الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

مؤمنين فمن أجمع أهل الإيمان عليه كان إماما، ولم يلتفت إلى خلاف غيره بل الواجب على غيرهم أن يرجعوا إلى الحق في باب الاعتقاد كما يجب عليهم أن يسلموا إلى أهله ومن امتنع من ذلك كان عاصيا، وعلى قريب من هذا الكلام اعتمد صاحب الكتاب فيما مضى عند نصرته لصحة الاختيار، ورده الكلام على الطاعن منه بذكر الاختلاف بين الأمة، وأن بعضهم. لا يرضى بما فعله بعض.

وأما قوله: (إن نصب الإمام واجب على أهل المدينة التي مات فيها وهم بوجوب ذلك أولى لأنه لا يجوز أن يجب ذلك عليهم على وجه لا يتم ولو لم يتم إلا بالإجماع لكان قد لزمهم على وجه لا يتم (1)) فليس بشئ وذلك أن من خالف في هذا الباب لا يسلم له أن نصب الإمام يتعين وجوبه على أهل المدينة التي مات فيها ولا يجعلهم بذلك أولى من غيرهم، ثم لو سلم هذا لم يمتنع أن يجب عليهم ما يقف في صحته وتمامه على إمضاء غيرهم ورضاه، وليس ذلك بتكليف لما لا يطاق على ما ظنه، لأنه إنما يلزمهم أن يختاروا ويتفقوا على واحد بعينه، لتسكن النفوس إلى ارتياد الإمام والعدول عن باب الاهمال، ثم استقرار إمامته وثبوتها يعتبر فيه رضا جميع المؤمنين، فما في هذا من المنكر.

فأما قوله: (بأن هذا يقتضي أن يكون تقديم البيعة من القوم كعدمه في أن الاختيار قائم، ولو كان كذلك لم يصح دخوله في فروض الكفايات، لأن الفائدة في ذلك، أن قيام فريق به يسقط عن الباقين) فليس بصحيح لأن تقدم البيعة وإن كان رضا الجميع معتبرا له معنى أو فيه

____________

(1) المغني: 20 ق 2 / 68.


الصفحة 316
فائدة لأن الرضا من الجماعة يقتضي صحة ذلك العقد المتقدم ولا يحتاج معه إلى استيناف عقد جديد وهذا يقتضي أن وجوده بخلاف عدمه، فأما التعلق بأنه من فروض الكفايات فيمكن أن يقال: إنه منها بهذا الشرط لأن عقد النفر للإمامة من رضى الجميع يكون ماضيا ولا يحتاج كل واحد إلى أن يعقد بنفسه وبعد فإن كان معنى فروض الكفاية هو ما فسروه فلمن خالفه أن يقول له ليس له عقد الإمامة من فروض الكفايات.

فأما قوله: (لو وجب اعتبار الإجماع لكان موت بعض من يدخل في الإجماع في حال البيعة يقدح في تمامها وصحتها وإن اتفق الباقون عليها) (1) فواضح البطلان لأن الإجماع إذا كان المعتبر منه باهل العصر، لم يكن موت من دخل فيه مخلا بالاجماع، ولا مخرجا لاتفاق الباقين من أن يكون إجماعا، وهذا المعنى لو قدح في اعتبار الإجماع في باب الإمامة لقدح في اعتباره في كل موضع، ثم وجدنا صاحب الكتاب في هذا الفصل لما حكى اعتراض من اعترض بخلاف معاوية، ومن كان معه في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام اعتمد على سب معاوية ورجمه بالكفر والفسق جملة بغير تفصيل، وإنه مبغض للحسن والحسين عليهما السلام وأن الرسول قال: (من أبغضهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله (2)) وبأنه كان يبغض أمير المؤمنين عليه السلام وقد شهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن بغضه نفاق (3) وذكر ما

____________

(1) المغني 20 ق 2 / 68.

(2) روي هذا الحديث بطرق متعددة، ووجوه مختلفة ولكنها لا تخرج عما نقله المرتضى عن القاضي (انظر مسند أحمد 2 / 288، وكنز العمال، عن ابن أبي شيبة والطبراني، والخطيب 1 / 288).

(3) حديث (لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق) رواه مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه 1 / 47 باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه من الإيمان، والترمذي 2 / 301 والمتقي في الكنز 6 / 394 وقال أخرجه الحميدي وابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل والعدني والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان وأبو نعيم وابن أبي عاصم.


الصفحة 317
فعله بحجر وأصحابه، واستلحاق زياد، وتفويض الأمر إلى يزيد، وتحكيمه على أموال المسلمين، ووضعها في غير مواضعها، وأنه كان يستهزئ بالدين في كثير من أحواله (1) وأن كثيرا من الصحابة شكوا في إسلامه، وأنه بعث أصناما إلى بلاد الروم * وروي عنه القول بالجبر (2) * وأن النبي صلى الله عليه وآله قال: (سباب المؤمن فسوق وقتله كفر (3) وإن معاوية داخل في ذلك لا محالة، وكل هذا ليس بشئ يعتمد عليه، في هذا الموضع، ولا يغني عن صاحب الكتاب شيئا فيما قصده، لأن أكثر ما ذكره مما طعن به عليه إنما ظهر منه بعد هذا الوقت الذي تكلمنا عليه لأنه إنما استلحق زيادا، وحكم يزيد في أموال المسلمين، وقاتل أمير المؤمنين عليه السلام إلى غير ذلك، مما عدده بعد حال البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام وخلافه فيها بأزمان طويلة، وكثير منه إنما فعله لما صار الأمر إليه، ولم يبق له مخالف، وليس ظهور الفسق في حال من الأحوال بمؤثر فيما تقدمها، فهب أنه كان فاسقا بقتال أمير المؤمنين عليه السلام وبسائر ما عدده، مما استأنف فعله من أين يجب أن يكون خلافه قبل هذا الحال غير معتد به؟ وأما الثاني مما ذكره من الطعون فيه فغير مسلم له ولا معترف له بوقوعه، وما يقوم في دعوى ذلك مع دفع

____________

(1) ما نقله القاضي في المغني من استهزاء معاوية بالدين أطبق عليه المعتزلة (انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 340).

(2) ما بين النجمتين ساقط من المغني.

(3) أخرجه السيوطي في الجامع الصغير 2 / 30 هكذا (سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه).


الصفحة 318
خصومة إلا مقام من يسميه بالرفض فيما يدعونه على أبي بكر وعمر وعثمان، ويدفعهم هو عنه، ومن هذا الذي يسلم له أن كثيرا من الصحابة شكوا في إسلامه وقد كان يجب ألا يرسل هذا القول إرسالا حتى كأنه لا خلاف فيه، وهو يعلم أن من دونه خرط القتاد وحز الحلاقيم (1).

وأما ما يروى عنه من الجبر فشاذ ضعيف، وكان صاحب الكتاب ومن رافقه فيه بين أمرين بين دفع لما لا يحتمل التأويل والتخريج، وبين تأويل المحتمل فألا فعل ذلك فيما يروون عن معاوية لولا قلة الانصاف؟

فأما بعثه الأصنام إلى بلد الروم فما كنا نظن أن مثل صاحب الكتاب يصححه، ويحتج به، لأن هذا وأمثاله لا يكاد يحتج به إلا من هو معترف بالترفض معرق فيه، ولا يزال من سمع الأخبار بهذا وأمثاله من المعتزلة وغيرهم يتضاحكون، ويستهزئون، ويقولون كيف يظن بمعاوية تجهيز الأصنام! وهو وإن شككنا في دينه، فليس نشك في عقله، وجودة تحصيله، فكيف يستجيز ذلك الفعل من يتسمى بإمرة المؤمنين، وخلافة رسول رب العالمين، ويجعلون هذا في حيز الممتنع المستبعد، ومن قبيل ما يورده من لا يتأمل موارد الأمور ومصادرها، فإن كان قد نشط صاحب الكتاب للتصديق لما جرى هذا المجرى، فقد فتح للخصوم طريقا لا يملك سدها، وما يلزمونه إياه في مقابلة ذلك معروف.

فأما جعله قتال المسلمين كفرا فكيف نسي ذلك في أصحاب الجمل؟ وما فعل معاوية من قتال المسلمين إلا كفعلهم، والخبر الذي

____________

(1) القتاد: شجر صلب له شوك كالأبر وقد مر معنى هذا المثل، والحلاقيم جمع حلقوم وهو الحلق، والحز القطع.


الصفحة 319
رواه عام لا استثناء فيه.

فأما إدخاله معاوية في النفاق بقوله: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) فمن أين له أن معاوية كان يبغض أمير المؤمنين عليه السلام؟

فإن قال: من حيث حاربه. قلنا: فقد حاربه عندك من لم يكن مبغضا له، ولا تسميه منافقا كطلحة والزبير وعائشة فإن قال: لست أعول في أنه مبغض له على فعل بعينه لأنني أعلم ضرورة، قيل له: علم الضرورة لا يختص بك مع مساواة غيرك لك في طريقه، فما بال السفيانية، وجميع أصحاب الحديث لا يشركونك في هذا العلم الضروري، وقد سمعوا الأخبار كسماعك وأكثر، وما الفصل بينك وبين من ادعى في أهل الجمل وغيرهم العلم الضروري، بأنهم كانوا يبغضون أمير المؤمنين عليه السلام ولم يحفل بخلافك في ذلك كما لم تحفل أنت بخلاف من ذكرناه.

وأما دعواه بأنه كان يبغض الحسن والحسين عليهما السلام (1) فالكلام عليه في ذلك كالكلام فيما ذكره من بغض أمير المؤمنين عليه السلام، والذي ظهر من بعض عائشة خاصة لأمير المؤمنين عليه السلام سالفا وآنفا في أيام الرسول صلى الله عليه وآله وبعد وفاته وما روي عنها في ذلك من الأقوال والأفعال، والتصريح والتلويح، هو الذي لا يمكن أحدا دفعه، ولعلنا أن نذكر طرفا من ذلك عند الكلام فيما ادعاه من توبتها.

وبعد، فلم يكن معاوية وحده مخالفا له في العقد، بل كان جميع أهل الشام ومن انضوى إليهم، ممن خرج عن المدينة، فهب له معاوية كان

____________

(1) انظر المعنى 20 ق 2 / 71.


الصفحة 320
كافرا وفاسقا ولا يعتد بخلافه، ما تقول في خلاف من عداه ممن لا يمكنك أن ترميه بذلك؟ فإن قال: من عداه أيضا فاسق ببيعته لمعاوية، ومشايعته على قتال المسلمين، قيل له: إنما كلامنا عليهم قبل البيعة لمعاوية، وقبل أن يحاربوا المسلمين، فإن قال: لا أعتد بخلافهم لأن فيمن عقد له كفاية من حيث زاد عددهم على العدد المطلوب في عقد الإمامة، قيل له كلامنا الآن معك في غير هذا المعنى لأنك ادعيت في خلال كلامك الإجماع، وهذا كلام على دعوى الإجماع، فأما فساد قولك في اعتبار العدد الذي عينته وادعيت أنه به تثبت الإمامة ولو خالف سائر الناس فقد مضى مستقصى.


الصفحة 321

 

فصل
في الكلام على ما أورده صاحب المغني
في توبة طلحة والزبير وعائشة
(1)


قال صاحب الكتاب بعد فصلين (2) تكلم في أحدهما على من طعن في إمامته (3) بمقاتلة أهل القبلة، وفي الفصل الآخر على من وقف فيه عليه السلام وفي القوم لا وجه لتتبعهما (4):

(قد صح بما قدمناه أن الذي أقدموا عليه عظيم فلا بد من بيان توبتهم، لأنا قد تعبدنا فيهم بالمدح والتعظيم فهذا فائدة توبتهم) قال:

(وأخرى وهو أن في بيان توبتهم إبطال قول من وقف فيهم وفي أمير المؤمنين عليه السلام، لأن توبتهم تدل على كونه محقا، وكونه محقا

____________

(1) إنما وقع كلام القاضي ورد المرتضى في التوبة، لأن المعتزلة - كما نقل عنهم ابن أبي الحديد - يذهبون إلى أن أصحاب الجمل كلهم هالكون إلا عائشة وطلحة والزبير رحمهم الله قال " ولأنهم تابوا، ولولا التوبة لحكم لهم بالنار لإصرارهم على البغي " (انظر شرح نهج البلاغة ج 1 ص 9).

(2) الفصل الأول في المغني 20 ق 2 ص 73 - 77 والفصل الثاني من 78 إلى 83.

(3) أي إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.

(4) أي تتبع الفصلين.


الصفحة 322
وكونهم مبطلين، وفيه إبطال قول من يقول إنه عليه السلام لم يكن مصمما في محاربتهم، لما قدمناه وفيه تحقيق ما روي من خبر البشارة للعشرة بالجنة، وما روي في عائشة وغيرها من أنهن أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة، وفيه بيان زوال الخلاف في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام لأن من يذكر بالخلاف ممن يعتد به إذا صحت التوبة عنه، فقد ثبتت طريقة الإجماع، فليس لأحد أن يقول: ما الفائدة في ذكر ذلك في هذا الموضع؟) قال: (إعلم أن طريق معرفة التوبة لا يكون إلا غالب الظن، ولا يعلم صحتها من أحد إلا بالسمع، لأنها وإن علمت فلا يصح أن يعلم بشروطها على وجه يقطع عليها (1) ولا يعلم هل تناولت كل ذنوبه أم البعض، وهل تناولته على الوجه الذي يصح عليه أم لا؟ لأن ذلك مما يلطف فلا يعرفه الإنسان من غيره، وإن جاز أن يعرفه من نفسه، وقد ثبت أن أحدنا وإن شاهد من غيره إظهار التوبة، واضطر من جهته إلى الندم، فليس يقطع على أنه في الحقيقة تائب، وعلى أنه قد أزال العقاب، فلو لم يحكم بتوبة أحد إلا مع العلم لما عرفنا أحدا تائبا من جهة العقل (2) والعادة، ولما صح أن نزيل الذم عنه والمدح) قال: (وثبت أنها في هذا الوجه بمنزلة الطاعات والواجبات، لأن طريق المدح فيها غالب الظن من حيث لا يقطع على وقوعها على وجه يستحق به الثواب إلا من جهة السمع) ثم قال: (واعلم أن ما طريقه الظن يعتمد فيه على الإمارات فإذا صح كونه إمارة من جهة العقل (2) يجب أن يعمل عليه، وقد ثبت أن إظهاره لندمه بالقول والفعل اللذين نشاهدهما نعمل عليه، فيجب أن

____________

(1) غ " على وجه يصح عليه ".

(2) غ " من جهة الفعل " في الموضعين.


الصفحة 323
نعمل على خبر الثقة * ونقبل ذلك لصلاح الرجل ووجوب توليه في أنه تارة إلى العلم وتارة إلى (1) * الظن وأن الأمر لو كان بخلاف ذلك لوجب (2) فيمن غاب عنا، وقد شاهدنا منه الفسق ألا نعدل عن ذمه بأخبار الثقات وأن نعتبر في ذلك التواتر والمشاهدة) قال: (على أنه لا خلاف أن الواجب أن نرجع إلى ما يحل هذا المحل في باب ما يلزم من المدح والتعظيم في صلاح الرجل، وفي توبته، وليس لأحد أن يقول: إذا كان فسقه متيقنا فيجب أن لا نزول عن ذمه إلا بأمر متيقن لأن ذلك ما لا سبيل إليه البتة، فلو صح اعتباره لوجب ألا نزول عن ذم أحد) ثم أكد ذلك بكلام كثير وفرق بينه وبين الشهادة التي فيها العدد من حيث كانت من باب الحقوق، والتوبة ليست كذلك، ثم قال: (وإن صحت هذه الجملة لم يبق إلا أن تبين بالأخبار توبة القوم، فإن صح في الخبر طريقة الاشتهار والتواتر فهي أقوى، وإن لم يتم وجب أيضا إذا كان خبر من الثقات أن يعمل به وقد ظهر من إمارات توبة الزبير ما يقطع به، لأن الخبر متواتر بأنه فارق القوم، وخرج عن جملتهم بعد ما جرى له من المخاطبات، وبعد ما تحمل العار الذي قد أضافوه إليه من الجبن والجزع، وصح أيضا بالتواتر أن سبب ذلك موافقة أمير المؤمنين عليه السلام له على الخبر الذي كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله أنه يقاتله وهو له ظالم (3) وروي أنه عند مفارقة القوم وسيره (4) إلى المدينة انشد هذين البيتين:


ترك الأمور التي تخشى عواقبها لله (5) أحمد في الدنيا وفي الدين

____________

(1) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".

(2) غ " ولولا أن الأمر كذلك لوجب ".

(3) انظر مستدرك الحاكم 3 / 366 وأسد الغابة 2 / 199.

(4) غ " وخروجه ".

(5) غ " لله أسلم ".


الصفحة 324

اخترت عارا على نار مؤججة ما إن يقوم بها خلق من الطين

وروي عنه عند نزول أمير المؤمنين عليه السلام البصرة أنه قال: ما كان أمر قط إلا عرفت أين أضع فيه قدمي إلا هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر، فقال له ابنه، لا ولكنك خشيت رايات ابن أبي طالب (1) وعرفت أن الموت الناقع تحتها، فقال له الزبير: مالك أخزاك الله وذكر عن ابن عباس أنه قال: بعثني أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل إلى الزبير، فقلت له: إن أمير المؤمنين عليه السلام يقرئك السلام ويقول لك: ألم تبايعني طائعا غير مكره! فما الذي رأيت مني مما استحللت به قتالي؟ قال: فأجابني إنا مع الخوف الشديد لنطمع (2) وروي أن عليا عليه السلام لما تصاف الفريقان يوم الجمل نادى أين الزبير بن العوام؟ وقد خرج في إزار وعمامة متقلدا سيفه سيف رسول الله على بغلته دلدل فقيل له: يا أمير المؤمنين تخرج إليه حاسرا! فقال: " ليس علي منه بأس " فخرج الزبير فقال له: ما حملك يا أبا عبد الله على ما صنعت؟ قال الطلب بدم عثمان قال: " فأنت وأصحابك قتلتموه، فأنشدك بالذي نزل القرآن على محمد أما تذكر يوما قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله " أتحب عليا " قلت: وما يمنعني من ذلك، وهو بالمكان الذي علمت، فقال لك: " أما والله لتقاتلنه يوما في فئة وأنت له ظالم " فقال الزبير: اللهم نعم، قال له:

____________

(1) غ " ورأيت ".

(2) في المغني " إنا مع الجود الشديد لنطمع " وقد فسر ابن عباس هذا القول وقد سئل عن معناه فقال: يقول: إنا مع الخوف لنطمع أن نلي ما وليتم، وفسره قوم بتفسير آخر: قالوا: إنه أراد إنا مع الخوف من الله لنطمع أن يغفر لنا هذا الذنب، والرسالة - هنا - نقلها القاضي باقتضاب، تجدها مفصلة في " مصادر نهج البلاغة وأسانيده " 1 / 410 مع ذكر مصادرها هناك.


الصفحة 325
" أمعك نساؤك " قال لا، قال: " فهذا قلة الانصاف أخرجتم حليلة رسول الله صلى الله عليه وآله وصنتم حلائلكم " إلى كلام طويل في هذا الباب نذكر فيه مبايعته له طوعا وغير ذلك، فبكى الزبير وانصرف وأتى عائشة فقال: يا أمه ما شهدت قط موطنا في جاهلية ولا إسلام إلا ولي فيه داع، غير هذا الموطن مالي فيه بصيرة، وإني لعلى باطل، قالت له: أبا عبد الله حذرت سيوف ابن أبي طالب وبني عبد المطلب، وقال له ابنه: لا والله ما ذلك زهد منك ولكنك رأيت الموت الأحمر، فلعن ابنه وقال: ما أشأمك من ابن، ثم انصرف بعد ذلك الزبير راجعا إلى المدينة على ما حكيناه وقال فقد كانت أحوالهم أحوال من يظهر عليه التحير، بل كان يعلم إنه مخطئ وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في خطبة له لما بلغه خروج القوم إلى البصرة عند ذكره لهم: " كل واحد منهم يدعي الأمر دون صاحبه لا يرى طلحة إلا أن الخلافة له لأنه ابن عن عائشة، ولا يرى الزبير إلا أنه أحق بالأمر منه لأنه ختن (1) عائشة، والله لئن ظفروا بما يريدون ولا يرون ذلك (2) أبدا ليضربن طلحة عنق الزبير والزبير عنق طلحة ".

ثم قال بعد كلام طويل: " والله إن طلحة والزبير ليعلمان أني على الحق وأنهما لمخطئان، وما يجهلان، ورب عالم قتله جهله، ولم ينفعه علمه " (3)...).

____________

(1) الختن: من كانت قرابته من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها والزبير زوج أسماء أخت أم المؤمنين عائشة.

(2) هذا مثل قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) وهو من المغيبات التي أخبر أمير المؤمنين عليه السلام بها قبل وقوعها.

(3) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام رواها أبو مخنف في كتاب الجمل - كما في شرح نهج البلاغة 1 / 233 - وإرشاد المفيد ص 114.


الصفحة 326
قال: (وكل ما ذكرناه من أمر الزبير يدل على ندمه وتوبته (1)).

يقال له: أما قولك في تعاطيك ذكر فوائد الكلام في توبة القوم:

(إنا قد تعبدنا فيهم بالمدح والتعظيم فلا بد من بيان توبتهم) فليس بشئ لأنا إنما نمدحهم ونعظمهم إذا تابوا، فالمدح والتعظيم يتبعان التوبة لا تتبعهما، وأنت قد عكست القضية فجعلت التابع متبوعا.

فإن قال: لم أرد ما ظننتموه وإنما أردت أن التوبة تقتضي المدح والتعظيم، فالكلام في إثباتها يثمر هذه الفائدة.

قلنا: ليس هكذا يقتضي كلامك، ولو قلت بدلا من ذلك: إن للتوبة فيهم وفي غيرهم من المذنبين أحكاما تعبدنا بها فلا بد من الكلام في إثباتها لنعمل بأحكامها وننتقل عما كنا عليه قبلها لكان صحيحا.

فأما قوله: (في بيان توبتهم إبطال قول من وقف فيهم وفي أمير المؤمنين عليه السلام) فغير صحيح، لأن العلم بكونه عليه السلام محقا في قتالهم وكونهم مبطلين في حربه لا يقف على وقوع التوبة منهم، بل ذلك معلوم بالأدلة الصحيحة، ولو لم يتب أحد من الجماعة.

فأما قوله: (وفيه تحقيق لخبر البشارة بالجنة) للعشرة فطريف لأن خبر البشارة لو صح فبأن يكون محققا للتوبة، ومزيلا للشبهة فيها أولى، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقطع النبي صلى الله عليه وآله بالجنة عليهم، ومع هذا يموتون على إصرارهم، وقد يجوز أن يتوبوا من القبيح الذي فعلوه، وإن لم يكن النبي صلى الله عليه وآله بشرهم بالجنة، يبين ما ذكرناه أن راويا لو روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه خبر

____________

(1) المغني 20 ق 2 / 77.


الصفحة 327
بدخول رجل بعينه إلى مكان معين لم يكن محققا للخبر وموجبا للقطع على صدقه دخول ذلك الرجل في الوقت المعين إلى المكان، بل متى علمنا أنه عليه السلام خبر بذلك وكنا من قبل شاكين في دخول الرجل المكان المخصوص فلا بد من تحقق دخوله والقطع عليه.

فأما قوله: (وفيه زوال الخلاف في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام) فأي فائدة في ذلك على مذهبه وعنده أن الإجماع لا معتبر به في باب الإمامة وأن ببعض من عقد لأمير المؤمنين عليه السلام تثبت الإمامة، على أنه ليس يمكنه أن يدعي توبة جميع من حاربه، وقتل في المعركة بسيفه على خلافه، فالاجماع على كل حال ليس يثبت له.

فإن قال: لا اعتبار بمن قتل على الفسق في باب الإجماع لأنه لا يدخل فيه إلا المؤمنون.

قيل له: فهذا المعنى قائم فيمن تكلف الكلام في توبته، وزعمت أن الفائدة فيها ثبوت الإجماع.

فأما المقدمة التي قدمها أمام كلامه من أن التوبة لا يكون الطريق إليها إلا غالب الظن، ولا نعلم صحتها بشروطها من أحد إلا بالسمع، وأن أخبار الآحاد في باب التوبة تقوم مقام التواتر والمشاهدة، وإجراؤه بذلك إلى إبطال قول من يقول من كان فسقه متيقنا فلا نزول عن ذمة إلا بأمر متيقن، وادعاؤه في خلال ذلك الإجماع على ما رتبه وقرره فأول ما فيه أنه كالمناقض لما أطلقه عنده اعتذاره من أحداث عثمان، لأنه قال هناك: (إن من تثبت عدالته يجب توليه، إما على القطع أو على الظاهر) فغير جائز أن يعدل فيه عن هذه الطريقة إلا بأمر معلوم متيقن يقتضي العدول، وهو في هذا الموضع يجعله كالمتيقن في أنه يعدل به عن

الصفحة 328
المتيقن، وادعاؤه الإجماع في هذا الباب غير صحيح، لأن فيما ذكره خلافا ظاهرا، وفي الناس من يذهب إلى أن المعلوم من فسق وصلاح لا يرجع عنه إلا بمعلوم مثله، ويمكن أن يقال له فيما اعتمده إنا جاز أن نرجع في شرائط التوبة إلى غالب الظن لأنه لا يمكن أن يتناولها العلم على سبيل التفصيل إلا من جهة السمع فقام الظن مقام العلم لما تعذر العلم، وكون المذنب نادما يمكن أن نعلمه ونتحققه ونضطر في كثير من المواضع إليه فلا يجوز أن نقيم الظن فيه مقام العلم، وهكذا القول في افعال الخير الموجبة للولاية والتعظيم أن نرجع في وقوعها وحصولها من الفاعل حتى نتولاه ونحكم له بأحكام الصالحين إما بالمشاهدة أو غيرها، ولا نرجع في وقوع تلك الأفعال على الوجوه التي يستحق بها الثواب من إخلاص وغيره إلى العلم لما تعذر العلم وجاز لما ذكرناه أن يقوم الظن ها هنا مقامه فليس يجيب إذا رجع فيما يمكن فيه العلم إلى العلم أن يرجع إليه فيما لا يمكن فيه على ما ألزمه صاحب الكتاب، وأحال في هذا الباب عليه ثم إذا سلمنا هذه الطريقة على ما اقترحه ووافقناه، على أن المعلوم يرجع عنه للمظنون كان لنا في الكلام على ما يدعي من توبة القوم طريقان أحدهما أن يبين أن الأخبار التي رواها في ذلك معارضة بأخبار إن لم تزد في القوة والظهور عليها لم تنقص، والطريق الآخر أن يبين جميع ما روي من أخبار التوبة محمولا، محتمل غير صحيح، ولا شبهة في أنه لا يرجع بالمحتمل عن الأمور التي لا تحتمل، وعلى هذا عول صاحب الكتاب لما تقدم لعثمان من التي لا تحتمل، وعلى هذا عول صاحب الكتاب لما تقدم لعثمان من أحداثه لأنه قال: (إن الحدث يوجب الانتقال عن التعظيم ولكن من باب ما يجعل أن يكون واقعا على وجه يقبح فيكون عظيما، وعلى وجه يحسن، ولا يكون قبيحا فغير جائز أن ننتقل من أجله إلى البراءة، بل يجب الثبات على التولي والتعظيم) وراعى في الخروج عن التولي ما يتقن وقوعه كثيرا، ولم يحفل بما يتقن وقوعه، ويجوز أن يكون قبيحا وحسنا هذا

الصفحة 329
الذي اعتبره صحيح، ومثله يراعى فيما ينتقل به عن البراءة إلى التولي والتعظيم.

ونحن نبدأ بالكلام فيما يخص توبة الزبير لابتداء صاحب الكتاب بها، ونذكر ما روي من الأخبار مما يدل على إصراره قبل الكلام على ما تحتمله الأخبار التي رواها صاحب الكتاب واعتمدها في توبته ما رواه الواقدي بإسناده: إن أمير المؤمنين لما فتح البصرة كتب إلى أهل الكوفة:

" بسم الله الرحمن الرحيم، عن عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى أهل الكوفة، سلام عليكم، فأني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو.

أما بعد فإن الله تعالى حكم عدل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) أخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة، من تأشب (1) إليهم من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير ونكثهم صفقة أيمانهم وتنكبهم عن الحق فنهضت من المدينة حين انتهى إلي خبرهم حين ساروا إليها في جماعتهم، وما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذا قار فبعثت الحسن بن علي، وعمار بن ياسر، وقيس بن سعد، فاستنفرتكم بحق الله، وحق رسوله، فأقبل إلي إخوانكم سراعا حتى قدموا علي فسرت إليهم بهم، حتى نزلت ظهر البصرة، فأعذرت بالدعاء وقدمت الحجة، وأقلت العثرة والزلة واستتبتهم من نكثهم بيعتي وعهد الله عليهم، فأبوا إلا قتالي وقتال من معي، والتمادي في الغي فناهضتهم بالجهاد في سبيل الله، وقتل من قتل منهم ناكثا، وولى من ولى إلى مصرهم، فسألوني ما

____________

(1) تأشب إليهم: اجتمع حولهم.


الصفحة 330
دعوتهم قبل القتال فقبلت منهم. وأغمدت السيف، وأخذت بالعفو فيهم. وأجريت الحق والسنة بينهم، واستعملت عليهم عبد الله بن عباس على البصرة، وأنا سائر إلى الكوفة إن شاء الله، وقد بعثت إليكم زحر بن قيس الجعفي (1) لتسألوه فيخبركم عني وعنهم، وردهم بالحق علينا فردهم الله وهم كارهون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب عبيد الله بن أبي رافع في جمادى سنة ست وثلاثين " فكيف يكون الزبير تائبا؟ وقد صرح أمير المؤمنين عليه السلام بأنه تمادى في الغي حتى قتل ناكثا، ومن تاب لا يوصف بالنكث، وتقبيح ما كان عليه قبل التوبة، وقد روى أبو مخنف لوط بن يحيى هذا الكتاب بخلاف هذه الألفاظ وروى في جملته بعد الثناء عليه وذكر بغي القوم ونكثهم " وحاكمناهم إلى الله فأدالنا عليهم فقتل طلحة والزبير وقد قدمت إليهما بالمعذرة، وأبلغت إليهما في النصيحة، واستشهدت عليهما الأمة، فما أطاعا المرشدين، ولا أجابا الناصحين ولاذ أهل البغي بعائشة، فقتل حولها عالم جم، وضرب الله وجه بقيتهم فأدبروا فما كانت ناقة الحجر (2) بأشأم عليها منها على أهل ذلك المصر مع ما جاءت به من الحوب الكبير (3) في معصية ربها واغترارها في تفريق المسلمين، وسفك دماء المؤمنين، بلا بينة، ولا معذرة، ولا حجة ظاهرة، فلما هزمهم الله أمرت أن لا يتبع مدبر، ولا يجهز على (4) جريح ولا تكشف عورة، ولا يهتك ستر، ولا تدخل دار إلا بإذن، وأمنت الناس، وقد استشهد منا رجال صالحون ضاعف الله حسناتهم، ورفع

____________

(1) انظر سفينة البحار 1 / 46 مادة زحر.

(2) الحجر - بالكسر - اسم الأرض ثمود قوم صالح عليه السلام قال تعالى:

(كذب أصحاب الحجر المرسلين).

(3) الحوب: الإثم.

(4) أجهز على الجريح: أتم قتله.


الصفحة 331
درجاتهم. وأثابهم ثواب الصالحين، الصادقين الصابرين ".

وليست هذه أوصاف من تاب وقبض على الطهارة والإنابة، وفي تفريقه عليه السلام من الخبر عن قتلاه وقتلاهم، ووصف من قتل من عسكره بالشهادة، دون من قتل منهم، وفي دعائه لقتلى عسكره، دون طلحة والزبير، دلالة على ما قلناه ولو كانا مضيا تائبين لكانا أحق الناس بالوصف بالشهادة، والترحم والدعاء.

وقد روى الواقدي أيضا كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أهل المدينة يتضمن مثل معاني كتابه إلى أهل الكوفة، وقريبا من ألفاظه، ويصفهم بأنهم قتلوا على النكث والبغي ولولا الإطالة لذكرناه بعينه.

وقد روى الواقدي أن ابن جرموز لما قتل الزبير واحتز رأسه، وأخذ سيفه، ثم أقبل حتى وقف على باب أمير المؤمنين، فقال: أنا رسول الأحنف فتلا هذه الآية: (الذين يتربصون بكم) فقال هذا رأس الزبير وسيفه، وأنا قاتله، فتناول أمير المؤمنين عليه السلام سيفه، وقال:

" لطال ما جلى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن الحين (1) ومصارع السوء " ولو كان تائبا لم يكن مصرع سوء، لا سيما وقد قتله غادرا به. وهذه شهادة لو كان تائبا مقلعا عما كان عليه وروى الشعبي عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: " الآن إن أئمة الكفر في الاسلام خمسة طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري ".

وقد روي مثل ذلك عن عبد الله بن مسعود.

____________

(1) الحين - بفتح الحاء - الهلاك.


الصفحة 332
وروى نوح بن دراج (1) عن محمد بن مسلم (2) عن حبة العرني (3) قال سمعت عليا عليه السلام حين برز إلى أهل الجمل وهو يقول: " والله لقد علمت صاحبة الهودج أن أصحاب الجمل ملعونون على لسان النبي الأمي وقد خاب من افترى " قد روي هذا المعنى بهذا اللفظ أو قريبا منه من طرق مختلفة.

وروى البلاذري في تاريخه بإسناده عن جويرية بن أسماء أنه قال:

بلغني أن الزبير حين ولى ولم يكن بسط يده بسيف اعترضه عمار بن ياسر بالرمح وقال: أين يا أبا عبد الله، والله ما أنت بجبان، ولكني أحسبك شككت؟ قال: هو ذاك، ومضى حتى نزل بوادي السباع (4) واعترضه ابن جرموز فقتله، واعترافه بالشك يدل على خلاف التوبة، لأنه لو كان تائبا

____________

(1) نوح بن دراج أخو جميل بن دراج قاضي الكوفة ولي القضاء بفتوى من أخيه جميل، وكان جميل وجها من وجوه الشيعة وثقاة رواتها ولنوح ولد اسمه أيوب شهد له الإمام الهادي عليه السلام بأنه من أهل الجنة (سفينة البحار مادة أوب وجمل ونوح).

(2) هو محمد بن مسلم بن رباح الأوقص الطحان مولى ثقيف ووجه من وجوه الشيعة بالكوفة، وفقيه من فقهائهم، وثقة من ثقاتهم روى عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام انظر الفائدة الثانية عشرة من خاتمة الوسائل.

(3) حبة - بفتح الحاء وتشديد الباء - بن جوين - بجيم مصغرا - العرني - بضم العين المهملة وضم الراء - من بجيله من أصحاب علي عليه السلام، وروى عنه وعن ابن مسعود توفي سنة 76 أو 79.

(4) وادي السباع: الموضع الذي قتل فيه الزبير، ومن لطيف ما يروى في تسميته أن أسماء بنت دريم مر بها رجل فنظر إليها نظرة مريبة فقالت لئن لم تنته لأستصرخن عليك أسبعي قال: أوتفهم السباع عنك؟ قالت: نعم، ورفعت صوتها ونادت يا كلب يا ذئب، يا فهد، يا أسد يا سرحان، وكان أبناؤها بمنحاة عنها يرعون فأقبلوا يتعادون فقالت إياكم أحسنوا مثواه، فذبحوا له وأطعموه فذهب، وقد أخذه العجب مما رأى، وسمي ذلك الوادي بوادي السباع (المرأة العربية ج 1 / 81).