عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أحاديث الغلو أو قصص الخرافة

هذه أبحاث مجملة تمثل لنا نفسيات الخليفة، وملكاته الفاضلة، نقتصر بها في هذه العجالة وإن لم تزحفنا ولم يتأت بها القصوى، غير أن فيها بلغة في إيقاف الباحث على حد الخليفة، ومقياسا يعرف به القالي له من الغالي فيه، والمقتصد فيه من القاسط عليه، ويمتاز به سرف القول في امتداحه عن جزاف الامتداخ عليه، فيهمنا عندئذ ذكر نزر يسير مما سرده القوم من فضائله التي فيها من الغلو الفاحش ما لا يخفى على أي أحد ثم نشفعه بما جاء في غيره حتى يعرف أهل الغلو في الفضائل .

- 1 -

الشمس على العجلة

ذكر الشيخ إبراهيم العبيدي المالكي في كتابه " عمدة التحقيق " في بشائر آل الصديق(1) نقلا عن كتاب " العقائق " والصفوري في " نزهة المجالس " 2 ص 184 نقلا عن " عيون المجالس " قالوا : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما لعائشة رضي الله عنها: إن الله تعالى لما خلق الشمس خلقها من لؤلؤة بيضاء بقدر الدنيا مائة وأربعين مرة وجعلها على عجلة، وخلق للعجلة ثمانمائة وستين عروة، وجعل في كل عروة سلسلة من الياقوت الأحمر، وأمر ستين ألفا من الملائكة المقربين أن يجروها بتلك السلاسل مع قوتهم التي اختصهم الله بها ، والشمس مثل الفلك على تلك العجلة وهي تدور في القبة الخضراء، وتجلو جمالها على أهل الغبراء، وفي كل يوم تقف على خط الاستواء فوق الكعبة لأنها مركز الأرض و تقول: يا ملائكة ربي إني لأستحي من الله عز وجل إذا وصلت إلى محاذاة الكعبة التي هي قبلة المؤمنين أن أجوز عليها، والملائكة تجر الشمس لتعبر على الكعبة بكل قوتها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ص 184 هامش روض الرياحين لليافعي المطبوع بمصر سنة 1315.

/ صفحة 238 /

فلا تقبل منهم وتعجز الملائكة عنها، فالله تعالى يوحي إلى الملائكة وحي إلهام فينادون : أيها الشمس بحرمة الرجل الذي إسمه منقوش على وجهك المنير إلا رجعت إلى ما كنت فيه من السير فإذا سمعت ذلك تحركت بقدرة المالك، فقالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله ! من هو الرجل الذي إسمه منقوش عليها ؟ قال: هو أبو بكر الصديق يا عائشة ! قبل أن يخلق الله العالم علم بعلمه القديم أنه يخلق الهواء، ويخلق على الهواء هذه السماء ، ويخلق بحرا من الماء، ويخلق عليه عجلة مركبا للشمس المشرقة على الدنيا، وإن الشمس تتمرد على الملائكة إذا وصلت إلى الاستواء، وإن الله تعالى قدر أن يخلق في آخر الزمان نبيا مفضلا على الأنبياء وهو بعلك يا عائشة ! على رغم الأعداء، ونقش على وجه الشمس اسم وزيره أعني أبا بكر صديق المصطفى، فإذا أقسمت الملائكة عليها به زالت الشمس، وعادت إلى سيرها، بقدرة المولى، وكذلك إذا مر العاصي من أمتي على نار جهنم وأرادت النار على المؤمن أن تهجم، فلحرمة محبة الله في قلبه ونقش اسمه على لسانه ترجع النار إلى ورائها هاربة، ولغيره طالبة .

قال الأميني: إن مما يغمرني في الحيرة أن هذه لعجلة، لم لم يكتشف عنها علماء الهيئة قديما وحديثا، مع توفر أدوات الكشف ومحصلاته لأهل الهيئة الجديدة خاصة ؟ وأنهم لماذا استقرت آرائهم بعد تقدم العلم واستفحال أمره وكثرة اكتشافاته على دوران الأرض على الشمس ؟ وتعلمنا الرواية عن أن البخار لم يكن مستخدما عند إنشاء تلك العجلة فيمدها الله سبحانه به حتى لا يشعر بإرادة مريد، ولا حياء من يستحي، فيمضي بالعجلة ويوصله في أسرع وقت إلى حيث شئ لها قدما، ولكن العجب أن الله سبحانه لم لم يستبدل بالبخار عن الملائكة بعد اكتشافه فيطلق صراح أولئك الآلاف المؤلفة المقيدة بسلاسل بلاء العجلة، ويعتقهم عن مكابدة تمرد الشمس في كل يوم ؟ وهناك مسألة لا أدري من المجيب عنها وهي: إن إرادة الله سبحانه الفائقة على كل قوة جامحة وهي تمسك السماء بغير عمد ترونها، وتسير الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شئ، لم لم تقم مقام أولئك المسخرين لجر الشمس حتى لا يوقفها تمرد، ولا تحتاج إلى عرى وسلاسل، أو الأقسام بمن

/ صفحة 239 /

كتب اسمه عليها ؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه في تسيير الشمس إلى هذه الأدوات من العجلة والعرى والسلاسل، وخلق أولئك الجم الغفير من الملائكة واستخدامهم بالجر الثقيل، وهو الذي إذا أراد شيئا أن يكون يقول له: كن.

فيكون ؟ ثم إن الشمس هلا كانت تعلم أن إرادة الله سبحانه ماضية عليها بجريها إلى الغاية المقصودة ؟ فما هذا التوقف والتمرد ؟ والله تعالى أعلم بعظمة الكعبة وشرفها منها وقد جعلها في خطة سيرها.

أني للشمس أن تجهل بها ؟ وهي هي الشاعرة بخط الاستواء، ومحاذاة الكعبة ووصولها إلى تلك النقطة المقدسة، وهي العارفة بمقامات الصديق، وإن اسمه منقوش عليها، وإن من واجبها أن تنقاد لا تجمح على من أقسم به عليها .

ومن عويصات لا تنحل: تجديد الشمس تمردها كل يوم، والشمس تجري لمستقرء لها ذلك تقدير العزيز العليم(1) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل وسابق النهار و كل في فلك يسبحون(2) .

وأعوص من ذلك: إنشاد الملائكة إياها في كل نهار بتلك الأنشودة الضخمة و وحي الله إليهم بها طيلة عمر الدنيا ، هكذا تشوه رواة السوء سمعة السنة الشريفة، وهي مقدسة عن هذه الأوهام الخرافية وأن هذه كلها من جراء الغلو الممقوت في الفضائل، ولو كان مختلق هذه المرسلة المقطوعة عن الاسناد يعلم ما ذكرناه من الفضايح المترتبة على افتعالها لما اقتحم هذا الاقتحام المزري .

- 2 -

التوسل بلحية أبي بكر

ذكر اليافعي في روض الرياحين(3) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: بينما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة يس. آية 38.

(2) سورة يس آية 40 .

(3) طبع بمصر في المطبعة السعيدية هامش العرائس للثعلبي توجد الرواية في ص 443 ينقل عنه القسطلاني في المواهب، وقال الزرقاني في شرح المواهب 3 ص 157 مؤلف حسن، و طبع لليافعي كتاب آخر مستقلا في مصر سنة 2315 باسم روض الرياحين أيضا، وهو تأليفه الآخر غير المطبوع في حاشية العرائس.

/ صفحة 240 /

نحن جلوس بالمسجد وإذا نحن برجل أعمى قد دخل علينا وسلم فرددنا عليه السلام وأجلسناه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يقضيني حاجة في حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما حاجتك يا شيخ ؟ فقال: إن لي أهلا ولم يكن عندي ما نقتات به، وأريد من يدفع لنا شيئا نقتات به في حب رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال فنهض أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: نعم أنا أعطيك ما يقوم بك في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال : هل من حاجة أخرى ؟ فقال: نعم إن لي ابنة أريد من يتزوج بها في حياتي حبا في محمد صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا أتزوج بها في حياتك حبا في رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من حاجة أخرى ؟ فقال: نعم أريد أن أضع يدي في شيبة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حبا في محمد صلى الله عليه وسلم.

فنهض أبو بكر رضي الله عنه ووضع لحيته في يد الأعمى وقال: أمسك لحيتي في حب محمد صلى عليه وسلم.

قال: فقبض الأعمى بلحية أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال: يا رب أسألك بحرمة شيبة أبي بكر إلا رددت علي بصري.

قال: فرد الله عليه بصره لوقته، فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد ! السلام يقرئك السلام، ويخصك بالتحية والاكرام، ويقول لك: وعزته وجلاله لو أقسم علي كل أعمى بحرمة شيبة أبي بكر الصديق لرددت عليه بصره، وما تركت على وجه الأرض أعمى، وهذا كله ببركتك وعلو قدرك وشأنك عند ربك .

قال الأميني: إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

حقا أن هذا الضرير قد عمي قلبه قبل بصره، فلم يعقل إن القسم بشيبة رسول الله صلى الله عليه وآله أولى من شيبة أبي بكر، فهي مقدمة قداسة وشرفا وزلفة عند الله سبحانه، وهو صلى الله عليه وآله أكبر من أبي بكر سنا وأكثر شيبة، فما أعمى الرجل عنها إن كان يريد مقسما به يبر الله سبحانه به قسمه ؟ أو أنه له في شيبة أبي بكر غاية لم نعرفها ؟ ثم أين عن هذه الشيبة عميان أهل السنة ؟ وما أغفلهم عن الوحي المنزل فيها ؟ فيقسمون على الله بها فيكشف عن أبصارهم ، وما بال الحفاظ وأئمة الحديث أرجأوا نشر هذه الرواية إلى القرن الثامن عهد اليافعي ؟ هل بخلوا على عميان الأمة بمثل هذا النجاح الباهر وفي الوحي المزعوم قوله سبحانه : وعزتي وجلالي لو أقسم علي كل أعمى. الخ ؟ أو أنهم وجدوا مولد هذا الحديث بعد

/ صفحة 241 /

عصورهم فلم يشيدوا بذكره ؟ أو رؤا فيه غلوا فاحشا بتقديم لحية أبي بكر على شيبة رسول الله صلى الله عليه وآله فطووا عن روايته كشحا ؟ أو عقلوا فيه مهزأة بالله ووحيه وأمينه ونبيه فضربوا عنه صفحا ؟ وللقوم حول شيبة أبي بكر روايات منها ما أسلفناه في الجزء الخامس ص 270 من أنه صلى الله عليه وآله كان إذا اشتاق إلى الجنة قبل شيبة أبي بكر.

ومر هنالك أنها من أشهر المشهورات من الموضوعات، ومن المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل كما قاله الفيروز آبادي والعجلوني .

ومنها ما ذكره العجلوني في كشف الخفا 1 ص 233 من أن لإبراهيم الخليل وأبي بكر الصديق شيبة في الجنة .

ثم قال: في المقاصد نقلا عن شيخه ابن حجر: لم يصح أن للخليل في الجنة لحية ولا للصديق، ولا أعرف ذلك في شيئ من كتب الحديث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة.

ثم قال: وعلى تقدير ثبوت وروده فيظهر لي أن الحكمة في ذلك: أما في حق الخليل فلكونه منزلا منزلة الوالد للمسلمين لأنه الذي سماهم بالمسلمين و أمروا باتباع ملته، وأما في حق الصديق فلأنه كالوالد الثاني للمسلمين، إذ هو الفاتح لهم باب الدخول على الاسلام ، قال الأميني: إن الذي سمى الأمة المرحومة بالمسلمين هو الله سبحانه كما في قوله تعالى: جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم. هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا.(الحج 78) .

وإن أمكنت التسمية من إبراهيم من قبل فإنها غير ممكنة منه في هذا وهو القرآن الكريم، وإنما وقع ذكر ملة إبراهيم في البين امتنانا منه سبحانه على الأمة بجعل الاسلام شريعة سهلة لا حرج فيها ترغيبا في الدخول فيه.

فالقول بأن إبراهيم سماهم مسلمين لا يتم مع قوله تعالى: " وفي هذا " يعني في القرآن.

قال القرطبي: هذا القول مخالف لقول عظماء الأمة.

وقال القرطبي: هذا لا وجه له لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة.

في القرآن المسلمين .

وقال ابن عباس: الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي

/ صفحة 242 /

الذكر. وكذا قال مجاهد وعطاء والضحاك والسدي ومقاتل وقتادة وابن مبارك .

وتدل على تعين هذا القول قرائة أبي بن كعب: الله سماكم المسلمين.

كما في تفسير البيضاوي 2 ص 112، وكشاف الزمخشري 2 ص 286، وتفسير الرازي 6 ص 210، وتفسير ابن الجزي الكلبي 3 ص 47 .

واستقربه الرازي في تفسيره فقال: لأنه تعالى قال: ليكون الرسول شهيدا عليكم ويكونوا شهداء على الناس.

فبين أنه سماهم بذلك لهذا الغرض وهذا لا يليق إلا بالله .

واستصوبه ابن كثير في تفسيره 3 ص 236 وقال: لأنه تعالى قال: هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج.

ثم حثهم وأغراهم على ما جاء به الرسول صلوات الله عليه بأنه ملة أبيهم الخليل، ثم ذكر منته تعالى على هذه الأمة بما نوه به من ذكرها والثناء عليه في سالف الدهر وقديم الزمان في كتب الأنبياء يتلى على الأحبار والرهبان فقال: هو سماكم المسلمين من قبل. أي من قبل هذا القرآن. وفي هذا .

وبهذا تعرف قيمة ما حسبه المتفلسف من أن تنزيل إبراهيم منزلة الأب للمسلمين لمحض التسمية فإنه مما لا يقام له وزن وإلا لوجب اتخاذ من سمى أحدا باسم أبا تنزيليا ومن المعلوم بطلانه، وإنما سماه الله أبا للمسلمين لأنه عليه السلام أب الرسول الأمين وإن قريشا من ذريته وهو صلى الله عليه وآله أبو الأمة وأمته في حكم أولاده وأزواجه أمهاتهم كما ورد عنه صلى الله عليه وآله من قوله: إنما أنا لكم كالوالد.

أو: مثل الوالد(1) .

أنا لا أدري ما هي الخاصة في الأب التنزيلي لأمة خاصة أن تكون له لحية في الجنة دون الأب الحقيقي للأمم جمعاء، وهو أبو البشر آدم عليه السلام، ولا لحية له ؟ مع ما ورد عن كعب الأحبار أنه قال: ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم، له لحية سوداء إلى سرته.

ذكره ابن كثير في تاريخه 1: 97 .

وإن كانت الحكمة في لحية إبراهيم الخليل وأبي بكر ما زعمه العجلوني من الأبوة فما الحكمة في لحية موسى بن عمران ؟ وقد جاء في الحديث ليس أحد يدخل الجنة إلا جرد مرد إلا موسى بن عمران فإن لحيته إلى سرته(السيرة الحلبية 1: 425)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير الخازن 3 ص 314، تفسير النسفي هامش الخازن 3 ص 314.

/ صفحة 243 /

ثم إن للأمة المسلمة أبا تنزيليا روحيا هو أحق بالأبوة من الخليل عليه السلام وهو نبيها الأقدس محمد صلى الله عليه وآله كما مر حديثه، وبها حياتها الحقيقية، وهو الذي يدعوهم لما يحييهم ، ومنه كيانها المستقر، وعز ها الخالد، فهو أولى باللحية من أبيه الخليل وصاحبه أبي بكر .

والعجب كل العجب في عد أبي بكر أبا ثانيا للأمة لأنه فتح لها باب الدخول إلى الاسلام، وإن الذي فتح باب الاسلام بمصراعيه لدخول الأمم فيه، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعوته الكريمة، وبراهينه الصادقة ، ومعاجزه المعلومة، ونواميسه المقدسة، وخلايقه الرضية، ومغازيه الدامية.

فهو أولى بأن تكون له لحية في الجنة .

على أن الأمة قط لم تعرف بابا فتحه الخليفة لها إلى الاسلام، ولم يدر أي أحد أنه متى فتحه، وأين فتحه، ولماذا فتحه، وأي باب هو نعم.

لا تخفى على الأمة جمعاء أنه غلق بابا عليها وحرمها من خير أهله وعلمه ورشده وهداه، ألا: وهو باب مدينة علم النبي مولانا أمير المؤمنين بالنص المتواتر، وهو الباب الذي منه يؤتى إلى الله، و إليه يتوجه الأولياء، فلولا انتزاع الأمر منه لانتشرت علومه، وزهرت معالمه، وتبلغت حكمه، وعمل بأحكامه، فأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم، منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون، لكنه عليه السلام منع عن حقه فجهلت العباد، وأجدبت البلاد ، وصوحت المرابع، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، وإلى الله المشتكى .

وإن أراد القائل من فتح الباب بدئة الفتوح في أيام الخليفة ؟ فالخليفة الثاني على ذلك أجدر باللحية منه، لأن عمدة الفتوح وقعت في أيامه .

نعم: إن يكن هناك من يحق أن يعد للأمة أبا ثانيا تنزيلا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الذي به كان تمام الدعوة ؟ والنجاح في المغازي، وهو نفس النبي القدسية وخليفته المنصوص عليه، ولذلك جاء من طريق أنس بن مالك عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: حق علي على هذه الأمة كحق الوالد على الولد، ومن طريق عمار و أبي أيوب الأنصاري قوله: حق علي على كل مسلم حق الوالد على ولده(1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الرياض النضرة 2 ص 172 نقلا عن الحاكمي، كنوز الدقائق ص 64 نقلا عن الديلمي ، مناقب الخوارزمي ص 244، 254، فرائد السمطين لشيخ الاسلام الحمويى، نزهة المجالس 2 ص 212.

/ صفحة 244 /

- 3 -

شهادة أبي بكر وجبرئيل

ذكر النسفي أن رجلا مات بالمدينة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه فنزل جبريل وقال: يا محمد لا تصل عليه.

فامتنع فجاء أبو بكر فقال: يا نبي الله صل عليه فما علمت منه إلا خيرا.

فنزل جبريل وقال: يا محمد صل عليه، فإن شهادة أبي بكر مقدمة على شهادتي، مصباح الظلام للجرداني 2 ص 25، نزهة المجالس 2 ص 184 .

قال الأميني: هلم معي نناقش راوي هذه السفسطة الحساب بعد أن لم نقف لها على إسناد نناقش رجاله، ونسائله عن أن ما أداه جبريل من الشهادة أكان من عند نفسه ؟ ولم يكن لأمين الله على وحيه أن يأتي رسوله بشئ من قبل نفسه فحابا أبا بكر بتقديم شهادته أم كان وحيا من المولى سبحانه ؟ - وهو المطرد في كل هبوط له إلى الرسول الأمين - فأبطل ذلك الوحي المبين مجازفة لمحض أن أبا بكر شهد بضد ما جاء به ؟ وأيا ما كان فإن إخباره كان لا محالة عن عدم تأهل الرجل في الواقع للصلاة عليه في صورة نهي مفيد للتحريم، ومؤداه أن الله سبحانه يبغض أن ترفع إليه صلاة على مثله من نبيه والمحبوب، فهل يكون قول أبي بكر بتأهله المستنبط من ظاهر الحال الذي يخطأ ويصيب، ولا شك أنه مخطأ في هذه المورد بالخصوص لنزول الوحي بخلافه، فهل يكون قول هذا شأنه مبطلا للوحي المبين ؟ تبصر واحكم .

- 4 -

خاتم النبي وسجله

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خاتمه إلى أبي بكر وقال: اكتب عليه: لا إله إلا الله، فدفعه أبو بكر إلى النقاش وقال: اكتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

فكتب عليه.

فلما جاء به أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجد عليه لا إله إلا الله محمد، رسول الله، أبو بكر الصديق.

فقال: ما هذه الزيادة يا أبا بكر ؟ فقال: ما رضيت أن أفرق اسمك عن اسم الله، وأما الباقي فما قلته فنزل جبريل وقال: إن الله سبحانه وتعالى يقول: إني كتبت اسم أبي بكر لأنه ما رضي أن يفرق اسمك عن اسمي، فأنا ما رضيت أن أفرق

/ صفحة 245 /

إسمه عن اسمك. نزهة المجالس للصفوري 2 ص 185 نقله عن تفسير الرازي، مصباح الظلام للجرداني ص 25 .

قال الأميني: المتسام عليه بين المحدثين أن نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله كان " محمد رسول الله " بلا أي زيادة ففي الصحاح عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم صنع خاتما من ورق ونقش فيه: محمد رسول الله.

وقال: فلا ينقش أحد على نقشه .

صحيح البخاري 8: 309، صحيح مسلم 2: 214، 215، صحيح الترمذي 1: 324 .

سنن ابن ماجة 2: 384، 385، سنن النسائي 8: 173 .

وفي رواية البخاري والترمذي عن أنس قال: كان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد، سطر . ورسول، سطر. والله سطر. " صحيح البخاري 8: 309، صحيح الترمذي 1: 325 " .

وروى ابن سعد في طبقاته من مرسل ابن سيرين أن نقشه كان: بسم الله محمد رسول الله. وقال ابن حجر: ولم يتابع على هذه الزيادة. ذكره عنه الزرقاني في شرح المواهب 5: 39 .

وأخرج أبو الشيخ في الأخلاق النبوية من رواية عرعرة بن البرند عن أنس قال: كان مكتوبا على فص خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله. محمد رسول الله . قال ابن حجر في فتح الباري 10: 270: عرعرة ضعفه ابن المديني وزيادته هذه شاذة. وقال الزرقاني في شرح المواهب 5: 39: كان نقش الخاتم النبوي كما في الصحيحين وغيرهما. محمد رسول الله. فلا عبرة بهذه الرواية كرواية أنه كان فيه كلمتا الشهادة معا، ورواية ابن سعد عن أبي العالية أن نقشه: صدق الله. ثم ألحق الخلفاء: محمد رسول الله .

فما قيمة ما جاء به من النقش صواغ القرون المتأخرة، وصاغته يد الإفك والغلو بعد لأي من وفاة النبي الأعظم وانقطاع الوحي عنه، ولا يوجد في تآليف الأولين منه عين ولا أثر ؟ وأنت ترى السلف حاكمين في حديث زيادة كلمة الاخلاص والبسملة بالشذوذ وأنه لا عبرة به ولا يتابع عليه، ولا يبحث أي متضلع في الفن عن هذه الزيادة المختلفة التي لا صلة لها بالموضوع، وليست هي إلا استهزاء بالله ونبيه ووحيه . وأمين وحيه .

/ صفحة 246 /

ثم قد صح عند القوم أن ذلك الخاتم المنقوش الخاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم " وكان يتختم به ويختم صلى الله عليه وآله ولم يكن له خاتم غيره ولم يحتمل التعدد قط.

أحد في رفع اختلاف أحاديث النقش " كان عند أبي بكر في يمينه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعده في يد عمر، و بعده عند عثمان في يمينه وسقط سنة ثلاثين من يده أو: من يد غيره.

في بئر أريس(1) واتخذ له خاتما آخر(2) وفي رواية ابن سعد عن الأنصاري كما في فتح الباري 10: 270 وسنن النسائي 8: 179: إنه كان في يد عثمان ست سنين من عمله.

فلو كانت تلكم الأسطورة صحيحة وكان إسم الخليفة منقوشا في خاتم كان يلبسه النبي الأقدس طيلة حياته وتنظر إليه الصحابة من كثب وترى بريقه في خنصره كما في صحيح البخاري 8: 308، 309 كان حقا على الخليفة والخاتم بيده أن يحتج بها يوم تسنم عرش الخلافة، وكان هناك حوار وصخب، لكنه لم يحتج لأن ذلك الخاتم ما كان مصوغا بعد ولا منقوشا، ولم يعط من المغيب أنه يستنحت له ذلك بعد قرون متطاولة .

وكان حقا على الصحابة الملتاثين به أن يحتجوا بذلك النقش المصنوع في عالم الملكوت ، فإن الاحتجاج به أولى من الاحتجاج بكبر السن وأمثاله، لكنهم تركوا الحجاج لأن هذا المولود لم يكن يولد بعد، وإنما ولدته أم الغلو في الفضائل في آخر الدهر .

ولا يتأتى لأحد عرفان سر ما جاء به جبريل الخيالي من القرآن بين اسم النبي الأعظم وبين اسم أبي بكر في ذلك النقش المصوغ في عالم الغيب، أكان أبو بكر نفس النبي الأعظم بنص القرآن الكريم ؟ أم كان قرينه في العصمة والقداسة في الذكر الحكيم ؟ أم نزلت فيه آية التبليغ مع ذلك الارهاب ؟ أم أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة كما بدء بالنبي الطاهر ؟ أم كان رديف النبي الأقدس في الاسلام والدعوة إلى الله من أول يومه ؟ أم كان وصيه وخليفته المنصوص عليه من بدء الدعوة ؟ أم قرنت طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته كما في صحاح جاءت عنه صلى الله عليه وآله ؟ أم كان نظيره في أمته بنص منه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هي ميلين من المدينة وهي من أقل الآبار ماء .

(2) صحيح البخاري 8: 306، صحيح مسلم 2: 214، سنن النسائي 8: 179 ، تاريخ الطبري 5: 65، تاريخ ابن كثير 8: 155، تاريخ الخميس 2: 223، 269 تاريخ أبي الفدا ج 1: 168.

/ صفحة 247 /

صلى الله عليه وآله ؟ أم ؟ أم ؟ إلى مائة أم.

لماذا ذلك القران ؟ أنا لا أدري، ومختلق الرواية أيضا لا يدري .

- 5 -

عرض جنة أبي بكر

قال الصفوري في نزهة المجالس 2 ص 183: رأيت في الحديث أن الملائكة اجتمعت تحت شجرة طوبى فقال ملك: وددت أن الله تعالى أعطاني قوة ألف ملك ، وكساني ريش ألف طير، فأطير حول الجنة حتى أبلغ طرفها، فأعطاه الله ذلك فطار ألف سنة حتى ذهبت قوته وتساقط ريشه، ثم أعطاه الله تعالى قوة وأجنحة فطار ألف سنة ثانية حتى ذهبت قوته وتساقط ريشه، ثم أعطاه الله تعالى قوة وأجنحة فطار ألف سنة ثالثة حتى ذهبت قوته وتساقط ريشه، فوقع على باب قصر باكيا فأشرفت عليه حوراء فقالت: أيها الملك مالي أراك باكيا وليست هذه بدار بكاء وحزن، وإنما هي دار فرح وسرور ؟ فقال: لأني عارضت الله في قدرته.

ثم أعلمها بحديثه، فقالت له: لقد خاطرت بنفسك أتدري كم طرت في هذه الثلاثة آلاف سنة ؟ قال: لا.

قالت: وعزة ربي ما طرت أكثر من جزء واحد من عشرة آلاف جزء مما أعده الله تعالى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. وذكره الجرداني في مصباح الظلام 2 ص 25 .

قال الأميني: فمجموع ما أعده الله تعالى لأبي بكر في الجنة هو مسير ثلاثين ألف ألف سنة لطائر يطير بقوة ألف.

ملك وريش ألف طير، جلت قدرة الباري ، أنا أكل حساب هذه الرواية إلى الشباب النابه العصري المتخرج من المدارس العالية في أرجاء العالم.

كما أرى النظرة في رجال سندها من وظائف رجال الغيب إذ من المستحيل أن يقف عليه متتبع، ويعرفه حافظ ضليع، أو محدث بعيد الطنء، أو رجالي واسع الخطوة من رجال عالم الشهود .

- 6 -

الله يستحيي من أبي بكر

عن أنس بن مالك قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله ! رأيت في المنام كأن النخلة التي في داري وقعت، وزوجي في السفر. فقال: يجب عليك الصبر

/ صفحة 248 /

فلن تجتمعي به أبدا. فخرجت المرأة باكية فرأت أبا بكر، فأخبرته بمنامها ولم تذكر له قول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذهبي فإنك تجتمعين به في هذه الليلة.

فدخلت إلى منزلها وهي متفكرة في قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول أبي بكر، فلما كان الليل وإذا بزوجها قد أتى ، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بزوجها، فنظر إليها طويلا فجاءه جبرئيل وقال: يا محمد ! الذي قلته هو الحق، ولكن لما قال الصديق إنك تجتمعين به في هذه الليلة استحيا الله منه أن يجري على لسانه الكذب، لأنه صديق فأحياه كرامة له .

نزهة المجالس 2 ص 184 قال الأميني: ليتنا كنا نقف على رجال هذا الخيال النبهاء الذين أرادوا كسح معرة الكذب عن ساحة الصديق فجروها إلى الساحة النبوية، فكأن الله لم يبال بأن يجري الكذب على لسان نبيه الصادق المصدق، حيث أنه لم يخبر عن موت الرجل وإنما أخبر امرأته بأنها لن تجتمع به أبدا بكلمة لن المفيدة لتأييد النفي المؤكد بقوله أبدا فظهر خلافه، لكنه استحى من أبي بكر بعد أن رجم بالغيب إفكا ظاهرا فأراد أن يرحض عنه ذلك بإحياء الرجل وعدم إماتته كرامة له، وهل يرحضه ذلك بعد أن وقع الكذب ؟ أنا لا أدري .

وهل كانت كرامة أبي بكر على الله أعظم من كرامة رسوله عليه ؟ حيث لم يرض بظهور الكذب عليه ورضيه على مصطفاه، ولم يكن في انتشاره عنه كسر للاسلام لكن انتشاره عن النبي صلى الله عليه وآله فت في عضد الدين . ثم اعجب من تعليل الرواية بأن أبا بكر كان صديقا.

أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الصديقين أجمع ؟ وهب أن وحي هذه المزعمة خفف عن ساحة النبوة شيئا يمكن أن يفوه به من اختلقها بأن الأمر كان كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن أحيى الله الرجل للغاية التي ذكرها فلا كذب صلى الله عليه وآله وسلم لكن يدفعه ما قدمناه من أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يخبر عن موت الرجل وإنما أخبر عن أنها لن تجتمع به أبدا وقد وقع خلاف ما أنبأ به.

نعم: لعل ما مر من رأي الخليفة من جواز تقديم المفضول على الفاضل، أو الغلو في الفضائل، يرخصان بكل ما ذكر .

/ صفحة 249 /

- 7 -

كرامة دفن أبي بكر

أخرج ابن عساكر في تاريخه قال: روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال لمن حضره: إذا أنا مت وفرغتم من جهازي فاحملوني حتى تقفوا بباب البيت الذي فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقفوا بالباب وقولوا: السلام عليك يا رسول الله ! هذا أبو بكر يستأذن.

فإن أذن لكم بأن فتح الباب وكان الباب مغلقا بقفل فادخلوني وادفنوني، وإن لم يفتح الباب فأخرجوني إلى البقيع وادفنوني به، فلما وقفوا على الباب وقالوا ما ذكر سقط القفل وانفتح الباب وإذا بهاتف يهتف من القبر: ادخلوا الحبيب إلى الحبيب فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق .

وذكره الرازي في تفسيره 5 ص 378، والحلبي في السيرة النبوية 3 ص 394 ، والديار بكري في تاريخ الخميس 2: 264، والقرماني في أخبار الدول هامش الكامل 1 ص 200، والصفوري في نزهة المجالس 2 ص 198 .

قال الأميني: أراد رواة هذه الرواية تصحيح عمل القوم في دفن الخليفة في موطن القداسة [ حجرة النبي صلى الله عليه وآله ] بعد أن أعيتهم المشكلة وعجزوا عن الجواب، فإن الحجرة الشريفة إما أن تكون باقية على ملكه صلى الله عليه وآله كما هو الحق المبين.

أو أنها عادت صدقة يؤل أمرها إلى المسلمين أجمع ؟ وعلى الأول كان يشترط فيه رضاء أولاد وارثته الوحيدة السبطين الإمامين وأخواتهما ولم يستأذن منهم أحد.

وعلى الثاني كان يجب على الخليفة أو على من تولى الأمر بعده أن يستأذن الجامعة الإسلامية ولم يكن من أي منهما شئ من ذلك، فبقي الدفن هنالك خارجا عن ناموس الشريعة.

وإن قيل : إنه دفن بحق ابنته ؟ فأي حق لها بعد ما جاء به أبوها من قوله: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ؟ على أنا أسلفنا في الجزء السادس ص 190 ط 2: إنه لم يكن لأمهات المؤمنين إلا السكنى في حجرهن كالمعتدة ولم يكن لهن ترتيب آثار الملك على شئ منها.

وقدمنا هنالك أيضا أن على فرض الميراث وعلى تقدير الإرث من العقار فإن لعائشة تسع الثمن من حجرتها لأنه صلى الله عليه وآله توفي عن تسع، ومساحة المحل لا يسع

/ صفحة 250 /

تسع ثمنها جثمان إنسان مهما كبرت الحجرة.

على أن حقها كان مشاعا وليس لها التصرف فيه بغير إذن شريكاتها في الميراث .

أراد القوم التفصي عن هذه المشكلات فكونوا ما يستتبع مشكلة بعد مشكلة و هي: إن الخليفة هل قال ما قاله بعهد من النبي صلى الله عليه وآله أو إنه أحاط علما بالمغيب ؟ أما الثاني فلا أحسب أحدا يدعي له ذلك بعد ما أحطنا خبرا بكل ما قيل في فضائله ، وبعد ما أوقفناك على مبلغ علمه في المشهودات، فأين هو عن الغيوب ؟ وأما الأول فلو كان ذلك لما كان لترديده بين الدفن في الحجرة إن فتح الباب وسقط القفل، وبين الذهاب به إلى البقيع إن لم يكن ذلك، فإن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله لا بد أن يكون، فلا ترديد فيه .

نعم: من المحتمل أنه صلى الله عليه وآله لم يعهد ذلك لنفس أبي بكر وإنما رواه عنه من لا يثق به الخليفة ولذلك نوه بما قال بالترديد، أو أن الرواية لا صحة لها، ولذلك لا تنتشر في الصحاح والمسانيد إلى عهد الحافظ ابن عساكر، وهي على فرض صحتها مكرمة عظمي وقعت بمشهد الصحابة ومزدحم المهاجرين والأنصار يوم شيعوه إلى مقره الأخير، وكان يجب والحالة هذه أن يتواصل الهتاف بها، وبذلك الهتاف المسموع من القبر الشريف منذ ذلك العهد إلى منصرم الدهر، ولم يكن يوم ذاك في الأبصار غشاوة، ولا في الآذان وقر، ولا في الألسنة بكم، لكنه ويا للأسف لم ينبس أحد عنها ببنت شفة، وما ذلك إلا لأن المكرمة لم تقع، والقفل ما سقط، والباب ما انفتح ، والهتاف لم يكن، وادخلوا الحبيب إلى الحبيب، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق مهزأة نشأت من الغلو في الفضائل تنبأ عن روح التصوف في مختلق الرواية. نعم :

ما كل من زار الحمى سمع الندا * مـــــن أهلـــــه أهلا بذاك الزائر

م - هذه الكرامة المنحوتة المنحولة ذكرها الرازي ومن بعده مرسلين إياها إرسال المسلم، محتجين بها عداد فضائل أبي بكر، غير مكترثين لما في إسنادها من العلل أو جاهلين بها، وإنما أخرجها ابن عساكر من طريق أبي طاهر موسى بن محمد بن عطاء المقدسي عن عبد الجليل المدني عن حبة العرني فقال: هذا منكر، وأبو الطاهر كذاب، وعبد الجليل مجهول، وفي لسان الميزان 3: 391: خبر باطل. ا ه‍

/ صفحة 251 /

وأبو الطاهر المقدسي كذبه أبو زرعة وأبو حاتم.

وقال النسائي ليس بثقة و قال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه كان يضع الحديث.

وقال ابن عدي: كان يسرق الحديث.

وقال العقيلي: يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات، منكر الحديث وقال منصور بن إسماعيل: كان يضع الحديث على مالك. راجع المصادر المذكورة ج 5 ص 231 ط 2 ].

- 8 -

جبريل يسجد مهابة من أبي بكر

حدث عالم الأمة الشيخ يوسف الفيشي المالكي قال: كان جبريل إذا قدم أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحادثه يقوم إجلالا للصديق دون غيره، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال جبريل: أبو بكر له علي مشيخة في الأزل، وما ذاك إلا إن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم حدثتني نفسي بما طرد به إبليس فحين قال الله تعالى: اسجدوا.

رأيت قبة عظيمة عليها مكتوب أبو بكر أبو بكر.

مرارا وهو يقول.

اسجد.

فسجدت من هيبة أبي بكر فكان ما كان .

ذكره العبيدي المالكي في عمدة التحقيق هامش روض الرياحين ص 111 فقال : وحدثني أيضا شيخنا الأستاذ محمد زين العابدين البكري بما يقارب ما قاله الفيشي و سمعتها من غالب مشايخنا بالأزهر .

قال الأميني: عجبا لهؤلاء القوم لم يسلم منهم حتى أمين الله على وحيه - جبرائيل - المعصوم من الزلل من أول يومه فجعلوه في عداد إبليس اللعين الطريد لو لا أن أبا بكر تدارك أمره .

عجبا لهذا الملك المزعوم يأتمنه المولى سبحانه ثم يرتاب في أمره، ولا يصلح ذلك الشنار القول بأنه إنما أئتمنه بعد زلته تلك، فإنه سبحانه لا يأتمن من يمكن في حديث نفسه الكفر، فلعل تلك الخاطرة دبت فيه ولم يحصل من يسدده فتعود هاجسته كفرا صريحا .

عجبا لهذا الملك المقرب تروعه هيبة أبي بكر ولا تأخذه هيبة الإله العظيم فيطيع أبا بكر وهو يهم أن يطيع الله في أمره بالسجدة، وأي سجدة هذه وما قيمتها من مثل

/ صفحة 252 /

جبرئيل وقد وقعت من هيبة أبي بكر لا بصفة القربان إلى المولى سبحانه والزلفى لديه والامتثال لأمره فكأن هيبة أبي بكر في الملأ الأعلى أعظم وأفخم من هيبة بارئه جلت عظمته .

ثم أين كانت قبة أبي بكر من مستوى عالم الملكوت ؟ ومن الاحرى أن تضرب هنالك قبة نبي العظمة حتى يسدد فيها من شارف الزلة لا قبة إنسان من الممكن أن تكتنفه المئاثم، وتموت بضعة المصطفى وهي واجدة عليه .

ومن أين علم أبو بكر بهاجسة جبرئيل وحديث نفسه ؟ أو هل كان يعلم الغيب ؟ أو أوحي إليه بواسطة غير أمين الوحي ؟ لك الحكم في هذه كلها أيها القارئ الكريم .

ثم العجب من مشايخ الأزهر الذين أخبتوا إلى هذه الخزاية فأثبتوها في الكتب ولهجوا بها في الأندية، وخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى فنشروها في الملأ العلمي وشوهوا بها صفحة التاريخ وسمعة الاسلام المقدس، نعم : أرادوا نحت فضيلة للخليفة فأعماهم الغلو في الفضائل فنحتوها رذيلة لجبرئيل الأمين، كل ذلك لأنهم افتعلوها من غير بصيرة في الدين، أو روية شاعرة في المبادئ الإسلامية .

وأحسب أن من اختلق هذه الرواية أراد إثباتها تجاه ما يروى لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام من تسديده لجبرئيل يوم خاطبه الله سبحانه: من أنا ومن أنت ؟ فتروى قليلا وقد أخذته هيبة الجليل سبحانه حتى أدركته نورانية مولانا الإمام عليه السلام، فعلمه أن يقول: أنت الجليل وأنا عبدك جبرئيل.

وقد نظم ذلك الشاعر المبدع الشيخ صالح التميمي من قصيدة له في مدح مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وخمسها الشاعر المفلق عبد الباقي أفندي العمري كما في ديوانه ص 126 وفي ديوان صاحب الأصل ص 4 قالا:

روضـــــة أنــت للعقول ودوح * يجتنى من طوباك رشد ونصح

ومتــــــى هب من عبيرك نفح * شمل الروح من نسيمك روح

حيـــــن مـــــن ربه أتاه النداء

طالمـــــا للأمـــلاك كنت دليلا * ولناموسهم هديـــــت سبــــيلا

يـوم نادى رب السما جبرئيلا * قـــــائلا: مـــن أنا فروى قليلا

وهـو لولاك فاته الاهتداء(1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يعني الاهتداء إلى ذلك الجواب الحسن الجميل.

/ صفحة 253 /

لــــــك شكــــل نتيجة للقضايا * لــــــك قلــــــب للعالمين مرايا

لــــك فعل حوى رفيع المزايا * لــــــك إســـــم رآه خير البرايا

مــــــذ تـدلى وضمه الاسراء

وليست هذه كقصة أبي بكر، فليس فيها أن جبريل نوى ما نواه إبليس من المروق عن أمره سبحانه، ولا فيها أن أمير المؤمنين أنبأ عن مغيب، ولا أن هيبته غلبت هيبة الله العظيم ولا أن جبريل سجد من هيبته، ولا أن له هنا لك قبة عظيمة مكتوب عليها: علي علي، ولا أنه هتف مخاطبا: لجبرئيل بقوله: اسجد.

و روعه بذلك ليست فيها هذه كلها لأن الشيعة في المنتأى عن الغلو في الفضائل .

- 9 -

قصة فيها كرامة لأبي بكر

أخبر أبو العباس ابن عبد الواحد عن الشيخ الصالح عمر بن الزغبي قال: كنت مجاورا بالمدينة المشرفة على مشرفها أفضل الصلاة والسلام فخرجت يوم عاشوراء الذي تجتمع فيه الإمامية في قبة العباس وقد اجتمعوا في القبة قال: فوقفت أنا على باب القبة وقلت: أريد في محبة أبي بكر شيئا.

فخرج إلي شيخ منهم وقال: اجلس حتى نفرغ ونعطيك، فجلست حتى فرغوا ثم خرج ذلك الرجل وأخذ بيدي ومضى بي إلى داره وأدخلني الدار وأغلق ورائي الباب وسلط علي عبدين فكتفاني وأوجعاني ضربا، ثم أمرهما بقطع لساني فقطعاه، ثم أمرهما فحلا كتافي وقال: اخرج إلى الذي طلبت في محبته ليرد إليك لسانك.

قال: فخرجت من عنده إلى الحجرة الشريفة النبوية وأنا أبكي من شدة الوجع والألم فقلت في نفسي: يا رسول الله ! قد تعلم ما أصابني في محبة أبي بكر فإن كان صاحبك حقا ؟ فأحب أن يرجع إلي لساني وبت في الحجرة قلقا من شدة الألم فأخذتني سنة من النوم فنمت فرأيت في منامي أن لساني قد عاد إلى حاله كما كان فاستيقظت فوجدته في في صحيحا كما كان وأنا أتكلم فقلت: الحمد لله الذي رد علي لساني وازددت محبة في أبي بكر رضي الله عنه، فلما كان العام الثاني في يوم عاشوراء اجتمعوا على عادتهم فخرجت إلى باب القبة وقلت: أريد في محبة أبي بكر دينارا، فقام إلي شاب عن الحاضرين وقال لي: اجلس حتى نفرغ.

فجلست فلما

/ صفحة 254 /

فرغوا خرج إلي ذلك الشاب وأخذ بيدي ومضى بي إلى تلك الدار فأدخلني فيها و وضع بين يدي طعاما، ولما فرغنا قام الشاب وفتح علي بابا على بيت في الدار وجعل يبكي فقمت لأنظر ما سبب بكائه فرأيت في البيت قردا مربوطا فسألته عن قضيته فزاد بكاء فسكنته حتى سكن، فقلت له: بالله أخبرني عن حالك فقال: إن حلفت لي أن لا تخبر أحدا من أهل المدينة أخبرتك، فحلفت له، فقال: اعلم أنه أتانا في عام أول رجل و طلب في محبة أبي بكر رضي الله عنه شيئا في قبة العباس يوم عاشوراء فقام إليه أبي و كان من أكابر الإمامية والشيعة فقال له: اجلس حتى نفرغ.

فلما فرغوا أتى به إلى هذه الدار وسلط عليه عبدين فضرباه، وأمر بقطع لسانه فقطع، وأخرجه فمضى لسبيله ولم نعرف له خبرا، فلما كان الليل ونمنا صرخ أبي صرخة عظيمة فاستيقظنا من شدة صرخته فوجدناه قد مسخه الله قردا ففزعنا منه وأدخلناه هذا البيت وربطناه، وأظهرنا للناس موته وهو ذا نبكي عليه بكرة وعشيا.

فقلت له: إذا رأيت الذي قطع أبوك لسانه تعرفه ؟ قال: لا والله فقلت: أنا هو والله، أنا الذي قطع أبوك لساني، وقصصت عليه القصة فأكب علي يقبل رأسي ويدي ثم أعطاني ثوبا ودينارا وسألني كيف رد الله علي لساني ؟ فأخبرته وانصرفت .

مصباح الظلام للجرداني ص 23 من الطبعة الرابعة المصرية المطبوعة بمطبعة الرحمانية بمصر سنة 1347 ه‍، ونزهة المجالس للصفوري 2 ص 195 .

قال الأميني: ما أحوج القوم إلى اختلاق هذه الأساطير المشمرجة وهي لا يصدقها أي قار وباد مهما يقرها قصاص في أذنيه ولا يصير بها الأمر إلى قراره مهما حبكت نسقه يد الإفك وأبدعت في نسجه مهرة الافتعال .

أنى يصدق ذو مسكة بأن رجلا شهيرا يعد من علية قوم ومن أكابر أمة تمسخ ويربط في داره وهو بعد مجهول لا يعرف اسمه، ولا ينبئ عنه خبير، و يسع لخلفه إخفاء أمره بدعوى موته، ولم يسأل أهله عن تجهيزه وتشييعه ودفنه ومقبره وسبب موته، وتتأتى لولده الغشية عليها عن أعين الناس وأسماعهم كأن في آذانهم صمما وفي أبصارهم عمى .

ولماذا أخذه ابن الجاني - الذي لم يخلق بعد لا هو ولا أبوه ضيفه إلى والده

/ صفحة 255 /

وهو لا يعرف الرجل ولم يخش من الفضيحة، ولماذا أوقفه على أمر أبيه وعواره وقد كان يستخفيه ويظهر للناس موته ؟ وأنى يصدق بأن رجلا قطع لسانه دون مبدئه وحبه لخليفته قد استخفى قصته، وما أشاع بها، وما صاح وما باح بمظلمته، وما أبان أمره عند قومه، وما أفاض عن شأنه بكلمة، ولا يمم قاضيا ولا حاكما ولا الدوائر الحكومية الصالحة للنظر في مظلمته من عدلية أو دائرة شرطة، وعقيرته مرفوعة من شدة الألم، ولم يزل القوم يتربص الدوائر على الشيعة، ويختلق عليهم طامات كهذه .

وأنى يصدق أنه لما خرج من دار من جنى عليه وهو مقصوص اللسان وقد ملأ فمه دمه، ولاذ بالحجرة الشريفة باكيا قلقا من شدة الألم، ما باه له أي أحد، وما عرفت مع هذه كلها من أمره قذ عملة، ولا تنبه لأمره سدنة الحضرة الشريفة ؟ وما بال الرجل لم يمط الستر في وقته عن جناية عدو خليفته، ولم يفش سره ، ولم يعلن كرامة الصديق، ولم يفضح عدوه، ولم يعرب عن هذه المكرمة الغالية ، ولم يقرط الآذان بسماعها، وينبس أمره ولم ينبشه، كأن لسانه بعد مقطوع، وأنه لم يجده في فيه صحيحا ؟ أو رضي بأن يفشفش(1) بعده أعلام قومه ؟ وإن تعجب فعجب عود هذا الشحاذ الجرئ إلى سؤاله مرة ثانية في سنته القابلة بعد أن رأى ما رأى قبل أن أعوم، ووقوفه في ذلك الموقف الخطر في قبة العباس يوم عاشوراء، ومضيه من دون أي تحاش إلى تلك الدار التي وقعت فيها واقعته الخطرة الهائلة، ودخوله فيها رابطا جأشه، وإلقاءه نفسه إلى التهلكة، ولم يكن يعرف شيئا من قصة الشيعي ومسخه، ولا من حنو الشاب وعطفه، وقد قال الله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة .

ولعله كان في هذه كلها على ثقة وطمأنينة من أنه قط لا يبقى بلا لسان، وأن لسانه مهما قطع يرد إليه كما كان من بركة الخليفة، وهو في حسبانه هذا وقدومه إلى المهالك مجتهد وله أجره وإن أخطأ كاجتهاد سلفه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فشفش: أفرط في الكذب، وانتحل ما لغيره .

/ صفحة 256 /

وقد أنصف الشيخ الصالح المدني في اختلاق هذه القصة على شيعي كبير لم يولد بعد ولم تسمه أمه.

وجاء غيره بأسطورة معتوه قموص الحنجرة(1) وافتجر(2) في القول و أفجس(3) ألا وهو الشيخ عليا المالكي، قال الشيخ إبراهيم العبيدي المالكي في عمدة التحقيق المطبوع بمصر في هامش روض الرياحين ص 133: سمعت خالي العالم الشيخ عليا المالكي يقول: إن الرافضي إذا أشرف على الموت يقلب الله صورة وجهه وجه خنزير فلا يموت إلا إذا مسخ وجهه وجه خنزير، ويكون ذلك علامة على أنه مات على الرفض، فيستبشرون بذلك الروافض، وإن لم يقلب وجهه عند الموت يحزنون ويقولون: إنه مات سنيا، إنتهى .

وتخرق بعض الثقات في تاريخ حلب شاهدا على هذه المخرقة فقال: لما مات ابن منير(4) خرج جماعة من شبان حلب يتفرجون فقال بعضهم لبعض: قد سمعنا أنه لا يموت أحد ممن كان يسب أبا بكر وعمر إلا ويمسخه الله تعالى في قبره خنزيرا ولا شك أن ابن منير كان يسبهما، فأجمعوا رأيهم على المضي إلى قبره، فمضوا ونبشوه فوجدوا صورته خنزيرا ووجهه منحرفا عن جهة القبلة إلى جهة الشمال، فأخرجوا على قبره ليشاهده الناس ثم بدا لهم أن يحرقوه فأحرقوه بالنار وأعادوه في قبره وردوا عليه التراب وانصرفوا ، وذكره العلامة الجرداني في مصباح الظلام المؤلف سنة 1301 والمطبوع بمصر سنة 1347 وقرظه جمع من الأعلام ألا وهم كما في آخر الكتاب: العالم العفيف السيد محمود أنسي الشافعي الدمياطي، والعلامة الشيخ محمد جودة، والعلامة الأوحد الشيخ محمد الحمامصي، وحضرة الفاضل اللبيب الشيخ عطية محمود قطارية، والعالم العامل الشيخ محمد القاضي، وحضرة الشاعر اللبيب محمد أفندي نجل العلامة الشيخ محمد النشار .

ليست هذه النفثات إلا كتيت(5) الإحن، ونغران(6) الشحناء.

وإن شئت قلت :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يقال فلان قموص الحنجرة: أي كذاب .

(2) افتجر في الكلام: أي اختلقه وذكره من غير أن يسمعه من أحد .

(3) أفجس: افتخر بالباطل.

(4) أحد شعراء الغدير مرت ترجمته في الجزء الرابع ص 279 - 289 ط 2 مات في دمشق ثم نقل إلى حلب فدفن بها.

(5) الكتيت: صوت غليان القدر والنبيذ ونحوهما .

(6) نغر الرجل على فلان نغرا ونغرانا: غلا جوفه عليه غضبا.

/ صفحة 257 /

إنها سكرة الحب، وسرف المغالاة.

قد أعمت الأهواء بصاير أولئك الرجال فجاؤا بهذه المخاريق المخزية، والأفائك المزخرفة، بيتوها غير مكترثين لمغبة صنيعهم، و لا متحاشين عن معرة قيلهم، وشتان بينها وبين أدب الدين، أدب العلم، أدب التأليف ، أدب العفة، أدب الدعاية والنشر.

إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا، ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول .

كأن هؤلاء يحدثون عن أمة بائدة لم يبق لها الملوان من يشاهده أحد من الأجيال الحاضرة، أو ليست الشيعة هؤلاء الذين هم مبثوثون في أرجاء العالم وأجواء الأمم، يشاهدهم كل ذي بصر وبصيرة أحياء وأمواتا ؟ فمن ذا الذي شهد أحدهم أنه انقلب عند موته خنزيرا غير أولئك الشبان الموهومين الذين شاهدوا ابن منير في قبره ؟ وهل الشيخ عليا المالكي هو وجد أحدا من الشيعة كما وصفه ؟ أو روي له ذلك الإفك فوثق به كما وثق العبيدي ؟ وهل كان يمكنه أن يقف على الموتى جميعا أو أكثرهم وليس هو بمغسل الموتى أو من حفاري القبور ولا من نباشيها ؟ على أن التشيع ليس من ولائد تلكم العصور وإنما بدء به منذ العهد النبوي ، فهل كان السلف الشيعي من الصحابة والتابعين يموتون كذلك وكان فيهم من يعرف بالتشيع كأبي ذر وسلمان وعمار والمقداد وأبي الطفيل ؟ فهل يسحب هذا الرجل ذيل مزعمته إلى ساحة أولئك الأعاظم ؟ قطعت جهيزة قول كل خطيب(1) .

- 10 -

أبو بكر شيخ يُعرف، والنبي شاب لا يُعرف

عن أنس بن مالك قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأبو بكر شيخ يعرف والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف فيلقى الرجل أبا بكر(2) فيقول: يا أبا بكر ! من هذا الذي بين يديك ؟ فيقول: يهديني السبيل، فيحسب الحاسب أنه يهديه الطريق وإنما يعني سبيل الخير .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مثل يضرب لمن يقطع على الناس ماهم فيه بحماقة يأتي بها ، (2) في الانتقال من بني عمرو.

كذا قاله القسطلاني في إرشاد الساري 6 ص 214 وبنو عمرو ابن عوف هم من الأنصار النازلين بقباء كان قد نزل عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله في هجرته إلى المدينة كما يأتي تفصيله.

/ صفحة 258 /

وفي لفظ: إن أبا بكر كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم وكان أعرف بذلك الطريق فيراه الرجل يعرفه فيقول: يا أبا بكر ! من هذا الغلام بين يديك ؟ وفي لفظ أحمد: كانوا يقولون: يا أبا بكر ! ما هذا الغلام بين يديك ؟ فيقول: هذا يهديني السبيل.

وفي لفظ : قالوا: يا أبا بكر ! من هذ الذي تعظمه هذا الاعظام ؟ قال: هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني .

م وفي رواية: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء أبي بكر ناقته.

وفي التمهيد لابن عبد البر: إنه لما أتي براحلة أبي بكر سأل أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ويردفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنت اركب وأردفك أنا فإن الرجل أحق بصدر دابته .

فكان إذا قيل له: من هذا وراءك ؟ قال: هذا يهديني السبيل ] .

وفي لفظ: لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة تلقاه المسلمون فقام أبو بكر للناس، وجلس النبي صامتا، وأبو بكر شيخ والنبي شاب، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يجئ أبا بكر فيعرفه بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرفه الناس عند ذلك .

صحيح البخاري باب هجرة النبي 6: 53، سيرة ابن هشام 2: 109، طبقات ابن سعد 1: 222، مسند أحمد 3: 287، معارف ابن قتيبة ص 75، الرياض النضرة 1: 78 ، 79، 80، المواهب اللدنية 1: 86، السيرة الحلبية 2: 46، 61 .

قال الأميني: ما أنزل الدهر نبي الاسلام حتى قيل: إنه شاب لا يعرف.

كأنه غلام نكرة اتخذه شيخ انتشر صوته كصيته بين الناس دليلا في مسيره يرتدفه تارة و يمشيه بين يديه أخرى ومهما سأل عنه قول: هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني ، كأن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله لم يكن ذلك الذي كان يعرض نفسه على القبائل في كل موسم فعرفوه على بكرة أبيهم من آمن منهم ومن لم يؤمن، خصوصا الأنصار المدنيون منهم وفيهم رجال الأوس والخزرج، وقد بايعوه عند العقبة الأولى مرة، وبايعه منهم مرة ثانية عند العقبة ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان ، وكأنه صلى الله عليه وآله لم يكن ذلك الذي أمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة قبله، وكان بتلك الهجرة غلقت أبواب، وخلت دور أناس من السكنى، وهاجر أهلها رجالا ونساءا

/ صفحة 259 /

وكان في مقدم المهاجرين ما يناهز ستين رجلا، فلم يبق في مكة المعظمة من أسلم معه صلى الله عليه وآله إلا أمير المؤمنين وأبو بكر وكأن المدينة ليست بدار بني النجار وهم خؤولة النبي الأقدس .

وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن الذي إتخذ المدينة قاعدة ملكه، وعاصمة حكومته ، ومعسكر نهضته، فبث فيها رجاله وخاصته من أهلها ومن المهاجرين فكانوا يرقبون مقدمه الشريف في كل حين حتى، إذا وافوه مقبلا عليهم استقبلوه بقضهم وقضيضهم وفيهم أهل البيعتين ومن تقدمه من المهاجرين وكلهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم، وإنه صلى الله عليه وآله مكث في قباء عند بني عمرو بن عوف أياما وليالي حتى أسس مسجده الشريف فيها ، فعرفه كل من في قباء ممن لم يكن يعرفه قبل من رجال الأوس والخزرج، واتصل به كل من قدمها من المدينة فعرفوه جميعا، وقد صلى الجمعة في قباء وفي بطن الوادي وادي رانونا وائتم به من حضر المسلمين عامة .

وبقضاء من الطبيعة أن الناس عند التطلع إلى رؤيته صلى الله عليه وآله كان يومي إليه كل عارف، ويسأل عنه كل جاهل، ويتقدم المبايعون إلى التعرف به والتزلف إليه، فلا يبقى في المجتمع جاهل به حتى يسأل أبا بكر عنه في انتقاله من بني عمرو وبقوله: من هذا الغلام بين يديك يا أبا بكر ؟ ! فكأن القادم رجل عادي ما دوخ صيته الأقطار، ولم يره بشر من ذلك الجمع الحافل، ولم يحتفل به ذلك الاحتفال، ولا احتفى به تلك الحفاوة، وما صعدت ذوات الخدور على الاجاجير(1) وما هزجت الصبيان والولائد بقولهن .

طلع البــــــدر علينا * من ثنيات الــــوداع

وجـــب الشكر علينا * مــــــا دعـــا لله داع

أيهــــا المبعوث فينا * جئت بالأمر المطاع

وكأنه قدم في صورة منكرة بلا أي تقدمة إلى بلد لا يعرفه فيه أحد حتى خص السؤال عنه بأبي بكر فحسب .

ثم ما هذه التعمية في جواب أبي بكر بقوله: إنه يهديني السبيل يريد سبيل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جمع الإجار بكسر الأول وتشديد الجيم: السطح.

/ صفحة 260 /

السعادة فيحسب الحاسب أنه يهديه الطريق ؟ الخوف كانت ؟ ولم يرد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا على العدة والعدد والمنعة والعزة، وقد بايعته الأنصار على التفاني دونه.

أو كان يخاف أبو بكر قريشا وهو في حصن الدين المنيع ودرعه الحصينة ؟ أم كانت لغير ذلك ؟ فاسأل عنه خبيرا.

والعجب كل العجب أن رجلا هذه سيرته في التقية عن الناس في عاصمة الاسلام بين فرسان المهاجرين والأنصار كيف صح عنه ما جاء عن ابن مسعود وما روي عن مجاهد مرسلا من قولهم: إن أول من أظهر الاسلام سبعة: رسول الله، وأبو بكر . الخ(1).

على أن الحالة كانت تقتضي أن يسأل كل قادم إلى المدينة يوم ذاك عن شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وأوان نزوله بها لا عن الغلام بين أيدي أبي بكر .

والعجب أن الجهل برسول الله في مزعمة هذا الراوي ! كان مستمرا بين مستقبليه " وكلهم نفوسهم نزاعة إلى عرفانه والتبرك برؤيته " حتى ظلله أبو بكر بردائه فعرفه الناس عند ذلك .

ومتى كان أبو بكر شيخا والنبي شابا وهو صلى الله عليه وآله أكبر منه بسنتين وعدة أشهر كما يأتي تفصيله إنشاء الله ؟ وابن قتيبة أخذ هذا الحديث بظاهره فقال في المعارف ص 75 : هذا الحديث يدل على أن أبا بكر كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة ، والمعروف عند أهل الأخبار ما حكيناه. ا ه‍.

وحكي قبل هذا أن رسول الله صلى الله عليه وآله هو أكبر سنا من أبي بكر .

نعم: عرف شراح البخاري من المتأخرين موضع الغمز فأولوا كون أبي بكر شيخا بظهور الشيب في لحيته.

وكون النبي شابا بسواد كريمته، والعارف بأساليب الكلام يعلم أنه تمحل محض، وأن المفهوم من تلك كما فهمه ابن قتيبة: كون أبي بكر شيخا ورسول الله شابا لا غير ذلك.

وإلا فما معنى قولهم: ما هذا الغلام بين يديك ؟ و : من هذا الغلام بين يديك ؟ ومن المعلوم أن الغلام لا يطلق على من عمر خمسون سنة تقريبا مهما اسود عارضه .

وعلى صحة هذا التأويل أين المأولون من صحيحة ابن عباس قال: قال أبو بكر :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ ابن كثير 3: 58، تأريخ ابن عساكر 6 ص 448.

/ صفحة 261 /

يا رسول الله ! قد شبت ؟ قال: شيبتني هود والواقعة. الحديث.

وروى مثله الحفاظ عن ابن مسعود، وفي لفظ أبي جحيفة: قالوا: يا رسول الله ! نراك قد شبت ؟ قال: شيبتني هود وأخواتها(1) .

فهذه الصحيحة تعرب عن أنه صلى الله عليه وآله كان قد بان فيه الشيب على خلاف الطبيعة ، وأسرع فيه حتى أصبح مسئولا عنه وعما أثره فيه صلى الله عليه وآله فأين منها ذلك التأويل البارد ؟ وربما يقال في حل مشكلة(يعرف ولا يعرف): إن أبا بكر كان تاجرا عرفه الناس في المدينة عند اختلافه إلى الشام، لكنه على فرض تسليم كونه تاجرا، وعلى تقدير تسليم سفره إلى الشام ودون إثباته خرط القتاد، مقابل بأن رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا كان يحاول التجارة يستطرق المدينة إلى الشام، فلو كانت التجارة بمجردها تستدعي معرفة الناس بالتاجر فهو في النبي الأعظم أولى لأن شرفه المكتسب ، وشهرته وبالأمانة، وعظمته في النفوس، وتحليه بالفضائل، وبروز عصمته وقداسته عند الناس من أول يومه، وشرفه الطائل في نسبه، أجلب لتوجه النفوس إليه، بخلاف التاجر الذي هو خلو من كل ذلك .

على أن التاجر متى هبط مصرا فعارفوه رجال معدودون ممن شاركوه في الحرفة، أو شارفوه في المعاملة، وهذا التعارف يخص بأناس تعد بالأنامل لا عامة الناس كما حسبوه، وأنى هذا من سفر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وأبو بكر يوم ذاك يرضع من ثدي أمه، خرجت به صلى الله عليه وآله أم أيمن لما بلغ ست سنين من عمره إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزور به أخواله، فنزلت به في دار النابغة رجل من بني عدي بن النجار فأقامت به شهرا.

ومما وقع في تلك السفرة : قالت أم أيمن: أتاني رجلان من اليهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا : أخرجي لنا أحمد.

فأخرجته ونظرا إليه وقلباه مليا ثم قال أحدهما لصاحبه: هذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه الحافظ الترمذي في جامعه، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وأبو يعلى ، والطبراني، وابن أبي شيبة، والحاكم في المستدرك 2: 343 وصححه هو وأقره الذهبي، والقرطبي في تفسيره 7: 1.

وأبو نصر في اللمع ص 280، وابن كثير في تفسيره 2: 435، والخازن في تفسيره 2: 335.

/ صفحة 262 /

نبي هذه الأمة، وهذه دار هجرته، وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم.

قالت أم أيمن: وعيت ذلك كله من كلامهما(1) أبعد هذه كلها، وبعد تلكم الإرهاصات للنبوة التي ملأت بين الخافقين، وبعد ذلك الصيت الطائل الذي دوخ الأقطار، وبعد مضي خمسون سنة من عمره الشريف صلى الله عليه وآله رسول الله شاب لا يعرف وأبو بكر شيخ يعرف، يسأل عنه: من هذا الغلام بين يديك ؟ ولايضاح هذه الجمل من الحري أن نسرد كيفية هجرته صلى الله عليه وآله حتى تزيد بصيرة القارئ على موقع الإفك من هذه المجهلة المأثورة في الصحاح والمسانيد الصادرة عن الغلو في الفضائل عميا وصما. فأقول :

* (الأنصار في البعتين) *

كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعرض نفسه على القبائل في المواسم إذا كان يدعوهم إلى الله ويخبرهم إنه نبي مرسل فعرض نفسه على كندة. وعلى بني عبد الله بطن من كلب. وعلى بني حنيفة. وعلى بني عامر بن صعصعة. وعلى قوم من بني عبد الأشهل . فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وآله وإنجاز موعده له خرج صلى الله عليه وآله وسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا وفيهم : أسعد بن زرارة أبو أمامة النجاري. وعوف بن الحرث بن عفراء. ورافع بن مالك. وقطبة بن عامر بن حديدة. وعقبة بن عامر بن نابي. وجابر بن عبد الله .

فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم الاسلام، وتلا عليهم القرآن فأجابوه فيما دعا إليهم ثم انصرفوا عنه صلى الله عليه وآله راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا .

فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة الأولى فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض عليهم الحرب. وهم :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) دلائل النبوة لأبي نعيم 1: 50، صفة الصفوة لابن الجوزي 1: 20 تاريخ ابن كثير 2: 279 بهجة المحافل 1: 44.

/ صفحة 263 /

أبو أمامة أسعد بن زرارة. وعوف بن عفراء. ومعاذ بن عفراء. ورافع بن مالك . وذكوان بن عبد قيس. وعبادة بن الصامت. ويزيد بن ثعلبة. والعباس بن عبادة . وعقبة بن عامر. وقطبة بن عامر. وأبو الهيثم بن التيهان. وعويم بن ساعدة .

قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى: على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف .

فلما انصرف القوم عنه صلى الله عليه وسلم بعث رسول الله معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وأمره أن يقرأهم القرآن، ويعلمهم الاسلام، ويفقههم في الدين، ويقيم فيهم الجمعة والجماعة، وكان مصعب يسمى بالمدينة: المقرئ، وكان منزله على أسعد بن زرارة أبي أمامة.

النجاري وكان يصلي بهم الجمعة والجماعة فأقام عنده يدعوان الناس الاسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون .

ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق.

قال كعب: فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد ساداتنا وشريف من أشرافنا أخذناه معنا، ثم دعوناه إلى الاسلام فأسلم وشهد معنا العقبة، و كان نقيبا، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب أم عمارة. وأسماء بنت عمرو أم منيع .

قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الاسلام ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.

فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك عما نمنع منه أزرنا(1) فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحروب، وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجوا إلي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أزرنا: يعني نساءنا، والمرأة يكنى عنها بالإزار.

/ صفحة 264 /

منكم اثنى عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم.

فأخرجوا منهم اثنى عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وهم : 1 - أبو أمامة أسعد بن زرارة الخزرجي .

2 - سعد بن الربيع بن عمرو الخزرجي .

3 - عبد الله بن رواحة بن امرؤ القيس الخزرجي .

4 - رافع بن مالك بن العجلان الخزرجي .

5 - البراء بن معرور بن صخر الخزرجي .

6 - عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي .

7 - عبادة بن الصامت بن قبس الخزرجي .

8 - سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي .

9 - المنذر بن عمرو بن خنيس الخزرجي .

10 - أسيد بن حضير بن سماك الأوسي .

11 - سعد بن خيثمة بن الحرث الأوسي .

12 - رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر الأوسي.

وقد يعد بمكانه أبو الهيثم ابن التهيان .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي: يعني المسلمين.

قالوا: نعم .

قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: يا معشر الخزرج ! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا: نعم.

قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتل استلمتموه ؟ فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فهو والله خير الدنيا والآخرة.

قالوا فإنا نأخذ على مصيبة الأموال قتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله ! إن نحن وفينا ؟ قال: الجنة.

قالوا: أبسط يدك فبسط يده فبايعوه .

فقال له العباس بن عبادة: والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل

/ صفحة 265 /

منى غدا بأسيافنا ؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك ولذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم .

فرجعوا إلى مضاجعهم.

فلما قدموا المدينة أظهروا الاسلام بها وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك.

وكان أهل بيعة العقبة الآخرة ثلاثة وسبعين رجلا و امرأتين وهم :

أسيد بن حضير النقيب * أبو الهيثم بن التيهان النقيب * سلمة بن سلامة الأشهلي

ظهير بن رافع الخزرجي * أبو بردة بن نيار بن عمرو * نهير بن الهيثم الحارثي

سعد بن خيثمة النقيب * رفاعة بن عبد المنذر النقيب * عبد الله بن جبير بن النعمان

معن بن عدي بن الجلد * عويم بن ساعدة الأوسي * أبو أيوب خالد الأنصاري

معاذ بن الحارث الأنصاري * أسعد بن زرارة النقيب * سهيل بن عتيك النجاري

أوس بن ثابت الخزرجي * أبو طلحة زيد بن سهل * قيس بن أبي صعصعة النجاري

عمرو بن غزية الخزرجي * سعد بن الربيع النقيب * خارجة بن زيد الخزرجي

عبد الله بن رواحة النقيب * بشير بن سعد الخزرجي * خلاد بن سويد الخزرجي

عقبة بن عمرو الخزرجي * زياد بن لبيد الخزرجي * فروة بن عمرو الخزرجي

خالد بن قيس الخزرجي * رافع بن مالك النقيب * ذكوان بن عبد قيس الخزرجي

عبادة بن قيس الخزرجي * الحارث بن قيس الخزرجي * البراء بن معرور النقيب

بشر بن البراء الخزرجي * سنان بن صيفي الخزرجي * الطفيل بن النعمان الخزرجي

معقل بن المنذر الخزرجي * يزيد بن المنذر الخزرجي * مسعود بن يزيد الخزرجي

الضحاك بن حارثة الخزرجي * يزيد بن خزام الخزرجي * جبار بن صخر الخزرجي

الطفيل بن مالك الخزرجي * كعب بن مالك الخزرجي * سليم بن عمرو الخزرجي

قطبة بن عامر الخزرجي * يزيد بن عامر الخزرجي * كعب بن عمرو الخزرجي

صيفي بن سواد الخزرجي * ثعلبة بن غنمة السلمي * عمرو بن غنمة السلمي

عبد الله بن أنيس السلمي * خالد بن عمرو السلمي * عبد الله بن عمر النقيب

جابر بن عبد الله السلمي * ثابت بن ثعلبة السلمي * عمير بن الحارث السلمي

خديج بن سلامة بن الفرافر * معاذ بن جبل الخزرجي * أوس بن عباد الخزرجي

عبادة بن الصامت النقيب * غنم بن عوف الخزرجي * العباس بن عبادة الخزرجي

/ صفحة 266 /

أبو عبد الرحمن بن الخزرجي * عمرو بن الحرث الخزرجي * رفاعة بن عمرو الخزرجي

عقبة بن وهب الجشمي * سعد بن عبادة النقيب * المنذر بن عمرو النقيب

عوف بن الحارث الأنصاري * معوذ بن الحارث الأنصاري * عمارة بن حزم الأنصاري

عبد الله بن زيد مناة الخزرجي .