موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

في صفات الثواب والعقاب

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 554-559

 

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "ويجب اقتران الثواب بالتعظيم والعقاب بالإهانة للعلم الضروري باستحقاقهما مع فعل موجبهما".

أقول: ذهبت المعتزلة إلى أن الثواب نفع عظيم مستحق يقارنه التعظيم، والعقاب ضرر عظيم مستحق يقارنه الإهانة، واحتجوا على وجوب اقتران التعظيم بالثواب واقتران الإهانة بالعقاب بأنا نعلم بالضرورة أن فاعل الفعل الشاق المكلف به فإنه يستحق التعظيم والمدح، وكذلك من فعل القبيح فإنه يستحق الإهانة والاستخفاف.

 

قال: "ويجب دوامهما لاشتماله على اللطفية ولدوام المدح والذم ولحصول نقيضيهما لولاه".

أقول: ذهب المعتزلة إلى أن الثواب والعقاب دائمان، واختلف في العلم بدوامهما هل هو عقلي أو سمعي؟ فذهبت المعتزلة إلى أنه عقلي، وذهبت المرجئة إلى أنه سمعي.

واحتج المصنف رحمه الله على دوامهما بوجوه: أحدها: أن العلم بدوام الثواب والعقاب يبعث العبد على فعل الطاعة ويبعده عن المعصية وذلك ضروري، وإذا كان كذلك كان لطفا واللطف واجب على ما مر. الثاني: أن المدح والذم دائمان، إذ لا وقت إلا ويحسن مدح المطيع وذم العاصي إذا لم يظهر منه ندم على ما فعل، وهما معلولا الطاعة والمعصية فيجب كون الطاعة والمعصية في حكم الدائمتين، فيجب دوام الثواب والعقاب لأن دوام أحد المعلولين يستلزم دوام المعلول الآخر، لأن العلة تكون دائمة أو في حكم الدائمة. الثالث: أن الثواب لو كان منقطعا لحصل لصاحبه الألم بانقطاعه، ولو كان العقاب منقطعا لحصل لصاحبه السرور بانقطاعه، وذلك ينافي الثواب والعقاب لأنهما خالصان عن الشوائب، هذا ما فهمناه من كلام المصنف رحمه الله. وقوله: لحصول نقيضيهما، يعني نقيضي الثواب والعقاب، لولاه أي لولا الدوام.

 

قال: "ويجب خلوصهما وإلا لكان الثواب أنقص حالا من العوض والتفضل على تقدير حصوله فيهما وهو أدخل في باب الزجر".

أقول: يجب خلوص الثواب والعقاب عن الشوائب، أما الثواب فلأنه لولا ذلك لكان العوض والتفضل أكمل منه لأنه يجوز خلوصهما عن الشوائب وحينئذ يكون الثواب أنقص درجة وأنه غير جائز، وأما العقاب فلأنه أعظم في الزجر فيكون لطفا.

 

قال: "وكل ذي مرتبة في الجنة لا يطلب الأزيد ويبلغ سرورهم بالشكر إلى حد انتفاء المشقة وغناؤهم بالثواب ينفي مشقة ترك القبائح وأهل النار يلجأون إلى ترك القبيح".

أقول: لما ذكر أن الثواب خالص عن الشوائب ورد عليه أن أهل الجنة يتفاوتون في الدرجات، فالأنقص إذا شاهد من هو أعظم ثوابا حصل له الغم بنقص درجته عنه وبعدم اجتهاده في العبادة وأيضا، فإنه يجب عليهم الشكر لنعم الله تعالى والاخلال بالقبائح وفي ذلك مشقة. والجواب عن الأول أن شهوة كل مكلف مقصورة على ما حصل له ولا يغتم بفقد الأزيد لعدم اشتهائه له، وعن الثاني أنه يبلغ سرورهم بالشكر على النعمة إلى حد تنتفي المشقة معه. وأما الاخلال بالقبائح فإنه لا مشقة عليهم فيها لأنه تعالى يغنيهم بالثواب ومنافعه عن فعل القبيح فلا تحصل لهم مشقة، أما أهل النار فإنهم يلجأون إلى فعل ما يجب عليهم وترك القبائح فلا تصدر عنهم، وليس ذلك تكليفا لأنه بالغ حد الالجاء ويحصل من ذلك نوع من العقاب أيضا.

 

قال: "ويجوز توقف الثواب على شرط وإلا لأثيب العارف بالله تعالى خاصة".

أقول: ذهب جماعة إلى أن الثواب يجوز أن يكون موقوفا على شرط ومنعه آخرون، والأول هو الحق، والدليل عليه أنه لولا ذلك لكان العارف بالله تعالى وحده مثابا مع عدم نظره في المعجزة وعدم تصديقه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتالي باطل إجماعا فكذا المقدم، بيان الشرطية أن المعرفة طاعة مستقلة بنفسها فلو لم يتوقف الثواب عليها على شرط لوجبت إثابة من لم يصدق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث لم ينظر في معجزته.

 

قال: "وهو مشروط بالموافاة لقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) وقوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه)".

أقول: اختلف المعتزلة على أربعة أقوال: فقال بعضهم: إن الثواب والعقاب يستحقان في وقت وجود الطاعة والمعصية وأبطلوا القول بالموافاة. وقال آخرون: إنهما يستحقان في الدار الآخرة. وقال آخرون: إنهما يستحقان حال الاخترام. وقال آخرون: إنهما يستحقان في الحال بشرط الموافاة، فإن كان في علم الله تعالى أنه يوافي الطاعة سليمة إلى حال الموت أو الآخرة استحق بها الثواب في الحال وكذا المعصية وإن كان في علمه تعالى أنه يحبط الطاعة أو يتوب من المعصية قبل الموافاة لم يستحق الثواب ولا العقاب بهما، واستدل المصنف رحمه الله على القول بالموافاة بقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) وبقوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) وتقريره أن نقول: إما أن يكون المراد بالاحباط هنا كون العمل باطلا في أصله أو أن الثواب يسقط بعد ثبوته أو أن الكفر أبطله، والأولان باطلان. أما الأول فلأنه علق بطلانه بالشرك المتجدد ولأنه شرط وجزاء وهما أنما يقعان في المستقبل وبالأول يبطل الثاني، وأما الثاني فلما يأتي من بطلان التحابط فتعين الثالث.

 

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي