موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي >> مناهج اليقين في أصول الدين

 

المنهج الاوّل: في تقسيم المعلومات

وذلك على نوعين

النوع الأول من تقسيم المعلومات

كل معلوم فإما أن يكون واجبا أو ممكنا أو ممتنعا

وهذا النوع من القسمة يشتمل على مسائل:

مسألة: نسبة كل محمول الى موضوع لا تخرج عن هذه الكيفيات الثلاث في نفس الأمر، ثم التصور الذهني قد يطابق الامر نفسه فيسمى علما وقد يخالفه فيكون جهلا، فالكيفية من حيث هي هي مادة ومن حيث التصور جهة، ونظرنا الآن في الأول.

مسألة: ذهب قوم الى أنّ هذه الكيفيات تفتقر الى التعريف، والحق يأباه، فإن ذكر شيء على سبيل التعريف اللفظي لم يكن فيه إحالة.

فالواجب هو الذي يستغني في وجوده عن المؤثر، والممكن هو الذي يفتقر.

فالواجب أن يوجد بذاته والممكن أن لا يوجد بذاته بل بغيره لست أقول إنّ استحقاق العدم بذاته فإنه حينئذ يدخل في حيّز الامتناع، بل ليس استحقاق الوجود من ذاته، والفرق ظاهر.

مسألة: الواجب هل هو ثبوتي أم لا؟الأولى انّه لاحق بالنسب، فإن قلنا بوجودها فهو موجود وإلاّ فلا، وقيل:لو كان ثابتا لكان واجبا والاّ لكان ممكنا فيكون الواجب أولى بالإمكان وحينئذ يتسلسل، وأيضا فإنّه صفة للواجب، فلو كان ثبوتيا لكان مفتقرا الى الموصوف فيكون ممكنا وهذان قويّان.

تقسيم: الوجوب قد يكون بالذات وهو الذي يكون ذاته مقتضية لوجوده إن قلنا بزيادة الوجود مستغنية عن كل ما عداها، وقد يكون بالغير وهو الذي إنّما وجوده له لغيره فهو من حيث ذاته لا يستحق الوجود ومن حيث علته واجب ومن حيث عدمها ممتنع .

قاعدة :لا يمكن أن يكون موجود واجبا بذاته ولغيره، لأنه بالنظر الى ذاته واجب غير مستحق للوجود هذا خلف، مخلص ظهر من هذا أن الواجب لا يتركب عن غيره والاّ لوجب به، وانه واجب من جميع جهاته والاّ لكان من بعض الجهات ممكنا.

مسألة: الإمكان ليس بثبوتي والاّ لزم التسلسل او وجوب الممكن، اما الاستعدادي ففيه خلاف وأثبته الأوائل والاّ لما وقع الفرق بين نفي الإمكان وبين الإمكان المنفي لاستحالة التمايز في العدميات، والحق أنه كالأول لما مرّ، والأوائل جوّزوا تسلسل الاستعدادات، ويعارضون في حجتهم بالامتناع.

مسألة: الإمكان لفظ مشترك بين معان أربعة:

أحدها: الإمكان العام وهو الذي سلب فيه الوجوب عن احد طرفي الوجود والعدم.

الثاني: الخاص وهو ما ذكرناه أعني الذي سلب فيه الضرورتان معا.

الثالث: الإمكان الأخص أعني الذي سلب فيه الضرورات المشروطة والذاتية.

الرابع: الإمكان الاستقبالي وهو الذي اعتبر فيه ما ذكرناه نظرا الى الاستقبال.والأول يشمل الواجب والبواقي إن نظر الى طرف الوجود ويشمل الممتنع والبواقي ان نظر الى طرف العدم.

قاعدة :لا يمكن ان تكون الأولوية كافية في أحد طرفي الممكن ما لم تنته الى الوجوب، خلافا لمحمود لانّه معها يمكن المرجوح فيطلب العقل العلّة ويتسلسل،  فإذن لهذا الممكن وجوبان:أحدهما هذا، والثاني وجوبه اللاحق له، فإنّ كلّ موجود على الإطلاق فإنه بالضرورة موجود ما دام موجودا، ويسمّى هذا الوجوب الضرورة بحسب المحمول.

مسألة: الإمكان للممكن واجب والاّ لزال عنه فصار واجبا او ممتنعا، قيل:

لو كان واجبا لكان الممكن الذي هو شرط الإمكان واجبا، والحق أن يقال:إن عني بثبوت الإمكان للممكن الثبوت العيني كان فرعا على ثبوت الإمكان ونحن قد أسلفنا بطلانه، وإن عني الثبوت الذهني لم يكن واجبا لوقوع الشك في بعض الأشياء هل هو ممكن أم لا، الاّ ان نعني به أن العقل اذا حكم بثبوت الإمكان لشيء فإنه يكون واجب الثبوت له وهذا حقّ، لكن الوجوب هنا وجوب بحسب المحمول فلا يلزم وجوب الممكن، والخلاف في الإمكان الأوّل امّا الاستعدادي  فلا شك في زواله.

تذنيب :الامكان العام ليس بثابت لأنه لا شيء من جزئياته بثابت ولا وجود للكلّي الاّ في جزئياته ولأنه يلزم التسلسل.

مسألة: علة الحاجة الى المؤثر هي الإمكان لا الحدوث خلافا لقوم. لنا:

انّا متى عقلنا كون الشيء ممكنا جزمنا بانّ وجوده له بغيره، ولو شككنا في جواز وجوب الحادث لذاته لشككنا في احتياجه، ولأنّ الحدوث صفة الوجود المتأخر عن تأثير القادر المتأخر عن احتياجه إليه، فلو كان علة الحاجة هي الحدوث تأخر الشيء عن نفسه بمراتب.

قيل عليه:يجوز أن يكون الحدوث علة غائية فجاز تأخيرها، وفيه ضعف.

ولأن الأثر إنما يحتاج الى المؤثر حالة العدم عندهم، لأن حالة الوجود حالة الاستغناء وحالة الحدوث هي حالة الوجود، فلو كان الحدوث علة الحاجة لزم تقدم الحكم على العلة وأنه محال.

احتج مشايخ المتكلمين بوجهين:

احدهما: أن متعلق قصدنا ودواعينا من الفعل هو حدوثه، حتى أن الشيء اذا لم يصح حدوثه بأن يكون مستحيلا او ماضيا او قديما لم تتعلق قدرتنا به، فقد تعلق الحدوث بقدرتنا بحسب الدواعي وانتفى بحسب الصوارف، فعلم أنه العلة المحوجة للأثر إلينا دون باق الصفات.

الثاني: أن للأثر ثلاثة احوال:حالة عدم وحالة بقاء وحالة حدوث، فحالة العدم لا يحتاج فيها الى الفاعل وكذلك حالة البقاء لانها حالة الاستغناء فبقيت حالة الحدوث.

والجواب عن الأوّل: أن متعلق القدرة هو الوجود الجائز، واما كون الوجود مسبوقا بعدم فهو امر واجب لذات الوجود الحادث فيستغنى عن المؤثر، سلمنا أن متعلق القدرة هو الحدوث، لكنّه لا يدل على انه العلّة في التعلق.

والجواب عن الثاني: أن الأثر عند خصمكم لا ينحصر أحواله فيما ذكرتم بل في الحادثات، ولئن سلّم ذلك لكنّه لا نقول إن الباقي مستغن عن المؤثر فإنه حالة البقاء ممكن.

واعلم ان سبب غلط هؤلاء القوم هو أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات، فإن الحادث مفتقر الى المؤثر لا لحدوثه بل لوجوب مقارنته بالجواز.

تذنيب: ظهر من هذا أن الباقي مفتقر، خلافا لقوم احتجّوا بوجهين:

الأوّل: أن الباقي لو افتقر فإما في وجوده الاوّل أو في وجود ثان أو في أمر آخر، والكل باطل، امّا الأول فلأنه يستحيل أن يكون الشيء في ثاني الحال مفتقرا الى الوجود السابق لأنه يكون تحصيلا للحاصل، وامّا الثاني فلاستحالة اتصاف الماهية بالوجود مرتين، وأمّا الثالث فليس كلامنا فيه لأن كلامنا في احتياج الشيء لأجل وجوده لا لأجل ماهيته.

الثاني: أن الباقي بعد اتصافه بالوجود يكون الوجود به أرجح، فيخرج من حدّ التساوي الصرف المحوج الى المؤثّر.

والجواب عن الأوّل: أن الباقي مفتقر الى المؤثّر في استمرار الوجود وحفظه حالة بقائه، فإن الممكن لا يستحق من ذاته الوجود، فاذا وجد فقد ترجّح الوجود لمرجح، فإذا فرض زوال المرجح زال الرّجحان ومع زواله يبقى الذات على مقتضاها من الجواز.

وعن الثاني: أن الماهية وان ترجح وجودها في الزمن الاوّل بسبب الفاعل لكنّه لا يخرج الذات عن مقتضاها وهو التساوي في الزمن المستقبل والاّ لوجب ان يكون الذوات باقية ابدا لان الذات مقتضية للرجحان في الزمن الأوّل، فلو كان هذا كافيا في استمرارها لما جاز العدم عليها.