عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

-10-

الصراع بين الاسلام والوثنية

تأليف عبد الله على القصيمي نزيل القاهرة

لعل في نفس هذا الاسم دلالة واضحة على نفسيات مؤلفه وروحياته وما أودعه في الكتاب من الخزايات : فأول جنايته على المسلمين عامة تسميته بالوثنية أمما من المسلمين يعد كل منها بالملائين، وفيهم الأئمة والقادة والعلماء والحكماء والمفسرون والحفاظ و الادلاء على دين الله الخالص، وفي مقدمهم أمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. فهل ترى هذه التسمية تدع بين المسلمين ألفة؟ وتذر فيهم وئاما؟ وتبقى بينهم مودة؟ وهل تجد لو اطردت أمثالها كلمة جامعة تتفيأ الأمة بظلها الوارف ؟ نعم : هي التي تبذر بين الملأ الديني بذور الفرقة، وتبث فيهم روح النفرة، تتضارب من جراءها الآراء، وتتباين الفكر، وربما انقلب الجدال جلادا، كفى الله المسلمين شرها. فإلى الدعة والسلام، وإلى الإخاء والوحدة أيها المسلمون جميعا من غير اكتراث لصخب هذا المعكر للصفو، والمقلق للسلام، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء، لا تتبعوا خطوات الشيطان، ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر. وأما ما في الكتاب من السباب المقذع والتهتك والقذائف والطامات والأكاذيب والنسب المفتعلة فلعلها تربو على عدد صفحاته البالغة 1600 وإليك نماذج منها:

 1 - قال : من الظرائف أن شيخا من الشيعة إسمه بيان كان يزعم إن الله يعنيه بقوله : هذا بيان للناس. وكان آخر منهم يلقب بالكسف فزعم هو وزعم له أنصاره إنه المعني بقول الله : وإن يروا كسفا من السماء. الآية. ص ع و 538.

 ج - إن هي إلا أساطير الأولين التي اكتتبها قلم ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص 87، وإن هي إلا من الفرق المفتعلة التي لم تكن لها وجود وما وجدت بعد،

/ صفحة 289 /

وإنما اختلقتها الأوهام الطائشة، ونسبتها إلى الشيعة ألسنة حملة العصبية العمياء نظراء ابن قتيبة والجاحظ والخياط، ممن شوهت صحائف تآليفهم بالإفك الفاحش، وعرفهم التاريخ للمجتمع بالاختلاق والقول المزور، فجاء القصيمي بعد مضي عشرة قرون على تلك التافهات والنسب المكذوبة يجددها ويرد بها على الإمامية اليوم، ويتبع الذين قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل، فذرهم و ما يفترون.

 هب أن للرجلين [ بيان وكسف ] وجودا خارجيا ومعتقدا كما يزعمه القائل وإنهما من الشيعة - وأني له بإثبات شئ منها - فهل في شريعة الحجاج، وناموس النصفة، وميزان العدل، نقد أمة كبيرة بمقالة معتوهين يشك في وجودهما أولا، وفي مذهبهما ثانيا، وفي مقالتهما ثالثا ؟..

 2 - قال : ذكر الأمير الجليل شكيب أرسلان في كتاب [ حاضر العالم الاسلامي ] (1) إنه التقى بأحد رجال الشيعة المثقفين البارزين فكان هذا الشيعي يمقت العرب أشد المقت ويزري بهم أيما إزراء، ويغلو في علي بن أبي طالب وولده غلوا يأباه الاسلام والعقل فعجب الأمير الجليل لأمره وسأله كيف تجمع بين مقت العرب هذا المقت و حب علي وولده هذا الحب ؟ وهل علي وولده إلا من ذروة العرب وسنامها الأشم ؟ فانقلب الشيعي ناصبيا واهتاج وأصبح خصما لعلي وبنيه وقال ألفاظا في الاسلام و العرب مستكرهة ص 14.

 ج - هذا النقل الخرافي يسف بأمير البيان إلى حضيض الجهل والضعة، حيث حكم بثقافة إنسان وبروزه والى أناسا وغلا في حبهم ردحا من الزمن وهو لا يعرف عنصرهم، أو كان يحسب أنهم من الترك أو الديلم ؟ وهل تجد في المسلمين جاهلا لا يعرف أن محمد وآله صلوات الله عليه وعليهم من ذروة العرب وسنامها الأشم ؟ وقد من عليه الأمير حيث لم يخبره بأن مشرف العترة الرسول الأعظم هو المحبتي على تلك الذروة وذلك السنام لئلا يرتد المثقف إلى المجوسية، ولا أرى سرعة إنقلاب المثقف

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) كتاب يفتقر جدا إلى نظارة التنقيب. ينم عن قصور باع مؤلفه، وعدم عرفانه بمعتقدات الشيعة، وجهله بأخبارهم وعاداتهم، غير ما لفقه قومه من أباطيل ومخاريق فأخذه حقيقة راهنة، وسود به صحائف كتابه بل صحايف تاريخه.

 

/ صفحة 290 /

البارز إلا معجزة للأمير في القرن العشرين (لا القرن الرابع عشر) هذا عند من يصدق القصيمي (المصارع) في نقله، وأما المراجع كتاب الأمير [ حاضر العالم الاسلامي ] فيجد في الجزء الأول ص 164 ما نصه : كنت أحادث إحدى المرار رجلا من فضلائهم [ يعني الشيعة ] ومن ذوي المناصب العالية في الدولة الفارسية، فوصلنا في البحث إلى قضية العرب والعجم، و كان محدثي على جانب عظيم من الغلو في التشيع إلى حد أني رأيت له كتابا مطبوعا مصدرا بجملة [ هو العلي الغائب ] فقلت في نفسي : لا شك أن هذا الرجل لشدة غلوه في آل البيت، ولعلمه أنهم من العرب، لا يمكنه أن يكره العرب الذين آل البيت منهم، لأنه يستحيل الجمع بين البغض والحب في مكان واحد، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، ولقد أخطأ ظني في هذا أيضا، فإني عندما سقت الحديث إلى مسألة العربية والعجمية وجدته انقلب عجميا صرفا ونسي ذلك الغلو كله في علي عليه السلام وآله، بل قال لي هكذا وكان يحدثني بالتركية : [ ايران بر حكومت إسلامية دكلدر يالكزدين إسلامي اتخاذ ايتمش بر حكومتدر ] أي إيران ليست بحكومة إسلامية وأنما هي حكومة اتخذت لنفسها دين الاسلام.

 إقرأوا عجب من تحريف الكلم عن مواضعه، هكذا يفعل القصيمي بكلمات قومه فكيف بما خطته يد من يضاده في المبدء.

 والقارئ جد عليم بأن الأمير [ شكيب أرسلان ] قد غلت أيضا في فهم ما صدر الشيعي الفاضل به كتابه من جملة [ هو العلي الغالب ] واتخاذه دليلا على الغلو في التشيع، فإنهما كلمة مطردة تكتب وتقال كقولهم : [ هو الواحد الأحد ] وما يجري مجراه، تقصد بها أسماء الله الحسنى، وهي كالبسملة في التيمن بافتتاح القول بها.

 وأنت لا تجد في الشيعة من يبغض العروبة، وهو يعتنق دينا عربيا صدع به عربي صميم، وجاء بكتاب عربي مبين وفي طيه:

 أأعجمي وعربي ؟ (1) وقد خلفه على أمر الدين والأمة سادات العرب، ولا يستنبط أحكام الدين إلا بالمأثورات العربية عن أولئك الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم المنتهية علومهم إلى مؤسس

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) سورة فصلت آية 44.

 

/ صفحة 291 /

الدعوة الإسلامية صلى الله عليه وآله، وهو يدعو الله في آناء الليل وأطراف النهار بالأدعية المأثورة عنهم بلغة الضاد، ويطبع وينشر آلافا من الكتب العربية في فنونها، فالشيعي عربي في دينه، عربي في هواه، عربي في مذهبه، عربي في نزعته، عربي في ولائه، عربي في خلايقه، عربي عربي عربي...

 نعم : يبغض الشيعي زعانفة بخسوا حقوق الله، وضعضعوا أركان النبوة، وظلموا أئمة الدين، واضطهدوا العترة الطاهرة، وخانوا على العروبة، عربا كانوا أو أعاجم وهذه العقيدة شرع سواء فيها الشيعي العربي والعجمي.

 ولكن شاء الهوى، ودفعت الضغاين أصحابه إلى تلقين الأمة بأن التشيع نزعة فارسية والشيعي الفارسي يمقت العرب.

 شقا للعصا، وتفريقا للكلم، وتمزيقا لجمع الأمة، وأنا أرى أن القصيمي والأمير قبله في كلمات أخرى يريد أن ذلك كله، وما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.

 3 - قال : إن الشيعة في ايران نصبوا أقواس النصر، ورفعوا أعلام السرور والابتهاج في كل مكان من بلادهم لما انتصر الروس على الدولة العثمانية في حروبها الأخيرة ص 18.

 ج - هذه الكلمة مأخوذة من الآلوسي الآنف ذكره وذكر فريته والجواب عنها ص 267 غير أن القصيمي كساها طلاء مبهرجة، وكم ترك الأول للآخر.

 4 - قال : الشيعة قائلون في علي وبنيه قول النصارى في عيسى بن مريم سواء مثلا من القول بالحلول والتقديس والمعجزات ومن الاستغاثة به ونداءه في الضراء والسراء والانقطاع إليه رغبة ورهبة وما يدخل في هذا المعنى، ومن شاهد مقام علي أو مقام الحسين أو غيرهما من آل البيت النبوي وغيرهم في النجف وكربلا و غيرهما من بلاد الشيعة وشاهد ما يأتونه من ذلك هنالك علم أن ما ذكرناه عنهم دوين الحقيقة، وأن العبارة لا يمكن أن تفي بما يقع عند ذلك المشاهد من هذه الطائفة، ولأجل هذا فإن هؤلاء لم يزالوا ولن يزالوا من شر الخصوم للتوحيد وأهل التوحيد ص 19.

 ج - أما الغلو بالتأليه والقول بالحلول فليس من معتقد الشيعة، وهذه كتبهم في العقايد طافحة بتكفير القائلين بذلك، والحكم بارتدادهم، والكتب الفقهية بأسرها حاكمة بنجاسة أسآرهم.

 

/ صفحة 292 /

وأما التقديس والمعجزات فليسا من الغلو في شئ فإن القداسة بطهارة المولد، ونزاهة النفس عن المعاصي والذنوب، وطهارة العنصر عن الديانا والمخازي لازمة منصة الأئمة، وشرط الخلافة فيهم كما يشترط ذلك في النبي صلى الله عليه وآله.

 وأما المعجزات فإنها من مثبتات الدعوى، ومتمات الحجة، ويجب ذلك في كل مدع للصلة بينه وبين ما فوق الطبيعة، نبيا كان أو إماما، ومعجز الإمام في الحقيقة معجز للنبي الذي يخلفه على دينه وكرامة له، ويجب على المولى سبحانه في باب اللطف أن يحقق دعوى المحق بإجراء الخوارق على يديه، تثبيتا للقلوب، و إقامة للحجة، حتى يقربهم إلى الطاعة ويبعدهم عن المعصية، لدة ما في مدعي النبوة من ذلك، كما يجب أيضا أن ينقض دعوى المبطل إذا تحدى بتعجيزه كما يؤثر عن مسيلمة وأشباهه.

 وإن من المفروغ عنه في علم الكلام كرامات الأولياء، وقد برهنت عليها الفلاسفة بما لا معدل عنه ويضيق عنه المقام، فإذا صح ذلك لكل ولي، فلماذا يعد غلوا في حجج الله على خلقه ؟ وكتب أهل السنة وتآليفهم مفعمة بكرامات الأولياء، كما أنها معترفة بكرامات مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

 وأما الاستغاثة والنداء والانقطاع وما أشار إليها فلا تعدو أن تكون توسلا بهم إلى المولى سبحانه، واتخاذهم وسائل إلى نجح طلباتهم عنده جلت عظمته، لقربهم منه، وزلفتهم إليه، ومكانتهم عنده، لأنهم عباد مكرمون، لا لأن لذواتهم القدسية دخلا في إنجاح المقاصد أولا وبالذات، لكنهم مجاري الفيض، وحلقات الوصل، ووسايط بين المولى وعبيده [ كما هو الشأن في كل متقرب من عظيم يتوسل به إليه ] وهذا حكم عام للأولياء والصالحين جميعا، وإن كانوا متفاوتين في مراحل القرب، كل هذا مع العقيدة الثابتة بأنه لا مأثر في الوجود إلا الله سبحانه، ولا تقع في المشاهد المقدسة كلها من وفود الزائرين إلا ما ذكرناه من التوسل (1)، فأين هذه من مضادة التوحيد ! ؟ وأين هؤلاء من الخصومة معه ومع أهله ؟ ! فذرهم وما يفترون إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) فصلنا القول في ذلك في الجزء الخامس من كتابنا هذا.

 

/ صفحة 293 /

5 - قال : تذهب الشيعة تبعا للمعتزلة إلى إنكار رؤية الله يوم القيامة، وإنكار صفاته، وإنكار أن يكون خالقا أفعال العباد لشبهات باطلة معلومة، وقد جمع العلماء من أهل الحديث والسنة والأثر كالأئمة الأربعة على الإيمان بذلك كله، ليس بينهم خلاف في أن الله خالق كل شئ حتى العباد وأفعالهم، ولا في رؤية الله يوم القيامة.

 ومن عجب أن تنكر الشيعة ذلك خوف التشبيه وهم يقولون بالحلول والتشبيه الصريح وبتأليه البشر ووصف الله بصفات النقص، وأهل السنة يعدون الشيعة والمعتزلة مبتدعين غير مهتدين في جحدهم هذه الصفات. 1 ص 68.

 ج - إن الرجل قلد في ذات الله وصفاته ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومذهبهما في ذلك كما قال الزرقاني المالكي في شرح المواهب 5 ص 12 : إثبات الجهة والجسمية وقال : قال المناوي : أما كونهما من المبتدعة فمسلم.

 والقصيمي يقدسهما ورأيهما و يصرح بالجهة ويعينها، وله فيها كلمات كثيرة في طي كتابه، ونحن لا نناقشه في هذا الرأي الفاسد، ونحيل الوقوف على فساده إلى الكتب الكلامية من الفريقين، والذي يهمنا إيقاف القارئ على كذبه في القول واختلاقه في النسب.

 إن الشيعة لم تتبع المعتزلة في إنكار رؤية الله يوم القيامة بل تتبع برهنة تلك الحقيقة الراهنة من العقل والسمع، وحاشاهم عن القول بالحلول والتشبيه وتأليه البشر وتوصيف الله بصفات النقص وإنكار صفات الله الثابتة له، بل إنهم يقولون جمعاء بكفر من يعتقد شيئا من ذلك، راجع كتبهم الكلامية قديما وحديثا، وليس في وسع الرجل أن يأتي بشئ مما يدل على ما باهتهم، ولعمري لو وجد شيئا من ذلك لصدح به وصدع.

 نعم :

 تنكر الشيعة أن تكون لله صفات ثبوتية زايدة على ذاته وإنما هي عينها، فلا يقولون بتعدد القدماء معه سبحانه، وإن لسان حالهم ليناشد من يخالفهم بقوله :

إخواننا الأدنين منا ارفقوا * لقـــــد رقيتم مرتقى صعبا

إن ثلثـــــت قــوم أقانيمهم * فـــــإنكم ثمنـــــتم الـــــربا

وللمسألة بحث ضاف مترامي الأطراف تتضمنه كتب الكلام. وأما أفعال العباد فلو كانت مخلوقة لله سبحانه خلق تكوين لبطل الوعد و

/ صفحة 294 /

الوعيد والثواب والعقاب، وإن من القبيح تعذيب العاصي على المعصية وهو الذي أجبره عليها، وهذه من عويصات مسائل الكلام قد أفيض القول فيها بما لا مزيد عليه، وإن من يقول بخلق الأفعال فقد نسب إليه سبحانه القبيح والظلم غير شاعر بهما، و ما استند إليه القصيمي من الإجماع وقول القائلين لا يكاد يجديه نفعا تجاه البرهنة الدامغة.

 وأما قذف أهل السنة الشيعة والمعتزلة بما قذفوه وعدهم من المبتدعين فإنها شنشنة أعرفها من أخزم.

 6 - قال في عد معتقدات الشيعة : وذرية النبي جميعا محرمون على النار معصومون من كل سوء.

 في الجزء الثاني صحيفة 327 من كتاب (منهاج الشريعة) زعم مؤلفه أن الله قد حرم جميع أولاد فاطمة بنت النبي على النار، وإن من فاته منهم أولا فلا بد أن يوفق إليه قبل وفاته.

 قال: ثم الشفاعة من وراء ذلك.

 وقال في (أعيان الشيعة) الجزء الثالث صفحة 65 : إن أولاد النبي عليه الصلاة والسلام لا يخطئون ولا يذنبون ولا يعصون الله إلى قيام الساعة. 2 ج ص 20.

 ج - إن الشيعة لم تكس حلة العصمة إلا خلفاء رسول الله الاثنى عشر من ذريته وعترته وبضعته الصديقة الطاهرة بعد أن كساهم الله تعالى تلك الحلة الضافية بنص آية التطهير في خمسة أحدهم نفس النبي الأعظم، وفي البقية بملاك الآية والبراهين العقلية المتكثرة والنصوص المتواترة، وعلى هذا أصفق علماءهم والأمة الشيعية جمعاء في أجيالهم وأدوارهم، وإن كان هناك ما يوهم إطلاقا أو عموما فهو منزل على هؤلاء فحسب.

 وإن كان في رجالات أهل البيت غيرهم أولياء صديقون أزكياء لا يجترحون السيئات إلا أن الشيعة لا توجب لهم العصمة.

 وأما ما استند إليه الرجل من كلام صاحب (منهاج الشريعة) فليس فيه أي إشارة إلى العصمة، بل صريح القول منه خلافها لأنه يثبت أن فيهم من تفوته ثم يتدارك بالتوبة قبل وفاته، ثم الشفاعة من وراء ذلك، فرجل يقترف السيئة، ثم يوفق للتوبة عنها، ثم يعفى عنها بالشفاعة لا يسمى معصوما، بل هذه خاصة كل مؤمن يتدارك مره بالتوبة، وإنما الخاصة بالذرية التمكن من التوبة على إي حال. قال القسطلاني في (المواهب) والزرقاني في شرحه 3 ص 203 : (روي) عن

/ صفحة 295 /

ابن مسعود رفعه (إنما سميت فاطمة) بإلهام من الله لرسوله إن كانت ولادتها قبل النبوة، وإن كانت بعدها فيحتمل بالوحي (لأن الله قد فطمها) من الفطم وهو المنع ومنه فطم الصبي (وذريتها عن النار يوم القيامة) أي منعهم منها، فأما هي وابناها فالمنع مطلق، وأما من عداها فالمنوع عنهم نار الخلود فلا يمتنع دخول بعضهم للتطهير، ففيه بشرى لآله صلى الله عليه وسلم بالموت على الاسلام، وإنه لا يختم لأحد منهم بالكفر نظيره ما قاله الشريف السمهودي في خبر الشفاعة لمن مات بالمدينة، مع أنه يشفع لكل من مات مسلما، أو أن الله يشاء المغفرة لمن واقع الذنوب منهم إكراما لفاطمة سلام الله عليها أو يوفقهم للتوبة النصوح ولو عند الموت ويقبلها منهم [ أخرجه الحافظ الدمشقي ] هو ابن عساكر.

 (وروى الغساني والخطيب) وقال : فيه مجاهيل (مرفوعا) إنما سميت فاطمة (لأن الله فطمها ومحبيها عن النار) ففيه بشرى عميمة لكل مسلم أحبها وفيه التأويلات المذكورة.

 وأما ما رواه أبو نعيم والخطيب : أن عليا الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق سئل عن حديث : إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار.

 فقال : خاص بالحسن والحسين. وما نقله الأخباريون عنه من توبيخه لأخيه زيد حين خرج على المأمون. وقوله : ما أنت قائل لرسول الله ؟ أغرك قوله : إن فاطمة أحصنت ؟ الحديث.

 إن هذا لمن خرج من بطنها لا لي ولا لك، والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله، فإن أردت أن تنال بمعصيته ما نالوه بطاعته ؟ إنك إذا لأكرم على الله منهم.

 فهذا من باب التواضع والحث على الطاعات وعدم الاغترار بالمناقب وإن كثرت، كما كان الصحابة المقطوع لهم بالجنة على غاية من الخوف والمراقبة، وإلا فلفظ (ذرية) لا يخص بمن خرج من بطنها في لسان العرب ومن ذريته داود وسليمان. الآية.

 وبينه و بينهم قرون كثيرة، فلا يريد بذلك مثل علي الرضا مع فصاحته، ومعرفته لغة العرب، على أن التقييد بالطائع يبطل خصوصية ذريتها ومحبيها إلا أن يقال : لله تعذيب الطائع فالخصوصية أن لا يعذبه إكراما لها. والله أعلم (1).

 م ـ وأخرج الحافظ الدمشقي بإسناده عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) بقية العبارة مرت ص 176. ما بين القوسين ؟ ؟ لفظ المواهب.

 

/ صفحة 296 /

لفاطمة رضي الله عنها: يا فاطمة تدرين لم سميت فاطمة ؟ قال علي رضي الله عنه لم سميت ؟ قال :

 إن الله عز وجل قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة.

 وقد رواه الإمام علي بن موسى الرضا في مسنده ولفظه: إن الله فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار) (1).

أيرى القصيمي بعد أن الشيعة قد انفردوا بما لم يقله أعلام قومه ؟ أو رووا بحديث لم يروه حفاظ مذهبه ؟ أو أتوا بما يخالف مبادئ الدين الحنيف ؟ وهل يسعه أن يتهم ابن حجر والزرقاني ونظرائهما من أعلام قومه، وحفاظ نحلته المشاركين مع الشيعة في تفضيل الذرية ؟ ! ويرميهم بالقول بعصمتهم ؟ ! ويتحامل عليهم بمثل ما تحامل على الشيعة ؟.

 وليس من البدع تفضل المولى سبحانه على قوم بتمكينه إياهم من النزوع من الآثام، والندم على ما فرطوا في جنبه، والشفاعة من وراء ذلك، ولا ينافي شيئا من نواميس العدل ولا الأصول المسلمة في الدين، فقد سبقت رحمته غضبه ووسعت كل شيئ.

 وليس هذا القول المدعوم بالنصوص الكثيرة بأبدع من القول بعدالة الصحابة أجمع والله سبحانه يعرف في كتابه المقدس أناسا منهم بالنفاق وانقلابهم على أعقابهم بآيات كثيرة رامية غرضا واحدا، ولا تنس ما ورد في الصحاح والمسانيد ومنها :

 ما في صحيح البخاري من أن أناسا من أصحابه صلى الله عليه وسلم يؤخذ بهم ذات الشمال فيقول : أصحابي أصحابي فيقال:

 إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.

 وفي صحيح آخر : ليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول : يا رب أصحابي فيقال :

 إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

 وفي صحيح ثالث : أقول أصحابي فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك.

 وفي صحيح رابع : أقول إنهم مني فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

 فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي.

 وفي صحيح خامس : فأقول : يا رب أصحابي.

 فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  م (1) عمدة التحقيق تأليف العبيدي المالكي المطبوع في هامش روض الرياحين لليافعي ص 15 ).

 

/ صفحة 297 /

بعدك. إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.

 وفي صحيح سادس : بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم. فقال. هلم. فقلت. أين ؟ قال : إلى النار والله. قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني و بينهم فقال : هلم. قلت : أين ؟ قال. إلى النار والله. قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم (1). قال القسطلاني في شرح صحيح البخاري 9 ص 325 في هذا الحديث : همل بفتح الهاء والميم : ضوال الإبل واحدها : هامل. أو : الإبل بلا راع. ولا يقال ذلك في الغنم، يعني : إن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة، وهذا يشعر بأنهم صنفان كفار وعصاة. ا ه‍.

 وأنت من وراء ذلك كله جد عليم بما شجر بين الصحابة من الخلاف الموجب للتباغض والتشاتم والتلاكم والمقاتلة القاضية بخروج إحدى الفريقين عن حيز العدالة، ودع عنك ما جاء في التأريخ عن أفراد منهم من ارتكاب المآثم والاتيان بالبوائق.

 فإذا كان هذا التعديل عنده وعند قومه لا يستتبع لوما ولا يعقب هماجة، فأي حزارة في القل بذلك التفضل الذي هو من سنة الله في عباده ؟ ! ولن تجد لسنة الله تبديلا.

 وأما ما أردفه في الاستناد من كلام سيدنا الأمين في (أعيان الشيعة) 3 ص 65 فإني ألفت نظر القارئ إلى نص عبارته حتى يعرف مقدار الرجل من الصدق والأمانة في النقل، ويرى محله من الأرجاف وقذف رجل عظيم من عظماء الأمة بفاحشة مبينة واتهامه بالقول بعصمة الذرية وهو ينص على خلافه، قال بعد ذكر حديث الثقلين (2) بلفظ مسلم وأحمد وغيرهما من الحفاظ ما نصه : دلت هذه الأحاديث على عصمة أهل البيت من الذنوب والخطاء لمساواتهم فيها بالقرآن الثابت عصمته في أنه أحد الثقلين المخلفين في الناس، وفي الأمر بالتمسك بهم كالتمسك بالقرآن، ولو كان الخطأ يقع منهم لما صح الأمر بالتمسك بهم الذي هو

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) راجع صحيح البخاري ج 5 ص 113، ج 9 ص 242 - 247.

 (2) إني تارك فيكم الثقلين أو الخليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

 

/ صفحة 298 /

عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجة، وفي أن المتمسك بهم لا يضل كما لا يضل المتمسك بالقرآن، ولو وقع منهم الذنوب أو الخطأ لكان المتمسك بهم يضل، و إن في اتباعهم الهدى والنور كما في القرآن، ولو لم يكونوا معصومين لكان في اتباعهم الضلال، وأنهم حبل ممدود من السماء إلى الأرض كالقرآن، وهو كناية عن أنهم واسطة بين الله تعالى وبين خلقه، وإن أقوالهم عن الله تعالى، ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك.

 وفي أنهم لم يفارقوا القرآن ولن يفارقهم مدة عمر الدنيا، ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم، وفي عدم جواز مفارقتهم بتقدم عليهم بجعل نفسه إماما لهم أو تقصير عنهم وائتمام بغيرهم، كما لا يجوز التقدم على القرآن بالافتاء بغير ما فيه أو التقصير عنه باتباع أقوال مخالفيه، وفي عدم جواز تعليمهم ورد أقوالهم، ولو كانوا يجهلون شيئا لوجب تعليمهم ولم ينه عن رد قولهم.

 ودلت هذه الأحاديث أيضا على أن منهم من هذه صفته في كل عصر وزمان بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وإن اللطيف الخبير أخبر بذلك، وورود الحوض كناية عن انقضاء عمر الدنيا، فلو خلا زمان من أحدهما لم يصدق أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.

 إذا علم ذلك ظهر أنه لا يمكن أن يراد بأهل البيت جميع بني هاشم، بل هو من العام المخصوص بمن ثبت اختصاصهم بالفضل والعلم والزهد والعفة والنزاهة من أئمة أهل البيت الطاهر وهم الأئمة الاثنا عشر وأمهم الزهراء البتول، للاجماع على عدم عصمة من عداهم، والوجدان أيضا على خلاف ذلك، لأن من عداهم من بني هاشم تصدر منهم الذنوب ويجهلون كثيرا من الأحكام، ولا يمتازون عن غيرهم من الخلق، فلا يمكن أن يكونوا هم المجعولين شركاء القرآن في الأمور المذكورة بل يتعين أن يكون بعضهم لا كلهم ليس إلا من ذكرنا، أما تفسير زيد بن أرقم لهم بمطلق بني هاشم (1) إن صح ذلك عنه فلا تجب متابعته عليه بعد قيام الدليل على بطلانه. إقرأ واحكم. حيا الله الأمانة والصدق. هكذا يكون عصر النور.

 7 - قال : من آفات الشيعة قولهم : إن عليا يذود الخلق يوم العطش فيسقي

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) فيما أخرجه مسلم في صحيحه.

 

/ صفحة 299 /

منه أولياءه ويذود عنه أعداءه، وإنه قسيم النار وإنها تطيعه يخرج منها من يشاء ج 2 ص 21 .

ج - لقد أسلفنا في الجزء الثاني ص 321، أسانيد الحديث الأول عن الأئمة والحفاظ، وأوقفناك على تصحيحهم لغير واحد من طرقه، وبقيتها مؤكدة لها، فليس هو من مزاعم الشيعة فحسب، وإنما اشترك معهم فيه حملة العلم والحديث من أصحاب الرجل لكن القصيمي لجهله بهم وبما يروونه، أو لحقده على من روي الحديث في حقه يحسبه من آفات الشيعة.

 وأما الحديث الثاني فكالأول ليس من آفات الشيعة بل من غرر الفضايل عند أهل الاسلام فأخرجه الحافظ أبو إسحاق ابن ديزيل المتوفى 280 / 281 عن الأعمش عن موسى بن ظريف عن عباية قال : سمعت عليا وهو يقول : أنا قسيم النار يوم القيامة، أقول : خذي ذا، وذري ذا.

 وذكره ابن أبي الحديد في شرحه 1 ص 200 والحافظ ابن عساكر في تاريخه من طريق الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي.

 وهذا الحديث سئل عنه الإمام أحمد كما أخبر به محمد بن منصور الطوسي قال : كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروي : أن عليا قال : أنا قسيم النار ؟ فقال أحمد : وما تنكرون من هذا الحديث ؟ أليس روينا إن النبي صلى الله عليه وآله قال لعي : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ؟ قلنا : بلى.

 قال : فأين المؤمن ؟ قلنا : في الجنة.

 قال : فأين المنافق ؟ قلنا : في النار.

 قال : فعلي قسيم النار.

 كذا في طبقات أصحاب أحمد، وحكى عنه الحافظ الكنجي في الكفاية ص 22، فليت القصيمي يدري كلام إمامه.

 هذه اللفظة أخذها سلام الله عليه من قول رسول الله صلى الله عليه وآله له فيما رواه عنترة عنه صلى الله عليه وآله أنه قال:

 أنت قسيم الجنة والنار في يوم القيامة، تقول للنار : هذا لي و هذا لك. وبهذا اللفظ رواه ابن حجر في (الصواعق) ص 75.

 ويعرب عن شهرة هذا الحديث النبوي بين الصحابة احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام به يوم الشورى بقوله :

 أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ؟ أنت قسيم الجنة يوم القيامة غيري ؟ قالوا : أللهم لا. والأعلام يرى هذه الجملة من

/ صفحة 300 /

حديث الاحتجاج صحيحا وأخرجه الدارقطني كما في الإصابة 75، ويرى ابن أبي الحديد استفاضة كلا الحديثين النبوي والمناشدة العلوية فقال في شرحه 2 ص 448.

 فقد جاء في حقه الخبر الشائع المستفيض : إنه قسيم النار والجنة، وذكر أبو عبيد الهروي في الجمع بين الغريبين :

 أن قوما من أئمة العربية فسروه فقالوا : لأنه لما كان محبه من أهل الجنة ومبغضه من أهل النار.

 كان بهذا الاعتبار قسيم النار و الجنة.

 قال أبو عبيد : وقال غير هؤلاء : بل هو قسيمها بنفسه في الحقيقة يدخل قوما إلى الجنة وقوما إلى النار، وهذا الذي ذكره أبو عبيد أخيرا هوما يطابق الأخبار الواردة فيه : يقول للنار : هذا لي فدعيه، وهذا لك فخذيه.

 م - وذكره القاضي في الشفا : إنه قسيم النار. وقال الخفاجي في شرحه 3 : 163 : ظاهر كلامه أن هذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم قالوا : لم يروه أحد من المحدثين إلا ابن الأثير قال في النهاية : إلا أن عليا رضي الله عنه قال :

 أنا قسيم النار.

 يعني أراد أن الناس فريقان : فريق معي فهم على هدى، وفريق علي فهم على ضلال، فنصف معي في الجنة، ونصف علي في النار. إنتهى.

قلت : ابن الأثير ثقة، وما ذكره علي لا يقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع، إذ لا مجال فيه للاجتهاد، ومعناه : أنا ومن معي قسيم لأهل النار، أي مقابل لهم، لأنه من أهل الجنة، وقيل : القسيم : القاسم كالجليس والسمير، وقيل.

 أراد بهم الخوارج ومن قاتله كما في النهاية ].

 8 - قال : جاءت روايات كثيرة في كتبهم [ يعني الشيعة ] إنه [ يعني الإمام المنتظر ] يهدم جميع المساجد، والشيعة أبدا هم أعداء المساجد، ولهذا يقل أن يشاهد الضارب في طول بلادهم وعرضها مسجدا. ج 2 ص 23.

 ج - لم يقنع الرجل كلما في علبة مكره من زور واختلاق، ولم يقنعه إسناد ما يفتعله إلى رواية واحدة يسعه أن يجابه المنكر عليه بأنه لم يقف عليه حتى عزاه إلى روايات كثيرة جاءت في كتب الشيعة، وليته إن كان صادقا [ وأنى ؟ وأين ؟ ] ذكر شيئا من أسماء هاتيك الكتب، أو أشار إلى واحدة من تلك الروايات، لكنه لم تسبق له لفتة إلى أن يفتعل أسماء ويضع أسانيد قبل أن يكتب الكتاب فيذكرها فيه. إن الحجة المنتظر سيد من آمن بالله واليوم الآخر، الذين يعمرون مساجد الله

/ صفحة 301 /

وأين هو عن هدمها ؟ وإن شيعيا يعزو إليه ذلك لم يخلق بعد.

 وأما ما ذكره عن بلاد الشيعة فلا أدري هل طرق هو بلاد الشيعة ؟ فكتب ما كتب، وكذب ما كذب، أو أنه كان رجما منه بالغيب ؟ أو استند كصاحب المنار إلى سائح سني مجهول أو مبشر نصراني لم يخلقا بعد ؟ وأيا ما كان فهو مأخوذ بإفكه الشائن، وقد عرف من جاس خلال ديار الشيعة، وحل في أوساطهم وحواضرهم وحتى البلاد الصغيرة والقرى والرساتيق، ما هنالك من مساجد مشيدة صغيرة أو كبيرة، وما في كثير منها من الفرش والآثاث والمصابيح، وما تقام فيها من جمعة وجماعة، وليس من شأن الباحث أن ينكر المحسوس، ويكذب في المشهود، وينصر المبدأ بالتافهات.

 9 - قال : قد استفتى أحد الشيعة إماما من أئمتهم لا أدري أهو الصادق أم غيره ؟ في مسألة من المسائل فأفتاه فيها، ثم جاءه من قابل واستفتاه في المسألة نفسها فأفتاه بخلاف ما أفتاه عام أول، ولم يكن بينهما أحد حينما استفتاه في المرتين فشك ذلك المستفتي في إمامه وخرج من مذهب الشيعة وقال : إن كان الإمام إنما أفتاني تقية ؟ فليس معنا من يتقى في المرتين، وقد كنت مخلصا لهم عاملا بما يقولون، وأن كان مأتي هذا هو الغلط والنسيان ؟ فالأئمة ليسوا معصومين إذن والشيعة تدعي لهم العصمة، ففارقهم وانحاز إلى غير مذهبهم، وهذه الرواية مذكورة في كتب القوم.

 ج 2 ص 38 ج - أنا لا أقول لهذا الرجل إلا ما يقوله هو لمن نسب إلى إمام من أئمته لا يشخص هو أنه أي منهم، مسألة فاضحة مجهولة لا يعرفها، عن سائل هو أحد النكرات، لا يعرف بسبعين (ألف لام) وأسند ما يقول إلى كتب لم تؤلف بعد، ثم طفق يشن الغارة على ذلك الإمام وشيعته على هذا الأساس الرصين، فنحن لسنا نرد على القصيمي إلا بما يرد هو على هذا الرجل، ولعمري لو كان المؤلف (القصيمي) يعرف الإمام أو السائل أو المسألة أو شيئا من تلك الكتب لذكرها بهوس وهياج لكنه، لا يعرف ذلك كله، كما أنا نعرف كذبه في ذلك كله، ولا يخفى على القارئ همزه ولمزه.

 10 - قال : من نظر في كتب القوم علم أنهم لا يرفعون بكتاب الله رأسا، وذلك أنه يقل جدا أن يستشهدوا بآية من القرآن فتأتي صحيحة غير ملحونة مغلوطة، ولا يصيب منهم في إيراد الآيات إلا المخالطون لأهل السنة العائشون بين أظهرهم،

/ صفحة 302 /

على أن إصابة هؤلاء لا بد أن تكون مصابة، أما البعيدون منهم عن أهل السنة فلا يكاد أحد منهم يورد آية فتسلم عن التحريف والغلط، وقد قال من طافوا في بلادهم : إنه لا يوجد فيهم من يحفظون القرآن، وقالوا : إنه يندر جدا أن توجد بينهم المصاحف.

ج - بلاء ؟ ؟ ليس يشبهه بلاء * عــــداوة غير ذي حسب ودين

     منه عـــــــرضا لـــم يصنه * ويرتع منك في عرض مصون

ليتني كنت أعلم أن هذه الكلمة متى كتبت ؟ أفي حال السكر أو الصحو ؟ وأنها متى رقمت أعند اعتوار الخبل أم الإفاقة ؟ وهل كتبها متقولها بعد أن تصفح كتب الشيعة فوجدها خلاء من ذكر آية صحيحة غير ملحونة ؟ أم أراد أن يصمهم فافتعل لذلك خبرا ؟ وهل يجد المائن في الطليعة من أئمة الأدب العربي إلا رجالا من الشيعة ألفوا في التفسير كتبا ثمينة، وفي لغة الضاد أسفارا كريمة هي مصادر اللغة، وفي الأدب زبرا قيمة هي المرجع للملأ العلمي والأدبي، وفي النحو مدونات لها وزنها العلمي، وإنك لو راجعت كتب الإمامية لوجدتها مفعمة بالاستشهاد بالآيات الكريمة كأنها أفلاك لتلك الأنجم الطوالع غير مغشاة بلحن أو غلط.

 وما كنا نعرف حتى اليوم أن مقياس التلاوة صحيحة أو ملحونة هو النزعات و المذاهب التي هي عقود قلبية لا مدخل لها في اللسان وما يلهج به، ولا أن لها مساسا باللغة، وسرد الكلمات، وصياغة الكلام، وحكاية ما صيغ منها من قرآن أو غيره.

 وليت شعري ما حاجة الشيعة في إصابة القرآن وتلاوته صحيحة إلى غيرهم ؟ ألا عواز في العربية ؟ أو لجهل بأساليب القرآن ؟ لا ها الله ليس فيهم من يتسم بتلك الشية، أما العربي منهم فالتشيع لم ينتأ بهم عن لغتهم المقدسة، ولاعن جبليات عنصرهم أو هل ترى أن بلاد العراق وعاملة وما يشابههما وهي مفعمة بالعلماء الفطاحل، والعباقرة والنوابغ، أقل حظا في العربية من أعراب بادية نجد والحجاز أكالة الضب، ومساورة الضباع ؟ ! وأما غير العربي منهم فما أكثر ما فيهم من أئمة العربية والفطاحل والكتاب والشعراء، ومن تصفح السير علم أن الأدب شيعي، والخطابة شيعية، والكتابة شيعية، والتجويد والتلاوة شيعيان.

 ومن هنا يقول ابن خلكان في تاريخه في ترجمة علي بن الجهم 1 ص 38 : كان مع انحرافه من علي بن أبي طالب.

 

/ صفحة 303 /

عليه الصلاة والسلام وإظهاره التسنن مطبوعا مقتدرا على الشعر عذب الألفاظ. فكأنه يرى أن مطبوعية الشعر وقرضه بألفاظ عذبة خاصة للشيعة وأنه المطرد نوعا.

 وهذه المصاحف المطبوعة في ايران والعراق والهند منتشرة في أرجاء العالم و المخطوطة منها التي كادت تعد علي عدد من كان يحسن الكتابة منهم قبل بروز الطبع، وفيهم من يكتبه اليوم تبركا به، ففي أي منها يجد ما يحسبه الزاعم من الغلط الفاشي ؟ أو خلة في الكتابة ؟ أو ركة في الأسلوب ؟ أو خروج عن الفن ؟ غير طفائف يزيغ عنه بصر الكاتب الذي هو لازم كل إنسان شيعي أو سني عربي أو عجمي.

 وأحسب أن الذي أخبر القصيمي بما أخبر من الطائفين في بلاد الشيعة لم يولد بعد لكنه صوره مثالا وحسب أنه يحدثه، أو أنه لما جاس خلال ديارهم لم يزد على أن استطرق الأزقة والجواد فلم يجد مصاحف ملقاة فيما بينهم وفي أفنية الدور، ولو دخل البيوت لوجدها موضوعة في عياب وعلب، وظاهرة مرئية في كل رف وكوة على عدد نفوس البيت في الغالب، ومنها ما يزيد على ذلك، وهي تتلى آناء الليل وأطراف النهار.

 هذه غير ما تتحرز به الشيعة من مصاحف صغيرة الحجم في تمائم الصبيان و أحراز الرجال والنساء. غير ما يحمله المسافر للتلاوة والتحفظ عن نكبات السفر.

 غير ما يوضع منها على قبور الموتى للتلاوة بكرة وأصيلا وإهداء ثوابها للميت. غير ما تحمله الأطفال إلى المكاتب لدارسته منذ نعومة الأظفار.

 غير ما يحمل مع العروس قبل كل شئ إلى دار زوجها، ومنهم من يجعل ذلك المصحف جزء من صداقها تيمنا به في حياتها الجديدة. غير ما يؤخذ إلى المساكن الجديدة المتخذة للسكنى قبل الأثاث كله.

 غير ما يوضع منها إلى جنب النساء لتحصينها عن عادية الجن والشياطين الذين يوحون إلى أوليائهم (ومنهم القصيمي مخترع الأكاذيب) زخرف القول غرورا.

 أفهؤلاء الذين لا يرفعون بالقرآن رأسا ؟ أفهؤلاء الذين يندر جدا أن توجد بينهم المصاحف ؟ وأما ما أخبر به الرجل شيطانه الطائف بلاد الشيعة من عدم وجود من يحفظ القرآن منهم فسل حديث هذه الأكذوبة عن كتب التراجم ومعاجم السير، وراجع

 

/ صفحة 304 /

كتاب (كشف الاشتباه) (1) في رد موسى جار الله 444 - 532 تجد هناك من حفاظ الشيعة وقرائهم مائة وثلثة وأربعين.

 11 - قال : هل يستطيع أن يجيئ (الشيعي) بحرف واحد من القرآن ؟ يدل على قول الشيعة بتناسخ الأرواح، وحلول الله في أشخاص أئمتهم، وقولهم بالرجعة، وعصمة الأئمة، وتقديم علي على أبي بكر وعمر وعثمان، أو يدل على وجود علي في السحاب وأن البرق تبسمه والرعد صوته كما تقول الشيعة الإمامية ج 1 ص 72.

 ج - إن تعجب فعجب إن الرجل ومن شاكله من المفترين بهتوا الشيعة الإمامية بأشياءهم براء منها على حين تداخل الفرق، وتداول المواصلات، وسهولة استطراق الممالك والمدن بالوسايل النقلية البخارية في أيسر مدة، ومن المستبعد جدا إن لم يكن من المتعذر جهل كل فرقة بمعتقدات الأخرى، فمحاول الوقيعة اليوم والحالة هذه على أي فرقة من الفرق قبل الفحص والتنقيب المتيسرين بسهولة مستعمل للوقاحة والصلافة، وهو الأفاك الأثيم عند من يطالع كتابه، أو يصيخ إلى قيله.

 ولو كان الرجل يتدبر في قوله تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.

 أو يصدق ما أوعد الله به كل أفاك أثيم. هماز مشاء بنميم، لكف مدته عن البهت، وعرف صالحه، ولكان هو المجيب عن سؤال شيطانه بأن الشيعة الإمامية متى قالت بالتناسخ وحلول الله في أشخاص أئمتهم ؟ ومن الذين ذهب منهم قديما وحديثا إلى وجود علي في السحاب... إلخ.

 حتى توجد حرف واحد منها في القرآن.

 م ـ نعم : [ علي في السحاب ] كلمة للشيعة تأسيا للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله بالمعنى الذي مر في الجزء الأول ص 292 (2) غير أن قوالة الإحنة حرفتها عن موضعها و أولتها بما يشوه الشيعة الإمامية ].

 أليس عارا على الرجل وقومه أن يكذب على أمة كبيرة إسلامية ولا يبالي بما يباهتهم ؟ وينسبهم إلى الآراء المنكرة أو التافهة ؟ ولا يتحاشى عن سوء صنيعه ؟ أليست كتب الشيعة الإمامية المؤلفة في قرونها الماضية ويومها الحاضر وهي لسانهم المعرب عن

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) تأليف العلم الحجة شيخنا المحقق الشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي (2) من الطبعة الثانية.

 

/ صفحة 305 /

عقايدهم مشحونة بالبراءة من هذه النسب المختلقة بألسنة مناوئيهم؟!

فـــإن كان لا يدري فتلك مصيبة * وإن كان يدري فالمصيبة أعظم

نعم : له أن يستند في أفائكه إلى شاكلته طه حسين وأحمد أمين وموسى جار الله رجال الفرية والبذاءة.

 وقول الإمامية بالرجعة نطق به القرآن غير أن الجهل أعشى بصر الرجل كبصيرته فلم يره ولم يجده فيه، فعليه بمراجعة كتب الإمامية، وأفردها بالتأليف جماهير من العلماء، فحبذا لو كان الرجل يراجع شيئا منها.

 كما أن آية التطهير ناطقة بعصمة جمع ممن تقول الإمامية بعصمتهم وفي البقية بوحدة الملاك والنصوص الثابتة، وفيما أخرجه إمام مذهبه أحمد بن حنبل في الآية الشريفة في مسنده ج 1 ص 331، ج 3 ص 285، ج 4 ص 107، ج 6 ص 296، 298، 304، 323 مقنع وكفاية.

 وكيف لم يقدم القرآن عليا على غيره ؟ وقد قرن الله ولايته وولاية نبيه بقوله العزيز : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.

 وقد مر في هذا الجزء ص 156 - 162 : إطباق الفقهاء و المحدثين والمتكلمين على نزولها في علي أمير المؤمنين عليه السلام.

 م - والباحث إن أعطى النصفة حقها يجد في كتاب الله آيا تعد بالعشرات نزلت في علي أمير المؤمنين عليه السلام وهي تدل على تقديمه على غيره، ولا يدع وهو نفس النبي صلى الله عليه وآله بنص القرآن، وبولايته أكمل الله دينه، وأتم علينا نعمه، ورضي لنا الاسلام دينا ].

 ونحن نعيد السؤال هاهنا على (القصيمي) فنقول : هل يستطيع أن يجيئ هو و قومه بحرف واحد من القرآن يدل على تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على ولي الله الطاهر أمير المؤمنين عليه السلام ؟ !.

 12 - قال : والقوم (يعني الإمامية) لا يعتمدون في دينهم على الأخبار النبوية الصحيحة، وإنما يعتمدون على الرقاع المزورة المنسوبة كذبا إلى الأئمة المعصومين في زعمهم وحدهم ج 1 ص 83.

 

/ صفحة 306 /

ج - عرفت الحال في التوقيعات الصادرة عن الناحية المقدسة، والرجل قد أتى من شيطانه بوحي جديد فيرى توقيعات بقية الأئمة أيضا مكذوبة على الأئمة، ويرى عصمتهم مزعومة للشيعة فحسب، إذ لم يجدها في طامور أو هامه، فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول.

 13 - المتعة التي تتعاطاها الرافضة أنواع : صغرى وكبرى. فمن أنواعها : أن يتفق الرجل والمرأة المرغوب فيها على أن يدفع إليها شيئا من المال أو من الطعام والمتاع وإن حقيرا جدا على أن يقضي وطره منها ويشبع شهوته يوما أو أكثر حسب ما يتفقان عليه، ثم يذهب كل منهما في سبيله كأنما لم يجتمعا ولم يتعارفا، وهذا من أسهل أنواع هذه المتعة.

 وهناك نوع آخر أخبث من هذا يسمى عندهم بالمتعة الدورية وهي أن يحوز جماعة امرأة فيتمتع بها واحد من الصبح إلى الضحى، ثم يتمتع بها آخر من الضحى إلى الظهر، ثم يتمتع بها آخر من الظهر إلى العصر، ثم آخر إلى المغرب، ثم آخر إلى العشاء ثم آخر إلى نصف الليل، ثم آخر إلى الصبح، وهم يعدون هذا النوع دينا لله يثابون عليه وهو من شر أنواع المحرمات ج 1 ص 119.

 ج - إن المتعة عند الشيعة هي التي جاء بها نبي الاسلام، وجعل لها حدودا مقررة، وثبتت في عصر النبي الأعظم وبعده إلى تحريم الخليفة عمر بن الخطاب، وبعده عند من لم ير للرأي المحدث في الشرع تجاه القرآن الكريم وما جاء به نبي الاسلام قيمة ولا كرامة، وقد أصفقت فرق الاسلام على أصول المتعة وحدودها المفصلة في كتبها، ولم يختلف قط اثنان فيها ألا وهي :

1 : الأجرة.

2 : الأجل.

 3 : العقد المشتمل للايجاب والقبول.

