الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

وزوال الشكوك عنه، وبهت (1) من دفعه كالعلم بالنص على الكعبة، وتأمير زيد وخالد وحال من ادعى خلافه أو دفعه كحال من ادعى خلاف النص على الكعبة، أو دفع النص عليها.

فإن قالوا: كيف يقال هذا فيما يخالف فيه أمثالنا.

قيل لهم: وكيف يصح ما قلتموه فيما يخالف فيه أمثالنا، وفينا الكثرة التي لا يصح عليها دفع مثل ما ذكرتموه مع علمكم بتدين أكثرنا بمذهبه ضرورة وتقربا باعتقاده إلى ربه عز وجل.

وهذه المعارضة لا مخلص منها للقوم الدافعين للنص والمعتمدين على ما تضمنه السؤال، وربما سألوا فقالوا: لو كان الخبر متواترا بالنص لوقع العلم الضروري به لكل من سمعه لأن الخبر إذا ورد من كثرة لها الشروط التي تدعونها فلا بد من وقوع العلم الضروري عنده.

والجواب عن السؤال المتقدم الذي شرحناه وأحكمناه هو جواب عن هذا السؤال لأن معناهما متشابه وإن كان يحتاج عند ذكر الضرورة على هذا الوجه إلى ضرب من التفصيل ونوع من الكلام لا يحتاج إليه فيما تقدم، ونحن نستوفيه عند النقض على صاحب الكتاب، فقد تعلق به، ونجيب أيضا عن جميع ما يسألون عنه مثل قولهم: لو كان النص حقا لما كتمته الأمة وأظهرت خلافه، ولطالب به أمير المؤمنين عليه السلام ونازع القوم فيه ولما دخل في الشورى ولا فعل كذا وكذا، ومثل قولهم أي فرق بين ادعائكم للنص ودعوى البكرية والعباسية (2) للنص على صاحبيهما؟ إلى

____________

(1) بهت - هنا -: قال فيه ما لم يفعله.

(2) البكرية القائلون بأن النبي صلى الله عليه وآله نص على أبي بكر بالإشارة والعباسية القائلون بأنه صلى الله عليه وآله نص على عمه العباس كذلك وقد انقرضت هاتان الفرقتان.

الصفحة 93
غير ذلك من شبههم، فقد ذكر صاحب الكتاب منها طرفا نحن نجيب عنه عند الانتهاء إليه ونستوفي ذكر ما أخل به من زيادة قوية وإذ قد انتهى ما أردنا تقديمه من الكلام في النص فنحن نعود إلى حكاية كلام صاحب الكتاب في الفصل والنقض عليه.

قال صاحب الكتاب - بعد أن ذكر الخلاف في النص وما يمكن أن ينقسم إليه قول مدعيه من ضرورة أو اكتساب -: " والذي يدل على بطلان النص على وجه يعلم مراده عليه السلام فيه باضطرار أن ذلك لو كان ثابتا لكان كل من علم صحة نبوته عليه السلام يعلم ذلك حتى لا يصح أن يشك فيه، يبين ذلك أنه لما كان العلم بوجوب الصلاة وصوم شهر رمضان وتحريم الخمر إلى غير ذلك ضروريا على الحد (1) الذي ذكرناه لم يجز أن يشك فيه أحد يعلم نبوته حتى أنا نجعل إظهار (2) الشك في ذلك أو شئ منه دلالة الكفر وتكذيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، (على ما بيناه من قبل) (3)، ولو كان الأمر كذلك لوجب أن نعلم هذا النص ولا نشك (4) فيه، وكذلك سائر أهل القبلة، بل كان يجب أن لا يشك في ذلك من يعتقد صحة نبوته، وإن لم يعلمها لأن ذلك ممتنع (5) في الاعتقاد، وإن كان امتناعه في العلم أقوى، وبطلان ذلك يبين فساد هذا القول ولا يمكنهم أن يدعوا علينا أنا نعرف ذلك، لأنا نعرف باضطرار خلاف ذلك من أنفسنا، بل يعلمون من حالنا أنا نعتقد خلاف

____________

(1) غ " الخبر " وهو تصحيف.

(2) " إظهار " ساقطة من المغني.

(3) التكملة بين المعقوفين من " المغني ".

(4) غ " وأن لا نشك ".

(5) غ " يمتنع ". وفي حاشية المخطوطة " يمنع، خ ل ".

الصفحة 94
ذلك، ولأنه قد ثبت أن الجمع العظيم لا يجوز أن يجحدوا ما يعلمون أو يظهروا خلافه وقد بينا صحة هذه الطريقة في باب المعارف.... " (1).

يقال له: قد بينا في صدر كلامنا ما نذهب إليه في النص وذكرنا أن طريق العلم (2) به وبالمراد معه بمن لم يسمعه من الرسول صلى الله عليه وآله هو الاستدلال دون الاضطرار، وإن كان ممن سمعه منه عليه السلام مضطرا إلى مراده، وليس يقطع في شئ من الأخبار على حصول العلم الضروري عنده، لأنا نجوز أن يكون العلم بإيجاب الصلاة وتحريم الخمر وسائر ما ذكرته وبالبلدان أيضا واقعا عن ضرب من الاستدلال قريب، وأن لا يكون من فعل الله تعالى فينا، وإن كنا لا نشك في مفارقة العلم بهذه الأمور في طريقه وامتناع دخول الشكوك والشبهات فيه لغيره من العلوم بمخبر الأخبار التي لا يجري مجراه لأن امتناع اعتراض الشبهة، ودخول الشك في بعض العلوم ليس يجب أن يكون دلالة على أنه من فعل الله تعالى، ولنا في هذا الباب يعني في هل العلم بالبلدان وما أشبهها ضروري أم لا؟ نظر.

فأما العلم بالنص فلا نظر لنا في أن العلم به الآن من طريق الاستدلال والاكتساب، على أنا لو تخطينا الخلاف في هذا الموضع، وسلمنا لك أن العلم بالبلدان وما ماثلها ضروي لأمكن أن نقول لك، بم ندفع أن يكون إيجاب الصلاة والصوم وما ذكرته من العبادات إنما علمه كل من علم صحة نبوته عليه السلام اضطرارا، ولم يصح أن يقع شك فيه من قبل أن أحدا لم يعترضه بتكذيب ورد في وقت من الأوقات، وأن

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 114 وباب المعارف في الجزء الثاني عشر من المغني.

(2) في حاشية المخطوطة " بالمراد منه " خ ل.

الصفحة 95
يكون خبر النص مما يصح أن يعلم المراد منه باضطرار لو سلم من تكذيب الجماعات به وسبقهم إلى الاعتقادات الباطلة فيه، فلما لم يسلم من ذلك لم يقع العلم به ضرورة كما وقع بسائر ما عددته، وليس يمكنك أن تحيل هذا الالزام، أو تستبعده لأن العلم الضروري عند خبر المخبرين إذا كان عندك من فعل الله تعالى ومتعلقا بالعادة جاز أن يجري العادة فيه بأن يفعله إذا لم يقع تكذيب من الجماعات به، وسبق إلى اعتقاد فساده، ومتى وقع ذلك لم يفعله كما جاز أن يفعله عند خبر دون عدد، وعند خبر المضطرين إلى ما أخبروا عنه دون المستدلين، وليس لك أن تقول:

لو كان المعتبر في وجود العلم الضروري بمخبر الأخبار وارتفاعه بالتكذيب لوجب أن لا يقع علم بشئ من مخبر الأخبار لأن السمنية (1) تكذب بالجميع لأنا نقول لك: إنما يؤثر تكذيب من علم وجوده وعرف تكذيبه من العقلاء، ونحن لم نر سمينا قط، وإنما نسمع بذكرهم خبرا.

ويمكن أن يقال: إنه لا معتبر في ارتفاع العلم الضروري بتكذيب الواحد والاثنين، بل برد الجماعات وتكذيبها، وهذا إذا كان المرجع فيه إلى العادة جوزنا ما ذكرناه فيه ولم يستنكر.

وليس لك أن تقول: لو كان التصديق شرطا في صحة وقوع العلم لم يخل التصديق من أن يكون عن معرفة أو عن غير معرفة فإن كان عنها لم تخل المعرفة من أن تكون إذا لم تحصل عن مشاهدة واقعة بهذا الخبر وبغيره مما يجري مجراه، فإن كانت حاصلة عن هذا الخبر أو عما جرى مجراه فقد صح أن نعلم صحة الخبر، وإن لم يقع تصديق متقدم، وإذا جاز هذا

____________

(1) السمنية: في حاشية المخطوطة " السمنية - كغرنية أي بضم ففتح - قوم بالهند دهريون قائلون بالتناسخ وفي تاج العروس، مادة سمن: " قوم بالهند من عبدة الأصنام دهريون، قائلون بالتناسخ وينكرون وقوع العلم بالأخبار ".

الصفحة 96
فيهم جاز في غيرهم، واستغني عن تقدم التصديق لأنا نقول لك: إنا لم نلزمك كون التصديق شرطا في وقوع العلم الضروري، وإنما ألزمناك أن يكون التكذيب عن تكذيب الجماعة بالخبر مانعا من حصول العلم الضروري وارتفاع هذا التكذيب مصححا لوجوده، فتشاغلك بالتصديق لا معنى له.

فأما نفيك عن نفسك وأصحابك العلم بالنص فصحيح، وليس ذلك مما يدعيه عليك عاقل فتفسده.

فإن قلت: إنما كلامي على من أوجب العلم الضروري بالنص لكل من سمعه وادعى على الجميع الاضطرار إلى صحته، ولم يثبت مانعا من العلم به.

قلنا لك: فكلامك إذا على مذهب لا يذهب إليه عاقل فإننا لا نعرف أحدا هذا قوله.

قال صاحب الكتاب - بعد كلام يتضمن الرد على من ادعى عليه وعلى أصحابه العلم الضروري بالنص لا حاجة بنا إلى ذكره، لأنا لا ندعي ذلك عليهم -: " ومتى قالوا: يعتبر ذلك لأن التواتر لا يضطر عندنا، وإنما يعلم به الشئ من جهة الاكتساب فقد نقضوا نفس الأصل الذي تكلمنا عليه، لأنا إنا نريد إبطال قول من يدعي الاضطرار في ذلك، ولأنا قد بينا من قبل أن الصحيح في التواتر أنه يقتضي العلم الضروري، وأنه ليس بطريق إلى الاستدلال، وأوضحنا القول في ذلك... " (1).

يقال له: قد مضى ما نقوله في العلم بالنص وأنه واقع الآن من

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 115.

الصفحة 97
جهة الاستدلال لا من جهة الاضطرار، وقولك: " إن كلامي على من قال بالاضطرار " إن أردت به من يدعي الاضطرار على الكل ولا يشير إلى مانع يمنع منه، فقد قلنا: إن هذا ليس بمذهب لعاقل في النص وإن أردت أنه مما يعلم باضطرار وإن جاز ثبوت مانع منه فقد تكلمنا على هذا الوجه وألزمناك ما لا انفصال لك عنه.

فأما قولك: إنك قد بينت " أن التواتر يوجب العلم الضروري " فما وجدناك بينت ذلك بشئ في المواضع الذي أشرت إليه من كتابك، ولم نرك قد عولت إلا على أن خبر الجماعة إذا انتهى إلى أحد يمكن أن يستدل معه على صدقهم، فلا بد من وقوع العلم الضروري عند خبرهم، وهذه دعوى منك لا برهان عليها، ولنا أن نقول لك: هذا من أين قلته وما أنكرت من أن يجري الله العادة بأن يفعل العلم الضروري عند خبر الجماعة إذا انتهوا إلى عدد معلوم، ويكون من لم يبلغ عددهم من الجماعات لا يقع العلم الضروري عند خبرهم وإن أمكن الاستدلال به على صدقهم أوليس قد حكيت عن أبي هاشم في كتابك هذا أنه قال في بعض المواضع " لا يمتنع أن يستدل بخبر الجماعة على صدقهم وإن لم يقع العلم الضروري بخبرهم، بأن لا يكونوا بلغوا المبلغ الذي أجرى الله تعالى العادة بأن يفعل عنده العلم الضروري " ولو لم يقل ما حكيته أبو هاشم أيضا لكان القياس يقتضيه.

قال صاحب الكتاب: " فإن قيل إنا ندعي هذا الجنس من الاضطرار لمن فتش عن الأخبار وأزال عن قلبه الشبهة، ولم يسبق إلى اعتقاد فاسد، فأما من حصل فيه بعض هذه الوجوه لم يحصل له الضرورة، ولذلك يحصل الاضطرار لطوائف الشيعة ولا يحصل للمخالفين.


الصفحة 98
قيل لهم: إذا كان ذلك هو الحجة وقد أقررتم أنه لا يحصل للمخالف فيجب أن يكونوا في أوسع العذر في مخالفتكم وأن لا يلحقهم الذم بذلك.

فإن قالوا: إنما نذمهم من حيث اعتقدوا إمامة غير أمير المؤمنين عليه السلام لشبهة.

قيل لهم: فيجب أن لا يلحق من شك في ذلك وتوقف (1) الذم ويكون معذورا في ذلك وذلك ينقض أصلهم في الإمامة لأنهم يجعلونها من أعظم أركان الدين وأصلا لسائر الشرائع (فكيف يصح أن لا يعلمها من خالفهم مع علمه بفروع الدين التي هي الصلاة والصيام وغير ذلك) (2).

يقال له: قد بينا أنا لا ندعي علم الضرورة في النص لا لأنفسنا ولا على مخالفينا، وما نعرف أحدا من أصحابنا صرح بادعاء ذلك ولكنا نكلمك على ما يلزمك دون ما نذهب إليه ونعتقده حقا.

أما ادعاؤك أن يكون المخالف لنا في أوسع العذر إذا لم يعرف النص ضرورة، فباطل لا يدخل في مثله شبهة على مثلك لأنا إنما ألزمناك أن يرتفع العلم الضروري عنهم بالنص على وجه كانوا فيه هم المانعين لأنفسهم منه، وهم مع كونهم مانعين من وقوعه متمكنون من إزالة المانع، والخروج عما ارتفع من أجله العلم بالنص من الشبهة أو السبق إلى الاعتقاد، ولو شاءوا لفارقوا ذلك فوقع لهم العلم الضروري، فكيف يجب على هذا أن يكونوا معذورين، وهل إقامة العذر لهم وهذه حالهم إلا كإقامة العذر لمن نظر في الدليل، وقد سبق إلى اعتقاد فاسد إما بتقليد أو

____________

(1) غ " ونوقف " وهو غلط.

(2) التكملة من المغني 20 ق 1 / 115.

الصفحة 99
شبهة فامتنع عليه لذلك حصول العلم من جهة الدليل فلما كان من هذه حاله غير معذور وإن كان لا يصح حصول العلم له من جهة الدليل مع الشبهة، والاعتقاد الذي قدرناه من حيث كان متمكنا من إزالة ما منع من حصول العلم بالنظر في الدليل ومفارقته، فكذلك حال من لم يقع له العلم بالنص من المخالفين، ويمكن أن يكون الذم لاحقا لهم من وجه آخر وهو أنهم وإن كانوا كالمانعي أنفسهم من العلم الضروري قادرون على إصابة العلم الاستدلالي بأن ينظروا في أحوال الجماعة المخبرة بالنص ويستدلوا على كونهم صادقين وإذا كان هذا طريقا إلى العلم وهم متمكنون منه ضاق عذرهم وتوجه الذم إليهم، وليس يجعل ذمهم من حيث اعتقدوا إمامة غير أمير المؤمنين عليه السلام بالشبهة حسب ما سألت عنه نفسك، وإن كان ما ذكرته وجها يلحق الذم من أجله إلا أنه لا يكون ذما مستحقا من جهة الاخلال بالنص لأنه كان يجب لو توقفوا أو شكوا ولم يعتقدوا إمامة الغير أن لا يلحقهم الذم، وقد بينا أنه لا حق لهم من الوجهين اللذين قدمناهما، وهو أيضا لا حق لهم من حيث اعتقدوا الباطل في إمامة من ليس بإمام.

قال صاحب الكتاب: " على أن هذه الطريقة توجب عليهم أن يجوزوا في سائر ما يعلم من دينه (1) عليه السلام ضرورة أن يختص به قوم دون قوم وإن اشترك الكل في معرفة نبوته، وبطلان ذلك يبين فساده ولا يجوز أن يمتنع مثل هذا الاضطرار لأجل الشبهة لأن العلم الضروري يزيل الشبهة ولأن الشبهة (2) إنما تصح في طريق (3) الأدلة، وهذا العلم يقع من

____________

(1) الضمير في " دينه " للرسول صلى الله عليه وآله وفي الأصل " تدينه ".

(2) غ " ولأن الفسخ ".

(3) غ " طرق ".

الصفحة 100
غير دليل ونظر ولا يؤثر في ذلك أيضا السبق إلى الاعتقاد، بل يجب أن يزول الاعتقاد به كما نقوله في سائر الضروريات، وإنما يجوز الشبهة في الضروريات على جهة الجملة بأن يشتبه على العالم التفصيل كما تقوله في الذي يعرف قبح الظلم باضطرار أنه قد يشتبه عليه ما هو غير (1) ظلم ويعتقده ظلما... " (2).

يقال له: قد كان يجوز أن يشتبه سائر ما ذكرته من المعلوم من دينه عليه السلام مع العلم بنبوته ويختص بالعلم به قوم دون قوم لو جرى فيه ما جرى في النص من السبق إلى الاعتقاد أو الشبهة.

فأما قولك: " العلم الضروري يزيل الشبهة "، فلا شك في أنه يزيلها إذا وقع، فمن أين أنه لا بد أن يحصل حتى يزيلها؟ وقد جعلنا ارتفاعها شرطا وحصولها كالمانع ورددناه إلى العادة، ولم نقل إن الشبهة تقع في الضرورة فتقول لنا إنها تختص الأدلة، بل لا يمتنع أن يسبق قوم بشبهة أو تقليد إلى اعتقاد بطلان ما يرد به الخبر فلا يقع به العلم الضروري إذا كنا قد فرضنا أن ارتفاع التكذيب به، واعتقاد بطلانه شرط في صحة وقوعه وقولك: " يجب أن يزول الاعتقاد به كالأول في أنه لو وقع لزال به " والذي ألزمناك أن لا يقع إذا كانت الحال هذه.

قال صاحب الكتاب: " وعلى هذا الوجه يجوز أن يشتبه على أحدنا نبوة نبينا صلى الله عليه وآله فلا يكون عالما بصحة هذه الأمور، فأما مع علمه بصحة نبوته فغير جائز فيما يعلم من دينه باضطرار، يبين ذلك أن كل ما هذا حاله من الشرع فالتكليف فيه عام للكل فكيف يصح أن

____________

(1) في حاشية المخطوطة " ظلم فنعتقده حسنا " خ ل.

(2) المغني 20 ق 1 / 116 في حاشية المخطوطة: " ظلم ".

الصفحة 101
يحصل (1) العلم بذلك لبعضهم دون بعض خاصة، ومن يسلك هذه الطريقة يجعل الإمام حجة في الزمان كالرسول ويقول: من لم يعرف إمامه فهو كافر ويروى (2) " أن من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية " فلا بد من أن (3) يحصل الضرورة للكل أو أن يقال: من لم يحصل عارفا بذلك فليس بمكلف أصلا وليس (4) بمكلف للإمامة، ومعذور فيها كما يقوله أهل المعارف في سائر الديانات ولو جاز لهم أن يقولوا إن طائفتهم تعرف ذلك دون من خالفهم لجاز مثل ذلك في سائر أركان الدين، ولجاز لليهود أن يقولوا أنتم تعرفون (5) إنه لا نبي بعد النبي صلى الله عليه وآله وأن ذلك دينه دوننا إلى غير ذلك من نظائره وقد بينا أن طريقة الاضطرار لا تختص مع المخالطة بما ذكروه لهم دوننا ". (7) يقال له: أما دعواك أن الاشتباه فيما يعلم من دينه لا يجوز مع العلم بالنبوة فهي الدعوى المتقدمة، وقد مضى ما يلزمك عليها، ودللنا على جواز اشتباه جميع ما ذكرته على بعض الوجوه بأن يعرض فيه بعض ما عرض في النص فأما تعجبك من اختصاص العلم مع كون التكليف عاما فغير واقع موقعه لأنه غير منكر أن لا يعم العلم الضروري الكل، وإن كان التكليف عاما لهم من حيث لم يحصل شروط وقوع العلم الضروري،

____________

(1) غ " أن يجعل ".

(2) غ " وروي ".

(3) غ " وأن ".

(4) غ " أوليس ".

(5) غ " تعترفون ".

(6) غ " ما ".

(7) المغني 20 ق 1 / 116.

الصفحة 102
وإذا جاز أن يكون في الكل من أخرج نفسه من شرط حصول العلم له لم يجب أن يعلم ضرورة ولا وجب أن يكون معذورا ولا خارجا عن تكليف العلم بالإمامة، لأنه يتمكن من ذلك من الوجهين المتقدمين.

فأما المعارضة باليهود في دفعهم العلم بنفي النبوة عن أنفسهم فنحن نعلم ضرورة أنهم يعلمون من ذلك ما نعلمه وهم معترفون لنا بالعلم به، وإن كانوا يخالفون في كون الخبر صدقا وما علم من دينه عليه السلام منه حقا ويجرون ما يعلمونه من نفي النبوة بعده مجرى ما يعلمونه من شرائعه الظاهرة وما دعا إليه وأوجبه في أن العلم بجميع ذلك حاصل وإن كان كون ما أوجبه واجبا في الحقيقة وما نفاه منتفيا فيه الخلاف والنزاع، ولو سبقت اليهود في نفي النبوة إلى الرد والتكذيب لجاز أن لا يعلموه، فإن قدرت حالا لهم أخرى غير التي نعلمهم عليها، فمما ألزمتنا تجويزه عليهم نحن نجوزه إذا اختلفت الحال وإن أشرت إلى حالهم هذه فليست على ما ذكرت فإنهم لا يكذبون بنفي النبوة على الوجه الذي قررناه.

وقولك: " أن طريقة الأخبار لا تختص هي الدعوى التي وقع الخلاف فيها " فلم زعمت أنه لا شرط إلا المخالطة؟ ولم دفعت أن يكون شرطنا أيضا لا بد من قيامة؟

قال صاحب الكتاب: " وبعد، فإن لم يقع لنا العلم مع وقوعه لهم لم يخل حالنا من وجهين:

أما أن لا نكلف في الإمامة شيئا أو نكلف (فإن لم نكلف) (1) فلا وجه للمناظرة في هذا الباب، وليس ذلك بقول لأحد وإن كلفنا ذلك وغير جائز أن نكلف ما قد تعذر طريقة علينا، فيجب أن نكون مصيبين فيما

____________

(1) التكملة من " المغني ".

الصفحة 103
نعتقده في الإمامة إذا بينا الطريق فيه وهذا خروج عن الإجماع لأنه يوجب أن الحق في الإمامة في المذاهب المختلفة، فإن قالوا: إن ثبوت الإمامة لأمير المؤمنين عليه السلام وإن كان طريقه الاضطرار ففيه طرق سواه تدل على صحته فمن لم يحصل له طريقة الضرورة فهو محجوج بما عداها.

قيل لهم: إذا الكلام على من يزعم أن هذا طريقه وحكم بذلك فيه فقد بان فساده ونحن نتكلم (1) من بعد على سائر الطرق... " (2).

يقال له: قد أعلمناك أن التكليف لا يجب سقوطه، وإن كان العلم الضروري مرتفعا عن بعض المكلفين لأن السبيل إلى العلم قائمة واضحة من الوجهين اللذين أشرنا إليهما، وقولك " كلامي على من يزعم أن هذا طريقه " غير لازم أيضا لأن من يذهب إلى أن الطريقة في النص هي الضرورة دون الاكتساب لا يجب أن يكون المخالف عنده معذورا من حيث لم يحصل له العلم لأنه عنده متمكن من إزالة ما منع من حصول العلم، اللهم إلا أن تقول: كلامي على من نفى العلم من جهة الدليل وأثبت ضروريا وقضى بأن من لم يحصل له العلم لشبهة أو غيرها غير متمكن من مفارقة ما أرتفع لأجله العلم فهذا مما لا يجوز أن يكون مذهب عاقل من مخالفيك فتوجه كلامك إليه لأن المعلوم أنهم يذهبون إلى أن مخالفهم في الإمامة مكلف مع التجويز عليه خلاف الحق وليس منهم من يقول بتكليف ما لا يطاق فيذهبون إلى ما ظننته، وإن لم يكن كلامك هذا على مذهب متقرر، وإنما هو بحسب ما توجبه القسمة فقد كان يجب أن لا تطنب فيه هذا الإطناب وتردده هذا الترداد، وتجعل العناية بالرد

____________

(1) غ " ولم نتكلم ".

(2) المغني 20 ق 1 / 117.

الصفحة 104
على مخالفك على المذهب المستقر له دون ما لا يصح أن يذهب إليه.

قال صاحب الكتاب: " وبعد، فإن هذه الطريقة إن كانت مصلحة لبعض الأمة حتى أن الصلاح أن يعلم الإمامة من هذا الوجه فكذلك سائر الأمة لأنه لا خلاف أن مصالح الأمة في مثل ذلك لا تختلف كما لا يختلف في الشرائع لأن طريق إثبات الشرع قد يكون كالشرع في أنه قد يختص الصلاح بوجه (1) منه دون وجه... " (2).

يقال له: العلم الضروري وإن كان مصلحة لسائر الأمة فغير ممتنع أن يكون مصلحة بشرط أن لا يسبق المكلف إلى اعتقاد بطلانه، كما لا يمتنع عندك في كون العلم مصلحة أن يتعلق بشرط وجود عدد مخصوص على صفات مخصوصة، فمتى خلا المكلفون من الاعتقاد الذي ذكرناه وسمعوا الخبر فعل فيهم العلم الضروري وإن كان مصلحة لهم، ومتى لم يخلوا من ذلك لم يفعل فيهم، ولم يخرج من كونه مصلحة لهم إذا فعلوا ما هم قادرون عليه من مفارقة الاعتقاد، ويجري هذا المجرى ما نعلمه من كون الصلاة مصلحة للمحدث والمتوضي معا وإن كان المحدث غير حاصل على شرطها من الطهارة، ولا تخرج من أن تكون مصلحة له من حيث لم يحصل شرطها لأنه قادر على إزالة الحدث وفعل الطهارة التي هي الشرط على أن المصالح قد تترتب وتدخلها الأبدال (3) على بعض الوجوه، ألا ترى أن من لزمته الصلاة وكان واجدا من الماء قدر كفايته للطهارة كان من مصلحته أن يصلي متوضيا، فلو أنه راق الماء وضيعه حتى صار في حكم الفاقد للماء المتعذر عليه وجوده لم يكن مصلحته أداء الصلاة على

____________

(1) غ " قد يختص فيه موجبه فيه. بغير وجه ".

(2) المغني 20 ق 1 / 117.

(3) الأبدال جمع بديل أي العوض.

الصفحة 105
الوجه الأول، بل قام التيمم في فرضه ومصلحته مقام الوضوء، وصارت صلاته متيمما هي المصلحة، فلو كان من فقد العلم الضروري بالنص لا يمكنه تلافي ما منع من حصول العلم به لجاز أن تنتقل مصلحته إلى العلم الاستدلالي ولا يكون معذورا في الاخلال بالعلم، بل مطالبا به من هذا الوجه، وملوما على اقتراف ما حصل كالمانع من العلم الضروري على الحد الذي ذكرناه في المضيع لماء الطهارة.

قال صاحب الكتاب: " فإن قيل: إن هذا الاضطرار واجب في الأصل لأنه عليه السلام نص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام على هذا الوجه فاضطر به الخلق إلى المعرفة بإمامته، ثم من بعد ذلك تغير النقل لأغراض مختلفة للناقلين ولتعصب (1) دخل في قلوب المخالفين:، واستمر هذا النقل لطائفتنا فحصل لنا العلم باضطرار ولم يستمر في طائفتكم لما ذكرناه فضعف نقلكم (2) فلذلك علمناه من هذا الوجه دونكم، قيل له:

إن كان (3) الحجة بهذه الطريقة تقوم فلأية علة لم تنقل إلينا يجب (4) أن نكون معذورين لأن اختلاف العلل في زوال الحجة لا يمنع من وجوب ما ذكرناه من زوال التكليف وحصول العذر، وبعد، فإن من خالفهم يخالطهم ويسمع أخبارهم فكيف يصح أن لا تقوم الحجة بهذا النقل عليهم وكيف يصح أن تقوم الحجة بذلك على من يدخل في مذهبهم وينقطع إلى طائفتهم (5)؟ ويبلغ مبلغ التكليف من أولادهم ولا يقوم على

____________

(1) غ " ولتعصب ".

(2) غ " نقله ".

(3) غ " كانت ".

(4) " يجب " ساقطة من المغني.

(5) غ " طاعتهم ".

الصفحة 106
مخالفيهم؟ ولا فرق بين من تعلق بذلك في الإمامة وبين من تعلق من اليهود بمثله في نقل المعجزات والتحدي إلى غير ذلك... " (1).

يقال له: الصحيح في جواب هذا السؤال أن يقال: إن الاضطرار حصل في الأصل ثم تغير النقل واختص بقوم فصار طريق العلم به الاستدلال، وإذا أوردت السؤال على ما رتبته لا على ما قررناه، فلا بد أن يقال فيه: يحصل لنا العلم بالاضطرار لما خلونا من اعتقاد بطلان مخبر الخبر ولم يحصل لكم ذلك لمفارقتكم لنا في هذه الصفة، وإنما أوجبنا هذه الزيادة لأنه محال أن يجب العلم الضروري للشيعة بنقل أسلافهم ولا يجب لمخالفيهم مع المخالطة والسماع وحصول سائر الشرائط، وليس يجب أن لا يقع العلم الضروري للأخلاف إلا بنقل أسلافهم دون نقل مخالفيهم، بل يجب أن يقع عند الخبر الذي عند مثله يجب العلم سواء كان الناقل مخالفا أو موافقا فأما العذر فقد بينا ارتفاعه عن مخالفينا لأن الخبر وإن لم ينقله أسلافهم فقد نقله أسلافنا، فالحجة قائمة به على الكل، ولو لم يسبق المخالفون إلى الاعتقاد الذي ذكرناه بالشبهة أو غيرها لحصل لهم العلم كحصوله لغيرهم، وإذا فعلوا ذلك فالتكليف غير ساقط عنهم لما تقدم فأما قولك: " كيف يصح أن لا تقوم الحجة علينا وتقوم على من يدخل في مذهبهم وينقطع إلى طائفتهم؟ وتبلغ مبلغ التكليف من أولادهم؟ " فإن أردت بالحجة العلم الضروري فإنما لم يحصل لمخالفي الشيعة على حد حصوله لهم للوجه الذي تقدم وتكرر، على أن ليس من نشأ من أولادهم يحصل له هذا العلم، لأنه ربما سبق إلى الاعتقاد الذي سبق إليه المخالف فلم يحصل له العلم ولحق بالمخالفين في الجهل، فإن أردت بالحجة ما يلزم من التكليف فالحجة قائمة على الكل من غير

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 118.

الصفحة 107
اختصاص، ويلزم المخالف الفاقد للعلم من مفارقة ما يمنع منه مثل ما يلزم غيره، فقولك على هذا الوجه: " كيف جاز أن تقوم الحجة على هؤلاء دون هؤلاء " غلط بين.

فأما تعلق اليهود بمثل ما ذكرنا في نقل المعجزات والتحدي فغير مشبه لمسألتنا لأنا لا ندعي على اليهود في المعجزات التي هي سوى القرآن الاضطرار، وإنما حجتنا عليهم فيها طريقة الاستدلال.

فأما التحدي الذي نثبته وتعلق الحجة به، فاليهود لا تنكره ولا أحد من العقلاء ممن سمع الأخبار، وإنما ينكرون أن يكون صلى الله عليه وآله تحدى بالقرآن العرب على معنى تقريعه لهم مشافهة بالعجز عنه وقصد محافلهم ومجالسهم للاحتجاج به عليهم، إلى غير ذلك من التفصيل الذي وردت بأكثره الروايات والأخبار وهذا مما يمكن أن يكونوا غير مضطرين إليه، وخلافهم فيه غير مؤثر لأنه ثبت بالدليل، ولو لم يكن إلى إثباته بالدليل على التفصيل سبيل لكان ما هو معلوم ضرورة لكل أحد من أنه صلى الله عليه وآله جعل القرآن علما على نبوته وحجة في صدقه، وواردا عليه من جهة الملائكة رسل ربه تعالى كافيا في الحجة، ومن دفع ما ذكرناه من اليهود وغيرهم عرفت صورته، وظهرت مكابرته، وإن كان من المتكلمين من استعمل معهم في الدلالة على صحة التحدي بالقرآن عند هذه المدافعة ضربا من الاستدلال هو مذكور في الكتب.

قال صاحب الكتاب: " على أن في شيوخنا من عارضهم في ذلك بإمامة أبي بكر وقال: جوزوا صحة ما قالته البكرية من النص القاطع فيها، وإن كنتم لا تعلمون لبعض هذه الوجوه، ومتى قالوا في هذه

الصفحة 108
الطائفة: إنها طائفة قليلة، قيل لهم: في طائفتهم مثله، لأن شيوخنا (1) ادعوا بل بينوا أن من ادعى النص على هذا الوجه عددهم (عدد) (2) قليل، وإنما تجاسر على ذلك ابن الراوندي (3) وأبو عيسى الوراق (4) وقبلهم هشام بن الحكم على اختلاف الرواية عنه فيه (5)، فمن أين يدعى (6) النص من طائفتهم على هذا الوجه دون من يدعي النص من البكرية وغيرهم، ولا يمكنهم الفصل بين طريقتهم وطريقة البكرية، بان لسلفهم خلفا كثيرا، وطائفة عظيمة، وليس كذلك حال البكرية، لأن المعارضة في ذلك إنما تقع على أصل النقل، وذلك إنما يعتبر لمن تقدم دون من تأخر فكثرتهم كقلتهم في ذلك،... " (7).

يقال له: الذي يدل على فساد النص على أبي بكر، وبعد المعارضة لمدعيه وجوه:

منها، إنا نجد هذا المذهب حاصلا في جماعة لا تثبت بهم الحجة، ولا ينقطع العذر، وإنما حكى المتكلمون هذه المقالة في جملة المقالات وأضافوها في الأصل إلى جماعة قليلة العدد، معلوم حدوثها، وكيفية

____________

(1) غ " من شيوخهم ".

(2) ما بين المعقوفين من " المغني " ومن المخطوطة.

(3) ابن الراوندي: أحمد بن يحيى بن إسحاق وقد تقدم ذكره.

(4) أبو عيسى الوراق: محمد بن هارون من متكلمي الإمامية له كتب منها " الإمامة " و " السقيفة " و " أخلاق الشيعة " و " المقالات " توفي سنة 247 وقد تقدم ذكره.

(5) الضمير في " عنه " لهشام وفي " فيه " للنص.

(6) " أين " في المخطوطة فقط.

(7) المغني 20 ق 1 / 118.