عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

القرن الحادي عشر

 

- 82 -

الحرفوشي العاملي

المتوفى 1059

 

يا وردة من فوق بانه * سر المحبة من أبانه ؟

أخفيته جهدي وقد * غلغلت في قلبي مكانه

وكتمت أمر صبابتي * وسدلت أستار الصيانة

ما كنت أحسب أن يكون * الدمع يوما ترجمانه

لولا وضوح الأمر ما * أغرى بنا الواشي لسانه

ولوى عنانك عن شج * شوقا إليك لوى عنانه

يا ظبية البان التي * عند القلوب لها مكانه !

قد أسكرتني مقلتاك * كأن في الأجفان حانه (1)

وكرعت في ماء الصبا * ففضحت لين الخيزرانه

أجريت ذكرك في الحمى * وقد اجتلى طرفي جنانه

فلوى القضيب معاطفا * نظم الندى فيها جمانه (2)

واحمر خد شقيقها * وافتر ثغر الأقحوانه (3)

فكأنني أجريت ذكر * [المرتضى] لذوي الديانه

غيث الإله وغوثه * حيث الزمان يرى الزمانه (4 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحان والحانة : موضع بيع الخمر .

(2) الجمان : اللؤلؤ، والواحدة : جمانة .

(3) الأقحوان : نبات أوراق زهره. واحدته : أقحوانة (4) الزمانة : العاهة. تعطيل القوى .

 

/ صفحة 286 /

كم أودع اللاجي إليه * من مخاوفه أمانه ؟

وأسال فوق المرتجي * سيل الحيا الساري بنانه ؟

أعطاه باريه التقرب * منه زلفى والمكانه

فغدا القسيم بأمره * يعطى الورى كلا وشأنه

يوري معاديه لظى * ويرى مواليه جنانه

سل عنه إن حمي الوطيس * وأصعد الحامي دخانه

من يلتوي قرصا به (1) * فيه التواء الأفعوانه ؟

حتى يرويه ويروي * من دم الجاني سنانه

وينكص الرايات تعثر * بالجماجم من جبانه

واسأل (بخم) كم له * المختار من فضل أبانه ؟

واها له لو اطلقت * أعدائه شوطا عنانه

(الشاعر) :

الشيخ محمد بن علي بن أحمد الحرفوشي (2) الحريري الشامي العاملي .

 عبقري مقدم من عباقرة العلم والأدب، وأوحدي من أساطين الفضيلة، لم يتحل بمأثرة إلا وأتبعها بالنزوع إلى مثلها، وما اختص باكرومة إلا وراقه أن يتطلع إلى ما هو أرفع منها، حتى عادت الفضائل والأحساب عنده كأسنان المشط، أو خطوط الدائرة المنتهية إلى مركزها، ورأيت أن أوسط من وصفه هو سيدنا المدني الشيرازي في سلافة العصر ص 315 قال : منار العلم السامي، وملتزم كعبة الفضل وركنها الشامي .

 ومشكاة الفضائل ومصباحها، المنبر به مساؤها وصباحها .

 خاتمة أئمة العربية شرفا عربا، والمرهف من كهام الكلام شبا وغربا .

 أماط عن المشكلات نقابها، وذلل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قرضاب : السيف القطاع .

 (2) نسبة إلى آل حرفوش المنسوبين إلى جدهم الأعلى الأمير حرفوش الخزاعي الذى عقدت له راية بقيادة فرقة في حملة أبي عبيدة الجراح على بعلبك . أصلهم من خزاعة العراق . راجع أعيان الشيعة 5 : 448 .

 

/ صفحة 287 /

صعابها وملك رقابها . وحل للعقول عقالها، وأوضح للفهوم قيلها وقالها . فتدفق بحر فوائده وفاض، وملأ بفرائده الوطاب والوفاض . وألف بتآليفه شتات الفنون، وصنف بتصانيفه الدر المكنون . إلى زهد فاق به خشوعا وإخباتا، ووقار لا توازيه الرواسي ثباتا . وتأله ليس لابن أدهم غرره وأوضاحه، وتقدس ليس للسري سره وإيضاحه . وهو شيخ شيوخنا الذي عادت علينا بركات أنفاسه، واستضأنا بواسطة من ضيا نبراسه . وكان قد انتقل من الشام إلى بلاد العجم، وقطن بها إلى أن وفد عليه المنون وهجم . فتوفي بها في شهر ربيع الثاني سنة تسع وخمسين وألف .

 وترجم له شيخنا الحر العاملي في (أمل الآمل) (1) وأثنى عليه بقوله : كان عالما فاضلا أريبا ماهرا محققا مدققا شاعرا أديبا منشيا حافظا أعرف أهل عصره بالعلوم العربية .

 قرأ على السيد نور الدين علي بن علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي في مكة جملة من كتب الخاصة والعامة له كتب كثير الفوايد .

 وأطراه شيخنا العلامة المجلسي في [بحار الأنوار] (2) بكلمة سيدنا صاحب السلافة المذكورة .

 وعقود جمل الثناء عليه منضدة في صفحات المعاجم وكتب التراجم حتى اليوم، وقد فصلنا القول في ترجمته في كتابنا [شهداء الفضيلة] ص 118 وذكرنا هنالك في ص 160 : إن المترجم له قرأ عليه الشيخ علي زين الدين حفيد الشهيد الثاني، ويروي عنه السيد هاشم الاحسائي كما في (المستدرك) 3 ص 406 .

 آثاره القيمة :

1 - طرائف النظام ولطائف الانسجام في محاسن الأشعار .

 2 - اللآلي السنية في شرح الأجرومية، مجلدان .

 3 - شرح شرح الكافيجي على قواعد ابن هشام .

 4 - شرح شرح الفاكهي على القطر .

 5 - شرح قواعد الشهيد قدس سره .

 6 - شرح الصمدية في النحو .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المطبوع في آخر منهج المقال ص 452 .

 (2) ج 25 ص 124 .

 

/ صفحة 288 /

7 - شرح التهذيب في النحو .

 8 - شرح الزبدة في الأصول .

 9 - مختلف النحاة في النحو .

 10 - رسالة الخال .

 11 - ديوان شعره .

 وقال صاحب (الأمل) بعد عد كتبه : ورسائل متعددة، رأيته في بلادنا مدة ثم سافر إلى أصفهان، ولما توفي رثيته بقصيدة طويلة منها:

أقم مأتما للمجد قد ذهب المجد * وجد بقلبي السوء والحزن والوجد

وبانت عن الدنيا المحاسن كلها * وحل بها لون الضحى فهو مسود

وسائلة ما الخطب راعك وقعه * وكادت له الشم الشوامخ تنهد ؟

وما للبحار الزاخرات تلاطمت * وأمواجها أيد وساحلها خد ؟

فقلت : نعى الناعي إلينا (محمدا) * فذاب أسى من نعيه الحجر الصلد

مضى فائق الأوصاف مكتمل العلى * ومن هو في طرق السري العلم الفرد

فكم قلم ملقى من الحزن صامت * فما عنده للصامتين له رد ؟

وطالب علم كان مغتبطا به * كمغتنم للوصل فاجأه الصد

لقد أظلمت طرق المباحث بعده * وكان كبدر التم قارنه السعد

فأهل المعالي يلطمون خدودهم * وقد قل في ذا الرزء أن يلطم الخد

لرزء (الحريري) استبان على العلى * أسى لم تكن لولا المصاب به يبدو

وشاعرنا (الحريري) مع أنه وليد مهد العروبة، ورضيع ثدي مجدها الموثل له في الأدب والقريض يد ناصعة، وفي علوم لغة الضاد تضلع وتقدم، قال سيدنا المدني و (السلافة) : له الأدب الذي أينعت ثمار رياضه، وتبسمت أزهار حدائقه وغياضه فحلا جناها لأذواق الأفهام، وتنشق عرفها كل ذي فهم فهام .

 فمن مطرب كلامه الذي سجعت به على أغصان أنامله عنادل أقلامه قوله مادحا شيخه الشيخ شرف الدين الدمشقي سنة ست وعشرين وألف :

/ صفحة 289 /

إذا ما منحت جفوني القرارا * فمر طارق الطيف يدني المزارا

فعلك تثلج قلبا به * تأجج وجدا وزاد استعارا

وأنى يزور فتى قد براه * سقام يمض ولو زار حارا ؟

خليلي عرج على رامة * لأنظر سلعا وتلك الديارا

وعج بي على ربع من قد نأى * لأسكب فيه الدموع الغزارا

فقلبي من منذ زم المطي * ترحل عني إلى حيث سارا

فهل ناشد لي وادي العقيق * عنه فإني عدمت القرارا ؟

بروحي رشا فاتن فاتك * إذا ما انثنى هام فيه العذارا

ولما رنا باللحاظ انبرت * قلوب الأنام لديه حيارا

ومن عجب إنها لم تزل * تعاقب بالحد وهي السكارا

وأعجب من ذا رأينا بها * انكسارا يقود إليها انتصارا

ولم أر من قبله سافكا * دماء ولم يخش في القتل ثارا

يعير الغزالة من وجهه * ضياء ويسلب منها النفارا

ويحمي بمرهف أجفانه * جنيا من الورد والجلنارا

تملكني عنوة والهوى * إذا ما أغار الحذار الحذارا

يرق العذول إذا ما رأى * غرامي ويمنحني الاعتذارا

ومن رشقته سهام اللحاظ * فقد عز برء وناء اصطبارا

حنانيك لست بأول من * دعاه الغرام فلبى جهارا

ولا أنت أول صب جنى * على نفسه حين أضحى جبارا

ترفق بقلبك واستبقه * فقد حكم الوجد فيه وجارا

وعج عن حديث الهوى وأقر عن * إلى مدح من في العلى لا يجارا

إمام توحد في المكرمات * ونال المعالي والافتخارا

وأدرك شأو العلى يافعا * وألبس شانيه منه الصغارا

سما في الكلام إلى غاية * وناهيك من غاية لا تبارا

مناقبه لا يطيق الذكي * بيانا لمعشارها وانحصارا

/ صفحة 290 /

غدا كعبة لاقتداء الورى * وأضحى لباغي الكمال المنارا

إليه المفاخر منقادة * أبت غيره أن يكون الوجارا

هو البحر لا ينقضي وصفه * فحدث عن البحر تلق اليسارا

إذا أظلم البحر عن فكرة * توقد عاد لديه نهارا

يفيد لراجي المعالي على * ويمنح عافي نداه النضارا

وبكر تجرر أذيالها * إليك دلالا وتسعى بدارا

أتتك من الحسن في مطرف * تثنى قواما أبى الاهتصارا

تضوع عبيرا وتختال في * ملابس وشي أبت أن تعارا

تشكى إليك زمانا جنى * عليها بنوه وخانوا الذمارا

وهموا بإطفاء مقباسها * فلم يجدوا حين راموا اقتدارا

فباؤا بخفي حنين وقد * علاهم خسار ونالوا بوارا

وكيف وأنت الذي قد قدحت * زنادا ذكاها وأوريت نارا

فهاك عروسا ترجى بأن * يكون القبول لديها نثارا

ومنك إليك أتت إذ غدت * لها منشأ واضحا والنجارا

ودم واحد الدهر فرد الورى * تنال سموا وتحوي وقارا

مدى الدهر ما لاح شمس الضحى * وناوح بلبل روض هزارا

وواصل صبا حبيب وما * تذكر نجدا فحن ادكارا

وتوجد في (السلافة) من شعره مائة واثنان وعشرون بيتا غير ما ذكرناه، وورث فضائله ومكارمه ولده الفاضل الصالح الشيخ إبراهيم بن محمد الحرفوشي نزيل طوس (مشهد الإمام الرضا عليه السلام) والمتوفى بها سنة 1080 كما ذكره شيخنا الحرفي (الأمل) وقد قرأ على أبيه وغيره .

 

/ صفحة 291 /

القرن الحادي عشر

 

- 83 -

ابن أبي الحسن العاملي

المتوفى 1086

 

علي تعالى بالمكارم والفضل * وأصحابكم قدما عكوف على العجل

أباه ذووا الشورى لما في صدورهم * تغلغل من حقد عليه ومن غل

وماذا عسى يا مرو أن ينفع الإبا * وقد قال فيه المصطفى خاتم الرسل؟!

ونص عليه في [الغدير] بأنه * إمام الورى بالمنطق الصادع الفصل

فأودعتموها غير أهل بظلمكم * وأبعدتموها أي بعد عن الأهل

فآذوا رسول الله في منع بنته * تراثا لها يا ساء ذلك من فعل

وكم ركبوا غيا وجاؤا بمنكر ؟ * وكم عدلوا عن جانب الرشد والعدل ؟

مثالب لا تحصى عدادا وكثرة * أبى عدها عن أن يحيط به مثلي

كفرتم ولفقتم أحاديث جمة * بمدح أناس ساقطين ذوي جهل

ولم يكفكم حتى وضعتم مثالبا * لصنو رسول الله والمرتضى العدل

فقلتم ضلالا : ساء حيدر أحمدا * بخطبته بنت اللعين أبي جهل (1)

على إنه لو كان حقا وثابتا * فحاشاه أن يأبى ويغضب من حل

نسبتم إلى الهادي متابعة الهوى * وكذبتم فيه الإله بذا النقل

القصيدة ذكرها العلامة السيد أحمد العطار في الجزء الثاني من كتابه (الرائق).

(الشاعر) :

 السيد نور الدين علي (الثاني) بن السيد نور الدين علي (الكبير) بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حديث هذه الخطبة يوجد في صحاح القوم ومسانيدهم .

 

/ صفحة 292 /

من أعيان الطائفة ووجوه أعلامها، وفي الطليعة من عباقرتها، جمع بين العلم والأدب، وتحلى بأبراد الزهد والورع، كما كان أبوه أوحديا من أعلام بيت الوحي وفذا من أفذاذ العلم والفضيلة، وعلما من تلامذة شيخنا الشهيد الثاني .

 قرأ سيدنا المترجم له على أبيه السيد الشريف الطاهر، وعلى العلمين الحجتين صاحب (المدارك) أخيه لأبيه، والشيخ حسن بن الشيخ الشهيد الثاني أخيه لأمه ويروي عنهما .

 ويروي بالاجازة عن الشيخين : العرضي الحلبي (1) والبوريني الشامي (2) قال في إجازته للمولى محمد محسن : إني أروي جانبا من مؤلفات العامة في المعقول والفقه والحديث عن الشيخين الجليلين المحدثين، أعلمي زمانهما، ورئيسي أوانهما : عمر العرضي الحلبي، وحسن البوريني الشامي، بالإجازه منهما بالطرق المفصلة عنهما في إجازتيهما إلي .

 ويروى عن السيد بالاجازة المولى محمد طاهر القمي المتوفى 1098 الآتي ذكره في هذا الجزء إنشاء الله تعالى.

 والشيخ هاشم بن الحسين بن عبد الرؤف الاحسائي (3) .

 والشيخ أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن يونس العاملي العيناثي الجبعي (4) والمولى محمد حسن بن محمد مؤمن، بإجازة مؤرخة بسنة 1051 (5) .

 والسيد محمد مؤمن بن دوست محمد الحسيني الاسترآبادي نزيل مكة المشرفة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عمر بن عبد الوهاب العرضي الحلبي الشافعي القادري، المحدث الفقيه الكبير، مفتي حلب وواعظها، ولد بحلب سنة 950 وتوفي في شعبان سنة 1024 . توجد ترجمته في خلاصة الأثر 3 : 215 .

 (2) الشيخ حسن بن محمد بدر الدين البوريني الشافعي، له تآليف بديعة ورسائل كثيرة، وديوان شعر، ولد سنة 963، وتوفي في جمادى الأولى سنة 1024 . ترجم له المحبي في الخلاصة 2 : 51 - 62 .

 (3) راجع مستدرك الوسائل 3 : 407 .

 (4) راجع إجازات البحار ص 159، 160 .

 (5) توجد في إجازات البحار ص 141 .

 

/ صفحة 293 /

والشهيد بها سنة 1088 كان من تلمذة السيد المترجم له(1). توجد ترجمة هذا الشريف المؤمن في كتابنا [شهداء الفضيلة] .

 والمولى محمد باقر بن محمد مؤمن الخراساني السبزواري المتوفى سنة 1090 يروي عن شاعرنا الشريف كما في إجازته للمولى محمد شفيع (2) .

 والشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني المتوفى 1091 (3) .

 والسيد أحمد نظام الدين المتوفى سنة 1086 والد السيد علي خان المدني صاحب (السلافة) كما في [روضات الجنات] ص 413 .

 وأنت مهما اطلعت على ذكر شاعرنا (نور الدين) في المعاجم تجدها مزدانة بجمل الاطراء له، مشحونة بغرر ودرر في الثناء عليه، منضدة بأيدي أعلام العلم والدين، قال سيدنا صدر الدين المدني في [سلافة العصر] ص 302 : طود العلم المنيف، وعضد الدين الحنيف، ومالك أذمة التأليف والتصنيف، الباهر بالرواية والدراية، والرافع لخميس المكارم أعظم راية، فضل يعثر في مداه مقتفيه، ومحل يتمنى البدر لو أشرق فيه، وكرم يخجل المزن الهاطل، وشيم يتحلى بها جيد الزمن العاطل، وصيت من حسن السمعة بين السحر والنحر .

فسار مسير الشمس في كل بلدة * وهب هبوب الريح في البر والبحر

حتى كان رائد المجد لم ينتجع سوى جنابه، وبريد الفضل لم يقعقع سوى حلقة بابه، وكان له في مبدأ بالشام مجال لا يكذبه بارق العز إذا شام، بين إعزاز وتمكين، ومكان في جانب صاحبها مكين، ثم انثنى عاطفا عنانه وثانيه، فقطن بمكة شرفها الله تعالى وهو كعبتها الثانية، تستلم أركانه كما تستلم أركان البيت العتيق، وتستسنم أخلاقه كما يستسنم المسك العبيق، يعتقد الحجيج قصده من غفران الخطايا، وينشد بحضرته : تمام الحج أن تقف المطايا .

 وقد رأيته بها وقد أناف على التسعين، والناس تستعين به ولا يستعين، والنور يسطع من أسارير جبهته، والعز يرتع في ميادين جدهته، ولم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع إجازات البحار ص 164 .

 (2) راجع إجازات البحار ص 156 .

 (3) راجع مستدرك الوسائل 3 : 389 .

 

/ صفحة 294 /

يزل بها إلى أن دعي فأجاب، وكأنه الغمام أمرع البلاد فانجاب، وكانت وفاته لثلاث عشرة بقين من ذي الحجة الحرام سنة ثمان وستين وألف رحمه الله تعالى، وله شعر يدل على علو محله، وإبلاغه هدي القول إلى محله، فمنه قوله متغزلا :

يا من مضوا بفؤادي عندما رحلوا * من بعد ما في سويد القلب قد نزلوا !

جاروا على مهجتي ظلما بلا سبب * فليت شعري إلى من في الهوى عدلوا ؟

وأطلقوا عبرتي من بعد بعدهم * والعين أجفانها بالسهد قد كحلوا

يا من تعذب من تسويفهم كبدي * ما آن يوما لقطع الحبل أن تصلوا ؟

جادوا على غيرنا بالوصل متصلا * وفي الزمان علينا مرة بخلوا

كيف السبيل إلى من في هواه مضى * عمري وما صدني عن ذكره شغل ؟

واحيرتي ضاع ما أوليت من زمن * إذ خاب في وصل من أهواهم الأمل

في أي شرع دماء العاشقين غدت * هدرى وليس لهم نار إذا قتلوا ؟

يا للرجال من البيض الرشاق أما * كفاهم ما الذي بالناس قد فعلوا ؟

من منصفي من غزال ما له شغل * عني ولا عاقني عن حبه عمل ؟

نصبت أشراك صيدي في مراتعه * الصيد فني ولي في طرقه حيل

فصاح بي صائح : خفض عليك فقد * صادوا الغزال الذي تبغيه يا رجل !

فصرت كالواله الساهي وفارقني * عقلي وضاقت علي الأرض والسبل

وقلت : بالله قل لي : أين سار به * من صاده ؟ علهم في السير ما عجلوا

فقال لي : كيف تلقاهم وقد رحلوا * من وقتهم واستجدت سيرها الإبل ؟

وقوله مادحا بعض الأمراء وهي من غرر كلامه :

لك الفخر بالعليا لك السعد راتب * لك العز والاقبال والنصر غالب

لك المجد والاجلال والجود والعطا * لك الفضل والنعما لك الشكر واجب

سموت على هام المجرة رفعة * ودارت على قطبي علاك الكواكب

فيا رتبة لو شئت أن تبلغ السهى * بها أقبلت طوعا إليك المطالب

بلغت العلا والمجد طفلا ويافعا * ولا عجب فالشبل في المهد كاسب

سموت على قب السراحين صائلا * فكلت بكفيك القنا والقواضب

/ صفحة 295 /

وحزت رهان السبق في حلبة العلا * فأنت لها دون البرية صاحب

وجلت بحومات الوغى جول باسل * فردت على أعقابهن الكتائب

فلا الذارعات المعتمات تكنها * ملابسها لما تحن المضارب

ولا كثرة الأعداء تغني جموعها * إذا لمعت منك النجوم الثواقب

خض الحتف لا تخش الردى واقهر العدى * فليس سوى الإقدام في الرأي صائب

وشمر ذيول الحزم عن ساق عزمها * فما ازدحمت إلا عليك المراتب

إذا صدقت للناظرين دلائل * فدع عنك ما تبدي الظنون الكواذب

ببيض المواضي يدرك المرء شاؤه * وبالسمر إن ضاقت تهون المصاعب

لأسلافك الغر الكرام قواعد * على مثلها تبنى العلى والمناصب

زكوت وحزت المجد فرعا ومحتدا * فآباؤك الصيد الكرام الأطايب

ومن يزك أصلا فالمعالي سمت به * ذرى المجد وانقادت إليه الرغائب

[القصيدة]

وتوجد ترجمته في (البحار) 25 ص 124، ورياض العلماء، وخلاصة الأثر 3 : 132 - 134، وروضات الجنات ص 530، والفوائد الرضوية 1 : 313، والكنى والألقاب 3 : 223، وقال صاحب (أمل الآمل) : وقد رأيته في بلادنا وحضرت درسه بالشام أياما يسيرة وكنت صغير السن ورأيته بمكة أيضا أياما، وكان ساكنا بها أكثر من عشرين سنة، ولما مات رثيته بقصيدة طويلة ستة وسبعين بيتا أولها :

على مثلها شقت حشا وقلوب * إذا شققت عند المصاب جيوب

لحى الله قلبا لا يذوب لفادح * نكاد له صم الصخور تذوب

جرى كل دمع يوم ذاك مرخما * وضاق فضاء الأرض وهو رحيب

على السيد المولى الجليل المعظم * النبيل بعيد قد بكا وقريب

خبا نور دين الله فارتد ظلمة * إذا اغتاله بعد الطلوع مغيب

فكل جليل بعد ذاك محقر * وكل جميل بعد ذاك معيب

فمن ذا يمير السائلين وقد قضى ؟ * ومن لسؤال السائلين يجيب ؟

ومن ذا يحل المشكلات بفكره * يبين خفي العلم وهو غيوب ؟

/ صفحة 296 /

ومن ذا يقوم الليل لله داعيا * إذا عز داع في الظلام منيب ؟

ومن ذا الذي يستغفر الله في الدجى * ويبكي دما إن قارفته ذنوب ؟

ومن يجمع الدنيا مع الدين والتقى * مع الجاه ؟ إن المكرمات ضروب

لتبك عليه للهداية أعين * ومدمعها منها عليه صبيب

وتبك عليه للتصانيف مقلة * تقاطر منها مهجة وقلوب

[القصيدة]

وقال : كان عالما فاضلا أديبا شاعرا منشيا جليل القدر عظيم الشأن، وله كتاب شرح مختصر النافع لم يتم، وكتاب الفوائد المكية، وشرح الاثنى عشرية (1) الصلاتية للشيخ البهائي، وغير ذلك من الرسائل 1 ه‍ وله رسالة في تفسير آية مودة ذي القربى، ورسالة غنية المسافر عن المنادم والمسامر .

 وورثه على فضائله وفواضله ولده السيد جمال الدين بن نور الدين علي بن الحسين بن أبي الحسن الحسيني الدمشقي، قرأ بدمشق على العلامة السيد محمد بن حمزة نقيب الأشراف، ثم هاجر إلى مكة وأبوه ثمة في الأحياء فجاور بها مدة، ثم دخل اليمن أيام الإمام أحمد بن الحسن فعرف حقه من الفضل، ومدحه بقصيدة مطلعها :

خليلي عودا لي فيا حبذا المطل * إذا كان يرجى في عواقبه الوصل (2)

ثم فارق اليمن، ودخل الهند، فوصل إلى حيدر آباد وصاحبها يومئذ الملك أبو الحسن، فاتخذه نديم مجلسه، وأقبل عليه بكليته، ولما طرقت النكباء أبا الحسن من سلطان الهند الأعظم وحبس، انقلب الدهر على السيد جمال الدين فبقي مدة في حيدر آباد إلى أن مات بها في سنة ثمان وتسعين وألف، كما أخبرني بذلك أخوه روح الأدب السيد علي بمكة المشرفة .

