عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

كلمات حول مفاد الحديث للأعلام الأئمة في تآليفهم

 

لقد تمخضت الحقيقة من معنى المولى، وظهرت بأجلى مظاهرها، بحيث لم يبق للخصم منتدح عن الخضوع لها، إلا من يبغي لدادا، أو يرتاد انحرافا عن الطريقة المثلى، ولقد أوقفنا السير على كلمات درية لجمع من العلماء حداهم التنقيب إلى صراح الحق، فلهجوا به غير آبهين بما هنالك من جلبة ولغط، فإليك عيون ألفاظهم: 1 - قال ابن زولاق الحسن بن إبراهيم أبو محمد المصري المتوفى 387 في " تاريخ مصر ": وفي ثمانية عشر من ذي الحجة سنة 362 وهو يوم الغدير تجمع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء، لأنه يوم عيد، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيه واستخلفه (1) يعرب هذا الكلام عن أن ابن زولاق وهو ذلك العربي المتضلع لم يفهم من الحديث إلا المعنى الذي نرتأيه، ولم ير ذلك اليوم إلا يوم عهد إلى أمير المؤمنين واستخلاف .

 2 - قال الإمام أبو الحسن الواحدي المتوفى 468 بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم هي مسؤول عنها يوم القيامة . راجع تمام العبارة ص 387 .

 3 - قال حجة الاسلام أبو حامد الغزالي المتوفى 505 في كتابه: سر العالمين (2) ص 9: إختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل أمرها إليه، فمنهم من زعم أنها بالنص، ودليلهم في المسألة قوله تعالى: قل للمخلفين من الأعراب ستدعون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) وحكاه عنه المقريزي في الخطط 2 ص 222 .

 (2) لا شك في نسبة الكتاب إلى الغزالي فقد نص عليه الذهبي " في ميزان الاعتدال " في ترجمة الحسن بن صباح الاسماعيلي وينقل عنه قصته، وصرح بها سبط ابن الجوزي في " التذكرة " ص 36 و شطرا من الكلام المذكور .

 

 

 

/ صفحة 392 /

 إلى قوم أولي بأس شديد فقاتلوهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا و إن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا شديدا.

 وقد دعاهم أبو بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطاعة فأجابوا، وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا، قال في الحديث: إن أباك هو الخليفة من بعدي يا حميراء .

 وقالت امرأة: إذا فقدناك فإلى من نرجع ؟ فأشار إلى أبي بكر . ولأنه أم بالمسلمين على بقاء رسول الله والامامة عماد الدين.

 هذا جملة ما يتعلق به القائلون بالنصوص ثم تأولوا وقالوا: لو كان علي أول الخلفاء لانسحب عليهم ذيل الفناء ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب، ولا يقدح في كونه رابعا كما لا يقدح في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان آخرا، والذين عدلوا عن هذا الطريق زعموا أن هذا وما يتعلق به فاسد وتأويل بارد جاء على زعمكم وأهويتكم، وقد وقع الميراث في الخلافة والأحكام مثل داود، وزكريا، وسليمان، ويحيى قالوا: كان لأزواجه ثمن الخلافة، فبهذا تعلقوا وهذا باطل إذ لو كان ميراثا لكان العباس أولى .

 لكن أسفرت الحجة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه .

 فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن ؟ لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فهذا تسليم، ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدهام الخيول، وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون .

 4 - قال شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في [ تذكرة خواص الأمة ] ص 18: إتفق علماء السير إن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه . الحديث .

 نص صلى الله عليه وسلم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة، وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك طار في الأقطار، وشاع في البلاد والأمصار (ثم ذكر ما مر

 

 

/ صفحة 393 /

 في آية سأل) فقال: فأما قوله: من كنت مولاه .

 فقال علماء العربية: لفظ المولى ترد على وجوه (ثم ذكر من معاني المولى تسعة (1) فقال): والعاشر بمعنى الأولى قال الله تعالى: فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأويكم النار هي مولاكم .

 ثم طفق يبطل إرادة كل من المعاني المذكورة واحدا واحدا فقال: والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة فتعين الوجه العاشر وهو: الأولى و معناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به، وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى ب‍ " مرج البحرين " فإنه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي عليه السلام فقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه .

 فعلم أن جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر، ودل عليه أيضا قوله عليه السلام: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: وأدر الحق معه حيثما دار وكيفما دار . ا ه‍ .

 5 - قال كمال الدين ابن طلحة الشافعي المتوفى 654 في " مطالب السئول " ص 16 بعد ذكر حديث الغدير ونزول آية التبليغ فيه: فقوله صلى الله عليه وسلم . من كنت مولاه فعلي مولاه .

 قد اشتمل على لفظة من وهي موضوعة للعموم، فاقتضى أن كل إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاه كان علي مولاه، واشتمل على لفظة المولى وهي لفظة مستعملة بإزاء معان متعددة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارة تكون بمعنى أولى قال الله تعالى في حق المنافقين: مأويكم النار هي مولاكم . معناه: أولى بكم .

 ثم ذكر من معانيها: الناصر والوارث والعصبة والصديق والحميم والمعتق، فقال: وإذا كانت واردة لهذه المعاني فعلى أيها حملت إما على كونه أولى كما ذهب إليه طائفة، أو على كونه صديقا حميما فيكون معنى الحديث: من كنت أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإن عليا منه كذلك .

 وهذا صريح في تخصيصه لعلي عليه السلام بهذه المنقبة العلية وجعله لغيره كنفسه بالنسبة إلى من دخلت عليهم كلمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) وهي المالك . المعتق بالكسر . المعتق بالفتح . الناصر . ابن العم . الحليف . المتولي لضمان الجرير. الجار . السيد المطاع .

 

 

 

/ صفحة 394 /

 من التي هي للعموم بما لا يجعله لغيره .

 وليعلم أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى في آية المباهلة: قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا نسائكم وأنفسنا وأنفسكم . والمراد نفس علي على ما تقدم فإن الله تعالى لما قرن بين نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين نفس علي وجمعهما بضمير مضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت رسول الله لنفس علي بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموما فإنه صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين، وناصر المؤمنين، وسيد المؤمنين، وكل معنى أمكن إثباته مما دل عليه لفظ المولى لرسول الله فقد جعله لعلي .

 عليه السلام وهي مرتبة سامية، ومنزلة سامقة، ودرجة علية، ومكانة رفيعة خصصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأولياءه .

 تقرير ذلك وشرحه وبيانه: إعلم أظهرك الله بنوره على أسرار التنزيل، ومنحك بلطفه تبصرة تهديك إلى سواء السبيل، إنه لما كان من محامل لفظة المولى (الناصر) وإن معنى الحديث: من كنت مولاه فعلي ناصره، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد وصف عليا بكونه ناصرا لكل من كان النبي ناصره فإنه ذكر ذلك بصيغة العموم، وإنما أثبت النبي هذه الصفة وهي الناصرية لعلي لما أثبتها الله عز وجل لعلي فإنه نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي يرفعه بسنده في تفسيره إلى أسماء بنت عميس قال: لما نزل قوله تعالى: وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين .

 سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .

 فلما أخبر الله فيما أنزله على رسوله وإنه ناصره هو الله وجبريل وعلي، يثبت الناصرية لعلي فأثبتها النبي صلى الله عليه اقتداء بالقرآن الكريم في إثبات هذه الصفة له .

 ثم وصفه صلى الله عليه وسلم بما هو من لوازم ذلك بصريح قوله رواه الحافظ أبو نعيم في حليته (ج 1 ص 66) بسنده: إن عليا دخل عليه فقال: مرحبا بسيد المسلمين، و إمام المتقين .

