الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

فصل
في اعتراض كلامه في إمامة عثمان


إعلم أن كل شئ بينا به فيما تقدم أن أبا بكر وعمر لا يصلحان للإمامة من ارتفاع العصمة، وكونهما مفضولين، وفقد القدر من العلم المحتاج إليه في الإمامة يدل على أن عثمان لا يصلح لها، لأن الكلام في الكل واحد وما مضى من الكلام فيما يدعي من الفضائل كاف أيضا في هذا الموضع إلا التزويج خاصة، فإنه لم يجر فيه كلام يخصه، وإن جرى فيما يقاربه ويشبهه عند كلامنا في تزويجه بعائشة مع علمه بما سيكون منها في المستقبل، والأمر فيه مع ذلك ظاهر واضح، فإن تزويجه عليه السلام أكثر ما يدل على سلامة ظاهره، وليس يدل على ما نعتبره في الإمامة من الخصال كلها، فما في تزويجه من الدلالة على صلاحه للإمامة.

فإن قيل: إذا كان جحد النص كفرا عندكم، وكان الكافر على مذاهبكم لا يجوز أن يتقدم منه إيمان ولا إسلام، والنبي صلى الله عليه وآله عالم بكل ذلك فكيف يجوز أن ينكح ابنته من يعرف من باطنه خلاف الإيمان.

قلنا: قد مضى في الكتاب الكلام على نظير هذا المعنى وجملته أنه ليس كل من قال بالنص على أمير المؤمنين عليه السلام يكفر دافعيه، ولا كل من

الصفحة 224
كفر دافعيه يقول بالموافاة وأن الموافي بالكفر لا يجوز أن يتقدم منه إيمان، ومن قال بالأمرين لا يمتنع أن يجوز كون النبي صلى الله عليه وآله غير عالم بحال دافعي النص على سبيل التفصيل، فإذا علم ذلك علم ما يوجب تكفيرهم ومتى لم يعلم جوز أن يتوبوا كما يجوز أن يموتوا على حالهم، وذلك يمنع القطع في الحال على كفرهم، وإن أظهروا الاسلام، ثم لو ثبت أنه صلى الله عليه وآله كان يعلم التفصيل والعاقبة وكل شئ جوزنا أن لا يعلمه لكان ممكن أن يكون تزويجه قبل هذا العلم، ولو كان تقدم له العلم لما زوجه فليس معنا في العلم إذا ثبت تاريخ فأما ذكره في هذا الفصل من الشورى وبيعة عبد الرحمن فقد مضى الكلام على ذلك فإنه وقع على سبيل الخداع والمكر واستقصيناه.


الصفحة 225

 

فصل
في اعتراض كلامه على الطاعنين على عثمان باحداثه


إعلم أن هذا الباب مما لا يلزمنا الكلام عليه لأن إمامة الرجل لم تثبت عندنا وقتا من الأوقات فتؤثر في فسخها الأحداث المتجددة، وإنما يختص هذا الفصل بمن قال بإمامته قبل أحداثه، رجع عنها عند وقوع أحداثه، وهم الخوارج ومن وافقهم غير أنا نتكلف الكلام على ذلك، ونبين أن إمامته لو صحت فيما سلف لكان أحداثه ومتجدداته تبطلها وتفسخها.

قال صاحب الكتاب: (الأصل في هذا الباب أن من ثبتت عدالته، ووجوب توليه، إما على القطع وإما على الظاهر فغير جائز أن يعدل فيه عن هذه الطريقة إلا بأمر متيقن يقتضي العدول، يبين ذلك أن من شاهدناه على ما يوجب الظاهر توليه وتعظيمه يجب أن نبقى فيه على * هذه الطريقة وإن غاب عنا، وقد عرفنا أن مع الغيبة يجوز أن يكون مستمرا (1) * على حالته ويجوز أن يكون مستقلا ولم يقدح هذا التجويز في وجوب ما ذكرناه) ثم ذكر بعد أن أكد هذا الكلام وحققه (إن الحدث

____________

(1) كل عبارة تحت هذا الرقم وبين نجمتين ساقطة من " المغني ".


الصفحة 226
الذي يوجب الانتقال عن التولي والتعظيم إذا كان من باب يحتمل لم يجر الانتقال له) وأطنب في تشييد ذلك إلى أن قال: (إن الأحوال المتقررة في النفوس بالعادات والأحوال المعروفة فيمن يتولاه (1) ربما يكون أقوى في باب الإمارة من الأمور المتجددة (2) واستشهد بأن مثل فرقد السبخي (3) ومالك بن دينار (4) لو شوهدا في دار فيها منكر لقوي في الظن حضورهما للتغيير والنكير، أو على وجه الاكراه والغلط، ولو كان الحاضر هناك من علم من حاله الاختلاط بالمنكر ليجوز حضوره للفساد، بل كان ذلك هو الظاهر من حاله (5) وأشبع في ذلك الأمثال في هذا الباب ثم قال:

(واعلم أن الكلام فيما يدعي من الحدث والتغيير فيمن ثبت توليه قد يكون من وجهين، أحدهما هل (6) علم ذلك أم لا والثاني مع يقين حصوله هل هو حدث يؤثر في العدالة أم لا؟ ولا فرق بين أن لا يكون حادث أصلا وبين أن يعلم حدوثه، ويجوز أن لا يكون حدثا (7))، ثم ذكر إن كل واقع يحتمل لو أخبر الفاعل أن فعله على أحد الوجهين، وكان ممن يغلب على الظن صدقه، لوجب تصديقه، فإذا عرف من حالة المتقررة في النفوس ما يطابق ذلك (8) جرى مجرى الاقرار بل ربما كان أقوى وقال:

____________

(1) غ " من حال من يتولاه في باب كونه إمارة ".

(2) غ " المتجددة أو المقارنة " المغني 20 ق 2 / 23 والزيادة بين المعقوفين منه.

(3) فرقد بن يعقوب السبخي نسبة إلى السبخة موضع بالبصرة يعد من زهاد البصرة مات سنة 131.

(4) مالك بن دينار يعد من الزهاد والوعاظ روى عن أنس بن مالك والحسن وابن سيرين توفي سنة 130.

(5) المغني 20 ق 2 / 34.

(6) غ " هل حدث ".

(7) غ " فيجب أن يجري في النفوس خلاف ذلك فيه " المغني 20 ق 2 / 35.

(8) غ " فيجب ".


الصفحة 227
(ومتى لم نسلك هذه الطريقة في الأمور المشتبهة لم يصح في أكثر من نتولاه ونعظمه أن يسلم حاله عندنا، واستشهد بأنا لو رأينا من نظن به الخير يكلم امرأة حسناء في الطريق لكان ذلك من باب المحتمل فإذا كان لو أخبر أنها أخته أو امرأته لوجب أن لا نحول من توليه فكذلك إذا كان قد (1) تقدم في النفوس ستره وصلاحه، فالواجب أن نحمل على هذا الوجه) ثم قسم الأفعال إلى محتمل وما له ظاهر وشرح ذلك شرحا لا معنى لحكايته، ثم ذكر (إن قول الإمام له مزية في هذا الباب لأنه أكد من غيره) وذكر (إن ما ينقل عن الرسول وإن لم يكن مقطوعا به، ويؤثر في هذا الباب ويكون أقوى مما تقدم) ثم ابتدأ بذكر أحداث عثمان قال: (فمن ذلك قولهم: إنه ولى أمور المسلمين من لا يصلح لذلك. ولا يؤتمن عليه، ومن ظهر منه الفسق والفساد، ومن لا علم له مراعاة الحرمة والقرابة، وعدولا عن مراعاة حرمة الدين، والنظر للمسلمين، حتى ظهر ذلك منه وتكرر، وقد كان عمر حذر من ذلك فيه من حيث وصفه بأنه كلف (2) بأقاربه وقال له: إذا وليت هذا الأمر تسلط بني أبي معيط على رقاب الناس، فوجد منه ما حذره، وعوتب في ذلك فلم ينفع العتب فيه، وذلك نحو استعمال الوليد بن عقبة (3) وتقليده إياه حتى ظهر منه شرب الخمر، واستعماله سعيد بن العاص (4) حتى ظهرت منه من الأمور التي عندها أخرجه

____________

(1) غ " تقرر ".

(2) كلف بأقاربه أي مولع بهم، والكلام أورده الزمخشري في الفائق 2 / 420 وفي غ " كلف بأقاربه " ولا ريب أنه تحريف.

(3) الوليد بن عقبة بن أبي معيط - بضم الميم - أخو عثمان لأمه أسلم يوم الفتح، نشأ في كنف عثمان إلى أن استخلف فولاه الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص سنة 25 وعزل سنة 29 بسبب شربه الخمر (انظر الإصابة ق 1 حرف الواو بترجمته).

(4) سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص الأموي من أشراف قريش وأجوادهم وفصحائهم وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان واستعمله على الكوفة بعد الوليد بن عقبة (انظر أسد الغابة 2 / 310).


الصفحة 228
أهل الكوفة، وتولية عبد الله بن سعد بن أبي (1) سرح وعبد الله ابن عامر بن كريز (2) وحتى يروى عنه في أمر ابن أبي سرح أنه لما تظلم منه أهل مصر، وصرفه عنهم بمحمد بن أبي بكر كاتبه بأن يستمر على ولايته، فأبطن خلاف ما أظهر وهذا طريقة من غرضه خلاف الدين، ويقال أنه كاتبه بقتل محمد بن أبي بكر وغيره ممن يرد عليه، وظفر بذلك الكتاب، ولذلك عظم التظلم من بعد وكثر الجمع، وكان سبب الحصار والقتل، وحتى كان من أمر مروان وتسلطه عليه * وعلى أمور ما قتل بسبه وذلك ظاهر لا يمكن دفعه ومن * (3) ذلك رده الحكم ابن أبي العاص إلى المدينة، قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله سيره وطرده، وامتنع أبو بكر وعمر من رده فصار بذلك مخالفا للسنة، ولسيرة من تقدمه، مدعيا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاملا بدعواه من غير بينة [ وفي دون هذا يطعن في حاله (4) ] ومن ذلك أنه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة التي هي

____________

(1) عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أسلم قبل الفتح وهاجر واستكتبه رسول الله صلى الله عليه وآله فيمن استكتبهم فكان يحرف ما يمليه عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ارتد ورجع إلى مكة فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله في جماعة سماهم ولو وجدوا تحت أستار الكعبة فغيبه عثمان - وكان أخاه من الرضاعة - ثم أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله العفو عنه فصمت رسول الله صلى الله عليه وآله طويلا ثم قال: نعم، فلما انصرف عثمان قال صلى الله عليه وآله لمن حوله: (ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه) فقال رجل من الأنصار فهلا أومأت إلي يا رسول الله قال: (إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين) ولاه عثمان مصر وبسوء سيرته ثار المصريون على عثمان ثم لم يبايع عليا عليه السلام وانضم إلى معاوية يوم صفين وتوفي بعسقلان سنة 59 أسد الغابة 3 / 172.

(2) عبد الله بن عامر بن كريز ولاه عثمان البصرة بعد أبي موسى الأشعري وهو ابن خمس وعشرين سنة (انظر طبقات ابن سعد 5 / 30).

(3) ما بين النجمتين ساقط من المغني.

(4) الزيادة من المغني.


الصفحة 229
عدة للمسلمين (1) نحو ما روي أنه دفع إلى أربعة أنفس من قريش زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار، وأعطى مروان مائة ألف على فتح إفريقية * ويروى خمس إفريقية * (2) وغير ذلك وهذا بخلاف سيرة من تقدم (3) في القسمة على الناس بقدر الاستحقاق وإيثار الأباعد على الأقارب (4) ومن ذلك أنه حمى الحمى على المسلمين مع إنه عليه السلام جعلهم سواء في الماء والكلاء، وأعطى من بيت مال الصدقة المقاتلة وغيرها وذلك مما لا يحل في الدين وجلد (5) بالسوط وقد كان من قبله يقع الضرب بالدرة، ومن ذلك أنه أقدم على كبار الصحابة بما لا يحل نحو إقدامه على ابن مسعود عندما أحرق المصاحف وإقدامه على عمار حتى روي أنه صار به فتق، وكان أحد من ظاهر المتظلمين (6) على قتله ويقول: قتلنا كافرا، وأقدم على أبي ذر مع تقدمه حتى سيره إلى الربذة ونفاه، بل قد روي أنه ضربه، ثم من عظيم ما أقدم عليه من جمعه الناس على قراءة زيد وإحراقه المصاحف، وإبطاله ما شك (7) أنه منزل من القرآن، وأنه مأخوذ عن الرسول * عليه السلام ولو كان مما يسوغ لسبق إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولفعله أبو بكر * (2) وعمر ثم عطل الحدود الواجبة

____________

(1) غ " وهي من صدقة المسلمين ".

(2) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".

(3) غ " وقد كان من سيرة أبي بكر وعمر ".

(4) غ " وإيثاره الأقارب وتقديمهم في العطاء ".

(5) غ " وحده ".

(6) المسلمين، خ ل.

(7) غ " لما شك ".


الصفحة 230
به، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يطلبه قالوا: ولم لم يكن كل ما (1) قلنا أو بعضه يوجب خلعه، والبراءة منه، لوجب أن يكون الصحابة تنكر على من قصده من البلاد متظلما مما فعلوه، وأقدموا عليه، وقد علمنا أن بالمدينة المهاجرين والأنصار وكبار الصحابة لم ينكروا ذلك، بل أسلموه ولم يدفعوا عنه، بل أعانوا (2) قاتليه ولم يمنعوا من قتله وحصره، ومنع الماء منه مع إنهم متمكنون من خلاف ذلك، وذلك أقوى الدليل على ما قلناه فلو لم يكن في أمره إلا ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: الله قتله وأنا معه كالحد في عبيد الله بن عمر (3) فإنه قتل الهرمزان (4) بعد إسلامه فلم يقده

____________

(1) غ " على ما قلناه ".

(2) غ " أعانوا عليه ".

(3) غ " لأنه ".

(4) الهرمزان: زعيم من زعماء الفرس وقائد من قادتهم أتي به أسيرا بعد انتصار المسلمين في القادسية فعرض عليه عمر الاسلام فأبي فأمر بقتله، فلما عرض عليه السيف قال: لو أمرت لي يا أمير المؤمنين بشربة من ماء فهو خير من قتلي على ظمأ، فأمر له بها فلما صار الإناء بيده قال: أنا آمن حتى أشرب؟ قال: نعم فألقى الماء من يده، وقال: الوفاء - يا أمير المؤمنين - نور أبلج فقال: لك التوقف حتى أنظر في أمرك ارفعا عنه السيف، فلما رفع عنه قال: الآن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وما جاء به حق من عنده فقال له عمر: ويحك أسلمت خير إسلام فما أخرك قال: خشيت أن يقال إن إسلامي إنما كان جزعا من الموت فقال عمر: إن لفارس حلوما بها استحقت ما كانت فيه من الملك ثم كان عمر يشاوره بعد ذلك في إخراج الجيوش إلى أرض فارس ويعمل برأيه (العقد الفريد 1 / 125 و 2 / 171) قال ابن كثير: " وحسن إسلام الهرمزان فكان لا يفارق عمر " فلما قتل عمر اتهم الهرمزان بممالاة أبي لؤلؤة فجاءه عبيد الله بن عمر فقال: اصحبني ننظر إلى فرس لي - وكان الهرمزان بصيرا بالخيل - فخرج بين يدي عبيد الله فعلاه بالسيف فقتله، ثم قصد عبيد الله إلى جفينة - وهو رجل ذمي من النصارى من أهل الحيرة أقدمه سعد بن أبي وقاص المدينة ليعلم الناس الكتابة - فقتله، ثم قصد ابنة أبي لؤلؤة وهي طفلة صغيرة فقتلها وقد أعظم المسلمون فعله فحبس حتى يتم الاستخلاف فلما بويع عثمان استشار المسلمين في أمره فأشار عليه علي عليه السلام بقتله، وقال آخرون بالأمس قتل عمر واليوم تتبعوه بابنه فخلى عثمان سبيله، فلما بويع علي عليه السلام طلبه ليقتص منه فهرب إلى معاوية فكان معه إلى قتل بين يديه يوم صفين (انظر مصادر نهج البلاغة وأسانيده 3 / 274).


الصفحة 231
وكان في أصحابه من يصرح بأنه قتل عثمان ومع ذلك لا يقيدهم، ولا ينكر عليهم، وكان أهل الشام يصرحون بأن مع أمير المؤمنين عليه السلام قتلة عثمان، ويجعلون ذلك من أوكد الشبه، ولا ينكر ذلك عليهم، مع إنا نعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام لو أراد منعهم من قتله والدفع عنه مع غيره، لما قتل فصار كفه عن ذلك مع غيره من أدل الدلالة على أنهم صدقوا عليه ما نسب إليه من الأحداث، وأنهم لم يقبلوا وأما جعله عذرا، قال: (ونحن نقدم قبل الجواب عن هذه المطاعن مقدمات تبين بطلانها على الجملة، ثم نتكلم على تفصيلها ثم حكي عن أبي علي (إن ذلك لو كان صحيحا) (1) لوجب من الوقت الذي ظهر ذلك من حاله أن يطلبوا رجلا ينصب للإمامة، وأن يكون ظهور ذلك كموته، لأنه لا خلاف أنه متى ظهر من الإمام ما يوجب خلعه أن الواجب على المسلمين إقامة إمام سواه، فلما علمنا أن طلبهم لإقامة إمام كان بعد قتله ولم يكن من قبل والتمكن قائم فذلك من أدل الدلالة على بطلان ما أضافوه إليه من الأحداث) قال: (وليس لأحد أن يقول: لم يتمكنوا من ذلك لأن المتعالم من حالهم وقد حصروه ومنعوه التمكن من ذلك، خصوصا وهم يدعون أن الجميع كانوا على قول واحد في خلعه والبراءة منه) قال: (ومعلوم من حال هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حوصر فيها وقتل، بل كانت تحصل من قبل حالا بعد حال، فلو كان ذلك يوجب الخلع والبراءة لما تأخر من المسلمين الانكار عليه، ولكان كبار الصحابة المقيمين بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد، لأن أهل العلم والفضل بالنكير في ذلك أحق من غيرهم) قال: (لقد كان يجب

____________

(1) غ " لو صح عند المسلمين ".


الصفحة 232
على طريقتهم (1) أن تحصل البراءة والخلع من أول يوم حدث فيه منه ما حدث، ولا ينتظر حصول غيره من الأحداث لأنه لو وجب انتظار ذلك لم ينته إلى حد إلا أن ينتظر غيره).

ثم ذكر: (إن إمساكهم عن ذلك إذا تيقنوا الأحداث منه يوجب نسبة الخطأ إلى جميعهم والضلال، فلا يجوز ذلك) وقال: (ولا يمكنهم أن يقولوا: إن علمهم بذلك حصل في الوقت الذي منع، لأن في جملة الأحداث التي يذكرونها ما تقدم هذه الحال بل كلها أو جلها، تقدم هذا الوقت، وإنما يمكنهم أن يتعلقوا فيما حدث في الوقت بما يذكرون من حديث الكتاب النافذ إلى ابن أبي سرح بالقتل وما أوجب كون ذلك حدثا يوجب كون غيره حدثا فكان يجب أن يفعلوا ذلك من قبل واحتمال المتقدم للتأويل كاحتمال المتأخر، وبعده ليس يخلو من أن يدعوا أن طلب الخلع وقع من كل الأمة، أو من بعضهم، فإن ادعوا ذلك في بعض الأمة فقد علمنا أن الإمامة إذا ثبتت بالاجماع لم يجز إبطالها بالخلاف، لأن الخطأ جائز على بعض الأمة، وإن ادعوا في ذلك الإجماع لم يصح، لأن من جملة الإجماع عثمان ومن كان ينصره، ولا يمكن إخراجه من الإجماع، بأن يقال إنه كان على باطل لأن بالإجماع يتوصل إلى ذلك لما يثبت) قال:

(على أن الظاهر من حال الصحابة أنها كانت بين فريقين، أما ينصره فقد روي عن زيد بن ثابت أنه قال لعثمان ومعه الأنصار: ائذن لنا ننصرك وروي مثل ذلك عن ابن عمر، وأبي هريرة، والمغيرة بن شعبة، والباقون يمتنعون انتظارا لزوال العارض، لا لأنه لو ضيق عليهم الأمر في الدفع عنه ما فعلوا بل المتعالم من حالهم ذلك) ثم ذكر ما روي من إنفاذ أمير

____________

(1) أي طريقة الخوارج لأنه قال قبل ذلك: إن هذه الأحداث حصلت في الست الأواخر.


الصفحة 233
المؤمنين عليه السلام الحسن والحسين عليهما السلام إليه وإنه لما قتل لأمهما على وصول القوم إليه، ظنا منه بأنهما قصرا، وذكر أن أصحاب الحديث يروون عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (ستكون فتنة واختلاف وأن عثمان وأصحابه يومئذ على الهدى) وما روي عن عائشة من قولها قتل والله مظلوم) قال: (ولا يمتنع أن يتعلق بأخبار آحاد في ذلك لأنه ليس هناك أمر ظاهر يدفعه نحو دعواهم أن جميع الصحابة كانوا عليه لأن ذلك دعوى منهم * وإن كان فيه رواية فمن جهة الآحاد وإذا تعارضت الروايات سقطت ووجب الرجوع إلى أمر ثابت وهو ما ثبت من أحواله السليمة ووجوب توليه) (1) * قال: (وليس يجوز أن يعدل عن تعظيمه، وصحة إمامته بأمور محتمله، فلا شئ مما ذكره إلا ويحتمل الوجه الذي هو صحيح).

ثم ذكر: (إن للإمام أن يجتهد رأيه في الأمور المنوطة به. ويعمل فيها على غالب ظنه ظاهرا وقد يكون مصيبا، وإن أفضت إلى عاقبة مذمومة) وأكد ذلك وأطنب فيه (2).

يقال له: أما ما بدأت به من قولك: (إن من يثبت عدالته وجوب توليته إما قطعا أو على الظاهر فغير جائز أن يعدل فيه عن هذه الطريقة إلا بأمر متيقن) فخطأ لا إشكال فيه لأن من نتولاه على الظاهر أو ثبتت عدالته عندنا من جهة غالب الظن، يجب أن نرجع عن ولايته مما يقتضي غالب الظن دون اليقين. ولهذا يؤثر في جرح الشهود وسقوط عدالتهم أقوال الجارحين وإن كانت مظنونة غير معلومة، وما يظهر من أنفسهم من

____________

(1) ما بين النجمتين ساقط من " المغني.

(2) المغني 20 ق 2 / 38 - 44 وجميع كلام القاضي في هذا الباب لخصه المرتضى من الصفحات المذكورة.


الصفحة 234
الأفعال التي لها ظاهر يظن معه القبيح بهم حتى نرجع عما كنا عليه من القول بعد التهم وإن لم يكن كل ذلك متيقنا، وإنما يصح ما ذكره فيمن ثبتت عدالته على القطع ووجب توليه على الباطن فلا يجوز أن يؤثر في حاله ما يقتضي الظن لأن الظن لا يقابل العلم والدلالة لا تقابل الإمارة.

فإن قال: لم أرد بقولي إلا بأمر متيقن أن كونه حدثا متيقن وإنما أردت تيقن وقوع الفعل نفسه قلنا الأمران سواء في تأثير غلبة الظن فيهما، ولهذا يؤثر في عدالة من تقدمت عدالته عندنا على سبيل الظن أقوال من يخبرنا عنه بارتكاب قبيح إذا كانوا عدولا وإن كانت أقوالهم. لا تقتضي اليقين، بل يحصل عندها غالب الظن وكيف لا نرجع عن ولاية من توليناه على الظاهر بوقوع أفعال منه يقتضي ظاهرها خلاف الولاية، ونحن إنما قلنا بعدالته في الأصل على سبيل الظاهر مع التجويز لأن يكون ما وقع منه في الباطن قبيحا لا يستحق به التولي والتعظيم ألا ترى أن من شاهدناه يلزم مجالس العلم، ويكرر تلاوة القرآن، ويدمن الصلاة والصيام والحج يجب أن نتولاه ونعظمه على الظاهر وإن جوزنا أن يكون جميع ما وقع منه مع خبث باطنه وغرضه في فعله قبيحا فلم نتولاه إلا على الظاهر ومع التجويز فكيف لا نرجع عن ولايته بما يقابل هذه الطريقة، فأما من غاب عنا وتقدمت له أحوال تقتضي الولاية فيجب أن نستمر على ولايته، وإن جوزنا مع الغيبة أن يكون منتقلا عن الأحوال الجميلة التي عهدنا ها منه، إلا أن هذا تجويز محض لا ظاهر معه يقابل ما تقدم من الظاهر الجميل.

وهو بخلاف ما ذكرناه من مقابلة الظاهر للظاهر، وإن كان في كل واحدة من الأمرين تجويز، وقد أصاب في قوله: (إن ما يحتمل ألا يجوز أن ينتقل له عن التعظيم والتولي) إن أراد بالاحتمال ما لا ظاهر له وأما ما له ظاهر ويجوز مع ذلك أن يكون الأمر فيه بخلاف ظاهره، فإنه لا يسمى محتملا. وقد يكون مؤثرا فيما ثبت من التولي على الظاهر على ما ذكرناه.


الصفحة 235
فأما قوله: (إن الأحوال المتقررة في النفوس بالعادات فيمن نتولاه تؤثر ما لا يؤثر غيرها ويقتضي حمل أفعاله على الصحة والتأول له وتقويته ذلك وتأكيده له) فلا شك أن ما ذكره مؤثر: وطريق قوي إلى غلبة الظن، إلا أنه ليس يقتضي ما يتقرر في نفوسنا لبعض من نتولاه على الظاهر، أن نتأول كلما نشاهد منه من الأفعال التي لها ظاهر قبيح، ونحمل الجميع على أجمل الوجوه وإن كان بخلاف الظاهر، بل ربما يبين الأمر فيما يرجع منه من الأفعال التي لها ظاهر قبيح إلى أن يؤثر في أحواله المتقررة ونرجع بها عن ولايته، ولهذا ما نجد كثيرا من أهل العدالة المتقررة لهم في النفوس ينسلخون منها حتى يلحقوا بمن لم يثبت له في وقت من الأوقات عدالة، وإنما يكون ذلك بما يتوالى منهم ويتكرر من الأفعال القبيحة الظاهرة.

فأما ما استشهد به من أن مثل مالك بن دينار لو شاهدناه في دار فيها منكر لقوي في الظن حضوره للتغيير والنكير، أو على وجه الاكراه والغلط، وأن غيره يخالفه في هذا الباب فصحيح لا يخالف ما ذكرناه، لأن مثل مالك بن دينار ممن تناصرت إمارات عدالته، وشواهد نزاهته، حالا بعد حال، لا يجوز أن يقدح فيه فعل له ظاهر قبيح، بل يجب لما تقدم من حاله أن نتأول فعله، ونخرجه عن ظاهره إلى أجمل وجوهه، وإنما وجب ذلك لأن الظنون المتقدمة أقوى وأولى بالترجيح والغلبة، فنجعلها قاضية على الفعل والفعلين، ومتى توالت منه الأفعال القبيحة الظاهرة، وتكررت قدحت في حاله. وأثرت في ولايته، وكيف لا يكون كذلك وطريق ولايته في الأصل هو الظن والظاهر، ولا بد من قدح الظاهر في الظاهر وتأثير الظن في الظن على بعض الوجوه.

فأما قوله: (إن كل محتمل لو أخبرنا عنه وهو ممن يغلب على الظن

الصفحة 236
صدقه أنه فعله على أحد الوجهين، لوجب تصديقه متى عرف من حاله المتقررة في النفوس ما يطابق ذلك، وجرى مجرى الإقرار) فأول ما فيه أن المحتمل هو ما لا ظاهر له من الأفعال، والذي يكون جواز كونه قبيحا كجواز كون حسنا، ومثل هذا الفعل لا يقتضي ولاية ولا عداوة وإنما يقتضي من الولاية ما له من الأفعال ظاهر جميل، ويقتضي العداوة ما له ظاهر قبيح.

فإن قال: (أردت بالمحتمل ما له ظاهر لكنه يجوز أن يكون الأمر بخلاف ظاهره).

قيل له: ما ذكرته لا يسمى محتملا، فإن كنت عنيته فقد وضعت العبارة في غير موضعها، ولا شك في أنه إذا كان ممن لو خبر بأنه فعل الفعل القبيح على أحد الوجهين لوجب تصديقه، وحمل الفعل على خلاف ظاهره، فإن الواجب لما تقرر له في النفوس أن يتأول له، ونعدل بفعله عن الوجه القبيح إلى الفعل الحسن، والوجه الجميل، إلا أنه متى توالت منه الأفعال التي لها ظواهر قبيحة، فلا بد من أن يكون مؤثره في تصديقه متى خبرنا بأن غرضه في الفعل خلاف ظاهره، كما يكون مانعة من الابتداء بالتأول له، وضربه المثل بأن من يراه يكلم امرأة حسناء في الطريق، إذا أخبر أنها أخته أو امرأته في أن تصديقه واجب، ولو لم يخبر بذلك لحملنا كلامه لها على أجمل الوجوه لما تقرر له في النفوس صحيح إلا أنه لا بد فيه من مراعاة ما تقدم ذكره، من أنه قد تقوى الأمر لقوة الإمارات والظواهر إلى حد لا يجوز معه تصديقه، ولا التأول له، ولولا أن الأمر قد ينتهي إلى ذلك لما صح أن يخرج أحد عندنا من الولاية إلى العداوة، ولا من العداوة إلى خلافها، لأنه لا شئ مما يفعله الفساق المتهتكون إلا ويجوز أن يكون له باطن بخلاف الظاهر، ومع ذلك فلا يلتفت إلى هذا التجويز، يبين صحة ما ذكرناه، إنا لو رأينا من يظن به

الصفحة 237
الخير يكلم امرأة حسناء في الطريق، ويداعبها ويضاحكها، ظننا به الجميل مرة ومرات، ثم ينتهي الأمر إلى أن لا نظنه وكذلك لو شاهدناه وبحضرته المنكر لحملنا حضوره على الغلط والاكراه أو غير ذلك من الوجوه الجميلة، ثم لا بد من انتهاء الأمر إلى أن نظن به القبيح ولا نصدقه في خلافه.

ثم يقال له: خبرنا عمن شاهدناه من بعد وهو راكب فرج امرأة نعلم أنها ليست له بمحرم، وإن لها في الحال زوجا غيره، وهو ممن تقررت له في النفوس عدالة متقدمة ماذا يجب أن نظن به؟ وهل نرجع بهذا الفعل عن الولاية، أو نحمله على أنه غالط، ومتوهم أن المرأة زوجته أو على أنه مكره على الفعل، أو غير ذلك من الوجوه الجميلة فإن قال: نرجع عن الولاية اعترف بخلاف ما قصده في الكلام، وقيل له: وأي فرق بين هذا الفعل وبين جميع ما عددناه من الأفعال، وادعيت أن الواجب أن نعدل عن ظاهرها، وما جواز الجميل في ذلك إلا كجواز الجميل في هذا الفعل، فإن قال: لا أرجع بهذا الفعل عن الولاية، بل أتأوله على بعض الوجوه الجميلة، قيل له: أرأيت لو تكرر هذا الفعل وتوالى هو وأمثاله حتى نشاهده حاضرا في دور القمار ومجالس اللهو واللعب، ونراه بشرب الخمر بعينها، وكل هذا مما يجوز أن يكون عليه مكرها، وفي أنه القبيح بعينه غالطا، ما كان يجب علينا من الاستقرار على ولايته والعدول عنها فإن قال: نستمر ونتأول، ارتكب ما لا شبهة في فساده، والزم ما قدمناه ذكره من أنه لا طريق إلى الرجوع عن ولاية أحد، ولو شاهدنا منه أعظم المناكير ووقف أيضا على أن طريق الولاية المتقدمة إذا كان الظن دون القطع، فكيف لا نرجع عنها بمثل هذا الطريق فلا بد إذا من الرجوع إلى ما بيناه وفصلناه في هذا الباب.


الصفحة 238
وأما قوله: (إن قول الإمام له مزية لأنه آكد من غيره) فلا معنى له، لأن قول الإمام على مذهبنا يجب أن يكون له مزية من حيث كان معصوما مأمونا باطنه وعلى مذهبه إنما ثبتت ولايته بالظاهر كما ثبتت ولاية غيره من سائر المؤمنين، وأي مزية له في هذا الباب؟

وأما قوله: (إن ما ينقل عن الرسول وإن لم يكن مقطوعا عليه يؤثر في هذا الباب ويكون أقوى مما تقدم) غير صحيح على إطلاقه لأن تأثير ما ينقل إذا كان يقتضي غلبة الظن لا شبهة فيه فأما تقويته على غيره فلا وجه له وقد كان يجب أن يبين من أي وجه يكون أقوى.

فأما عده الأحداث التي نقمت عليه، فنحن نتكلم عليها، وعلى ما أورده من المعاذير فيها بمشيئة الله تعالى عند ذكره لذلك.

فأما ما حكاه عن أبي علي من قوله: (لو كان ما ذكروه من الأحداث قادحا لوجب من الوقت الذي ظهرت الأحداث فيه أن يطلبوا رجلا ينصبونه في الإمامة، لأن ظهور الحدث كونه) قال: (فلما رأيناهم طلبوا إماما بعد قتله دل على بطلان ما أضافوه إليه من الأحداث) فليس ذلك بشئ معتمد، لأن تلك الأحداث وإن كانت مزيلة عندهم لإمامته وناسخة لها ومقتضية لأن يعقدوا لغيره الإمامة، فإنهم لم يقدموا على نصب غيره مع تشبثه بالأمر خوفا من الفتنة والتنازع والتجاذب، وأرادوا أن يخلع نفسه حتى تزول الشبهة، وينشط من يصلح للإمامة لقبول العقد، والتكفل بالأمر، وليس يجري ذلك مجرى موته، لأن موته يحسم الطمع في استمرار ولايته ولا تبقى شبهة في خلو الزمان من إمام، وليس كذلك حدثه الذي يسوغ فيه التأويل على بعده، وتبقى معه الشبهة في استمرار أمره، وليس نقول أنهم لم يتمكنوا من ذلك كما سأل نفسه، بل الوجه في عدولهم ما ذكرناه من إرادتهم لحسم المواد، وإزالة الشبهة، وقطع أسباب

الصفحة 239
الفتنة.

فأما قوله: (إنه معلوم من حال هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حصر فيها وقتل، بل كانت تقع حالا بعد حال، فلو كانت توجب الخلع والبراءة لما تأخر من المسلمين الانكار عليه، ولكان المقيمون بالمدينة من الصحابة بذلك أولى من الواردين من البلاد) فلا شك أن الأحداث لم تحصل في وقت واحد إلا أنه غير منكر أن يكون نكيرهم إنما تأخر لأنهم تأولوا ما ورد عليهم من أفعاله على أجمل الوجوه، حتى زاد الأمر وتفاقم، وبعد التأويل وتعذر التخريج ولم يبق للظن الجميل طريق فحينئذ أنكروا، وهذا مستمر على ما قدمنا ذكره، من أن العدالة والطريقة الجميلة تتأول في الفعل والأفعال القليلة، بحسب ما تقدم من حسن الظن به، ثم ينتهي الأمر بعد ذلك إلى بعد التأويل والعمل على الظاهر القبيح، على أن الوجه الصحيح في هذا الباب إن أهل الحق كانوا معتقدين لخلعه من أول حدث، بل معتقدين لأن إمامته لم تثبت وقتا من الأوقات، وإنما منعهم من إظهار ما في نفوسهم ما قدمناه من أسباب الخوف والتقية، ولأن الاغترار بالرجل (1) كان عاما فلما تبين أمره حالا بعد حال، وأعرضت الوجوه عنه، وقل العاذر له، قويت الكلمة في عزله وهذا إنما كان في آخر الأمر دون أوله، فليس يقتضي الامساك عنه إلى الوقت الذي وقع الكلام في نسبة الخطأ إلى الجميع على ما ظنه.

فأما دفعه أن تكون الأمة أجمعت على خلعه بإخراجه نفسه، وخروج من كان في حيزه عن القوم، فليس بشئ لأنه إذا ثبت أن من

____________

(1) لأن الاعتذار بالوجل خ ل فإذا كانت كذلك يكون المعنى الاعتذار بالخوف.


الصفحة 240
عداه وعدا عبيده والرهط من فجار أهليه وفساقهم كمروان، ومن جرى مجراه كانوا مجمعين على خلعه، فلا شبهة أن الحق في غير حيزه لأنه لا يجوز أن يكون هو المصيب وجميع الأمة مبطل، وإنما يدعي أنه على الحق من تنازع في إجماع من عداه، فأما مع تسليم ذلك فليس تبقى شبهة، وما نجد مخالفينا يعتبرون في باب الإجماع بإجماع الشذاذ عنه، والنفر القليل الخارجين منه، ألا ترى أنهم لا يحفلون بخلاف سعد (1)، وولده وأهله في بيعة أبي بكر لقلتهم، وكثرة من بإزائهم وكذلك لا يعتدون بخلاف من امتنع من بيعة أمير المؤمنين عليه السلام ويجعلونه شاذا لا تأثير له، فكيف فارقوا هذه الطريقة في خلع عثمان، وهل هذا إلا تقلب وتلون.

فأما قوله: (إن الصحابة بين فريقين أما من ينصره كزيد بن ثابت، وابن عمر وفلان وفلان، والباقون ممتنعون انتظارا لزوال العارض، لأنه ما ضيق عليهم الأمر في الدفع عنه) فعجيب لأن الظاهر أن أنصاره هم الذين كانوا معه في الدار، يقاتلون عنه، ويدفعون الهاجمين عليه فقط.

فأما من كان في منزله ما أغنى عنه فتيلا لا يعد ناصرا، وكيف يجوز ممن أراد نصرته وكان معتقدا لصوابه وخطأ الطالبين لخلعه (2) يتوقف عن النصرة طلبا لزوال العارض، وهل تراد النصرة إلا لدفع العارض وبعد زواله لا حاجة إليها؟ وليس يحتاج في نصرته إلى أن يضيق هو عليهم الأمر فيها، بل من كان معتقدا لها لا يحتاج حمله إلى أذنه فيها ولا يحفل نهيه عنها، لأن المنكر مما قد تقدم أمر الله تعالى فيه بالنهي عنه، فليس يجتاح في إنكاره إلى أمر غيره.

____________

(1) يعني سعد بن عبادة الأنصاري وخلافه في حديث السقيفة مأثور مشهور.

(2) وخطأ المطالبين له بالخلع خ ل.


الصفحة 241
فأما زيد بن ثابت فقد روى ميله إلى عثمان، فما يعني ذلك وبإزائه جميع الأنصار والمهاجرين. ولميله إليه سبب معروف قد روته الرواة فإن الوافدي قد روى في كتاب الدار أن مروان بن الحكم لما حصر عثمان الحصر الأخير جاء إلى زيد بن ثابت فاستصحبه إلى عائشة ليكلمها في هذا الأمر فمضيا إليها وهي عازمة على الحج، فكلماها في أن تقيم وتذب عنه، فأقبلت على زيد بن ثابت فقالت: وما منعك يا ابن ثابت ولك الأساويف (1) قد قطعها لك عثمان، ولك كذا وكذا، وأعطاك من بيت المال زهاء عشرة آلاف دينار قال زيد: فلم أرجع عليها حرفا واحدا قال: وأشارت إلى مروان بالقيام فقام مروان وهو يقول متمثلا:


وحرق زيد علي البلا د حتى إذا اضطرمت اجذما (2)

فنادته عائشة وقد خرج من العتبة يا ابن الحكم أعلى تمثل الأشعار!

قد والله سمعت ما قلت، أتراني في شك من صاحبك؟ والذي نفسي بيده لوددت أنه الآن في غرارة (3) من غرائري مخيطة عليها فألقيها في البحر الأخضر (4) قال: زيد فخرجنا من عندها على الناس (5).

وروى الواقدي أن زيد بن ثابت اجتمع عليه عصابة من الأنصار، وهو يدعوهم إلى نصر عثمان، فوقف عليها جبلة بن عمرو بن حية

____________

(1) الأساويف كذا في الأصل وفي شرح نهج البلاغة " الأشاريف قد اقتطعها " والمشارف: أعالي الأرض، ولعل المراد الاقطاع.

(2) البيت للربيع بن زياد العبسي، والأجذام: الإسراع، والمعنى: أنه أضرمها حتى استعرت، أسرع في الهرب، وذلك لأن قيسا أسعر الحرب في داحس فلما اضطرمت انتقل إلى عمان.

(3) الغرارة - بالكسر - واحدة غرائر؟؟ التبن. قال في مختار الصحاح: " وأظنه معربا ".

(4) رواية ابن أبي الحديد: " مخيط عليه، فألقيه في البحر الأخضر ".

(5) ش " على اليأس منها ".