عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

-15-

عقيدة الشيعة

تأليف المستشرق روايت م. رونلدسن

 

قد يحسب الباحث رمزا من النزاهة في هذا الكتاب، وخلاء من القذف والسباب المقذع، غير أنه مهما أمعن النظر فيه يراه معربا عن جهل مؤلفه المطبق، وقصر باعه في آراء الشيعة ومعتقداتهم، وعدم عرفانه برجالهم وتراجمهم وتآليفهم، و يجده مع ذلك :

 ذلك الأفاك الأثيم، ذلك الهماز المائن، يخبط خبط عشواء، أو كحاطب ليل لا يدري ما يجمع في حزمته، فجاء يكتب عن أمة عظيمة كهذه ويبحث عن عقائدهم ويستند فيها كثيرا إلى كتب قومه المشحونة بالطامات والآراء الساقطة والمخازي التافهة، والمشوهة بأساطيرهم المائنة، أو إلى تآليف أهل السنة المؤلفة بيد أناس دجالين محدثين الذين كتبوا بأقلامهم المسمومة ما شاءت لهم أهوائهم وأغراضهم الاستعمارية.

 فكشف عن سوأته بمثل قوله في ص 25 :

 يذكر Hlghes في كتابه (قاموس الاسلام) ص 128 قضية طريفة عن عيد الغدير قال :

 وللشيعة عيد في الثامن عشر من ذي الحجة يصنعون به ثلاثة تماثيل من العجين يملئون بطونها بالعسل، وهي تمثل أبا بكر وعمر وعثمان ثم يطعنونها بالمدي فيسيل العسل تمثيلا لدم الخلفاء الغاصبين، ويسمى هذا العيد بعيد الغدير.

 وبمثل قوله في ص 158 : يذكر برتن Burton إن الفرس تمكنوا في بعض الأحيان أن ينجسوا المكان الكائن قرب قبري أبي بكر وعمر بقذف النجاسة الملفوفة بقطعة من الشال، يدل ظاهرها على أنها هدية من الشباك.

 وبمثل قوله في ص 161 : أما الشيعة الاثنى عشرية فيؤكدون أن الإمام جعفر الصادق نص على إمامة ابنه الأكبر إسماعيل بعده، غير أن إسماعيل كان سكيرا، فنقلت الإمامة إلى موسى، وهو الوليد الرابع من بين سبعة أولاد، وكان الخلاف الناجم عن

/ صفحة 321 /

ذلك سببا في حدوث إنقسام كبير بين الشيعة كما أشار إلى ذلك ابن خلدون.

 وبمثل قوله في ص 128 : ادعى عبد الله بن علي بن عبد الله بن الحسين (1) الإمامة، ويروى أن وفدا مؤلفا من اثنين وسبعين رجلا جاء إلى المدينة من خراسان، ومعهم أموال يحملونها إلى الإمام وهم لا يعرفونه، فذهبوا إلى عبد الله أولا فأخرج لهم درع النبي صلى الله عليه وسلم وخاتمه وعصاه وعمامته، فلما خرجوا من عنده على أن يرجعوا غدا لقيهم رجل من أتباع محمد الباقر فخاطبهم بأسمائهم ودعاهم إلى دار سيده فلما حضروا كلهم طلب الإمام محمد الباقر من ابنه جعفر أن يأتيه بخاتمه فأخذه بيده وحركه قليلا وتكلم بكلمات فإذا بدرع الرسول وعمامته وعصاه تسقط من الخاتم، فلبس الدرع ووضع العمامة على رأسه وأخذ العصا بيده فاندهش الناس، فلما رأوها نزع العمامة والدرع وحرك شفتيه فعادت كلها إلى الخاتم، ثم التفت إلى زواره وأخبرهم أنه لا إمام إلا وعنده مال قارون فاعترفوا بحقه في الإمامة ودفعوا له الأموال.

 وقال في تعليقه : انظر دائرة المعارف (2) الإسلامية. مادة قارون.

 سبحانك اللهم ما كنا نحسب أن رجلا يسعه أن يكتب عن أمة كبيرة ويأخذ معتقداتها عمن يضادها في المبدء، ويتقول عليها بمثل هذه الترهات من دون أي مصدر، وينسب إليها بمثل هذه المخازي من دون أي مبرر، فما عساني أن أكتب عن مؤلف حائر بائر ساح بلاد الشيعة، وجاس خلال ديارهم، وحضر في حواضرهم وعاش بينهم (كما يقول في مقدمة كتابه) ست عشر سنة، ولم ير منهم في طيلة هذه المدة أثرا مما تقول عليهم، ولم يسمع منه ركزا، ولم يقرأه في تآليف أي شيعي ولو لم يكن فيهم وسيطا (3).

 ولم يجد في طامور قصاص، فجاء يفصم عرى الأخوة الإسلامية، ويفرق صفوف أهل القرآن، بما لفقته يد الإفك والزور من شاكلته،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ليته دلنا على مدعي الإمامة هذا من ولد الحسين من هو ؟ ومتى ولد ؟ وأين ولد ؟ وأين عاش ؟ وأين مات ؟ وأين دفن ؟ ومتى كان دعواه ؟ لم يكن ممن عاصر الإمام الباقر من ولد جده الحسين غير أخيه عبد الله بن علي بن الحسين، وكان فقيها فاضلا مخبتا إلى إمامة أخيه الباقر فالقضية بهذا الاسم سالبة بانتفاء الموضوع، وفيها ما ينافي أصول الشيعة وقد خفى على الواضع.

(2) هذا الكتاب فيه من البهرجة والباطل شئ هائل يحتاج جدا إلى نظارة التنقيب.

(3) وسيط القوم : أرفعهم مقاما وأشرفهم نسبا. ومن هنا يقال : الحكمة الوسطى.

 

/ صفحة 322 /

ويبهت أرقى الأمم بما هم بعداء منه، ويعزو إليهم بما يكذبه به أدب الشيعة وتحرمه مبادئهم الصحيحة، ويقذفهم بما وضعته يد الإحن والشحنا من أمثال هذه الأفائك الشائنة، فكأن في أذنيه وقرا لم تسمع ذكرا مما ألفه أعلام الشيعة قديما وحديثا في أصول عقائدهم، وكأن في بصره غشاوة لم ير شيئا من تلك التآليف التي ملأت مكتبات الدنيا.

 نعم : إن الذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى.

 فأتعس الله حظ مؤلف هذا شأنه، وجدع أنفه ويريه وبال أمره في الدنيا قبل عذاب الآخرة.

 والخطب الفظيع إن هذا الكيذبان [ وليد عالم التمدن ] مهما ينقل عن تأليف شيعي تجده تارة يمين في نقله كقوله في ترجمة الكليني ص 284 : يقال إن قبره فتح فوجد في ثيابه وعلى هيئته لم يتغير وإلى جانبه طفل كان قد دفن معه فبني على قبره مصلى. ويذكر في التعليق أنه كذلك ص 207 فهرست الطوسي رقم 709.

 ولم يوجد في فهرست الطوسي من هذه القيلة أثر.

 وتارة تراه يحرف الكلم عن مواضعها ويشوه صورتها كما فعل فيما ذكره من زيارة مولانا أمير المؤمنين ص 80 ناقلا عن الكافي للكليني ج 2 (1) ص 321 فإنه أدخل فيها من عند نفسه ألفاظا لم توجد قط فيها لا فيه ولا في غيره من كتب الشيعة.

 أضف إلى هذه فظيعة جهله برجال الشيعة وتاريخهم قال في ترجمة الصحابي الشيعي العظيم سلمان الفارسي :

 يزور كثير من الشيعة قبره عند عودتهم من كربلاء وهو في قرية اسبندور من المدائن ويقول بعضهم (2) :

 إنه دفن في جوار إصفهان.

 و قال ص 268 : والمقداد الذي توفي في مصر ودفن بالمدينة.

 وحذيفة بن اليمان الذي قتل مع أبيه وأخيه في غزوة أحد ودفن في المدينة.

 وقال ص 268 : إن الكليني مات في بغداد ودفن بالكوفة (3) وأكثر النقل عن تبصرة العوام للسيد المرتضى الرازي أحد أعلام القرن السابع ونسبه في ذلك كله إلى السيد الشريف علم الهدى المرتضى مؤرخا وفاته 436.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) والصحيح : ج 1.

 (2) ليته دلتا على ذلك البعض.

 (3) خفى عليه أنه (باب الكوفة) وهو من محلات بغداد.

 

/ صفحة 323 /

ولعلنا نبسط القول حول ما في طيه من أباطيل ومخاريق بتأليف مفرد ونبرهن فساد ما هنالك في ص 20، 21، 24، 34، 36، 43، 47، 59، 60، 63، 72، 77، 80، 83، 91، 92، 100، 101، 110، 111، 114، 115، 122، 126، 128، 151، 158، 161، 170، 174، 185، 192، 208، 211، 235، 253، 268، 280، 282، 284، 295، 296، 304، 320، 329، وغيرها.

 ولا يفوت المترجم عرفاننا بأن يده الأمينة على ودايع العلم لعبت بهذا الكتاب وإنه زاد شوها في شوهه، وبذل كله في تحريفه، وأخنى عليه ورمجه، وقلب له ظهر المجن، وأدخل فيه ما حبذته نفسيته الضئيلة، فتعسا لمترجم راقه ما في الكتاب من التحامل على الشيعة والوقيعة فيهم، فجاء يحمل أثقال أوزار الغرب وينشرها في الملأ ولم يهمه التحفظ على ناموس الاسلام، وعصمة الشرق، وكيان العرب ودينه.

 

(وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم، وليسئلن يوم القيمة عما كانوا يفترون) سورة العنكبوت : 13