عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

- 15 -

جنايات معاوية في صفحات تاريخه السوداء

إنما نجتزئ منها على شيئ يسير يكون كأنموذج مما له من السيئات التي ينبو عنها العدد ويتقاعس عنها الحساب ، ويستدعي التبسط فيها مجلدات ضخمة فمنها: دؤبه على لعن مولانا علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وكان يقنت به صلواته كما مر حديثه في الجزء الثاني ص 132 ط 2 واتخذه سنة جارية في خطب الجمعة والأعياد ، وبدل سنة محمد صلى الله عليه وآله في خطبة العيدين المتأخرة عن صلاتهما وقدمها عليها لإسماع الناس لعن الإمام الطاهر كما مر تفصيله في الجزء الثامن ص 164 - 171 وأوعزنا إليه في هذا الجزء ص 212 وكان يأمر عماله بتلك الأحدوثة الموبقة ، ويحث الناس عليها ، ويوبخ المتوقفين عنها ، ولا يصيخ إلى قول أي ناصح وازع .

 1 - أخرج مسلم والترمذي عن طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: أمر معاوية سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه ، لإن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم - فذكر حديث المنزلة: والراية .

 والمباهلة - وأخرجه الحاكم وزاد: فلا والله ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج من المدينة .

 (1) وفي لفظ الطبري من طريق ابن أبي نجيح قال: لما حج معاوية طاف بالبيت ومعه سعد فلما فرغ إنصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه على سريره ووقع معاوية في علي وشرع في سبه فزحف سعد ثم قال: أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سب علي والله لإن يكون لي خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس - إلى آخر الحديث وفيه من قول سعد: وأيم الله لا دخلت لك دارا ما بقيت . ونهض .

 قال المسعودي بعد رواية حديث الطبري: ووجدت في وجه آخر من الروايات و ذلك في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي في الأخبار عن ابن عائشة وغيره: إن سعدا (1) راجع صحيح مسلم 7: 120 ، صحيح الترمذي 13: 171 ، مستدرك الحاكم 3: 109 .

 

/ صفحة 258 /

لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية وقال له: اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كنت عندي قط ألأم منك الآن ، فهلا نصرته ؟ ولم قعدت عن بيعته ؟ فإني لو سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم مثل الذي سمعت فيه لكنت خادما لعلي ما عشت ، فقال سعد: والله إني لأحق بموضعك منك . فقال معاوية: يأبى عليك بنو عذرة . وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة (1) .

وفي رواية ذكرها ابن كثير في تاريخه 8: 77: دخل سعد بن أبي وقاص على معاوية فقال له: مالك لم تقاتل عليا ؟ فقال: إني مرت بي ريح مظلمة فقلت: اخ اخ ، فأنخت راحلتي حتى انجلت عني ، ثم عرفت الطريق فسرت .

 فقال معاوية: ليس في كتاب الله اخ اخ ، ولكن قال الله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله .

 فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة على الباغية ، فقال سعد: ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي .

 فقال معاوية: من سمع هذا معك ؟ فقال: فلان وفلان وأم سلمة .

 فقال معاوية: أما إني لو سمعته منه صلى الله عليه وسلم لما قاتلت عليا .

 قال: وفي رواية من وجه آخر: إن هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة في حجة حجها معاوية وإنهما قاما إلى أم سلمة فسألاه فحدثتهما بما حدث به سعد فقال معاوية: لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادما لعلي حتى يموت أو أموت .

 قال الأميني: لقد أفك معاوية في ادعائه عدم إحاطة علمه بتلكم الأحاديث المطردة الشايعة فإنها لم تكن من الأسرار التي لا يطلع عليها إلا البطانة والخاصة ، وإنما هتف بهن صلى الله عليه وآله على رؤس الأشهاد ، أما حديث الراية فكان في واقعة خيبر وله موقعيته الكبرى لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله . الحديث .

 فاستطالت أعناق كل فريق * ليروا أي ماجد يعطاها ؟ فلم تزل النفوس مشرئبة متتلعة إلى من عناه صلى الله عليه وآله حتى جيئ بأمير المؤمنين عليه السلام ومنح الفتح من ساحة النبوة العظمى ، فانطبق القول ، وصدقت الأكرومة ، وعلم الغزاة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مروج الذهب 1: 61 ، وحكى شطرا منه سبط ابن الجوزي في تذكرته ص 12 .

 

/ صفحة 259 /

كلهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يريد غيره .

 هب أن معاوية يوم واقعة خيبر كان عداده في المشركين ، وموقفه مع من يحاد الله ورسوله ، لكن هلا بلغه ذلك بعد ما حداه الفرق إلى الاستسلام ؟ والحديث مطرد بين الغزاة وسائر المسلمين ، وهم بين مشاهد له وعالم به .

 وأما حديث المنزلة فقد نطق به رسول الله صلى الله عليه وآله في موارد عديدة منها غزاة تبوك على ما مر تفصيله في الجزء الثالث ص 198 ط 2 وقد حضرها وجوه الصحابة وأعيانهم .

 وكلهم علموا بهاتيك الفضيلة الرابية ، فالاعتذار عن معاوية بأنه لم يحضرها لإشراكه يومئذ مدفوع بما قلناه في واقعة خيبر .

 ومن جملة موارده يوم غدير خم الذي حضره معاوية وسمعه هو ومائة ألف أو يزيدون ، لكنه لم يعه بدليل أنه ما آمن به فحارب عليا عليه السلام بعده وعاداه وأمر بلعنه محادة منه لله ولرسوله ، وعقيرة رسول الله المرفوعة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في علي: أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله . بعد ترن في أذن الدنيا .

 ومن موارده يوم المؤاخاة كما أخرجه أحمد بإسناده عن محدوج بن زيد الباهلي قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار فبكى علي عليه السلام فقال رسول الله: ما يبكيك فقال: لم تواخ بيني وبين أحد .

 فقال: إنما ادخرتك لنفسي ثم قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (1) .

ومنها يوم كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دار أم سلمة إذ أقبل علي عليه السلام يريد الدخول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أم سلمة هل تعرفين هذا ؟ قالت: نعم هذا علي سيط لحمه بلحمي ودمه بدمي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي - راجع الجزء - الثالث ص 116 .

 على أن حديث المنزلة قد جاء من طريق معاوية نفسه رواه في حياة علي عليه السلام فيما أخرجه أحمد في مناقبه من طريق أبي حازم كما في الرياض النضرة 2: 195 .

 وأما نبأ المباهلة فصحيح أن معاوية لم يدركه لأن الكفر كان يمنعه عند ذلك عن سماعه ، غير أن القرآن الكريم قد أعرب عن ذلك النبأ العظيم إن لم يكن ابن حرب في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 115 .

 

/ صفحة 260 /

معزل عن الكتاب والسنة ، على أن قصتها من القضايا العالمية وليس من المستطاع لأي أحد أن يدعي الجهل بها .

 وهنا نماشي ابن صخر على عدم اطلاعه على تلكم الفضائل إلى حد إخبار سعد إياه ، لكنه بماذا يعتذر وهو يقرأ قوله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ؟ الآية ؟ ! .

 وبماذا يعتذر بعد ما رواه قبل يوم صفين من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية ؟ وبماذا يعتذر بعد علمه بتلكم الأحاديث بأخبار صحابي معدود عند القوم في العشرة المبشرة وبعد إقامة الشهود عليه ؟ ! ومن هنا تعلم أنه أفك مرة أخرى بقوله أما إني لو سمعت من رسول الله ما سمعت في علي لكنت له خادما ما عشت .

 لأنه عاش ولم يرتدع عن غيه وحارب أمير المؤمنين عليه السلام حيا وميتا ، ودؤب على لعنه والأمر به حتى أجهز عليه عمله وكبت وبه بطنته .

 نعم: إنه استمر على بغيه وقابل سعدا في حديثه بالضرطة ، وهل هي هزؤ منه بمصدر تلكم الأبناء القدسية ؟ أو بخضوع سعد لها ؟ أو لمحض أن سعدا لم يوافقه على ظلمه ؟ أنا لا أدري غير أن كفر معاوية الدفين لا يأبى شيئا من ذلك ، وهلا منعه الخجل عن مثل هذا المجون وهو ملك ؟ وبطبع الحال إن مجلسه يحوي الأعاظم والأعيان .

من أين تخجل أوجه أموية * سكبت بلذات الفجور حيائها ؟

2 - لما مات الحسن بن علي " عليهما السلام " حج معاوية فدخل المدينة و أراد أن يلعن عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: إن هيهنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه ، فأرسل إليه وذكر له ذلك فقال: إن فعلت لأخرجن من المسجد ثم لا أعود إليه ، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد ، فلما مات لعنه على المنبر وكتب إلى عماله أن يلعنوه على المنابر ، ففعلوا فكتبت أم سملة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه ، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله . فلم يلتفت إلى كلامها . العقد الفريد 2: 301 .

 3 - قال معاوية لعقيل بن أبي طالب: إن عليا قد قطعك وأنا وصلتك ولا يرضيني منك إلا أن تلعنه على المنبر قال: أفعل . فصعد المنبر ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه

/ صفحة 261 /

وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن معاوية بن أبي سفيان قد أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب فالعنوه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . ثم نزل فقال له معاوية: إنك لم تبين من لعنت منهما بينه . فقال: والله لا زدت حرفا ولا نقصت حرفا ، والكلام إلى نية المتكلم . العقد الفريد 2: 144 . المستطرف 1: 54 .

 4 - بعث معاوية إلى عبيد الله بن عمر لما قدم عليه بالشام فأتي فقال له معاوية: يا بن أخي ! إن لك إسم أبيك ، فانظر بملء عينيك ، وتكلم بكل فيك ، فأنت المأمون المصدق ، فاصعد المنبر واشتم عليا ، واشهد عليه أنه قتل عثمان .

 فقال: يا أمير المؤمنين ! أما شتمه فإنه علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، فما عسى أن أقول في حسبه ، وأما بأسه فهو الشجاع المطرق . وأما أيامه فما قد عرفت ، ولكني ملزمه دم عثمان .

 فقال عمرو بن العاص: إذا والله قد نكأت القرحة (1) .

5 - روى ابن الأثير في أسد الغابة 1: 134 عن شهر بن حوشب أنه قال: أقام فلان (2) خطباء يشتمون عليا رضي الله عنه وأرضاه ويقعون فيه حتى كان آخرهم رجل من الأنصار أو غيرهم يقال له: أنيس .

 فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم قد أكثرتم اليوم في سب هذا الرجل وشتمه وإني أقسم بالله أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على الأرض من مدر وشجر .

 وأقسم بالله ما أحد أوصل لرحمه منه ، أفترون شفاعته تصل إليكم وتعجز عن أهل بيته ؟ !  وذكره ابن حجر في - الإصابة 1: 77 .

 6 - بينما معاوية جالس في بعص مجالسه وعنده وجوه الناس فيهم: الأحنف بن قيس إذ دخل رجل من أهل الشام فقام خطيبا وكان آخر كلامه أن لعن عليا ، فقال الأحنف يا أمير المؤمنين ! إن هذا القائل لو يعلم أن رضاك في لعن المرسلين للعنهم فاتق الله يا أمير المؤمنين ! ودع عنك عليا فلقد لقي ربه ، وأفرد في قبره ، وخلا بعمله ، وكان والله المبرور سيفه ، الطاهر ثوبه ، العظيمة مصيبته .

 فقال له معاوية: يا أحنف ! لقد أغضيت العين على القذى ، وقلت ما ترى ، وأيم الله لتصعدن المنبر فتلعننه طوعا أو كرها . فقال له الأحنف:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كتاب صفين لابن مزاحم 1: 92 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 256 .

 (2) يعني معاوية .

 

/ صفحة 262 /

يا أمير المؤمنين ! إن تعفني فهو خير لك ، وإن تجبرني على ذلك فوالله لا يجري شفتاي به أبدا .

 فقال: قم فاصعد المنبر . قال الأحنف: أما والله لأنصفنك في القول والفعل .

 قال: وما أنت قائل إن أنصفتني ؟ ! قال: أصعد المنبر فأحمد الله وأثني عليه وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم أقول: أيها الناس إن أمير المؤمنين معاوية أمر أن ألعن عليا ، وإن عليا ومعاوية اختلفا واقتتلا فادعى كل واحد منهما إنه بغي عليه وعلى فئته ، فإذا دعوت فأمنوا رحمكم الله .

 ثم أقول: أللهم العن أنت وملائكتك وأنبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه ، والعن الفئة الباغية ، أللهم العنهم لعنا كثيرا ، أمنوا رحمكم الله .

 يا معاوية ! لا أزيد على هذا ولا أنقص حرفا ولو كان فيه ذهاب روحي . فقال معاوية: إذا نعفيك يا أبا بحر . العقد الفريد 2: 144 ، المستطرف 1: 54 .

 7 - في كتاب " المختصر في أخبار البشر " للعلامة إسماعيل بن علي بن محمود: كتب الحسن إلى معاوية واشترط عليه شروطا وقال: إن أجبت إليها فأنا سامع مطيع فأجاب معاوية إليها ، وكان الذي طلبه الحسن أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ، وخراج دار ابجرد من فارس ، وأن لا يشتم عليا ، فلم يجب إلى الكف عن شتم علي ، فطلب الحسن أن لا يشتم علي وهو يسمع ، فأجابه إلى ذلك ثم لم يف به .

 راجع أيضا تاريخ الطبري 6: 92 ، كامل ابن الأثير 3: 175 ، تاريخ ابن كثير 8: 14 ، تذكرة السبط ص 113 ، إتحاف الشبراوي ص 10 .

 8 - جاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له: إن امرأ منا من بني همام يقال له: صيفي بن فسيل من رؤس أصحاب حجر ، وهو أشد الناس عليك ، فبعث إليه زياد فأتي فقال له زياد: يا عدو الله ما تقول في أبي تراب ؟ قال: ما أعرف أبا تراب . قال ، ما أعرفك به ؟ قال: ما أعرفه . قال: أما تعرف علي بن أبي طالب ؟ قال: بلى . قال: فذاك أبو تراب . قال: كلا ذاك أبو الحسن والحسين عليه السلام . وفيه: قال زياد: لتلعننه أو لأضربن عنقك .

 قال: إذا تضربها والله قبل ذلك ، فإن أبيت إلا أن تضربها رضيت بالله وشقيت أنت . قال: ادفعوا في رقبته . ثم قال . أوقروه حديدا وألقوه في السجن . ثم قتل (1) مع حجر وأصحابه سنة 51 . وسيوافيك الحديث بتمامه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الطبري 6: 149 ، الأغاني 16: 7 ، كامل ابن الأثير 3: 204 ، تاريخ ابن عساكر 6: 459 .

 

/ صفحة 263 /

إنشاء الله تعالى .

 9 - خطب بسر بن أرطاة على منبر البصرة فشتم عليا عليه السلام ثم قال: نشدت الله رجلا علم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني . فقال أبو بكرة: أللهم إنا لا نعلمك إلا كاذبا . قال: فأمر به فخنق . تاريخ الطبري 6: 96 .

 10 - استعمل معاوية كثير بن شهاب على الري وكان يكثر سب علي على منبر الري وبقي عليها إلى أن ولي زياد الكوفة فأقر عليها . كامل ابن الأثير 3: 179 .

 11 - كان المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة كان يقوم على المنبر ويخطب وينال من علي عليه السلام ويلعنه ويلعن شيعته ، وقد صح أن المغيرة لعنه على منبر الكوفة مرات لا تحصى ، وكان يقول: إن عليا لم ينكحه رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته حبا ولكنه أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب إليه .

 وصح عند الحاكم والذهبي أن المغيرة سب عليا فقام إليه زيد بن أرقم فقال: يا مغيرة ! ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن سب الأموات ؟ فلم تسب عليا وقد مات ؟ (2) راجع مسند أحمد 1: 188 ، الأغاني 16: 2 ، المستدرك 1: 385 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 360 .

 قدمت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة بالكوفة فقام صعصعة بن صوحان فتكلم فقال المغيرة: أخرجوه فأقيموه على المصطبة فليلعن عليا . فقال: لعن الله من لعن الله ولعن علي بن أبي طالب . فأخبروه بذلك فقال: أقسم بالله لتقيدنه . فخرج فقال: إن هذا يأبى إلا علي بن أبي طالب فالعنوه لعنه الله . فقال المغيرة: أخرجوه أخرج الله نفسه. الأذكياء لابن الجوزي ص 98 .

 12 - أخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال: كان مروان أميرا علينا - يعني بالمدينة - فكان يسب عليا كل جمعة على المنبر وحسن بن علي - يسمع فلا يرد شيئا ثم أرسل إليه رجلا يقول له: بعلي وبعلي وبعلي وبك وبك وبك ، وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة يقال لها: من أبوك ؟ فتقول: أمي الفرس .

 فقال له الحسن: إرجع إليه فقل له: إني والله لا أمحو عنك شيئا مما قلت بأن أسبك ، ولكن موعدي وموعدك الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (2) حديث السب عن نهي الأموات أخرجه البخاري في صحيحه 2: 264

/ صفحة 264 /

فإن كنت صادقا جزاك الله بصدقك ، وإن كنت كاذبا فالله أشد نقمة .

 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 127 ، راجع الجزء الثامن ترجمة مروان .

 وكان الوزغ ابن الوزغ يقول لما قيل له: ما لكم تسبون عليا على المنابر ؟: إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك .

 الصواعق المحرقة ص 33 .

 13 - استناب معاوية على المدينة عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي المعروف بالأشدق الذي جاء فيه في مسند أحمد 2: 522 من طريق أبي هريرة مرفوعا ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية يسيل رعافه .

 قال: فحدثني من رأى عمرو بن سعيد رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سال رعافه (1) .

 كان هذا الجبار ممن يسب عليا عليه السلام على صهوة المنابر ، قال القسطلاني في إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 4: 368 ، والأنصاري في تحفة الباري شرح البخاري المطبوع في ذيل إرشاد الساري في الصفحة المذكورة: سمي عمرو بالأشدق لأنه صعد المنبر فبالغ في شتم علي رضي الله عنه فأصابته لقوة - أي داء في وجهه - .

 وعمرو بن سعيد هو الذي كان بالمدينة يوم قتل الإمام السبط عليه السلام قال عوانة بن الحكم: لما قتل الحسين بن علي دعا عبيد الله بن زياد عبد الملك بن أبي الحرث السلمي وبعثه إلى المدينة ليبشر عمرو بن سعيد فدخل السلمي على عمرو فقال: ما وراءك ؟ فقال: ما سر الأمير قتل الحسين بن علي . فقال: ناد بقتله .

 فناديت بقتله فلم أسمع والله واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين فقال عمرو وضحك:

عجــــــت نســاء بني زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب (2)

ثم قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان بن عفان .

 ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله (3) وفي مثالب أبي عبيدة: ثم أومأ إلى القبر الشريف وقال: يا محمد ! يوم بيوم بدر . فأنكر عليه قوم من الأنصار .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وذكره ابن كثير في تاريخه 8: 311 .

(2) وقعة الأرنب كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان والبيت المذكور لعمرو بن معد يكرب .

(3) تاريخ الطبري 6: 268 ، كامل ابن الأثير 4: 39 .

 

/ صفحة 265 /

كان أبو رافع عبدا لأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية فأعتق كل من بنيه نصيبه منه إلا خالد بن سعيد ، فإنه وهب نصيبه للنبي صلى الله عليه وآله فأعتقه فكان يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما ولي عمرو بن سعيد بن العاص المدينة أيام معاوية أرسل إلى البهي (1) بن أبي رافع فقال له: مولى من أنت ؟ فقال: مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فضربه مائة سوط ، ثم تركه ثم دعاه فقال: مولى من أنت ؟ فقال: مولى رسول الله صلى الله عليه وآله فضربه مائة سوط ، حتى ضربه خمسمائة سوط .

 فلما خاف أن يموت قال له: أنا مولاكم . كامل المبرد 2: 75 ، الإصابة 4: 68 .

 14 - أخرج الحاكم من طريق طاوس قال: كان حجر بن قيس المدري من المختصين بخدمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له علي يوما يا حجر ! إنك تقام بعدي فتؤمر بلعني فالعني ولا تبرأ مني (2) .

 قال طاوس: فرأيت حجر المدري وقد أقامه أحمد بن إبراهيم خليفة بني أمية في الجامع ووكل به ليلعن عليا أو يقتل فقال حجر: أما إن الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله .

 فقال طاوس: فلقد أعمى الله قلوبهم حتى لم يقف أحد منهم على ما قال المستدرك 2: 358 .

 قال الأميني: لم يزل معاوية وعماله دائبين على ذلك حتى تمرن عليه الصغير و هرم الشيخ الكبير ، ولعل في أوليات الأمر كان يوجد هناك من يمتنع عن القيام بتلك - السبة المخزية ، وكان يسع لبعض النفوس الشريفة أن يتخلف عنها غير أن شدة معاوية الحليم في إجراء أحدوثته ، وسطوة عماله الخصماء الألداء على أهل بيت الوحي ، وتهالكهم دون تدعيم تلك الإمرة الغاشمة ، وتنفيذ تلك البدعة الملعونة ، حكمت في البلاء حتى عمت البلوى ، وخضعت إليها الرقاب ، وغللتها أيدي الجور تحت نير الذل والهوان ، فكانت العادة مستمرة منذ شهادة أمير المؤمنين عليه السلام إلى نهي عمر بن عبد العزيز طيلة أربعين سنة على صهوات المنابر وفي الحواضر الإسلامية كلها من الشام إلى الري إلى الكوفة إلى - البصرة إلى عاصمة الاسلام المدينة المشرفة إلى حرم أمن الله مكة المعظمة إلى شرق العالم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الكامل: عبيد الله بن أبي رافع .

(2) صح عن أمير المؤمنين قوله: إنكم ستعرضون على سبي فسبوني ، فإن عرضت عليكم البراءة مني فلا تبرؤا مني ، فإني على الاسلام . مستدرك الحاكم 2: 358 .

 

/ صفحة 266 /

الاسلامي وغربه ، وعند مجتمعات المسلمين جمعاء ، وقد مر في الجزء الثاني قول ياقوت في معجم البلدان: لعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على منبر سبحستان إلا مرة ، وامتنعوا على بني أمية حتى زادوا في عهدهم: وأن لا يلعن على منبرهم أحد ، وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين: مكة والمدينة . ا ه‍ .

 وقد صارت سنة جارية ودعمت في أيام الأمويين سبعون ألف منبر يلعن فيها أمير المؤمنين عليه السلام (1) واتخذوا ذلك كعقيدة راسخة ، أو فريضة ثابتة ، أو سنة متبعة يرغب فيها بكل شوق وتوق حتى أن عمر بن عبد العزيز لما منع عنها لحكمة عملية أو لسياسة وقتية حسبوه كأنه جاء بطامة كبرى أو اقترف إثما عظيما .

 والذي يظهر من كلام المسعودي في مروجه 2: 167 ، واليعقوبي في تاريخه 3: 48 ، وابن الأثير في كامله 7: 17 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 161 وغيرهم أن عمر بن عبد العزيز إنما نهى عن لعنه عليه السلام في الخطبة على المنبر فحسب وكتب بذلك إلى عماله وجعل مكانه ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان. الآية .

 وقيل: بل جعل مكان ذلك: إن الله يأمر بالعدل والاحسان . الآية .

 وقيل: بل جعلهما جميعا فاستعمل الناس في الخطبة .

 وأما نهيه عن مطلق الوقيعة في أمير المؤمنين والنيل منه عليه السلام ، وأخذه كل متحامل عليه بالسب والشتم ، وإجراء العقوبة على مرتكبي تلكم الجريرة فلسنا عالمين بشئ من ذلك ، غير أنا نجد في صفحات التاريخ أن عمر بن عبد العزيز كان يجلد من سب عثمان ومعاوية كما ذكره ابن تيمية في كتابه " الصارم المسلول " ص 272 ولم نقف على جلده أحدا لسبه أمير المؤمنين عليه السلام دع عنك موقف أمير المؤمنين عليه السلام من خلافة الله الكبرى ، وسوابقه في تثبيت الاسلام والذب عنه ، وبثه العدل والانصاف ، وتدعيمه فرايض الدين وسننه ، ودعوته إلى الله وحده وإلى نبيه صلى الله عليه وآله وإلى دينه الحنيف ، وتهالكه في ذلك كله حتى لقي ربه مكدودا في ذات الله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثاني ص 102 ، 103 ط 2 .

 

/ صفحة 267 /

دع عنك فضائله وفواضله والآي النازلة فيه والنصوص النبوية المأثورة في مناقبه لكنه هل هو بدع من آحاد المسلمين الذين يحرم لعنهم وسبابهم وعليه تعاضدت الأحاديث واطردت الفتاوى .

 وحسبك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سباب المسلم فسوق .

 أخرجه البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأحمد ، والبيهقي ، والطبري ، والدارقطني ، والخطيب ، وغيرهم من طريق ابن مسعود ، وأبي هريرة ، وسعد بن أبي وقاص ، وجابر ، وعبد الله بن مغفل ، وعمرو بن النعمان . راجع الترغيب والترهيب 3: 194 ، وفيض القدير 4: 84 ، 505 ، 506 .

 وقوله صلى الله عليه وآله سباب المسلم كالمشرف على الهلكة .

 أخرجه البزار من طريق عبد الله بن عمرو بإسناد جيد كما قاله الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 3: 194.

 وقوله صلى الله عليه وآله لا يكون المؤمن لعانا . أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن . وسمعت نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن سب الأموات ص 263 .

 على أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مع غض الطرف عن طهارة مولده وقداسة محتده وشرف أرومته وفضائله النفسية والكسبية وملكاته الكريمة هو من العشرة الذين بشروا بالجنة - عند القوم - ولا أقل من أنه أحد الصحابة الذين يعتقد القوم فيهم العدالة جميعا (1) ، ويحتجون بأقوالهم وأفعالهم ، ولا يستسيغون الوقيعة فيهم ، ويشددون النكير على الشيعة لحسبانهم أنهم يقعون في بعض الصحابة ورتبوا على ذلك أحكاما ، قال يحيى بن معين: كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) قال النووي في شرح مسلم هامش الارشاد 8: 22: إن الصحابة رضي الله عنهم كلهم هم صفوة الناس ، وسادات الأمة ، وأفضل ممن بعدهم ، وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم ، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم ، وفيمن بعدهم كانت النخالة .

 (2) تهذيب التهذيب 1: 509 .

 

/ صفحة 268 /

وعن أحمد إمام الحنابلة: خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان بعد عمر ، وعلي بعد عثمان ، ووقف قوم ، وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس ، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص ، فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه ، بل يعاقبه ويستتيبه ، فإن تاب قبل منه ، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يراجع .

 وعنه أيضا: ما لهم ولمعاوية نسأل الله العافية .

 وقال: إذا رأيت أحدا يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الاسلام .

 وعن عاصم الأحول قال: أتيت برجل قد سب عثمان قال: فضربته عشرة أسواط قال: ثم عاد لما قال ، فضربته عشرة أخرى . قال: فلم يزل يسبه حتى ضربته سبعين سوطا .

 وقال القاضي أبو يعلى: الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة إن كان مستحلا لذلك كفر ، وإن لم يكن مستحلا فسق ولم يكفر ، سواء كفرهم أو طعن في دينهم مع إسلامهم وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بقتل من سب الصحابة وكفر الرافضة .

 وقال أبو بكر بن عبد العزيز في المقنع: فأما الرافضي فإن كان يسب فقد كفر فلا يزوج (1) .

وقال الشيخ علاء الدين أبو الحسن الطرابلسي الحنفي في [ معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام ] ص 187: من شتم أحدا من أصحاب النبي عليه السلام أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عليا أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال: كانوا على ضلال وكفر .

 قتل وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالا شديدا .

 وعد الذهبي في كتاب " الكبائر " ص 233 منها: سب أحد من الصحابة وقال في ص 235: فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ، ومرق من ملة المسلمين لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم ، وإضمار الحقد فيهم ، وإنكار ما ذكره الله في كتابه من ثنائه عليهم وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنائه عليهم وفضائلهم ومناقبهم وحبهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الصارم المسلول ص 272 ، 574 ، 575 .

 

/ صفحة 269 /

ولأنهم أرضى الوسائل من المأثور والوسائط من المنقول والطعن في الوسائط طعن في الأصل والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول: هذا ظاهر لمن تدبره وسلم من النفاق ومن الزندقة والالحاد في عقيدته ، وحسبك ما جاء في الأخبار والآثار من ذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا .

 ولهم في سب الشيخين وعثمان تصويب وتصعيد ، قال محمد بن يوسف الفريابي: سئل " القاضي أبو يعلى " عمن شتم أبا بكر ؟ قال: كافر .

 قيل: فيصلى عليه ؟ قال: لا .

 وسأله كيف يصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله ؟ قال: لا تمسوه بأيديكم إدفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته .

 الصارم المسلول ص 575 .

 وقال الجرداني في " مصباح الظلام " 2: 23: قال أكثر العلماء: من سب أبا بكر وعمر كان كافرا .

 وقال ابن تيمية في " الصارم المسلول " ص 581: قال إبراهيم النخعي: كان يقال شتم أبي بكر وعمر من الكبائر .

 وكذلك قال أبو إسحاق السبيعي: شتم أبي بكر و عمر من الكبائر التي قال الله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه .

 وقتل عيسى بن جعفر بن محمد لشتمه أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة بأمر المتوكل على الله . قاله ابن كثير في تاريخه 10: 324 .

 وفي " الصارم المسلول " ص 576: قال أحمد في رواية أبي طالب في الرجل يشتم عثمان: هذا زندقة .

 هب أن هذه الفتاوى المجردة من مسلمات الفقه ، وليس للباحث أن يناقش أصحابها الحساب ، ويطالبهم مدارك تلكم الأحكام من الكتاب والسنة أو الأصول و القواعد أو القياس والاستحسان ، ولا سيما مدارك جملة من خصوصياتها العجيبة الشاذة عن شرعة الاسلام ، لكنها هل هي مخصوصة بغير رجالات أهل البيت فهي منحسرة عنهم ؟ ! ولعل فيهم من يجاثيك على ذلك فيقول: نعم هي منحسرة عن علي عليه السلام وابنيه السبطين سيدا شباب أهل الجنة ، لأن ابن هند كان يقع فيهم ويلعنهم ويلجئ الناس إلى ذلك بأنواع من الترغيب والترهيب ، فليس من الممكن تسريبها إليه لأنه كاتب

/ صفحة 270 /

الوحي ، وإن كان لم يكتب غير عدة كتب إلى رؤساء القبائل في أيام إسلامه القليلة من أخريات العهد النبوي ، وهو خال المؤمنين لمكان أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه وآله لكنه لم يسموا بذلك غيره من إخوة أزواج النبي صلى الله عليه وآله كمحمد بن أبي بكر ، وليس له مبرر إلا أن محمدا كان في الجيش العلوي ومعاوية حاربه صلوات الله عليه ، فهي ضغائن قديمة انفجر بركانها أخيرا عند منتشر الأحقاد ومحتدم الإحن ، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون .

 وهل سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المزعومة في قوله: لا تسبوا أصحابي .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

 كانت مختصة بغير المخاطبين بها في صدر الاسلام من الصحابة ؟ ! أو إنها عامة مطردة ؟ ! كما يقتضيه كونها من الشريعة الإسلامية المستمرة إلى أن تقوم الساعة ، وقد حسبوها كذلك لأنها متخذة من السنة المخاطب بها ، وقد جاء في بعض طرق الرواية الأولى عند مسلم: إنه كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيئ فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تسبوا أصحابي ، وفي رواية أنس: قال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نسب .

 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (1) فليس من المعقول أن يكونوا مستثنين من حكم خوطبوا به لولا أن الميول و الشهوات قد استثنتهم .

 أو كان أمير المؤمنين عليه السلام مستثنى من بين الصحابة عن شمول تلكم الأحكام ؟ فلا تجري على من نال منه عليه السلام أو وقع فيه .

 أضف إلى هذه كلها: أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان أحد الخلفاء الراشدين عندهم ، وبالاجماع المتسالم عليه بين فرق الاسلام كلها ، وللقوم فيمن يقع فيهم أحكام شديدة ، ومنهم من قال كما سمعته قبيل هذا بكفر من سب الشيخين وزندقة من سب عثمان ، وقد جاء في الصحيح الثابت قوله صلى الله عليه وآله: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كتاب الكبائر للذهبي ص 235 .

 (2) مر معناه الصحيح في الجزء السادس ص 330 ط 2 .

 

/ صفحة 271 /

فهلم معي نسائلهم عن المبرر لعمل معاوية والأمويين منتسبا ونزعة وتابعيهم المجترحين لهذه السيئة المخزية وعن المغضين عنهم الذين أخرجوا إمام العدل صنو محمد صلى الله عليهما وآلهما عن حكم الخلفاء وعن حكم الصحابة بل وعن حكم آحاد المسلمين فاستباحوا النيل منه على رؤس الاشهاد وفي كل منتدى ومجمع من دون أي وازع يزعهم ، فإلى أي هوة أسفوا بالإمام الطاهر عليه السلام ؟ حتى استلبوه الأحكام المرتبة على المواضيع الثلاثة: الخلافة . الصحبة . الاسلام . ولم يقيموا له أي وزن ، وما راعوا فيه أي حق ، وما تحفظوا له بأية كرامة ، وهو نفس الرسول صلى الله عليه وآله وزوج ابنته ، وأبو سبطيه ، وأول من أسلم له ، وقام الاسلام بسيفه ، وتمت برهنة الحق ببيانه ، واكتسحت المعرات عن الدين بلسانه وسنانه ، وهو مع الحق والحق معه ، وهو مع القرآن والقران معه ولن يفترقا حتى يردا على النبي صلى الله عليه وآله الحوض ، وما غير وما بدل حتى لفظ نفسه الأخير ، وهم يمنعون عن لعن الأدعياء ، وحملة الأوزار المستوجبين النار ، ويذبون عن الوقيعة في أهل العرة والخمور والفجور من طريد إلى لعين إلى متهاون بالشريعة إلى عائث بالأحكام إلى مبدل للسنة إلى مخالف للكتاب ومحالف للهوى إلى إلى إلى . إنا لله وإنا إليه راجعون .

 نعم: لعمر الحق كان الأمر كما قال عامر بن عبد الله بن الزبير لما سمع ابنه ينال من علي عليه السلام: يا بني إياك وذكر علي رضي الله عنه فإن بني أمية تنقصته ستين عاما فما زاده الله بذلك إلا رفعة . المحاسن والمساوي للبيهقي 1: 40 .

يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره

 

/ صفحة 272 /

 

- 16 -

قتال ابن هند عليا أمير المؤمنين عليه السلام

نحن مهما غضضنا الطرف عن شيئ في الباب فلا يسعنا أن نتغاضا عن أن مولانا أمير المؤمنين هو ذلك المسلم الأوحدي الذي يحرم إيذاؤه وقتاله ، والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ، ومن المتسالم عليه عند أمة محمد صلى الله عليه وآله قوله: سباب المسلم - المؤمن - فسوق ، وقتاله كفر .

 وقد اقترف معاوية الإثمين معا فسب وقاتل سيد المسلمين جميعا ، وآذى أول من أسلم من الأمة المرحومة ، و آذى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ، ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وآله فقد آذى الله ، إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة .

 على أنه سلام الله عليه كان خليفة الوقت يومئذ كيفما قلنا أو تمحلنا في أمر الخلافة وكان تصديه لها بالنص ، وإجماع أهل الحل والعقد ، وبيعة المهاجرين والأنصار ، ورضى الصحابة جمعاء ، خلا نفر يسير شذوا عن الطريقة المثلى لا يفتون في عضد جماعة ، ولا يؤثرون على انعقاد طاعة ، بعثت بعضهم الضغائن ، وحدت آخر المطامع ، واندفع ثالث إلى نوايا خاصة رغب فيها لشخصياته ، وكيفما كانت الحالة فأمير المؤمنين عليه السلام وقتئذ الخليفة حقا ، وإن من ناواه وخرج عليه يجب قتله ، وإنما خلع ربقة الاسلام من عنقه وأهل سلطان الله ، ويلقى الله ولا حجة له ، وقد جاء في النص الجلي قوله صلى الله عليه وآله: ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهم جميع فاضربوا رأسه بالسيف كائنا من كان .

 وفي لفظ: فمن رأيتموه يمشي إلى أمة محمد فيفرق جماعتهم فاقتلوه .

 وفي لفظ الحاكم: فاقتلوه كائنا من كان من الناس . راجع صفحة 27 ، 28 من هذا الجزء .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من أتاكم وأمركم جمع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه . راجع ص 28 من هذا الجزء .

 وقوله صلى الله عليه وآله: من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات مات ميتة جاهلية ، ومن

/ صفحة 273 /

قاتل تحت راية عمية يغضب للعصبية ، أو يدعو إلى عصبية ، أو ينصر عصبية ، فقتل فقتلة جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهدها فليس مني ولست منه (1) .

 وقوله صلى الله عليه وآله ؟ من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية (2) .

 وقوله صلى الله عليه وآله: من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من رأسه إلا أن يراجع ، ومن دعا دعوة جاهلية فإنه من جثا جهنم ، قال رجل: يا رسول الله ! وإن صام وصلى ؟ قال: نعم وإن صام وصلى ، فادعوا بدعوة الله الذي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله (3) .

 وقوله صلى الله عليه وآله من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه (4) .

 وقوله صلى الله عليه وآله: ليس أحد يفارق الجماعة قيد شبر فيموت إلا مات ميتة جاهلية (5) وقوله صلى الله عليه وآله: من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية (6) .

 وقوله صلى الله عليه وآله من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله (7) .

 وقوله صلى الله عليه وآله من طريق معاوية نفسه: من فارق الجماعة شبرا دخل النار (8) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من فارق الجماعة ، واستذل الإمارة لقي الله ولا حجة له عند الله (9) .

 وقوله صلى الله عليه وآله: اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة (10) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح مسلم 6: 21 ، سنن البيهقي 8: 156 ، مسند أحمد 2: 296 ، تيسير الوصول 2: 39 .

 (2) صحيح مسلم 6: 22 ، سنن البيهقي 8: 156 .

 (3) سنن البيهقي 8: 147 ، مستدرك الحاكم 1: 117 صدر الحديث .

 (4) سنن البيهقي 8: 157 ، مستدرك الحاكم 1: 117 .

 (5) صحيح البخاري باب السمع والطاعة للإمام ، سنن البيهقي 8: 157 .

 (6) تيسير الوصول 2: 39 نقلا عن الشيخين .

 (7) صحيح الترمذي 9: 69 ، تيسير الوصول 2: 39 .

 (8) مستدرك الحاكم 1: 118 .

 (9) مستدرك الحاكم 1: 119 .

 (10) صحيح البخاري باب السمع والطاعة ، صحيح مسلم 6: 15 واللفظ للبخاري .

 

/ صفحة 274 /

أو هل ترى معاوية في خروجه على أمير المؤمنين عليه السلام ألف الجماعة ولازم الطاعة أو إنه باغ أهان سلطان الله واستذل الإمارة الحقة ، وخرج عن الطاعة ، وفارق الجماعة وخلع ربقة الاسلام من رأسه ؟ النصوص النبوية ، تأبى إلا أن يكون الرجل على رأس البغاة كما كان على رأس الأحزاب يوم كان وثنيا ، وما أشبه آخره بأوله ، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين بقتاله ، وإن من يقتل عمارا هي الفئة الباغية ، ولم يختلف اثنان في أن أصحاب معاوية هم الذين قتلوه ، غير أن معاوية نفسه لم يتأثر بتلك الشية ولم تثنه عن بغيه تلكم القتلة وأمثالها من الصلحاء الأبرار الذين ولغ في دمائهم .

 أضف إلى ذلك أن معاوية هو الخليفة الأخير ببيعة طغام الشام وطغاتهم إن كانت لبيعتهم الشاذة قيمة في الشريعة ، وقد حتم الاسلام قتل خليفة مثله بقول نبيه الأعظم صلى الله عليه وآله: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما .

 وقوله صلى الله عليه وآله: ستكون خلفاء فتكثر قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم .

 وقوله صلى الله عليه وآله: من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر .

 وهذه الأحاديث الصحيحة الثابتة (1) هي التي تصحح الحديث الوارد في معاوية نفسه وإن ضعف إسناده عند القوم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه (2) وهو المعاضد بما ذكره المناوي في كنوز الدقائق ص 145 من قوله صلى الله عليه وآله: من قاتل عليا على الخلافة فاقتلوه كائنا من كان .

 وبعد أن ترائت الفئتان أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وطغمة معاوية حكم فيهم كتاب الله تعالى بقوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله (3) وبها استدل أئمة الفقه كالشافعي على قتال أهل البغي (4) وأصحاب معاوية هم الفئة الباغية بنص من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع صفحة 27 ، 28 ، 272 من هذا الجزء .

 (2) راجع صفحة 142 من هذا الجزء .

 (3) سورة الحجرات: 9 .

 (4) سنن البيهقي 8: 171 .

 

/ صفحة 275 /

الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله (1) .

 وقال محمد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفى 187: لو لم يقاتل معاوية عليا ظالما له متعديا باغيا كنا لا نهتدي لقتال أهل البغي (الجواهر المضيئة 2: 26) .

 قال القرطبي في تفسيره 16 ص 137: في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين .

 وقال: قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين ، والعمدة في حرب المتأولين ، وعليها عول الصحابة ، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة ، وإياها عني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: تقتل عمارا الفئة الباغية .

 وقوله عليه السلام في الخوارج: يخرجون على خير فرقة أو على حين فرقة .

 والرواية الأولى أصح لقوله عليه السلام: تقتلهم أولى الطائفتين إلى الحق ، وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب ومن كان معه .

 فتقرر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أن عليا رضي الله عنه كان إماما ، وإن كل من خرج عليه باغ وأن قتاله واجب حتى يفئ إلى الحق وينقاد إلى الصلح . ا ه‍ .

 وقال الزيلعي في نصب الراية 4 ص 69: وأما إن الحق كان بيد علي في نوبته فالدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية .

 ولا خلاف أنه كان مع علي وقتله أصحاب معاوية ، قال إمام الحرمين في كتاب الارشاد: وعلي رضي الله عنه كان إماما حقا في ولايته ، ومقاتلوه بغاة ، وحسن الظن بهم يقتضي أن يظن بهم قصد الخير وإن أخطأوه ، وأجمعوا على أن عليا كان مصيبا في قتال أهل الجمل ، وهم طلحة ، والزبير ، وعائشة ، ومن معهم ، وأهل صفين وهم معاوية وعسكره وقد أظهرت عائشة الندم . ا هـ (2).

 وحقا قالت عائشة: ما رأيت مثل ما رغبت عنه هذه الأمة من هذه الآية: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا (3) وأم المؤمنين هي أول من رغبت عن هذه الآية وضيعت حكمها ، وخالفها وخرجت من عقر دارها ، وتركت خدرها وتبرجت تبرج الجاهلية الأولى ، وحاربت إمام زمانها ، ولعلها ندمت وبكت حتى بلت خمارها ، ولما ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث .

 (2) هكذا حكاه الزيلعي عن الارشاد وأنت تجده محرفا عند الطبع ، راجع الارشاد ص 433 .

 (3) السنن الكبرى للبيهقي 7: 172 ، مستدرك الحاكم 2: 156 .

 

/ صفحة 276 /

ومن هنا وهناك كان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يوجب قتال أهل الشام ويقول: لم أجد بدا من قتالهم أو الكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .

 وفي لفظ: ما هو إلا الكفر بما نزل على محمد ، أو قتال القوم (1) .

 وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر وجوه أصحابه كأمير المؤمنين ، وأبي أيوب الأنصاري وعمار بن ياسر ، بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقد مرت أحاديثه في الجزء الثالث ص 167 - 170 وكان من المتفق عليه عند السلف: إن القاسطين هم أصحاب معاوية .

 فبأي حجة ولو كانت داحضة كان معاوية الذي يجب قتله وقتاله يستسيغ محاربة علي أمير المؤمنين ؟ وبين يديه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إن كان ممن يقتص أثرهما وفي الذكر الحكيم قوله سبحانه: فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر (2) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (3) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (4) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون (5) .

فلم يكن القتال أول فاصل لنزاع الأمة قبل الرجوع إلى محكمات الكتاب ، وما فيه فصل الخطاب من السنة المباركة ، ولذلك كان مولانا أمير المؤمنين يتم عليهم الحجة بكتابه وخطابه منذ بدء الأمر برفع الخصومة إلى الكتاب الكريم وهو عدله ، وكان يخاطب وفد معاوية ويقول: ألا إني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه (تاريخ الطبري 6: 4) ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية ومن قبله من قريش قوله: ألا وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، وحقن دماء هذه الأمة . شرح نهج البلاغة 1: 19 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) نهج البلاغة 1: 94 ، كتاب صفين ص 542 ، مستدرك الحاكم 3: 115 ، الشفا للقاضي عياض ، شرح ابن أبي الحديد 1: 183 ، البحر الزخار 5: 415 .

 (2) سورة النساء: 59 .

 (3) سورة المائدة: 44 .

 (4) سورة المائدة: 47 .

 (5) سورة المائدة: 45 .

 

/ صفحة 277 /

فلم يعبئوا به إلا بعد ما اضطروا إلى التترس به ، وقد أخبر بذلك الإمام قبل وقوع الواقعة فيما كتب إلى معاوية: وكأني بك غدا وأنت تضج من الحرب ضجيج الجمال من الأثقال ، وستدعوني أنت وأصحابي إلى كتاب تعظمونه بألسنتكم ، وتجحدونه بقلوبكم . شرح ابن أبي الحديد 3: 411 ، ج 4: 50 .

 وفي كتاب آخر له عليه السلام إليه وكأني بجماعتك تدعوني - جزعا من الضرب المتتابع والقضاء الواقع ، ومصارع بعد مصارع - إلى كتاب الله ، وهي كافرة جاحدة ، أو مبايعة حائدة (نهج البلاغة 2: 12) فقد صدق الخبر الخبر واتخذوه جنة مكرا وخداعا يوم رفعت المصاحف وكانوا كما قال مولانا أمير المؤمنين يومئذ: عباد الله إني أحق من أجاب إلى كتاب الله ، ولكن معاوية ، وعمرو بن العاص ، وابن أبي معيط ، وحبيب بن مسلمة ، وابن أبي سرح ، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إني أعرف بهم منكم ، صحبتهم أطفالا ، وصحبتهم رجالا ، فكانوا شر أطفال وشر رجال ، إنها كلمة حق يراد بها الباطل ، إنهم والله ما رفعوها إنهم يعرفونها ويعملون بها ، ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة (1) ولم يأل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم جهدا في تحذير المسلمين عن التورط في هذه الفتنة العمياء بخصوصها ، ويعرفهم مكانة أمير المؤمنين ، ويكرههم مسه بشئ من الأذى من قتال أو سب أو لعن أو بغض أو تقاعد عن نصرته ، ويحثهم على ولائه و اتباعه واقتصاص أثره والكون معه بعد ما قرن الله ولايته بولايته وولاية الرسول وطاعته بطاعتهما فقال: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (2) وقوله تعالى: (3) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (4) .

 لكن معاوية لم يقنعه الكتاب والسنة فباء بتلكم الآثام كلها ، وجانب هاتيك الأحكام الواجبة جمعاء ، فكان من القاسطين وهو يرأسهم ، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا (5)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما أسلفناه من كلمات الإمام عليه السلام ففيها المقنع لطالب الحق .

 (2) راجع ما فصلناه في الجزء الثاني ص 52 ط 2 ، وص 58 ، و ج 3 ص 141 - 147 .

 (3) سورة النساء: 59 .

 (4) صحيح البخاري باب التفسير ، كتاب الأحكام ، صحيح مسلم 6: 13 .

 (5) سورة الجن: 15 .

 

/ صفحة 278 /

نعم: لم يقنع معاوية قوله صلى الله عليه وآله: علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .

 وقوله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه ، أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن عصى عليا فقد عصاني .

 وقوله صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروني . بم تخلفوني فيهما .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من يريد أن يحيى حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب ، فإنه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم في ضلالة .

 وقوله صلى الله عليه وآله: إن رب العالمين عهد إلي عهدا في علي بن أبي طالب فقال: إنه راية الهدى ، ومنار الإيمان ، وإمام أوليائي ، ونور جميع من أطاعني .

 وقوله صلى الله وعليه وآله وسلم: عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب .

 وقوله صلى الله عليه وآله: لما نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم له: أنت وليي في كل مؤمن بعدي .

 وقوله صلى الله عليه وآله في حديث: علي أمير المؤمنين ، إمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين إلى جنات رب العالمين ، أفلح من صدقه ، وخاب من كذبه ، ولو أن عبدا عبد الله بين - الركن والمقام ألف عام وألف عام ، حتى يكون كالشن البالي ولقي الله مبغضا لآل محمد أكبه الله على منخره في نار جهنم .

 وقوله صلى الله عليه وآله له: لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق .

 وقوله صلى الله عليه وآله آخذا بيد الحسن والحسين: من أحبني وأحب هذين وأباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة .

 

/ صفحة 279 /

وقوله صلى الله عليه وآله: علي مني بمنزلة رأسي من بدني .

 وقوله صلى الله عليه وآله ، والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار .

 وقوله صلى الله عليه وآله له: يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك و كذب فيك .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من أحبني فليحب عليا ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل ، ومن أبغض الله أدخله النار .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تسبوا عليا فإنه ممسوس بذاك الله .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله .

 وقوله صلى الله عليه وآله: من آذى عليا فقد آذاني .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أوحي إلي في علي ثلاث: إنه سيد المسلمين ، وإمام المتقين ، و قائد الغر المحجلين .

 وقوله صلى الله عليه وآله: من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله عز وجل ، ومن سب الله كبه الله على منخريه في النار .

 وقوله: صلى الله عليه وآله: لو أن عبدا عبد الله سبعة آلاف سنة ثم أتى الله عز وجل ببغض علي بن أبي طالب جاهدا لحقه ، ناكثا لولايته ، لأتعس الله خيره ، وجدع أنفه .

 وقوله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام: سجيته سجيتي ، ودمه دمي ، وهو عيبة علمي ، لو أن عبدا من عباد الله عز وجل عبد الله ألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله عز وجل مبغضا لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبه الله على منخره يوم القيامة في نار جهنم .

 وقوله صلى الله عليه وآله لعلي: يا علي لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا ، وصلوا حتى يكونوا كالاوتار ، ثم أبغضوك لأكبهم الله في النار وقوله صلى الله عليه وآله: لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب علي الجواز .

 وقوله صلى الله عليه وآله: لا يجوز أحد الصراط إلا ومعه براة بولايته وولاية أهل بيته ، يشرف على الجنة ، فيدخل محبيه الجنة ، ومبغضيه النار .

 وقوله صلى الله عليه وآله: معرفة آل محمد براءة من النار ، وحب آل محمد جواز على الصراط ،

/ صفحة 280 /

والولاية لآل محمد أمان من العذاب .

 وقوله صلى الله عليه وآله: يا أيها الناس ، أوصيكم بحب ذي قرنيها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب ، فإنه لا يحبه إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق .

 وقوله صلى الله عليه وآله: سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا ، على الله جهادهم ، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه ، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه ، ليس وراء ذلك شيئ .

 وقوله صلى الله عليه وآله لعلي: أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيين ، و يأتي أعداؤك غضابا مقمحين .

 قال: ومن عدوي ؟ وقال: من تبرأ منك ولعنك .

 وقوله صلى الله عليه وآله: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ألزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا .

 وقوله صلى الله عليه وآله: لو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار .

 وقوله صلى الله عليه وآله: إن الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي وإني سائلكم غدا عنهم .

 وقوله صلى الله عليه وآله: وقفوهم إنهم مسئولون عن ولاية علي وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا ، فمن تمسك بنا اتخذ إلى ربه سبيلا .

 وقوله صلى الله عليه وآله: وقد خيم خيمة وفيها علي وفاطمة والحسن والحسين: معشر المسلمين أنا سلم من سالم أهل الخيمة ، حرب لمن حاربهم ، ولي لمن والاهم ، لا يحبهم إلا سعيد الجد ، طيب المولد ، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد .

 40 - وقوله صلى الله عليه وآله: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنم ما جازها أحد حتى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب .

 هذا مولانا أمير المؤمنين وهذا غيض من فيض مما جاء في ولائه وعدائه ، فأي صحابي عادل عاصر نبي الرحمة ووعى منه هاتيك الكلمات الدرية وشاهد مولانا عليه السلام

/ صفحة 281 /

وعرف انطباقها عليه بتمام معنى الكلمة ، ثم ينحاز عنه ويتخذ سبيلا غير سبيله فيبغي به الغوائل ، ويتربص به الدوائر ، ويقع فيه بملء فمه وحشو فؤاده ، ويرميه بقذائف الحقد والشنئان ؟ ! لعلك لا تجد مسلما هو هكذا غير من ألهته العصبية عن الهدى ، و تدهورت به إلى هوة الشهوات السحيقة ، ولعلك لا تجد ذلك الرجل البائس إلا ابن أبي سفيان المجابه للكتاب والسنة بعد الانكار بقلبه بالهزء والسخرية بلسانه ، فعل مردة الوقت وطواغيت الأمة ، فتراه عند ما روى له سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة أحاديث مما سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام ونهض ليقوم ضرط له معاوية استهزاء كما مر حديثه في هذا الجزء ص 258 .

 وحينما ذكر له أبو ذر الغفاري ذلك الصادق المصدق قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إست معاوية في النار . جابهه بالضحك وأمر بحبسه .

 ولما بقر عبد الرحمن بن سهل الأنصاري روايا خمر لمعاوية وبلغه شأنه قال: دعوه فإنه شيخ قد ذهب عقله (1) .

 يستهزأ إنكاره على تلك الكبيرة الموبقة ، وليت شعري بم هذا الهزأ والسخرية ؟ أبالصحابي العادل ؟ أم بمن استند إليه في حكمه بتحريم الخمر ؟ أم بالشريعة التي جاءت به ؟ إن ابن آكلة الأكباد بمقربة من كل ذلك ، أو إنه لا يدين الله بذلك الحكم البات ؟ ولما سمع من عمرو بن العاص ما حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله لعمار تقتلك الفئة الباغية .

 قال لعمرو: إنك شيخ أخرق ، ولا تزال تحدث بالحديث ، وأنت ترحض في بولك ، أنحن قتلناه ؟ إنما قتله علي وأصحابه ، جاؤا به حتى ألقوه بين رماحنا .

 وقال: أفسدت علي أهل الشام ، أكل ما سمعت من رسول الله تقوله ؟ (2) أهذا هزء ؟ أم أن معاوية بلغ من السفاهة مبلغا يحسب معه أن أمير المؤمنين هو قاتل عمار ، إذن فما قوله في سيد الشهداء حمزة وجعفر الطيار ؟ (3) أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاتلهما يوم ألقاهما بين رماح المشركين وسيوفهم ؟ لا تستبعد مكابرة الطاغية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما مر في هذا الجزء ص 181 .

 (2) أسلفنا تفصيله في الجزء الأول ص 329 ط 2 .

 (3) بهذا أجاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن كلام الرجل كما في تاريخ الخميس 2: 277 .

 

/ صفحة 282 /

بقوله: إن رسول الله قتلهما .

 أو إن الرجل وجد حمرا مستنفرة فألجمها وألجم مراشدها بتلكم التمويهات ؟ وكل هذه معقولة غير مستعصية على استقراء أعمال معاوية وأفعاله .

 ثم ماذا يعني بقوله: أفسدت علي ...

 أيريد كبحا أمام جري السنة الشريفة ؟ أو يروم إسدال غطاء على مجاليها ؟ أو الإعراض عن مدلولها لأنه لا يلائم خطته ؟ ولا يستبعد شيئ من ذلك ممن طبع الله على قلبه وهو ألد الخصام .

 ولما حدثه عبادة بن الصامت حديث حرمة الربا (1) وقد نطق بها القرآن الكريم فقال: اسكت عن هذا الحديث ولا تذكره .

 فقال عبادة: بلى وإن رغم أنف معاوية .

 ولما سمع من عبادة حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن هذا لا يقول شيئا .

 فلم يك يرى قول رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا يعبأ به ويصاخ إليه ، ويعدل عليه .

 ولما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري (2) فقال له معاوية: يا أبا قتادة ! تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار ! ما منعكم ؟ قال: لم يكن معنا دواب .

 فقال معاوية: فأين النواضح ؟ قال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر .

 قال: نعم يا أبا قتادة ! قال أبو قتادة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إنا سنرى بعده أثرة .

 قال معاوية: فما أمركم به عند ذلك ؟ قال: أمرنا بالصبر . قال: فاصبروا حتى تلقوه .

 قال عبد الرحمن بن حسان حين بلغه قول معاوية:

ألا أبلغ معاوية بـــــن صخــــر * أميـــــر المؤمنين عني كلامي

فأنـــــا صابرون ومنظـــــروكم * إلى يوم التغابن والخصام (3)

وحق القول: إن المخذول لا يخضع لهتاف النبوة ، ولا إنهم سوف يلقون صاحبها ، ويرفعون إليه ظلامتهم ، فيحكم لهم على من استأثر عليهم ، وحسبه ذلك إلحادا وبغيا .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مر حديثه في هذا الجزء ص 185 .

 (2) في رواية ابن عساكر: عبادة بن صامت الأنصاري .

 (3) الاستيعاب 1: 255 ، تاريخ ابن عساكر 7: 213 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 134 .

 

/ صفحة 283 /

وفي رواية أن أبا أيوب أتى معاوية فشكا إليه أن عليه دينا فلم ير منه ما يحب فرأى أمرا كرهه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم سترون بعدي أثرة . قال: فأي شئ قال لكم ؟ قال: أمرنا بالصبر . قال: فاصبروا . قال: فوالله لا أسألك شيئا أبدا (1) .

 وفي لفظ: دخل أبو أيوب على معاوية فقال: صدق رسول الله إنكم سترون بعدي أثرة فعليكم بالصبر .

 فبلغت معاوية فقال: صدق رسول الله أنا أول من صدقه .

 فقال أبو أيوب: أجرأة على الله وعلى رسوله ؟ لا أكلمه أبدا ولا يأويني وإياه سقف بيت . تاريخ ابن عساكر 5: 42 .

 وفي لفظ الحاكم: إن أبا أيوب أتى معاوية فذكر حاجة له فجفاه ولم يرفع به ورأسا فقال أبو أيوب: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أنه سيصيبنا بعده أثرة قال: فبم أمركم ؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نرد عليه الحوض . قال: فاصبروا إذا . فغضب أبو أيوب وحلف أن لا يكلمه أبدا . الخصايص الكبرى 2: 15 .

 وحضر أبو بكرة مجلس معاوية فقال له: حدثنا يا أبا بكرة: فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخلافة ثلاثون ثم يكون الملك .

 قال عبد الرحمن بن أبي بكرة: وكنت مع أبي فأمر معاوية فوجئ في أقفائنا حتى أخرجنا (2) .

ولعلك تعرف خبيئة ضمير معاوية بما حدثه ابن بكار في (الموفقيات) عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي قال: سمعت المدائني يقول: قال مطرف بن المغيرة: وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية .

 ويذكر عقله ويعجب مما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء فرأيته مغتما فانتطرته ساعة وظننت إنه لشيئ حدث فينا أو في عملنا فقلت له: مالي أراك مغتما منذ الليلة ؟ قال: يا بني إني جئت من عند أخبث الناس .

 قلت له: وما ذاك ؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت منا يا أمير المؤمنين ! فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيرا ، فإنك قد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ ابن عساكر 5: 41 .

 (2) أخرجه ابن سعد كما في النصايح الكافية 159 ط 1 .

 

/ صفحة 284 /

اليوم شيئ تخافه .

 فقال لي: هيهات هيهات ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبو بكر ، ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين ، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: عمر ، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل وعمل به فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به ، وإن أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله . فأي عمل يبقى مع هذا لا أم لك ، والله إلا دفنا دفنا ؟ (1) .

فهل تجد إذن عند معاوية إذعانا بما جاء من الكتاب في علي عليه السلام ؟ أو تراه مخبتا إلى شيئ من الكثير الطيب الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الثناء على الإمام الطاهر ؟ حينما عاداه وأبغضه ونقصه وسبه وهتك حرماته وآذاه وقذفه بالطامات وحاربه وقاتله و تخلف عن بيعته وخرج عليه .

 أو ترى أن يسوغ لمسلم صدق نبيه ولو في بعض تلكم الآثار والمآثر أن يبوح بما كتبه ابن هند إلى الإمام عليه السلام من الكلم القارصة بمثل قوله في كتاب له إليه عليه السلام: ثم تركك دار الهجرة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها: إن المدينة لتنفي خبثها ، كما ينفي الكير خبث الحديد .

 فلعمري لقد صح وعده ، وصدق قوله ، ولقد نفت خبثها وطردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها فأقمت بين المصرين ، وبعدت عن بركة الحرمين ، ورضيت بالكوفة بدلا من المدينة ، وبمجاورة الخورنق والحيرة عوضا عن مجاورة خاتم النبوة .

 ومن قبل ذلك ما عيبت خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام حياتهما فقعدت عنهما ، و ألبت عليهما ، وامتنعت من بيعتهما ، ورمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا ، ورقيت سلما وعرا ، وحاولت مقاما دحضا (2) وادعيت ما لم تجد عليه ناصرا ، ولعمري لو وليتها حينئذ لما ازدادت إلا فسادا واضطرابا ، ولا أعقبت ولايتكها إلا انتشارا وارتدادا ، لأنك الشامخ بأنفه ، الذاهب بنفسه ، المستطيل على الناس بلسانه ويده .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مروج الذهب 2: 341 .

 (2) مكان دحض بالفتح ويحرك: زلق .

 

/ صفحة 285 /

وها أنا سائر إليك في جمع من المهاجرين والأنصار ، تحفهم سيوف شامية ، و رماح قحطانية ، حتى يحاكموك إلى الله ، فانظر لنفسك وللمسلمين وادفع إلي قتلة عثمان فإنهم خاصتك وخلصاؤك المحدقون بك ، فإن أبيت إلا سلوك سبيل اللجاج والاصرار على الغي والضلال ، فاعلم أن هذه الآية إنما نزلت فيك وفي أهل العراق معك: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .

 وقوله في كتاب له: وإن كنت موائلا فازدد غيا إلى غيك ، فطالما خف عقلك ، ومنيت نفسك ما ليس لك ، والتويت على من هو خير منك ، ثم كانت العاقبة لغيرك ، و احتملت الوزر بما أحاط بك من خطيئتك .

 وقوله في كتاب له أيضا: فدعني من أساطيرك ، واكفف عني من أحاديثك ، و أقصر عن تقولك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافترائك من الكذب ما لم يقل ، وغرور من معك والخداع لهم ، فقد استغويتهم ويوشك أمرك أن ينكشف لهم فيعتزلوك ، ويعلموا أن ما جئت به باطل مضمحل .

 وقوله من كتاب آخر له: فما أعظم الرين على قلبك ، والغطاء على بصرك ، الشره من شيمتك ، والحسد من خليقتك .

 وقوله في كتاب له إليه عليه السلام: فدع الحسد ، فإنك طالما لم تنتفع به ، ولا تفسد سابقة جهادك بشرة نخوتك ، فإن الأعمال بخواتيمها ، ولا تمحص سابقتك بقتال من لا حق لك في حقه ، فإنك إن تفعل لا تضر بذلك إلا نفسك ، ولا تمحق إلا عملك ، ولا تبطل إلا حجتك ، ولعمري إن ما مضى لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقا لما اجترأت عليه من سفك الدماء ، وخلاف أهل الحق ، فاقرأ السورة التي يذكر فيها الفلق ، وتعوذ من نفسك ، فإنك الحاسد إذا حسد .

 وقوله من كتاب له إليه عليه السلام: فلما استوثق الاسلام وضرب بجرانه ، عدوت عليه ، فبغيته الغوائل ، ونصبت له المكايد ، وضربت له بطن الأمر وظهره ، ودسست عليه وأغريت به ، وقعدت - حين استنصرك - عن نصره ، وسألك أن تدركه قبل أن يمزق فما أدركته ، وما يوم المسلمين منك بواحد ، لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه ، و

/ صفحة 286 /

رمت إفساد أمره ، وقعدت في بيتك ، واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته ، ثم كرهت خلافة عمر وحسدته ، واستطالت مدته وسررت بقتله ، وأظهرت الشماتة بمصابه ، حتى إنك حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه ، ثم لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان .. إلخ .

 وقوله في كتاب له إليه عليه السلام: أما بعد: فإنا كنا نحن وإياكم يدا جامعة ، وألفة أليفة ، حتى طمعت يا بن أبي طالب ! فتغيرت وأصبحت تعد نفسك قويا على من عاداك بطغام أهل الحجاز ، وأوباش أهل العراق ، وحمقى الفسطاط ، وغوغاء السواد ، وأيم الله لينجلين عنك حمقاها ، ولينقشعن عنك غوغاؤها انقشاع السحاب عن السماء .

 قتلت عثمان بن عفان ، ورقيت سلما أطلعك الله عليه مطلع سوء ، عليك لا لك وقتلت الزبير وطلحة ، وشردت أمك عائشة ، ونزلت بين المصرين فمنيت وتمنيت ، وخيل لك أن الدنيا فد سخرت لك بخيلها ورجلها ، وإنما تعرف أمنيتك ، لو قد زرتك في المهاجرين من الشام بقية الاسلام ، فيحيطون بك من ورائك ، ثم يقضي الله علمه فيك ، والسلام على أولياء الله (1) .

 فأي أحد من غوغاء الناس ومن جهلة الأمة يحسب في صاحب هذه الكلمات المخزية نزعة دينية ؟ أو حياءا وانقباضا في النفس ولو قيد شعرة ؟ أو بخوعا إلى كتاب الله وهو يطهر أهل البيت وعلي سيد العترة ، ويراه نفس النبي صلى الله عليه وآله وقرن ولايته بولاية الله وولاية رسوله وطاعته بطاعتهما ؟ ! نعم: هكذا فليكن رضيع ثدي هند ، وربيب حجر حمامة ، والناشئ تحت راية البغاء ، ووليد بيت أمية ، وثمرة تلك الشجرة الملعونة في القرآن ، هكذا يسرف معاوية في القول ، ويجازف مفرطا فيه ، وما يلفظ من قول إلا ولديه رقيب عتيد ، وهو سرف الفؤاد لا يعبأ بما تلقته الأمة بالقبول من قول نبيها في علي عليه السلام: أنت الصديق الأكبر ، أنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل ، وأنت يعسوب الدين .

 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) توجد هذه الكتب على تفصيلها في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 41 ، 412 ، 448 ، و ج 4: 50 ، 51 ، 201 ، وهي مبثوثة في جمهرة الرسائل 1 ص 398 - 483 .

 

/ صفحة 287 /

وقوله صلى الله عليه وآله: علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة .

 إلى مئات أو ألوف مما جاء في علي عليه السلام بلسان سيد العالمين نبي الأمة صلى الله عليه وآله .

 بلغ الطاغية من عداء سيد العترة حدا لا يستطيع أن يسمع اسمه عليه السلام وكان ينهى عن التسمية به ، يروى أن علي بن أبي طالب عليه السلام افتقد عبد الله بن العباس فقال: ما بال أبي العباس لم يحضر ؟ فقالوا: ولد له مولود فلما صلى علي قال: امضوا بنا إليه فأتاه فهناه فقال: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ، ما سميته ؟ قال: أو يجوز لي أن اسميه حتى تسميه .

 فأمر به فأخرج إليه فأخذه وحنكه ودعا له ثم رده إليه وقال: خذه إليك أبا الأملاك قد سميته عليا وكنيته أبا الحسن . فلما قام معاوية قال لابن عباس: ليس لكم اسمه وكنيته قد كنيته أبا محمد . فجرت عليه (1) فكان بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه (2) فكان الناس يبدلون أسماء أولادهم ، قاله زين الدين العراقي .

 

- 17 -

هنات وهنابث في ميزان ابن هند

1 - لما قتل نعيم بن صهيب بن العلية فأتى ابن عمه وسميه نعيم بن الحارث بن العلية معاوية ، وكان معه ، فقال: إن هذا القتيل ابن عمي فهبه لي أدفنه . فقال: لا ندفنهم فليسوا أهلا لذلك ، فوالله ما قدرنا على دفن عثمان معهم إلا سرا قال: والله لتأذنن في دفنه أو لألحقن بهم ولأدعنك . فقال له معاوية: ويحك ترى أشياخ العرب لا تواريهم وأنت تسألني دفن ابن عمك . ثم قال له: ادفنه إن شئت أو دع . فأتاه فدفنه (3) .

 2 - لما قتل عبد الله بن بديل أقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر حتى وقفا عليه ، فأما عبد الله فألقى عمامته على وجهه وترحم عليه وكان صديقه ، فقال معاوية:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كامل المبرد 2: 157 .

(2) تهذيب التهذيب 7: 319 .

(3) كتاب صفين لابن مزاحم ص 293 ط مصر ، تاريخ الطبري 6: 14 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 489 .

 

/ صفحة 288 /

اكشف عن وجهه فقال: لا والله لا يمثل به وفي روح .

 فقال معاوية: اكشف عن وجهه فإنا لا نمثل به فقد وهبته لك (1) .

 وذكر النسابة أبو جعفر البغدادي في [ المحبر ] ص 479 مما كتبه معاوية إلى زياد بن سلمة: من كان على دين علي ورأيه فاقتله وامثل به يأتي الحديث بتمامه .

 3 - قد كان معاوية (يوم صفين) نذر في سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة فقال في ذلك خالد بن المعمر:

تمـــــنى ابـــن حرب نذرة في نسائنا * ودون الذي ينــــوي سيوف قواضب

ونمـــــنح ملـــــكا أنت حاولت خلعه * بني هاشم قول امرئ غير كاذب(2)

4 - ذكر الباوردي أن عمير بن قرة الليثي الصحابي ممن شهد صفين من الصحابة ، وكان شديدا على معاوية وأهل الشام حتى حلف معاوية لئن ظفر به ليذيبن الرصاص في أذنيه (3) .

 هذه هنات موبقة ومحظورات مسلمة من بوائق ابن هند الكثيرة قد ارتكبها أو صمم أن يقترفها في صفين ، فهل من الدين الحنيف منعه عن دفن من قتل تحت راية الحق مع أمير المؤمنين عليه السلام مع وجوب الاسراع في دفن كل مؤمن ؟ فهل كان أولئك الصلحاء من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان عند معاوية خارجين عن الدين ؟ أو أنه كان يتبع فيهم هواه المردي ، ويشفي بذلك غيظه منهم على نصرتهم الحق ؟ وكم عند معاوية من مخازي أمثال هذه تقع عن الدين المبين بمعزل ؟ ! .

 أفهل تسوغ مثلة المسلم المخالف هواه هوى ابن آكلة الأكباد ؟ والمثلة محرمة حتى بالحيوان حتى بالكلب العقور (4) فكيف بصلحاء المؤمنين ؟ وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله من مثل بالحيوان (5) .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كتاب صفين ص 277 ط مصر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 486 .

 (2) كتاب صفين ص 231 ط مصر .

 (3) الإصابة لابن حجر 3: 35 .

 (4) أخرجه الطبراني من طريق على أمير المؤمنين وذكره الزيلعي في نصب الراية 3: 120 ، والسرخسي في شرح السير الكبير 1: 78 .

 (5) أخرجه البخاري في صحيحه باب ما يكره من المثلة من طريق ابن عمر .

 

/ صفحة 289 /

وقد جاء حديث النهي عن المثلة من طريق علي أمير المؤمنين ، وأنس وابن عمر ، وعبد الله بن يزيد الأنصاري ، وسمرة بن جندب ، وزيد بن خالد ، وعمران بن حصين ، ومغيرة بن شعبة ، والحكم بن عمير ، وعائذ بن قرط ، وأبي أيوب الأنصاري ، ويحيى ابن أبي كثير ، وأسماء بنت أبي بكر .

 وأحاديثهم مبثوثة في صحيحي البخاري ومسلم ، وسنن أبي داود ، والسنن الكبرى للبيهقي ، ومسند أحمد ، ومعجم الطبراني .

 راجع نصب الراية للزيلعي 3: 118 - 121 .

 فما المسوغ عندئذ لابن هند مثلة من كان على دين علي ورأيه ، ودينه هو دين محمد الذي جاء بالاسلام المقدس ؟ وهل ينعقد نذر المعصية بسبي نساء ربيعة المسلمات إن تغلب عليهم لولاء بعولتهن عليا أمير المؤمنين ؟ وهو محرم في شرع الاسلام ، ولا ينعقد النذر إلا في طاعة ولا أقل من الرجحان في متعلق النذر كما مر بيانه في الجزء الثامن ص 79 ط 1 ، فبأي كتاب أم بأية سنة يسوغ هذا النذر لصاحبه إن كان من أهلهما ، ويسع له أن يقول: لله علي كذا ؟ .

 وهل يجوز في شرع الاسلام اليمين بإذابة الرصاص في أذن مسلم صحابي عادل لا يتبع أهواء معاوية ، ولا يخبت إلى ضلالاته ؟ وهل كان يحلف الرجل بإله محمد وعلي صلوات الله عليهما وآلهما وهما وربهما برآء عن مثل هذا الحلف وصاحبه ؟ أو كان يقصد إله آبائه دعائم الشرك وعبدة (هبل) حملة الأوزار المستوجبين النار ؟ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .