عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

-5-

الملل والنحل(1)

 

هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي (الفصل) في بذاءة المنطق غير أن في غضونه نسبا مفتعلة، وآراء مختلقة، وأكاذيب جمة، لا يجد القارئ ملتحدا عن تفنيدها، فإليك نماذج منها :

1 ـ قال : قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة :

 إن الله جسم ذو أبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه في مكان مخصوص وجهة مخصوصة(2).

2 ـ قال في حق علي : إنه إله واجب الطاعة.

3 ـ وقال هشام بن سالم : إن الله على صورة إنسان أعلاه مجوف، وأسفله مصمت، وهو نور ساطع يتلألأ، وله حواس خمس ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وله وفرة سوداء وهو نور أسود لكنه ليس بلحم ولا دم، وإن هشام هذا أجاز المعصية على الأنبياء مع قوله بعصمة الأئمة.

4 ـ وقال زرارة بن أعين : لم يكن الله قبل خلق الصفات عالما ولا قادرا ولا حيا ولا بصيرا ولا مريدا ولا متكلما.

5 ـ قال أبو جعفر محمد بن النعمان : إن الله نور على صورة إنسان ويأبى أن يكون جسما.

6 ـ وزعم يونس بن عبد الرحمن القمي : إن الملائكة تحمل العرش والعرش تحمل الرب، وهو من مشبهة الشيعة، وصنف لهم في ذلك كتبا.

ج ـ هذه عقايد باطلة عزاها إلى رجالات الشيعة المقتصين أثر أئمتهم عليهم السلام اقتصاص الظل لذيه، فلا يعتنقون عقيدة، ولا ينشرون تعليما، ولا يبثون حكما، ولا يرون رأيا إلا ومن ساداتهم الأئمة على ذلك برهنة دامغة، أو بيان شاف، أو فتوى سديدة، أو نظر ثاقب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تأليف الفيلسوف الأشعري أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني المتوفى 548.

(2) في المطبوع في هامش الفصل 2 ص 25.

 

/ صفحة 143 /

على أن أحاديث هؤلاء كلهم في العقايد والأحكام والمعارف الإلهية مبثوثة في كتب الشيعة تتداولها الأيدي، وتشخص إليها الأبصار، وتهش إليها الأفئدة، فهي وما نسب إليهم من الأقاويل على طرفي نقيض، وهاتيك كتبهم وآثارهم الخالدة لا ترتبط بشئ من هذه المقالات بل إنما هي تدحرها وتضادها بألسنة حداد.

 وإطراء أئمة الدين عليهم السلام لهم بلغ حد الاستفاضة، ولو كانوا يعرفون من أحدهم شيئا من تلكم النسب لشنوا عليهم الغارات، كلائة لملأهم عن الاغترار بها كما فعلوا ذلك في أهل البدع والضلالات.

 وهؤلاء علماء الرجال من الشيعة بسطوا القول في تراجمهم وهم بقول واحد ينزهونهم عن كل شائنة معزوة إليهم، وهم أعرف بالقوم من أضداد هم البعداء عنهم الجهلاء بهم وبترجمتهم، غير مجتمعين معهم في حل أو مرتحل.

 وليس في الشيعة منذ القدم حتى اليوم من يعترف أو يعرف بوجود هذه الفرق هشامية. زرارية. يونسية. المنتمية عند الشهرستاني ونظرائه إليهم ككثير من الفرق التي ذكرها للشيعة، وقد نفاها الشيخ العلامة أبو بكر ابن العتايقي الحلي في رسالة له في النحل الموجودة بخط يمينه، وحكم سيدنا الشريف المرتضى علم الهدى في الشافي والسيد العلامة المرتضى الرازي (في تبصرة) العوام بكذب ما عزوه إلى القوم جميعا وأنها لا توجد إلا في كتب المخالفين لهم في المبدء إهباطا لمكانتهم عند الملأ، لكن الشيعة الذين هم ذووهم وأعرف الناس بمبادءهم لا يعرفون هاتيك المفتريات، ولا يعترفون بها، ولا يوجد شئ منها في كتبهم، وإنما الثابت فيها خلاف ذلك كله، كما لا يعتمد على تحقيق شئ من هاتيك الفرق آية الله العلامة الحلي في (مناهج اليقين) وغيرهم من أعلام الشيعة.

 فهل في وسع الرجل أن يخصم الإمامية بحجة مثبتة لتلكم الدعاوي ؟ ! لاها الله.

 وهل نسب في كتب الكلام والتاريخ قبل خلق الشهرستاني إلى هشام القول بألوهية علي ؟ ! لاها الله.

 وهل رأت عين بشر أو سمعت أذناه شيئا ولو كلمة من تلكم الكتب المعزوة إلى يونس بن عبد الرحمن المصنفة في التشبيه ؟ ! لاها الله. والشهرستاني أيضا لم يره ولم يسمعه.

* (وإن تعجب فعجب قوله) *:

 

/ صفحة 144 /

7 ـ قال:  إختلف الشيعة بعد موت علي بن محمد العسكري أيضا فقال قوم : بإمامة جعفر بن علي وقال فوم بإمامة الحسن بن علي وكان لهم رئيس يقال له : علي بن فلان الطاحن وكان من أهل الكلام قوى أسباب جعفر بن علي وأمال الناس إليه وأعانه فارس بن حاتم بن ماهويه، وذلك أن محمدا قد مات وخلف الحسن العسكري قالوا : امتحنا الحسن ولم نجد عنده علما.

 ولقبوا من قال بإمامة الحسن (الحمارية) وقووا أمر جعفر بعد موت الحسن، واحتجوا بإن الحسن مات بلا خلف، فبطلت إمامته لأنه لم يعقب والإمام لا يكون إلا ويكون له خلف وعقب، وحاز جعفر ميراث الحسن بعد دعوى ادعاها عليه أنه فعل ذلك من حبل في جواريه وغيره وانكشف أمرهم عند السلطان والرعية وخواص الناس وعوامهم، وتشتت كلمة من قال بإمامة الحسن وتفرقوا أصنافا كثيرة، فثبت هذه الفرقة على إمامة جعفر ورجع إليهم كثير ممن قال بإمامة الحسن منهم : الحسن بن علي بن فضال وهو من أجل أصحابهم وفقائهم كثير الفقه والحديث، ثم قالوا بعد جعفر بعلي بن جعفر وفاطمة بنت علي أخت جعفر، و قال قوم : بإمامة علي بن جعفر دون فاطمة السيدة، ثم اختلفوا بعد موت علي وفاطمة إختلافا كثيرا.

ج ـ إن الرجل يدخل المراقص والمسارح لينظر إلى المفرحات والمضحكات أو يسمع أشياء سارة ولو من بعض النواحي، وقد غفل عن أن كتاب الشهرستاني أوفى بمقصده من تلك المنتديات.

غير أنه إن كان مضحكا بجهل صاحبه فهو مبك من ناحية أن يوجد في بحاثة المسلمين من تروقه الوقيعة في أمم من قومه، لكنه لا يعرف كيف يقع، فيثبت ما يتراوح بين جهل شائن، وإفك مفترى، وليته قبل أن يكتب فحص عن أحوال القوم وعقائدهم وتاريخ رجالهم فلا يتحمل إثم ما افتعله، ولا يخبط في ذلك خبط عشواء، ولا يثبت ما لا يعرف.

فإن كان لا يدري ؟ ! فتلك مصيبة * وإن كـان يدري؟! فالمصيبة أعظم

ليت شعري متى وقع الخلاف في الإمامة بين الإمام الحسن العسكري عليه السلام و بين أخيه جعفر الذي ادعى الإمامة بعد وفاة أخيه؟!

/ صفحة 145 /

ومن هو علي بن فلان الطاحن الذي قوى أسباب جعفر وأمال الناس إليه ؟ ! و متى خلق ؟ ! ومتى مات ؟ ! ولست أدري أي هي بن بي هو ؟ ! وهل وجد لنفسه مقيلا في مستوى الوجود ؟ ! أنا لا أدري، والشهرستاني لا يدري، والمنجم أيضا لا يدري.

 وكيف أعان جعفرا فارس بن حاتم بن ماهويه وقد قتله جنيد بأمر والده الإمام علي الهادي عليه السلام ؟ !.

 ومن هو محمد الذي خلف الإمام الحسن العسكري ؟ ! أهو الإمام محمد الجواد ؟ ! ولم يخلف إلا ابنه الإمام الهادي سلام الله عليه.

 أو هو أبو جعفر محمد بن علي ؟ ! صاحب البقعة المعظمة بمقربة من بلد، وقد مات بحياة أبيه الطاهر والامامة مستقرة لوالده، ومتى كان إماما أو مدعيا للإمامة حتى يخلف غيره عليها ؟ ! ومن هؤلاء الذين امتحنوا الحسن الزكي العسكري فلم يجدوا عنده علما ؟ ! ثم وجدوه في جعفر الذي لم يعرف منه شئ غير أنه ادعى الإمامة باطلا بعد أخيه، و قصارى ما عندنا أنه أدركته التوبة، ولم يوجد له ذكر بعلم أو ترجمة فيها فضيلة في أي من الكتب، ولا نشرت عنه كتب الأحاديث شيئا من علومه المدعاة له عند الشهرستاني لو صدقت الأحلام، وهذا الحسن العسكري عليه السلام تجده في التراجم والمعاجم من الفريقين مذكورا بالعلم والثقة وملأ كتب العلم والحديث تعاليمه ومعارفه.

 ومن هم الذين لقبوا أتباع الحسن عليه السلام بالحمارية ؟ ! نعم : أهل بيت النبوة محسودون في كل وقت فكان يحصل لكل منهم في وقته من يسبه حسدا ويسب أتباعه لكن لا يذهب ذلك لقبا له أو لأشياعه، وإنما يتدهور في مهوى الضعة.

 ومتى كان الحسن بن علي بن فضال في عهد الإمام الحسن العسكري ؟ ! حتى يرجع عنه إلى جعفر وقد توفي ابن فضال سنة 221 ونطفة الحسن وجعفر بعد لم تنعقد، وقبل أن يبلغ الحلم والدهما الطاهر الإمام الهادي المتولد سنة 212.

ومن ذا الذي ذكر للإمام علي الهادي بنتا إسمها فاطمة ؟ ! حتى يقول أحد بإمامتها، فإن الإمام عليه السلام لم يخلف من الذكور إلا الحسن والحسين وجعفرا ومن الإناث إلا علية، باتفاق المؤرخين.

هذا كل ما في علبة الشهرستاني من جهل وفرية سود بهما صحيفة من كتابه

/ صفحة 146 /

أو صحيفة من تاريخ حياته، وكم له من لداتها صحايف، ولم يدهوره إلى تلك الهوة إلا عدم معرفته بما يقول حتى أنه يقول في الإمام الهادي الذي خبط فيه وفي ولده هذا الخبط العظيم أن مشهده بقم (1) وهذه سامراء المشرفة تزدهي بمرقده الأطهر وإلى جنبه ولده الإمام الزكي منذ دفنا فيه قبل الشهرستاني وبعده، وتلك قبته الذهبية تحك السماء بذخا، وتفوق الذكاء سناء، وهذه المعاجم والتواريخ مفعمة بتعيين هذا المرقد الأقدس له ولولده لكن الشهرستاني يجهل ذلك كله 8 خاصة الشيعة عند الشهرستاني.

 قال : ومن خصايص الشيعة القول بالتناسخ والحلول والتشبيه. 2 ص 25.

ج ـ هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ؟ ! تنزل على كل أفاك أثيم، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون.

 ليس بينك وبين عقايد الشيعة حجز وهي مدونة في مؤلفاتهم الكلامية قديما وحديثا، فلن تجد من يضرب على يدك إذا مددتها إلى أي منها أو من يغشي على بصرك إذا نظرت فيها، فأمعن فيها بصرك وبصيرتك، أو سل من شئت من علماء الشيعة و عارفيها، وأتنازل معك إلى جهالها عن هذه العقايد المعزوة إلى الشيعة على لسان الشهرستاني في القرون الوسطى، وعلى لسان طه حسين وأمثاله في القرن الأخير، و سلهم أنهم هل يرون لمعتنقي هاتيك العقايد مقيلا في مستوى الدين ؟ ! أو مبوء على باحة الاسلام ؟ ! أما وإنك لا تجد فردا من أفراد الشيعة إلا وهو يقول بكفر من يكون هذه معتقده، إذن فاعرف قيمة كتاب الشهرستاني ومحله من الأمانة في النقل.

 أنا لم أجد في قاموس البيان ما يعرب عن حقيقة الشهرستاني وكتابه، وكل ما ذكر من تقولاته وتحكماته يقصر عن استكناه بجره وعجره، غير أن لمعاصره أبي محمد الخوارزمي كما في معجم البلدان 5 ص 315 كلاما ينم عن روحياته وإليك نصه، قال بعد ذكر مشايخه في الفقه وأصوله والحديث :

 ولولا تخبطه في الاعتقاد وميله إلى هذا الالحاد لكان هو الإمام، وكثيرا ما كنا نتعجب من وفور فضله وكمال عقله وكيف مال إلى شئ لا أصل له، واختار أمرا (1) 2 ص 5 هامش الفصل.

 

/ صفحة 147 /

لا دليل عليه لا معقولا ولا منقولا، ونعوذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإيمان، وليس ذلك إلا لإعراضه عن نور الشريعة واشتغاله بظلمات الفلسفة، وقد كان بيننا محاورات ومفاوضات، فكان يبالغ في نصرة مذاهب الفلاسفة والذب عنهم، وقد حضرت عدة مجالس من وعظه فلم يكن فيها لفظ :

 قال الله، ولا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جواب من المسائل الشرعية والله أعلم بحاله.

 

(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه و جعل على بصره غشاوة

فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) الجاثية 23