 فسيادة المسلمين وإمامة المتقين لما كانت من صفات نفسه صلى الله عليه وسلم وقد عبر الله تعالى عن نفس علي بنفسه ووصفه بما هو من صفاته . فافهم ذلك .

 ثم لم يزل صلى الله عليه وسلم يخصصه بعد ذلك بخصايص من صفاته نظرا إلى ما ذكرناه حتى روى الحافظ أيضا في حليته (ج 1 ص 67) بسنده عن أنس بن مالك قال: قال

 

 

/ صفحة 395 /

 رسول الله لأبي برزة وأنا أسمع: يا أبا برزة ؟ إن الله عهد إلي في علي بن أبي طالب: إنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة ؟ علي إمام المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك .

 فإذا وضح لك هذا المستند ظهرت حكمة تخصصه صلى الله عليه وسلم عليا بكثير من الصفات دون غيره، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (1) .

 6 - قال صدر الحفاظ فقيه الحرمين أبو عبد الله الكنجي الشافعي المتوفى 658 في " كفاية الطالب " ص 69 بعد ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: لو كنت مستخلفا أحدا لم يكن أحد أحق منك لقدمتك في الاسلام، وقرابتك من رسول الله، وصهرك عندك فاطمة سيدة نساء العالمين .

 وهذا الحديث وإن دل على عدم الاستخلاف لكن حديث غدير خم دليل على التولية وهي الاستخلاف، وهذا الحديث أعني حديث غدير خم ناسخ لأنه كان في آخر عمره صلى الله عليه وسلم .

 7 - قال سعيد الدين الفرغاني المتوفى 699 - كما ذكره الذهبي في العبر - في شرح تائية ابن الفارض الحموي المتوفى 576، التي أولها .

سقــــتني حميا الحب راحة مقتلي * وكأسي محيا من عن الحسن جلت

في شرح قوله:

وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا * علي بعــــلم نالــــــه بالوصـــية

وكذا هذا البيت مبتدأ محذوف الخبر تقديره: وبيان علي كرم الله وجهه و وإيضاحه بتأويل ما كان مشكلا من الكتاب والسنة بوساطة علم ناله بأن جعله النبي صلى الله عليه وسلم وصيه وقائما مقام نفسه بقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه .

 وذلك كان يوم غدير خم على ما قاله كرم الله وجهه في جملة أبيات منها قوله :

وأوصاني النبي على اختياري * لأمته رضـــى مـــنه بـــحكمي

وأوجـــب لي ولايته عـــليـــكم * رســـول الله يـــوم غـــدير خم

وغدير خم ماء على منزل من المدينة على طريق يقال له الآن: طريق المشاة إلى مكة، كان هذا البيان بالتأويل بالعلم الحاصل بالوصية من جملة الفضائل التي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) نقلنا هذا الكلام على علاته وإن كان لنا نظر في بعض أجزائه .

 

 

 

/ صفحة 396 /

 لا تحصى خصه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فورثها عليه الصلاة والسلام .

 وقال: وأما حصة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من العلم والكشف، وكشف معضلات الكلام العظيم، والكتاب الكريم الذي هو من أخص معجزاته صلى الله عليه وسلم بأوضح بيان بما ناله بقوله صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها .

 وبقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه .

 مع فضائل أخر لا تعد ولا تحصى .

 8 - قال علاء الدين أبو المكارم السمناني البياضي المكي المتوفى 736 في - العروة الوثقى - وقال لعلي عليه السلام وسلام الملائكة الكرام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي .

 وقال في غدير خم بعد حجة الوداع على ملأ من المهاجرين والأنصار آخذا بكتفه: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه .

 وهذا حديث متفق على صحته فصار سيد الأولياء، وكان قلبه على قلب محمد عليه التحية والسلام، وإلى هذا السر أشار سيد الصديقين صاحب غار النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر حين بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى علي لاستحضاره بقوله: يا أبا عبيدة ؟ أنت أمين هذه الأمة أبعثك إلى من هو في مرتبة من فقدناه بالأمس، ينبغي أن تتكلم عنده بحسن الأدب .

