عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

-10-

دعبل الخزاعي

الشهيد 246

 

تجــــاوبن بالأرنــــان والــــزفــــرات * نــــوائــــح عجــــم اللفـــظ والنطقات

يخبرن بالأنفــــاس عـــــن سر أنفس * أســــارى هــــوى مــــاض وآخر آت

فأسعدن أو أسعفن حتى تقوضت (1) * صــــفوف الدجــــا بالفجـر منهزمات

على العـــــرصات الخاليات من المها * سلام شـج صب على العرصـات(2)

فعهــــدي بها خــــضر المعاهــد مألفا * من العطرات البيض والخفرات (3)

ليــــالي يعــــدين الـــوصال على القلا * ويعــــدى تــــدانينا عــــلى الغــربات

وإذ هن يلحظــــن العــــيون ســـوافرا * ويستــــرن بالأيدي عــــلى الوجنات

وإذ كــــل يوم لي بلحــــظــــي نشــــوة * يــــبــــيت بــــها قـــلبي على نشوات

فــــكم حــــسرات هـاجها بمحسر (4) * وقــــوفي يوم الجــــمع مــن عرفات

ألــــم تر للأيام مــــا جــــر جــــــورها * على الناس من نقص وطول شتات؟!

ومــــن دول المستهزئيــــن ومـن غدا * بهــــم طالبــــا للنــــور فــي الظلمات

فكيــــف ومــــن أنــــى بطــــالب زلـفة * إلى الله بعد الصوم والصلوات ؟ ! ؟!

سواحــــب أبــــناء النــــبي ورهــــطـه * وبغــــض بنــــي الـــزرقاء والعبلات

وهنــــد ومــــا أدت سمــــية وابــــنــها * أولــــوا الكفر في الاسلام والفجرات

هــــم نــــقضوا عهــــد الكتاب وفرضه * ومحكــــمــــه بالــــزور والشبهـــات

ولــــم تــــك إلا محــــنة قــــد كــشفتهم * بدعــــوى ظــــلال مــــن هن وهنات

تــــراث بلا قــــربى ومــــلك بـــلا هدى * وحــــكم بــــلا شــــورى بغـير هدات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تقوضت الصفوف : انتقضت وتفرقت .

 (2) المها : البقرة الوحشية . الصب : العاشق وذو الولع الشديد .

 (3) خفرت الجارية : استحيت أشد الحياء .

 (4) وادي محسر بكسر السين المشددة : حد " منى " إلى جهة " عرفة " .

 

 

 

/ صفحة 350 /

رزايــــا أرتــــنا خـــــضرة الأفق حمرة * وردت أجـــاجــــا طعــــم كــــل فرات

ومــــا سهلــــت تــــلك المـــذاهب فيهم * عــــلى النــــاس إلا بــــيعة الفــلتات

ومــــا قــــيل أصحــــاب السقـيفة جهرة * بــــدعوى تــــراث فـي الضلال نتات

ولــــو قلــــدوا المــــوصى إليه أمورها * لــــزمت بمــــأمون عــــن العـثرات

أخــــي خاتم الرسل المصفى من القذى * ومفــــترس الأبــــطال فــي الغمرات

فــــإن جــــحدوا كان " الغدير " شهيده * وبــــدر واحــــد شــــامخ الهــضبات

وآي مــــن الــــقرآن تــــتلى بفــــضلــه * وإيــــثاره بالقــــوت فــــي اللـــزيات

وغــــر خــــلال أدركتــــه بســـبــــقهــــا * منــــاقب كانت فــــيه مــؤتنفات (1)

(القصيدة 121 بيتا)

* (ما يتبع الشعر) *:

 من كلمات أعلام العامة:

1 - قال أبو الفرج في الأغاني 18 ص 29 : قصيدة دعبل :

مــــدارس آيــــات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات (2)

من أحسن الشعر وفاخر المدايح المقولة في أهل البيت عليهم السلام، قصد بها علي ابن موسى الرضا عليه السلام بخراسان قال : دخلت على علي بن موسى الرضا عليه السلام فقال لي : أنشدني شيئا مما أحدثت .

 فأنشدته :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

حتى انتهيت إلى قولي :

إذا وتروا مدوا إلي واتريهم * أكفـــا عن الأوتار منقبضات

قال : فبكى حتى أغمي عليه وأومأ إلى الخادم كان على رأسه : أن اسكت . فسكت فمكث ساعة ثم قال لي : أعد . فأعدت حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضا فأصابه مثل الذي أصابه في المرة الأولى وأومأ الخادم إلي : أن اسكت . فسكت فمكث ساعة أخرى ثم قال لي : أعد . فأعدت حتى انتهيت إلى آخرها . فقال لي : أحسنت - ثلاث مرات -

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أنف كل شيء : أوله . وروض أنف : ما لم يرعه أحد : كأس أنف : لم يشرب بها . المستأنف : ما لم يسبق إليه .

 (2) هو البيت الثلاثون من القصيدة وتسمى به .

 

 

 

/ صفحة 351 /

ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه ولم تكن دفعت إلى أحد بعد وأمر لي من في منزله بحلي كثير أخرجه إلى الخادم، فقدمت العراق فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم إشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة ألف درهم فكان أول مال اعتقدته (1) قال ابن مهرويه : وحدثني حذيفة بن محمد : أن دعبلا قال له : إنه استوهب من الرضا عليه السلام ثوبا قد لبسه ليجعله في أكفانه فخلع جبة كانت عليه فأعطاه إياها وبلغ أهل قم خبرها فسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم فلم يفعل فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصبا وقالوا له : إن شئت أن تأخذ المال فافعل وإلا فأنت أعلم .

 فقال لهم : إني والله لا أعطيكم إياها طوعا ولا تنفعكم غصبا وأشكوكم إلى الرضا عليه السلام فصالحوه على أن أعطوه الثلاثين ألف الدرهم وفرد كم من بطانتها، فرضي بذلك فأعطوه فردكم فكان في أكفاته وكتب قصيدته :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ..........

 فيما يقال على ثوب وأحرم فيه وأمر بأن يكون في أكفانه (2) وروى في ص 39 عن دعبل قال : لما هربت من الخليفة بت ليلة بنيسابور وحدي وعزمت على أن أعمل قصيدة في عبد الله بن طاهر في تلك الليلة فإني لفي ذلك إذ سمعت والباب مردود علي : السلام عليكم ورحمة الله انج يرحمك الله .

 فاقشعر بدني من ذلك ونالني أمر عظيم فقال لي : لا ترع عافاك الله فإني رجل من إخوانك من الجن من ساكني اليمن طرء إلينا طارئ من أهل العراق فأنشدنا قصيدتك :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

فأحببت أن أسمعها منك .

 قال فأنشدته إياها فبكى حتى خر، ثم قال : رحمك الله ألا أحدثك حديثا يزيد في نيتك ويعينك على التمسك بمذهبك ؟ ! قلت : بلى . قال مكثت حينا أسمع بذكر جعفر بن محمد عليه السلام فصرت إلى المدينة فسمعته يقول : حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : علي وشيعته هم الفائزون . ثم ودعني لينصرف فقلت له : يرحمك الله إن رأيت أن تخبرني باسمك فافعل . قال : أنا ظبيان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) في معاهد التنصيص 1 ص 205، عيون أخبار الرضا ص 280 .

 (2) وذكر في معجم الأدباء 4 ص 196، ومعاهد التنصيص 1 ص 205، وعصر المأمون 3 .

 

 

 

/ صفحة 352 /

بن عامر (1) .

 2 - قال أبو إسحاق القيرواني الحصري المتوفى سنة 413 في " زهر الآداب " 1 ص 86 : كان دعبل مداحا لأهل البيت عليهم السلام كثير التعصب لهم والغلو فيهم وله المرثية المشهورة وهي من جيد شعره وأولها :

مــــدارس آيــــات خــــلت مــن تلاوة * ومنــــزل وحــــي مقــــفـر العرصات

لآل رســــول الله بالخــــيف من منى * وبالبــــيت والتعــــريف والجــــمرات

ديــــار عــــلي والحــــسين وجعـــفر * وحــــمزة والسجــــاد ذي الثفــــنــات

قــــفا نســــأل الـدار التي خف أهلها * متــى عهدها بالصوم والصلوات ؟ !

وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * أفــــانيــــن فــي الآفاق مفترقات ؟ !

أحــــب قــــصي الدار من أجل حبهم * وأهجــــر فيــــهم أســــرتي وثــقاتي

3 - قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه 5 ص 234 : ثم إن المأمون لما ثبتت قدمه في الخلافة وضرب الدنانير باسمه أقبل بجمع الآثار في فضايل آل الرسول فتناهى إليه فيما تناهى من فضائلهم قول دعبل :

مــــــدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحــــــي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالبـــــيت والتعريف والجمرات

فما زالت تردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل (2) فقال له : أنشدني قصيدتك التائية ولا بأس عليك ولك الأمان من كل شيء فيها فإني أعرفها وقد رويتها إلا أني أحب أن أسمعها من فيك .

 قال : فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع :

ألم تر أني مذ ثـــلاثين حجــــة * أروح وأغـــدو دائم الحسرات

أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيــــديهم مــن فيئهم صفرات

فآل رسول الله نحف جسومهم * وآل زياد غــــلظ القــــصــرات

بنات زياد في الخدور مصونة * وبنت رسول الله فــــي الفلوات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) وذكره صاحب معاهد التنصيص 1 ص 205 .

 (2) ومن هنا يوجد في الأغاني 18 ص 58، وزهر الآداب 1 ص 86، ومعاهد التنصيص 1 ص 205، والإتحاف 165 .

 

 

 

/ صفحة 353 /

إذا وتــــروا مــــدوا إلى واتريهم * أكفــــا عــــن الأوتـــار منقبضات

فلو لا الذي أرجوه في يوم أوغد * تقــــطع نفــــسي إثـــرهم حسرات

فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته وجرت دموعه على نحره، وكان دعبل أول داخل عليه وآخر خارج من عنده .

 4 - قال ياقوت الحموي في " معجم الأدباء " 4 ص 6 19 : قصيدته التائية في أهل البيت من أحسن الشعر، وأسنى المدايح قصد بها علي بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان [ وذكر حديث البردة وقصتها المذكورة ثم قال : ] ويقال : إنه كتب القصيدة في ثوب وأحرم فيه وأوصى بأن يكون في أكفانه، ونسخ هذه القصيدة مختلفة في بعضها زيادات يظن (1) أنها مصنوعة ألحقها بها أناس من الشيعة وإنا موردون ما صح منها :

نفوس لدى النهرين من أرض كربلا * معــــرسهــــم فيهــــا بشــــط فـــرات

مـدارس آيــــات خــــلت مــــن تلاوة * ومنــــزل وحــــي مقــــفــر العرصات

لآل رســــول الله بالخـــيف من منى * وبالركــــن والتعــــريف والجــــمرات

ديــــار عــــلي والحــــسين وجــعفر * وحــــمزة والسجــــاد ذي الثــــفـــنات

ديــــار عــــفاهــــا كـــل جون مبادر * ولم تعــــف للأيــــام والــــســنــــوات

قــــفا نســــأل الدار التي خف أهلها * متى عهـــدها بالصوم والصلوات ؟ !

وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * أفــــانين فــــي الآفــاق مفترقات ؟ !

هــــم أهــل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهــــم خــــير قــــادات وخـــير حماة

ومــــا النــــاس إلا حـــــاسد ومكذب * ومضطغــــن ذو إحــــنة وتـــــــــرات

إذا ذكــــروا قتــــلى بــــبدر وخيــــبر * ويــــوم حنــــيــــن أسبـــلوا العبرات

قبــــور بكــــوفان وأخــــرى بطـــيبة * وأخــــرى بفــــخ نالــــها صــــلواتي

وقبــــر ببغــــداد لنــــفس زكــــيـــــة * تضمــــنها الــــرحمن فــــي الغرفات

فأمــــا المصــــمات الـتي لست بالغا * مبالغهــــا منــــي بكــــنه صفـــــــات

إلــــى الحــــشر حتى يبعث الله قائما * يــــفرج مــــنها الهــــم والكـــــربات

نفوس لدى النهرين من أرض كربلا * معــــرسهــــم فيــــهــــا بشــط فرات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) يأتي في آخر ما يتبع الشعر : إن هذا الظن إثم ولا يغني من الحق شيئا .

 

 

 

/ صفحة 354 /

تقــسمهم ريــب الزمان كما تـــرى * لهــــم عــــقرة مغـشية الحجرات

ســـوى أن منهم بالمدينة عـــصبة * مــــدى الدهر أضناه من الأزمات

قليلــــة زوار ســوى بعـــض زور * مــــن الضبع والعقبان والرخمات

لهــــم كل حــــين نومة بمضاجـــع * لهم فـــي نواحي الأرض مختلفات

وقــــد كان منهم بالحجاز وأهلهـــا * مغــــاوير يخـتارون في السروات

تنكــــب لأواء السنـــين جوارهـــم * فــــلا تصطــــليهم جمرة الجمرات

إذا وردوا خــــيلا تشـــمس بالقـــنا * مساعــــر جمر الموت والغمرات

وإن فخــــروا يـــوما أتوا بمحمـــد * وجــــبريل والفرقان ذي السورات

مــــلامك في أهــــل النــبي فإنهـــم * أحــــباي مــــا عاشوا وأهل ثقاتي

تخــــيرتهم رشــــدا لامـري فإنهـــم * عــــلى كــــل حــال خيرة الخيرات

فيــــا رب زدني من يقيني بصيـــرة * وزد حبــــهم يــــا رب في حسناتي

بنــــفسي أنتــــم من كهول وفتـــية * لفــــك عــــناة أو لحــــمل ديـــــات

أحـب قصي الرحم من أجل حـــبكم * وأهجــــر فيــــكم أســــرتي وبناتي

وأكتــــم حبــــكم مخــــافة كـــاشح * عــــتيــــد لأهـــل الحق غير موات

لقــــد حفــت الأيام حولي بشرهـــا * وإنــــي لأرجـــــو الأمن بعد وفاتي

ألــــم تــــــر إني مذ ثلاثين حجـــة * أروح وأغــــدو دائم الحـــسرات؟!

أرى فيـــئهم في غيرهم متقسمـــا * وأيــــديهم مــــن فيــــئهم صـفرات

فـــآل رسول الله نحف جسومهـــم * وآل زيــــاد حفــــل القــصرات (1)

بنـــات زياد في القصور مصونـــة * وآل رســــول الله فــــي الفــــلوات

إذا وتـروا مدوا إلى أهل وترهـــم * أكــــفا مــــن الأوتــــار منقــبضات

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * لقطــــع قــــلبي إثـــرهم حـسراتي

خــــروج إمــــام لا محـــالة خارج * يقــــوم عــــلى اسم الله والبركات

يميــــز فــــينا كــــل حـــــق وباطل * ويجـــــزي على النعماء والنقمات

سأقـصر نفسي جاهدا عن جدالهم * كــــفاني مــــا ألــــقى من العبرات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الحفل من الحافل : الممتلئ . القصرات جمع قصرة : أصل العنق .

 

 

 

/ صفحة 355 /

فيـا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري * فغــــير بعــــيد كــــل مــــا هــو آت

فــإن قرب الرحمن من تلك مدتي * وأخــــر مــــن عمري لطول حياتي

شفــــيت ولـــم أترك لنفسي رزية * ورويــــت منهــــم منــصلي وقناتي

أحـاول نقل الشمس من مستقرها * وأســــمع أحـــــجارا من الصلدات

فمــــن عــــارف لـم ينتفع ومعاند * يمــــيل مــــع الأهــواء والشبهات

قصــــاراي منهم أن أموت بغصة * تــــردد بــــين الصــــدر واللهـوات

كأنــــك بالأضلاع قـد ضاق رحبها * لمــــا ضمنــــت مـن شدة الزفرات

5 - أخرج شيخ الاسلام أبو إسحاق الحموي (المترجم له ج 1 ص 123) عن أحمد بن زياد عن دعبل الخزاعي قال : أنشدت قصيدة لمولاي علي الرضا رضي الله عنه :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

قال لي الرضا : أفلا الحق البيتين بقصيدتك ؟ ! قلت : بلى يا بن رسول الله ؟ فقال :

وقبر بطــوس يا لها من مصيبة * ألحـــت بها الأحــشاء بالزفرات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفـــرج عـنا الهم والكربات (1)

قال دعبل : ثم قرأت باقي القصيدة فلما انتهيت إلى قولي :

خـــروج إمام لا محالة واقع * يقوم على اسم الله والبركات

بكى الرضا بكاء شديدا ثم قال : يا دعبل نطق روح القدس بلسانك أتعرف من هذا الإمام ؟ ! قلت : لا إلا أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطا وعدلا .

 فقال : إن الإمام بعدي إبني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم، وهو المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت جورا وظلما، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت لقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة . ويأتي هذا الحديث عن الشبراوي أيضا .

 6 - قال أبو سالم ابن طلحة الشافعي المتوفى 652 في " مطالب السئول " ص

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ألحقهما الإمام عليه السلام بعد قول دعبل :

وقــــــبر ببغـــــــــداد لنفس زكية * تضمنها الرحمان في الغرفات

 

 

/ صفحة 356 /

85 قال دعبل : لما قلت : مدارس آيات .

 قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا وهو بخراسان ولي عهد المأمون فأحضرني المأمون وسألني عن خبري ثم قال لي : يا دعبل ؟ أنشدني - مدارس آيات خلت من تلاوة - فقلت : ما أعرفها يا أمير المؤمنين ؟ فقال : يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام ؟ فلم يكن إلا ساعة حتى حضر فقال له : يا أبا الحسن ؟ سألت دعبلا من - مدارس آيات خلت من تلاوة - فذكر إنه لا يعرفها . فقال لي أبو الحسن : يا دعبل ؟ أنشد أمير المؤمنين ؟ فأخذت فيها فأنشدتها فاستحسنها فأمرني بخمسين ألف درهم . وأمر لي أبو الحسن الرضا بقريب من ذلك فقلت : يا سيدي ؟ إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني . فقال : نعم . ثم دفع لي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة، وقال لي : إحفظ هذا تحرس به .

 ثم دفع ذو الرياستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني، وكنت أسايره في يوم مطير وعليه ممطر خز وبرنس فأمر لي به ودعا بغيره جديد ولبسه وقال : إنما آثرتك باللبيس لأنه خير الممطرين .

 قال : فأعطيت به ثمانين دينارا فلم تطب نفسي ببيعه، ثم كررت راجعا إلى العراق فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا فكان ذلك اليوم يوما مطيرا فبقيت في قميص خلق وضر شديد متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة ومفكر في قول سيدي الرضا إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرياستين وعليه الممطر ووقف بالقرب مني ليجتمع إليه أصحابه وهو ينشد - مدارس آيات خلت من تلاوة - ويبكي فلما رأيت ذلك عجبت من لص من الأكراد يتشيع ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت : يا سيدي .

 لمن هذه القصيدة ؟ ! فقال : وما أنت وذلك ؟ ! ويلك .

 فقلت : لي فيه سبب أخبرك به .

 فقال : هي أشهر بصاحبها من أن تجهل .

 فقلت : من ؟ ! قال : دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا .

 قلت له : يا سيدي فأنا والله دعبل وهذه قصيدتي . الحديث .

 وقال ص 86 بعد ذكر الحديث ما لفظه : فانظر إلى هذه المنقبة وما أعلاها و ما أشرفها وقد يقف على هذه القصة بعض الناس ممن يطالع هذا الكتاب ويقرأه فتدعوه نفسه إلى معرفة هذه الأبيات المعروفة ب‍ مدارس آيات - ويشتهي الوقوف

 

 

/ صفحة 357 /

عليها وينسبني في إعراضي عن ذكرها إما أنني لم أعرفها، أو : أنني جهلت ميل النفوس حينئذ إلى الوقوف عليها فأحببت أن أدخل راحة على بعض النفوس وأن أدفع عني هذا النقص المتطرق إلى بعض الظنون فأوردت منها ما يناسب ذلك وهي:

ذكــــرت محــــل الربــع من عرفات * وأرسلــــت دمــــع العــين بالعبرات

وفــــل عـرى صبري وهاج صبابتي * رســــوم ديــــار أقـــفرت وعــــرات

مدارس آيــــات خــــلت من تــــلاوة * ومهبط وحي مقــــفر العــــرصــــات

لآل رســــول الله بالخـــيف من منى * وبالبيت والتعــــريف والجــــمــرات

ديــــار عـــلي والحــــسين وجعـــفر * وحمزة والسجاد ذي الثفـــــنات (1)

ديــــار عــــفاها جــــور كـــــل منابذ * ولم تعــــف بالأيــــام والســــنــوات

ودار لعــــبد الله والفــــضل صنــــوه * سليــــل رســــول الله ذي الــدعوات

منــــازل كانــــت للصــــلاة وللتــقى * وللصوم والتطــــهير والحــــسنـــات

منــــازل جــــبريل الأميــــن يحـــلها * مــــن الله بالتســــليم والــــزكـــوات

منازل وحي الله مــــعــــدن عــــلمه * سبــــيل رشــــاد واضــــح الطـرقات

منــــازل وحي الله ينــــزل حـــــولها * على أحــــمد الــــروحات والغــدواة

فأين الأولى شطت بهم غربة النوي * أفــــانين فــــي الأقطار مفترقات ؟ !

هــــم آل ميــــراث النــبي إذا انتموا * وهــــم خــــيرات سادات وخير حماة

مطاعــيم في الاعسار في كل مشهد * لقــــد شــــرفوا بالفــــضل والبركات

إذا لــــم ننــــاج الله فــــي صلـــواتنا * بذكرهــــم لــــم يــــقبــــل الصــلوات

أئــــمة عــــدل يقــــتــــدى بفــــعالهم * وتؤمــــن منهــــم زلــــة العــــثرات

فيــــا رب زد قلــــبي هدى وبـــصيرة * وزد حبــــهم يا رب فــــي حـــسناتي

ديــــار رســــول الله أصبحــــن بلقعا * ودار زيــــاد أصبحــــت عــــمـــرات

وآل رســــول الله غــــلت رقــــــابهم * وآل زيــــاد غــــلظ القــــصـــــــرات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ذكر الثعالبي في ثمار القلوب ص 233 بيتين من القصيدة أحدهما : مدارس آيات . والثاني هذا البيت وقال : (ذو الثفنات) كان يقال لكل من علي بن الحسين بن علي (ع) وعلي بن عبد الله بن عباس : ذو الثفنات . لما على أعضاء السجود منهما من السجدات الشبيهة بثفنات الإبل وذلك لكثرة صلاتهما .

 

 

 

/ صفحة 358 /

وآل رسـول الله تــــدمى نــــحورهــم * وآل زيــــاد زيــــنــــوا الحــــجــــلات

وآل رســــول الله تسبــــى حــريمهم * وآل زيــــاد آمنــــوا الســـــــــريــــات

وآل زيــــاد فــــي القـــصور مصونة * وآل رســــول الله فــــي الفــــلــــوات

فيــــا وارثــــي عــــلــــم النـبي وآله * عــــليكم ســــلام دائــــم النــــفـــحات

لقــــد آمنــــت نــفسي بكم في حياتها * وإنــــي لأرجــو الأمن من بعد مماتي

7 - ذكر شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرته ص 130 من القصيدة 29 بيتا وفيها ما لم يذكره الحموي في " معجم الأدباء " وذكرت في هامش التذكرة القصيدة من أولها إلى - مدارس آيات - .

 8 - ذكر صلاح الدين الصفدي المتوفى 764 في " الوافي بالوفيات " 1 ص 156 .

 طريق رواية القصيدة عن عبيد الله (1) بن جخجخ النحوي عن محمد بن جعفر بن لنكك أبي الحسن البصري النحوي عن أبي الحسين العباداني عن أخيه عن دعبل .

 وهذا الطريق ذكره جلال الدين السيوطي في " بغية الوعاة " ص 94 .

 9 - روى الشبراوي الشافعي المتوفى 1172 في " الإتحاف " ص 165 عن الهروي قال : سمعت دعبلا يقول : لما أنشدت مولاي الرضا قصيدتي التي أولها :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومهبط وحي مقفر العرصات

فلما انتهيت إلى قولي :

خـروج إمام لا محالة خارج * يــــقوم على اسم الله والبركات

يميـــز فيـــنا كـل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا عليه السلام بكاء شديدا ثم رفع رأسه إلي فقال لي : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام ؟ ! ومتى يقوم ؟ ! فقلت : لا يا سيدي ؟ إلا أني سمعت بخروج إمام منكم (إلى آخر ما مر عن الحموي) (2) وفي " الإتحاف " ص 161 : نقل الطبري في كتابه عن أبي الصلت الهروي قال : دخل الخزاعي على علي بن موسى الرضا بمرو فقال : يا بن رسول الله ؟ إني قلت فيكم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) قال ياقوت الحموي : كان ثقة صحيح الكتابة .

 (2) وذكره الصدوق في العيون . 370، والأمالي 210، والطبرسي في أعلام الورى 192 .

 

 

 

/ صفحة 359 /

أهل البيت قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك وأحب أن تسمعها مني فقال له علي الرضا : هات قل .

 فأنشأ يقول :

ذكــــرت محــــل الربع من عــــرفات * فأجــــريت دمــــع العــــين بالعــبرات

وفــــل عرى صبري وهاجت صبابتي * رســــوم ديــــار أقــــفــــرت وعــرات

مــــدارس آيــــات خــــلــت من تلاوة * ومهبــــط وحــــي مقــــفـــر العرصات

لآل رســــول الله بالخــــيـف من منى * وبالبــــيت والتعــــريف والجــــمـرات

ديــــار عــــلي والحــــسين وجعــــفر * وحــــمزة والسجــــاد ذو الثــــفــــنات

ديــــار لعــــبد الله والفضــــل صنـــوه * نجــــي رســــول الله فــــي الخـــلوات

منــــازل كــــانت للصــــلاة وللتـــــقى * وللصــــوم والتطهــــير والحـــــسنات

منــــازل جــــبريل الأميــــن يـحــــلها * مــــن الله بالتعــــليم والــــرحــــمـــات

منــــازل وحــــي الله معــــــدن عـلمه * سبيل رشــــاد واضــــح الطــــرقــــات

قفا نسأل الدار التــــي خــــف أهـــلها * مــــتى عهــــدها بالــصوم والصلوات

وأين الأولــى شطت بهم غربة النوى * فــــأمسين فــــي الأقطار مفترقات ؟ !

أحــــب قــــضاء الله مـــــن أجل حبهم * وأهجــــر فيهــــم أســــرتي وثقـــاتي

هــــم أهل ميراث النــــبي إذا انتـــموا * وهــــم خــــير ســــادات وخـير حماة

مطاعــــيم فـي الاعسار في كل مشهد * لقــــد شــــرفوا بالفضــــل والبركات

أئمــــة عــــدل يقــــتدى بفــــعالــــهـــم * وتــــؤمن منــــهم زلــــة العــــثرات

فــــيا رب زد قــــلبي هــــدى وبصــيرة * وزد حبــــهم يــــا رب فـــي حسناتي

لقد آمنت نفسي بهم فــــي حــــياتـــــها * وإنــــي لأرجــــو الأمن بعـــد وفاتي

ألــــم تــــراني مــــذ ثلاثين حـــــجــــة * أروح وأغـــــــدو دائم الحسرات ؟ !

أرى فيــــئهم فــــي غــــيرهم متقسما * وأيديهم مــــن فيــــئهم صــــفـــــرات

إذا وتــــروا مــــدوا إلــى أهل وترهم * أكــــفا عــــن الأوتــــار منــــقبــضات

وآل رســــول الله نحــــف جـــسومهم * وآل زيــــاد أغــــلظ الــــقـــــصــــرات

سأبكيهــــم مــــا ذر فـي الأفق شارق * ونــــادى منــــادي الخــــير بالصلوات

ومــــا طلــــعت شمس وحان غروبها * وبالليــــل أبــــكيــــهم وبالغــــــــدوات

 

 

/ صفحة 360 /

ومــــا طلــــعت شمس وحان غروبها * وبالليــــل أبــــكيــــهم وبالغــــــــدوات

ديــــار رســــول الله أصبحــــن بلقــعا * وآل زيــــاد تســــكن الــــحــــجــــرات

وآل زيــــاد فــــي الــــقصـور مصونة * وآل رســــول الله فــــي الــفــــلــــوات

فلــــو لا الـذي أرجوه في اليوم أو غد * تقــــطع نــــفسي إثــــرهم حــــسراتي

خــــروج إمــــام لا محــــالة خـــــارج * يقــــوم عــــلى اســــم الله بالبـــــركات

يميــــز فيــــنا كــــل حــــسن وبــــاطل * ويجــــزي عــــن النعــــماء والنقـمات

فيــــا نفــس طيبي ثم يا نفس فاصبري * فغــــير بعــــيــــد كــــل مــــا هــــو آت

وهي قصيدة طويلة عدة أبياتها مائة وعشرون بيتا . ولما فرغ دعبل من إنشادها نهض أبو الحسن الرضا وقال : لا تبرح .

 فأنفذ إليه صرة فيها مائة دينار واعتذر إليه . فردها دعبل وقال : والله ما لهذا جئت وإنما جئت للسلام عليه والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون وإني لفي غني فإن رأى أن يعطيني شيئا من ثيابه للتبرك فهو أحب إلي .

 فأعطاه الرضا جبة خز عليه الصرة وقال للغلام : قل له : خذها ولا تردها فإنك ستصرفها أحوج ما تكون إليها .

 فأخذها وأخذ الجبة . [ إلى آخر حديث اللصوص المذكور ] .

 10 - ذكر الشبلنجي في " نور الأبصار " ص 153 ما مر عن الشبراوي برمته حرفيا .

* (أما أعلام الطايفة) * فقد ذكر القصيدة وقصة الجبة واللصوص جمع كثير لا نطيل المقال بذكر كلماتهم بل نقتصر منها على ما لم يذكر في الكلمات المذكورة .

 روى شيخنا الصدوق في " العيون " 368 و " الأمالي " 211 عن الهروي قال : دخل دعبل على أبي الحسن الرضا عليه السلام بمرو فقال له : يا بن رسول الله ؟ إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال عليه السلام : هاتها . فأنشده فلما بلغ إلى قوله :

أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم مـــــن فيئهم صفــرات

بكى أبو الحسن عليه السلام وقال له : صدقت يا خزاعي ؟ فلما بلغ إلى قوله :

إذا وتروا مدوا إلي واتريهم * أكفــا عن الأوتار منقبضات

جعل أبو الحسن عليه السلام يقلب كفيه ويقول : أجل والله منقبضات : فلما بلغ إلى قوله :

لقـــد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لأرجو الأمن من بعد وفاتي

 

 

/ صفحة 361 /

قال الرضا : آمنك الله يوم الفزع الأكبر .

 فلما انتهى إلى قوله :

وقـــــبر ببغـــــداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات

قال له الرضا : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟ ! فقال بلى يا بن رسول الله . فقال عليه السلام .

وقبر بطوس يا لها من مصيـــــبة * توقـــــد فـــــي الأحشاء بالحرقات

إلى الحـــــشر حتى يبعث الله قائما * يفـــــرج عـــــنا الهـــــم والكربات

فقال دعبل : يا بن رسول الله ؟ هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟ ! فقال الرضا : قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له . ثم نهض الرضا عليه السلام وأمر دعبل أن لا يبرح من موضعه .

 [ فذكر قصة الجبة واللصوص ثم قال : كانت لدعبل جارية لها من قبله محمل فرمدت عينها رمدا عظيما فأدخل أهل الطب عليها فنظروا إليها فقالوا : أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت، وأما اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ونرجوا أن تسلم .

 فاغتم لذلك دعبل غما شديدا وجزع عليها جزعا عظيما، ثم أنه ذكر ما كان معه من وصلة الجبة فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة منها من أول الليل فأصبحت وعيناها أصح ما كانتا قبل ببركة أبي الحسن الرضا عليه السلام (1) .

 في مشكاة الأنوار (2) ومؤجج الأحزان (3) : روي أنه لما قرأ دعبل قصيدته على الرضا عليه السلام وذكر الحجة عجل الله فرجه بقوله:

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * تقطع نفـــــسي إثرهم حـــــسراتي

خـــــروج إمـــــام لا محـالة خارج * يقـــــوم عـــلى اسم الله والبركات

وضع الرضا عليه السلام يده على رأسه وتواضع قائما ودعى له بالفرج . وحكاه عن " المشكاة " صاحب الدمعة الساكبة وغيره .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) وذكره الطبرسي في أعلام الورى ص 191، والأربلي في كشف الغمة ص 275 .

 (2) تأليف الشيخ محمد بن عبد الجبار البحراني .

 (3) تأليف الشيخ عبد الرضا بن محمد الأوالي البحراني .

 

 

 

/ صفحة 362 /

ولهذه التائية عدة شروح لأعلام الطايفة منها :

شرح العلامة الحجة السيد نعمة الله الجزائري المتوفى 1112 .

كمال الدين محمد بن محمد القنوي الشيرازي .

الحاج ميرزا علي العلياري التبريزي المتوفى 1327 .

 لفت نظر: إن مستهل هذه القصيدة ليس كل ما ذكروه فإنها مبدوة بالنسيب ومطلعها :

تجاوبن بالأرنان والزفرات * نوائح عجم اللفظ والنطقات

قال ابن الفتال في روضته ص 194، وابن شهر آشوب في " المناقب " 2 ص 394 : وروي أن دعبل أنشدها الإمام عليه السلام من قوله : مدارس آيات - وليس هذا البيت رأس القصيدة ولكن أنشدها من هذا البيت فقيل له : لم بدأت بمدارس آيات ؟ ! قال : إستحييت من الإمام عليه السلام أن أنشده التشبيب فأنشدته المناقب ورأس القصيدة:

تجاوبن بالأرنان والزفرات * نوائح عجم اللفظ والنطقات

ذكرها برمتها وهي مائة وعشرون بيتا الأربلي في [ كشف الغمة ] . والقاضي في " المجالس " ص 451 . والعلامة المجلسي في " البحار " ص 75 .

 والزنوزي في الروضة الأولى من " رياض الجنة " ونص على عددها المذكور الشبراوي والشبلنجي كما مر .

 فما قدمناه عن الحموي من أن [ نسخ هذه القصيدة مختلفة في بعضها زيادات يظن أنها مصنوعة ألحقها بها أناس من الشيعة وإنا موردون هنا ما صح ] من بعض الظن الذي هو إثم وقد ذكر هو في معجم البلدان ما هو خارج عما أثبته في معجم الأدباء من الصحيح عنده فحسب راجع ج 2 ص 28، وذكر المسعودي في " مروج الذهب " 2 ص 239 و غيره بعض ما ذكره في معجم البلدان .

 وأثبت سبط ابن الجوزي في " التذكرة " وابن طلحة في " المطالب " والشبراوي في " الإتحاف "، والشبلنجي في " نور الأبصار " زيادات لا توجد بما استصحه الحموي، وليس من الممكن قذف هؤلاء الأعلام بإثبات المفتعل .

 وبما أن العلم تدريجي الحصول فمن المحتمل أن الحموي يوم تأليفه " معجم الأدباء " لم يقف به البحث على أكثر مما ذكر ثم لما توسع في العلوم ثبت عنده غيره أيضا فأدرجه في معجم البلدان " الذي هو متأخر في التأليف، ولذلك يحيل فيه على " معجم الأدباء " في

 

 

/ صفحة 363 /

أكثر مجلداته راجع 2 ص 45، 117، 135، 186 و ج 3 ص 117، 184، و ج 4 ص 228، 400، و ج 5 ص 187، 289، و ج 6 ص 177 وغيرها لكن سوء ظنه بالشيعة حداه إلى نسبة الافتعال إليهم عند تدوين الترجمة، ونحن لا نناقشه بالحساب في هذا التظني فإن الله لهم بالمرصاد وهو نعم الرقيب والحسيب .

 * (الشاعر) * :

أبو علي - أبو جعفر - دعبل بن علي بن رزين (1) بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بديل بن ورقاء بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى بن ربيعة بن جزي بن عامر بن مازن ابن عدي بن عمرو بن ربيعة الخزاعي . أخذناه من فهرست النجاشي ص 116 . وتأريخ الخطيب 8 ص 382 . وأمالي الشيخ 239 . وتأريخ ابن عساكر 5 ص 227 . ومعجم الأدباء للحموي 11 ص 100 وقال : وعلى هذا الأكثر . والإصابة لابن حجر 1 ص 141 .

* (بيت رزين) * بيت علم وفضل وأدب وإن خصه ابن رشيق في عمدته 2 ص 290 بالشعر، فإن فيهم محدثون وشعراء، وفيهم السؤدد والشرف، وكل الفضل والفضيلة ببركة دعاء النبي الأطهر لجدهم الأعلى : بديل بن ورقاء لما أوقفه العباس بن عبد المطلب يوم الفتح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله : وقال : يا رسول الله ؟ هذا يوم قد شرفت فيه قوما فما بال خالك بديل بن ورقاء ؟ ! وهو قعيد حبه .

 قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أحسر عن حاجبيك يا بديل ؟ فحسر عنهما وحدر لثامه فرأى سوادا بعارضه فقال : كم سنوك يا بديل ؟ ! فقال : سبع وتسعون يا رسول الله ؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : زادك الله جمالا وسوادا وأمتعك وولدك .

 (2) ومؤسس شرفهم الباذخ : البطل العظيم عبد الله بن ورقاء الذي كان هو وأخواه عبد الرحمن ومحمد رسل رسول الله صلى الله وآله وسلم إلى المين كما في رجال الشيخ . و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) في الأغاني 8 ص 29 : ابن سليمان بن تميم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل ابن أنس بن خزيمة بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن مزيقيا .

 (2) أمالي الشيخ ص 239، الإصابة 1 ص 141 .

 

 

 

/ صفحة 364 /

كانوا هم وأخوهم عثمان من فرسان مولانا أمير المؤمنين الشهداء في صفين (1) وأخوهم الخامس : نافع بن بديل استشهد على عهد النبي صلى الله عليه وآله ورثاه ابن رواحة بقوله :

رحـــــم الله بـــــن بـــــديــــــــل * رحــــمة المبتغي ثواب الجهاد

صــــابرا صادق الحديث إذا ما * أكثر القوم قال قول السداد(2)

فحسب هذا البيت شرفا أن فيه خمسة شهداء وهم بعين الله ومع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وكان عبد الله من متقدمي الشجعان، والمتبرز في الفروسية، والمحتلي بأعلى مراتب الإيمان، وعده الزهري من دهاة العرب الخمسة كما في الإصابة 2 ص 281 قال له أمير المؤمنين يوم صفين : احمل على القوم .

 فحمل عليهم بمن معه من أهل الميمنة وعليه يومئذ سيفان ودرعان فجعل يضرب بسيفه قدما ويقول :

لم يـــــبق غــير الصبر والتوكل * والترس والرمح وسيف مصقل

ثـــــم التمشي في الرعيل الأول * مشي الجمال في حياض المنهل

فلم يزل يحمل حتى انتهى إلى معاوية والذين بايعوه إلى الموت فأمرهم أن يصمدوا لعبد الله بن بديل وبعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري وهو في الميسرة أن يحمل عليه بجميع من معه .

 واختلط الناس واضطرم الفيلقان ميمنة أهل العراق وميسرة أهل الشام وأقبل عبد الله بن بديل يضرب الناس بسيفه قدما حتى أزال معاوية عن موقفه وجعل ينادي : يا ثارات عثمان ؟ وإنما يعني أخا له قتل، وظن معاوية وأصحابه أنه يعني : عثمان بن عفان .

 وتراجع معاوية عن مكانه القهقرى كثيرا وأرسل إلى حبيب بن مسلمة مرة ثانية وثالثة يستنجده ويستصرخه ويحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة العراق فكشفها حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من القراء فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم ولج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية وجعل يطلب موقفه ويصمد نحوه حتى انتهى إليه ومع معاوية عبد الله بن عامر واقفا فنادى معاوية بالناس : ويلكم الصخر والحجارة .

 حتى أثخنوه فسقط فأقبلوا عليه بسيوفهم فقتلوه، وجاء معاوية وعبد الله بن عامر حتى وقفا عليه فأما عبد الله بن عامر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صفين لابن مزاحم ص 126، خصال الصدوق، شرح النهج 1 ص 486 . الإصابة 3 ص 371.

(2) الإصابة 3 ص 543 .

 

 

 

/ صفحة 365 /

فألقى عمامته على وجهه وترحم عليه وكان له من قبل أخا وصديقا، فقال معاوية : إكشف عن وجهه .

 فقال : لا والله لا يمثل به وفي روح فقال معاوية : إكشف عن وجهه فإنا لا نمثل به قد وهبناه لك .

 فكشف ابن عامر عن وجهه فقال معاوية : هذا كبش القوم ورب الكعبة أللهم اظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندي والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر(1):

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمـــــرت عن ساقها الحرب شمرا

ويحـــــمي إذا مـــــا المــــوت كان لقاؤه * قـــــدى السيــــر يحمي الأنف أن يتأخرا

كليـــــث هـــــزبر كـــــان يحــــمي ذماره * رمتـــــه المنـــــايا قـــصدها فتقطرا (2)

ثم قال : إن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت (3) ومر بعبد الله بن بديل وهو بآخر رمق من حياته الأسود بن طهمان الخزاعي فقال له : عز علي والله مصرعك أما والله لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك، ولو رأيت الذي أشعرك لأحببت أن لا أزايله ولا يزايلني حتى أقتله أو يلحقني بك .

 ثم نزل إليه فقال : رحمك الله يا عبد الله ؟ إن كان جارك ليأمن بوائقك، وإن كنت لمن الذاكرين الله كثيرا، أوصني رحمك الله .

 قال : أوصيك بتقوى الله وأن تناصح أمير المؤمنين وتقاتل معه حتى يظهر الحق أو تلحق بالله، وأبلغ أمير المؤمنين عني السلام وقل له : قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك، فإنه من أصبح والمعركة خلف ظهره كان الغالب .

 ثم لم يلبث أن مات فأقبل الأسود إلى علي عليه السلام فأخبره فقال : رحمه الله جاهد معنا عدونا في الحياة ونصح لنا في المماة .

 (4) وينم عن عظمة عبد الله بن بديل بين الصحابة العلوية قول ابن عدي بن حاتم رضوان الله عليه يوم صفين :

أبعـــــد عمار وبعـــــد هـاشم * وابـــــن بـديل فارس الملاحم

نرجوا البقاء مثل حلم الحالم * وقـــد عضضنا أمس بالاباهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) هو حاتم الطائي من قصيدة في ديوانه ص 121 ولم يرو فيه البيت الثالث .

 (2) تقطر : سقط صريعا .

 (3) كتاب صفين لابن مزاحم ص 126، شرح النهج لابن أبي الحديد 1 ص 486 .

 (4) كتاب صفين لابن مزاحم ص 243 ط ايران و 520 ط مصر، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 299 .

 

 

 

/ صفحة 366 /

وقول سليم (سليمان) بن صرد الخزاعي يوم صفين :

يالك يوما كاسفا عصبصبا * يالـك يوما لا يواري كوكبا

يا أيها الحي الذي تــــذبذبا * لسنا نخاف ذا ظليم حوشبا

لأن فينا بطـــــلا مجـــــربـا * ابن بــديل كالهزبر مغضبا

أمــــسى علي عندنا محببا * نفـــــديه بالأم ولا نبقي أبا

وقول الشني في أبيات له :

فـــإن يك أهل الشام أودوا بهاشم * وأودوا بعـــــمار وأبقوا لنا ثـــكلا

وبـــــابني بديل فـــارسي كل بهمة * وغيث خزاعي به ندفع المحلا(1)

وأما أبو المترجم علي بن رزين فكان من شعراء عصره، ترجمه المرزباني في " معجم الشعراء " 1 ص 283، وجده رزين كان مولى عبد الله بن خلف الخزاعي أبي طلحة الطلحات كما ذكره ابن قتيبة في الشعر والشعراء .

 وعم المترجم عبد الله بن رزين، أحد الشعراء كما ذكرة ابن رشيق في " العمدة " .

 وابن عمه أبو جعفر محمد أبو الشيص ابن عبد الله المذكور، شاعر له ديوان عمله الصولي في مائة وخمسين ورقة، توجد ترجمته في " البيان والتبيين " 3 ص 83، " الشعر والشعراء " ص 346، " الأغاني " 15 ص 108، " فوات الوفيات " 2 ص 25 . وغيرها . و ترجمه ابن المعتز في طبقاته ص 26 - 33 وذكر له قصايد طويلة غير أنه عكس في إسمه و إسم أبيه وذكره بعنوان : عبد الله بن محمد . والصحيح : محمد بن عبد الله .

 وعبد الله بن أبي الشيص المذكور، شاعر له ديوان في نحو سبعين ورقة، وذكره أبو الفرج في " الأغاني " 15 ص 108 وقال : إنه شاعر صالح الشعر وكان منقطعا إلى محمد بن طالب فأخذ منه جامع شعر أبيه ومن جهته خرج إلى الناس .

 وترجمه ابن المعتز في طبقاته ص 173 .

* (أبو الحسن علي أخو دعبل) * كان شاعرا له ديوان شعر نحو خمسين ورقة كما في فهرست ابن النديم، سافر مع أخيه المترجم إلى أبي الحسن الرضا سلام الله عليه سنة 198 وحظيا بحضرته الشريفة مدة طويلة، قال أبو الحسن علي هذا : رحلنا أنا ودعبل سنة 198 إلى سيدي أبي الحسن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) البهمة بالضم : الجيش . المحل : الخديعة والكيد . الشدة. الجدب.

 

 

/ صفحة 367 /

علي بن موسى الرضا فأقمنا عنده إلى آخر سنة مأتين وخرجنا إلى قم بعد أن خلع سيدي أبو الحسن الرضا على أخي دعبل قميصا خزا أخضر وخاتما فصه عقيق، ودفع إليه دراهم رضوية وقال له : يا دعبل ؟ صر إلى قم فإنك تفيد بها .

 فقال له : احتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه ألف ليلة ألف ركعة وختمت فيه القرآن ألف ختمة (1) ولد سنة 172 وتوفي 283 .

 وخلف أبا القاسم إسماعيل بن علي الشهير بالدعبلي المولود 257، يروي كثيرا عن والده أبي الحسن كان مقامه بواسط وولي الحسبة (2) بها له كتاب تاريخ الأئمة . و كتاب النكاح .

* (رزين أخو دعبل) * وأخوه هذا أحد شعراء هذا البيت ولدعبل فيه أبيات في تاريخ ابن عساكر 5 ص 139 وقال الأزدي : وخرج إبراهيم بن العباس ودعبل ورزين إبني علي رجالة إلى بعض البساتين (أو : إلى زيارة أبي الحسن الرضا عليه السلام كما في رواية العيون) فلقوا جماعة من أهل السواد من حمال الشوك فأعطوهم شيئا وركبوا حميرهم فقال إبراهيم :

أعــــيدت بعد حمل الشوك * أحمالا من الخزف نشاوى

لا مـــــن الخـــــمــــــــــرة * بـــــل من شدة الضعف

ثم قال لرزين : أجزها . فقال :

فلـــــو كنتم عـلى ذاك * تصــيرون إلى القصف

تساوت حــــــالكم فيه * ولا تبقوا على الخسف

ثم قالا لدعبل : أجزيا أبا علي ؟ فقال :

فـــــإذ فـــــات الذي فات * فكونوا من ذوي الظرف

وخـــــفوا نقــصف اليوم * فـــــإني بـــــايع خـــــفي

بدايع البداية 2 ص 210

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) فهرست النجاشي ص 197، أمالي الشيخ ص 229 .

 (2) يأتي كلامنا في الحسبة في الجزء الرابع عند ترجمة ابن الحجاج البغدادي .

 

 

 

/ صفحة 368 /

أما المترجم :

فهو دعبل (1) يكنى أبا علي عند الجميع وعن ابن أيوب (2) أبو جعفر .

 وفي الأغاني عن ابن أيوب : إن اسمه محمد، وفي تاريخ الخطيب 8 ص 383 : زعم أحمد بن القاسم : إن اسمه الحسن، وقال ابن أخيه إسماعيل : إسمه عبد الرحمن . وقال غيرهما : محمد .

 وعن إسماعيل : إنما لقبته دايته بدعبل لدعابة كانت فيه فأرادت ذعبلا فقلبت الذال دالا .

 يقال : أصله كوفي كما في كثير من المعاجم، وقيل : من قرقيسا .

 وكان أكثر مقامه ببغداد وخرج منها هاربا من المعتصم لما هجاه وعاد إليها بعد ذلك وجول في الآفاق فدخل البصرة ودمشق ومصر على عهد المطلب بن عبد الله بن مالك المصري وولاه أسوان فلما بلغ هجاؤه إياه عزله فأنفذ إليه كتاب العزل مع مولى له وقال : انتظره حتى يصعد المنبر يوم الجمعة فإذا علاه فأوصل الكتاب إليه وأمنعه من الخطبة وأنزله عن المنبر وأصعد مكانه .

 فلما أن علا المنبر وتنحنح ليخطب ناوله الكتاب فقال له دعبل : دعني أخطب فإذا نزلت قرأته قال : لا، قد أمرني أن أمنعك الخطبة حتى تقرأه . فقرأه وأنزله عن المنبر معزولا وخرج منها إلى المغرب إلى بني الأغلب .

 (الأغاني 18 ص 48) سافر إلى الحجاز مع أخيه رزين، والي الري وخراسان مع أخيه علي، وقال أبو الفرج (3) : كان دعبل يخرج فيغيب سنين يدور الدنيا كلها ويرجع وقد أفاد و أثرى، وكانت الشراة والصعاليك يلقونه لا يؤذونه ويؤاكلونه ويشاربونه ويبرونه وكان إذا لقيهم وضع طعامه وشرابه ودعاهم إليه، ودعا بغلاميه : ثقيف وشعف .

 وكانا مغنيين فأقعدهما يغنيان، وسقاهم وشرب معهم، وأنشدهم فكانوا قد عرفوه و ألفوه لكثرة أسفاره وكانوا يواصلونه ويصلونه، وأنشد دعبل لنفسه في بعض أسفاره :

حلــلت محلا يقصر البرق دونه *ويعجز عنه الطيف أن يتجشما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الدعبل : الناقة التي معها ولدها . البعير المسن . الشيئ القديم (الأغاني) .

 (2) في الأغاني . ومعاهد التنصيص . ونهاية الإرب .

 (3) في الأغاني 18 ص 36 .

 

 

 

/ صفحة 369 /

وقال ابن المعتز في طبقاته ص 125 : وكان يجتاز بقم فيقيم عند شيعتها فيقسطون له في كل سنة خمسة ألف درهم .

 يقع البحث في ترجمته من نواحي أربع .

 1 - تهالكه في ولاء أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم .

 2 - نبوغه في الشعر والأدب والتاريخ وتآليفه .

 3 - روايته للحديث والرواة عنه ومن يروى هو عنه .

 4 - سيره مع الخلفاء .

 ثم ملحه ونوادره ثم ولادته ووفاته .

* (أما الأولى) * فجلية الحال فيها غنية عن البرهنة عليها فما ظنك برجل كان يسمع منه وهو يقول : أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة لست أجد أحدا يصلبني عليها .

 وقيل للوزير محمد بن عبد الملك الزيات : لم لا تجيب دعبلا عن قصيدته التي هجاك فيها ؟ ! قال : إن دعبلا جعل خشبته على عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها منذ ثلثين سنة وهو لا يبالي (1) .

 كل ذلك من جراء ما كان ينافح ويناطح ويناضل وينازل في الذب عن البيت النبوي الطاهر، والتجاهر بموالاتهم، والوقيعة في مناوئيهم، لا يقر به قرار، فلا يقله مأمن ولا يظله سقف منتجع، وما زالت تتقاذف به أجواز الفلا فرقا من خلفاء الوقت، وأعداء العترة الطاهرة، ومع ذلك كله فقصائده السائرة تلهج بها الركبان، وتزدان بها الأندية، وهي مسرات للموالين، ومحفظات للأعداء، ومثيرات للعهن والضغاين حتى قتل على ذلك شهيدا .

 وما ينقم من المترجم له من التوغل في الهجاء في غير واحد من المعاجم فإن نوع ذلك الهجو والسباب المقذغ فيمن حسبهم أعداء للعترة الطاهرة وغاصبي مناصبهم، فكان يتقرب به إلى الله وهو من المقربات إليه سبحانه زلفى، وإن الولاية لا تكون خالصة إلا بالبرائة ممن يضادها ويعاندها كما تبرأ الله ورسوله من المشركين، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، غير أن أكثر أرباب المعاجم من الفئة المتحيزة إلى أعداء هذا البيت الطاهر حسبوا ذلك منه ذنبا لا يغفر كما هو عادتهم في جل رجالات الشيعة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) طبقات الشعراء لابن المعتز ص 125 .

 

 

 

/ صفحة 370 /

 

* (أما نبوغه في الأدب) * فأي برهنة له أوضح من شعره السائر ؟ ! الذي تلهج به الألسن، وتتضمنه طيات الكتب، ويستشهد به في إثبات معاني الألفاظ ومواد اللغة، ويهتف به في مجتمعات الشيعة آناء الليل وأطراف النهار، ذلك الشعر السهل الممتنع الذي يحسب السامع لأول وهلة أنه يأتي بمثيله ثم لما خاض غماره، وطفق يرسب ويطف بين أواذيه، علم أنه قصير الباع، قصير الخطا، قصير المقدرة عن أن يأتي بما يدانيه فضلا عما يساويه .

 كان محمد بن القاسم بن مهرويه يقول : سمعت أبي يقول : ختم الشعر بدعبل .

 و قال البحتري : دعبل بن علي أشعر عندي من مسلم بن الوليد فقيل له : كيف ذلك ؟ ! قال : لأن كلام دعبل أدخل في كلام العرب من كلام مسلم، ومذهبه أشبه بمذاهبهم وكان يتعصب له (1) .

 وعن عمرو بن مسعدة قال : حضرت أبا دلف عند المأمون وقد قال له المأمون أبي شيء تروي لأخي خزاعة يا قاسم ؟ ! فقال : وأي أخي خزاعة يا أمير المؤمنين ؟ ! قال : و من تعرف فيهم شاعرا ؟ ! فقال : أما من أنفسهم فأبو الشيص ودعبل وابن أبي الشيص وداود بن أبي رزين، وأما من مواليهم فطاهر وابنه عبد الله .

 فقال : ومن عسى في هؤلاء أن يسئل عن شعره سوى دعبل ؟ ! هات أي شيء عندك فيه .

 وقال الجاحظ : سمعت دعبل بن علي يقول : مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذر شارقه إلا وأنا أقول فيه شعرا (2) ولما أنشد دعبل أبا نواس شعره :

أين الشباب ؟ ! وأية سلكا ؟ ! * لا أيــن يطلب ؟ ! ضل بل هلكا

لا تعجـــــبي يا سلــم من رجل * ضحــــك المشيب برأسه فبكى

فقال : أحسنت ملاء فيك وأسماعنا .

 قال محمد بن يزيد : كان دعبل والله فصيحا (3) وهناك كلمات ضافة حول أدبه والثناء عليه لا يهمنا ذكرها .

 أخذ الأدب عن صريع الغواني مسلم بن الوليد (4) واستقى من بحره وقال : ما زلت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الأغاني 18 ص 18، 37 .

 (2) الأغاني 18 ص 44 .

 (3) تاريخي ابن خلكان وابن عساكر .

 (4) كان شاعرا متصرفا في فنون القول حسن الأسلوب أستاذ الفن : ويقال : إنه أول من قال الشعر المعروف بالبديع ووسعه وتبعه فيه أبو تمام وغيره توفي بجرجان سنة 208 .

 

 

 

/ صفحة 371 /

أقول الشعر وأعرضه على مسلم فيقول لي : اكتم هذا حتى قلت :

أين الشباب ؟ ! وأية سلكا ؟ ! * لا أيـن يطلب ؟ ! ضل بل هلكا

فلما أنشدته هذه القصيدة قال : إذهب الآن فأظهر شعرك كيف شئت لمن شئت .

 وقال أبو تمام : ما زال دعبل مائلا إلى مسلم بن وليد مقرا بأستاذيته حتى ورد عليه جرجان فجفاه مسلم وكان فيه بخل فهجره دعبل وكتب إليه :

أبا مخـــــلد كنا عـــــقــيـــــدي مودة * هـــــوانا وقلبـــــانا جميعــا معا معا

أحوطك بالغيب الذي أنـــــت حائطي * وأنجـــــع أشفـــــاقا لأن تـتوجعـــــا

فصيرتـــــني بعـــــد انــتحائك متهما * لنفسي عـــليها أرهب الخلق أجمعا

عششت الهوى حتى تداعت أصوله * بنـــــا وابـتذلت الـــوصل حتى تقطعا

وأنزلت من بين الجوانــح والحشى * ذخيرة ود طالمـــــا قـــــد تمـــــنعــــا

فلا تعذلني ليس لي فـــيك مطـــــمع * تخـــــرقت حـــــتى لـم أجد لك مرقعا

فهبك يميـــــني استأكــــلت فقطعتها * وجشمت قلـــــبي صبره فتشجعا (1)

ويروي عنه في الأدب محمد بن يزيد . والحمدوي الشاعر . ومحمد بن القاسم بن مهرويه . وآخرون .

* (آيات نبوغه) *

له كتاب : الواحدة . في مناقب العرب ومثالبها . وكتاب : طبقات الشعراء . وهو من التآليف القيمة، والأصول المعول عليها في الأدب والتراجم، ينقل عنه كثيرا المرزباني في معجم الشعراء ص 227، 240، 245، 267، 361، 434، 478 .

 م - والخطيب البغدادي في تاريخه 2 ص 342 و ج 4 ص 143 ] وابن عساكر في تاريخه 7 ص 46، 47 . وابن خلكان في تاريخه 2 ص 166 . واليافعي في المرآت 2 ص 123 . و أكثر النقل عنه ابن حجر في الإصابة 1 ص 69، 132، 172، 370، 411، 525، 527 . و ج 2 ص 99، 103، 108 . و ج 3 ص 91، 119، 123، 270، 565، و ج 4 ص 74، 565 وغيرها . أحسب أنه كتاب ضخم مبوب على البلدان كيتيمة الدهر للثعالبي فقيه :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ويروى : وحملت قلبي فقدها . الأغاني 18 ص 47 .

 

 

 

/ صفحة 372 /

أخبار شعراء البصرة .

 وبهذا العنوان ينقل عنه الآمدي في [ المؤتلف والمختلف ص 67، وابن حجر في " الإصابة " 3 ص 270 . أخبار شعراء الحجاز . وبهذا الاسم ينقل عنه ابن حجر في الإصابة 4 ص 74، 163 ويقول : ذكر دعبل في طبقات الشعراء في أهل الحجاز. أخبار شعراء بغداد . ينقل عنه باسم كتاب شعراء بغداد الآمدي في " المؤتلف " ص 67 .

 وله ديوان شعر مجموع كما في تأريخ ابن عساكر . وقال ابن النديم : عمله الصولي نحو ثلثمائة ورقة . وعد في فهرسته 210 من تآليف أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر : كتاب : اختيار شعر دعبل .

ومن آيات نبوغه : قصيدته في ذكر مناقب اليمن وفضايلها من ملوكها وغيرهم على نحو ستمائة بيتا كما في [ نشوار المحاضرة ] للتنوخي ص 176 . مطلعها :

أفيقي من ملامك يا طعينا * كفـــاك اللوم مر الأربعينا

يرد بها على الكميت في قصيدته التي يمتدح بها نزارا وهي ثلثمائة بيتا أولها :

ألا حيـــــيت عـــــنا يــا مدينا * وهل ناس تقول مسلمينا ؟ !

قالها الكميت ردا على الأعور الكلبي في قصيدته التي أولها :

أسودينا واحمرينا * .....

 فرءا دعبل النبي صلى الله عليه وآله في النوم فنهاه عن ذكر الكميت بسوء .

 ولم يزل دعبل كان عند الناس جليل القدر حتى رد على الكميت فكان مما وضعه (1) ورد عليه أبو سعد المخزومي بقصيدة .

 وعلى أثر هذه المناجزة والمشاجرة افتخرت نزار على اليمن و افتخرت اليمن على نزار، وأدلى كل فريق بماله من المفاخر، وتخربت الناس، وثارت العصبية في البدو والحضر فنتج بذلك أمر مروان بن محمد الجعدي، وتعصبه لقومه من نزار على اليمن، وانحرف اليمن عنه إلى الدعوة العباسية وتغلغل الأمر إلى انتقال الدولة عن بني أمية إلى بني هاشم، ثم ما تلا ذلك من قصة معن بن زائدة باليمن، وقتله أهلها تعصبا لقومه من ربيعة وغيرها من نزار، وقطعه الحلف الذي كان بين اليمن وربيعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الأغاني 18 ص 29، 31 .

 

 

 

/ صفحة 373 /

في القدم . إلى آخر ما في مروج الذهب 2 ص 197 .

 أما روايته في الحديث فعده ابن شهر آشوب في المعالم " ص 139 من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام، وحكى النجاشي في فهرسته ص 198 عن ابن أخيه : أنه رأى موسى بن جعفر ولقي أبا الحسن الرضا .

 وقد أدرك الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام ولقيه، وروى الحميري في " الدلايل " وثقة الاسلام الكليني في " أصول الكافي " : أنه دخل على الرضا عليه السلام فأعطاه شيئا فلم يحمد الله تعالى فقال : لم لم تحمد الله تعالى ؟ ! ثم دخل على الجواد فأعطاه فقال : الحمد لله . فقال عليه السلام : تأدبت .

 ويروي شاعرنا عن جماعة منهم : 1 - الحافظ شعبة بن الحجاج المتوفى 160 (1) وبهذا الطريق يروى عنه الحديث في كتب الفريقين كما في أمالي الشيخ ص 240 .

 وتأريخ ابن عساكر 5 ص 228 .

 2 - الحافظ سفيان الثوري المتوفى 161 .

 (تأريخ ابن عساكر 5 ص 228).

3 - إمام المالكية مالك بن أنس المتوفى 179.

4 - أبو سعيد سالم بن نوح البصري المتوفى بعد المأتين.

5 - أبو عبد الله محمد بن عمرو الواقدي المتوفى 207 .

6 - الخليفة المأمون العباسي المتوفى 218، تأريخ الخلفاء ص 204.

7 - أبو الفضل عبد الله بن سعد الزهري البغدادي المتوفى 260، يروي عنه عن ضمرة عن ابن شوذب عن مطر عن ابن حوشب عن أبي هريرة حديث . صوم الغدير المذكور ج 1 ص 401(2) .

8 - محمد بن سلامة يروي عنه بطريقه شيخ الطايفة في أماليه ص 237 عن أمير المؤمنين عليه السلام خطبته الشهيرة بالشقشقية التي أولها : والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير، ولكني سدلت عنها ثوبا، وطويت عنها كشحا .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) يروى عنه وعن الثوري وهو لم يبلغ الحلم .

 (2) بشارة المصطفى لشيعة المرتضى 2 .

 

 

 

/ صفحة 374 /

9 - سعيد بن سفيان الأسلمي المدني .

 (أمالي الشيخ ص 227).

10 - محمد بن إسماعيل " مشترك " .

11 - مجاشع بن عمر يروي عنه عن مسيرة عن الجزري عن ابن جبير عن ابن عباس إنه سئل عن قول الله عز وجل : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما . الحديث . أمالي الشيخ ص 240 .

 م - 12 موسى بن سهل الراسبي، ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 10 ص 348 شيخا للمترجم له ولم يعرفه ] .

 وعد ابن عساكر في تاريخه 5 ص 228 ممن يقال برواية المترجم عنه : يحيى ابن سعيد الأنصاري وخفي عليه أن يحيى الأنصاري توفي 143 قبل ولادة المترجم بسنين .

* (والرواة عن المترجم هم) *:

 1 - أبو الحسن علي أخوه كما في كثير من كتب الحديث والمعاجم .

 2 - موسى بن حماد اليزيدي . فهرست النجاشي ص 117 .

 3 - أبو الصلت الهروي المتوفى 236 . في مصادر كثيرة .

 4 - هارون بن عبد الله المهلبي . في الأمالي والعيون .

 5 - علي بن الحكيم . في أصول الكافي .

 6 - عبد الله بن سعيد الأشقري . الأغاني وغيره .

 7 - موسى بن عيسى المروزي .

8 - ابن المنادي أحمد بن أبي داود المتوفى 272 . تاريخ ابن عساكر (1).

9 - محمد بن موسى البريري . تاريخ ابن عساكر .

* (أما سيرته مع الخلفاء والوزراء) * فهذه ناحية واسعة النطاق، طويلة الذيل، يجد الباحث في طيات كتب التاريخ ومعاجم الأدب المفصلة حولها كراريس مسطرة فيها لغو الحديث نضرب عنها صفحا ونقتطف منها النزر اليسير .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) 5 ص 228 . وابن المنادي في المعاجم : محمد بن عبيد الله .

 

 

 

/ صفحة 375 /

1 - عن يحيى بن أكثم قال : إن المأمون أقدم دعبل رحمه الله وآمنه على نفسه فلما مثل بين يديه وكنت جالسا بين يدي المأمون فقال له : أنشدني قصيدتك " الرائية " فجحدها دعبل وأنكر معرفتها، فقال له : لك الأمان عليها كما أمنتك على نفسك. فأنشده :

تأسفــــت جـــــارتي لما رأت زوري * وعـــــدت الحـــــلم ذنبا غير مغــتفر

ترجــو الصبى بعد ما شابت ذوائبها * وقـــــد جـــــرت طلقا في حلية الكبر

أجـــــارتي إن شيـب الرأس يعلمني * ذكـــــر المعــاد وأرضاني عن القدر

لـــــو كنـــــت أركـــن للدنيا وزينتها * إذا بكـــــيت عــلى الماضين من نفر

أخــنى الزمان على أهلي فصدعهم * تصـــــدع الشيب لاقى صدمة الحجر

بعـــــض أقـــام وبعض قد أصار به * داعـــــي المنـــية والباقي على الأثر

أمـــــا المقـــيم فأخشى أن يفارقني * ولســـــت أوبـــــة مـــن ولى بمنتظر

أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي * كحـــــاكم قـــــص رؤيا بعـــــد مدكر

لـــــولا تشاغل عيني بالأولى سلفوا * من أهـــــل بــــيت رسول الله لم أقر

وفـــــي مواليـــــك للحـــرين مشغلة * مـــــن أن تبــــيت لمشغول على أثر

كـــــم من ذراع لهــــــم بالطف بائنة * وعـــــارض بصعـــــيد الترب منعفر

أمـــــسى الحـسين ومسراهم لمقتله * وهـــــم يقــــولون : هذا سيد البشر

يا أمـــــة السوء ما جازيت أحمد في * حـــسن البلاء على التنزيل والسور

خـــــلفتموه عــلى الأنباء حين مضى * خـــــلافة الـــــذئب فـي إنفاد ذي بقر

قال يحيى : وأنفذني المأمون في حاجة فقمت فعدت إليه وقد انتهى إلى قوله :

لم يــبـــق حـــي من الأحـــياء نعلمه * مـــن ذي يـــمـــان ولا بكر ولا مضر

إلا وهـــم شـــركـــاء فـــي دمـــائهم * كـــما تشــارك أيـــســـار عـــلى جزر

قـــتلا وأســــرا وتخـــويفـــا ومنهبة * فعل الغزاة بـــأرض الـروم والخـــزر

أرى أمـــية معـــذورين إن قـــتـــلوا * ولا أرى لبـــني العـــباس مـــن عــذر

قـــوم قتلـــتم عــلى الاسلام أولهـــم * حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفـر

أبـــناء حـــرب ومـــروان وأسـرتهم * بـــنو معـــيط ولاة الحقـــد والزعــــر

 

 

/ صفحة 376 /

إربع بطـــوس عـــلى قبر الزكي بها * إن كنـــت تـــربع مـن دين على وطر

قبـــران فـي طوس خير الناس كلهم * وقـــبر شـــرهم هـــــذا من العـــبـــر

ما ينــفع الرجس من قبر الزكي ولا * على الزكي بقرب الرجـس من ضرر

هيهات كل أمـــرء رهــن بما كسبت * لـــه يـــداه فخـــذ مـــا شئـــت أو فـذر

قال : فضرب المأمون عمامته الأرض وقال : صدقت والله يا دعبل(1).

روى شيخنا الصدوق في أماليه ص 390 بإسناده عن دعبل أنه قال : جائني خبر موت الرضا عليه السلام وأنا مقيم بقم فقلت القصيدة الرائية . ثم ذكر أبياتا منها :

 2 - دخل إبراهيم بن المهدي على المأمون فشكى إليه حاله وقال : يا أمير المؤمنين إن الله سبحانه وتعالى فضلك في نفسك علي، وألهمك الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه فقال : وما قال ؟ ! لعل قوله :

نعر ابن شكلة بالعراق وأهله * فهفـــا إليـــه كــل أطلس مائق

وأنشده الأبيات فقال : هذا من بعض هجائه وقد هجاني بما هو أقبح من هذا فقال المأمون : لك أسوة بي فقد هجاني واحتملته، وقال في (2):

أيســـومني المأمون خطة جاهل * أو ما رأى بالأمس رأس محمد؟!

إنـــي مـــن القوم الذين سيوفهم * قتـــلت أخـاك وشرفتك بمقعد (3)

شـــادوا بـذكرك بعد طول خمولة * واستنقذوك من الحضيض الأوهد

فقال إبراهيم : زادك الله حلما يا أمير المؤمنين وعلما، فما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمك، ولا تحمل إلا اتباعا لحلمك .

 3 - حدث ميمون بن هرون قال : قال إبراهيم بن المهدي للمأمون قولا في دعبل يحرضه عليه فضحك المأمون وقال : إنما تحرضني عليه لقوله فيك :

يا معـــشر الأجـــياد لا تقنطوا * وارضوا بما كان ولا تسخطوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الأغاني 18 ص 57 . تاريخ ابن عساكر 5 ص 233 . أمالي المفيد أمالي الشيخ ص 61 .

 (2) أول القصيدة:

أخذ المشيب من الشباب الأغيد * والنـــــائبات مــن الأنام بمرصد

(3) أشار إلى قضية طاهر الخزاعي وقتله الأمين محمد بن الرشيد وبذلك ولي المأمون الخلافة .

 

 

 

/ صفحة 377 /

فســـوف تعطون حنينية * يلتــذها الأمرد والأشمط

والمعـــبديات لقـــوادكم * لا تدخل الكيس ولا تربط

وهكـــذا يـــرزق قـواده * خـــليفة مصحـفة البربط

فقال له إبراهيم : فقد والله هجاك أنت يا أمير المؤمنين . فقال : دع هذا عنك، فقد عفوت عنه في هجائه إياي لقوله هذا. وضحك ثم دخل أبو عباد فلما رآه المأمون من بعد قال لإبراهيم : دعبل يجسر على أبي عباد بالهجاء ولا يحجم عن أحد .

 فقال له : وكان أبا عباد أبسط يدا منك ؟ ! قال : لا، ولكنه حديد جاهل لا يؤمن وأنا أحلم و أصفح، والله ما رأيت أبا عباد مقبلا إلا أضحكني قول دعبل فيه .

أولى الأمور بضيعة وفساد * أمر يـــدبره أبـــو عــباد (1)

 4 - حدث أبو ناجية قال : كان المعتصم يبغض دعبلا لطول لسانه وبلغ دعبلا أنه يريد اغتياله وقتله فهرب إلى الجبل وقال يهجوه :

بكى لشتات الــــدين مكتــــئب صــــب * وفــــاض بفرط الدمع من عينه غرب

وقــــام إمــــام لــــم يــــكن ذا هـداية * فــــليس لــــه ديــــن ولــــيس لـــه لب

وما كانت الأنــــباء نــــأتي بمــــثـــله * يملك يومــــا أو تــــدين لــــه العـــرب

ولكن كمــــا قــــال الذين تــــتابعــــوا * من السلف الماضين إذ عــظم الخطب

ملوك بني العباس فــــي الكتب سبعة * ولم تأتنا عن ثــــامن لهــــم كــــتـــــب

كذلك أهل الكهف فـــي الكهف سبعة * خيار إذا عــــدوا وثــــامنهــــم كــــــلب

وإنــــي لأعــــلي كــــلبهم عنك رفعة * لأنـــك ذو ذنــــب وليــــس لــــه ذنــــب

لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم * وصيــــف وأشـــناس وقـد عظم الكرب

وفضــــل بــــن مــــروان يـــثلم ثلمة * يظل لهــــا الاســــلام ليــــس لــه شعب

5 - حدث ميمون بن هارون قال : لما مات المعتصم قال محمد بن عبد الملك الزيات يرثيه :

قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا * في خـــير قبر لخير مدفون

: لن يجــــبر الله أمة فقدت * مثــــلك إلا بمثـــــل هارون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) توجد بقية الأبيات في الأغاني 18 ص 39 .

 

 

 

/ صفحة 378 /

فقال دعبل يعارضه :

قــــد قـلت إذ غيبوه وانصرفوا * فــــي شــــر قبــر لشر مدفون

: إذهب إلى النار والعذاب فما * خلتــــك إلا مــــن الشــــياطين

ما زلـــت حتى عقدت بيعة من * أضــــر بالمــــسلمين والديـــن

6 - حدث محمد بن قاسم بن مهرويه قال : كنت مع دعبل بالضميرة وقد جاء نعي المعتصم وقيام الواثق فقال لي دعبل : أمعك شيء تكتب فيه ؟ ! فقلت : نعم، وأخرجت قرطاسا فأملى علي بديها :

الحـمد لله لا صبــــر ولا جـلد * ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا

خليفة مات لم يحزن له أحــد * وآخـــر قـــام لم يفرح به أحد

7 - حدث محمد بن جرير قال : أنشدني عبيد الله بن يعقوب هذا البيت وحده لدعبل يهجو به المتوكل وما سمعت له غيره فيه :

ولست بقائل قذعا ولكن * لأمر ما تعــــبدك العــبيد

قال : يرميه في هذا البيت بالابنة .

 8 - دخل عبد الله بن طاهر على المأمون فقال له المأمون : أي شيء تحفظ يا عبد الله لدعبل ؟ ! فقال : أحفظ أبياتا له في أهل بيت أمير المؤمنين . قال : هاتها ويحك .

 فأنشده عبد الله قول دعبل :

سقــــيا ورعــــيا لأيــــام الصبابـــــات * أيــــام أرفــــل فــــي أثــــواب لــــذاتي

أيام غــــصني رطيــــب مــــن ليـــانته * أصبــــو إلـــــــى خــــيــــر جــــــــارات

وكنات دع عنك ذكر زمان فات مطلبه * واقــــذف بـــرجلك عــن متن الجهالات

واقــــصد بكــــل مــــديح أنــــت قـائله * نحــــو الهــــداة بــــني بــــيت الكرامات

فقال المأمون : إنه قد وجد والله مقالا ونال ببعيد ذكرهم ما لا يناله في وصف غيرهم . ثم قال المأمون : لقد أحسن في وصف سفر سافره فطال ذلك السفر عليه فقال فيه :

ألـــــم يأن للسفر الذين تحملــوا * إلى وطن قبل الممات رجوع ؟ !

فقــــلت ولــم أملك سوابق عبرة * نطــــقن بمـا ضمت عليه ضلوع

: تبين فكــــم دار تفــرق شملهـا * وشمــــل شتيـت عاد وهو جميع

 

 

/ صفحة 379 /

كذاك الليالي صرفهن كما ترى * لكــــل أنــــاس جــــدبة وربــيع

ثم قال : ما سافرت قط إلا كانت هذه الأبيات نصب عيني في سفري وهجيرتي و مسيلتي حتى أعود .

 9 - حدث ميمون بن هارون قال : كان دعبل قد مدح دينار بن عبد الله وأخاه يحيى فلم يرض فعلاه فقال يهجوهما :

مــــا زال عــــصياننا لله يــــرذلنا * حــــتى دفعــــنا إلى يحيى ودينار

وغدين عجلين لم تقطع ثمارهما * قــد طال ما سجدا للشمس والنار

قال : وفيهما وفي الحسن بن سهل والحسن بن رجاء وأبيه يقول دعبل :

ألا فاشتروا مني ملوك المخزم * أبع حسنا وابني رجاء بدرهـم

وأعـــــط رجاء فوق ذاك زيادة * وأسمع بــــدينار بغــــير تــندم

فإن رد من عيب علي جميعهم * فليس يرد العيب يحيى بن أكثم

ملح ونوادر :

1 - حدث أحمد بن خالد قال : كنا يوما بدار صالح بن علي من عبد القيس ببغداد ومعنا جماعة من أصحابنا فسقط على كنيسة في سطحه ديك طار من دار دعبل فلما رأيناه قلنا : هذا صيدنا فأخذناه فقال صالح : ما نصنع به ؟ ! قلنا : نذبحه .

 فذبحناه وشويناه فخرج دعبل وسأل عن الديك فعرف أنه سقط في دار صالح فطلبه منا فجحدنا وشرينا يومنا فلما كان من الغد خرج دعبل فصلى الغداة ثم جلس على المسجد وكان ذلك المسجد مجمع الناس يجتمع فيه جماعة من العلماء وينتابهم الناس فجلس دعبل على المسجد وقال .

أســـر المؤذن صالــــح وضيوفه * أسر الكمي هفا خــــلال المــــاقــط

بعــــثــوا عـــليه بــــنيهم وبناتهم * مــــن بــــين ناتــــفة وآخر سامــط

يتــــنازعـــــــون كأنهم قذ أوثقوا * خــــاقان أو هزموا كتائب ناعط(1)

نهشــــوه فانــــتزعت له أسنانهم * وتهــــشمت أقــــفاؤهـــم بالحـــايط

فكتبها الناس عنه ومضوا فقال لي أبي وقد رجع إلى البيت : ويحكم ضاقت عليكم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ناعط : قبيلة من همدان .  وأصله جبل نزلوا به فنسبوا إليه .

 

 

 

/ صفحة 380 /

المآكل فلم تجدوا شيئا تأكلونه سوى ديك دعبل ؟ ! ثم أنشدنا الشعر وقال لي : لا تدع ديكا ولا دجاجة تقدر عليه إلا اشتريته وبعثت به إلى دعبل وإلا وقعنا في لسانه . ففعلت ذلك .

 2 - عن إسحاق النخعي قال : كنت جالسا مع دعبل بالبصرة وعلى رأسه غلامه ثقيف فمر به أعرابي يرفل في ثياب خز فقال لغلامه : ادع لي هذا الأعرابي فأومأ الغلام إليه فجاء فقال له دعبل : ممن الرجل ؟ ! قال : من بني كلاب . قال : من أي ولد كلاب أنت ؟ ! قال : من ولد أبي بكر . فقال دعبل : أتعرف القائل ؟ ! .

ونبأت كــــلبا مــن كلاب يسبني * ومحض كلاب يقطـــع الصلوات

فــــإن أنا لــــم أعــلم كلابا بأنها * كــــلاب وإنــــي بــاسل النقمات

فكان إذا من قيس عيلان والدي * وكـــانت إذا أمـــي من الحبطات

قال : هذا الشعر لدعبل يقول في عمرو بن عاصم الكلابي فقال له الأعرابي : ممن أنت ؟ ! فكره أن يقول من خزاعة فيهجوهم فقال : أنا أنتمي إلى القوم الذين يقول فيهم الشاعر :

أناس علي الخير منهم وجعفر * وحمــــزة والسجاد ذو الثفنات

إذا فخــــروا يـوما أتوا بمحمد * وجــبريل والفرقان والسورات

فوثب الأعرابي وهو يقول : مالي إلى محمد وجبريل والفرقان والسورات مرتقى .

 3 - حدث الحسين بن أبي السري قال : غضب دعبل على أبي نصر بن جعفر بن محمد بن الأشعث وكان دعبل مؤدبه قديما لشئ بلغه عنه فقال يهجو أباه :

ما جعفر بن محمد بن الأشعث * عــــندي بخـير أبوة من عثعث

عبــثا تمارس بي تمارس حية * ســــوارة إن هجــــتها لم تلبث

لو يعلم المغرور ماذا حاز من * خــــزي لــــوالده إذا لـــم يعبث

قال : فلقيه عثعث فقال له : أي شيء كان بيني وبينك ؟ ! حتى ضربت بي المثل في خسة الآباء . فضحك دعبل وقال : لا شيء والله إلا اتفاق اسمك واسم ابن الأشعث في القافية، أو لا ترضى أن أجعل أباك وهو أسود خيرا من آباء الأشعث بن قيس؟!

4 - عن الحسين بن دعبل قال : قال أبي في الفضل بن مروان :

 

 

/ صفحة 381 /

نصــحت فأخلصت النصيحـــــة للفضل * وقــــلت فسيـــرت المــقالة في الفضل

ألا إن فــــــي الفضـــل بن سهل لعبرة * إن اعــتبر الفضــل بن مروان بالفضل

وللفضل فــي الفضل بن يحيى مواعظ * إذا فكر الـفضــل بن مروان في الفضل

فأبق حمــيدا من حــــديث تفــــز بــــه * ولا تدع الاحــــــسان والأخــــذ بالفضل

فإنك قــــــد أصبحــــت للمــــلك قيــما * وصـرت مكــــــان الفــــضل والفضــــل

ولــــم أر أبــــــياتا مـــن الشعر قبلها * جــــميع قـــوافيها على الفضل والفضل

وليــــس لها عــــــيب إذا هي أنشدت * سوى أن نصحي الفضل كان من الفضل

فبعث إليه الفضل بن مروان بدنانير وقال له : قد قبلت نصحك فاكفني خيرك وشرك (1) .

 نماذج من شعر دعبل في المذهب :

قال في رثاء الإمام السبط الشهيد عليه السلام :

أتسكب دمـــــع العــــين بالعبرات ؟ ! * وبـــــت تقـــــاسي شــدة الزفرات ؟ !

وتبـــــكي لآثـــــار لآل محـــــمـــد ؟ ! * فـــــقــد ضاق منك الصدر بالحسرات

ألا فـــــابكهم حـــــقا وبـــــل عـــليهم * عـــــيونا لـــــريب الدهـــــر منسكبات

ولا تــــنس في يوم الطفوف مصابهم * وداهيـــــة مـــــن أعـــــظم النــــكبات

سقـــــى الله أجـداثا على أرض كربلا * مرابـــــيع أمطـــــار مـــــن المـزنات

وصلـــــي عـــلى روح الحسين حبيبه * قتـــــيلا لـــــدى النـــــهرين بالفلوات

قتـــــيلا بلا جـــــرم فجعـــــنا بفـــــقده * فـــــريدا ينادي : أين أين حماتي ؟ !

أنا الظامئ العطشان في أرض غربة * قتـــــيلا ومظـــــلوما بغـــــير تــرات

وقـــــد رفعوا رأس الحسين على القنا * وســـــاقوا نســـــاء ولها خــــفرات

فقل لابن سعـــــد : عذب الله روحـــــه * : ستـــــلقى عـــــذاب النار باللعنات

سأقـــــنت طـــول الدهر ما هبت الصبا * وأقنـــــت بالآصـــــال والغـــــــدوات

عـــــلى معـــشر ضلوا جميعا وضيعوا * مقـــــال رســـــول الله بالشـــــبهـات

ويمدح أمير المؤمنين عليه السلام ويذكر تصدقه خاتمه للسائل في الصلاة و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الأغاني 18 ص 33، 38، 39، 42 .

 

 

 

/ صفحة 382 /

نزول قوله تعالى : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة وهم راكعون .

 فيه (2) بقوله :

نطـــق القرآن بفضل آل محمد * وولايـــــة لعـــــليه لــــم تجحد

بـولاية المختار من خير الذي * بعـــــد النــبي الصادق المتودد

إذ جاءه المسكين حال صلاته * فامتــــد طــوعا بالذراع وباليد

فتناول المسكين منه خــــاتما * هبة الكريم الأجــود بن الأجود

فاختصه الرحمن في تـــنزيله * من حاز مثل فخــــاره فـــليعدد

إن الإله وليــــكم ورسولـــــه * والمؤمنين فمن يشأ فليجــــحد

يكن الإله خصيمه فيـــها غدا * والله ليس بمخلف في الموعــد

وله يمدح أمير المؤمنين صلوات الله عليه :

سقيـــــا لبـــــيعـــــة أحـمـد ووصيه * أعـــــني الإمـــــام ولينا المحسودا

أعـــــني الــــذي نصر النبي محمدا * قـــــبل الـــــبرية ناشـــــئا ووليـــدا

أعني الذي كشف الكروب ولم يكن * فـــــي الحـــــرب عـند لقائه رعديدا

أعـــــني المـــــوحد قـــبل كل موحد * لا عـــــابدا وثـــــنا ولا جـــــلمــودا

وله يرثي الإمام السبط شهيد الطف سلام الله عليه :

إن كنـت محزونا فمالك ترقد ؟ ! * هـــلا بكيــت لمن بكاه محمد ؟ !

هلا بكيت على الحسين وأهله؟! * إن البكـــاء لمثــــلهم قـــد يحمد

لتضعضع الاسلام يـــوم مصابه * فالجـــود يـــبكي فــــقده والسودد

فلقـــد بكـــته في السمـاء ملائك * زهـــر كـــرام راكعـــون وسجــد

أنسيـــت إذ صــــارت إليه كتائب * فيهــا ابن سعد والطغاة الجحد؟!

فسقوه من جرع الحتوف بمشهد * كثـــر العـــداة به وقــــل المسعد

لــــــم يحفـــظوا حق النبي محمد * إذ جــــــرعوه حــــــرارة ما تبرد

قتـــــلوا الحسين فأثكلوه بسبطه * فالثــــــكل من بعد الحسين مبرد

كيف القرار؟! وفي السبايا زينب * تدعــــــو بفـرط حرارة : يا أحمد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (2) راجع ما مر صفحة 47 من هذا الجزء .

 

 

 

/ صفحة 383 /

هذا حسين بالسيـــــوف مبضع * متلطـــخ بدمـــائه مســــتـشهد

عار بلا ثوب صريع في الثرى * بــــين الحوافر والسنابك يقصد

والطيـــــبون بنـوك قتلى حوله * فـــــوق التـــراب ذبايح لا تلحد

يا جــد قد منعوا الفرات وقتلوا * عـطشا فليس لهم هنالك مورد

يا جد من ثكلي وطول مصيبتي * ولمـــا أعانـــــيه أقوم وأقعــــد

وله من قصيدة طويلة في رثاء الشهيد السبط عليه السلام قوله :

جاؤا من الشام المشومة أهلهــــا * للشــــوم يقــــدم جـــنــــدهم إبليس

لعــــنوا وقــد لعنوا بقتل إمامهــــم * تــــركوه وهـــو مبضــــع مخموس

وسبــــوا فــواحزني بنات محــــمد * عــــبرى حـواسر ما لهــــن لبوس

تبــــا لكم يا ويــــلكم أرضيـــــــــتم * بالــــنار ؟ ! ذل هنالك المــــحبوس

بعــــتم بــــدنيا غـيركم جــــهلا بكم * عــــز الحــــياة وإنــــه لنـــــــفيس

أخــــزى بهــــا مــن بــــيعة أموية * لعــــنت وحــــظ البايعين خسيــــس

بــــؤسا لمــــن بــــايعــــتم وكأنني * بإمامكــــم وســط الجحيم حبــــيس

يــــا آل أحـــمــــد ما لقيتم بعده ؟ ! * من عصبة هم في القياس مجـوس

كم عــــبرة فــــاضت لكـم وتقطعت * يــوم الطفوف على الحسين نفوس

صبــــرا مــــوالينا فســوف نديلكم * يــــوما عــــلى آل اللعــــين عبوس

مــــا زلت متبعــــا لكــــم ولأمركم * وعــــليه نفــــسي ما حييت أسوس

وذكر له ياقوت الحموي في " معجم الأدباء " 11 ص 110 في رثاء الإمام السبط عليه السلام قوله :

رأس ابن بنت محــمد ووصيه * يا للرجــــال عــــلى قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمــع * لا جـــازع مـن ذا ولا متخشع

أيقظت أجفانا وكنت لها كـرى * وأنمت عينا لــم تكن بك تهجع

كحلت بمنظرك العيون عماية * وأصــــم نعـــيك كل إذن تسمع

مــــا روضة إلا تمنـــــت أنها * لك مضجع ولخط قبرك موضع

وله في مدح الإمام الطاهر علي بن أبي طالب صلوات الله عليه :

 

 

/ صفحة 384 /

أبـــــو تــراب حيدره * ذاك الإمام القسوره

مبيد كل الكــــفــــره * ليــــس لــــه مناضل

مبارز ما يهب

وضيغم ما يغلب * وصادق لا يكذب

وفارس محاول

سيف النبي الصادق * مبـــيد كــــل فــاسق

بمرهــــف ذي بارق * أخـــــلصه الصياقل

وله يرثي الإمام السبط صلوات الله عليه :

منازل بين أكنـــــاف الغــــــري * إلـــــى وادي المياه إلى الطوي

لقد شغل الدموع عن الغوانــي * مصـــــاب الأكــرمين بني علي

أتى أسفي على هفوات دهــري * تضاءل فــــــيه أولاد الـــــزكي

ألم تقف البكاء على حسين ؟ ! * وذكـــرك مصــرع الحبر التقي

ألم يحـــــزنك أن بــــــني زيــاد * أصابوا بالتـــــرات بني النبي؟!

وإن بني الحصان يمـــــر فـيهم * علانية سيــــوف بني البـــــغي

ولادته ووفاته :

ولد سنة 148 واستشهد ظلما وعدوانا وهو شيخ كبير سنة 246 فعاش سبعا وتسعين سنة وشهورا من السنة الثامنة .

 يقال : إنه هجا مالق بن طوق بأبيات وبلغت مالكا فطلبه فهرب فأتى البصرة وعليها إسحاق بن العباس العباسي وكان بلغه هجاء دعبل نزارا فلما دخل البصرة بعث من قبض عليه ودعا بالنطع والسيف ليضرب عنقه فحلف بالطلاق على جحدها، وبكل يمين تبرئ من الدم إنه لم يقلها، وإن عدوا له قالها، إما أبو سعيد أو غيره ونسبها إليه ليغرى بدمه، وجعل يتضرع إليه ويقبل الأرض ويبكي بين يديه، فرق له فقال : أما إذا عفيتك من القتل فلا بد من أن أشهرك .

 ثم دعى بالعصا فضربه حتى سلح وأمر به والقي على قفاه وفتح فمه فرد سلحه فيه والمقارع تأخذ رجليه وهو يحلف : أن لا يكف عنه حتى يستوفيه ويبلعه أو يقتله . فما رفعت عنه حتى بلع

 

 

/ صفحة 385 /

سلحه كله ثم خلاه فهرب إلى الأهواز، وبعث مالك بن طوق رجلا حصيفا (1) مقداما وأمره أن يغتاله كيف شاء، وأعطاه على ذلك عشرة آلاف درهم، فلم يزل يطلبه حتى وجده في قرية من نواحي السوس فاغتاله في وقت من الأوقات بعد صلاة العتمة فضرب ظهر قدمه بعكاز (2) لها زج مسموم فمات من غد ودفن بتلك القرية .

 وقيل : بل حمل إلى السوس ؟ ودفن بها (3) وفي تاريخ ابن خلكان : قتل ب‍ (الطيب) وهي بلدة بين واسط العراق وكور الأهواز .

 وقال الحموي (4) : وبزويلة (5) قبر دعبل ابن علي الخزاعي قال بكر بن حماد :

المـــوت غـــــادر دعـبلا بزويلة * في أرض برقة أحمد بن خصيب

لا يخفى على الباحث أن ترديد ابن عساكر في تاريخه 5 ص 242 بعد ذكر وفاة المترجم سنة 246 وقوله : [ قيل : إنه هجا المعتصم فقتله .

 وقيل : إنه هجا مالك فأرسل إليه من سمه بالسوس ] ترديد بلا تأمل، ونقل بلا تدبر، إذ المعتصم توفي 227 قبل شهادة المترجم بتسع عشر سنة .

 كما أن ما ذكره الحموي في " معجم البلدان " 4 ص 418 من [ أن دعبلا لما هجا المعتصم أهدر دمه فهرب إلى طوس واستجار بقبر الرشيد فلم يجره المعتصم وقتله صبرا في سنة 220 ] خلاف ما اتفق عليه المؤرخون وعلماء الرجال من شهادته سنة 246 .

 كان البحتري صديقا للمترجم وأبي تمام المتوفى قبله فرثاهما بقوله:

قــــد زاد فـي كلفي وأوقد لوعتي * مثــــوى حبـــيب يوم مات ودعبل

أخوي لا تزل السماء مخيلة (6) * تغشــــاكما بســــماء مزن مسبل

جــــدث عـــلى الأهواز يبعد دونه * مــسرى النعي ورمسه بالموصل

قال أبو نصر محمد بن الحسن الكرخي الكاتب : رأيت على قبر دعبل مكتوبا :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الحصيف : الجيد الرأي محكم العقل .

 (2) العكاز بالعين المضمومة والكاف المشددة : عصا ذات زج في أسلفها يتوكأ عليها .

 (3) الأغاني 18 ص 60، معاهد التنصيص 1 ص 208 .

 (4) معجم البلدان 4 ص 418 .

 (5) أول حدود بلاد السودان .

 (6) خيل السحاب : رعد وبرق وتهيأ للمطر .

 

 

 

 

/ صفحة 386 /

أعــــد لله يــــوم يــــلقـــــــــاه * دعــــبــــل : أن لا إله إلا هو

يقــــولها مخـــلصا عساه بها * يــــرحـــمه فـــــي القــيامـــة

الله الله مولاه والرسول ومن * بعــــدهما فــــالوصي مـــولاه

خلف المترجم ولداه : عبد الله وحسين الشاعر، ذكر ابن النديم للثاني منهما ديوانا في نحو مائتي ورقة، وترجمه ابن المعتز في " طبقات الشعراء " ص 193 وذكر نماذج من شعره وقال : الدعبلي مليح الشعر جدا .

 

آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

هنا ينتهي الجزء الثاني ويتلوه الجزء الثالث ويبدء ببقية شعراء القرن الثالث أولهم أبو إسماعيل العلوي

والله المستعان وعليه التكلان