موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

في وجوب المعاد الجسماني

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 548-551

 

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "ووجوب إيفاء الوعد والحكمة يقتضي وجوب البعث، والضرورة قاضية بثبوت الجسماني من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع إمكانه".

أقول: اختلف الناس هنا، فذهب الأوائل إلى نفي المعاد الجسماني وأطبق المليون عليه، واستدل المصنف رحمه الله على وجوب المعاد مطلقا بوجهين: الأول: أن الله تعالى وعد بالثواب وتوعد بالعقاب مع مشاهدة الموت للمكلفين، فوجب القول بعودهم ليحصل الوفاء بوعده ووعيده. الثاني: أن الله تعالى قد كلف وفعل الألم، وذلك يستلزم الثواب والعوض وإلا لكان ظالما تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فإنا قد بينا حكمته تعالى ولا ريب في أن الثواب والعوض أنما يصلان إلى المكلف في الآخرة لانتفائهما في الدنيا. واستدل على ثبوت المعاد الجسماني بأنه معلوم بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والقرآن دل عليه في آيات كثيرة بالنص مع أنه ممكن فيجب المصير إليه، وإنما قلنا بأنه ممكن لأن المراد من الإعادة جمع الأجزاء المتفرقة وذلك جائز بالضرورة.

 

قال: "ولا تجب إعادة فواضل المكلف".

أقول: اختلف الناس في المكلف ما هو على مذاهب عرفت منها قول من يعتقد أن المكلف هو النفس المجردة وهو مذهب الأوائل والنصارى والتناسخية والغزالي والحليمي والراغب من الأشاعرة وابن الهيصم من الكرامية وجماعة من الإمامية والصوفية.

(ومنها) قول جماعة من المحققين أن المكلف هو أجزاء أصلية في هذا البدن لا يتطرق إليها الزيادة والنقصان، وإنما تقعان في أجزاء المضافة إليها.

إذا عرفت هذا فنقول: الواجب في المعاد هو إعادة تلك الأجزاء الأصلية أو النفس المجردة مع الأجزاء الأصلية، أما الأجسام المتصلة بتلك الأجزاء فلا تجب إعادتها بعينها، وغرض المصنف رحمه الله بهذا الكلام الجواب عن اعتراضات الفلاسفة على المعاد الجسماني وتقرير قولهم إن انسانا لو أكل آخر أو اغتذى بأجزائه فإن أعيدت أجزاء الغذاء إلى الأول عدم الثاني وإن أعيدت إلى الثاني عدم الأول.

وأيضا إما أن يعيد الله تعالى جميع الأجزاء البدنية الحاصلة من أول العمر إلى آخره أو القدر الحاصل له عند موته، والقسمان باطلان. أما الأول فلأن البدن دائما في التحلل والاستخلاف، فلو أعيد البدن مع جميع الأجزاء منه لزم عظمه في الغاية ولأنه قد يتحلل منه أجزاء تصير أجساما غذائية ثم يأكلها ذلك الانسان بعينه حتى تصير أجزاء من عضو آخر غير العضو الذي كانت أجزاء له أولا، فإذا أعيدت أجزاء كل عضو إلى عضوه لزم جعل ذلك الجزء جزءا من العضوين وهو محال، وأما الثاني فلأنه قد يطيع العبد حال تركبه من أجزاء بعينها ثم تتحلل تلك الأجزاء ويعصي في أجزاء أخرى فإذا أعيد في تلك الأجزاء بعينها وأثابها على الطاعة لزم إيصال الحق إلى غير مستحقه. وتقرير الجواب واحد وهو أن لكل مكلف أجزاءا أصلية لا يمكن أن تصير جزءا من غيرها بل تكون فواضل من غيره لو اغتذى بها فإذا أعيدت جعلت أجزاء أصلية لما كانت أصلية له أولا، وتلك الأجزاء هي التي تعاد وهي باقية من أول العمر إلى آخره.

قال: وعدم انخراق الأفلاك وحصول الجنة فوقها ودوام الحياة مع الاحتراق وتولد البدن من غير التوالد وتناهي القوى الجسمانية استبعادات.

أقول: احتج الأوائل على امتناع المعاد الجسماني بوجوه:

أحدها: أن السمع قد دل على انتثار الكواكب وانخراق الأفلاك وذلك محال.

الثاني: أن حصول الجنة فوق الأفلاك كما ذهب إليه المسلمون يقتضي عدم الكرية.

الثالث: أن بقاء الحياة مع دوام الاحتراق في النار محال.

الرابع: أن تولد الأشخاص وقت الإعادة من غير توالد الأبوين باطل.

الخامس: أن القوى الجسمانية متناهية والقول بدوام نعيم أهل الجنة قول بعدم التناهي.

والجواب عن الكل واحد وهو أن هذه استبعادات، أما الأفلاك فلأنها حادثة على ما تقرر أولا فيمكن انخراقها كما يمكن عدمها، فكذا حصول الجنة فوق الأفلاك، ودوام الاحتراق مع بقاء الجسم ممكن ولأنه تعالى قادر على كل مقدور فيمكن استحالة الجسم إلى أجزاء نارية ثم يعيدها الله تعالى هكذا دائما، والتولد ممكن كما في آدم عليه السلام، والقوى الجسمانية قد لا يتناهى أثرها إذا كانت واسطة في التأثير.

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي