الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

 

وبعد، فليس يخفى كلام من قصده الحكاية، وذكر المقالة من كلام المشيد لها، الجاهد له (1) نفسه في تصحيحها وترتيبها. ومن وقف على كتب الجاحظ التي ذكرناها علم أن قصده لم يكن الحكاية، وكيف يقصد إلى ذلك من أورد من الشبه والطرف ما لم يخطر كثير منه ببال أهل المقالة التي شرع في حكايتها. وليس يخفى على المنصفين ما في هذه الأمور.

وأما أبو حفص الحداد فلسنا ندري من أي وجه أدخل في جملة الشيعة. لأنا لا نعرفه منهم، ولا منتسبا إليهم، ولا وجد له قط كلام في الإمامة، وحجاج عنها؟ فليس ادعاؤه أنه من جملتهم من تبريهم منه، وأنه لم يظهر منه ما يقتضي لحوقه بهم إلا كادعائهم عليه أنه من المعتزلة فليس بعده من أحد المذهبين إلا كبعده من الآخر.

فأما أبو عيسى الوراق فإن التثنية (2) مما رماه بها المعتزلة، وتقدمهم في قذفه بها ابن الراوندي لعداوة كانت بينهما، وكانت شبهته في ذلك وشبهة غيره تأكيد أبي عيسى لمقالة الثنوية في كتابه المعروف ب (المقالات) وإطنابه في ذكر شبهتهم، وهذا القدر إن كان عندهم دالا على الاعتقاد فليستعملوه في الجاحظ وغيره ممن أكد مقالات المبطلين ومحضها وهذبها (3) فأما الكتاب المعروف ب (المشرقي) وكتاب (النوح على البهائم) فهما

____________

(1) المشيد: الباني والجاهد: المجد والضمير في له ل " كلام ".

(2) التثنية: هي القول بالاثنين الأزليين. ويقال لأصحاب هي العقيدة الثنوية.

لأنهم يزعمون: أن النور والظلمة أزليان قديمان، أنظر الملل والنحل للشهرستاني 1 / 244.

(3) محضها: خلصها عما يخالطها. وهذبها: نقاها.


الصفحة 90
مدفوعان عنه، وما يبعد أن يكون بعض الثنوية عملهما على لسانه، لأن من شأن من يعرف ببعض المذاهب أن يضاف إليه مما يدخل في نصرتها الكثير، وليس بنا أن نضيف مثل هذه المذاهب القبيحة إلى من لم يكن متظاهرا بها، ولا مجاهرا باعتقادها. وإن لم يكن يتبرأ منها، ويتبرأ من أهلها. لأن الدين يحجز عن ذلك ويمنع منه، ولا نعمل إلا على الظاهر، وأن واحدا أو اثنين ممن انتسب إلى التشيع واحتمى به لو كان في باطنه شاكا أو ملحدا أي تبعة تلزم بذلك نفس المذهب وأهله إذا كانوا ساخطين لذلك الاعتقاد، ومكفرين (1) لمعتقده والذاهب إليه؟ ولو جعل مثل هذا وصمة على المذهب وعيبا على أهله لكانت جميع المذاهب موصومة معيبة، لأنها لا تخلو من أن ينسب إليها من لم يكن في الحقيقة منها، وأين المعير بما تقدم. والقادح به عن قول شيوخه وأسلافه القبيحة. ومذاهبهم الشنيعة؟ وكيف لم يذكر قول أبي الهذيل (2) بتناهي مقدورات الله تعالى ومعلوماته، وقوله: " إن علم الله تعالى هو الله " (3) وهذا أقبح من القول المحكي عن هشام رحمه الله لأن أبا الهذيل قد قال في تناهي المعلوم بأقبح من قوله وأضاف إليه المقدور.

وقول النظام: إن الله لا يقدر على الظلم " وحمله أن قال: " لو أن طفلا وقع في شفير جهنم لم يوصف الله تعالى بالقدرة على إلقائه فيها،

____________

(1) في الأصل " ومكفرون " ويصح على الاستئناف فتكون خبرا لمبتدأ محذوف، ولكن العطف هنا أقرب.

(2) أبو الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف مولى عبد القيس من شيوخ المعتزلة ومتكلميهم أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل سنة 235 في أول أيام المتوكل العباسي.

(3) أنظر مقالات الاسلاميين للأشعري 2 / 482.


الصفحة 91
وإن كان يجوز وصف الملائكة والزبانية بذلك " وقوله بالمداخلة والطفرة (1)، وأنه لا نهاية لأجسام العالم في التجزي، ونفيه الأعراض وهذا مزج التعطيل والالحاد بالتجاهل والعناد.

وقول معمر (2): " من زعم أن الله يعلم نفسه فقد أخطأ لأن نفسه ليست غيره والمعلوم غير العالم " (3)، واعتقاده أن الأمراض والأسقام من فعل غير الله تعالى (4)، وكذلك الألوان والطعوم والأراييح التي في العالم (5).

وقول هشام بن عمرو الفوطي (6) بنفي دلالة الأعراض على الله

____________

(1) المداخلة: القول بأن الروح جسم لطيف مشابك للبدن، مداخل للقلب بأجزائه مداخلة الدهنية بالسمسم والسمنة في اللبن، والطفرة: أن الجسم الواحد قد يصير في المكان الثالث فون أن يمر على الثاني، وأحال أصحابه أن يصير الجسم إلى مكان دون أن يمر بما قبله.

(2) معمر بن عباد السلمي من أئمة المعتزلة توفي سنة 220.

(3) الملل والنحل 1 / 68.

(4) مقالات الاسلاميين 2 / 548.

(5) لأنه قال: " إن الله لم يخلق شيئا غير الأجسام. فأما الأعراض فإنها من اختراعات الأجسام إما طبعا كالنار التي تحدث الاحراق والشمس التي تحدث الحرارة وإما اختيارا كالحيوان الذي يحدث الحركة والسكون (الملل والنحل 1 / 66).

(6) هشام بن عمرو الفوطي من المعتزلة وإمام فرقة منهم تسمى الهشامية توفي سنة 226 وكان يرى أن الجنة والنار ليستا بمخلوقتين الآن إذ لا فائدة في وجودهما وهما خاليتان ممن ينتفع ويتضرر بهما وبقيت هذه المسألة منه اعتقادا للمعتزلة وكان يجوز قتل واغتيال المخالف لمذهبه، وأخذ أموالهم لاعتقاده بكفرهم. والفوطي كما ضبطه ابن حجر في لسان الميزان 6 / 164، بضم الفاء وإسكان الواو، اه كأنه نسبه إلى بيع الفوط - كصرد - ثياب تجلب من السند أو مآزر مخططة واحدتها فوطة بالضم أو هي لغة سندية وغلط من كتبه بالغين المعجمة ظنا منه أن النسبة إلى غوطة الشام.


الصفحة 92
تعالى (1)، واعتقاده أن حرب الجمل لم يكن عن قصد من أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه، ولا من عائشة وطلحة والزبير وأصحابهم، ولا برضى منهم. وإنما اجتمعوا لتقرير الأمور وترتيبها حتى وقع بين نفر من الأعراب من أصحاب الجميع الحرب والكبراء ساخطون لها. وتخطئة من زعم أن الله تعالى يعلم الأشياء قبل كونها.

وهذا القول الذي حكوه عن هشام بن الحكم رحمه الله تعالى مع نفي أصحابه له قد صححوه عن شيخهم (2).

وغلط الجاحظ قبيح في المعرفة، واعتقاده استحالة أن يقدر الله تعالى على إعدام الأجسام، وقوله: " إن الله لا يخلد كافرا في النار ولا يدخله إليها، وإن النار هي التي تدخل الكافر إليها " حتى حكى عن بعض أصحابه وقد سئل عن معنى هذا القول: وكيف صارت النار تدخل الكفار نفسها؟ فقال: " لأنهم عملوا أعمالا صارت أجسادهم إلى حال لا يمتنع النار إذا جاورتها في القيامة من اجتذابها إليها بطباعها " (3) وقوله ثمامة (4) في المانية (5) وذهابه في أن المعارف ضرورية إلى

____________

(1) الملل والنحل 1 / 72.

(2) يعني أبا الهذيل العلاف.

(3) نقل كل ذلك عن الجاحظ الشهرستاني في الملل والنحل 1 / 75، وقال عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق ص 105 ومن فضائح الجاحظ قوله باستحالة عدم الأجسام بعد حدوثها. كما نقل ذلك القاضي أيضا في كتاب النظر والمعارف من المغني وانظر مقدمة الجزء الثاني من المغني ص / ر.

(4) هو ثمامة بن أشرس من علماء الكلام في العصر العباسي، وقد قرب الرشيد منزلته وكذلك المأمون أخذ عن بشر بن المعتمر وكان يرى - كالجاحظ - أن المعارف ضرورية يعني من لم يضطر إلى معرفة الله تعالى عن اقتناع ومعرفة فليس عليه أمر ولا نهي وينتج من هذا أن الكفار والأطفال الذين لا يستطيعون المعرفة سيكونون رأيا فلا ثواب ولا عقاب، ودافع عنه أبو الحسين الخياط في الانتصار: بأنه يرى أن الكفار عرفوا بما أمروا به وما نهوا عنه ثم قصدوا الكفر أما من لم يجد للمعرفة سبيلا فلا حجة عليه، وليس يهوديا ولا نصرانيا ولا كافرا. ويرى ثمامة أن الأفعال مثل حركة اليد ليست من فعل الانسان وإلا كان قادرا مثل الله تعالى على خلق حقائق جديدة ولا تضاف إلى الله تعالى لأن ذلك يؤدي إلى فعل القبيح. فالمتولدات أفعال لا فاعل لها وقائمة في الطباع فلا فعل للانسان إلا الإرادة، والعالم فعل الله بطباعه أنظر (الملل والنحل 1 / 89 والانتصار).

(5) المانية: نسبة إلى ماني بن بابك من حكماء الفرس كان في عصر سابور بن اردشير وقتله بهرام بن هرمز لأنه أخذ دينا بين المجوسية والنصرانية، وزعم أن العالم مصنوع من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة وأنهما أزليان إلى آخر مقالته أنظر الملل والنحل للشهرستاني 1 / 70.


الصفحة 93
أقبح من مذهب الجاحظ وأغلظ، واعتقاده أنه لا فعل للعباد إلا الإرادة فقط. وما سوى ذلك فهو حدث لا محدث له.

وكيف ذهب عن حكاية الجاحظ عن واصل بن عطاء (1) وعمرو بن عبيد ما يطم (2) على كثير مما تقدم؟

ونحن نحكي لفظه بعينه، قال: " كان واصل بن عطاء يجعل عليا وطلحة والزبير بمنزلة المتلاعنين (3) يتولى كل واحد منهم على حاله، ولا يتولاهما مجتمعين، وكذلك قوله: في إجازة شهادتهم مجتمعين

____________

(1) واصل بن عطاء المعتزلي المعروف بالغزال مولى بني ضبة أو بني مخزوم كان يلثغ بالراء لثغة قبيحة فكان يخلص كلامه ولا يفطن لذلك لاقتداره على الكلام. وهو رأس المعتزلة وأول متكلميهم. له مصنفات وإخباره كثيرة ولد بالمدينة سنة 80 وتوفي سنة 181 (يراجع في ترجمته وفيات الأعيان 6 / 7، ولسان الميزان 6 / 214، ومرآة الجنان 1 / 274).

(2) يطم: يدفن ويغطي ومن أمثالهم: فوق كل طامة طامة.

(3) ونقل ذلك عن واصل: الشهرستاني في الملل والنحل 1 / 49.


الصفحة 94
ومتفرقين، وكان عمرو بن عبيد لا يجيز شهادتهما (1) مجتمعين ولا متفرقين وكان يفصل بين الولاية والشهادة، وكان يقول: " قد أتولى من لا أقبل شهادته، وقد وجدت المسلمين يتولون كل مستور من أهل القبلة. ولو شهد رجل من عرضهم (2) على عثمان وأبي بكر أو عمر بن الخطاب سأل الحاكم عنه السؤال الشافي فأنا أتهم كل واحد منهما بسفك تلك الدماء، وقد أجمعوا على أن المتهم بالدماء غير جائز الشهادة ".

هذه ألفاظه حرفا بحرف في كتابه المعروف ب (فضائل المعتزلة) ولا حكاية أصح وأولى بالقبول من حكاية الجاحظ عن هذين الرجلين (3) وهما شيخا نحلته، ورئيسا مقالته.

وقد ذكر أيضا هذه الحكاية البلخي في (كتاب المقالات) (4)،

____________

(1) نقله الشهرستاني في الملل والنحل 1 / 49 وعمرو بن عبيد بن باب مولى بني عقيل كابلي من جبال السند متكلم مشهور، وكان أبوه يخلف أصحاب الشرط بالبصرة فكان الناس إذا رأوا عمرا مع أبيه قالوا هذا خير الناس ابن شر الناس، فكان إذا سمع ذم الناس له ومدحهم لولده يأخذه الحسد فيقول: وأي خبر يكون من ابني وقد أصبت أمه من غلول وأن أبوه كان صاحب المنصور وصديقه قبل أن يتولى الأمر فلما ولي الخلافة دخل عليه ووعظه وفيه يقول المنصور:


كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد

غير عمرو بن عبيد

توفي سنة 144، (تاريخ بغداد 12 / 166 ميزان الاعتدال 3 / 273 وفيات الأعيان 3 / 130.

(2) من عرضهم - بضم العين المهملة - من بينهم.

(3) أي واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد.

(4) كتاب المقالات لأبي القاسم عبد الله بن محمود البلخي البغدادي وهو من أكابر علماء المعتزلة وقد شرح كتابه هذا قاضي القضاة أحمد بن عبد الجبار صاحب " المغني " أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 7 و 8.


الصفحة 95
وأسندها إلى الجاحظ، وقال عند انتهائها: " وبعض أصحابنا يدفع ذلك عن عمرو بن عبيد، ويقول: إن عمرا لم يكن بالذي يخلف واصلا.

ويرغب عن مقالته " فكأنه صحح عليها المذهب الأول الذي هو اعتقاد " أنهما كالمتلاعنين، وأن شهادتهما تقبل إذا كانا متفرقين، ولا تقبل إذا كانا مجتمعين " ولم يكن عنده في دفع المذهب الثاني أكثر من حكايته عن بعض أصحابه بتنزيه عمرو عن مخالفة واصل، وهذا إنكار ضعيف، والمنكر له للعلة التي حكاها كالمقر به، بل أقبح منه حالا.

ومن عجيب أن هؤلاء القوم. وقبيح تعصبهم أنهم يناقضون شيخهم أبا عثمان الجاحظ في المعارف والطبائع وهما أصلان من أصول الدين كبيران ليس الغلط فيهما يسيرا (1)، وفي تضليله لوجوه الصحابة، والشهادة عليهم بتكلف ما لا يعنيهم. والذهاب عما يهمهم، ثم في سلبه أمير المؤمنين عليه السلام مرتبته في الفضل، ودفعه أكثر ما روي من فضائله ومناقبه، وتأوله ما استحيى هو من دفعه المتأول الذي يخرجه به عن الشهادة بالفضل، والقضاء بالتقدم حتى أخرجه ذلك إلى القدح في إمامته في الكتاب المعروف ب " المروانية " وإقامة المعاذير لمعاوية في حربه، وخلع طاعته، إلى غير ما ذكرناه من الأمور التي لا يقدم عليها مسلم.

ولا يتحاسن (2) على التظاهر بها مؤمن ولا متدين، وهم في كل ذلك يذكرونه (3) بأحسن الذكر! ويثنون على بأفضل الثناء، ولا يجرون ذكره

____________

(1) نقل ذلك عن الجاحظ القاضي في كتاب النظر والمعارف من المغني وأطال في رده أنظر ج 12 ص 235 و 306 فما بعدها.

(2) التحاسن: التظاهر بأن هذا الشئ حسن.

(3) أي أن المعتزلة مع ما يعلمون من آراء الجاحظ وأقواله التي لا يقدم عليها مسلم ولا يتظاهر بها يذكرونه الخ.


الصفحة 96
إلا مع مشيختهم، وتشييخهم له (1) ورغبتهم إلى الله تعالى في الرضوان عليه، حتى كأنهم إنما يناقضونه في بعض مسائل الاجتهاد كلمس الذكر، (2) ورفع اليدين في التكبير (3)، وما جرى مجراهما، ولا يدعوهم ما ظهر من خلافه العظيم،، وإقدامه على ما إن لم يوجب تكفيره فأقل أحواله أن يوجب تفسيقه. ويمنع من تعظيمه إلى الطعن عليه والبراءة منه، أو إلى أن يمسك ويكف عن الأمرين ويريد (4) منا أن نرجع عن ولاء هشام بن الحكم رحمة الله عليه، واعتقاد زكاته لأجل دعواهم عليه ما لا حقيقة له عندنا، ولا مرجع فيه إلا إلى أقوالهم المحرفة. وحكاياتهم المضعفة، ومن نظر فيما ذكرناه علم طريقة القوم في عشق مذهبهم، والتعصب لنحلتهم، وأن غرضهم تمزيق نصرتنا بكل حق وباطل، وغث وسمين.

فأما قوله: " وإنما يخرج عن هذه الطريقة من يكون مقلدا ممن يسلك في الإمامة المسلك الذي ذكرناه، فأما من لم يتحقق (5) بما قدمناه

____________

(1) بقولهم عند ذكره " شيخنا " وكثيرا ما رد هذه الكلمة ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة.

(2) يريد ما ذهب إليه بعض الفقهاء كالشافعي وأحمد من أن لمس الذكر بلا حائل ناقض للوضوء، والحق بعضهم فرج المرأة بذلك وذهبت الإمامية إلى أنه غير ناقض ولكنهم ذهبوا إلى تجديد الوضوء استحبابا (أنظر تفصيل ذلك في نيل الأوطار 1 / وغيره من المجاميع الفقهية.

(3) أجمعت الأمة على مشروعية رفع اليدين عند تكبيرة الاحرام. على خلاف بين الوجوب والاستحباب وكونه قبلها أو بعدها أو مقارنا لها واختلفوا في مشروعية الرفع فيما عدا ذلك عند التكبير قبل الركوع والسجود وبعدهما ومذهب الإمامية المشروعية في كل ذلك (أنظر نيل الأوطار 2 / 148 فما بعدها).

(4) أي ويريدون منا الرجوع عن اعتقاد تزكيته.

(5) غ " لا يتحقق ".


الصفحة 97
من الطريق (1) في الإمامة، وسلك طريقة متوسطة بين العقل والشرع ممن كان يتمسك بالتوحيد والعدل فهو برئ مما نسبناه إلى من تقدم ذكره كأبي الأحوص والنوبختية (2) وغيرهم لأنهم لا يسلكون ما قدمناه، وإنما يتبعون في الأكثر طريقة السمع وإن كانوا ربما التجؤوا إلى طريقة العقل،... (3) " فكلام ينقض بعضه بعضا ومع أنه كذلك قد تضمن غلطا على القوم المذكورين في مذاهبهم، وإنكار اللطف من مقالتهم إما تعمدا على سبيل التلبيس والمغالطة أو سهوا وكلاهما قبيح.

فأما وجه المناقضة فإن صاحب الكتاب إنما نسب إلى من تقدم الإلحاد وقرفهم به (4)، وبإبطال الشرائع (5)، ونقض الأصول من حيث ذهبوا إلى وجوب الإمامة من طريق العقول، وأن الإمام يجب أن يكون معصوما منزها كاملا وافرا عالما فاضلا (6) ثم برأ أبا الأحوص والنوبختية مما

____________

(1) غ " الطرائق ".

(2) بنو نوبخت منسوبون إلى نوبخت المنجم بيت معروف من الشيعة نبغ فيهم علماء وفقهاء أشهرهم أبو سهل إسماعيل بن علي وأبو محمد الحسن بن موسى ولهم خلاف يسير في بعض المسائل الكلامية.

(3) المغني 20 / 38.

(4) وقذفهم، خ ل.

(5) في الأصل: وبإبطاله الشرائع.

(6) من عقائد الإمامية أن الأنبياء جميعا من آدمهم إلى خاتمهم وكذلك الأئمة من أولهم إلى قائمهم معصومون من جميع الذنوب والمعاصي والرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن من أول حياتهم إلى حين وفاتهم عمدا وسهوا كما يجب أن يكونوا معصومين من الخطأ والنسيان، والتنزه عما ينافي المروة ويدعو إلى الاستهجان، والدليل على وجوب العصمة أنه لو جاز أن يفعل النبي المعصية أو الخطأ وينسى وصدر منه شئ من هذا القبيل فأما أن يجب اتباعه في فعله الصادر منه خطأ أو نسيانا أو لا يجب، فإن وجب اتباعه فقد جوزنا فعل المعاصي برخصة من الله تعالى، بل أوجبنا ذلك. وهذا باطل بضرورة الدين والعقل. وإن لم يجب اتباعه فذلك ينافي النبوة التي لا بد أن تقترن بوجوب الطاعة أبدا، والإمام في ذلك كالنبي، لأنه الحافظ للشريعة، المبين لها، والقائم عليها، وليس في ذلك شئ من الجبر فهم معصومون مع قدرتهم من فعل المعصية، وخالف في ذلك بقية فرق المسلمين على تفصيل لا يسعه المقام. وكل ما ورد من ظاهر القرآن الكريم من منافي العصمة فمؤول، من أراد المزيد فعليه بمراجعة كتب الإمامية مثل تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى وعقائد الإمامية للمظفر.


الصفحة 98
قذف به من تقدم. وادعى عليهم أنهم لا يقولون بمثل قولهم، يعني في الرجوع إلى العقول في باب الإمامة.

ثم قال في آخر الفصل: " وإن كانوا ربما التجؤوا إلى طريقة العقل " فأدخلهم بهذا القول في جملة من تقدم، وأوجب فيهم كل ما وصف به المتقدمين من حيث لا يشعر لإضافته إليهم الالتجاء إلى الطريقة التي هي عنده سبب تهمة من ذكر فقذفه، وهذا تناقض ظاهر.

فأما غلطه على القوم فبين، لأن المعلوم منهم اعتقاد وجوب الإمامة، وأوصاف الإمام من طريق العقول والاعتماد عليها في جميع ذلك وإن كانوا ربما استدلوا بالسمع استظهارا وتصرفا في الأدلة، وليس كل من استدل على شئ بالسمع فقد نفى دلالة العقل عليه، وهذه كتب أبي محمد وأبي سهل رحمهما الله في الإمامة تشهد بما ذكرناه. وتتضمن نصرة جميع ما ذكره أبو عيسى الوراق وابن الراوندي في كتبهما في الإمامة، بل قد اعتمدا على أكثر ما ذكراه من الأدلة، وسلكا في نصرة أصول الإمامة تلك الطرق بعينها. ومن خفي عليه ما ذكرناه من قولهم ظالم لنفسه بالتعرض للكلام في الإمامة!.

فأما قوله: " وأحد ما يدل على أن الإمامة لا تجب من جهة العقل

الصفحة 99
أن الإمام إنما يراد لأمور سمعية كإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام وما شاكلها، وإذا كان ما يراد له الإمام لا مدخل للعقل فيه فبأن لا يكون له مدخل في إثبات الإمامة أولى... " (1) فقد تقدم من كلامنا في إبطاله ما يغني، وبينا أن ما يراد له الإمام أمر يتعلق بواجبات العقل، وأن الحاجة إليه واجبة سواء وردت العبادة بالسمع أو لم ترد، وليس إذا كان أحد ما يراد الإمام له ما جاء به السمع كإقامة الحدود وما أشبهها يجب أن تبطل الحاجة إليه من وجه آخر. وإنما كان في هذا الكلام شبهة لو كانت الحاجة إليه في الأمور السمعية تنافي الحاجة في الأمور العقلية، فأما إذا لم يكن كذلك فلا طائل (2) فيما ذكره.

فأما قوله: " فإن قالوا: إنا لا نسلم أن الإمام يراد لما ذكرتموه فقط... " - وقوله -: " فطريق الكلام معهم أن يقال: لا بد من أن يكون قيما بأمر ما (3)، إما أن يكون بما ذكرناه، أو يكون حجة وقد أبطلنا ذلك... " (4) فقد سلف الكلام على ما ظن به صاحب الكتاب أنه أبطل كونه حجة. ودللنا على أنه لطف في الدين وحجة بما لا شبهة في مثله.

فأما قوله: " فإن قالوا: ألا يحتاج إليه ليؤدي عن الرسول الشريعة،... "؟ وقوله: " فقد علمنا أن التواتر يغني عن ذلك. وكذلك الاجماع،... " (5) فقد مضى في التواتر ما يكفي.

____________

(1) المغني 20 ق / 1 / 39.

(2) يقال: هذا أمر لا طائل فيه إذا لم يكن غنى ومزية، يقال ذلك في التذكير والتأنيث، ولا يتكلم به إلا في الجحد.

(3) غ " أن يكون لأمر ما ".

(4) المغني 20 ق 1 / 39.

(5) المغني 20 ق 1 / 39.


الصفحة 100
فأما الاجماع فإنا وإن ذهبنا إلى أنه لا يجوز أن ينعقد على باطل من حيث استقر عندنا أن في جملة المجمعين معصوما فليس يجوز أن يجعل الإمام حجة قبل ثبوت وجود المعصوم. وكونه في جملة المجمعين، فمن هاهنا قلنا: إن الاجماع لا يستغنى به عن الإمام، فكيف يتوهم عاقل الاستغناء بالتواتر والاجماع عن مؤد للشريعة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتسعة أشعار ما يحتاج إليه لا إجماع فيه، ولا تواتر به؟ ولو عول بما في الشريعة على التواتر والاجماع لوجب أن يكون ما لم يجمع عليه ولم يتواتر الخبر به ليس من الشريعة. أولا حجة علينا فيه، وكلا الأمرين فاسد.

فأما قوله: " فإن قالوا بجواز الخطأ عليهما (1) " (2) فقد بينا فساد ذلك، وبينا أيضا أن إثبات الإمام لا يصح إلا بإثبات التواتر، فهو كالفرع على صحته. ولا يصح مع بطلانه القول بإثبات الإمامة، فليس الأمر كما توهم. لأن التواتر عندنا ليس بطريق إلى إثبات أعيان الأئمة في الجملة، ووجوب وجودهم في الأعصار، بل طريق ذلك هو العقل وحجته، وإنما التواتر طريق إلى إثبات أعيان الأئمة، ولكون الإمام فلانا دون غيره، وإن كان إلى ذلك أيضا طريق آخر وهو المعجز، فكيف يظن أنه لا يصح القول بالإمامة مع بطلانه على أن ذلك مبني على توهمه إنا نبطل التواتر، وقد قدمنا أن الأمر بخلافه، وإنا وإن جوزنا أن يعرض المتواترون عن النقل لأجل ما ذكرنا فغير مجوزين على المتواترين الكذب فيما يتواترون به

____________

(1) يعني الاجماع والتواتر وفي الأصل " عليهم " وآثرنا ما في المغني.

(2) المغني 20 ق 1 / 39.


الصفحة 101
فأما قوله: " ومتى قالوا: يحتاج إليه (1) لإزالة السهو والخطأ، إلى غير ذلك فقد بينا أن ذلك يزول من دون الإمام إذا عرف * أن الإمام لا يحتاج إليه في ذلك * (2) وأن السهو لا يقع في نقل الأخبار على طريق التواتر ولا يصح على جميع الأمة (3).... " فقد تقدم أن ما يكون الإمام لطفا فيه وفي ارتفاعه من ضروب الخطأ لا يقوم فيه غيره مقامه.

وقوله: " إن السهو لا يقع في نقل الأخبار على طريق التواتر ولا يصح على جميع الأمة " فهب أن الأمر كما ادعى في السهو فمن أين نأمن عليهم تعمد الخطأ؟ يعني فيما تجتمع الأمة عليه، وإذا كان ما يفزع إليه في امتناع السهو عليهم من العادة لا ينافي تعمد الخطأ، فقد ثبتت الحاجة إلى الأئمة على كل حال فبطل ما يدعي من الاستغناء عنهم.

فأما قوله: " فإن قالوا يحتاج إليه لإزالته ما اختلف الناس فيه من الديانات، فقد علمنا أن مع بيان الإمام الخلاف قائم فوجوده كعدمه (4) في هذا الباب، فإن كان يحتاج إليه - عندهم - ليزيل الخلاف، فقد بينا فساده، وإن كان يحتاج إليه لصحة زوال الخلاف ببيانه (5) فأدلة العقل والشرع تغني عن ذلك،... " (6)

____________

(1) أي إلى الإمام.

(2) ما بين النجمتين ساقط من المغني.

(3) المغني 20 ق 1 / 39.

(4) والطريف الظريف أن هذه العبارة وردت في مطبوعة المغني هكذا: " فقد علمنا مع ثبات الإمام عبده - وقال المحقق: لعلها " عندهم " - أن الخلاف قائم فوجوده تقدمة في هذا الباب "!!

(5) غ " بتبيانه ".

(6) المغني 20 ق 1 / 40.


الصفحة 102
فما يختلف الناس فيه من الديانات على ضربين: عقلي وسمعي:

فأما العقلي فمن حيث كانت الحجة به قائمة، والطريق إلى الوصول إليه ممكنا لكل متكامل الشروط لم يحتج إلى الإمام فيه إلا من الوجه الذي قدمناه، وهو أن يكون مؤكدا، وإن كان لا يمتنع أن يكون لتنبيهه وتذكيره بالنظر من الحظ ما ليس لغيره.، وأما السمعي فعلى ضربين: منه ما قد ورد به التواتر على حد يرفع العذر، ويزيل الشك والريب، ومنه ما ليس كذلك.

فأما الذي لم يتواتر به الخبر فالحاجة إلى الإمام فيه ظاهر [ ة ]، لأن الخلاف إذا وقع فيه ولم يكن لنا مفزع إلا إلى قوله وبيانه فكان حجة في قطع الخلاف.

وليس معنى قولنا أن حجة في ذلك ما ظنه صاحب الكتاب من أن وجوده يرفع الخلاف جملة، وإنما أردنا أن قوله يكون المفزع والحجة عند الخلاف، وأنه لولا مكانه لم يكن لله تعالى على المختلفين في الشئ الذي بيناه حجة، مع أنه لا يمكن أن الخلاف عند وجود الأئمة في الدين كالخلاف عند فقدهم. فلا بد أن يكون لوجودهم في رفع ذلك مزية ظاهرة، وهذا يبين أن الخلاف قد يزول بهم وإن كان ربما لم يزل كل الخلاف.

فأما ما ورد به التواتر من السمعيات فالحاجة إليه ماسة لأنه يبينه ويؤكده، ولأن من المتواترين - أيضا - لا يؤمن منهم الرجوع عن التواتر فليلحق هذا القسم بالآخر فيكون الحجة حينئذ في الجميع قول الإمام وبيانه.


الصفحة 103

 

فصل
في تتبع كلامه في الاستدلال على وجوب الإمامة من جهة السمع


قال صاحب الكتاب:

" قد اعتمد شيخانا (1) في ذلك ما ورد به الكتاب من إقامة الحدود كقوله تعالى (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) (2) وكقوله (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما) (3) وقد ثبت أن ذلك من واجبات الإمام دون سائر الناس، فلا بد من إمام يقوم به فإذا لم يمكن كون الإمام إلا بإقامة الله تعالى [ ورسوله ] (4) أو بإقامتنا بعد معرفة الصفة فلا بد من حصوله ببعض هذه الوجوه، فإذا فقد النص فليس إلا وجوب إقامتنا... " (5) ثم قال: " فإن قيل: هلا قلتم: إن إقامة الحدود (6) تجب بشرط

____________

(1) يريد بهما أبا علي وابنه أبا هاشم الجبائيين.

(2) من الآية 38 سورة المائدة.

(3) سورة النور رقم الآية 2.

(4) التكملة من المغني.

(5) المغني 20 ق 1 / 41.

(6) غ " الحد ".


الصفحة 104
حصول الإمام، كما تجب الزكاة بشرط حصول النصاب فكما لا يدل وجوب الزكاة على وجوب اكتساب المال فكذلك لا يدل على وجوب إقامة الحد على وجوب [ ما لا يتم إلا به من ] (1) إقامة الإمام؟.

قيل له (2): إنما يمكن ما ذكرته متى ثبت في وجوب الشئ أنه متعلق بشرط، فأما إذا لم يثبت فيه ذلك. فوجوبه يقتضي وجوب ما لا يتم إلا به، ولا يمتنع من أن نصف ذلك بأنه شرط لكنه مع كونه شرطا فلا (3) يصير واجبا من حيث تضمن وجوب ذلك الأمر وجوبه، وهذا الذي يقتضيه [ قضية ] (4) العقل من أن وجوب الشئ يقتضي وجوب ما لا يتم إلا به. إلا أن يمنع مانع بأن نعلم أنه إنما يجب عند ذلك. ولولاه كان لا يجب، (5)... " فيقال له: أما قطع السراق وجلد الزناة فهما من فروض الكفايات (6) على الأئمة ولا بد أن يكونا مشروطين بحصول المخاطب إماما، كما أن الزكاة تجب على مالك النصاب، والحج يجب على واجد الزاد والراحلة والتكليف فيهما مشروط بحصول النصاب ووجود الزاد والراحلة فكما لا يجب التوصل إلى تملك النصاب وتحصيل الزاد والراحلة ليلزم الزكاة والحج فكذلك لا يجب التوصل إلى إقامة الإمام ليجب عليه إقامة الحدود.

____________

(1) التكملة من المغني.

(2) قال محقق المغني: الأولى حذف " له ".

(3) " فلا " ساقطة من المغني.

(4) التكملة من المغني.

(5) المغني 20 ق 1 / 41.

(6) الكفايات جمع كفاية، وفرض الكفاية هو ما لو قام به بعض المكلفين سقط عن الآخرين.


الصفحة 105
فأما دعواه " أن الذي يقتضيه العقل من أن وجوب الشئ يقتضي وجوب ما لا يتم إلا به إلا أن يمنع مانع " فلا فصل بينه وبين عن عكس قوله وقال: إن الأصل فيما يدل على العقل من هذا الباب أن الفعل الموجب إذا كان مشروطا بصفة فغير واجب تحصيل تلك الصفة والتوصل إليها، بل الواجب التزام الفعل عند حصول الشرط إلا أن يمنع مانع أو يدل على أن التوصل إلى حصول الشرط واجب فيقال به وإلا فالواجب ما ذكرناه، ويجب على هذا القول أن يكون لو خلينا والظاهر لم نوجب على المحدث الصلاة، وإنما أوجبناها وأوجبنا عليه تحصيل شرطها من وضوء وغيره لدليل دل على ذلك وإلا كانت تلحق بوجوب الزكاة والحج.

فإن قال: فكيف الصحيح عندكم في هذا؟ وهل ظاهر إيجاب الفعل إذا كان مشروطا بحصول غيره يقتضي تحصيل شرطه أم لا يقتضي ذلك، بل يلزم الفعل عند حصول الشرط ولا يلزم التوصل إليه؟

قيل له: الذي حكيناه إنما ذكرناه على سبيل المعارضة. (1) ومقابلة الدعوى الباطلة بمثلها، والصحيح عندنا أن ظاهر الإيجاب إذا كان مشروطا بحصول صفة من الصفات لا يقتضي تحصيل تلك الصفة. وكما أنه لا يوجب تحصيلها فهو أيضا غير موجب بظاهره القطع على أن تحصيلها غير واجب، بل فرض المخاطب عندنا الوقوف وتجويز ورود البيان بالتزامه تحصيل الصفة أو وروده بأن تحصيلها غير لازم، ثم يقال له: إذا كان لا يتم الشئ إلا به على ضربين عندك.

____________

(1) المعارضة: المقابلة، يقال: عارض الكتاب بالكتاب: أي قابله.


الصفحة 106
أحدهما لا يجب كتحصيل النصاب والزاد والراحلة والآخر يجب كالوضوء وما يجري مجراه فمن أين لك أن إيجاب الحدود من القسم الذي يوجب ما لا يتم إلا به؟

فإن قال: لأن ظاهر الإيجاب يقتضي وجوب ما لا يتم إلا به.

وإنما فرقت بين الزكاة وبين غيرها في هذا الباب فإن الاجماع حاصل على أن تحصيل النصاب غير واجب، ولولا الدليل لأوجبت تحصيل النصاب.

قبل له: ما الفصل بينك وبين من قال: بل ظاهر الإيجاب المشروط يقتضي وجوب الفعل عند حصول شرطه، ولا يوجب التوصل إلى الشرط: وإنما قلنا بوجوب الصلاة على المحدث وإن لم يتكامل شرطه لأن الاجماع حاصل على لزوم الصلاة له، ووجوب تحصيل شرطها عليه، ولولا ذلك لأجرينا الصلاة مجرى الزكاة والحج.

ثم ذكر بعد ما حكينا سؤالا أطاله جدا لا يسأل عن أكثره ابتدأ به، " فإن قالوا: إنما يصح ذلك إذا كان كلا الأمرين يجب على مكلف واحد، ويصحان منه، فوجوب أحدهما يتضمن وجوب الآخر إذا لم يتم إلا به... (1) " وأجاب عنه بما جملته مبني [ على ] (2) أن وجوب الشئ يقتضي وجوب ما لا يتم إلا به، وقد بينا أن ذلك ينقسم. وضربنا له أمثالا بالزكاة والحج. ودللنا على أن الظاهر من إيجاب الشئ إذا كان مشروطا بصفة لا يقتضي تحصيل الصفة فكما لا يقتضي ذلك فهو غير مقتض أيضا للقطع على أنها غير واجبة وأن الفعل يلزم عند حصول الصفة، بل الواجب أن يكون الأمر فيه موقوفا على الدليل، وليس لأحد

____________

(1) المغني 20 ق / 1 / 42.

(2) الزيادة يقتضيها السياق.