عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

- 49 -

الخليفة لا يعرف المخلص من النار

أخرج ابن عساكر في تاريخه 2: 58 من طريق أحمد بن محمد أبي علي بن مكحول البيروتي قال: مر عمر على عثمان بن عفان فسلم عليه فلم يرد عليه السلام فجاء عمر إلى أبي بكر الصديق فقال: يا خليفة رسول الله ! ألا أخبرك بمصيبة نزلت بنا من بعد رسول الله ؟ قال: وما هي ؟ قال: مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يرد علي السلام .

 فقال أبو بكر: أو كان ذلك ؟ قال: نعم .

 فأخذ بيده وجاء إلى عثمان فسلما عليه فرد عليهما السلام .

 فقال أبو بكر: جاءك عمر فسلم عليك فلم ترد عليه ؟ فقال: والله يا خليفة رسول الله ! ما رأيته .

 قال: وفي أي شئ كانت فكرتك ؟ قال: كنت مفكرا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فارقناه ولم نسأله: كيف الخلاص والمخلص من النار ؟ فقال أبو بكر: والله لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرني فقال عثمان: ففرج عنا قال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمسكوا بالعروة الوثقى قول لا إله إلا الله .

 قال الأميني: أكان في أذن الرجل وقر على عهد النبوة عما كان يتهالك دونه رسول الله صلى الله عليه وآله ويهتف به آناء الليل وأطراف النهار منذ بدء البعثة إلى أن لقي ربه من الإشادة بكلمة التوحيد، وإن الاخلاص بها هو المنقذ الفذ، والسبب الوحيد للنجاة من الهلكة التي من ورائها النار، وإن من يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى (1) فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى (2) والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة (3) وإنه من يشرك بالله فقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سورة لقمان: 22 .

 (2) سورة البقرة: 256 .

 (3) سورة البقرة: 82 .

 

/ صفحة 66 /

حرم الله عليه الجنة ومأواه النار (1) .

 ألم يك يسمع نداءه صلى الله عليه وآله: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا (2) ؟ .

 وقوله: من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار .

 وقوله: من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة .

 وقوله: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار .

 وقوله: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه فيموت على ذلك إلا حرم على النار: لا إله إلا الله .

 إلى أحاديث كثيرة جمع جملة ضافية منها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 2: 160 - 164 .

 أو أن الرجل كان يسمع هذه الكلمات الذهبية، لكنه لا يعيرها أذنا واعية فنسيها ؟ فإن كان لم يع هذه وهي أساس الدعوة فما الذي وعاه ؟ وما الذي تعقله من نبي جاء وذهب ولم يعرف ما هو المخلص من النار ؟ ولم يبعث إلا لانتشال أمته منها، وفي يده كتابه الكريم فيه تبيان كل شئ، وأي نبي كان يحسبه عثمان، نبي العظمة ؟ وعلى أي أساس علا صروح إسلامه ؟ وأي مسلم هذا يدرك أيام دعوة نبيه كلها ثم يدركه صلى الله عليه وآله وسلم الموت ولم يعرف المسكين بعد ما ينجيه من النار ؟ نعم: لم يأل نبي الاسلام في تنوير سبل السلام، وإنقاذ البشر من النار، فماذا عليه ؟ إن لم تصادفه نفس صاغية إلى تعاليمه فلم تحفظها .

- 50 -

ترك الخليفة التكبير في كل خفض ورفع

أخرج أحمد بالإسناد عن مطرف عن عمران بن حصين قال: صليت خلف علي صلاة ذكرني صلاة صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين قال: فانطلقت فصليت معه فإذا هو يكبر كلما سجد وكلما رفع رأسه من الركوع فقلت: يا أبا نجيد من أول من تركه ؟ قال: عثمان رضي الله عنه حين كبر وضعف صوته تركه (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سورة المائدة 72 .

 (2) تاريخ البخاري ج 4 القسم الثاني ص 14 .

 (3) مسند أحمد 4: 428، 429، 432، 440، 444 .

 

/ صفحة 67 /

قال الأميني: سيوافيك البحث الضافي في الجزء العاشر إنشاء الله تعالى حول التكبيرة في الصلاة عند كل رفع وخفض وأنها سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله تسالمت عليها الأمة، وعمل بها الصحابة، واستقر عليها إجماع أئمة المذاهب، وهذا الحديث يعطينا خبرا بأن أول من تركها هو عثمان وتبعه معاوية وبنو أمية، وما زال الناس على هذا المزن وتمرنت عليه الأمة طوعا أو كرها حتى ضاعت السنة الثابتة ونسيت، وكان من جاء بها يعد أحمقا كأنه ارتكب بأمر إمر شاذ عن الشرع المقدس، والتبعة في ذلك كله على الخليفة البادي بترك سنة الله التي لا تبديل لها .

 قال الزرقاني في شرح الموطأ 2: 145: ولأحمد عن عمران: أول من ترك التكبير عثمان حين كبر، وللطبري عن أبي هريرة: أول من ترك معاوية، وأبي عبيد: أول من تركه زياد .

 ولا ينافي ما قبله لأن زيادا تركه بترك معاوية، وكأنه تركه بترك عثمان وقد حمله جماعة من العلماء على الاخفاء . ه‍ .

 وتبرير عمل عثمان بالحمل علي الاخفاء يأباه صريح لفظ ترك .

 وإنما يخبر ابن حصين عن تكبير أمير المؤمنين في الهوي والانتصاب لا عن جهره به، والسائل إنما يسأله عن أول من تركه لا عمن خافت به أولا، ويزيفه ما يأتي عن ابن حجر والشوكاني وغيرهما من قولهم كما سمعت عن الزرقاني: كان معاوية تركه بترك عثمان .

 ولم يؤثر عن معاوية غير الترك والتنقيص كما يأتي حديثه بلفظ نقص، وقد اتبع إثر عثمان في أحدوثته فإلى الملتقى .

 نتاج البحث :

هذه نبذ قليلة نشرتها يد التاريخ الجانية بعد أن طوى كشحا عن ذكر مهمات ما جرى في ذلك العهد المشحون بالقلاقل، الطافح بالفتن، المفعم بالهنابث، وقد عرفناه جانيا بستر تلكم الحقايق، جنوحا إلى العاطفة، سايرا مع الميول، والتاريخ حر يجب أن يمضي مع الواقع وأن لا يلويه مع القصد تعصب لأحد أو تحيز إلى فئة، لكن القوم لم يسيروا في سرد التاريخ كما يجب عليهم، فطفقوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ويثبتون ما يوافق هواهم، ويدعون ما لا يروقهم .

 قال الطبري في تاريخه 5: 108: إن الواقدي ذكر في سبب مسير المصريين إلى الغدير (6)

/ صفحة 68 /

عثمان ونزولهم ذا خشب أمورا كثيرة، منها ما تقدم ذكره، ومنها ما أعرضت عن ذكره كراهة مني ذكره لبشاعته.

 وقال في ج 5: 113: قد ذكرنا كثيرا من الأسباب التي ذكر قاتلوه إنهم جعلوها ذريعة إلى قتله، فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها .

 وقال في ص 232: إن محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية لما ولي فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يتحمل سماعها العامة .

 ومر في ج 8: 305 في ذكر ما جرى بين علي عليه السلام وعثمان قول المسعودي: فأجابه عثمان بجواب غليظ لا أحب ذكره وأجابه علي بمثله .

 وقال ابن الأثير في الكامل 3: 70: قد تركنا كثيرا من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلى قتله لعلل دعت إلى ذلك .

 وقال ابن كثير في البداية والنهاية 7: 166: وفي هذه السنة (يعني 33) سير عثمان بعض أهل البصرة منها إلى الشام وإلى مصر بأسباب مسوغة لما فعله رضي الله عنه فكان هؤلاء ممن يؤلب عليه ويمالئ الأعداء في الحط والكلام فيه وهم الظالمون في ذلك، وهو البار الراشد رضي الله عنه .

 وقال في ص 177: جرت أمور سنورد منها ما تيسير وبالله المستعان .

 ثم ذكر من الأمور ما راقه ويلائم ذوقه ولم يذكر إلا سلسلة أكاذيب لم يصح شئ منها .

 وقال الدكتور أحمد فريد رفاعي في عصر المأمون 1: 5: أما نحن فلا يطلب منا أن نبدي رأينا في عثمان، فهو صحابي عظيم وله أثره الخالد في جمع القرآن وغير القرآن وله دينه السمح الذي لا تشوبه شائبة، وما كان الدين ليحتم على الناس جميعا أن يكون نظرهم إلى الحياة الدنيا نظر التقشف والزهد، ولا يطلب منا أن نثبت ضعف الحكومة العثمانية، وإنما يطلب منا أن نسرد الحوادث بإيجاز، ولنا في تسلسل هذه الحوادث و دراستها وتقييد آثارها ما قد يسمح لنا بالتعرض له حين معالجتنا الكلام عن عصرنا فيما بعد . ه‍ .

 ثم ذكر ما جاء به اليعقوبي من الايعاز إلى بعض ما نقم به على عثمان فتخلص عن البحث فيه بما أتى به ابن الأثير من رواية الطبري عن السري الكذاب عن شعيب المجهول عن سيف المتروك الساقط المتهم بالزندقة أو عن أناس آخرين أمثال هؤلاء .

 

/ صفحة 69 /

أضف إلى هذه كثيرا من كتب التاريخ المؤلفة قديما وحديثا فإنها ألفت بيد أثيمة على ودايع العلم والدين، ولعل في المذكور في كتابنا هذا وهو قليل من كثير مقنعا للحصول على العلم بنفسيات الخليفة من شتى نواحيه، ومبلغه من العلم، ومقداره من التقوى، ومداه من الرأي، ومآثره من ناحية ملكاته، وقد عرف كل ذلك من عاصره وعاشره، فكانت كلمتهم في حقه واحدة، ورأيهم فيه فذا، وأعمالهم معه كل يشبه الآخر، ونحن نذكر لك نماذج مما لفظ به من قول وعمل به من فعل في ذلك الدور القاتم بالفجايع والفظايع فدونكها:

1 - حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه :

1 - من كلام له عليه السلام في معنى قتل عثمان: لو أمرت به لكنت قاتلا، أو نهيت عنه لكنت ناصرا، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، و من خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني، وأنا جامع لكم أمره: استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، ولله حكم واقع في المستأثر والجازع (1) قال ابن أبي الحديد في الشرح 1: 158: قوله: غير أن من نصره .

 معناه إن خاذليه كانوا خيرا من ناصريه، لأن الذين نصروه كان أكثرهم فساقا كمروان بن الحكم وأضرابه، وخذله المهاجرون والأنصار .

 2 - من كلام له عليه السلام قاله لابن عباس وقد جاءه برسالة من عثمان وهو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع فقال عليه السلام: يا ابن عباس ! ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب (2) أقبل وأدبر بعث إلي أن أخرج ثم بعث إلي أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إلي أن أخرج، والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما (3) .

 3 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 98 من طريق أبي حادة أنه سمع عليا رضي الله عنه يقول وهو يخطب فذكر عثمان فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما قتلته، و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهج البلاغة 1: 76 .

(2) الناضح: البعير يستقى عليه. الغرب: الدلو العظيمة .

(3) نهج البلاغة 1: 468 .

 

/ صفحة 70 /

لا ما لات على قتله، ولا ساءني .

 4 أخرج ابن سعد من طريق عمار بن ياسر قال: رأيت عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتل عثمان وهو يقول: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه . الأنساب للبلاذري 5: 101 .

 وأو عز شاعر أهل الشام كعب بن جعيل إلى قول الإمام عليه السلام بأبيات له ألا وهي:

ومـــــا في علي لمستعـــــــتـــــب          مقـــــال ســـــوى ضمه المحدثينا

وإيثـــــــاره اليوم أهـــــل الذنوب          ورفــع القـــــصاص عـن القاتلينا

إذا سيـــل عنه حذا شبهـــــة (1)          وعمى الجواب عـــــلى السـائلينا

فلـــــــيس بـــراض ولا ســـــاخط          ولا فــــــي النهـــــاة ولا الآمــرينا

ولا هـــــــو ســـــــاء ولا ســـــرة          ولا بد من بعض ذا أن يكـونا (2)

قال ابن أبي الحديد بعد ذكر الأبيات: ما قال هذا الشعر إلا بعد أن نقل إلى أهل الشام كلام كثير لأمير المؤمنين في عثمان يجري هذا المجرى نحو قوله: ما سرني ولا ساءني، وقيل له: أرضيت بقتله ؟ فقال: لم أرض، فقيل له: أسخطت قتله ؟ فقال: لم أسخط . وقوله تارة: الله قتله وأنا معه .

 وقوله تارة أخرى: ما قتلت عثمان ولا مالأت في قتله .

 وقوله تارة أخرى: كنت رجلا من المسلمين أوردت إذا وردوا، و أصدرت إذا صدروا .

 ولكل شئ من كلامه إذا صح عنه تأويل يعرفه أولو الألباب .

 5 - أخرج أبو مخنف من طريق عبد الرحمن بن عبيد: إن معاوية بعث إلى علي حبيب من مسلمة الفهري وشرحبيل بن سمط ومعن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه وأنا عنده (إلى أن قال بعد كلام حبيب وشرحبيل وذكر جواب مولانا أمير المؤمنين): فقالا أتشهد أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما ؟ فقال لهما: لا أقول ذلك .

 قالا: فمن لم يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن منه برءاء .

 ثم قاما فانصرفا فقال علي: إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في العقد الفريد: زوى وجهه .

(2) كتاب صفين لابن مزاحم ص 63، العقد الفريد 2: 267، شرح ابن أبي الحديد 1: 158

 

/ صفحة 71 /

كتاب صفين لابن مزاحم ص 277 واللفظ له، تاريخ الطبري 6: 4، الكامل لابن الأثير 3: 125 .

6 - ذكر البلاذري في الأنساب 5: 44 في حديث قول علي عليه السلام لعثمان: يا عثمان ! إن الحق مرئ، وإن الباطل خفيف وبئ، وإنك متى تصدق تسخط ومتى تكذب ترض .

7 - كان علي كلما اشتكى الناس إليه أمر عثمان أرسل ابنه الحسن إليه فلما أكثر عليه قال له: إن أباك يرى أن أحدا لا يعلم ما يعلم، ونحن أعلم بما نفعل، فكف عنا، فلم يبعث علي ابنه في شئ بعد ذلك، وذكروا أن عثمان صلى العصر ثم خرج إلى علي يعوده في مرضه ومروان معه فرآه ثقيلا فقال: أما والله لولا ما أرى منك ما كنت أتكلم بما أريد أن أتكلم به، والله ما أدري أي يوميك أحب إلي أو أبغض، أيوم حياتك ؟ أو يوم موتك ؟ أما والله لئن بقيت لا أعدم شامتا يعدك كهفا، ويتخذك عضدا، ولئن مت لأفجعن بك، فحظي منك حظ الوالد المشفق من الولد العاق، إن عاش عقه، وإن مات فجعه فليتك جعلت لنا من أمرك لنا علما نقف عليه ونعرفه، إما صديق مسالم، وإما عدو معاني، ولا تجعلني كالمختنق بين السماء والأرض، لا يرقى بيد ولا يهبط برجل، أما والله لئن قتلتك لا أصيب منك خلفا، ولئن قتلتني لا تصيب مني خلفا، وما أحب أن أبقى بعدك .

 قال مروان: إي والله، وأخرى أنه لا ينال ما وراء ظهورنا حتى تكسر رماحنا، وتقطع سيوفنا، فما خير العيش بعد هذا ؟ فضرب عثمان في صدره وقال: ما يدخلك في كلامنا ؟ فقال علي: إني والله في شغل عن جوابكما ولكني أقول كما قال أبو يوسف: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون .

 (العقد الفريد 2: 274، الإمامة والسياسة 1: 30) .

 8 - في كتاب لمولانا أمير المؤمنين يجيب به معاوية بن أبي سفيان قال: وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي إياهم والبغي عليهم، فأما البغي فمعاذ الله أن يكون، وأما الكراهة لهم فوالله ما اعتذر للناس من ذلك، وذكرت بغيي على عثمان وقطعي رحمه فقد عمل عثمان بما قد علمت، وعمل به الناس ما قد بلغك، فقد علمت أني كنت من أمره في عزلة إلا أن تجنى فتجن ما شئت، وأما ذكرك قتلة عثمان وما سألت من دفعهم

/ صفحة 72 /

إليك فإني نظرت في هذا الأمر وضربت أنفه وعينه فلم يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك، وإن لم تنزع عن غيك لنعرفنك عما قليل يطلبونك ولا يكلفونك أن تطلبهم في سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر .

 كتاب صفين لابن مزاحم ص 102، العقد الفريد 2: 286، نهج البلاغة 2: 10، شرح ابن أبي الحديد 3: 409.

 9 - أخرج الطبري من طريق إسماعيل بن محمد: إن عثمان صعد يوم الجمعة المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقام رجل فقال: أقم كتاب الله، فقال عثمان: اجلس فجلس حتى قام ثلاثا فأمر به عثمان فتحاثوا بالحصباء حتى ما ترى السماء وسقط عن المنبر وحمل فأدخل داره مغشيا عليه فخرج رجل من حجاب عثمان ومعه مصحف في يده وهو ينادي: إن الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله .

 ودخل علي بن أبي طالب على عثمان رضي الله عنهما وهو مغشي عليه وبنو أمية حوله، فقال: مالك يا أمير المؤمنين ؟ فأقبلت بنو أمية بمنطق واحد فقالوا: يا علي ! أهلكتنا وصنعت هذا الصنيع بأمير المؤمنين، أما والله لئن بلغت الذي تريد لتمرن عليك الدنيا . فقام علي مغضبا .

 تاريخ الطبري 5: 113، الكامل لابن الأثير 3: 67 .

 10 - ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 ص 42 في حديث مسائلة عمرو بن العاص راكبا: فقال له عمرو: ما الخبر ؟ قال: قتل عثمان، قال: فما فعل الناس ؟ فقال: بايعوا عليا .

 قال: فما فعل علي في قتلة عثمان ؟ قال: دخل عليه وليد بن عقبة فسأله عن قتله فقال: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرني ولا ساءني .

 قال: فما فعل بقتلة عثمان ؟ فقال: آوى ولم يرض، وقد قال له مروان: إن لا تكن أمرت فقد توليت الأمر، وإن لا تكن قتلت فقد آويت القاتلين، فقال عمرو بن العاص: خلط والله أبو الحسن .

 11 - روى الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت عليا عليه السلام على منبر الكوفة وهو يقول: يا أبناء المهاجرين ! انفروا إلى أئمة الكفر، وبقية الأحزاب وأولياء الشيطان، انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا، فوالله الذي

/ صفحة 73 /

فلق الحبة وبرأ النسمة إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقض من أوزارهم شيئا (1) .

 قال الأميني: طعن ابن أبي الحديد في هذا الحديث بمكان قيس (2) بن أبي حازم وقال: هو الذي روى حديث إنكم لترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، وقد طعن مشايخنا المتكلمون فيه وقالوا: إنه فاسق ولا تقبل روايته لأنه قال: إني سمعت عليا يخطب على منبر الكوفة ويقول: انفروا إلى بقية الأحزاب .

 فأبغضته ودخل بغضه في قلبي ومن يبغض عليا عليه السلام لا تقبل روايته .

 ثم حمله على فرض الصحة على إرادة معاوية من قوله: حمال الخطايا فقال: لأنهم يحامون عن دمه، ومن حامى عن دم إنسان فقد قاتل عليه . ا ه‍ .

 ألا مسائل الرجل عن أن رواية حديث الرؤية أي منقصة وحزازة فيها وقد أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد في مسنده ؟ فهل طعن أحد في أولئك الأئمة لروايتهم إياها ؟ ثم لو كان من أبغض عليا عليه السلام فاسقا غير مقبول الرواية - كما هو الحق فما - قيمة الصحاح عندئذ في سوق الاعتبار ؟ وما أكثر فيها من الرواية عن مناوئي أمير المؤمنين ومنهم نفس الرجل (قيس بن أبي حازم) فقد أخرج أئمة الصحاح أحاديث من طريقه و هو من رجالهم .

 على أن علماء الفن من القوم مع قولهم بأنه كان يحمل على علي نصوا على ثقة الرجل وقالوا: متقن الرواية، والحديث عنه من أصح الاسناد، وقال ابن خراش: كوفي جليل . وقال ابن معين: ثقة .

 وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: أجمعوا على الذهبي الاحتجاج به ومن تكلم فيه فقد آذى نفسه .

 (راجع تهذيب التهذيب 8: 386) وأما تأويل: (حمال الخطايا) بإرادة معاوية منه فمن التافه البعيد عن سياق العربية نظير تأويل معاوية الحديث الوارد في عمار من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: تقتلك الفئة الباغية .

 12 - كان مولانا أمير المؤمنين يخطب ويلوم الناس على تثبيطهم وتقاعدهم و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) شرح ابن أبي الحديد 1: 179 .

 (2) من رجال الصحيحين: البخاري ومسلم .

 

/ صفحة 74 /

يستنفرهم إلى أهل الشام فقال له الأشعث بن قيس: هلا فعلت فعل ابن عفان ؟ فقال له: إن فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له ولا وثيقة معه، إن امرأ أمكن عدوه من نفسه يهشم عظمه ويفري جلده لضعيف رأيه، مأفون عقله، أنت فكن ذاك، إن أحببت فأما أنا فدون أن اعطي ذاك ضرب بالمشرفية الفصل (1) .

 13 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر: من عبد الله علي أمير المؤمنين: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم والظاعن، فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه (2) .

 قال ابن أبي الحديد في شرحه 3: 58: هذا الفصل يشكل علي تأويله لأن أهل مصرهم الذين قتلوا عثمان، وإذا شهد أمير المؤمنين عليه السلام أنهم غضبوا لله حين عصي في الأرض، فهذه شهادة قاطعة على عثمان بالعصيان وإتيان المنكر .

 ثم تأوله بما رآه تعسفا، والتعسف لا يغني عن الحق شيئا ولا تتم به الحجة .

 هب ابن أبي الحديد تعسف هاهنا وتأول فما يصنع ببقية كلمات مولانا أمير المؤمنين وكلمات ساير الصحابة لدة هذه الكلمة وهي تربو على مئات ؟ فهل يسعنا أن نكون عسوفا في كل ذلك ؟ سل عنه خبيرا .

 14 - من كلام لأمير المؤمنين قاله لعثمان لما اجتمع الناس إليه وشكوا إليه ما نقموه على عثمان فدخل عليه السلام عليه فقال: إن الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك، ما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه، ولا خلو نا بشئ فنبلغكه وقد رأيت كما رأينا، وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله كما صحبنا، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بعمل الحق منك، وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا، فالله الله في نفسك فإنك والله ما تبصر من عمى، ولا تعلم من جهل، وإن الطرق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) شرح ابن أبي الحديد 1: 178 .

 (2) تاريخ الطبري 6: 55، نهج البلاغة، 2: 63، شرح ابن أبي الحديد 2: 29 .

 

/ صفحة 75 /

لواضحة، وإن أعلام الدين لقائمة، فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، هدي وهدى، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة مجهولة، وإن السنن لنيرة لها أعلام، وإن البدع لظاهرة لها أعلام، وأن شر الناس عند الله إمام جائر، ضل وضل به، فأمات سنة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة، وأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في نار جهنم فيدور فيها كما تدور الرحى ثم يرتبط في قعرها، وإني أنشدك الله أن تكون إمام هذه الأمة المقتول فإنه كان يقال: يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، ويلبس أمورها عليها، ويثبت الفتن فيها، فلا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجا، ويمرجون فيها مرجا، فلا تكونن لمروان سيقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السن و تقضي العمر، فقال له عثمان: كلم الناس في أن يؤجلوني حتى أخرج إليهم من مظالمهم فقال عليه السلام: ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك إليه (1) .

 تاريخ الطبري 5: 96، الأنساب للبلاذري 5: 60، نهج البلاغة 1: 303، الكامل لابن الأثير 3: 63، تاريخ ابن كثير 7: 168 .

 15 - أخرج ابن السمان من طريق عطاء إن عثمان دعا عليا فقال: يا أبا الحسن ! إنك لو شئت لاستقامت علي هذه الأمة فلم يخالفني واحد .

 فقال علي: لو كانت لي أموال الدنيا وزخرفها ما استطعت أن أدفع عنك أكف الناس، ولكني سأدلك على أمر هو أفضل مما سألتني: تعمل بعمل أخويك أبي بكر وعمر، وأنا لك بالناس لا يخالفك أحد (الرياض النضرة 2: 129) 16 - من خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام الشقشقية قوله: إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى انكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكتب به بطنته .

 مرت مصادر هذه الخطبة في الجزء السابع ص 82 - 85 ط 2 .

 17 - قال ابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 267: قال حسان بن ثابت لعلي: إنك تقول: ما قتلت عثمان ولكن خذلته، ولا آمر به ولكن لم أنه عنه، فالخاذل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سيأتي تمام الحديث في صور توبة الخليفة وحنثه إياها مرة بعد أخرى .

 

/ صفحة 76 /

شريك القاتل، والساكت شريك القاتل .

 18 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 13 من طريق عبد الله بن عباس قال: إن عثمان شكا عليا إلى العباس فقال له: يا خال ؟ إن عليا قد قطع رحمي، وألب الناس ابنك، والله لئن كنتم يا بني عبد المطلب ! أقررتم هذا الأمر في أيدي بني تيم وعدي فبنو عبد مناف أحق أن لا تنازعوهم فيه ولا تحسدوهم عليه .

 قال عبد الله بن العباس: فأطرق أبي طويلا ثم قال: يا ابن أخت ؟ لئن كنت لا تحمد عليا فما يحمدك له، وإن حقك في القرابة والامامة للحق الذي لا يدفع ولا يجحد، فلو رقيت فيما تطأطأ أو تطأطأت فيما رقى تقاربتما، وكان ذلك أوصل وأجمل، قال: قد صيرت الأمر في ذلك إليك فقرب الأمر بيننا .

 قال: فلما خرجنا من عنده دخل عليه مروان فأزاله عن رأيه، فما لبثنا أن جاء أبي رسول عثمان بالرجوع إليه فلما رجع قال: يا خال ! أحب أن تؤخر النظر في الأمر الذي ألقيت إلي حتى أرى من رأيي، فخرج أبي من عنده ثم التفت إلي فقال: يا بني ليس إلى هذا الرجل من أمره شئ، ثم قال: أللهم أسبق بي الفتن ولا تبقني إلى ما لا خير لي في البقاء إليه . فما كانت جمعة حتى هلك .

 19 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 14 من طريق صهيب مولى العباس: إن العباس قال لعثمان: أذكرك الله في أمر ابن عمك وابن خالك وصهرك وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بلغني أنك تريد أن تقوم به وبأصحابه، فقال: أول ما أجيبك به أني قد شفعتك، إن عليا لو شاء لم يكن أحد عندي إلا دونه ولكنه أبى إلا رأيه، ثم قال لعلي مثل قوله لعثمان، فقال علي: لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت .

 20 - من كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية: أما بعد: فوالله ما قتل ابن عمك غيرك، وإني لأرجو أن ألحقك به على مثل ذنبه وأعظم من خطيئته . (العقد الفريد 2: 223، وفي ط 285) .

ولا تنس في الختام قول حسان بن ثابت:

صبرا جميلا بني الأحرار لا تهنوا          قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا

يا ليت شعري وليت الطير تخبرني          مــــــا كان شأن علي وابن عفانا

/ صفحة 77 /

لتسمعـــــن وشيـــــكا في ديـــاركم          الله أكبـــــر يا ثارات عثمانا (1)

قال الأميني: يعطينا الأخذ بمجامع هذه الأحاديث الإمام عليه السلام ما كان يرى الخليفة إمام عدل يسوءه قتله، أو يهمه أمره يسخطه التجمهر عليه، بل كان يعتزل عن أمره ويخشى أن يكون آثما إن دؤب على الدفاع عنه، ولا يرى الثائرين عليه متحوبين في نهضتهم وإلا لساءه ذلك فضلا عن أن يسكت عنهم، أو يطريهم كما سمعته من كتابه إلى أهل مصر، أو يرى الخاذلين له خيرا ممن نصره، ولو كان يراه إمام عدل فأقل المراتب أن يقول: إن ناصره خير من خاذله .

 بل الشأن هذا في أفراد المسلمين العدول من الرعية فضلا عن إمامها .

 وحديث شكاية عثمان إلى عمه العباس المتوفى سنة 32 بعلمنا بأن الخلاف والتشاجر بينهما كانا قبل تجمهر الثائرين عليه في أواسط أيام خلافته قبل وفاته بأعوام وقول أمير المؤمنين له: لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت .

 فيه إيعاز إلى أن إنكاره عليه السلام على الرجل لم يكن قط في الملك، وما كان يرضى بشق عصا المسلمين بالخلاف عليه في أمره، وإنما كان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يك يرى لنفسه بدا من ذلك .

 ولو أمعنت النظر فيما سردناه من ألفاظه الدرية لا نفتح عليك أبواب من رأي الإمام عليه السلام في الخليفة لم نوعز إليها، ويعرب عن رأيه فيه ما مر في ج 8 ص 287 ط 2 من خطبة له عليه السلام خطبها في اليوم الثاني من بيعته من قوله: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان .

 وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال .

 فلو كان الرجل إمام عدل عند الإمام عليه السلام لكان أخذه ورده وقطعه وعطاءه حجة لا يتطرق إليها الرد، ولكن...

1 ـ حديث عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين

1 - قال ابن سعد: لما حصر عثمان كان مروان يقاتل دونه أشد القتال، و أرادت عائشة الحج وعثمان محصور فأتاها مروان وزيد بن ثابت و عبد الرحمن بن عتاب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أنساب البلاذري 5: 104 .

 

/ صفحة 78 /

فقالوا: يا أم المؤمنين ! لو أقمت فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور ومقامك مما يدفع الله به عنه .

 فقالت: قد حلبت ظهري، وعريت غرائري، ولست أقدر على المقام فأعادوا عليها الكلام فأعادت عليهم مثل ما قالت لهم، فقام مروان وهو يقول:

وحــــرق قيـس علي البلا          د حتى إذا استعرت أجذما

فقالت عائشة: أيها المتمثل علي بالأشعار وددت والله إنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وإنكما في البحر، وخرجت إلى مكة وفي لفظ البلاذري: لما اشتد الأمر على عثمان أمر مروان بن الحكم وعبد الرحمن ابن عتاب بن أسيد فأتيا عائشة وهي تريد الحج فقالا لها: لو أقمت فلعل الله يدفع بك عن هذا الرجل .

 فقالت: قد قرنت ركابي وأوجبت على الحج نفسي، ووالله لا أفعل .

 فنهض مروان وصاحبه ومروان يقول:

وحــــرق قيـس علي البلا          د حتى إذا استعرت أجذما

فقالت عائشة: يا مروان ! وودت والله أنه في غرارة (1) من غرائري هذه وأني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر.

2 - مر عبد الله بن عباس بعائشة وقد ولاه عثمان الموسم وهي بمنزل من منازل طريقها فقالت: يا ابن عباس ؟ إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية . أخرجه البلاذري .

وفي لفظ الطبري: خرج ابن عباس فمر بعائشة في الصلصل (2) فقالت: يا ابن عباس ! أنشدك الله فإنك قد أعطيت لسانا إزعيلا أن تخذل عن هذا الرجل وأن تشكك فيه الناس، فقد بانت لهم بصائرهم وانهجت ورفعت لهم المنار وتجلبوا من البلدان لأمر قد جم، وقد رأيت طلحة بن عبد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح، فإن يل يسير بسيرة ابن عمه أبي بكر رضي الله عنه .

 قال: قلت: يا أمه ! لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا .

 فقالت: أيها عنك إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك .

 وحكاه ابن أبي الحديد عن تاريخ الطبري في شرح النهج غير أن فيه:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغرارة بكسر المعجمة: الجوالق .

(2) صلصل بالضم والتكرير: موضع بنواحي المدينة على سبعة أميال منها .

 

/ صفحة 79 /

فقالت يا ابن عباس ! أنشدك الله فإنك قد أعطيت فهما ولسانا عقلا أن لا تخذل الناس عن طلحة فقد بانت لهم بصائرهم في عثمان، واتهجت ورفعت لهم المنابر وتجلبوا من البلدان لأمر عظيم قد حم، وإن طلحة قد اتخذ رجالا على بيوت الأموال، وأخذ مفاتيح الخزائن، وأظنه يسير إنشاء الله بسيرة ابن عمه أبي بكر . الحديث .

 3 - كانت عائشة وأم سلمة حجتا ذلك العام (عام قتل عثمان) وكانت عائشة تؤلب على عثمان فلما بلغها أمره وهي بمكة أمرت بقبتها فضربت في المسجد الحرام وقالت: إني أرى عثمان سيشأم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر . رواه البلاذري .

4 - أخرج عمر بن شبة من طريق عبيد بن عمرو القرشي قال: خرجت عائشة رضي الله عنها وعثمان محصور فقدم عليها مكة رجل يقال له: أخضر، فقالت: ما صنع الناس ؟ فقال: قتل عثمان المصريين .

 قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أيقتل قوما جاؤا يطلبون الحق وينكرون الظلم ؟ والله لا نرضى بهذا .

 ثم قدم آخر فقالت: ما صنع الناس ؟ قال: قتل المصريون عثمان، قالت . العجب لأخضر زعم أن المقتول هو القاتل فكان يضرب به المثل: أكذب من أخضر . وأخرجه الطبري .

5 - مر في الجزء الثامن صفحة 123 ط 2: أن الشهود على الوليد بن عقبة بشربه الخمر استجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال: أما تجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة .

 فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: تركت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب هذا النعل . الحديث فراجع .

 6 - أسلفنا في هذا الجزء صفحة 16 في مواقف عمار: إن عائشة لما بلغها ما صنع عثمان بعمار فغضبت وأخرجت شعرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد ؟ فغضب عثمان غضبا شديد حتى ما درى ما يقول . الحديث .

 وقال أبو الفدا: كانت عائشة تنكر على عثمان مع من ينكر عليه وكانت تخرج قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره وتقول: هذا قميصه وشعره لم يبل وقد بلي دينه .

 7 - وفي كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام كتبه لما قارب البصرة إلى طلحة والزبير و عائشة: وأنت يا عائشة فإنك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمرا كان

 

/ صفحة 80 /

عنك موضوعا، ثم تزعمين أنك تريدين الاصلاح بين المسلمين، فخبريني ما للنساء وقود الجيوش والبروز للرجال، والوقوع بين أهل القبلة وسفك الدماء المحرمة ؟ ثم أنك طلبت على زعمك دم عثمان وما أنت وذاك ؟ عثمان رجل من بني أمية وأنت من تيم، ثم بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر، ثم تطلبين اليوم بدمه ؟ فاتقي الله وارجعي إلى بيتك، واسبلي عليك سترك، والسلام.

 8 - أخرج الطبري وابن قتيبة: إن غلاما من جهينة أقبل على محمد بن طلحة (يوم الجمل) وكان محمد رجلا عابدا فقال: أخبرني عن قتلة عثمان فقال: نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث: ثلت على صاحبة الهودج يعني عائشة، وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني طلحة، وثلث على علي بن أبي طالب . وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال ولحق بعلي وقال: في ذلك شعراً:

سألت ابن طلحة عن هـالك          بجـــوف المدينة لم يقبر ؟

فقــــــال: ثــــــلاثة رهط هم          أماتوا ابن عفان واستعبر

فثــــلث على تلك في خدرها          وثـــلث على راكب الأحمر

وثـــلث عــلى بن أبي طالب          ونحــــــن بــــــدوية قـــرقر

فقلت: صدقت على الأولين          وأخـطأت في الثالث الأزهر

9 - أخرج الطبري من طريقين: إن عائشة رضي الله عنها لما انتهت إلى سرف (1) راجعه في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه فقالت له: مهيم ؟ قال: قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانيا .

 قالت: ثم صنعوا ماذا ؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على علي بن أبي طالب . فقالت: والله ليت إن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني . فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما، والله لأطلبن بدمه . فقال لها ابن أم كلاب: ولم ؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر (2) . قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سرف بالفتح ثم الكسر: موضع على ستة أميال من مكة .

(2) في لفظ ابن قتيبة: فجر .

 

/ صفحة 81 /

قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول. فقال لها ابن أم كلاب (1).

منك البداء ومنــــــك الغـــير          ومنـك الرياح ومنك المطر

وأنــــــت أمــرت بقتل الإمام          وقلــــــت لنـــــا: إنه قد كفر

فهبــــــنا أطعـــــناك في قتله          وقــــــاتلـــــه عندنا من أمر

ولم يسقط السقف من فوقنا          ولـم ينكسف شمسنا والقمر

وقــــــد بايــع الناس ذا تدرإ          يــــــزيل الشـبا ويقيم الصعر

ويلبــــــس للحـــرب أثوابها          وما من وفى مثل من قد غدر

فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت واجتمع إليها الناس فقالت: يا أيها الناس ! إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما ووالله لأطلبن بدمه .

10 - قال أبو عمر صاحب الاستيعاب: إن الأحنف بن قيس كان عاقلا حليما ذا دين وذكاء وفصاحة ودهاء، لما قدمت عائشة البصرة أرسلت إلى الأحنف بن قيس فأبى أن يأتيها ثم أرسلت إليه فأتاها فقالت: ويحك يا أحنف ! بم تعتذر إلى الله من ترك جهاد قتلة أمير المؤمنين ! عثمان رضي الله عنه ؟ أمن قلة عدد ؟ أو أنك لا تطاع في العشيرة ؟ قال: يا أم المؤمنين ! ما كبرت السن ولا طال العهد وإن عهدي بك عام أول تقولين فيه وتنالين فيه .

 قالت: ويحك يا أحنف ! إنهم ماصوه موص الإناء ثم قتلوه .

 قال: يا أم المؤمنين ! إني آخذ بأمرك وأنت راضية، وأدعه وأنت ساخطة .

 11 - أخرج ابن عساكر من طريق أبي مسلم أنه قال لأهل الشام وهم ينالون من عائشة في شأن عثمان، يا أهل الشام ! أضرب لكم مثلكم ومثل أمكم هذه: مثلها و مثلكم كمثل العين في الرأس تؤذي صاحبها ولا يستطيع أن يعاقبها إلا بالذي هو خير لها .

 12 - قال ابن أبي الحديد: قال كل من صنف في السير والأخبار: إن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يبل و عثمان قد أبلى سنته .

 قالوا: أول من سمى عثمان نعثلا عائشة، وكانت تقول: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) في لفظ ابن قتيبة: عذر والله ضعيف، يا أم المؤمنين. ثم ذكر الأبيات.

 

/ صفحة 82 /

13 - روى المدائني في كتاب الجمل قال: لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة وبلغ قتله إليها وهي بشراف فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر وقالت: بعدا لنعثل وسحقا، إيه ذا الإصبع ! ايه أبا شبل ! ايه يا ابن عم ! لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع له، حثوا الإبل ودعدعوها .

 قال: قد كان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره ثم فسد أمره فدفعها إلى علي بن أبي طالب .

 14 - قال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه: إن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول: إيه ذا الإصبع لله أبوك، أما إنهم وجدوا طلحة لها كفوا، فلما انتهت إلى شراف (1) استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له: ما عندك ؟ قال: قتل عثمان .

 قالت: ثم ماذا ؟ قال: ثم حارت بهم الأمور إلى خير محار، بايعوا عليا .

 فقالت: لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن ثم هذا، ويحك انظر ماذا تقول .

 قال: هو ما قلت لك يا أم المؤمنين ! فولولت .

 فقال لها: ما شأنك يا أم المؤمنين ؟ والله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحق، ولا أرى له نظيرا في جميع حالاته، فلماذا تكرهين ولايته ؟ قال: فما ردت عليه جوابا .

 وقد روي من طرق مختلفة: أن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة قالت: أبعده الله، ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد .

 15 - قال: وقد روى قيس بن أبي حازم: إنه حج في العام الذي قتل فيه عثمان وكان مع عائشة لما بلغها قتله فتحمل إلى المدينة قال: فسمعها تقول في بعض الطريق إيه ذا الإصبع . وإذا ذكرت عثمان قالت: أبعده الله . حتى أتاها خبر بيعة علي فقالت: لوددت أن هذه وقعت على هذه .

 ثم أمرت برد ركائبها إلى مكة فرددت معها ورأيتها في سيرها إلى مكة تخاطب نفسها كأنها تخاطب أحدا: قتلوا ابن عفان مظلوما .

 فقلت لها: يا أم المؤمنين ! ألم أسمعك آنفا تقولين أبعده الله ؟ وقد رأيتك قبل أشد الناس عليه وأقبحهم فيه قولا، فقالت: لقد كان ذلك ولكني نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى إذا تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه .

 16 - قال: وروي من طرق أخرى: أنها قالت لما بلغها قتله: أبعده الله قتله ذنبه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع صفحة 236 من الجزء الثامن، وص 80 من هذا الجزء .

 

/ صفحة 83 /

وأقاده الله بعمله، يا معشر قريش ! لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه، إن أحق الناس بهذا الأمر ذو الإصبع .

 فلما جاءت الأخبار ببيعة علي عليه السلام قالت: تعسوا لا يردون الأمر في تيم أبدا .

 كتب طلحة والزبير إلى عائشة وهي بمكة كتبا أن خذلي الناس عن بيعة علي، وأظهري الطلب بدم عثمان .

 وحملا الكتب مع ابن أختها عبد الله بن الزبير، فلما قرأت الكتب كاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان، وكانت أم سلمة رضي الله عنها بمكة في ذلك العام فلما رأت صنع عائشة قابلتها بنقيض ذلك وأظهرت موالاة علي عليه السلام ونصرته على مقتضى العداوة المركوزة في طباع الضرتين .

 17 - قال أبو محنف: جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها: يا بنت أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم لنا من بيتك، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك .

 فقالت أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة ؟ فقالت عائشة: إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا .

 قالت: أنا أم سلمة، إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول، وما كان إسمه عندك إلا نعثلا، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . الحديث (1) .

 18 - روى ابن عبد ربه عن العتبي قال: قال رجل من بني ليث: لقيت الزبير قادما فقلت: يا أبا عبد الله ما بالك ؟ قال: مطلوب مغلوب يغلبني إبني ويطلبني ذنبي، قال: فقدمت المدينة فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت: أبا إسحاق ! من قتل عثمان ؟ قال: قتله سيف سلته عائشة، شحذه طلحة، وسمه علي .

 قلت: فما حال الزبير ؟ قال: أشار بيده وصمت بلسانه .

 وفي الإمامة والسياسة: كتب عمرو بن العاص إلى سعد بن أبي وقاص يسأله عن قتل عثمان ومن قتله ومن تولى كبره، فكتب إليه سعد: إنك سألتني من قتل عثمان، وإني أخبرك إنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة، وسمه ابن أبي طالب، و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) فيه فوائد جمة لا تفوت الباحث وعليه به .

 

/ صفحة 84 /

سكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعنا عنه، ولكن عثمان غير وتغير وأحسن وأساء، فإن كنا أحسنا فقد أحسنا، وإن كنا أسأنا ؟ فنستغفر الله، وأخبرك أن الزبير مغلوب بغلبة أهله وبطلبه بذنبه، وطلحة لو يجد أن يشق بطنه من حب الإمارة لشقه .

 19 - وقال ابن عبد ربه: دخل المغيرة بن شعبة على عائشة فقالت: يا أبا عبد الله ! لو رأيتني يوم الجمل قد انفذت النصل هودجي حتى وصل بعضها إلى جلدي . قال لها المغيرة: وددت والله إن بعضها كان قتلك . قالت: يرحمك الله ولم تقول هذا ؟ قال لعلها تكون كفارة في سعيك على عثمان .

 قالت: أما والله لئن قلت ذلك لما علم الله إني أردت قتله، ولكن علم الله إني أردت أن يقاتل فقوتلت، وأردت أن يرمى فرميت، وأردت أن يعصى فعصيت، ولو علم مني أني أردت قتله لقتلت .

 20 - وروى ابن عبد ربه عن أبي سعيد الخدري قال: إن ناسا كانوا عند فسطاط عائشة وأنا معهم بمكة فمر بنا عثمان فما بقي أحد من القوم إلا لعنه غيري فكان فيهم رجل من أهل الكوفة فكان عثمان على الكوفة أجرأ منه على غيره فقال: يا كوفي ! أتشتمني ؟ فلما قدم المدينة كان يتهدده قال: فقيل له: عليك بطلحة، قال: فانطلق معه حتى دخل على عثمان فقال عثمان: والله لأجلدنه مائة سوط . قال طلحة: والله لا تجلده مائة إلا أن يكون زانيا . قال: والله لأحرمنه عطاءه . قال: الله يرزقه .

 21 - قال ابن الأثير والفيروز آبادي وابن منظور والزبيدي: النعثل الشيخ الأحمق ونعثل يهودي كان بالمدينة .

 قيل شبه به عثمان رضي الله عنه كما في التبصير، ونعثل رجل من أهل مصر كان طويل اللحية، قال أبو عبيد: كان يشبه عثمان، وشاتموا عثمان يسمونه نعثلا، وفي حديث عثمان إنه كان يخطب ذات يوم فقام رجل فنال منه فوذأه ابن سلام فاتذأ فقال له رجل: لا يمنعنك مكان ابن سلام أن تسب نعثلا فإنه من شيعته، وكان أعداء عثمان يسمونه نعثلا، وفي حديث عائشة: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا .

 تعني عثمان، وكان هذا منها لما غاضبته وذهبت إلى مكة، وفي حياة الحيوان: النعثل كجعفر: الذكر من الضباع وكان أعداء عثمان يسمونه نعثلا .

 22 - روى البلاذري في الأنساب قال: خرجت عائشة رضي الله تعالى عنه باكية

/ صفحة 85 /

تقول: قتل عثمان رحمه الله .

 فقال لها عمار بن ياسر: أنت بالأمس تحرضين عليه ثم أنت اليوم تبكينه .

 راجع طبقات ابن سعد 5: 25 ط ليدن، أنساب البلاذري 5: 70، 75، 91، الإمامة والسياسة 1: 43، 46، 57، تاريخ الطبري 5: 140، 166، 172، 176، العقد الفريد 2: 267، 272، تاريخ ابن عساكر 7: 319، الاستيعاب ترجمة الأحنف صخر بن قيس، تاريخ أبي الفدا ج 1: 172، شرح ابن أبي الحديد 2: 77، 506، تذكرة السبط ص 38، 40، نهاية ابن الأثير 4: 166، أسد الغابة 3: 15: الكامل لابن الأثير 3: 87، القاموس 4: 59، حياة الحيوان 2: 359، السيرة الحلبية 3: 314، لسان العرب 14: 193، تاج العروس 8: 141 .

 قال الأميني: هذه الروايات تعطينا درسا ضافيا بنظرية عائشة في عثمان وإنها لم تكن ترى له جدارة تسنم ذلك العرش، وبالغت في ذلك حتى ودت إزالته عن مستوى الوجود .

 فأحبت له أن يلقى في البحر وبرجله رحى تجره إلى أعماقه، أو أنه يجعل في غرارة من غرائرها وتشد عليه الحبال فيقذف في عباب اليم فيرسب فيه من غير خروج، أو أن يودي به حراب المتجمهرين عليه فتكسح عن الملأ معرة أحدوثاته، ولذلك كانت تثير الناس عليه بإخراج شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثوبه ونعله، ولم تبرح تؤلب الملأ الديني عليه وتحثهم على مقته وتخذلهم عن نصرته في حضرها سفرها، وإنها لم تعدل عن تلكم النظرية حتى بعد ما أجهز على عثمان إلا لما علمت من انفلات الأمر عن طلحة الذي كانت عائشة تتهالك دون تأميره وتضمر تقديمه منذ كانت ترهج النقع على عثمان، وتهيج الأمة على قتله، فكانت تروم أن تعيد الإمرة تيمية مرة أخرى، و لعلها حجت لبث هاتيك الدعاية في طريقها وعند مجتمع الحجيج بمكة، فكان يسمع منها قولها في طلحة: إيه ذا الإصبع ! إيه أبا شبل ! إيه يا ابن عم لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع له، وقولها: إيه ذا الإصبع ! لله أبوك، أما إنهم وجدوا طلحة لها كفوا .

 وقولها في عثمان: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر وقولها لابن عباس: إياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية، وقولها بمكة: بعدا لنعثل وسحقا، وقولها لما بلغها قتله: أبعده الله، ذلك ما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد .

 

/ صفحة 86 /

لكنها لما علمت أن خلافة الله الكبرى عادت علوية واستقرت في مقرها الجدير بها - ولم يكن لها مع أمير المؤمنين عليه السلام هوى - قلبت عليها ظهر المجن، فطفقت تقول: لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا، وأظهرت الأسف على قتل عثمان ورجعت إلى مكة بعد ما خرجت منها، ونهضت ثائرة تطلب بدم عثمان لعلها تجلب الإمرة إلى طلحة من هذا الطريق، وإلا فما هي من أولياء ذلك الدم، وقد وضع عنها قود العساكر ومباشرة الحروب، لأنها امرأة خلقها الله لخدرها، وقد نهيت كبقية نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة عن التبرج، وقد أنذرها رسول الله صلى الله عليه وآله وحذرها عن خصوص واقعة الجمل، غير أنها أعرضت عن ذلك كله لما ترجح في نظرها من لزوم تأييد أمر طلحة، وتصاممت عن نبح كلاب الحوأب، وقد ذكره لها الصادق الأمين عند الانذار والتحذير، ولم تزل يقودها الأمل حتى قتل طلحة فألمت بها الخيبة، وغلب أمر الله وهي كارهة .

 3 - حديث عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرة، شيخ الشورى، بدري:

 1 - أخرج البلاذري عن سعد قال: لما توفي أبو ذر بالزبدة تذاكر علي و عبد الرحمن بن عوف فعل عثمان فقال علي: هذا عملك .

 فقال عبد الرحمن: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي، إنه قد خالف ما أعطاني .

 2 - قال أبو الفدا: لما أحدث عثمان رضي الله عنه ما أحدث من توليته الأمصار للأحداث من أقاربه روي أنه قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كله فعلك .

 فقال: ما كنت أظن هذا به، لكن لله علي أن لا أكلمه أبدا، ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان رضي الله عنهما، ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه .

 3 - روى البلاذري من طريق عثمان بن الشريد قال: ذكر عثمان عند عبد الرحمن ابن عوف في مرضه الذي مات فيه فقال عبد الرحمن: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه فبلغ ذلك عثمان فبعث إلى بئر كان يسقى منها نعم عبد الرحمن بن عوف فمنعه إياها فقال عبد الرحمن: اللهم اجعل ماءها غورا .

 فما وجدت فيها قطرة .

 4 - عن عبد الله بن ثعلبة قال: إن عبد الرحمن بن عوف كان حلف ألا يكلم عثمان أبدا .

 

/ صفحة 87 /

5 - عن سعد قال: إن عبد الرحمن أوصى أن لا يصلي عليه عثمان، فصلى عليه الزبير أو سعد بن أبي وقاص، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين .

 6 - قال ابن عبد ربه: لما أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلة من أصحاب محمد قيل لعبد الرحمن: هذا عملك . قال: ما ظننت هذا .

 ثم مضى ودخل عليه وعاتبه وقال: إنما قدمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين .

 فقال: إن عمر كان يقطع قرابته في الله و أنا أصل قرابتي في الله .

 قال عبد الرحمن: لله علي أن لا أكلمك أبدا .

 فلم يكلمه أبدا حتى مات وهو مهاجر لعثمان، ودخل له عثمان عائدا له في مرضه فتحول عنه إلى الحائط ولم يكلمه .

 راجع أنساب البلاذري 5: 57، العقد الفريد 2: 258، 261، 272، تاريخ أبي الفدا ج 1: 166 .

 7 - أخرج الطبري من طريق المسور بن المخرمة قال: قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأرسل إلى المسور بن المخرمة وإلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها فقسمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار .

 تاريخ الطبري 5: 113، الكامل لابن الأثير 3: 70، شرح ابن أبي الحديد 1: 165 .

 8 - قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل: استجيبت دعوة علي عليه السلام في عثمان وعبد الرحمن فما ماتا إلا متهاجرين متعاديين، أرسل عبد الرحمن إلى عثمان يعاتبه (إلى أن قال): لما بنى عثمان قصره طمار الزوراء وصنع طعاما كثيرا ودعا الناس إليه كان فيهم عبد الرحمن فلما نظر إلى البناء والطعام قال: يا ابن عفان ! لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك، وإني أستعيذ بالله من بيعتك، فغضب عثمان وقال: أخرجه عني يا غلام ! فأخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه، فلم يكن يأتيه أحد إلا ابن عباس كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض، ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وكلمه فلم يكلمه حتى مات .

 شرح ابن أبي الحديد 1: 65، 66 .

 

/ صفحة 88 /

قول العسكري: استجيبت دعوة علي .

 إشارة إلى ما ورد من قوله عليه السلام يوم الشورى لعبد الرحمن بن عوف: والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه دق الله بينكما عطر منشم (1) .

 ومنشم امرأة عطارة من حمير، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثر القتلى فيما بينهم، فكان يقال: أشأم من عطر منشم فصار مثلا .

 وقول عبد الرحمن: لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك .

 إيعاز إلى قول مولانا أمير المؤمنين يوم الشورى أيضا: أما إني أعلم أنهم سيولون عثمان، وليحدثن البدع و الأحداث، ولئن بقي لأذكرنك، وإن قتل أو مات ليتداولونها بنو أمية بينهم، وإن كنت حيا لتجدني حيث تكرهون(2).

 قال الشيخ محمد عبدة في شرح نهج البلاغة 1: 35: لما حدث في عهد عثمان ما حدث من قيام الأحداث من أقاربه على ولاية الأمصار، ووجد عليه كبار الصحابة روي إنه قيل لعبد الرحمن: هذا عمل يديك .

 فقال: ما كنت أظن هذا به ولكن لله علي أن لا أكلمه أبدا، ثم مات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان، حتى قيل: أن عثمان دخل عليه في مرضه يعوده فتحول إلى الحائط لا يكلمه، والله أعلم والحكم لله يفعل ما يشاء .

 وقال ابن قتيبة في المعارف ص 239: كان عثمان بن عفان مهاجرا لعبد الرحمن ابن عوف حتى ماتا .

 قال الأميني، لا بد أن يسائل هؤلاء عن أشياء فيقال لهم: إن سيرة الشيخين التي بويع عثمان عليها هل كانت تطابق سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو تخالفها ؟ وعلى الأول فشرطها مستدرك، ولا شرط للخلافة إلا مطابقة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولا نقمة على تاركها إلا بترك السنة لا السيرة، فذكرها إلى جانب السنة الشريفة كضم اللا حجة إلى الحجة، أو كوضع الحجر إلى جنب الانسان، وعلى الثاني فإن من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) شرح ابن أبي الحديد 1: 63 .

 (2) شرح ابن أبي الحديد 1: 64 .

 

/ صفحة 89 /

الواجب على كل مسلم مخالفتها بعد فرض إيمانه بالله وبكتابه ورسوله واليوم الآخر، فكان من حق المقام أن ينكروا على عثمان مخالفة السنة فحسب .

 ولهذا لم يقبل مولانا أمير المؤمنين لما ألقى إليه عبد الرحمن أمر البيعة على الشرط المذكور إلا مطابقة أمره للسنة والاجتهاد فيها (1) .

 وليت شعري إنه لما شرط ابن عوف على عثمان ذلك هل كان يعلم بما قلناه من الموافقة أو المخالفة أو لا ؟ وعلى فرض علمه يتوجه عليه ما سطرناه على كل من الفرضين، وعلى تقدير عدم علمه وهو أبعد شئ، يفرض فكيف شرط عليه ما لا يعلم حقيقته، وكيف يناط أمر الدين وزعامته الكبرى بحقيقة مجهولة ؟ وما الفائدة في اشتراطه ؟ .

 وللباقلاني في التمهيد ص 210 في بيان هذا الشرط وجه نجل عنه ساحة كل متعلم فاهم فضلا عن عالم مثله .

 ثم نأتي إلى عثمان فنحاسبه على قبوله لأول وهلة، هل كل يعلم شيئا مما قدمناه من النسبة بين السنة والسيرة أولا ؟ فهلا شرط الأمر على تقدير الموافقة ؟ ورفضه على فرض المخافة ؟ وإن كان لا يعلم فكيف قبل شرطا لا يدري ما هو ؟ ثم هل كان يعلم يومئذ أنه يطيق على ذلك أو لا ؟ أو كان يعلم أنه لا يطيقه ؟ وعلى الأخير فكيف قبل ما لا يطيقه ؟ وعلى الثاني كيف أقدم على الخطر فيما لا يعلم أنه يتسنى له أن ينوء به ؟ وعلى الأول فلما ذا خالف ما أشترط عليه وقبله ووجدت البيعة عليه ؟ وحصل القبول والرضا من الأمة به ؟ ثم جاء يعتذر لما أخذه ابن عوف بمخالفته إياها بأنه لا يطيق ذلك فقال فيما أخرجه أحمد في مسنده 1: 68 من طريق شقيق: وأما قوله: ولم أترك سنة عمر ؟ فإني لا أطيقها ولا هو .

 وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 206 .

 وكيفما أجيب عن هذه المسائل فعبرتنا الآن بنظرية عبد الرحمن بن عوف الأخيرة في الخليفة، وهي من أوضح الحقايق لمن استشف ما ذكرناه من قوله له: إني أستعيذ بالله من بيعتك .

 وقوله لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مسند أحمد 1: 75، تاريخ الطبري 5: 40، تمهيد الباقلاني ص 209، تاريخ ابن كثير 7: 146 .

 

/ صفحة 90 /

سيفي .. إلخ . مستحلا قتاله، وقوله: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه . وقد بالغ في الإنكار عليه ورأيه في سقوطه أنه لم يره أهلا للصلاة عليه وأوصى بذلك عند وفاته فصلى عليه الزبير، وهجره وحلف أن لا يكلمه أبدا حتى أنه حول وجهه إلى الحائط لما جاء عائدا، وإنه كان لا يرى لتصرفاته نفوذا ولذلك لما بلغه إعطاء عثمان إبل الصدقة لبعض بني الحكم أرسل إليها المسور بن المخرمة وعبد الرحمن بن الأسود فأخذها فقسمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار، ولهذه كلها كان يراه عثمان منافقا و يقذفه بالنفاق كما ذكره ابن حجر في الصواعق ص 68 وأجاب عنه متسالما عليه بأنه كان متوحشا منه لأنه كان يجيئه كثيرا . إقرأ واضحك . وذكره الحلبي في السيرة 2: 87 فقال: أجاب عنه ابن حجر ولم يذكر الجواب لعلمه بأنه أضحوكة .

 ونسائل القوم بصورة أخرى مع قطع النظر عن جميع ما قلناه: إن ما اشترط على عثمان وعقد عليه أمره هل كان واجب الوفاء ؟ أو كان لعثمان منتدح عنه بتركه ؟ وعلى الأول فما وجه مخالفة الخليفة له ؟ ولماذا لم يقبله مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وهو عيبة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعارف بأحكامه وسننه وبصلاح الأمة منذ بدء أمرها إلى منصرمه، وهل يخلع الخليفة في صورة المخالفة ؟ فلما ذا كان عثمان لا يروقه التنازل عن أمره لما أرادت الصحابة خلعه للمخالفة ؟ أو أنه لا يخلع ؟ فلماذا تجمهروا عليه فخلعوه وقتلوه ؟ وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العدول كلهم في نظر القوم، وإن كان لا يجب الوفاء به ؟ فلماذا لم يبايعوا أمير المؤمنين عليه السلام لما جاء بعدم الالتزام بما لا يجب الوفاء به ؟ وما معنى اعتذار عبد الرحمن بن عوف في تقديمه عثمان على أمير المؤمنين عليه السلام بأنه قبل متابعة سيرة الشيخين ولم يقبلها علي عليه السلام ؟ ولماذا ألزموا عثمان به ؟ ولماذا التزم به عثمان ؟ ولماذا تمت البيعة عليه ؟ ولماذا تجمهروا عليه لما شاهدوا منه المخالفة ؟ .

وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون

فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون