عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

إسلام أم أبي بكر

 

ليس إسلام أم الخير أم أبي بكر إلا كإسلام أبيه أبي قحافة، لا يدعم بدليل و لا تقومه البرهنة .

 أخرج الحافظ أبو الحسن خيثمة بن سليمان الأطرابلسي قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري قاضي المصيصة، حدثنا أبو بكر عبد الله بن عبيد الله بن إسحاق بن محمد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عبيد الله، حدثني عبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: حدثني أبي محمد بن عمران عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما اجتمع أصحاب النبي وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال: يا أبا بكر إنا قليل.

 فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا ، ووطئ أبو بكر وضرب ضربا شديدا ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرفهما لوجهه، وأثر ذلك حتى ما يعرف أنفه من وجهه، وجاءت بنو تيم تتعادى فأجلوا المشركين عن أبي بكر وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه بيته ولا يشكون في موته، ورجع بني تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة و رجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجابهم فتكلم آخر .

 النهار: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه ثم قاموا وقالوا لأم الخير بنت صخر: انظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه، فلما خلت به وألحت جعل يقول : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: والله ما أعلم بصاحبك.

 قال: فاذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه فخرجت حتى جاءت إلى أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله.

 قالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن تحبي أن أمضي معك إلى ابنك فعلت: قالت: نعم فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا فدنت منه أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت: إن قوما نالوا منك هذا لأهل فسق وإني لأرجو أن ينتقم الله لك قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: هذه أمك تسمع

 

/ صفحة 323 /

قال: فلا عين عليك منها قالت: سالم صالح.

 قال فأنى هو ؟ قالت في دار الأرقم قال: فإن لله علي آليت أن لا أذوق طعاما ولا شرابا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمهلتاه حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى دخلتا على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فانكب عليه فقبله وانكب عليه المسلمون ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقه شديدة فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي ، هذه أمي برة بوالديها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله عز وجل لها عسى أن يستنقذها بك من النار.

 فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت(1) .

قال الأميني: تفرد بهذا الحديث عبيد الله بن محمد العمري، رماه النسائي بالكذب، وحكاه عنه الذهبي وابن حجر(2) وقال الدارقطني في حديث آخر تفرد به العمري أيضا: ليس بصحيح تفرد به العمري وكان ضعيفا .

 وبقية رجال السند كلهم تيميون فيهم عبد الله وعبيد الله من أولاد طلحة بن عبيد الله مجهولان لا يعرفان.

 وعبد الله ومحمد بن عمران من أولاد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، أو: من أولاد طلحة بن عبيد الله أيضا وهما مجهولان كسابقيهما على أن أبا بكر لا يعد من المعذبين في الاسلام، ولو كان له هذا الموقف في ذلك اليوم العصبصب وكانت على النبأ مسحة من الصحة لكان يذكر في صفحة كل تاريخ، ولم يكن يهمله أي مؤرخ، أمن المعقول أن يحفظ التاريخ في طياته تعذيب الموالي ولم يكن في صفحته ذكر عن مثل هذا الموقف لمثل أبي بكر : ثم لو لم يكن الحفاظ عدوا هذه الرواية من موضوعات عبيد الله العمري وكان عندهم ثقة برجالها ولو بالعلاج ولو بقيل قائل لما أعرضوا عنها في تلكم القرون الخالية كلها، وكان يتلقاها حافظ عن حافظ وإمام عن إمام ولم تكن تخص روايتها بالمحب الطبري وابن كثير المتخصصين لذكر الموضوعات والأحاديث المفتعلة أو من يحذو حذوهما.

 وفي نفس الرواية ما يكذبها من شتى النواحي : 1 - إن عائشة ولدت في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة(3) والقضية على تسليم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الرياض النضرة 1: 46، تاريخ ابن كثير 3: 30 .

 (2) ميزان الاعتدال 2: 180، لسان الميزان 4: 112 .

 (3) طرح التثريب 1: 147، الإصابة 4: 359.

 

/ صفحة 324 /

قبولها قد وقعت في السادسة من البعثة فأين كانت عائشة يوم ذاك ؟ أشاهدت موقف أبيها وهي على ثدي أمها بنت سنة أو سنتين ؟ لماذا لم يرو ذلك عن أبيها أو عن أمها أو عن أم جميل ؟ لعل الرواية من ولائد القرون المتأخرة عنهم، ولدتها أم الفضائل بعد قضاء الدهر على حياة من خلقت لأجله .

 2 - إن في لفظ الرواية: لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية و وثلاثين رجلا.

 فعلى هذا لم يكن أبو بكر يوم ذاك مسلما أخذا بقول النبي صلى الله عليه وآله صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا(1) وما مرت من الصحيحة عن أمير المؤمنين عليه السلام لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الناس بسبع سنين(2) وما أسلفنا من صحيحة الطبري: إن أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا(3) .

 3 - في الرواية: ألح أبو بكر على رسول الله في الظهور فقال: يا أبا بكر ! إنا قليل فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلخ.

 يكذبه ما في السير من أن رسول الله صلى الله عليه وآله أظهر الدعوة قبل ذلك اليوم بثلاث سنين .

 وروى ابن سعد وابن هشام والطبري وغيرهم: إن الله عز وجل أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه فقال له: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين(4) وكان قبل ذلك في السنين الثلاث من مبعثه إلى أن أمر بإظهار الدعوة إلى الله مستسرا مخفيا أمره صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه : وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين، فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون(سورة الشعراء 214 - 17)(5) .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الجزء الثالث ص 220 ط 2 .

(2) راجع الجزء الثالث ص 221 ط 2 .

(3) تاريخ الطبري 2: 215 .

(4) سورة الحجر آية 94 .

(5) تاريخ الطبري 2: 216، طبقات ابن سعد 1: 183، سيرة ابن هشام 1: 274 . الكامل 2: 23، تفسير القرطبي 10: 62، عيون الأثر لابن سيد الناس 1: 99، تاريخ أبي الفدا ج 1: 116، تفسير ابن كثير 2: 559، تفسير الخازن 3: 109، تفسير الشوكاني 3: 139.

 

/ صفحة 325 /

فإظهار النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوته كان بأمر من المولى سبحانه من دون سبق أي إلحاح من أي أحد عليه من أبي بكر أو غيره سواء كان أسلم أبو بكر يوم ذاك أولم يسلم .

 على أن أبا بكر عد ممن كان يدعو سرا بعد ذلك اليوم بعد ظهور الدعوة من المسلمين فأين مقيل إلحاحه على رسول الله في الظهور من الصحة يوم ذاك ؟ قال ابن سعد في طبقاته 1: 185: كان أبو بكر يدعو ناحية سرا، وكان سعد بن زيد مثل ذلك ، وكان عثمان مثل ذلك، وكان عمر يدعو علانية وحمزة بن عبد المطلب فإسرار أبي بكر في الدعوة يوم إعلان عمر كان بعد ذلك اليوم، إذ أسلم عمر بعد خروج المهاجرين إلى أرض الحبشة.

 بعد أربعين رجلا(1) وقد مر في الرواية أن القضية وقعت والمسلمون ثمان وثلاثون نسمة .

 وذكر الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 259 حديثين في إسلام أم أبي بكر أحدهما عن ابن عباس قال أسلمت أم أبي بكر وأم عثمان وأم طلحة وأم الزبير وأم عبد الرحمن بن عوف وأم عمار فقال : فيه: خازم بن الحسين وهو ضعيف.

 وقال الذهبي في الميزان 1: 315: قال ابن معين: خازم ليس بشئ.

 وقال أبو داود: روى مناكير وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه .

 والحديث الثاني للهيثمي عن طريق الهيثم بن عدي قال: هلك أبو بكر فورثاه أبواه جميعا وكانا أسلما.

 ثم قال: إسناده منقطع .

 قال الأميني: كأن الحافظ الهيثمي يوهم بكلمته الأخيرة أن علة الحديث هي انقطاعه فحسب ولم يذكر بقية رجاله حتى تقف عليها نظارة التنقيب غير أن في ذكر الهيثم بن عدي الكذاب كفاية. قال البخاري: ليس بثقة كان يكذب. وقال أبو داود : كذاب. وقال النسائي وغيره متروك الحديث. وقالت جارية الهيثم: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي فإذا أصبح جلس يكذب، وقال النسائي أيضا: منكر الحديث و ذكر حديثا وعده من افتراء الهيثم على هشام بن عروة. وقال أبو حاتم، متروك الحديث وقال أبو زرعة: ليس بشئ. وقال العجلي: كذاب وقد رأيته وقال الساجي: سكن

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاستيعاب هامش الإصابة 2: 459، تأريخ ابن كثير 3: 31 .

 

/ صفحة 326 /

مكة وكان يكذب. وقال إمام الحنابلة أحمد: كان صاحب أخبار وتدليس. وقال الحاكم النقاش: حدث عن الثقات بأحاديث منكرة. وعد البيهقي والنقاش والجوزجاني الحديث من الموضوعات لكون الهيثم فيه. وقال أبو نعيم: يوجد في حديثه المناكير(1) .

 فإسلام أم أبي بكر كإسلام والده أبي قحافة قط لا يثبت.

 والذي ذكر إسلامهما من المؤرخين كابن كثير والديار بكري والحلبي وغيرهم لا يعول على قولهم بعد ما عرفت الحال في مستند أقوالهم، فلا قيمة للدعوى المجردة والتقول بلا دليل .

 ويعرب عن جلية الحال بقاء أم الخير " أم أبي بكر " في حبالة أبي قحافة في مكة، وقد أسلمت هي على قول من يقول بإسلامها في السادسة من البعثة وأسلم أبو قحافة في الثامن من الهجرة سنة الفتح كما سمعت فتخللت بين إسلامهما ثلاثة عشر عاما، فبأي كتاب أم بأية سنة بقيت تلك المسلمة أم مثل أبي بكر تلك السنين المتطاولة في نكاح أبي قحافة الذي لم يسلم بعد ؟ وما الذي جمع بينهما ؟ والفراق بينهما كان أول شعار الإسلامية.

 فأين إسلامها ؟ وبماذا يثبت والحال هذه ؟

 

*(أبو بكر وأبواه في القرآن) *

لعبت أيدي الهوى بكتاب الله، وحرفت الكلم عن مواضعها، وجاء من يؤلف في التفسير وقد أعماه الحب وأصمه يخبط خبط عشواء، فتراه كحاطب ليل يروي في كتابه أساطير السلف الأولين من الوضاعين مرسلا إياها إرسال المسلم من دون أي تحقيق وتثبت وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ومع ذلك يرون أنفسهم أئمة وقادة في علم القرآن العزيز.

 حتى يرون أن قوله تعالى في الأحقاف 15: ووصينا الانسان بوالديه حسنا ، حملته أمه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا، حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين .

 نزلت في أبي بكر .

 ويروون عن علي أمير المؤمنين وابن عباس أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا، حملته أمة تسعة أشهر وأرضعته إحدى وعشرين

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ميزان الاعتدال 3: 265، لسان الميزان 6: 209، الغدير 5: 270 ط 2.

 

/ صفحة 327 /

شهرا، أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه وغيره.

 فأوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده.

 فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة صدق أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية وثلاثين سنة فلما بلغ أربعين سنة قال: رب أوزعني أن اشكر نعمتك أنعمت علي وعلى والدي، واستجاب الله له فأسلم والداه وأولاده كلهم .

 الكشاف 3: 99، تفسير القرطبي 16: 193، 194، الرياض النضرة 1: 47، مرقاة الوصول ص 121، تفسير الخازن 4: 132، تفسير النسفي هامش الخازن 4 : 132، تفسير الشوكاني 5: 18 .

 ألا مسائل هؤلاء الأعلام المغفلين عن أن كون مدة الحمل والفصال ثلاثين شهرا هل يخص بأبي بكر فحسب حتى يخص بالذكر ؟ أم هو مطرد في خلق الله، إما بكون مدة الحمل ستة أشهر ومدة لإرضاع حولين كاملين، وإما بكون الحمل تسعة أشهر والارضاع واحدا وعشرين شهرا ؟ وإن الحري بالذكر هو الأول شذوذه عن العادة المطردة .

 ثم إن كان هذا من خاصة أبي بكر وحكاية لحمله وفصاله فكيف يصح لمولانا أمير المؤمنين وابن عباس الاستدلال بالآية مع ما في سورة لقمان على كون أقل الحمل ستة أشهر كما مر في الجزء السادس ص 93 - 95 ط 2 فالآية الكريمة لا تبين إلا ما هو السائر الدائر بين البشر بأحد الوجهين المذكورين وبهذا يتم الاستدلال.

 وفيه قال ابن كثير في تفسيره 4: 157: وهو استنباط قوي صحيح ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم.

 وابن كثير مع إكثاره بنقل الموضوعات لم يوعز إلى نزول الآية في أبي بكر لما يرى في نقله من الفضيحة على نفسه .

 ثم إن في نص الآية: إن ذلك الانسان قال ما قاله وقد بلغ أشده وبلغ من عمره أربعين عاما.

 وأبو بكر لم يكن مسلما يوم ذاك لا هو ولا أبوه ولا أمه، أما هو فقد قدمنا أنه أسلم بعد سبع من البعثة بنصوص مرت في الجزء الثالث ص 220 - 223 ط 2 وأما أبوه فقد أسلم " إن أسلم " يوم الفتح في السنة الثامنة من الهجرة وكان لأبي بكر يومئذ ست وخمسون سنة أو أكثر .

 

 

/ صفحة 328 /

وأما أمه فقد أسلمت " إن أسلمت " في السنة السادسة من البعثة وأبو بكر يوم ذاك ابن أربع وأربعين سنة أو أكثر منها ، فبماذا أنعم الله عليه وعلى والديه يوم قال: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي.

 وكلهم غير مسلمين ؟ والجملة دعائية بالنسبة إلى إلهام الشكر على ما أنعم الله به عليه وعلى والديه فحسب، وأما بالنسبة إلى كونهم من المنعم عليهم فخبرية تقتضي سبق تلك النعمة على ظرف الدعاء، فالقول بأن الله سبحانه استجاب له فأسلم والداه وأولاده كلهم مهزأة غير مدعومة بشاهد .

 على أن أخبار إسلام والديه " بعد تسليمها والغض عما فيها " تدل على أن إسلام أمه كان بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها بالاسلام، وإسلام أبيه من بركة مسحه صلى الله عليه وآله يده على صدره، فأين دعاء أبي بكر ؟ وأما ما في ذيل الرواية مما عزي إلى أمير المؤمنين عليه السلام من أنه لم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غير أبي بكر.

 فحاشا أمير المؤمنين بقول مثل ذلك، وقد عرفناك ص 310 - 312 زرافات من المهاجرين أسلموا هم وآبائهم وأمهاتهم ويقدمهم هو سلام الله عليه بالأولية والأولوية .

 

*(آية أخرى في أبي بكر وأبيه) *

وردت في قوله تعالى من سورة المجادلة: 62: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون .

 من طريق ابن جريج: إن أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وآله فصكه أبو بكر ابنه صكة فسقط منها على وجهه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: أو فعلته لا تعد إليه فقال والذي بعثك بالحق نبيا لو كان السيف مني قريبا لقتلته. فنزلت قوله: لا تجد قوما. الآية .

 تفسير القرطبي 17: 307 تفسير الزمخشري 3: 172، مرقاة الوصول حاشية نوادر

 

/ صفحة 329 /

الأصول ص 121، تفسير الآلوسي 28: 36 .

 قال الأميني: أصفق رجال التفسير على أن سورة الأحقاف التي مرت فيها الآية الأولى مكية، وعلى أن سورة المجادلة مدنية، وعلى أن هذه الآية نزلت بعد ردح من الزمن من نزول الأحقاف، ويظهر من تفسير القرطبي وابن كثير والرازي أنها نزلت بعد بدر واحد فيقع نزولها على هذا في السنة الرابعة من الهجرة تقريبا، فما وجه الجمع بين الآيتين على تقدير تسليم نزولهما في أبي بكر، والأولى منهما كما مر نص على أن أبا قحافة ممن أنعم الله عليه يوم كان لأبي بكر أربعون سنة، ولما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي.

 وهذه الآية كما ترى نص في أن أبا قحافة يوم نزولها - وكان يوم ذاك لأبي بكر ثلث و خمسون سنة تقريبا - كان ممن حاد الله ورسوله .

 والذي يهون الخطب أن متن هذه الرواية كالرواية السبقة الوارد ة في الآية الأولى يكذب نفسها، إذ الآية كما سمعت نزلت بالمدينة، وظاهر الرواية وقوع القصة بها، و يوم ذاك كان أبو قحافة بمكة، فأين وأنى اجتمع أبو بكر مع أبيه وصكه ؟ ثم هل يشترط وجوب قتل من سب رسول الله صلى الله عليه وآله بقرب السيف ممن سمعه ؟ أو شرع هذا الحكم بعد القضية ؟ أو خص أبو قحافة منه بالدليل، سل من أعماه الغلو في الفضائل وأصمه، إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا، ويقولون هو من عند الله، و ما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون .

* * *