الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

 

 

فيقال له: الذي يبطل قولك ما قدمناه من الدلالة على كون الإمام لطفا في واحد الأمرين وأنه لا وجه يقطع منه كونه لطفا في الآخر، وليس يجب إذا لم يكن لطفا في شئ أن لا يكون لطفا في غيره، لأن هذا لو وجب للزمك إخراج كثير من الألطاف عن كونها لطفا، لأنه لو قيل لك أتقطع على أن الصلاة لطف في كل تكليف لم يمكنك ادعاء ذلك فيها، لأنك إن ادعيته طولبت بالبرهان ولا برهان يقطع به على عموم كونها لطفا في جميع التكاليف، وإذا جوزت اختصاصها قيل لك: ما تنكر أن يكون جواز أن يكون لطفا في بعض التكاليف كجواز ذلك في الكل فوجب أن تخرجها من أن تكون لطفا جملة، وهذا إن لزمته لم يكن جوابك عنه إلا مثل جوابنا لك، فتأمله!.

قال صاحب الكتاب: " ومنها: أن اللطف في ذلك لا يجوز أن يكون وجود عين (1) الإمام، وإنما هو بيانه وما يكون من قبله فيجب أن يقوم بيان غيره مقام بيانه، وتنبيه العلماء يقوم مقام تنبيه،... " (2) فيقال له: إن أردت أن بيان غيره من العلماء وتنبيهه يقوم مقام بيان الإمام وتنبيه فيما دللنا على أن وجود الإمام لطف فيه من الأفعال فلا، لأن العقلاء يعلمون أن غير الرؤساء والأئمة لا يقومون في هذا الوجه مقامهم، وإن أردت به غير ذلك من الاعتقادات والتنبيه على النظر والاستدلال فيما ذكرته جائز، إلا أنه ليس بقادح في طريقتنا.

قال صاحب الكتاب: " ومنها: أن نفس الحجة إذا استغنى في قيامة بما كلف عن (3) حجة أخرى فما الذي يمنع من مثله في

____________

(1) غ " غير الإمام " وهو تحريف واضح.

(2) المغني 20 ق 1 / 64.

(3) غ " من ".


الصفحة 166
المكلفين،... " (1).

فيقال له: إنما وجب في الحجة الاستغناء عن الحجة الأخرى يكون لطفا له في الامتناع من القبيح، وأداء الواجب (2) لعصمته وكماله، وما وجدنا في غيره ذلك لأنه لو كانت حال غيره من المكلفين كحاله لاستغنى عن إمام كما استغنى هو.

فإن قال: إذا جاز أن يقوم في الحجج والأئمة في باب اللطف والامتناع من القبائح غير الإمام مقام الإمام فلم لا يجوز مثل ذلك في غير الحجج والأئمة؟ وألا جاز أن يعلم الله تعالى ذلك في سائر المكلفين أو أكثرهم فيستغنوا عن الأئمة كما استغنت الأئمة؟.

قيل له: ليس يمتنع أن يعلم الله تعالى من حال بعض المكلفين ممن ليس بإمام أنه لا يختار شيئا من القبيح عند بعض الألطاف التي ليست بإمامة فيفعل ذلك ويكون معصوما لا يحتاج إلى إمام من هذا الوجه، غير أن الذي لا نجوزه هو أن يكون في المعلوم أن غير وجود الأئمة والرؤساء يقوم في لطف من جاز عليه من المكلفين فعل القبيح، ولم يؤمن منه الفساد والافتتان (3) مقام وجودهم حتى يكونوا عنده أقرب إلى فعل الواجب، وأبعد من فعل القبيح، كما يكونوا كذلك عند وجود الأئمة، والذي يمنع من هذا علمنا بأن الناس على طريقة واحدة يفسدون ويفتنون عند فقد الأئمة، ويصلحون ويستقيمون عند وجودهم، ولو كان ما ألزمناه جائزا لم يكن العلم الذي ذكرناه حاصلا على الحد الذي هو عليه،

____________

(1) المصدر السابق.

(3) لا يخفى أن " أداء " معطوفة على " الامتناع ".

(3) الافتتان: الوقوع في الفتنة، والفتنة - بكسر الفاء - تطلق على الضلال والإثم والكفر وغيرها ولعل هذه المعاني هي المرادة هنا.


الصفحة 167
بل كان يجب تجوز كون الناس مع فقد الأئمة على حال السداد والصلاح، ومع وجودهم على حال الفساد والاضطراب، وفي القطع على بطلان هذا دلالة على أنه ليس في الجائز أن يقوم مقام الأئمة فيما ذكرناه غيرهم.

قال صاحب الكتاب: " شبهة أخرى لهم، قالوا: قد علمنا من حال المكلفين أنهم يجوز عليهم الاختلاف فيما كلفوا علمه من المذاهب، فكما يجوز عليهم ذلك فجائز عليهم الاختلاف في الأدلة، والاختلاف في كيفية الاستدلال بها، والنظر فيها، [ وإذا كان كل ذلك جائزا ] (1) فلا بد من قاطع للخلاف.. " (2) ثم تكلم في رد ذلك بكلام طويل بعضه صحيح مثمر (3) وبعضه غير صحيح، وهذه الطريقة التي حكاها (4) غير معتمدة عندنا ولا اعتمدها أحد من أصحابنا المتقدمين ولا المتأخرين، والذي يتعلقون به في باب الاختلاف في المذاهب هو على خلاف هذا الوجه، لأنهم يذكرون ذلك في بعض السمعيات (5) والشرعيات (6) مما يكون فيه الحجج كالمتكافئة،

____________

(1) الزيادة بين المعقوفين من المغني.

(2) المغني ق 1 / 64.

(3) في الأصل " متمر ".

(4) يعني تحت عنوان " شبهة أخرى لهم ".

(5) السمعيات ما يتلقى سمعا كنصوص الكتاب والسنة المطهرة، وتنقسم باعتبار الظن والقطع إلى أقسام، قطعي السند والدلالة كنصوص القرآن والسنة المتواترة إذا كان النص واضحا لا يقبل التأويل واحتمال الضد مثل (أحل الله البيع وحرم الربا) وقطعي السند ظني الدلالة مثل قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء،) البقرة 1 / 22) قروء جمع قرء واختلفوا في المراد في القرء هل هي أيام الحيض أو أيام الطهر، وظني السند والدلالة كأخبار الآحاد مثل (الأئمة من قريش) فهل أن هذا الخبر من حيث السند صحيح وإذا صحل هل المراد الأئمة المنصوص عليهم كما يقول الإمامية، أو المراد الأئمة الذين تختارهم الأمة كما يقول خصومهم وظني السند قطعي الدلالة كأخبار الآحاد في وجوب بر الوالدين وصلة الأرحام.

(6) هي ما بين الشارع حكمها وحدد موضوعها.


الصفحة 168
والأدلة القاطعة مفقودة، وسنتكلم في تصحيح هذه الطريقة، فقد ذكرها صاحب الكتاب تالية لهذا الفصل، وقد كان يجب عليه أن لا يورد في الحكاية عنا هذه الشبهة الضعيفة التي لا يخفى بطلانها على متكلم اللهم إلا أن يكون أصابها في كتاب لنا مشهور أو سمعها من متكلم من أصحابنا حاذق فيضيفها إلى الكتاب أو المتكلم، وإلا فقد أقام نفسه مقام المتهم بإيراد ما سهل عليه نقضه، ويمكنه دفعه.

قال صاحب الكتاب: " شبهة لهم أخرى، وربما تعلقوا باختلاف الأئمة في الفقه والاجتهاد (1)، وقالوا: لا بد من حجة ليقطع هذا الخلاف، لأنه لا يمكن إثبات حجة قاطعة في الكتاب والسنة، ولا بد من أن يكون علم ذلك مستودعا في الإمام،... (2) ".

قال: " وهذا يبطل بما دللنا عليه من إثبات الاجتهاد... " (3).

فيقال له: قد تعلق أكثر أصحابنا بهذه الطريقة، واعتمدوها في الحاجة إلى إمام بعد النبي، وما حكيته من نفي حجة قاطعة في الكتاب والسنة باطل لا يطلقه القوم المستدلون بهذه الطريقة. ووجه ترتيب الاستدلال بها أن يقال: قد علمنا أنه ليس كل ما تمس الحاجة إليه من الشريعة عليه حجة قاطعة من كتاب أو تواتر أو إجماع أو ما يجري مجراهما، بل الأدلة في كثير من ذلك كالمتكافئة، أو هي متكافئة، ولولا ما

____________

(1) في الأصل " والاجتهادات ".

(2) المغني 20 ق 1 / 67.

(3) المصدر السابق نفس الصفحة.


الصفحة 169
ذكرناه ما فزع خصومنا إلى غلبة الظن والاستحسان (1) وغيرهما مما يسمونه اجتهادا، وإذا ثبت ذلك وكنا مكلفين للعلم بالشريعة والعمل بها وجب أن يكون لنا مفزع نصل من جهته إلى ما اختلفت أقوال الأمة فيه.

فأما قولك: " وهذا يبطل بما دللنا عليه من صحة الاجتهاد " فقد دلت الأدلة الواضحة عندنا على إبطال ما تسميه اجتهادا، وأحد ما يدل على ذلك، أن الاجتهاد في الشريعة عندكم هو طلب غلبة الظن فيما لا دليل عليه، والظن لا مجال له في الشريعة، ولا يصح أن يغلب في الظن تحريم شئ منها أو تحليله، لأن الشريعة مبنية على ما يعلمه الله تعالى من مصالحنا التي لا عهد لنا فيها ولا عادة ولا تجربة.

ألا ترى أنه تعالى قد حرم شيئا وأباح مثله، وما هو من جنسه وأباح شيئا وحظر مثله، وما صفاته كصفاته (2)، فكيف يمكن أن يستدرك بالظن الحلال والحرام من هذه الشريعة، وما يوجب الظن ويقتضيه مفقود فيها؟.

وما يذكره خصومنا عند ورود هذا الكلام عليهم من قولهم: " إن الظن يغلب في الشريعة وإن لم يكن له طريق معلوم مقطوع عليه كما يغلب ظن أحدنا أنه إذا أراد التجارة خسر أو ربح، وإذا سلك بعض الطريق عطب (3) أو سلم إلى غير ما ذكرناه مما يغلب ظن العقلاء فيه، وإن لم يمكن الإشارة إلى ما اقتضى الظن بعينه فكذلك لا ينكر أن يغلب ظن العلماء في الشريعة بما يوجب الحاق المحرم بالمحرم والمحلل بالمحلل "، لا يغني عنهم في دفع كلامنا شيئا، لأن سائر ما يذكرونه إنما يغلب ظن

____________

(1) يراجع في قاعدة الاستحسان الموافقات للشاطبي ج 4 ص 205 - 210.

(2) حرم الربا وحلل المضاربة، وأباح النكاح وحظر السفاح وهكذا.

(3) عطب: هلك.


الصفحة 170
العقلاء فيه لتقدم عادة لهم في أمثالهم، أو تجربة، أو سماع خبر من له فيه عادة وتجربة، ولو عروا من جميع ذلك لم يجز أن يغلب ظنونهم في شئ منه، يتبين هذا أن من لم يسافر قط، ولم يسلك طريقا من الطرق ولا سمع بأخبار المسافرين وأحوال الطرق المسلوكة، فلا يجوز أن يظن العطب أو النجاة في بعض الأسفار، وفي سلوك بعض الطرق، وكذلك من لم يتجر قط ولا اتصل به خبر التجارات وأحوال التجارة لا يجوز أن يظن في شئ منها ربحا ولا خسرانا.

وإذا صح ما ذكرناه، وكانت الظنون التي تعلق بها مخالفونا إنما غلبت لاستنادها إلى طرق معلومة ولو قدرنا زوالها لم تحصل تلك الظنون، وكانت جميع الطرق التي تغلب فيها الظنون مفقودة في الشريعة بطل دخول الظن فيها.

فإن قال: هذا يؤدي إلى أن جميع المصححين للاجتهاد من الفقهاء وغيرهم كاذبون فيما يخبرون به من غلبة ظنونهم في الشريعة، ومثل ذلك لا يجوز عليهم مع كثرتهم وتدينهم بمذاهبهم.

قيل له: ليس القوم الذين ذكرتهم كاذبين في وجدانهم أنفسهم (1) على اعتقاد ما، وإنما هم مبطلون في أخبارهم بأنه غلبة ظن والعلم بالفرق بين الاعتقاد والمبتدأ والظن والعلم ليس بضروري، ولا مما يجب أن يعرفه كل أحد من نفسه.

ثم يقال له: ليس ما نقوله من أن الفقهاء وغيرهم من أصحاب الاجتهاد غير ظانين في الشريعة على الوجه الذي تدعونه بأعجب من قولك: إن جميع من خالفك ممن يرى أن الحق في واحد من أهل الاجتهاد

____________

(1) أنفسهم مفعول لوجدان، أي أنهم لم يجدوا أنفسهم كاذبين في ما اعتقدوه.


الصفحة 171
غير عالم في الحقيقة بما يدعي أنه عالم به، وأنهم جميعا كاذبون في قولهم بأنهم عالمون.

وقولهم أيضا أن جميع مخالفيك في أصول الديانات التي طريقها الأدلة والعلم كاذبون فيما يدعونه من العلم بمذاهبهم التي يخالفونك فيها.

فإن قلت: إن هؤلاء لم يكذبوا فيما يجدون أنفسهم عليه من الاعتقاد، وإنما غلطوا في ادعاء كونه علما، وليس كون العلم علما بما يجده الانسان من نفسه ضرورة.

قيل لك: والفقهاء أيضا لم يكذبوا في أنهم يجدون أنفسهم في أمر ما، وإنما غلطوا في تسميته بأنه غلبة ظن، وهو في الحقيقة اعتقاد مبتدأ لا تأثير له.

قال صاحب الكتاب: " وبعد، فلو كان الحق في واحد لكان لا بد من أن يكون عليه دليل كالمذاهب في التوحيد والعدل، فكما يستغنى عن الإمام فيهما لما قدمناه من قبل فكذلك كان يجب الاستغناء عنه في هذه المسائل (1) وأن يقال: إن من خالف الحق إنما أتي (2) من قبل نفسه بأن قصر في النظر والاستدلال الذي يمكنه أن يفعله على الوجه الذي لزما ووجبا (3) وفي ذلك أيضا (4) يمكن الاستغناء عن الإمام،... " (5).

فيقال له: إنما كان ما ذكرته سائغا لو كان كل حق من الشريعة

____________

(1) غ " المسألة ".

(2) غ " أبي ".

(3) أي النظر والاستدلال، وقد حذف محقق المغني ألف التثنية من الكلمتين لأنه لم يجد لهما تخريجا وترك الأمر بين يدي القارئ.

(4) غ " إبطال " ولا شك أنه تحريف ل " أيضا ".

(5) المغني 20 ق 1 / 67.


الصفحة 172
عليه دليل قائم كأدلة التوحيد والعدل، وقد علمنا خلاف ذلك ضرورة، لأنه لو كانت الشريعة بهذه الصفة لما تكلف الناس في التوسل إليها طرق الاجتهاد والاستحسان كما لم يتكلفوا مثل هذا في التوحيد والعدل، والأمر فيما ذكرنا أوضح من أن يخفى على أحد، ومن اعترض (1) مذاهب مخالفينا في الفرع لم يصب على عشرها أدلة قاطعة كأدلة التوحيد والعدل، بل وجد المعول في جميعها أو أكثرها على الاجتهاد والظن وما أشبههما مما هو خارج عن طريقة العلم.

فإن قال: ما ذكرتموه يؤدي إلى الحيرة، وإلى أن الناس قد كلفوا إصابة الحق من غير دليل يصلون إليه من جهته.

قيل له: ما كلف الله تعالى إلا ما مكن من الوصول إليه من شريعة وغيرها، فما نقل من الشريعة عن الرسول صلى الله عليه وآله نقلا يقطع العذر كلفنا فيه الرجوع إلى النقل، وما لم يكن فيه نقل ولا ما يقوم مقامه من الحجج السمعية أما لأن الناس عدلوا عن نقله، أو لأنهم لم يخاطبوا به وعول بهم على قول الإمام القائم مقام الرسول عليه السلام كلفنا فيه الرجوع إلى أقوال الأئمة المستخلفين بعد الرسول، ولهذا؟ جد الحكم في جميع ما يحتاج إليه في الحوادث موجودا فيما ينقله الشيعة عن أئمتهم عليهم السلام، وكل ما تكلف فيه خصومنا القياس والاجتهاد وطرق الظن عند الشيعة فيه نص إما مجمل أو مفصل.

قال صاحب الكتاب: " ويلزمهم على هذه العلة (2) وجود الإمام وظهوره والتمكن من ملاقاته لإزالة هذا الاختلاف، ويلزمهم وجود

____________

(1) اعترض: أي عرضها واحدا واحدا والمراد الوقوف عليها.

(2) وهي وجود الحجة ليقطع الخلاف.


الصفحة 173
الحجة في كل بلد، وعند كل فريق، ويلزمهم إبطال الفتاوى من العلماء لجواز الغلط عليهم، أو على كثير منهم، وأن يوجبوا أن لا يفتي إلا الإمام، ولا يحكم إلا هو، وفي ذلك خروج عن دين المسلمين،... " فيقال له: أما وجود الإمام وظهوره في كل بلد فقد مضى الكلام فيه دفعة بعد أخرى.

فأما الفتاوى فلا تبطل - كما ادعيت - بل يتولاها من استودع حكم الحوادث - وهم الشيعة - بما نقلوه عن أئمتهم عليهم السلام، ومن عدل عن هذا المعدن الذي بيناه لم يكن له أن يفتي، لأنه لا يفتي في الأكثر إلا بما هو عامل فيه بالظن والترجيم (1) فإن قال: هذا تصريح منكم باستغناء الشيعة بما علمته عن إمام الزمان لأنها إذا كانت قد استفادت علم الحوادث عمن تقدم ظهوره من الأئمة عليهم السلام فأي حاجة بها إلى هذا الإمام؟

قيل له: إنما يجب ما ظننته لو كان ما استفدته من هذه العلوم ووثقت به لا يفتقر إلى كون الإمام من ورائهم، وقد علمنا خلاف ذلك، لأنه لولا وجود الإمام مع جواز ترك النقل على الشيعة والعدول عنه لم نأمن أن يكون ما أدوه إلينا بعض ما سمعوه، وليس نأمن وقوع ما هو جائز عليهم مما أشرنا إليه إلا بالقطع على وجود معصوم من ورائهم.

قال صاحب الكتاب: " وبعد، فقد علمنا أن من يعترف (2) بالإمام والحجة قد اختلفوا في مذاهب (3) فيلزمهم الحاجة إلى إمام آخر

____________

(1) الترجيم: تفعيل من الرجم وهو في هذا الموضع مرادف للظن.

(2) غ " يعرف ".

(3) أي في الأحكام.


الصفحة 174
يقطع اختلافهم، وما يوجب الغنى عن ذلك في اختلافهم ينقض ما ذكروه من علتهم،.. " (1) يقال له: ليس ينكر اختلاف من اعترف بالحجة في مذاهب إلا أنهم لم يختلفوا إلا فيما عليه دليل ذهب عن طريقه بعض ووصل إليه بعض، وليس كذلك اختلاف مخالفيهم فيما لا دليل عليه من الشرعيات، ومن شك فيما ذكرناه كانت المحنة (2) بيننا وبينه.

قال صاحب الكتاب: " على أن ما نعرفه من حال من تقدم من الأئمة يمنع من هذا القول لأنهم كانوا لا يمنعون من الاختلاف والاجتهاد، والثابت عن أمير المؤمنين [ عليه السلام ] أنه كان لا يمنع من ذلك، بل كان يجيز لمن يخالفه في المذاهب أن يحكم ويفتي ويوليه الأمور، وكان ينتقل (3) من اجتهاد إلى اجتهاد، وتختلف مذاهبه على ما ظهرت الرواية به، وكل ذلك يبين فساد هذا الجنس من التعليل... " (4).

فيقال له: هذا الكلام في نصرة الاجتهاد فللاستقصاء به موضع غير هذا، غير أنا لا نخلي هذا الموضع من كلام فيه ورد لما اعتمدته.

أما قولك عن أمير المؤمنين عليه السلام وغيره من الأئمة عندك كانوا لا يمنعون من الاجتهاد والاختلاف، فالمعلوم من حالهم خلاف ما ادعيته لأن الثابت عنهم وعن أمير المؤمنين عليه السلام خاصة مناظرة المخالفين ومطالبتهم بالرجوع إلى الحق، وليس يجب أن يستعمل من المنع أكثر مما

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 67.

(2) المحنة: اسم من امتحن، والمراد هنا إما الاختبار أو النظر في القول.

(3) خ " يرجع ".

(4) المغني 20 / 67.


الصفحة 175
ذكرناه، لأن المنع بالقهر أو الضرب والسب إذا كان مما لا يحسن استعماله مع المخالفين في كثير من الأصول فأولى أن لا يستعمل مع المخالف في الفروع، فمن ادعى أنهم سوغوا الاجتهاد من حيث لم يظهر منهم في المنع عنه أكثر من المناظرة والمحاجة والدعاء والترغيب كمن أدعى أنهم سوغوا الخلاف في الأصول لأنهم لم يتعدوا في كثير منها هذه الطريقة، ومما يؤيد ما ذكرناه من إنكار القوم على من خالفهم ما تظاهرت به الرواية عن ابن عباس من قوله: " من شاء باهلته (1) في باب العول " (2) وقوله: ألا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أبا الأدب أبا " (3).

ولهذه الأخبار أمثال كثيرة معروفة:

فأما تولية أمير المؤمنين عليه السلام المخالفين له في المذهب فما نعرف من ولاته من يقطع على خلافه له، ولو ثبت ذلك لم يمتنع أن يفعله عليه السلام على وجه الاستصلاح والتآلف، فالظاهر من أحواله عليه السلام أنه في حال ولايته الأمر لم يكن متمكنا من جميع مراداته وقد صرح بذلك بقوله عليه السلام: " أما والله لو ثني [ ت ] الوسادة لي لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتى يزهر (4) كل كتاب من هذه

____________

(1) المباهلة: الملاعنة والاخلاص في الدعاء والمراد أن تنزل لعنة الله على المبطل.

(2) العول: نقصان الفريضة في الميراث، ولا يقول به الإمامية.

(3) يعني يجعل ابن الابن الذي توفي أبوه في حياة جده مشاركا إخوة أبيه في ميراثهم من أبيهم، ولا يجعل جده مشاركا له في ميراث أبيه.

(4) تزهر: تضئ وتتلألأ. وفي نسخة: " تظهر " وهذه الكلمة من كلماته المشهورة، وهي من خطبة خطبها بعد بيعته عليه السلام، وفي رواية ابن أبي الحديد في الحكم المنثورة " لو كسرت لي الوسادة " وفيها " حتى تزهر تلك القضايا إلى الله عز وجل وتقول: " يا رب إن عليا قضى بين خلقك بقضائك ".


الصفحة 176
الكتب فيقول: يا رب إن عليا قد قضى بقضائك "، وقوله عليه السلام وقد سأله قضاته عما يقضون به: " اقضوا كما كنتم تقضون حتى يكون الناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي " يعني من تقدم موته لحال ولايته من أوليائه وشيعته الذين قبضهم الله تعالى فهم على حالة التمسك بالثقة.

فأما الرجوع من اجتهاد إلى غيره فغير معلوم منه عليه السلام، وأكثر ما يدعيه المخالفون من ذلك ما روي من قول عبيدة السلماني (1) وقد سأله عن بيع أمهات الأولاد فقال: " كان رأيي ورأي عمر أن لا يبعن، ورأيي الآن أن يبعن، إلى آخر الخبر (2) ". وهذا خبر واحد وقد رده أكثر الناس، وطعنوا في طريقه، ولو صح لم يكن مصححا للاجتهاد الذي يدعيه المخالفون، لأنه يمكن - على مذهبنا في حسن التقية بل على وجوبها في بعض الأحوال - أن يكون عليه السلام أظهر موافقة عمر لما علمه في ذلك من الاستصلاح، ولما زال ما أوجب إظهار الموافقة أظهر المخالفة.

وليس لأحد أن يقول: فقد كان يجب أن لا يخالف عمر في شئ من مذاهبه، وقد رأينا [ أنه ] خالفه في كثير منها، لأنه لا يمتنع أن يكون الخلاف في بعض المذاهب يثمر من العداوة والفساد ما لا يثمره غيره وإن

____________

(1) عبيدة - بفتح أوله وزيادة هاء - بن قيس بن عمرو السلماني أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بسنتين ولم يلقه هاجر من اليمن إلى الكوفة زمن عمر مات بعد سنة 70 (أنظر الإصابة 3 / 102 ق).

(2) في حاشية الأصل بتوقيع مصححه السيد فرج الله الحسيني رحمه الله ما هذه حروفه " قوله إلى آخر الخبر يحكي عن قول عبيدة: قال لي أمير المؤمنين عليه السلام بعد هذه الفتيا رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك في الفرقة، وهو - إن صح - كان كقوله لقضاته: اقضوا كما كنتم تقضون إلى آخره وهو إلى التقية أقرب " انتهى.


الصفحة 177
كان في الظاهر كحاله حاله، وهذه أمور تدل عليها الأحوال فيكون.

لبعضها مزية على بعض عند من شاهد الحال، وإن كانت عند غيره ممن لم يشهدها متساوية.

على أنا لو عدلنا عن هذا الجواب - وإن كان ظاهر الصحة، وبين الاستمرار - لم يكن فيما يدعي من الخبر دلالة على صحة الاجتهاد لأنه لا ينكر أن يرجع من قول إلى قول بدليل قاطع، وإنما كان (1) في الخبر متعلق لو ثبت أنه لا يمكن أن يرجع من قول إلى قول إلا بالاجتهاد، فأما إذا كان ممكنا فلا فائدة في التعلق به.

وهذا الجواب وإن كان غير صحيح عندنا لأن أمير المؤمنين عليه السلام لا يجوز أن يخفى عليه الحق المعلوم بالدليل في وقت حتى يرجع إليه في وقت آخر، فإنما ذكرناه لأن أصول من تعلق بهذا الخبر في صحة الاجتهاد لا تنافيه، وإذا كانت أصولهم تقتضي جواز ما ذكرناه بطل تعلقهم به، ولم يكن لهم أن يستدلوا بما أصولهم تقتضي أن لا دلالة فيه.

قال صاحب الكتاب: " شبهة أخرى لهم، وربما قالوا لا بد في صحة ثبات التكليف على المكلفين في كل زمان [ إلى ] أن يعرفوا ما لا يصح لهم غنى عن الأئمة فيه، مما يتصل (2) بمصالح أبدانهم ومعائشهم ومكاسبهم والأمور كلها على الحظر (3)، إلى آخر كلامه... " (4).

فيقال له: قد بينا فيما تقدم من كلامنا أن هذه الطريقة غير

____________

(1) يكون، خ ل.

(2) في الأصل " ومما يصح " وما أثبتناه عن المغني، علما بأن العبارة فيها زيادة ونقصان في الكتابين فأصلحناها من المصدرين على الوجه المذكور.

(3) الحظر: المنع، والمحظور: المحرم.

(4) المغني ق 1 / 69.


الصفحة 178
معتمدة، ولا دلالة على وجوب الإمامة في كل زمان، وإن كان بعض أصحابنا قد تعلق بها، وقلنا: إنه لو قد صح الافتقار في هذه الطريقة المذكورة إلى السمع لما وجبت الحاجة إلى إمام في كل زمان، بل كان التواتر بما بينه الإمام المتقدم يغني عن إمام في كل عصر، وفصلنا بين ما يحتاجون إليه من الأغذية وما لا تقوم أبدانهم إلا به وبين العبادات في أن الأول لا يجوز أن يعدل الناس عن نقله والثاني جائز عليهم ترك نقله لعناد أو شبهة، وأن دواعي العدول عن النقل يصح دخولها في الثاني دون الأول ولا حاجة بنا إلى إعادة ما مضى.

قال صاحب الكتاب: " شبهة أخرى لهم، وربما سألوا فقالوا (1):

ما يوجب الحاجة إلى الرسول والنبي من بيان الشرائع والدعاء إلى الطاعة، إلى غير ذلك، يوجب الحاجة إلى من يقوم مقامه في حفظ شريعته، ويسد مسده، لأنا قد علمنا أنه لا أحد من أمته إلا وقد يجوز عليه أن لا يحفظ البعض أو الكل، وحال جميعهم كحال كل واحد منهم، فلا بد ممن يقوم بحفظ ذلك، وأن يكون معصوما يؤمن منه الغلط والسهو والكتمان، لأن تجويز ذلك عليه ينقض القول بأن الشريعة لا بد من أن تكون محفوظة، وفي ذلك إثبات الحاجة إلى إمام في كل زمان، إذ لا فرق ما بين وجوب الشريعة حتى لا تندرس وبين وجوب مؤديها (2) أولا، فإذا لم يتم حفظ ذلك إلا بوجود إمام معصوم، فلا بد من القول به،... " (3).

قال: " واعلم أن التعلق بذلك في أنه لا بد من حجة في كل زمان لا يصح، لأنه قد يجوز عندنا أن يخلو التكليف العقلي من الشرعي - على

____________

(1) وقالوا، خ ل.

(2) موردها، خ ل وكذلك هي في المغني.

(3) المغني 20 ق 1 / 68.


الصفحة 179
ما بيناه من قبل - فإذا لم يكن شرع لم تجب الحاجة إلى حجة في الزمان، وإنما يمكن التعلق بذلك في أنه لا بد من حجة بعد وجود الرسل، وهذا أيضا لا يصح لأن في الرسل من يجوز أن يكلف أداء الشريعة إلى من يشاهده ولا تكون شريعته مؤبدة، بل تكون مخصوصة بزمانه وقومه،... إلى آخر كلامه " (1).

يقال له: ما نراك تخرج فيما تحكيه من طرقنا وأدلتنا عن إيراد ما لا نعتمده جملة، ولا نرتضيه دلالة وطريقة، وإيراد ما يتعلق به بعضنا فلا يرتضيه أكثرنا، والمحققون منا، أو تحريف المعتمد (2)، وتنحيته وإزالته عن نظمه وترتيبه، أو حكاية لفظ ربما عبر به بعض أصحابنا، وتفسيره على خلاف المراد وضد الغرض.

فأما هذه الطريقة التي حكيتها آنفا فترتيب الاستدلال بها على خلاف ما رتبته وهو أن يقال: قد علمنا أن شريعته نبينا عليه السلام مؤبدة غير منسوخة، ومستمرة غير منقطعة، فإن التعبد لازم للمكلفين إلى أوان قيام الساعة، ولا بد لها من حافظ، لأن تركها بغير حافظ إهمال لأمرها، وتكليف لمن تعبد بها ما لا يطاق، وليس يخلو أن يكون الحافظ معصوما أو غير معصوم، فإن لم يكن معصوما لم يؤمن من تغييره وتبديله (3)، وفي جواز ذلك عليه - وهو الحافظ لها - رجوع إلى أنها غير محفوظة في الحقيقة:، لأنه لا فرق بين أن تحفظ بمن جائز عليه التغيير والتبديل والزلل والخطأ وبين أن لا تحفظ جملة إذا كان ما يؤدي إليه القول بتجويز ترك حفظها يؤدي إليه حفظها بمن ليس بمعصوم، وإذا ثبت أن الحافظ لا بد

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 69.

(2) يعني أو إيراد تحريف المعتمد التحريف.

(3) أي تغيير الشريعة وتبديل الأحكام.


الصفحة 180
أن يكون معصوما استحال أن تكون محفوظة بالأمة وهي غير معصومة، والخطأ جائز على آحادها وجماعتها، وإذا بطل أن يكون الحافظ هو الأمة فلا بد من إمام معصوم حافظ لها.

وهذا على خلاف ما ظنه صاحب الكتاب لأن من أحسن الظن بأصحابنا لا يجوز أن يتوهم عليهم الاستدلال بهذه الطريقة مع تصريحهم في إثباتها بما يوجب الاختصاص بشريعتنا هذه على وجوب الإمامة في كل عصر وأوان، وقبل ورود الشرع.

فإن قال: وأي فائدة في الاستدلال على وجوب الإمامة بعد نبينا صلى الله عليه وآله ونحن متفقون على وجوبها بعده؟

قيل له: ليس الاتفاق بيننا وبينك يوجب دفع الخلاف من جميع فرق الأمة، وقد علمنا أن في الأمة من يخالف في وجوب الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله (1) فليس يمتنع أن نحاجه (2) بما ذكرناه.

وبعد، فلو كان الوفاق مع جميع الأمة ثابتا في وجوب الإمامة لم يكن وفاقنا على طريقتنا التي ذكرناها، لأنا نوجب الإمامة بهذه الطريقة من جهة حفظ الشريعة، وهذا يخالفنا فيه الكل.

قال صاحب الكتاب: " فعند ذلك يقال لهم: إن شريعة النبي صلى الله عليه وآله وإن كان لا بد من أن تكون محفوظة فمن أين

____________

(1) كأبي بكر الأصم من المعتزلة، والخوارج فقد كانوا في بدء أمرهم يقولون ذلك ويذهبون أنه لا حاجة إلى الإمام، وجعلوا شعارهم " لا حكم إلا الله " ومرادهم لا إمرة إلا الله فقال علي عليه السلام " كلمة حق أريد بها باطل، نعم لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة " الخ كلامه عليه السلام ولكنهم رجعوا عن هذا القول لما أمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي.

(2) نحاجه: تغلبه بالحجة عندما ترد عليه.


الصفحة 181
أنها لا تحصل محفوظة إلا بالإمام المعصوم؟ وهل عولتم في ذلك إلا على دعوى فيها تخالفون؟.

ويقال لهم: هلا (1) جوزتم أن تصير محفوظة بالتواتر كما صارت واصلة إلى من غاب عن الرسول في زمنه بطريق التواتر فإن منعوا من ذلك لزمهم إثبات حجة وهو عليه السلام حي كما يقولون بإثباته بعد وفاته، إذ العلة واحدة، ومتى قالوا في حال حياته أنه يصل إلى من غاب [ عنه ] بالتواتر فكذلك من بعده،... " (2) يقال له: " أما قولك: " وهل عولتم إلا على دعوى فيها تخالفون ".

فقد بينا أن الحافظ ليس يخلو من أن يكون الأمة أو الإمام، وأبطلنا أن تكون الأمة هي الحافظة فلا بد من ثبوت الحفظ للإمام وإلا وجب أن تكون الشريعة مهملة.

فأما إلزامك تجويز حفظها بالتواتر على حد ما كانت تصل الأخبار في حياة الرسول صلى الله عليه وآله إلى من غاب عنه فقد رضينا بذلك، وقنعنا بأن نوجب في وصول الشريعة إلينا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ما نوجبه في وصوله إلى من غاب عنه حال حياته، لأنا نعلم أنها كانت تصل إلى من بعد عنه صلوات الله عليه وآله بنقل وهو عليه السلام من ورائه، وقائم بمراعاته، وتلافي ما ثلم (3) فيه من غلط وزلل، وترك الواجب، فيجب أن يكون من وراء ما ينقل إلينا بعد وفاته من شريعته معصوم يتلافى ما يجري في الشريعة من زلل وترك الواجب كما كان ذلك في

____________

(1) " هلا " ساقطة من المغني.

(2) المغني 20 ق 1 / 70.

(3) كذا بالأصل والمظنون " ما يلم " أي ينزل به وفي خ " ما يتم ".


الصفحة 182
حياته وإلا فقد اختلف الحال، وبطل حملك أحدهما على الأخرى.

فأما قولك: " لزمهم إثبات حجة وهو عليه السلام حي " فعجيب، وأي حجة هو أكبر من النبي المعصوم المؤيد بالملائكة والوحي صلوات الله عليه [ وآله ]؟!.

وكيف تظن أنا إذا أوجبنا أن يكون وراء المتواترين حجة أن لا نكتفي بالنبي صلى الله عليه وآله وهو سيد الحجج في ذلك.

قال صاحب الكتاب: " ثم يقال لهم: " خبرونا عن الحجة والإمام الذي يحفظ الشرع، أيؤديه إلى الكل أو إلى البعض؟ ولا يمكن أن يلقاه الكل فلا بد من أن يؤدي إلى البعض قيل لهم: أفليس الشرع يصل إلى الباقين (1) بالتواتر، فهلا جوزتم وصول شرعه عليه السلام إلينا بمثل هذه الطريقة ويستغنى عن الحجة كما يستغنى عن حجج ينقلون الشرع عن الحجة... " (2).

يقال له: الإمام عندنا مؤد للشرع إلى الكل فبعضه مشافهة، وبعضه بالنقل الذي هو من ورائه، فمتى لم يؤد ووقع تفريط فيه من الناقلين تلافاه بنفسه أو بناقل سواهم، فإن الزمت في نقل الشريعة مثل هذا فما نأباه، بل هو الذي ندعو إليه ونحدو (3) على اعتقاده، وهو أن تكون الشريعة منقولة، وفي الناقلين حافظ لها، ومراع لما يعرض فيها، ومتلاف لما يفرط فيه الناقلون ويعدلون عن الواجب عليهم في أدائه.

قال صاحب الكتاب: " ثم يقال لهم: يلزمكم على هذه العلة

____________

(1) غ " إلى الناس ".

(2) المغني 20 ق 1 / 70.

(3) نحدو: نحث، كأنه مأخوذ من حدو الإبل: أي سوقها والغناء لها.