 4 : الافتراق بانقضاء المدة أو البذل.

 5 : العدة أمة وحرة حائلا وحاملا.

 6 : عدم الميراث.

 

/ صفحة 307 /

وهذه الحدود هي التي نص عليها أهل السنة والشيعة، راجع من تآليف الفريق الأول. صحيح مسلم. سنن الدارمي. سنن البيهقي. تفسير الطبري. أحكام القرآن للجصاص. تفسير البغوي. تفسير ابن كثير. تفسير الفخر الرازي. تفسير الخازن. تفسير السيوطي. كنز العمال(1).

 ومن تآليف الفريق الثاني من لا يحضره الفقيه الجزء الثالث ص 149. المقنع للصدوق كسابقه. الهداية له أيضا. الكافي 2 ص 44. الانتصار للشريف علم الهدى المرتضى. المراسم لأبي يعلى سلار الديلمي. النهاية للشيخ الطوسي. المبسوط للشيخ أيضا. التهذيب له أيضا ج 2 ص 189. الاستبصار له 2 ص 29. الغنية للسيد أبي المكارم. الوسيلة لعماد الدين أبي جعفر. نكت النهاية للمحقق الحلي. تحرير العلامة الحلي 2 ص 27. شرح اللمعة 2 ص 82. المسالك ج 1. الحدائق 6 ص 152. الجواهر 5 ص 165. والمتعة المعاطاة بين الأمة الشيعية ليست إلا ما ذكرناه، وليس إلا نوعا واحدا، والشيعة لم تر في المتعة رأيا غير هذا، ولم تسمع أذن الدنيا أنواعا للمتعة تقول بها فرقة من فرق الشيعة، ولم تكن لأي شيعي سابقة تعارف بانقسامها على الصغرى والكبرى، وليس لأي فقيه من فقهاء الشيعة ولا لعوامهم من أول يومها إلى هذا العصر، عصر الكذب والأخلاق، عصر الفرية والقذف (عصر القصيمي) إلماما بهذا الفقه الجديد المحدث، فقه القرن العشرين لا القرون الهجرية.

 وأما القصيمي [ ومن يشاكله في جهله المطبق ] فلا أدري ممن سمع ما تخيله من الأنواع ؟ وفي أي كتاب من كتب الشيعة وجده ؟ وإلى فتوى أي عالم من علمائها يستند ؟ وعن أي إمام من أئمتها يروي ؟ وفي أي بلدة من بلادها أو قرية من قراها أو بادية من بواديها وجد هذه المعاطاة المكذوبة عليها ؟ أيم الله كل ذلك لم يكن. لكن الشياطين يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غرورا.

 14 - قال : إن أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين من يأتون بشاة مسكينة وينتفون شعرها ويعذبونها أفانين العذاب موحيا إليهم ضلالهم وجرمهم أنها السيدة عائشة زوج النبي الكريم وأحب أزواجه إليه.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) يأتي تفصيل كلماتهم في هذا الجزء بعيد هذا.

 

/ صفحة 308 /

ومن يأتون بكبشين وينتفون أشعارهما ويعذبونهما ألوان العذاب مشيرين بهما إلى الخليفتين : أبي بكر وعمر، وهذا ما تأتيه الشيعة الغالية.

 وإن أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين هم الذين غيبوا إمامهم في السرداب، و غيبوا معه قرآنهم ومصحفهم، ومن يذهبون كل ليلة بخيولهم وحميرهم إلى ذلك السرداب الذي غيبوا فيه إمامهم ينتظرونه وينادونه ليخرج إليهم، ولا يزال عندهم ذلك منذ أكثر من ألف عام.

 وإن أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين هم الذين يزعمون أن القرآن محرف مزيد فيه ومنقوص منه ج 1 ص 374.

 ج - يكاد القلم أن يرتج عليه القول في دحض هذه المفتريات لأنها دعاو شهودية بأشياء لم تظل عليها الخضراء ولا أقلتها الغبراء، فإن الشيعة منذ تكونت في العهد النبوي يوم كان صاحب الرسالة يلهج بذكر شيعة علي عليه السلام والصحابة تسمي جمعا منهم بشيعة علي إلى يومها هذا لم تسمع بحديث الشاة والكبشين، ولا أبصرت عيناها ما يفعل بهاتيك البهائم البريئة من الظلم والقساوة، ولا مدت إليها تلك الأيادي العادية، غير أنهم شاهدوا القصيمي متبعا لابن تيمية يدنس برودهم النزيهة عن ذلك الدرن.

 وليت الرجل يعرفنا بأحد شاهد شيعيا يفعل ذلك، أو بحاضرة من حواضر الشيعة اطردت فيها هذه العادة، أو بصقع وقعت فيه مرة واحدة ولو في العالم كله.

 وليتني أدري وقومي هل أفتى شيعي بجواز هذا العمل الشنيع ؟ أو استحسن ذلك الفعل التافه ؟ أو نوه به ولو قصيص في مقاله ؟ نعم يوجد هذا الإفك الشائن في كتاب القصيمي وشيخه ابن تيمية المشحون بأمثاله.

 وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة لكنه زاد في الطمور نغمات بضم الحمير إلى الخيول وادعائه اطراد العادة في كل ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام، والشيعة لا ترى أن غيبة الإمام في السرداب، ولاهم غيبوه فيه ولا إنه يظهر منه، وإنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت، ولم يقل أحد في السرداب :

 إنه مغيب ذلك النور، وإنما هو سرداب

/ صفحة 309 /

دار الأئمة بسامراء، وإن من المطرد إيجاد السراديب في الدور وقاية من قايظ الحر، وإنما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمة الدين، وإنه كان مبوء لثلاثة منهم كبقية مساكن هذه الدار المباركة، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة عليهم السلام ومشرفهم النبي الأعظم في أي حاضرة كانت، فقد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

 وليت هؤلاء المتقولون في أمر السرداب إتفقوا على رأي واحد في الأكذوبة حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم، فلا يقول ابن بطوطة (1) في رحلته 2 ص 198 : إن هذا السرداب المنوه به في الحلة.

 ولا يقول القرماني في (أخبار الدول) إنه في بغداد.

 ولا يقول الآخرون : إنه بسامراء.

 ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو فيطلق لفظ السرداب ليستر سوءته.

 وإني كنت أتمنى للقصيمي أن يحدد هذه العادة بأقصر من (أكثر من ألف عام) حتى لا يشمل العصر الحاضر والأعوام المتصلة به، لأن انتفائها فيه وفيها بمشهد ومرئي ومسمع من جميع المسلمين، وكان خيرا له لو عزاها إلى بعض القرون الوسطى حتى يجوز السامع وجودها في الجملة، لكن المائن غير متحفظ على هذه الجهات.

 وأما تحريف القرآن فقد مر حق القول فيه ص 85 وغيرها.

 هذه نبذ من طامات (القصيمي) وله مئات من أمثالها، ومن راجع كتابه عرف موقفه من الصدق، ومبوئه من الأمانة، ومقيله من العلم، ومحله من الدين، ومستواه من الأدب.

 

(الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله

وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) سورة غافر 35

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) وهكذا ابن خلدون في مقدمة تأريخه ج 1 ص 359، وابن خلكان في تاريخه ص 581.