عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

 الشعر والشعراء في السنة والكتاب

 

كل ما ذكرنا عنهم صلوات الله عليهم كان تأسيا بقدوتهم النبي الطاهر صلى الله عليه وآله فإنه أول فاتح لهذا الباب بمصراعيه مدحا وهجاءا بإصاخته للشعراء المادحين له ولأسرته الكريمة، وكان ينشد الشعر ويستنشده ويجيز عليه ويرتاح له ويكرم الشاعر مهما وجد في شعره هذه الغاية الوحيدة كارتياحه لشعر عمه شيخ الأباطح أبي طالب سلام الله عليه لما استسقى فسقي قال : لله در أبي طالب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) عيون أخبار الرضا، رجال الكشي ص 254 .

 

 

 

/ صفحة 4 /

لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدنا قوله ؟ فقام عمر بن الخطاب فقال : عسى أردت يا رسول الله ؟ .

وما حملت من ناقة فوق ظهرها * أبر وأوفــــى ذمــــــة مـن محمد

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ليس هذا من قول أبي طالب هذا من قول حسان بن ثابت .

 فقام علي بن أبي طالب عليه السلام وقال : كأنك أردت يا رسول الله ؟

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عـــصمة للأرامل

تلوذ به الهلاك من آل هـــــاشم * فهل عـــنده في نعــمة وفواضل

فقال رسول الله : أجل فقام رجل من بني كنانة فقال :

لك الحمد والحمـــد ممن شكر * سقينا بوجــــه النبي المطــــر

دعا الله خالقــــــــــه دعــــــوة * وأشخــــص منه إليــه البصر

فلم يــك إلا كإلقــــا الــــــــردا * وأســــرع حـــتى أتانـــا الدرر

دفاق العــزالي جم البعاق(1) * أغـــــــاث به الله عــليا مضـر

فكـــان كـــما قـــاله عـــمــــه:* أبـــو طالـــب ذا رواء غــــزر

به الله يســـقي صيـوب الغمام * فهـــذا العـــيان وذاك الخـــبـر

فقال رسول الله : يا كناني ؟ بوأك الله بكل بيت قلته بيتا في الجنة(2).

ولما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر إلى القتلى مصرعين قال لأبي بكر : لو أن أبا طالب حي لعلم أن أسيافنا أخذت بالأماثل وذلك لقول أبي طالب :

وإنما لعمر الله إن جد ما أرى * لتلتبسن أسيافــــنا بالأماثـــــل

وكارتياحه صلى الله عليه وآله لشعر عمه العباس بن عبد المطلب لما قال : يا رسول الله ؟ أريد أن أمتدحك . فقال رسول الله : قل لا يفضض الله فاك . فأنشأ يقول :

من قبلها طبت في الظلال وفي * مستــودع حيث يخصف الورق

ثم هـــبطـــت البلاد لا بـــشـــر * أنـــت ولا مضـــغـــة ولا عـــلق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) العزالي جمع العزلاء : مصب الماء . والبعاق بالضم : السحاب الممطر بشدة .

 (2) أمالي شيخ الطايفة ص 46 .

 

 

 

/ صفحة 5 /

بل نطفة تركب السفيــن وقــــــد * ألجم نســـــرا وأهله الغـــــــرق

تنقل من صالب إلــــــــى رحــــم * إذا مضى عالـــــم بـــــدا طبـــق

حتى احتوى بيتك المهيمن مــن * خندف علياء تحتهـــــا النطــــق

وأنت لما ولدت أشرقت الأرض * وضــــاءت بنـــــــورك الأفـــــق

فنحن في ذلك الضيـــــــاء وفـي * النور وسبل الرشـاد نخترق(1)

وكارتياحه صلى الله عليه وآله لشعر عمرو بن سالم وقوله له: نصرت يا عمرو بن سالم لما قدمه وأنشده أبياتا أولها (2):

لا هم إني ناشـــــد محـــــــمدا * حلف أبينا وأبــــيــــــه الأتــلدا

كنت لنا أبا وكنــــــا ولــــــــدا * ثمــــت أسلمنـــــا فلم ننزع يدا

فانصر رسول الله نصرا عتدا * وادع عباد الله يأتــــوا مـــــددا

... إلخ .

وكارتياحه صلى الله عليه وآله لشعر النابغة الجعدي ودعائه له بقوله : لا يفضض فاك،  لما أنشده أبياتا من قصيدته مائتي بيت أولها :

خـــــليلي غـــضا ساعة وتهجــــرا * ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا

ومما أنشده رسول الله صلى الله عليه وآله:

أتيت رسول الله إذ جاء بالهـــــدى * ويتلو كتابــــا كالمجـــــرة نـــــــيرا

وجاهدت حتى ما أحس ومن معي * سهيلا إذا مـــــــا لاح ثــــــم تحورا

أقيم على التقوى وأرضــى بفعلها * وكنت من النار المخوفــــــة أحذرا

ولما بلغ إلى قوله :

بلغنا السماء مجــــدنا وجــــدودنا * وإنا لنــــــــرجو فوق ذلك مظهرا

فقال النبي صلى الله عليه وآله : أين المظهر يا أبا ليلى ؟ قال : الجنة . قال : أجل إن شاء الله تعالى .

 ثم قال :

ولا خير في حلم إذا لم يكن لـه * بوادر تحـــمي صفوه أن يكدرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مستدرك الحاكم 3 ص 327، أسد الغابة 1 ص 119 .

 (2) تاريخ الطبري 3 ص 111 أسد الغابة 4 ص 104 .

 

 

 

/ صفحة 6 /

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أجدت لا يفضض الله فاك .

 مرتين فكانت أسنانه كالبرد المنهل ما انفصمت له سن ولا انفلتت وكان معمرا (1) وكارتياحه صلى الله عليه وآله لشعر كعب بن زهير لما أنشده في مسجده الشريف لاميته التي أولها :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم أثرها لم يفد مكبول

فكساه النبي صلى الله وآله بردة إشتراها معاوية بعد ذلك بعشرين ألف درهم وهي التي يلبسها الخلفاء في العيدين (2) وفي مستدرك الحاكم 3 ص 582 : لما أنشد كعب قصيدته هذه رسول الله وبلغ قوله :

إن الرسول لسيف يستضاء به * وصارم من سيوف الله مسلول

أشار صلى الله عليه وآله بكمه إلى الخلق ليسمعوا منه . ويروى أن كعبا أنشد (من سيوف الهند) فقال النبي صلى الله عليه وآله : من سيوف الله (3) .

 وكارتياحه صلى الله عليه وآله لشعر عبد الله بن رواحة، قال البراء بن عازب : رأيت النبي صلى الله عليه وآله ينقل من تراب الخندق حتى وارى التراب جلد بطنه وهو يرتجز بكلمة عبد الله بن رواحة:

لاهم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقــــنا ولا صلـينــا

فأنزلن سكينـــــــة عــلينا * وثبت الأقــــــدام إن لاقينا

إن أولاء قد بغوا علينــــا * وإن أرادوا فتنة أبينا (4)

ويظهر من رواية ابن سعد في طبقاته وابن الأثير إن الأبيات لعامر بن الأكوع روى الثاني في أسد الغابة 3 ص 72 إن النبي صلى الله عليه وآله قال لعامر في مسيره إلى خيبر : انزل يا بن الأكوع واحد لنا من هناتك (5) قال : نزل يرتجز رسول الله صلى الله عليه وآله:

لا هم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا

...إلخ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 96، الاستيعاب 1 ص 311، الإصابة 3 ص 539 .

 (2) الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 62، الامتاع للمقريزي 494، الإصابة 5 ص 296 .

 (3) شرح قصيدة : بانت سعاد . لجمال الدين الأنصاري ص 98 .

 (4) مسند أحمد 4 ص 302 .

 (5) أي كلماتك وأراجيزك وفي رواية : هنيأتك . على التصغير، وفي أخرى : هنيهاتك .

 

 

 

/ صفحة 7 /

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يرحمك ربك .

 وفي لفظ : رحمك الله .

 وفي الطبقات لابن سعد 3 ص 619 : غفر لك ربك .

 وكارتياحه صلى الله عليه وآله لشعر حسان بن ثابت يوم غدير خم ودعائه له بقوله : لا تزال يا حسان ؟ مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك .

 وكان صلى الله عليه وآله يضع لحسان منبرا في مسجده الشريف يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله، ويقول رسول الله : إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله (1) وكارتياحه لشعر أبي كبير الهذلي .

 قالت عايشة : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخصف نعله وكنت جالسة أغزل فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق وعرقه يتولد نورا قالت : فبهت فنظر إلي فقال : مالك بهت ؟ فقلت يا رسول الله ؟ نظرت إليك فجعل جبينك يعرق وعرقك يتولد نورا، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره، قال : وما يقول أبو كبير ؟ قلت : يقول :

ومبرئ من كل غبر حيضـــة * وفساد مرضعة وداء معضل

وإذا نظرت إلى أسرة وجهه * برقت كبرق العارض المتهلل

قالت : فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان بيده وقام وقبل ما بين عيني وقال : جزاك الله خيرا يا عايشة ؟ ما سررت مني كسروري منك(2).

وكان صلى الله عليه وآله يحث الشعراء إلى هذه الناحية، ويأمرهم بالاحتفاظ بها، ويرشدهم إلى أخذ حديث المخالفين له وأحسابهم وتأريخ نشئاتهم ممن يعرفها وهجاءهم كما كان يأمرهم بتعلم القرآن العزيز، وكان يراه نصرة للاسلام، وجهادا دون الدين الحنيف، وكان يصور للشاعر جهاده وينص به ويقول : اهجوا بالشعر إن المؤمن يجاهد بنفسه وماله، والذي نفس محمد بيده كأنما تنضحونهم بالنبل . وفي لفظ آخر : فكأن ما ترمونهم به نضح النبل . وفي ثالث : والذي نفس محمد بيده فكأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر (3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مستدرك الحاكم 3 ص 477 وصححه هو والذهبي في تلخيصه .

 (2) حلية الأولياء لأبي نعيم 2 ص 45، تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 253 .

 (3) مسند أحمد 3 ص 460، 456، ج 6 ص 387 .

 

 

 

/ صفحة 8 /

وكان صلى الله عليه وآله يثور شعراءه إلى الجدال بنبال النظم وحسام القريض ويحرضهم إلى الحماسة في مجابهة الكفار في قولهم المضاد لمبدءه القدسي، ويبث فيهم روحا دينيا قويا، ويؤكد فيهم حمية تجاه الحمية الجاهلية، وكان يوجد فيهم هياجا ونشاطا في النشر والدعاية، وشوقا مؤكدا إلى الدفاع عن حامية الاسلام المقدس، ورغبة في المجاهدة بالنظم بمثل قوله صلى الله عليه وآله للشاعر : اهج المشركين فإن روح القدس معك ما هاجيتهم (1) وقوله : اهجهم فإن جبريل معك (2) قال البراء بن عازب : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قيل له : إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك، فقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ؟ إئذن لي فيه فقال : أنت الذي تقول : ثبت الله ؟ قال : نعم يا رسول الله ؟ :

فثبت الله مـــــا أعــــطاك من حسن * تثبيت موسى ونصرا مثل ما نصروا

قال صلى الله عليه وآله : وأنت يفعل الله بك خيرا مثل ذلك . قال : ثم وثب كعب فقال : يا رسول الله ؟ إئذن لي فيه . قال : أنت الذي تقول : همت ؟ قال : نعم، قلت يا رسول الله ؟:

همت سخينة أن تغالب ربها * فليغـــلبن مغـــالب الغـــلاب

قال صلى الله عليه وآله : إن الله لم ينس ذلك لك. قال ثم قام حسان فقال : يا رسول الله ؟ إئذن لي فيه وأخرج لسانا له أسود فقال : يا رسول الله ؟ إئذن لي إن شئت أفريت به المزاد (3) فقال : إذهب إلى أبي بكر ليحدثك حديث القوم وأيامهم وأحسابهم ثم اهجهم وجبريل معك (2).

وهذه الطائفة من الشعراء هم المعنيون بقوله تعالى : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثير وانتصروا من بعد ما ظلموا . وهم المستثنون في صريح القرآن من قوله تعالى : والشعراء يتبعهم الغاوون . الآية سورة الشعراء . ولما نزلت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مسند أحمد 4 ص 298، مستدرك الحاكم 3 ص 487 .

 (2) مسند أحمد 4 ص 299، 302، 303 .

 (3) أي شفقته . كناية عن إسقاطه بالفضيحة .

 (4) مستدرك الحاكم 3 ص 488 .

 

 

 

/ صفحة 9 /

هذه الآية جاءت عدة من الشعراء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهم يبكون قائلين إنا شعراء والله أنزل هذه الآية فتلا النبي صلى الله عليه وآله : وسلم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . قال : أنتم . وذكروا الله كثيرا، قال : أنتم .

 وانتصروا من بعد ما ظلموا، قال : أنتم(1).

وإن كعب بن مالك أحد شعراء النبي الأعظم حين أنزل الله تبارك وتعالى في الشعر ما أنزل أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال : إن الله تبارك وتعالى قد أنزل في الشعر ما قد علمت وكيف ترى فيه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه (2) على أن في وسع الباحث أن يقول : إن المراد بالشعراء في الآية الكريمة كل من يأتي بكلا شعري منظوما أو منثورا فتكون مصاديقها أحزاب الباطل وقوالة الزور، فعن مولانا الصادق عليه السلام : إنهم القصاصون .

 رواه شيخنا الصدوق في عقايده، وفي تفسير علي بن إبراهيم ص 474 أنه قال : نزلت في الذين غيروا دين الله وخالفوا أمر الله، هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد ؟ إنما عني بذلك الذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم على ذلك الناس، ويؤكد ذلك قوله : ألم ترهم في كل واد يهيمون . يعني يناظرون بالأباطيل ويجادلون بالحجج وفي كل مذهب يذهبون .

 وفي تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير علم فضلوا وأضلوا .

 فليس في الآية حط لمقام الشعر بما هو شعر وإنما الحط على الباطل منه و من المنثور، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله عند فريقي الاسلام قوله : إن من الشعر لحكمة .

 م - وإن من البيان لسحرا (3) ] .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تفسير ابن كثير 3 ص 354 .

 (2) مسند أحمد 3 ص 456 .

 (3) مسند أحمد 1 ص 269، 273، 303، 332، سنن الدارمي 2 ص 296، صحيح البخاري كتاب الطب، باب : إن من البيان سحرا، المجني لابن دريد ص 22، تاريخ بغداد للخطيب 3 ص 98، 258، و ج 4 ص 254، و ج 8 ص 18، 314، البيان والتبيين للجاحظ 1 ص 212، 275، رسائل الجاحظ ص 235، مصابيح السنة للبغوي 2 ص 149، الروض الأنف 2 ص 337، تاريخ ابن كثير 9 ص 45، تاريخ ابن عساكر 1 ص 348، و ج 6 ص 423، الإصابة 1 ص 453، و ج 4 ص 183، تهذيب التهذيب 9 ص 453) .