الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

فقال عثمان لمن حضره أسمعتموها من نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

فقالوا: ما سمعناه، فقال عثمان: ويلك يا أبا ذر أتكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أبو ذر لمن حضره أما تظنون أني صدقت؟ فقال عثمان ادعوا لي عليا، فلما جاء، قال عثمان لأبي ذر:

أقصص عليه حديثك في بني أبي العاص، فحدثه فقال عثمان لعلي عليه السلام هل سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال علي عليه السلام: لا، وقد صدق أبو ذر، فقال عثمان: كيف عرفت صدقه؟ قال: " لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:

(ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر) (1) "، فقال: من حضر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله جميعا: صدق أبو ذر، فقال أبو ذر: أحدثكم أني سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تتهموني، ما كنت أظن أني أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وروى الواقدي في خبر آخر بإسناده عن صهبان (2) مولى الأسلميين قال: رأيت أبا ذر يوم دخل به على عثمان، فقال له: أنت الذي فعلت وفعلت؟ قال أبو ذر: إني نصحتك، فاستغششتني، ونصحت صاحبك فاستغشني، فقال عثمان: كذبت، ولكنك تريد الفتنة وتحبها، قد قلبت الشام علينا، فقال له أبو ذر: اتبع سنة صاحبيك لا يكون لأحد عليك كلام، فقال له عثمان: مالك ولذلك لا أم لك؟ فقال أبو ذر: والله ما

____________

(1) حديث (ما أظلت الخضراء...) تقدم تخريجه.

(2) صهبان لعله مولى العباس بن عبد المطلب (انظر تاريخ البخاري 4 / 316).


الصفحة 297
وجدت لي عذرا إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فغضب عثمان، وقال: أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب إما أن أضربه أو أحبسه أو أقتله، فإنه قد فرق جماعة المسلمين، أو أنفيه من الأرض فتكلم علي عليه السلام وكان حاضرا فقال: " أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون (فإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب (1)) فأجابه عثمان بجواب غليظ لم أحب أن أذكره، وأجابه علي عليه السلام بمثله.

ثم إن عثمان حظر (2) على الناس يقاعدوا أبا ذر ويكلموه، فمكث كذلك أياما ثم أمر أن يؤتى به فلما أتي به، وقف بين يديه، قال: ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت أبا بكر وعمر، هل رأيت هذا هديهم إنك تبطش بي بطش جبار! فقال اخرج عنا من بلادنا فقال أبو ذر: فما أبغض إلى جوارك، قال: فإلى أين اخرج، قال: حيث شئت. قال: فأخرج إلى الشام أرض الجهاد، فقال إنما جلبتك من الشام لما قد أفسدتها أفاردك إليها قال: أفأخرج إلى العراق، قال: لا، قال: ولم؟ قال: تقدم على قوم أهل شبه، وطعن على الأئمة، قال: فأخرج إلى مصر؟ قال: لا قال أين أخرج؟ قال: حيث شئت، فقال أبو ذر: وهو أيضا التعرب بعد الهجرة. أخرج إلى نجد، فقال عثمان: الشرف الشرف (3) الأبعد، أقصى فأقصى فقال أبو ذر قد أبيت ذلك علي، قال: أمض على وجهك هذا ولا تعدون الربذة،

____________

(1) غافر: 28.

(2) حظر عليهم: منعهم.

(3) الشرف: كبد نجد وقد تقدم.


الصفحة 298
وروى الواقدي عن مالك بن أبي الرحال عن موسى بن ميسرة، أن أبا الأسود الدؤلي، قال: كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه فنزلت به الربذة، فقلت له: ألا تخبرني خرجت من المدينة طائعا أو أخرجت قال أما إني كنت في ثغر من الثغور أغنى عنهم، فأخرجت إلى مدينة الرسول فقلت: دار هجرتي وأصحابي، فأخرجت منها إلى ما ترى، ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضربني برجله فقال: (لا أراك نائما في المسجد) فقلت: بأبي أنت وأمي غلبتني عيني فنمت فيه، فقال: (كيف تصنع إذا أخرجوك منه)؟ فقلت: إذا الحق بالشام، فإنها أرض مقدسة، وأرض بقية الاسلام، وأرض الجهاد، فقال: (كيف بك إذا أخرجوك منها)؟

قال: فقلت: أرجع إلى المسجد، قال: (كيف تصنع إذا أخرجوك منه) قلت: آخذ سيفي فأضرب به، فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله:

(ألا أدلك على خير من ذلك انسق معهم حيث ساقوك، وتسمع وتطيع) فسمعت وأطعت، وأنا أسمع وأطيع، والله ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبي، وكان يقول بالربذة ما ترك الحق لي صديقا، وكان يقول فيها:

ردني عثمان بعد الهجرة أعرابيا.

والأخبار في هذا الباب أكثر من أن نحصرها. وأوسع من أن نذكرها. وما يحمل نفسه على ادعاء أن أبا ذر خرج مختارا إلى الربذة إلا مكابر، ولسنا ننكر أن يكون ما أورده صاحب الكتاب من أنه خرج مختارا قد روي، إلا أنه من الشاذ النادر، وبإزاء هذه الرواية الفذة كل الروايات التي تتضمن خلافها ومن تصفح الأخبار علم أنها غير متكافئة على ما ظن صاحب الكتاب، وكيف يجوز خروجه عن تخيير؟ وإنما أشخص من الشام على الوجه الذي أشخص عليه من خشونة المركب، وقبح السير به للوجد عليه، ثم لما قدم منع الناس من كلامه، وأغلظ له في القول، وكل هذا

الصفحة 299
لا يشبه أن يكون أخرجه إلى الربذة باختياره، وكيف يظن عاقل أن أبا ذر يحب أن يختار الربذة منزلا مع جدبها وقحطها وبعدها عن الخيرات؟ ولم يكن بمنزل مثله.

فأما قوله: (إنه أشفق عليه من أن يناله بعض أهل المدينة بمكروه، من حيث كان يغلظ له القول) فليس بشئ يعول عليه لأنه لم يكن في أهل المدينة إلا من كان راضيا بقوله، عاتبا بمثل عتبه، إلا أنهم كانوا بين مجاهر بما في نفسه، ومخف ما عنده، وما في أهل المدينة إلا من رثى مما حدث على أبي ذر واستفظعه، ومن رجع إلى كتب السير عرف ما ذكرناه.

وأما قوله: (إن عمر أخرج من المدينة نصر بن حجاج) فما بعد ما بين الأمرين، وما كنا نظن أن أحدا يسوي بين أبي ذر وهو وجه الصحابة وعينهم، ومن أجمع المسلمون على توقيره وتعظيمه، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدحه من صدق اللهجة بما لم يمدح به أحدا، وبين نصر ابن الحجاج الحدث الذي كان خاف عمر من افتتان النساء به وبشبابه، ولاحظ له في فضل ولا دين، على أن عمر قد ذم بإخراجه نصر بن الحجاج من غير ذنب كان منه، وإذا كان من أخرج نصر بن الحجاج مذموما، فكيف بمن أخرج مثل أبي ذر رحمه الله تعالى؟!

فأما قوله: (إن الله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله ندبا إلى خفض الجناح، ولين القول للمؤمن والكافر، فهو كما قال، إلا أن هذا أدب كان ينبغي أن يتأدب به عثمان في أبي ذر، ولا يقابله بالتكذيب، وقد قطع الرسول صلى الله عليه وآله على صدقه، ولا يسمعه مكروه الكلام، وإنما هو نصح له، وأهدى إليه عيوبه، وعاتبه على ما لو نزع عنه لكان خيرا له في الدنيا والآخرة، وهذه جملة كافية.


الصفحة 300
قال صاحب الكتاب: (فأما جمعه الناس على قراءة واحدة، فقد بينا أن ذلك من عظيم ما خص (1) بها القرآن، لأنه مع هذا الصنيع قد وقع فيه من الاختلاف، ما وقع، فكيف لو لم يفعل ذلك، ولم لم يكن فيه إلا إطباق الجميع على ما أتاه من أيام الصحابة إلى وقتنا هذا، لكان كافيا).

ثم ذكر ما نسب إليه من تعطيل الحد في الهرمزان وحكي عن أبي علي (إنه لم يكن للهرمزان ولي يطلب بدمه، والإمام ولي من لا ولي له، وللولي أن يعفو كما له أن يقتل، وقد روي أنه سأل المسلمين أن يعفوا عنه فأجابوا إلى ذلك).

قال: (وإنما أراد عثمان * بالعفو عنه ما يعود إلى عز الدين، لأنه خاف أن يبلغ العدو قتله، فيقال قتلوا إمامهم وقتلوا ولده ولا يعرفون الحال في ذلك، فيكون شماتة (2) * وحكي عن الخياط (3) أن عامة المهاجرين أجمعوا على ألا يقاد بالهرمزان، وقالوا: هو دم سفك في غير ولايتك، فليس له ولي يطلب به، وأمره إلى الإمام، فاقبل منه الدية، فذلك صلاح المسلمين).

قال: (ولم يثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يطلبه ليقتله بالهرمزان، لأنه لا يجوز قتل من قد عفى عنه ولي المقتول، وإنما كان يطلبه ليضع من قدره ويصغر من شأنه).

____________

(1) غ " خص ".

(2) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".

(3) حكاية الخياط ساقطة من " المغني ".


الصفحة 301
قال: (ويجوز أن يكون ما روي عن علي عليه السلام أنه قال:

" لو كنت بدل عثمان لقتلته " يعني أنه كان يرى ذلك أقوى في الاجتهاد أو أقرب إلى التشدد في دين الله).

قال: (فأما ما يروون (1) أن عثمان ترك بعد القتل ثلاثة أيام لم يدفن، وجعلهم ذلك طعنا (2) فليس بثابت، ولو صح ذلك لكان طعنا على من لزمه القيام به) وحكي عن أبي علي (أنه لم يمتنع أن يشتغلوا بإبرام البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام خوفا على الاسلام من الفتنة فيؤخر وقته) قال: (وبعيد مع حضور قريش وقبائل العرب وسائر بني أمية ومواليهم أن يترك عثمان فلا يدفن في هذه المدة، ويبعد أن يكون أمير المؤمنين لا يتقدم بدفنه فلو مات في جواره يهودي أو نصراني ولم يكن له من يواريه ما تركه ألا يدفن، فكيف يجوز مثل ذلك في عثمان، وقد روي أنه دفن في تلك الليلة وهو الأولى) قال: (فأما تعلقهم، بأن الصحابة لم تنكر على القوم، ولا دفعت عنه، فقد بينا ما يسقط كل ذلك، وبينا أن الصحيح عن أمير المؤمنين عليه السلام تبرؤه عن (3) قتل عثمان، ولعنه قتلته في البر والبحر، والسهل والجبل (4) وإنما كان يجري من حديثه (5) هذا القول على وجه المجاز، لأنا نعلم أن جميع من كان يقول: نحن قتلناه، لم يقتله، لأن في الخبر أن العدد الكثير كانوا يصرحون بذلك، والذين دخلوا عليه وقتلوه هم نفسان أو ثلاثة وإنما كانوا يريدون بهذا القول احسبوا أنا قتلناه فما بالكم وهذا الكلام لأن الإمام هو الذي يقوم بأمر الدين

____________

(1) غ " ما يروى ".

(2) في المغني " فعلى ما بيناه إن صح كان طعنا على من لزمه القيام به ".

(3) غ " من ".

(4) " السهل والجبل " ساقطة من المغني.

(5) حيث خ ل.


الصفحة 302
في القود وغيره، وليس للخارج عليه أن يطالب بذلك ولم يكن لأمير المؤمنين عليه السلام أن يقتل قتلته، ولو عرفهم ببينة أو إقرار، وميزهم من غيرهم إلا عند مطالبة ولي الدم [ فأما على جهة الابتداء فلم يكن ] (1) والذين كانوا أولياء الدم لم يكونوا يطالبونه، ولا كانت صفتهم صفة من يطالب، لأنهم كلهم، أو بعضهم يدعون أن عليا عليه السلام (2) قتله، وأنه ليس بإمام، ولا يحل لولي الدم مع هذا الاعتقاد أن يطالب بالقود، فلذلك لم يقتلهم [ أمير المؤمنين (3) ] هذا لو صح أنه كان يميزهم. فكيف وذلك غير صحيح.

فأما ما روي عنه من قوله عليه السلام (قتله الله وأنا معه) فإن صح فمعناه مستقيم، يريد أن الله أماته ويميتني (4) معه، وسائر العباد.

ثم قال: (وكيف يقول ذلك وعثمان مات مقتولا من جهة المكلفين).

ثم أجاب: (بأنه وإن قتل فالإماتة من قبله تعالى (2) ويجوز أن يكون ما ناله من الجراح لا يوجب انتفاء الحياة لا محالة، فإذا مات صحت الإماتة (6) على طريق الحقيقة).

يقال له: أما ما اعتذرت به من جمع الناس على قراءة واحدة فقد مضى الكلام عليه مستقصى وبينا أن ذلك ليس تحصينا للقرآن ولو كان

____________

(1) الزيادة من المغني.

(2) لفظة " قتله " ساقطة من نقل ابن أبي الحديد.

(3) الزيادة من المغني.

(4) ش " سيميتني ".

(5) غ " من فعل الله تعالى " (-).

(6) غ " الإضافة ".


الصفحة 303
تحصينا لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يبيح القراءات المختلفة.

وقوله: (لو لم يكن فيه إلا إطباق الجميع على ما أتاه من أيام الصحابة إلى وقتنا هذا) ليس بشئ، لأنا نجد الاختلاف في القراءة والرجوع فيها إلى الحروف مستمرا في جميع الأوقات التي ذكرها إلى وقتنا هذا وليس نجد المسلمين يوجبون على أحد التمسك بحرف واحد، فكيف يدعي إجماع الجميع على ما أتاه عثمان؟

فإن قال: لم أعن بجمعه الناس على قراءة واحدة إلا أنه جمعهم على مصحف زيد، لأن ما عداه من المصاحف كان يتضمن من الزيادة والنقصان مما عداه ما هو منكر.

قيل له: هذا بخلاف ما تضمنه ظاهر كلامك أولا، ولا تخلو تلك المصاحف التي تعدو مصحف زيد من أن تتضمن من الخلاف في الألفاظ والكلم، ما أقر رسول الله صلى الله عليه وآله عليه، وأباح قراءته، فإن كان كذلك، فالكلام في الزيادة والنقصان يجري مجرى الكلام في الحروف المختلفة، وأن الخلاف إذا كان مباحا ومرويا عن الرسول ومنقولا فليس لأحد أن يحظره، وإن كانت هذه الزيادة والنقصان بخلاف ما أنزل الله تعالى، وما لم يبح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تلاوته فهو سوء ثناء على القوم الذين يقرءون بهذه المصاحف كابن مسعود وغيره، وقد علمنا أنه لم يكن منهم إلا من كان علما في القراءة والثقة والإماتة والنزاهة، عن أن يقرأ بخلاف ما أنزل الله، وقد كان يجب أن يتقدم هذا الانكار منه ومن غيره ممن ولي الأمر قبله، لأن إنكار الزيادة في القرآن والنقصان لا يجوز تأخيره.

فأما الكلام في قتل الهرمزان، وفي العدول عن قتل قاتله، واعتذاره من ذلك بما اعتذر به من أنه لم يكن له ولي لأن الإمام ولي من لا ولي له،

الصفحة 304
وله أن يعفو كما له أن يستوفي القود، فليس بشئ لأن الهرمزان رجل من أهل فارس، ولم يكن له ولي حاضر يطالب بدمه وقد كان يجب أن يبذل الانصاف لأوليائه ويؤمنوا متى حضروا حتى إن كان له ولي يطالب حضر وطالب، ثم لو لم يكن له ولي لم يكن عثمان ولي دمه لأنه قتل في أيام عمر فصار عمر ولي دمه، وقد أوصى عمر على ما جاءت به الروايات الظاهرة بقتل ابنه عبيد الله إن لم يقم البينة العادلة على الهرمزان وجفينه أنهما أمرا أبا لؤلؤة غلام المغيرة ابن شعبة بقتله، وكانت وصيته بذلك إلى أهل الشورى، فقال أيكم ولي هذا الأمر فليفعل كذا وكذا مما ذكرناه، فلما مات عمر طلب المسلمون إلى عثمان إمضاء الوصية في عبيد الله بن عمر فدافع عنها، وعللهم، فلو كان هو ولي الدم على ما ذكره، لم يكن له أن يعفو، وأن يبطل حدا من حدود الله تعالى وأي شماتة للعدو في إقامة حدود الله تعالى، وإنما الشماتة كلها من أعداء الاسلام في تعطيل الحدود، وأي حرج في الجمع بين قتل الأب والابن حتى يقال: كره أن ينتشر الخبر بأن الإمام وابنه قتلا، وإنما قتل أحدهما ظلما والآخر عدلا، أو أحدهما بغير أمر الله والآخر بأمر الله تعالى.

وقد روى زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق، عن أبان ابن صالح أن أمير المؤمنين عليه السلام أتى عثمان بعد ما استخلف فكلمه في عبيد الله، ولم يكلمه أحد غيره، فقال: اقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل امرءا مسلما، فقال عثمان: قتلوا أباه بالأمس واقتله اليوم، وإنما هو رجل من أهل الأرض، فلما أبي عليه مر عبيد الله على علي عليه السلام فقال له: (يا فاسق إيه أما والله لئن ظفرت بك يوما من الدهر لأضربن عنقك) فلذلك خرج مع معاوية على أمير المؤمنين عليه السلام.

وروى القناد، عن الحسن بن عيسى بن زيد، عن أبيه، أن

الصفحة 305
المسلمين لما قال عثمان: إني قد عفوت عن عبيد الله بن عمر، قالوا:

ليس لك أن تعفو عنه، قال: بلى إنه ليس لجفينة والهرمزان قرابة من أهل الاسلام، وأنا أولى بهما لأني ولي أمر المسلمين، وقد عفوت فقال علي عليه السلام: " أنه ليس كما تقول إنما أنت في أمرهما بمنزلة أقصى المسلمين، وإنما قتلهما في إمرة غيرك، وقد حكم الوالي الذي قبلك الذي قتلا في إمارته بقتله، ولو كان قتلهما في إمارتك، لم يكن لك العفو عنه، فاتق الله فإن الله سائلك عن هذا " فلما رأى عثمان أن المسلمين قد أبوا إلا قتل عبيد الله أمره فارتحل إلى الكوفة وابتنى بها دارا وأقطعه أرضا، وهي التي يقال لها كويفة (1) بن عمر فعظم ذلك عند المسلمين وأكبروه وكثر كلامهم فيه.

وروي عن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: ما أمسى عثمان يوم ولي حتى نقموا عليه في أمر عبيد الله ابن عمر، حيث لم يقتله بالهرمزان.

فأما قوله: (إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يطلبه ليقتله، بل ليضع من قدره) (2) فهو بخلاف ما صرح به عليه السلام من أنه لم يكن إلا لضرب عنقه.

وبعد فإن ولي الدم إذا عفى عنه على ما ادعوا لم يكن لأحد أن يستخف به، ويضع من قدره، كما ليس له أن يقتله.

____________

(1) ما تقدم من كلام القاضي في هذا الباب نقله المرتضى بحذف ما لا يخل بالمعنى أو لا يرى طائلا في نقله ولا حاجة في إيراده (انظر المغني ج 2 ق 2 / 54 - 57).

(2) في معجم البلدان 7 / 304: كويفة ابن عمر منسوبة إلى عبيد الله بن عمر بن الخطاب، نزلها حين قتل بنت أبي لؤلؤة والهرمزان، وجفينة العبادي.


الصفحة 306
وقوله: (إن أمير المؤمنين عليه السلام لا يجوز أن يتوعده مع عفو الإمام عنه) فإنما يكون صحيحا لو كان ذلك العفو مؤثرا وقد بينا أنه غير مؤثر.

وقوله: (يجوز أن يكون عليه السلام ممن يرى قتله أقوى في الاجتهاد، وأقرب إلى التشدد في دين الله) فلا شك أنه كذلك. وهذا بناء منه على أن كل مجتهد مصيب، وقد بينا أن الأمر بخلاف ذلك. وإذا كان اجتهاد أمير المؤمنين عليه السلام يقتضي قتله فهو الذي لا يسوغ خلافه.

وأما تضعيفه أن يكون عثمان ترك بعد القتل ثلاثة أيام لم يدفن ليس بحجة لأن ذلك قد رواه جماعة الرواة وليس يخالف في مثله أحد يعرف الرواية به. وقد ذكر ذلك الواقدي وغيره، وروي أن أهل المدينة منعوا الصلاة عليه حيث حمل حتى حمل بين المغرب والعشاء، ولم يشهد جنازته غير مروان وثلاثة من مواليه ولما أحسوا بذلك رموه بالحجارة، وذكروه بأسوء الذكر، ولم يقع التمكن من دفنه إلا بعد أن أنكر أمير المؤمنين عليه السلام المنع من دفنه وأمر أهله بتولي ذلك منه.

فأما قوله: (إن ذلك إن صح كان طعنا على من لزمه القيام بأمره) فليس الأمر على ما ظنه بل يكون طعنا عليه من حيث لا يجوز أن يمنع أهل المدينة، وفيها وجوه الصحابة من دفنه والصلاة عليه إلا لاعتقاد قبيح، ولأن أكثرهم وجمهورهم يعتقد ذلك. وهذا طعن لا شبهة فيه واستبعاد صاحب الكتاب لذلك، مع ظهور الرواية لا يلتفت إليه، فأما أمير المؤمنين عليه السلام واستبعاد صاحب الكتاب منه ألا يتقدم بدفنه، فقد بينا أنه تقدم بذلك بعد مماكسة ومراوضة (1).

____________

(1) غ " بعد مماكسته ومراوضته " وما في المتن أوجه.


الصفحة 307
وأعجب من كل شئ قول صاحب الكتاب: (إنهم أخروا دفنه تشاغلا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام) وأي شغل في البيعة يمنع من دفنه، والدفن فرض على الكفاية إذا قام به البعض وتشاغل الباقون بالبيعة لجاز، وليس الدفن ولا البيعة مفتقرة إلى تشاغل جميع المدينة بها، وبهذا الكلام من الضعف ما لا يخفى على متأمل.

فأما قوله: (إنه روي أن عثمان دفن في تلك الليلة) فما نعرف هذه الرواية، وقد كان يجب أن يسندها ويعزوها إلى راويها، والكتاب الذي أخذها منه، والذي ظهر في الرواية هو ما ذكرناه.

فأما إحالته على ما تقدم من كلامه في أن الصحابة لم تنكر على القوم [ المجلبين على عثمان (1) ] فقد بينا فساد ما أحال عليه ولا معنى لإعادته.

فأما روايته عن أمير المؤمنين تبروءه من قتل عثمان، ولعنه قتلته في البر والبحر والسهل والجبل، فلا شك في أنه عليه السلام كان بريئا من قتله، وقد روي أنه قال: " والله ما قتلته ولا مالأت في قتله " والممالاة هي المعاونة والموازرة، وقد صدق عليه السلام في أنه ما قتل ولا وازر على القتل.

فأما لعنه قتلته، فضعيف في الرواية، وإن كان قد روى فأظهر منه ما رواه الواقدي عن الحكم بن الصلت، عن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه، قال: رأيت عليا عليه السلام على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قتل عثمان، وهو يقول: " ما أحببت قتله ولا كرهته ولا

____________

(1) ما بين الحاصرتين من (شرح نهج البلاغة).


الصفحة 308
أمرت به ولا نهيت عنه " وقد روى محمد بن سعد عن عفان عن جوين بن بشير عن أبي جلدة أنه سمع عليا عليه السلام يقول وهو يخطب فذكر عثمان وقال: " والله الذي لا إله إلا هو ما قتلته ولا مالأت على قتله، ولا سائني " ورواه ابن بشير عن عبيدة السلماني قال سمعت عليا عليه السلام يقول: " من كان سائلي عن دم عثمان فإن الله قتله وأنا معه " وقد روي هذا اللفظ من طرق كثيرة، وقد روى شعبة عن أبي حمزة الضبعي قال:

قلت لابن عباس: إن أبي أخبرني أنه سمع عليا عليه السلام يقول:

" ألا من كان سائلي عن دم عثمان، فإن الله قتله وأنا معه " فقال: صدق أبوك، هل تدري ما يعني بقوله، إنما عني أن الله قتله وأنا مع الله؟.

فإن قيل: كيف يصح الجمع بين معاني هذه الأخبار؟

قلنا: لا تنافي بين الجميع لأنه تبرأ من مباشرة قتله والمؤازرة عليه، ثم قال: " ما أمرت بذلك ولا نهيت عنه " يريد أن قاتليه لم يرجعوا إلي ولم يكن مني قول في ذلك ولا نهي.

فأما قوله: " الله قتله وأنا معه " فيجوز أن يكون المراد الله حكم بقتله وأوجبه وأنا كذلك لأن من المعلوم أن الله لم يقتله على الحقيقة، فإضافة القتل إلى الله لا تكون إلا بمعنى الحكم والرضا، وليس يمنع أن يكون مما حكم الله به ما لم يتوله بنفسه، ولا آزر عليه، ولا شايع فيه.

فإن قال: هذا ينافي ما روي عنه " ما أحببت قتله ولا كرهته " وكيف يكون من حكم الله وفي حكمه بأن يقتل وهو لا يحب قتله.

قلنا يجوز: أن يريد بقوله: ما أحببت قتله ولا كرهته، أن ذلك لم يكن مني على سبيل التفصيل ولا خطر لي ببال، وإن كان على سبيل الجملة يجب قتل من غلب على أمور المسلمين، وطالبوه بأن يعزل لأنه بغير حق

الصفحة 309
مستول عليهم، فامتنع من ذلك ويكون فائدة هذا الكلام التبروء من مباشرة قتله، والأمر به على سبيل التفضيل، أو النهي، ويجوز أن يريد إنني ما أحببت قتله إن كانوا تعمدوا القتل، ولم يقع على سبيل الممانعة، وهو غير مقصود ويريد بقوله: ما كرهته، إني لم أكرهه على كل حال ومن كل وجه.

فأما لعنه قتلته فقد بينا أن ذلك ليس بظاهر ظهور ما ذكرناه، فإن صح وهو مشروط بوقوع القتل على الوجه المحظور من تعمد له، وقصد إليه وغير ذلك، على أن المتولي للقتل على ما صحت به الرواية كنانة بن بشير التجيبي (1) وسودان بن حمران المرادي (2) وما منهما من كان غرضه في القتل صحيحا، ولا له أن يقدم عليه فهو ملعون به.

فأما محمد بن أبي بكر فما تولى قتله، وإنما روي أنه لما جثا بين يديه قابضا على لحيته، قال يا ابن أخي دع لحيتي فإن أباك لو كان حيا لم يقعد مني هذا المقعد، فقال محمد: إن أبي لو كان حيا ثم رآك تعمل هذا العمل لأنكره عليك، ثم وجأه بجماعة قداح كانت في يده فخزت في جلده، ولم تقطع وبادره من ذكرناه بما كان فيه القتل.

فأما تأول صاحب الكتاب ما روي من قوله عليه السلام: " الله قتله وأنا معه " على (أن المراد به الله أماته وسيميتني معه) فبعيد من الصواب لأنه لفظة " أنا " لا تكون كناية عن المفعول وإنما تكون كناية عن

____________

(1) كنانة بن بشير التجيبي له إدراك شهد فتح مصر وقتل بفلسطين سنة 36 (انظر الإصابة حرف الكاف ق 1).

(2) سودان بن حمران المرادي (ممن شرك في قتل عثمان رضي الله عنه (انظر التاريخ لابن الأثير 3 / 155 و 158 و 178.


الصفحة 310
الفاعل، ولو أراد ما ذكره لكان يقول: وإياي معه، وليس له أن يقول إنما يجعل قوله وأنا معه مبتدأ محذوف الخبر، ويكون تقدير كلامه وأنا معه مقتول، وذلك لأن هذا ترك للظاهر، وإحالة على ما ليس فيه، والكلام إذا أمكن حمله على معنى يستقبل ظاهره به من غير تقدير وحذف كان أولى مما يتعلق بمحذوف، على أنهم إذا جعلوه مبتدأ وقدروا خبرا لم يكونوا بأن يقدروا ما يوافق مذهبهم بأولى من تقدير خلافه، وجعل بدلا من لفظ المقتول المحذوف لفظ معين أو ظهير فإذا تكافأ القولان في التقدير وتعارضا سقطا ووجب الرجوع إلى ظاهر الخبر على أن عثمان مضى مقتولا، وكيف يقال: إن الله أماته، والقتل كاف في انتقام الحياة، وليس يحتاج معه إلى ناف لحياة يسمى موتا.

وقول صاحب الكتاب: (ويجوز أن يكون ما ناله من الجراح لا يوجب انتفاء الحياة) فليس ذلك بجائز لأن المروي أنه ضرب على رأسه بعمود حديد عظيم، وأن أحد قتلته قال: جلست على صدره فوجأته تسع وجاءات (1) علمت أنه مات في ثلاث منهن، ولكن وجأته الست الأخر لما كان في نفسي عليه من الحنق والغيظ.

وبعد، فإذا كان ذلك جائزا من أين علمه أمير المؤمنين عليه السلام حتى يقول: الله أماته وإن الحياة لم تنتف بما فعلت القتلة، وإنما انتفت بشئ زاد على فعلهم من قبل الله تعالى مما لا يعلمه على التفصيل إلا الله علام الغيوب تعالى وهذا واضح لمن تأمله (2).

____________

(1) ش " طعنات ".

(2) كلام القاضي في أمر عثمان (رض) ورد المرتضى عليه، نقله ابن أبي الحديد عن الشافي في شرح نهج البلاغة ج 2 / 324 فما بعدها و ج 3 ص 3 - 69 ولكنه قطع كلام القاضي فصولا جعل في قبال كل فصل نقض المرتضى له مع اختلاف في بعض الحروف والكلمات.


الصفحة 311

 

فصل
في تتبع كلامه في إثبات إمامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه


إعلم إنا وإن كنا نقول بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام على استقبال وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى حين وفاته هو عليه السلام فعندنا أن من لم يسلك في إمامته طريقتنا، ولم يعتمد أدلتنا، فإن إمامته لا تثبت له، وصاحب الكتاب إنما اعتمد في هذا الفصل على أن من بايعه واحد برضا أربعة على الصفات التي ذكرها كان إماما، وإن لم تجتمع الأمة على الرضا به، وهذه الطريقة مما قد بينا فسادها فيما تقدم، فيجب فساد ما فرعه عليها، وليس يمكنه أن يدعي الإجماع على إمامته، وإنما الخلاف في ذلك ظاهر، وإذا كان ما ذكره من الطريقة ليس بصحيح، والاجماع غير ثابت، فلم يبق في يد من نفى النص عن أمير المؤمنين عليه السلام من إمامته شئ، ثم ذكر في هذا الفصل عن أبي جعفر الإسكافي رحمه الله (1) من شرح ما وقعت عليه البيعة، وأن طلحة والزبير بايعا طائعين

____________

(1) نقل القاضي ذلك من كتاب المقامات لأبي جعفر الإسكافي (انظر المغني 20 ق 2 / 65 - 68، وأبو جعفر الإسكافي: هو محمد بن عبد الله من أكابر علماء المعتزلة ومتكلميهم صنف سبعين كتابا في الكلام ومن كتبه كتاب " المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام، وهو الذي نقض كتاب " العثمانية " لأبي عثمان الجاحظ وقد لخص الكتابين ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13 / 215 - 295، وكان يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد، توفي الإسكافي سنة 240 وقد طبعت رسالة العثمانية في دار الكتاب العربي بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون والحق به بعض ما عثر عليه من نقض الإسكافي لها.


الصفحة 312
راغبين فالرواية بخلافه، فإن الواقدي روى في كتاب الجمل من طرق مختلفة:

إن أمير المؤمنين عليه السلام لما قتل عثمان خرج إلى موضع يقال له بئر سكن وطلحة والزبير معه لا يشكان الأمر شورى، فقام الأشتر مالك بن الحارث النخعي فطرح عليه خميصة (1) وقال: هل تنتظرون من أحد وأخذ السيف، ثم قال يا علي: أبسط يدك فبسط يده فبايعه، ثم قال: قوموا فبايعوا، قم يا طلحة، قم با زبير، والله لا ينكل منكما، أحد إلا ضربت عنقه تحت قرطه فقاما وبايعا.

وفي بعض الروايات عن عبد الله بن الطفيل أن طلحة قام ليبايع، وأنا أنظر إليه يجر رجليه، فكان أول من بايع، ثم انصرف هو والزبير يقولان:

" إنما بايعناه واللج على رقابنا فأما الأيدي فقد بايعت، وأما القلوب فلم تبايع ".

وروى الواقدي بإسناده عن المنذر بن جهم قال: سألت عبد الله بن تغلبة:

كيف كانت بيعة علي عليه السلام؟

قال: أرأيت بيعة رأسها الأشتر، يقول: من لم يبايع ضربت عنقه وحكيم بن جبلة وذووهما، فما ظنك بها، ثم قال: أشهد لرأيت الناس يجرون إلى بيعته

____________

(1) الخميصة: ثوب من خز أو صوف ولا تكون خميصة إلا أن تكون سوداء، معلمة وجمعها الخمائص.


الصفحة 313
فيعثرون، فيؤتى بهم فيضربون ويعنفون، فبايع من بايع، وانفلت من انفلت (1).

وروى الواقدي بإسناده عن سعيد بن المسيب (2) أنه قال لقيت سعيد ابن زيد (3) فقلت: بايعت؟ فقال: ما أصنع إن لم أفعل قتلني الأشتر، وقد روي من طرق مختلفة أن ابن عمر لما طولب بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام قال: لا والله لا أبايع حتى تجتمع الأمة، فأفرج عنه، ولو كان الأمر على ما يراه المخالفون، لوجب أن يقول له: أليس الإجماع معتبرا في عقد الإمامة ولا اعتبرتموه في عقد إمامة أحد ممن تقدمني فتعتبرونه في العقد وفي بعض من عقد لي كفاية، وفي عدوله عن أن يقول ذلك لابن عمر ونظرائه وتهاونه بهم، وتمكينه من تهديد طلحة والزبير وحملهما على البيعة دلالة على أنه عليه السلام لم يعتبر في صحة إمامته بالبيعة، وإنما كانت ثابتة بالنص المتقدم.

____________

(1) غ " وانقلب من انقلب " خ ل.

(2) سعيد بن المسيب ولد لسنتين من خلافة عمر، ورباه علي عليه السلام لأن جده أوصى به إليه، ويعد سعيد من كبار التابعين جمع بين الحديث والفقه وسمع جماعة من الصحابة، وأكثر روايته المسندة عن أبي هريرة وكان زوج ابنته، واتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، واضطربت كلمات علماء الإمامية فيه، فبعضهم يرى أنه شديد الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام، وبعضهم يرى أنه من حواري زين العابدين عليه السلام، وثقاة أصحابه، وكل ما صدر عنه من قول يوهم الخلاف والانحراف إنما صدر إبقاء على نفسه، وإبعادا لها عن التهمة بالتشيع (انظر إتقان المقال 3 / 36) توفي بالمدينة واختلف في سنة وفاته على أقوال هي بين 92 و 150 والمسيب - بفتح الياء - وكان سعيد يكسرها ويقول: سيب الله من سيب أبي (مصادر نهج البلاغة 4 / 66).

(3) العدوي، تقدمت ترجمته.


الصفحة 314
فأما قول صاحب الكتاب في هذا الفصل: (إن تخلف ابن عمرو سعد ومحمد بن مسلمة عن البيعة لم يكن على سبيل الخلاف، وإنما كرهوا قتال المسلمين، ولم يتشدد أمير المؤمنين صلوات الله عليه عليهم، بل تركهم (1) فليس بصحيح لأن المروي المعروف أن بعضهم اعتذر بحديث القتال، وبعضهم التمس أن تكون البيعة بالاجماع، ويكون الاختيار بعد الشورى، وإجالة الرأي وليس الامتناع من المقاتلة، بموجب أن يمتنعوا من البيعة، وقد كان يجب أن يبايعوه ولا يمتنعوا من الدخول فيما وجب عليهم عند صاحب الكتاب الدخول فيه، فإذا التمس منهم القتال اعتذروا وامتنعوا، وإن كانت البيعة تشتمل على القتال وغيره. فقد كان يجب أن يبايعوا ويستثنوا القتال، وفي ترك أمير المؤمنين عليه السلام حملهم على الواجب في هذا الباب وإظهار التهاون بهم. وقلة الفكر فيهم، دلالة على ما قدمناه من أن بيعته لم تنعقد بالاختيار.

فأما تعاطي صاحب الكتاب في هذا الفصل إبطال قول من ادعى في ثبوت الإمامة مراعاة الإجماع فلو صح لم يكن نافعا له، لأنه إذا بطل بما ذكره مراعاة الإجماع، وبطل بما ذكرناه مراعاة العدد المخصوص الذي بينه فيجب أن يكون ذلك دليلا على فساد الاختيار، وعلما على أن الإمامة لا تثبت إلا بالنص فكيف وما ذكره غير صحيح؟ ويمكن من راعى الإجماع في الإمامة أن يطعن في قوله أنه لو كان لا يثبت عقد الإمامة إلا بالإجماع لا يتم أبدا لأن الناس يختلفون في المذاهب وبعضهم يكفر بعضا، ويفسقه ولا يرضى كل فريق بما يختاره الآخر بأن يقول الإجماع المعتبر هو إجماع أهل الحق والمؤمنين، ولا اعتبار بالكفار ولا بالفساق إذا كانوا ليسوا

____________

(1) المغني 20 ق 2 / 68.