينزل .. ويصلي خلف القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم» ولايخفى ان (الايمان) يعني : الاعتقاد ، والاعتقاد لايبنى على خبر الآحاد.
2 ـ محمد بن الحسين الآبري الشافعي (ت|363 هـ) . قال في كتابه مناقب الشافعي : « قد تواترت الاَخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بمجيء المهدي ، وأنه من أهل بيته صلى
____________
(1) حول المهدي | الالباني : 644 مقال نشر في مجلة التمدن الاسلامي ـ دمشق ، السنة | 22 ذي القعدة 1371 هـ .
(2) دفاع عن الكافي | ثامر العميدي 1 : 343 ـ 405.

( 39 )
الله عليه وسلم وانه يملك سبع سنين وانه يملأ الارض عدلاً ، وانه يخرج مع عيسى فيساعده على قتل الدجال» .
وقد نقل هذا عنه القرطبي المالكي في التذكرة : 701 والمزي في تهذيب الكمال 25: 146 | 5181 في ترجمة محمد بن خالد الجندي ، وابن القيم في المنار المنيف : 142 | 327 وغيرهم .
3 ـ القرطبي المالكي (ت|716 هـ) ، نقل قول الآبري المتقدم وأيّده بتصحيح ما أورده من أحاديث المهدي واحتج بقول الاِمام الحافظ الحاكم النيسابوري : « والاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة، ثابتة» (1).
وقال في تفسيره (الجامع لاحكام القرآن) في تفسير الآية 33 من سورة التوبة : « الاخبار الصحاح قد تواترت على ان المهدي من عترة الرسول صلى الله عليه وسلم »(2).
4 ـ الحافظ المتقن جمال الدين المزي (ت|742 هـ) ، احتج بقول الآبري المتقدم في تواتر أحاديث الاِمام المهدي ولم يتعرض له بشيء ، بل أطلقه إطلاق المسلّمات(3).
5 ـ ابن القيم (ت|751 هـ) ، أيّد قول الآبري أيضاً وذلك بتقسيم أحاديث الاِمام المهدي إلى أربعة أقسام : الصحاح ، والحسان ، والغرائب، والموضوعة(4)، ولايخفى بأن مجموع الصحاح والحسان مما يبلغ التواتر لكثرته واستفاضته .
6 ـ ابن حجر العسقلاني (ت|852 هـ) ، نقل القول بالتواتر عن
____________
(1) التذكرة : 701.
(2) تفسير القرطبي 8 : 121 ـ 122.
(3) تهذيب الكمال 25 : 146 | 5181.
(4) المنار المنيف : 135.

( 40 )
غيره(1)، وأيّده بقوله : «وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الاَُمّة ـ مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة ـ دلالة للصحيح من الاَقوال : إن الاَرض لاتخلو من قائم لله بحجة» (2).
7 ـ شمس الدين السخاوي (ت|902 هـ) ، صرح غير واحد من العلماء بأنَّ السخاوي من المصرّحين بتواتر أحاديث المهدي ، منهم : العلاّمة الشيخ محمد العربي الفاسي في كتابه المقاصد ، والمحقق أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي في مبهج القاصد ، على مانقله عنهما أبو الفيض الغماري(3).
ومنهم أبو عبدالله محمد بن جعفر الكتاني (ت|1345 هـ) في نظم المتناثر من الحديث المتواتر : 226 | 289.
8 ـ السيوطي (ت|911 هـ) ، صرح بتواتر أحاديث المهدي في الفوائد المتكاثرة في الاحاديث المتواترة ، وفي أختصاره المسمى بالازهار المتناثرة ، وغيرها من كتبه على حد تعبير السيد الغماري الشافعي(4).
9 ـ ابن حجر الهيتمي (ت|974 هـ) ، دافع عن عقيدة المسلمين بظهور الاِمام المهدي كثيراً مصرحاً بتواترها(5).
10 ـ المتقي الهندي (ت|975 هـ) ، مؤلف كنز العمال، دافع المتقي الهندي عن عقيدة الاِمام المهدي عليه السلام دفاعاً مدعوماً بالحجة والبرهان وذلك في كتابه : البرهان في علامات مهدي آخر الزمان.
ولعل أهم ما في هذا الكتاب هو الفتاوى الاربع المذكورة فيه
____________
(1) تهذيب التهذيب 9 : 125 | 201.
(2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6 : 385.
(3) المهدي المنتظر لاَبي الفيض : 9.
(4) ابراز الوهم المكنون لابي الفيض : 436.
(5) الصواعق المحرقة : 162 ـ 167 الفصل | 1 باب | 11.

( 41 )
بخصوص من أنكر ظهور المهدي وهي : فتوى ابن حجر الهيتمي الشافعي، وفتوى الشيخ أحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي ، وفتوى الشيخ محمد بن محمد الخطابي المالكي ، وفتوى الشيخ يحيى بن محمد الحنبلي.
وقد نصَّ المتقي على أن هؤلاء هم علماء أهل مكة وفقهاء المسلمين على المذاهب الاَربعة ، ومن راجع فتاواهم عَلِمَ علم اليقين أنهم متفقون على تواتر أحاديث المهدي ، وأن منكرها يجب أن ينال جزاءه ، وصرّحوا: بوجوب ضربه وتأديبه وإهانته حتى يرجع إلى الحق على رغم أنفه ـ على حد تعبيرهم ـ وإلاّ فيهدر دمه(1).
11 ـ محمد رسول البرزنجي (ت|1103 هـ) ، صرح بتواتر أحاديث المهدي فقال : « أحاديث وجود المهدي ، وخروجه آخر الزمان ، وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ولد فاطمة رضي الله عنها . بلغت حد التواتر المعنوي ، فلا معنى لاِنكارها»(2).
12 ـ الشيخ محمد بن قاسم بن محمد جسوس (ت|1182 هـ) ، نقل الكتاني في نظم المتناثر تصريحه بالتواتر(3).
13 ـ أبو العلاء العراقي الفاسي (ت|1183 هـ) ، له تأليف في الاِمام المهدي ، وقد نقل في نظم المتناثر تصريحه بالتواتر(4).
14ـ الشيخ السفاريني الحنبلي (ت|1188 هـ) ، نقل القنوجي عنه أنه من القائلين بتواتر أحاديث المهدي في كتابه اللوائح(5).

____________
(1) البرهان على علامات مهدي آخر الزمان : 178 ـ 183.
(2) الاشاعة لاشراط الساعة | البرزنجي : 87.
(3) نظم المتناثر من الحديث المتواتر : 226 | 289.
(4) المصدر السابق : 226 | 289.
(5) الاذاعة | القنوجي : 146.

( 42 )
15ـ الشيخ محمد بن علي الصبان (ت|1206 هـ) ، نقل القول بالتواتر عن ابن حجر في الصواعق وغيره . واحتج به ولم يتعقبه بشيء فدل على أنه قوله أيضاً(1).
16ـ الشوكاني (ت|1250 هـ) ، ويكفي لاثبات قوله بتواتر أحاديث المهدي كتابه الشهير (التوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر والدجال والمسيح) .
17 ـ مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي (ت|1291 هـ) ، صرح بتواتر أخبار المهدي مؤكداً على انه من أهل البيت عليهم السلام (2).
18 ـ أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية (ت|1304 هـ) ، وصف أحاديث المهدي بالكَثْرَة وقال : (وكثرة مخرجيها يقوي بعضها بعضاً حتى صارت تفيد القطع) ولايخفى أن درجة القطع في الاَخبار تحصل بالتواتر(3) .
19 ـ السيد محمد صديق حسن القنوجي البخاري (ت|1307 هـ) ، قال عن أحاديث المهدي عليه السلام : « والاحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر» (4).
20 ـ أبو عبدالله محمد بن جعفر الكتاني المالكي (ت|1345 هـ) ، نقل القول بالتواتر عن جملة ممن ذكرناهم إلى ان قال : « والحاصل : ان الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة» (5).
إلى غير هؤلاء مما لايتّسع هذا البحث المختصر لاِيراد أقوالهم كلّهم
____________
(1) اسعاف الراغبين : 145 و 147 و 152.
(2) نور الابصار | الشبلنجي : 187 و 189.
(3) الفتوحات الاسلامية 2 : 211.
(4) الاذاعة : 112.
(5) نظم المتناثر من الحديث المتواتر : 225 ـ 228 | 289.

( 43 )
وقد تتبعهم بعض الباحثين ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلى الوقت الحاضر (1).
وهنا لابدّ من تسجيل كلمة مهمة للاستاذ بديع الزمان سعيد النورسي ـ وهو من أفاضل علماء أهل السنة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ـ قال : « ليس في الدنيا قاطبة عصبة متساندة نبيلة شريفة ترقى إلى شرف آل البيت ومنزلتهم ، وليس فيها قبيلة متوافقة ترقى إلى اتفاق قبيلة آل البيت ، وليس فيها مجتمع أو جماعة منورة أنور من مجتمع آل البيت وجماعتهم .
نعم . إنَّ آل البيت الذين غُذّوا بروح الحقيقة القرآنية ، وارتضعوا من منبعها ، وتنوّروا بنور الايمان وشرف الاسلام ، فعرجوا إلى الكمالات ، وأنجبوا مئات الاَبطال الاَفذاذ ، وقدّموا اُلوف القُوَّاد المعنويين لقيادة الاَُمّة؛ لابد أنهم يُظهِرون للدنيا العدالة التامة لقائدهم الاعظم المهدي الاكبر ، وحقانيته بإحياء الشريعة المحمدية ، والحقيقة الفرقانية ، والسنّة الاَحمدية ، وتطبيقها ، وإجراءاتها .
وهذا الاَمر في غاية المعقولية فضلاً عن أنّه في غاية اللزوم والضرورة ، بل هو مقتضى دساتير الحياة الاجتماعية» (2).

____________
(1) دفاع عن الكافي | ثامر العميدي 1 : 343 ـ 405.
(2) اشراط الساعة ( من كليات رسائل النور ـ الشعاع الخامس ) | بديع الزمان سعيد النورسي ترجمة احسان قاسم الصالحي ط 1 مطبعة الحوادث ـ بغداد 1412 هـ ص : 37 ـ 38.