 كذا ترجمه المحبي في [خلاصة الأثر] 1 : 494، وأثنى عليه صاحب [أمل الآمل] ص 7 وقال : عالم فاضل محقق مدقق ماهر أديب شاعر، كان شريكنا في الدروس عند

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أسماه في إجازته للمولى محمد محسن بالأنوار البهية .

(2) ذكر منها المحبي في (الخلاصة) خمسة عشر بيتا .

 

/ صفحة 297 /

جماعة من مشايخنا، سافر إلى مكة وجاور بها، ثم إلى مشهد الرضا عليه السلام ثم إلى حيدر آباد، وهو الآن ساكن بها، مرجع فضلائها وأكابرها، وله شعر كثير من معميات و غيرها، وله حواش وفوائد كثيرة، ومن شعره قوله :

قد نالني فرط التعب * وحالني من العجب

فمن أليم الوجد * في جوانحي نار تشب

ودمع عيني قد جرى * على الخدود وانسكب

وبان عن عيني الحمى * وحكمت يد النوب

يا ليت شعري هل ترى * يعود ما كان ذهب ؟

يفدي فؤادي شادنا * مهفهفا عذب الشنب

بقامة كأسمر * بها النفوس قد سلب

ووجنة كأنها * جمر الغضا إذا التهب

فذكر شطرا من شعره فقال : وقد كتبت إليه مكاتبة منظومة اثنين وأربعين بيتا أذكر منها أبياتا :

سلام وإكرام وأزكى تحية * تعطر أسماع بهن وأفواه

وأثنيته مستحسنات بليغة * تطابق فيها اللفظ حسنا ومعناه

وأشرف تعظيم يليق بأشرف * الكرام وأحلى الوصف منه وأعلاه

أقبل أرضا شرفتها نعاله * وأبدي بجهدي كل ما قد ذكرناه

من المشهد الأقصى الذي من ثوى به * ينل في حماه كل ما تيمنـّاه

إلى ما جد تعنو الأنام ببابه * فتدرك أدنى العز منه وأقصاه

وأضحى ملاذا للأنام وملجأ * يخوضون في تعريفه كلما فاهوا

فتى في يديه اليمن واليسر للورى * فلليمن يمناه ولليسر يسراه

جناب الأمير الأمجد الندب سيدي * جمال العلى والدين أيده الله

وبعد : فإن العبد ينهي صبابة * تناهت ووجدا ليس يدرك أدناه

ويشكو فراقا أحرق القلب ناره * وقد دك طود الصبر منه وأفناه

وإنا وإن شطت بكم غربة النوى * لنحفظ عهد الود منكم ونرعاه

/ صفحة 298 /

وقد جائني منكم كتاب مهذب * فبدل همي بالمسرة مرآه

فلا تقطعوا أخباركم عن محبكم * فإن كتابا من حبيب كلقياه

وإني بخير غير إن فراقكم * أذاب فؤادي بالغرام وأصماه (1)

وأهدي سلامي والتحية والثنا * وألطف مدح مع دعاء تلوناه

إلى الأخوة الأمجاد قرة مقلتي * أحبه قلبي خير ما يتمناه

إلى أن قال :

إليكم تحيات أتت من عبيدكم * محمد الحر الذي أنت مولاه

وفي صفر تاريخه عام ستة * وسبعين بعد الألف بالخير عقباه

وأوعز إلى ذكره الجميل صاحب [روضات الجنات] ص 155 في ذيل ترجمة لسيد جمال الدين الجرجاني، وذكره ابن أخيه السيد عباس بن علي في [نزهة الجليس] وتوجد ترجمته في [بغية الراغبين] وفيه : إنه قرأ على أبيه وجماعة، وروى عن أبيه وعن جده لأمه الشيخ نجيب الدين .

 وذكره القمي في [الفوائد الرضوية] 1 : 84، وجمع شتات ترجمته سيد الأعيان في الجزء السادس عشر ص 383 - 390

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أصمى الصيد : رماه فقتله مكانه .