 9 - قال الطيبي حسن بن محمد المتوفى 743 في " الكاشف " في شرح حديث الغدير، قوله: إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم .

 يعني به قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم).

 أطلق فلم يعرف بأي شيء هو أولى بهم من أنفسهم، ثم قيد بقوله: وأزواجه أمهاتهم .

 ليؤذن بأنه بمنزلة الأب، ويؤيده قرائة ابن مسعود رضي الله عنه: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم .

 وقال مجاهد: كل نبي فهو أبو أمته .

 ولذلك صار المؤمنون إخوة، فإذن وقع التشبيه في قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه .

 في كونه كالأب، فيجب على الأمة احترامه وتوقيره وبره، وعليه رضي الله عنه أن يشفق عليهم ويرأف بهم رأفة الوالد على الأولاد، ولذا هنأ عمر بقوله: يا بن أبي طالب ؟ أصبحت و أمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة .

 10 - قال شهاب الدين ابن شمس الدين دولت آبادي المتوفى 1049 في " هداية السعداء ": وفي " التشريح " قال أبو القاسم (رح) من قال: إن عليا أفضل من عثمان

 

 

/ صفحة 397 /

 فلا شيء عليه لأنه قال أبو حنيفة رضي الله عنه وقال ابن مبارك: من قال: إن عليا أفضل العالمين، أو: أفضل الناس، وأكبر الكبراء فلا شيء عليه لأن المراد منه أفضل الناس في عصره وزمان خلافته كقوله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه .

 أي في زمان خلافته ومثل هذا الكلام قد ورد في القرآن والأحاديث وفي أقوال العلماء بقدر لا يحصى ولا يعد .

 وقال أيضا في " هداية السعداء ": وفي حاصل التمهيد في خلافة أبي بكر ودستور الحقايق: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من مكة نزل في غدير خم فأمر أن يجمع رحال الإبل فجعلها كالمنبر فصعد عليها فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقالوا: نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله .

 وقال الله عز وجل: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .

 قال أهل السنة: المراد من الحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه .

 أي في وقت خلافته وإمامته (1) 11 - قال أبو شكور محمد بن عبد السعيد بن محمد الكشي السالمي الحنفي في - التمهيد في بيان التوحيد - .

 قالت الروافض: الإمامة منصوصة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله وصيا لنفسه وجعله خليفة من بعده حيث قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .

 ثم هارون عليه السلام كان خليفة موسى عليه السلام فكذلك علي رضي الله عنه .

 والثاني: وهو: أن النبي عليه السلام جعله وليا للناس لما رجع من مكة ونزل في غدير خم فأمر النبي أن يجمع رحال الإبل فجعلها كالمنبر وصعد عليها فقال: ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم ؟ فقالوا: نعم .

 فقال عليه السلام: من كنت مولاه فعلي موه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والله جل جلاله يقول:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) قصدنا من إيراد هذا القول وما يأتي بعده محض الموافقة في المفاد، وأما ظرف الولاية والأفضلية فلا نصافق الرجل عليه، وقد قدمنا البحث عن ذلك مستقصى وسيأتي فيه بياننا الواضح .

 

 

 

/ صفحة 398 /

 إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، الآية .

 نزلت في شأن علي رضي الله عنه دل على أنه كان أولى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 ثم قال في الجواب عما ذكر: وأما قوله: بأن النبي عليه السلام جعله وليا، قلنا: أراد به في وقته يعني بعد عثمان رضي الله عنه، وفي زمن معاوية رضي الله عنه ونحن كذا نقول .

 وكذا الجواب عن قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا . الآية .

 فنقول: إن عليا رضي الله عنه كان وليا وأميرا بهذا الدليل في أيامه ووقته وهو بعد عثمان رضي الله وأما قبل ذلك فلا .

 12 - قال ابن باكثير المكي الشافعي المتوفى 1047 في - وسيلة المآل في عد مناقب الآل - بعد ذكر حديث الغدير بعدة طرق: وأخرج الدارقطني في الفضايل عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول: علي بن أبي طالب عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: الذين حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بهم، والأخذ بهديهم فإنهم نجوم الهدى من اقتدى بهم اهتدى، وخصه أبو بكر بذلك رضي الله عنه لأنه الإمام في هذا الشأن، وباب مدينة العلم والعرفان، فهو إمام الأئمة، وعالم الأمة، و كأنه أخذ ذلك من تخصيصه صلى الله عليه وسلم له من بينهم يوم غدير خم بما سبق، وهذا حديث صحيح لا مرية فيه ولا شك ينافيه، وروي عن الجم الغفير من الصحابة، وشاع واشتهر، وناهيك بمجمع حجة الوداع .

 13 - قال السيد الأمير محمد اليمني المتوفى 1182 في - الروضة الندية شرح التحفة العلوية - بعد ذكر حديث الغدير بعدة طرق، وتكلم الفقيه حميد على معانيه وأطال وننقل بعض ذلك (إلى أن قال): ومنها قوله: أخذ بيده ورفعها وقال: من كنت مولاه فهذا مولاه .

 والمولى إذا أطلق من غير قرينة فهم منه أنه المالك المتصرف، وإذا كان في الأصل يستعمل لمعان عدة منها: المالك للتصرف ولهذا إذا قيل: هذا مولى القوم سبق إلى الأفهام أنه المالك للتصرف في أمورهم .

 ثم عد منها: الناصر وابن العم والمعتق والمعتق . فقال: ومنها: بمعنى الأولى قال تعالى: مأويكم النار هي مولاكم . أي أولى بكم وبعذابكم . وبعد فلو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة

 

 

/ صفحة 399 /

 مولى السابق المالك للتصرف لكانت منسوبة إلى المعاني كلها على سواء وحملناها عليها جميعا إلا ما يتعذر في حقه عليه السلام من المعتق والمعتق فيدخل في ذلك المالك للتصرف، والأولى المفيد ملك التصرف على الأمة، وإذا كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان إماما ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: من كنت وليه فهذا وليه .

 والولي المالك للتصرف بالسبق إلى الفهم، وإن استعمل في غيره، وعلى هذا قال صلى الله عليه وسلم: والسلطان ولي من لا ولي له .

 يريد ملك التصرف في عقد النكاح يعني أن الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة بطريق الحقيقة، فإن يجب حملها عليها أجمع إذا لم يدل دليل على التخصيص .

 14 - قال الشيخ أحمد العجيلي الشافعي في - ذخيرة المآل شرح عقد جواهر اللآل في فضائل الآل - بعد ذكر حديث الغدير وقصة الحارث بن نعمان الفهري: و هو من أقوى الأدلة على أن عليا رضي الله عنه أولى بالإمامة والخلافة والصداقة والنصرة والاتباع باعتبار الأحوال والأوقاف والخصوص والعموم، وليس في هذا مناقضة لما سبق وما سيأتي إنشاء الله تعالى من أن عليا رضي الله عنه تكلم فيه بعض من كان معه في اليمن فلما قضى حجه خطب بهذا تنبيها على قدره وردا على من تكلم فيه كبريدة فإنه مكان يبغضه ولما خرج إلى اليمن رأى جفوة فقصه للنبي صلى الله عليه وسلم فجعل يتغير وجهه ويقول: يا بريدة ؟ ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ من كنت مولاه فعلي مولاه .

 لا تقع يا بريدة في علي فإن عليا مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.(1).

 

وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد " سورة الحج 24 "

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مر الكلام حول هذا الحديث وأمثاله ص 383 و 384 .