موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

الإمام بعد النبي(ص) علي بن أبي طالب

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 496-503

 

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "هما مختصان بعلي عليه السلام".

أقول: العصمة والنص مختصان بعلي عليه السلام، إذ الأمة بين قائلين أحدهما لم يشترطهما والثاني المشترطون، وقد بينا بطلان قول الأولين فانحصر الحق في قول الفريق الثاني، وكل من اشترطهما قال: إن الإمام هو علي عليه السلام.

 

قال: "والنص الجلي في قوله سلموا عليه بإمرة المؤمنين وأنت الخليفة من بعدي وغيرهما".

أقول: هذا دليل ثان على أن الإمام هو علي عليه السلام، وهو النص الجلي من رسول الله صلى الله عليه وآله في مواضع تواترت بها الإمامية ونقلها غيرهم نقلا شائعا ذائعا:

(منها) لما نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أبا طالب أن يصنع له طعاما، وجمع بني عبد المطلب فقال لهم: أيكم يوازرني ويعينني فيكون أخي وخليفتي ووصيي من بعدي، فقال علي عليه السلام: أنا أبايعك وأوازرك، فقال عليه السلام: هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ووارثي فاسمعوا له وأطيعوا، وبقوله صلوات الله عليه: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني.

(ومنها) لما آخى بين الصحابة ولم يتخلف سوى علي عليه السلام فقال: يا رسول الله آخيت بين الصحابة دوني، فقال له عليه السلام: ألم ترض أن تكون أخي وخليفتي من بعدي، وآخى بينه وبينه.

(ومنها) أن رسول الله صلى الله عليه وآله تقدم إلى الصحابة بأن يسلموا عليه بإمرة المؤمنين، وقال له: أنت سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وقال فيه: هذا ولي كل مؤمن ومؤمنة، والنصوص في ذلك كثيرة أكثر من أن تحصى ذكرها المخالف والمؤالف إلى أن بلغ مجموعها التواتر.

 

قال: "ولقوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله) الآية، وإنما اجتمعت الأوصاف في علي عليه السلام".

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السلام وهو قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون والاستدلال بهذه الآية يتوقف على مقدمات، إحداها: أن لفظة (إنما) للحصر ويدل عليه المنقول والمعقول. أما المنقول فلإجماع أهل العربية عليه، وأما المعقول فلأن لفظة (إن) للاثبات و (ما) للنفي قبل التركيب فيكون كذلك بعد التركيب عملا بالاستصحاب وللاجماع على هذه الدلالة ولا يصح تواردهما على معنى واحد ولا صرف الاثبات إلى غير المذكور والنفي إلى المذكور للاجماع فبقي العكس وهو صرف الاثبات إلى المذكور والنفي إلى غيره وهو معنى الحصر.

الثانية: إن الولي يفيد الأولى بالتصرف، والدليل عليه نقل أهل اللغة واستعمالهم كقولهم: السلطان ولي من لا ولي له، وكقولهم: ولي الدم وولي الميت، وكقوله عليه السلام: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. الثالثة: إن المراد بذلك بعض المؤمنين لأنه تعالى وصفهم بوصف مختص ببعضهم، ولأنه لولا ذلك لزم اتحاد الولي والمتولي.

وإذ قد تمهدت هذه المقدمات فنقول: المراد بهذه الآية هو علي عليه السلام للاجماع الحاصل على أن من خصص بها بعض المؤمنين قال إنه علي عليه السلام، فصرفها إلى غيره خرق الإجماع، ولأنه عليه السلام إما كل المراد أو بعضه للاجماع، وقد بينا عدم العمومية فيكون هو كل المراد، ولأن المفسرين اتفقوا على أن المراد بهذه الآية علي عليه السلام لأنه لما تصدق بخاتمه حالة ركوعه نزلت هذه الآية فيه، ولا خلاف في ذلك.

 

قال: "ولحديث الغدير المتواتر".

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السلام، وتقريره أن النبي صلى الله عليه وآله قال في غدير خم وقد رجع من حجة الوداع: معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم، قالوا: بلى، قال صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وقد نقل المسلمون كافة هذا الحديث نقلا متواترا لكنهم اختلفوا في دلالته على الإمامة، ووجه الاستدلال به أن لفظة (مولى) تفيد الأولى لأن مقدمة الحديث تدل عليه ولأن عرف اللغة يقتضيه وكذا الاستعمال لقوله تعالى: (النار هي مولاكم) أي أولى بهم، وقول الأخطل:

(فأصبحت مولاها من الناس كلهم)، وقولهم مولى العبد أي الأولى بتدبيره والتصرف فيه ولأنها مشتركة بين معان غير مرادة هنا إلا الأولى، ولأنه إما كل المراد أو بعضه ولا يجوز خروجه عن الإرادة لأنه حقيقة فيه ولم يثبت إرادة غيره.

 

قال: "ولحديث المنزلة المتواتر".

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السلام، وتقريره أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وتواتر المسلمون بنقل هذا الحديث لكنهم اختلفوا في دلالته على الإمامة، وتقرير الاستدلال به أن عليا عليه السلام له جميع منازل هارون من موسى بالنسبة إلى النبي صلى الله علية وآله لأن الوحدة منفية هنا للاستثناء المشروط بالكثرة وغير العموم ليس بمراد للاستثناء المخرج ما لولاه لوجب دخوله كالعدد، والأصل عدم الاشتراك ولانتفاء القائل بالكثرة من دون العموم ولعدم فهم المراد من خطاب الحكيم لولاه ومن جملة منازله الخلافة بعده لو عاش لثبوتها له في حياته.

 

قال: "ولاستخلافه على المدينة فيعم للاجماع".

أقول: هذا دليل آخر على إمامته عليه السلام، وتقريره أن النبي صلى الله عليه وآله استخلفه على المدينة وأرجف المنافقون بأمير المؤمنين عليه السلام فخرج إلى النبي وقال: يا رسول الله إن المنافقين زعموا أنك خلفتني استثقالا وتحرزا مني، فقال عليه السلام: (كذبوا إنما خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وإذا كان خليفته على المدينة في تلك الحال ولم يعزله قبل موته ولا بعده استمرت ولايته عليها فلا يكون غيره خليفة عليها، وإذا انتفت خلافة غيره عليها انتفت خلافته على غيرها للاجماع فثبت الخلافة له عليه السلام. (لا يقال) قد استخلف النبي صلى الله عليه وآله جماعة على المدينة وعلى غيرها ومع ذلك فليسوا أئمة عندكم، لأنا نقول: إن بعضهم عزله عليه السلام والباقون لم يقل أحد بإمامتهم.

 

قال: "ولقوله عليه السلام: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بكسر الدال".

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السلام، وتقريره أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بكسر الدال، وهذا نص صريح على الولاية والخلافة على ما تقدم.

 

قال: "ولأنه أفضل وإمامة المفضول قبيحة عقلا".

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السلام، وتقريره أنه أفضل من غيره على ما يأتي فيكون هو الإمام، لأن تقديم المفضول على الفاضل قبيح عقلا وللسمع على ما تقدم.

 

قال: "ولظهور المعجزة على يده كقلع باب خيبر ومخاطبة الثعبان ورفع الصخرة العظيمة عن القليب ومحاربة الجن ورد الشمس وغير ذلك وادعى الإمامة فيكون صادقا".

أقول: هذا دليل آخر على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وتقريره أنه قد ظهر على يده معجزات كثيرة وادعى الإمامة له دون غيره فيكون صادقا، أما المقدمة الأولى فلما تواتر عنه أنه فتح باب خيبر وعجز عن إعادته سبعون رجلا من أشد الناس قوة وخاطبه الثعبان على منبر الكوفة فسئل عنه فقال: إنه من حكام الجن أشكل عليه مسألة أجبته عنها.

ولما توجه إلى صفين أصابهم عطش عظيم فأمرهم فحفروا بئرا قريبا من دير، فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن قلعها فنزل عليه السلام فاقتلعها ودحا بها مسافة بعيدة فظهر الماء فشربوا، ثم أعادها فنزل صاحب الدير وأسلم فسئل عن ذلك فقال: بني هذا الدير على قالع هذه الصخرة ومضى من قبلي ولم يدركوه واستشهد معه عليه السلام في الشام وحارب الجن وقتل منهم جماعة كثيرة لما أرادوا وقوع الضرر بالنبي صلى الله عليه وآله حيث سار إلى بني المصطلق وردت له الشمس مرتين، وغير ذلك من الوقائع المشهورة الدالة على صدق فاعلها. وأما المقدمة الثانية فظاهرة منقولة بالتواتر إذ لا يشك أحد في أنه عليه السلام ادعى الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.

 

قال: "ولسبق كفر غيره فلا يصلح للإمامة فتعين هو عليه السلام".

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السلام وهو أن غيره ممن ادعى لهم الإمامة كالعباس وأبي بكر كانا كافرين قبل ظهور النبي صلى الله عليه وآله، فلا يصلحان للإمامة لقوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) والمراد بالعهد هنا عهد الإمامة لأنه جواب دعاء إبراهيم عليه السلام.

 

قال: "ولقوله تعالى: وكونوا مع الصادقين".

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السلام وهو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) أمر تعالى بالكون مع الصادقين أي المعلوم منهم الصدق ولا يتحقق ذلك إلا في حق المعصوم، إذ غيره لا يعلم صدقه ولا معصوم غير علي عليه السلام بالاجماع.

 

قال: "ولقوله تعالى: وأولي الأمر منكم".

أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي عليه السلام وهو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) أمر بالاتباع والطاعة لأولي الأمر، والمراد منه المعصوم إذ غيره لا أولوية له تقضي وجوب طاعته ولا معصوم غير علي عليه السلام بالاجماع.

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي