عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

سيرة حياة العلامة عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

 

تمضي أجيال الانسانية على سنتها ويبقى الخلود سر من اسرار الله تعالى ذكره في خلقه، فكم انتجت الامم من العلماء، وأثمرت البقاع والبيئات العلمية من العباقرة وسادة العلم وجهابذة الفنون، إلاّ ان الخالدين منهم أقل قليلهم، واذا أرتبط هذا الانسان بالحق سبحانه وسار بنهجه كان من الخالدين، وبقاء ذكر الشيخ الاميني (قده) على مرّ العقود يبقى لانه متصل بنهج الله وحبله في خلقه [ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ] آل محمد صلوات الله عليهم، والغدير سراج خلود الشيخ الاميني الذي ولد في مدينة تبريز عام 1320ه –   19م، وكان ابوه الشيخ أحمد بن الشيخ نجف علي الملقب بأمين الشرع – ومنه لقب الاميني – بن الشيخ عبد الله صاحب علم وتقى، فورث الاميني (قده) عن أهله المجد كابراً عن كابر فدرس أوليات العلوم عند والده ، ثم تتلمذ على آخرين بتردده إلى مدرسة الطالبية ، وهي من أهم مراكز الثقافة ومعاهد العلم المعروفة بتبريز يوم ذاك ، وما زالت قائمة حتى الآن . فقرأ مقدمات العلوم ، وأنهى سطوح الفقه والاصول على عدد من أجلة علماء تبريز ، أمثال :

1-  آية الله السيد محمد بن عبد الكريم الموسوي الشهير بمولانا .

2-  آية الله السيد مرتضى بن أحمد بن محمد الحسيني الخسروشاهي .

3-  آية الله الشيخ حسين بن عبد علي التوتني .

4-  العلامة الحجة الشيخ ميرزا علي أصغر ملكي .

 

سفره إلى النجف
وبعد أن بلغ الشيخ الأميني عند هؤلاء الفطاحل مرتبة سامية ، وأنهى دراسة الدور الذي يدعى بالسطوح ، وتأهل للحضور في مرحلة درس الخارج ، غادر مسقط رأسه ، قاصداً الجامعة الإسلامية الكبرى (النجف الأشرف) فحلها ، واستوطن بلدة باب مدينة علم الرسول (ص) معتكفا على طلب العلم ، ساهرا على تحصيل المعارف من فيض تلك البقعة المقدسة، جادا في بلوغ مراتب الكمال والفضيلة ، فحضر على جمع من مهرة الفن، وجهابذة العصر ، وتلقى الينبوع الصافي من لدن عمالقة الفقه والأصول والكلام أمثال:

1-  آية الله السيد محمد باقر الحسيني الفيروزآبادي

2-  آية الله السيد أبو تراب بن أبي القاسم الخوانساري . 

3-  آية الله الميرزا علي بن عبد الحسين الايرواني .

4-  آية الله الميرزا أبو الحسن بن عبد الحسين المشكيني .

 

عودته إلى تبريز

قضّى الأميني (رحمه الله) عند هؤلاء الأعلام أعواما ، انتهل من فيض علومهم ، وتزود من معارفهم ، وتلقى منهم الفضائل والكمال ، ونال درجة رفيعة من العلم ، ورتبة سامية من المعرفة ، وحظا وافرا من الأدب ، ثم عاد إلى مسقط رأسه ، وحط بها رحل المقام فترة غير قصيرة . كان له بها مجالس وعظ وارشاد في تهذيب النفوس وتوجيهها توجيها إسلامياً ، وتغذية أبناء مدينته ببنات أفكاره وآرائه من المعارف الدينية ، على ضوء الكتاب السماوي القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، وأحاديث أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا . وقد تركت تلك المدارس الإصلاحية ، وتوجيهاته الدينية ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أطيب الأثر في نفوس هواة محافله ومجالسه ، وأبقت له ذكراً خالداً إلى الأبد .

وفي أثناء تلك الخطوات الاصلاحية ، وأداء الواجب الديني ، عكف على المطالعة والتحقيق والتأليف ، وخصص لها شطرا من وقته كل يوم ، وكانت ثمراتها اليانعة تأليفه النفيس (تفسير فاتحة الكتاب)، وهو أول خطوة خطاها في هذا الميدان المقدس ، وقد قام بتدريس بحوث كتابه هذا في المجالس التي كان يحاضر بها .

 

توطنه النجف الأشرف
وبعد برهة رأى أن روحه التواقة للعلم ، وشغفه النفسي يهفوان به إلى المزيد من الفضل والكمال ، ويدفعانه إلى مركز القداسة والعظمة (النجف الأشرف)، حيث التزود من قدسية تلك المدينة الطيبة ، والبقعة المشرفة التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه ، والاستفاضة من حلقات دروسها، والانتهال من ندواتها الزاخرة التي تتجلى فيها أنواع العلوم بأسمى حقائقها وأعمق مراحلها ، لذلك عاد إليها ، قاصدا توطنها ، تاركا خلفه جل ما هيئ له في وطنه من رغد العيش ، والمقام الرفيع والجاه والمنزلة ، غير مكترث بالرئاسة الروحية التي كانت لوالده (رحمه الله) ، والمنزلة التي كانت تتحلى بها اسرته .

أساتذته وأجتهاده

وبعد أن حل تلك التربة الزكية ، واستوطن تلك المدينة الطيبة وفيها حضر على جمع من فطاحل العلم ، وجهابذة الفكر وأروى ظمأ قلبه من بنات أفكارهم فبلغ بدراسته المرتبة التي كان يطلبها ، وأحرز درجة عالية في الفلسفة والكلام ، واجتهاداً في الفقه ، وتبحراً في الأصول ، وألّف بهما ، وجمع محاضرات أساتذته في الفقه والأصول ، وعلق عليهما ، شأن غيره من تلامذة تلك العاصمة الدينية ، والمركز العالمي للثقافة الإسلامية ، وبلغ رتبة الاجتهاد في المعقول والمنقول ، وحاز على شهاداتهما ممن كانت الزعامة الشيعية منوطة بهم .

وقد عرف أساطين العصر ، وقادة العلم في ذلك اليوم ما بلغه الأميني من مراتب العلم ، وما حازه من مدارج الفضيلة والكمال ، ووقفوا على طول باعه ، وغزير علمه ، وفضله الكثير في الصنوف التي خاض غمارها ، فقلد وسام الاجتهاد ، ومنح استقلال الرأي والإفتاء من لدن كل من :

1- آية الله المرحوم السيد ميرزا علي ابن المجدد الشيرازي .

2- آية الله المرحوم الشيخ الميرزا حسين النائيني النجفي .

3- آية الله المرحوم الشيخ عبد الكريم بن المولى محمد جعفر اليزدي الحائري.

4- آية الله المرحوم السيد أبو الحسن بن السيد محمد الموسوي الاصفهاني .

5- آية الله المرحوم الشيخ محمد حسين بن محمد حسن الاصفهاني النجفي الشهير بالكمباني .

6- آية الله المرحوم الشيخ محمد الحسين بن الشيخ علي آل كاشف الغطاء .

 

مشايخه في الرواية

تيمنا بالدخول في سلك حملة أحاديث آل الرسول صلوات الله عليه وعليهم ، وتبركاً بالانخراط في سلك العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ، ولاتصال مروياته من الأخبار بالنبي الطاهر وأهل بيته الأطياب صلوات الله عليهم أجمعين ، وصيانتها عن القطع والارسال ، منح من المشايخ الأجلة وأئمة الحديث الاذن في رواية ما اثر عن المعصومين صلوات الله عليهم ، ولكل من هؤلاء المشايخ والمحدثين طرقه المتعددة في رواية الحديث من فطاحل المحدثين وجهابذة الراوين إلى النبي الأعظم (ص) وأهل بيته (ع) .

وقد حررت هذه الوثائق التأريخية منمقة بخطوط مصدريها وموشحة بتواقيعهم ، وهم :

1- آية الله المرحوم السيد أبو الحسن الموسوي الاصفهاني .

2- آية الله المرحوم السيد الميزا علي الحسيني الشيرازي .

3- آية الله المرحوم الشيخ علي أصغر ملكي التبريزي .

4- آية الله المرحوم السيد آغا حسين القمي .

5- الحجة المرحوم الشيخ علي بن إبراهيم القمي .

6- الشيخ محمد علي الغروي الأوردوبادي .

7- الحجة المرحوم الشيخ محمد محسن (آغابزرك) الطهراني ت1390ه.

8- الحجة المرحوم الشيخ الميرزا يحيى بن أسد الله الخوئي .

 

زهده وعبادته

وفي المراحل التي قضاها - رضوان الله عليه - كان ملازماً للزهد والتقى ، ورِعاً ، متعبداً، على جانب كبير من الصلابة الدينية ، عفيف الطبع، لم يأمل اي أنسان ، متوكلا على خالقه بالانقطاع اليه ، رغدا في عيشه البسيط ، وحياته المتواضعة ، وكان ( رحمه الله ) ولِعاً بقراءة القرآن والدعاء والصلوات المسنونة ، إذا قرب الفجر قام إلى صلاة الليل وقرنها بفريضة الصبح ، ثم جلس إلى قراءة القرآن حتى ينهي جزءا كاملا كل يوم، مرتلاً آياته بتدبر وإمعان ، متزودا من حججه وبيّناته ، وبعد تناول طعام الصبح يأوي إلى مكتبته الخاصة ، ويعكف على المطالعة حتى يحضر عنده تلامذته للتزود من بيانه العذب ، وآرائه الحرة في الفقه والاصول ، ويبقى مستمرا على التدريس والبحث حتى يحين أذ%

نوادر من حياة الشيخ الأميني

حياة الشيخ الأميني مليئة بكل ما هو نادر من حوادث الدهر، على الرغم من أن النادرة كما يدل عليه لفظها هي الحادثة الطريفة أو المصادفة الغريبة وهي تمتاز بقلة الوقوع ، غير أن الرجل الذي حباه الله بتسديد ورعاية خاصة كالشيخ الأميني تتكرر في حياته المفارقات النادرة وكأن الله  شاء أن يشيد بذكر هذا الأنسان ويجعل من تاريخ حياته أنموذج خاص تتطلع إليه الأجيال جزاءً لإخلاصه وتفانيه في أداء رسالته والمحافظة على ناموسه ، ونحن في هذه العجالة نود أن نذكر النزر اليسير من تلك الحوادث لكي تكون شاهداً على عظيم منزلة المصنف عند الله تعالى .

 

رؤيا العالم الخوزستاني في الشيخ الأميني

نقل الشيخ حسين الشاكري عن آية الله العلامة الورع المرحوم  السيد محمد تقي الحكيم([2]) صاحب كتاب (الاصول العامة للفقه المقارن) - في النجف الأشرف ، بعد وفاة العلامة الأميني رضوان الله عليه قال : حدثني أحد علماء خوزستان الأجلاء قال : رأيت فيما يرى النائم ، كأن القيامة قد قامت ، والناس في المحشر يموج بعضهم في بعض ، وهم في هلع شديد ، وفي هرج ومرج ، كل واحد منهم مشغول بنفسه ، ذاهل عن أهله وأولاده ، ويصيح : إلهي نفسي نفسي النجاة ، وهم في أشد حالات العطش ، ورأيت جماعة من الناس يتدافعون على غدير كبير ، من الماء الزلال ، تطفح ضفتاه، وكل واحد منهم يريد أن يسبق الآخر لينال شربة من الماء ، كما رأيت رجلا نوراني الطلعة، مهيب الجانب يشرف على الغدير ، يقدم هذا ويسمح لذاك أن ينهل ويشرب ، ويذود آخرين ويمنعهم من الورود والنهل .

قال : عند ذلك علمت أن الواقف على الحوض والمشرف على الكوثر هو الإمام علي أمير المؤمنين (ع)  ، فتقدمت وسلمت على الإمام (ع) فاستأذنت منه لأنهل من الغدير وأشرب ، فأذن لي فتناولت قدحاً مملوءا من الماء فشربته ، ونهلت . وبينما أنا كذلك إذ أقبل العلامة الأميني (قدس سره) فاستقبله الإمام بكل حفاوة وتكريم معانقا إياه ، وأخذ كأسا مملوءا بالماء وهم ان يسقيه بيده الشريفة ، فامتنع الأميني في بادئ الأمر ، تأدبا وهيبة ، ولكن الإمام (ع)  أصرّ على أن يسقيه بيده الكريمة ، فامتثل الأميني للأمر وشرب . قال الشيخ : فلما رأيت ذلك تعجبت ، وقلت : يا سيدي يا أمير المؤمنين ، أراك رحبت بالشيخ الأميني ، وكرمته بما لم تفعله معنا ، وقد أفنينا أعمارنا في خدمتكم وتعظيم شعائركم ، واتباع أوامركم ونواهيكم ، وبث علومكم ؟ ! ! فالتفت إلي الإمام (ع)  وقال : " الغدير غديره " فاستيقظت من نومي وقد عرفت -  حينذاك - ما للعلامة الأميني من منزلة عند الله عز وجل وعند رسوله الكريم وعند أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين([3]) .

 

حجة أخرست الألسن

اجتمع بعض من رجال الدين من أبناء العامة ، وبعض من الشخصيات البارزة في أجهزة الدولة ، ومن العسكريين ، والقضاة حينذاك وغيرهم . اجتمعوا بالحاكم الطائفي (نور الدين النعساني)، وطلبوا منه إحالة " العلامة الأميني " على القضاء ومحاكمته بإثارة الطائفية ، والتفرقة بين المسلمين بسبب تأليفه كتاب (الغدير)، الذي أثار الشبهات على الخلفاء الثلاثة بأحاديث الغدير وغيره . وأخذ هؤلاء النفر يحرضونه على الانتقام منه عن طريق القانون . قال الحاكم (النعساني): آتوني كتابه حتى أقرأه ثم اجيبكم على طلبكم ، فلما جاؤوه بالأجزاء المطبوعة من كتاب " الغدير " طلب منهم مهلة ليقرأه ، وليجد بعض الثغرات القانونية ، والمواد الجرمية ، وليقدمه إلى المحاكمة ويحكم عليه بأقسى مواد القانون دون رحمة أو شفقة . مرت أيام وتبعتها أسابيع والنعساني لم يتطرق إلى كتاب " الغدير " بشيء، على الرغم من الاجتماع بهم الذي كاد يكون يوميا ، ولما طال بهم الانتظار طالبه بعضهم بالجواب . قال : باستطاعتي الحكم عليه بالإعدام وتنفيذه وحرق كتبه ومصادرة أمواله وكل ممتلكاته ، وإجراء أشد التنكيل به وبمن يلوذ به بشرط واحد ، هل تستطيعون تحقيقه ؟ فتحمس المجتمعون وقالوا كلهم : نعم ننفذ ونحقق كلما تطلبه منا . عند ذلك قال : الشرط هو أن تحرقوا جميع مصادركم ، ومسانيدكم ، وكتبكم، وصحاحكم، حتى لا تكون له الحجة علينا عند تقديمه للمحاكمة . فبهت الذين ضلوا وانحرفوا ، واسقط ما في أيديهم وقالوا مستفسرين : كيف يمكن ذلك ؟ ! ! قال : لأن جميع الأحاديث والروايات التي نقلها هي من صحاحكم ، ومسانيدكم ، وسيركم . وأثبتها في كتابه " الغدير " في محاججاته ، ومناظراته ، ومناقشاته . عند ذلك اسقط ما في أيديهم ورجعوا بخفي حنين ، خائبين([4]) .

 

الأميني في الأعظمية

 نقل الأستاذ الفاضل علي جهاد الحساني مدير مكتبة الأمام أمير المؤمنين (ع)  العامة الحالي قائلاً : قد سمعت عن الشيخ الأميني هذه القصة: فيما كان العلامة الأميني ( قدس سره ) مشغولاً في تأليف موسوعته (الغدير)، فاحتاج إلى أحد الكتب النادرة فلم يحصل عليه ، فبدأ يسأل ويبحث عن الكتاب ولكن دون جدوى ، وأخيراً لجأ إلى حرم أمير المؤمنين (ع) يشكو لذلك العظيم ما يعانيه في طلب الكتاب ، وفي ليلة من الليالي رأى فيما يرى النائم أن الإمام أمير المؤمنين (ع) قد جاءه وقال له : إن الكتاب الذي تريده والذي فيه الرواية التي تحتاج إليها يوجد عند العلامة الآلوسي (وهو من أسرة العلامة صاحب تفسير روح المعاني) وكان كبير علماء  بغداد انذاك وموجود في مكتبته الخاصة ، وقد ذكر له (ع)  الرف والكتاب والصفحة والسطر الذي تبدأ فيه الرواية ، ومن الجدير بالذكر أن الألوسي هذا هو الذي أفتى بقتل الأميني .

وفعلاً توجه الشيخ الأميني إلى الأعظمية والتقى بالعلامة الآلوسي وحدثت خلال ذلك مفارقات كثيرة نطوي كشحاً عن ذكرها ، وتمكن الشيخ الأميني من الحصول على ضالته ورجع ظافراً بقضاء حاجته، بعدها افتى الشيخ الالوسي هذه المرة بعدم قتله، وأصبح من خلّص أصدقائه.

الأميني يزور أحد علماء أهل السنة

ذكر الشيخ الأميني:( وقفت في (جريدة الساعة) البغدادية الصادرة في شهر محرم([5]) على قصيدة عصماء للاستاذ حسين علي الأعظمي وكيل عميد كلية الحقوق ببغداد في رثاء الحسين (ع)  واشار في التعليق على بعض أبياتها إلى أن له مؤلفا في حياة الامام أمير المؤمنين (ع)  فأحببت أن اقف عن كثب على تأليفه وأسبر طريقته في ذلك . وإن وجدت لديه نظما في واقعة (الغدير) جعلته ضمن شعراء القرن الرابع عشر الهجري .

فقصدت داره وكانت على مقربة من احدى سفارات الدول الغربية ، فطرقت الباب فخرج الي خادمه فسألته عن الاستاذ فأجاب نعم هو موجود في الدار ، فطلبت مواجهته فخرج الي الاستاذ وما أن رآني اخذ يفكر في السر الذي دعاني الى زيارته ، لِمَ قصد هذا العالم الشيعي زيارتي ؟ أهو بحاجة للتوسط في قبول ابنائه في الجامعة ؟ أم للتوسط في توظيف أحد منسوبيه في احدى الدوائر ؟ فبدأته بالسلام وقلت : أنا أخ لك في الدين ، فان كنت في شك من اسلامك فأنا قبل كل شئ اعترف باسلامك وايمانك لما سبرته في قصيدتك العصماء في رثاء سيدنا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين (ع) من نزعة دينية . وإن كنت في شك من اسلامي فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق . فخرج الاستاذ إلى خارج الدار ومد يده للمصافحة ، عند ذلك بسطت له ذراعي واحتضنته فتبادلنا القبلات وسار بي الى الغرفة الخاصة باستقبال زائريه.

عند ذلك افتتحت الحديث بالكلام حول قصيدته ، وتطرقت الى ما اشار إليه في التعليق على بعض ابياتها وأن له مؤلفا حول الامام علي بن أبي طالب (ع) وانني قصدته من النجف الأشرف لأشكره على قصيدته ورؤية مؤلفه .

وبعد المصافحة وتبادل عبارات الترحيب ، اغتنم الاستاذ الأعظمي الفرصة واراد أن يستخبر ميزان ثقافتي وعلمي ، وما أتحلى به من العلوم الاسلامية فقال : شيخنا ما رأيكم حول كتاب ( عبقرية الامام ) تأليف الاستاذ المصري عباس محمود العقاد ؟ ولم يكن مضى على عرض كتابه في الاسواق التجارية سوى اشهر عديدة ، وقد لاقى إقبالاً كبيراً بين الشباب العربي والاسلامي . قلت : لا اخال أن الاستاذ العقاد كتب ما يشفي الغليل ، إذ ليس بوسعه ولا بوسع أمة من أمثاله عرفان شخصية الامام على حقيقتها مهما جدوا واجتهدوا في ذلك .

عند ذلك سألت الاستاذ الأعظمي قائلا : هل يسعنا أن نقيس الاستاذ العقاد في الفكر والنظر بواحد من العلماء امثال : أبي نعيم الاصفهاني ، الفخر الرازي ، ابن عساكر ، الكنجي الشافعي ، أو أخطب خوارزم واضرابهم ممن كتبوا حول الإمام أمير المؤمنين (ع)  مؤلفاً خاصاً، أو تطرقوا الى ناحية من حياته في تآليفهم ؟ أجاب الاستاذ قائلا : شيخنا ، من الجفاء بحق العلم والعلماء ان نقيس مائة من امثال العقاد بواحد ممن ذكرتم ، إذ ان اولئك اساطين العلم وجهابذة الفكر الاسلامي ، ولا يتسنى لانسان أن يسبر ما كانوا عليه من مكانة سامية في الحديث والتفسير والحكمة والفلسفة وسائر العلوم الاسلامية .

قلت : إذن ما السر في أن اولئك حينما يتطرقون الى ذكر الامام (ع) لم يتفوهوا في وصفه ببنت شفة بآرائهم الخاصة ، بل يذكرونه بما وصفه الوحي الالهي وما روي عن النبي الأعظم (ص) في حقه ؟ قال الاستاذ الأعظمي : هذه نظرية مبتكرة نرجو توضيحها كي نستفيد منها ونقف على السر الكامن فيها . قلت : ألم نكن في دراستنا للمنطق قرأنا قول علمائه : يشترط في المعرَّف أن يكون أجلى من المعَرِف ؟ . فالصحابة وأئمة الحديث حيث وقفوا على قول النبي الأعظم (ص) : (علي ممسوس بذات الله).

وقوله (ص) (يا علي ما عرف الله الا انا وانت ، وما عرفني الا الله وانت، وما عرفك الا الله وأنا)، اهتدوا الى أن وجودا ، هذا جزء يسير من خصائصه وصفاته ، من العسير على الامة عرفان حقيقته الا بما وصفه المولى عز وجل به . فاعلنوا الى الملأ أن عليا من المعنيين بقوله تعالى : [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا]

وقوله تعالى : [ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ]

وقوله تعالى : [ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ]

وقوله تعالى : [ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ ]

وان خير معرف للامام (ع) وخصائصه الذاتية هو ما صرح به النبي الاعظم (ص) من قوله " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "

وقوله (علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق مع علي حيثما دار) وقوله : (علي خير البشر من أبى فقد كفر) وقوله : (علي مع القرآن والقرآن معه ، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض) ونرى الاستاذ العقاد قبل اشهر عديدة نشر كتابا حول الشاعر ابن الرومي وهو من رجال القرن الثالث الهجري ، وله تراجم مسهبة في كتاب التاريخ والسير ، ولم يتحل بشئ من الخصائص فوق خصائص الإنسان في حين أخذ العلماء والاساتذة عليه شطحات كثيرة ، ونشروا حولها مقالات مسهبة لعدم عرفانه بسيرة الرجل وسلوكه ، أو اخطائه في تحليل تاريخ حياته ، أو بعده عن دراسة نفسيته ، أو سوء تفهمه لفلسفة الرجل وشعره.

فمؤلف هذا مبلغه من العلم في الكتابة عن انسان في شاكلته ، وهذه سعة اطلاعه عمن انبرى مئات من الكتاب في الكتابة عنه ، كيف يتسنى له أن يعرف بفكره ونظره شخصية ممسوسة بذات الله ، وان يكتب عن قطب رحى الحق الذي يدور الحق معه حيثما دار ؟ وان كنت أنت أيها الاستاذ قد اتبعت في تأليفك طريقة العقاد فأراني في غنى عن مطالعته ، وان اتبعت في كتابك سيرة السلف واعتمدت في بحثك على كتاب الله وسنة نبيه فسأكون شاكراً لك لو سمحت لي بمطالعته .

اجاب الاستاذ الاعظمي قائلاً : كلا يا شيخ ، انا سرت في كتابي على كتاب الله وسنة نبيه ، وسأكون شاكرا لك مدى الحياة لو سبرت كتابي بدقة وأخذت علي ما فاتني مع ما افضته علي من حديثك العلمي . قلت له : هات بحثك وأظهر رؤوس عناوينه . فاوعز الى أحد انجاله بذلك فأحضر ملفا ضخما كبيرا وقال : أنا قمت بتحليل شخصية الامام شرحا وبيانا في الكلام حول اربعة أحاديث . الاول : قوله (ص) : (علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق معه حيثما دار) . قلت له : أترى هذه فضيلة تخص علياً سلام الله عليه ؟ قال : بلى ، ولم يشاركه فيه أي ابن انثى . قلت : فما تقول في قوله (ص) : (عمار مع الحق والحق مع عمار يدور عمار مع الحق حيثما دار) ؟ وأوعزت الى مصادر الحديث .

وجَمَ الاستاذ حينما سمع ذلك ، وطأطأ برأسه وطرأ على الحفل هدوء مشفوع بتأثر مزعج ، وبعد دقائق رفع الاستاذ رأسه وقال : شيخنا نسفت ربع البحث بحديثك وقضيت على الحول الذي بذلته دونه . قلت له : بل أحييت لك كتابك وأظهرت لك بالحديث الذي ذكرته ما خفي عنك وعن الصحابة قبلك السر الكامن فيه . قال : وما ذلك ؟ قلت : عندما أصحر النبي (ص)  بحديثه حول علي سلام الله عليه ، لم يدرك المجتمع الاسلامي الناحية الهامة الكامنة في الحديث ، لذلك أصحر بحديثه حول عمار ليدرك المجتمع مكانة علي سلام الله عليه الالهية بذلك . ففي حديث علي (ع) جعل النبي (ص)  عليا محورا للحق وقطب رحاه ، قال : (علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق مع علي حيثما دار علي) . وفي حديث عمار قال : (عمار مع الحق والحق مع عمار يدور عمار مع الحق حيثما دار الحق) . وبهذا اراد النبي (ص)  أن يبين للعالم أن عليا (ع) هو قطب رحى الحق ، والحق يدور معه حيثما دار هو سلام الله عليه ، وكل طالب للحق عليه أن يكون على صلة في علي (ع) كي يتسنى له أن يعرف الحق ويتصل به ويسير على نهجه . هنا طرأ على الاستاذ وانجاله فرحة وسرور فقالوا بصوت عال : الله أكبر ، الله أكبر ، ما أحلاه من شرح وتوضيح يقام له ويقعد.

الأميني يودع الدنيا

أبتلي العلامة الشيخ الأميني بمرضه الذي لازم بسببه الفراش ابتداء من سنة 1968 م حتى وفاته في صيف سنة 1970 م . وعلى الرغم من عرضه على عدة أطباء اختصاصيين في بغداد وإدخاله المستشفى مرات عديدة ، إلا أن ذلك لم يجد نفعاً ، فسافر إلى طهران لإتمام علاجه ، غير أن الحالة الصحية للشيخ قد تدهورت أكثر فأكثر على الرغم من كل المحاولات التي بذلها الأطباء في سبيل انعاشها ، وأخيراً قضى الأميني أجله وأنتقل إلى الرفيق الأعلى ليجد تصديق ما أعده الله له من النعيم المقيم ، وكانت وفاته في الثامن والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1390ه –1970م في طهران ، ونقل جثمانه الطاهر بالطائرة إلى بغداد ، ثم نقل  إلى النجف الأشرف وتم تشييعه هناك تشييعاً مهيباً في الثامن من شهر جمادى الأولى وذلك بحضور الألوف من محبيه، وكان الجميع في بكاء وعويل تتقدم السرير صورة الفقيد في وسط موكب يردد أبيات التأبين ، وبعد أن طيف بالجنازة في الحرم الشريف أخرجت للصلاة عليها تقدم المرجع الديني الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي وصلى عليه ، ثم رفعت الجنازة لمثواها الأخير في القبر الذي أعده الشيخ لنفسه بجوار مكتبته الخالدة ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، وقد أرخ وفاته الشيخ فرج العمران القطيفي بهذين البيتين من الشعر.

 

قضى الأميني الإمام الشهير * كاتب موسوعة يوم الغدير

 لم ينعه الناعي ولكنما * مذ أرخوه :جاء ينعى الغدير


وقد رثاه في قصيدة رائعة ولده الشيخ هادي الاميني في التأبين الذي اقيم له في جامع الهندي في مساء يوم الجمعة 27/ جمادي الاولى/1390ه نقتطف منها بعضاً:

ابا الغدير

ذكراك عادت فعاد الجرح ملتهبا ً * ومدمع العلم شجواً ما نضبا

عادت فأحرقت الاحشاء ثانية * تفيض فينا الاسى والحزن والنوبا

وحجبت وجه صبح الحق من حمم * عليك حزناً ليقضي بعض ما وجبا

ففي الجوانح نيران مؤججة * ذابت فلا غرو ان فكري خبا وكبا

كم دمعة سكبت من عين منصدع * يوماً فقدنا بك الاقلام والكتبا

ابا الغدير نصرت الحق في قلم * ازال عن وجهه الاوهام والريبا

كم طاف في مكتبات الكون في شغف * منقباً يقطع البيداء والهضبا

ورواح ينشر سفر المجد متضحاً *  سر (الولاية) اذا اعطى لها الغلبا

ففي (الغدير) كؤوس الهدي مترعة * تروى الظماء شراباً سائغاً عذبا

كفى (الغري) بيوم الفخر ان له * مثل (الاميني) شيخاً طاول السحبا

ذكراك في الكون انسام معطرة * رفت فأبهجت الاعصار والحقبا

وسوف يرفعها التاريخ مفتخراً * مدى الزمان بما اعطى وما وهبا

نم فالغدير لآفاق (الغري) سنى * كالشمس تخترق الافاق والرحبا

 

المؤلفات المخطوطة والمطبوعة للعلامة الأميني

أ) المخطوطة:

1- تعليقات في اصول الفقه على كتاب (الرسائل) للشيخ الانصاري (قد).

2- تعليقات في الفقه على كتاب (المكاسب) للشيخ الانصاري (قد).

3- ثمرات الاسفار إلى الاقطار. (وهو الكتاب الذي بين ايدينا).

4- رجال آذربيجان.

5- رياض الانس.

6- العترة الطاهرة في الكتاب العزيز. أو الايات النازلة في العترة الطاهرة.

7- المجالس.

8- المقاصد العليّة في المطالب السنية وهو في قيد التحقيق.

 

ب) المطبوعة:

أولاُ: التحقيق: كامل الزيارة، لأبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (ت367ه)، مط المرتضوية - النجف/ 1356ه.

ثانياً: التأليف:

1- ترجمة زيارة أمين الله بالفارسية.

2- ادب الزائر لمن يمم الحائر، وقد حُقِق وأُخرج بصورة جديدة، وهو الان تحت الطبع من منشورات المكتبة.

3- سيرتنا وسنتنا.

4- تفسير سورة الفاتحة.

5- شهداء الفضيلة.

6- الغدير في الكتاب والسنة والادب.

 

مستنسخاته ومطالعاته

 وخلال انشغاله بالبحث والتدريس والمطالعة والتحقيق ، وجد نفسه بحاجة إلى اقتناء بعض الكتب المخطوطة من تراثنا الفكري في البحوث الإسلامية ، ولم يتأت ذلك بالشراء والاستعارة ، فجد في القيام باستنساخ جملة من الكتب التي كان بحاجة إليها آنذاك ، وبذل قصارى جهده في كتابتها بخطه الرائع الجميل ، وأكثرها الآن في مكتبته التي أسسها في النجف الأشرف (مكتبة الإمام أمير المؤمنين (ع) العامة ) وما أن خطا خطوته الأولى في هذا السبيل ( استنساخ النوادر ) حتى أخذ طريقه إلى مكتبات النجف العامة والخاصه ، وراح يقضي بها جل نهاره ، ويستنسخ من نفائسها كراريس لبحثه ، ثم يقوم بتنظيمها في مكتبته الخاصه ، غير مكترث بالعوامل الزمنية من الحر والبرد وما شاكل ذلك . وكان (قده) من بين المتأخرين ممن ادركوا نفائس ما تبقى من مخطوطات المكتبة الحيدرية (الخزانة الغروية) التي تحوي نفائس المخطوطات وسبر محتوياتها ، ووقف على أوراقها المبعثرة بدقة وإمعان .

كما تسنى له مطالعة واستنساخ ما تضمنته سائر مكتبات النجف الأشرف الأثرية الخاصة ، وهي تحتفظ - آنذاك - في خزائنها على أنفس المخطوطات الفكرية ، وأثمن التحف العلمية ، التي كانت في مكتبات السلف الصالح من أساطين العلم ، وجهابذة الفكر ، وعمالقة تلك الجامعة الإسلامية الكبرى وغيرهم من علماء الإسلام .

وبعد أن قضى وطره من مكتبات النجف الأشرف ، أخذ يتجول في مدن العراق الأخرى ، فوقف على الكثير من مكتباتها العامة والخاصة وما تتضمنه من النفائس العلمية والفكرية  وطالعها مطالعة تحقيق وتدقيق .

ثم قصد شطر البلدان الإسلامية العريقة بتراثها الضخم ، التي تدخره في خزائنها العتيدة من كنوز الكتب الخطية النادرة . مبتدئا سفره بالقارة الهندية ، ومن ثم قصد البلد الشقيق سوريا ، واردفه بتطوافه بمكتبات العاصمة الإسلامية السابقة القسطنطينية " تركيا " ومكتباتها العريقة في مدن استانبول ، وانقرة ، وازمير ، وغيرها .

ومن بين اهم مستنسخاته ما يأتي:

1- الاجازة الكبيرة لعلماء الحويزة، للسيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الجزائري (ت786ه).

2- الامالي، لمحمد بن محمد النعمان ابو عبد الله الشيخ المفيد (ت413ه).

3- ايضاح دفائن النواصب، للشيخ ابي الحسن محمد بن أحمد بن علي ابن الحسن بن شاذان الفقيه القمي.

4- جذوة السلام في نظم مسائل الكلام، للشيخ محمد بن طاهر السماوي (ت1370ه).

5- جمل الاداب، وهي منظومة شعرية للشيخ محمد بن طاهر السماوي.

6- خصائص الائمة، للشريف الرضي ابي الحسن محمد بن الحسين الموسوي البغدادي (ت460ه).

7- دعائم الاسلام في معرفة الحلال والحرام والقضايا والاحكام المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام)، للقاضي نعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون المغربي المصري (ت363ه).

8- الطرف، لرضي الدين ابي القاسم علي بن موسى بن طاووس الحسيني الحلي (ت446ه).

9- كتاب السقيفة، لسُليم بن قيس الهلالي (ت90ه).

10- المزار الكبير، للشيخ ابي عبد الله محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحائري.

11- المسائل الاربعون الكلامية، للشهيد الاول محمد بن مكي العاملي (ت786ه).

12- نوادر الاثر في أن علياً خير البشر، للشيخ ابي جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري.

13- اليقين في امرة أمير المؤمنين (ع) ، لرضي الدين علي بن موسى ابن طاووس.