موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

في عذاب القبر والميزان والصراط

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 574-577

 

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "وعذاب القبر واقع لإمكانه وتواتر السمع بوقوعه".

أقول: نقل عن ضرار أنه أنكر عذاب القبر والاجماع على خلافه، وقد استدل المصنف رحمه الله بإمكانه عقلا فإنه لا استبعاد في أن يعجل الله تعالى العقاب في دار التكليف على وجه لا يمتنع مع التكليف كما في قطع يد السارق كما قال تعالى: (فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا) وقال في قطاع الطريق: (ذلك لهم خزي في الدنيا) وقال تعالى: (ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده) وحكى تعالى في كتابه إهلاك الفرق الذين كفروا به، وإذا كان ممكنا والله تعالى قادر على كل ممكن، وقد أخبر الله تعالى بوقوعه في قوله: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) فذكر الرجوع بعد إحيائين، وإنما يكون بإحياء ثالث وقال تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا) فذكر موتتين إحداهما في الدنيا والأخرى في القبر، وذكر إحيائين أحدهما في الدنيا والآخر في القبر ولم يذكر الثالث لأنه معلوم وقع فيه الكلام وغير الحي لا يتكلم، وقيل: إنما أخبروا عن الإحيائين اللذين عرفوا الله تعالى فيهما ضرورة فأحدهما في القبر والآخر في الآخرة، ولهذا عقب بقوله: (فاعترفنا بذنوبنا) وقال تعالى في حق آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة) وهذا نص في الباب.

 

قال: "وسائر السمعيات من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب ممكنة دل السمع على ثبوتها فيجب التصديق بها".

أقول: أحوال القيامة من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب أمور ممكنة، وقد أخبر الله تعالى بوقوعها فيجب التصديق بها، لكن اختلفوا في كيفية الميزان، فقال شيوخ المعتزلة: إنه يوضع ميزان حقيقي له كفتان يوزن به ما يتبين من حال المكلفين في ذلك الوقت لأهل الموقف، إما بأن يوضع كتاب الطاعات في كفة الخير ويوضع كتاب المعاصي في كفة الشر، ويجعل رجحان أحدهما دليلا على إحدى الحالتين، أو بنحو من ذلك لورود الميزان سمعا والأصل في الكلام الحقيقة مع إمكانها. وقال عباد وجماعة من البصريين وآخرون من البغداديين: المراد بالموازين العدل دون الحقيقة، وأما الصراط فقد قيل إن في الآخرة طريقين: إحداهما إلى الجنة يهدي الله تعالى أهل الجنة إليها، والأخرى إلى النار يهدي الله تعالى أهل النار إليها، كما قال تعالى في أهل الجنة: (سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم) وقال في أهل النار: (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) وقيل: إن هناك طريقا واحدا على جهنم يكلف الجميع المرور عليه، ويكون أدق من الشعر وأحد من السيف، فأهل الجنة يمرون عليه لا يلحقهم خوف ولا غم والكفار يمرون عليه عقوبة لهم وزيادة في خوفهم، فإذا بلغ كل واحد إلى مستقره من النار سقط من ذلك الصراط.

 

قال: "والسمع دل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن والمعارضات متأولة".

أقول: اختلف الناس في أن الجنة والنار هل هما مخلوقتان الآن أم لا؟

فذهب جماعة إلى الأول وهو قول أبي علي، وذهب أبو هاشم والقاضي إلى أنهما غير مخلوقتين. احتج الأولون بقوله تعالى: (أعدت للمتقين)، (أعدت للكافرين)، (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)، (عندها جنة المأوى) وجنة المأوى هي دار الثواب فدل على أنها مخلوقة الآن في السماء.

احتج أبو هاشم بقوله تعالى: (كل شئ هالك إلا وجهه) فلو كانت الجنة مخلوقة الآن لوجب هلاكها، والتالي باطل لقوله تعالى: (أكلها دائم) والجواب دوام الأكل إشارة إلى دوام المأكول بالنوع بمعنى دوام خلق مثله وأكل الجنة يفنى بالأكل إلا أنه تعالى يخلق مثله، والهلاك هو الخروج عن الانتفاع ولا ريب أن مع فناء المكلفين يخرج الجنة عن حد الانتفاع فتبقى هالكة بهذا المعنى.

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي